- عربي - نصوص الآيات عثماني : أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ
- عربى - نصوص الآيات : أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين
- عربى - التفسير الميسر : أولئك المنافقون باعوا أنفسهم في صفقة خاسرة، فأخذوا الكفر، وتركوا الإيمان، فما كسبوا شيئًا، بل خَسِروا الهداية. وهذا هو الخسران المبين.
- السعدى : أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ
أولئك, أي: المنافقون الموصوفون بتلك الصفات { الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى } أي: رغبوا في الضلالة, رغبة المشتري بالسلعة, التي من رغبته فيها يبذل فيها الأثمان النفيسة. وهذا من أحسن الأمثلة, فإنه جعل الضلالة, التي هي غاية الشر, كالسلعة، وجعل الهدى الذي هو غاية الصلاح بمنزلة الثمن، فبذلوا الهدى رغبة عنه بالضلالة رغبة فيها، فهذه تجارتهم, فبئس التجارة, وبئس الصفقة صفقتهم وإذا كان من بذل دينارا في مقابلة درهم خاسرا, فكيف من بذل جوهرة وأخذ عنها درهما؟" فكيف من بذل الهدى في مقابلة الضلالة, واختار الشقاء على السعادة, ورغب في سافل الأمور عن عاليها ؟" فما ربحت تجارته, بل خسر فيها أعظم خسارة. { قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } وقوله: { وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } تحقيق لضلالهم, وأنهم لم يحصل لهم من الهداية شيء, فهذه أوصافهم القبيحة.
- الوسيط لطنطاوي : أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ
ثم بين - سبحانه - لونا من ألوان غبائهم وبلادتهم فقال : ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ) .
الاشتراء : أخذ السلعة بالثمن . والمراد : أنهم استبدلوا ما كره الله من الضلالة بما أحبه من الهدى قال ابن عباس : أخذوا الضلالة وتركوا الهدى .
والمشار إليه ب " أولئك " هم المنافقون : الموصوفون في الآيات السابقة بالكذب والمخادعة ، والإِفساد في الأرض ، ورمي المؤمنين بالسفاهة واستهزائهم بهم .
والسر في الإِشارة والتعبير عنهم بأولئك تمييزهم وتوضيحهم بأكمل صورة وأجلى بيان إذ من المعروف عند علماء البلاغة أن اسم الإِشارة إذا أشير به إلى أشخاص وصفوا بصفات يلاحظ فيه تلك الصفات ، فهو بمنزلة إعادة ذكرها وإحضارها في أذهان المخاطبي . فتكون تلك الصفات ، وهي هنا الكذب والمخادعة وما عطف عليها ، كأنها ذكرت في هذه الآية مرة أخرى ليعرف بها علة الحكم الوارد بعد اسم الإِشارة ، وهو هنا اشتراء الضلالة بالهدى . أي : اختيارها . واستبدالها به .
وعبرت الآية بالاشتراء على سبيل الاستعارة ليتحدد مقدار رغبتهم في الضلالة ، وزهدهم في الهدى ، فإن المشتري في العادة يكون شديد الرغبة فيما يشتري ، رغبة تجعله شديد الزهد فيما يبذله من ثمن . فهم راغبون في الضلالة ، زاهدون في الهدى .
وقوله تعالى : ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ) لا يقتضي أنهم كانوا على هدى من ربهم فتركوه ، بل يكفي فيه أن يجعل تمكنهم من الهدى لقيام أدلته . بمنزلة الهدى الحاصل بالفعل .
ثم بين سبحانه نتيجة أخذه الضلالة وتركهم الهدى فقال :
( فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ ) أي : أنهم لم يحصلوا من اشترائهم الضلالة بالهدى على الربح ، وإذا كانت التجارة الحقيقة قد يفوت صاحبها الربح ، ولكنه لا يقع في خسارة بأن يبقى له رأس ماله محفوظاً ، فإن التجارة المقصودة من الآية هي استبدال الضلالة بالهدى ، لا يقابل الربح فيها إلا الخسران ، فإذا نفى عنها الربح فذلك يعني أنها تجارة خاسرة .
ثم قال - تعالى - : ( وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ) أي : وما كانوا مهتدين إلى سبيل الرشاد وما تتجه إليه العقول الراجحة من الدين الحق ، وما كانوا مهتدين إلى طرق التجارة الرابحة ، فهم أولا لم يربحوا في تجارتهم بل خسروها ، وهم ثانياً ذهب نور الهدى من حولهم فبقوا في ظلمة الضلال .
وما أوجع أن يجتمع على التاجر خسارته وتورطه ، وما أوجع أن يجتمع عليه أن ينقطع عن غايته ، وأن يكون في ظلمة تعوقه عن التبصر .
- البغوى : أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ
{أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى}: أي استبدلوا الكفر بالإيمان.
{فما ربحت تجارتهم}: أي ما ربحوا في تجارتهم.
أضاف الربح إلى التجارة لأن الربح يكون فيها، كما تقول العرب: ربح بيعك وخسرت صفقتك.
{وما كانوا مهتدين}: من الضلالة، وقيل: مصيبين في تجارتهم .
- ابن كثير : أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ
قال السدي في تفسيره ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة : ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ) قال : أخذوا الضلالة وتركوا الهدى .
وقال [ محمد ] بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ) أي : الكفر بالإيمان .
وقال مجاهد : آمنوا ثم كفروا .
وقال قتادة : استحبوا الضلالة على الهدى [ أي : الكفر بالإيمان ] . وهذا الذي قاله قتادة يشبهه في المعنى قوله تعالى في ثمود : ( وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ) [ فصلت : 17 ] .
وحاصل قول المفسرين فيما تقدم : أن المنافقين عدلوا عن الهدى إلى الضلال ، واعتاضوا عن الهدى بالضلالة ، وهو معنى قوله تعالى : ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ) أي بذلوا الهدى ثمنا للضلالة ، وسواء في ذلك من كان منهم قد حصل له الإيمان ثم رجع عنه إلى الكفر ، كما قال تعالى فيهم : ( ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم ) [ المنافقون : 3 ] ، أو أنهم استحبوا الضلالة على الهدى ، كما يكون حال فريق آخر منهم ، فإنهم أنواع وأقسام ؛ ولهذا قال تعالى : ( فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ) أي : ما ربحت صفقتهم في هذه البيعة ، ( وما كانوا مهتدين ) أي : راشدين في صنيعهم ذلك .
قال ابن جرير : حدثنا بشر ، حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ( فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ) قد - والله - رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضلالة ، ومن الجماعة إلى الفرقة ، ومن الأمن إلى الخوف ، ومن السنة إلى البدعة . وهكذا رواه ابن أبي حاتم ، من حديث يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة ، بمثله سواء .
- القرطبى : أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ
قوله تعالى : أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين
قوله تعالى : أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى قال سيبويه : ضمت الواو في " اشتروا " فرقا بينها وبين الواو الأصلية ، نحو : وأن لو استقاموا على الطريقة . وقال ابن كيسان : الضمة في الواو أخف من غيرها لأنها من جنسها . وقال الزجاج : حركت بالضم كما فعل في نحن . وقرأ ابن أبي إسحاق ويحيى بن يعمر بكسر الواو على أصل التقاء الساكنين . وروى أبو زيد الأنصاري عن قعنب أبي السمال العدوي أنه قرأ بفتح الواو لخفة الفتحة وإن كان ما قبلها مفتوحا . وأجاز الكسائي همز الواو وضمها كأدؤر . واشتروا : من الشراء . والشراء هنا مستعار . والمعنى استحبوا الكفر على الإيمان ، كما قال : فاستحبوا العمى على الهدى فعبر عنه بالشراء ; لأن الشراء إنما يكون فيما يحبه مشتريه . فأما أن يكون معنى شراء المعاوضة فلا ; لأن المنافقين لم يكونوا مؤمنين فيبيعون إيمانهم . وقال ابن عباس : أخذوا الضلالة وتركوا الهدى . ومعناه استبدلوا واختاروا الكفر على الإيمان . وإنما أخرجه بلفظ الشراء توسعا ; لأن الشراء والتجارة راجعان إلى الاستبدال ، والعرب تستعمل ذلك في كل من استبدل شيئا بشيء . قالأبو ذؤيب :
فإن تزعميني كنت أجهل فيكم فإني شريت الحلم بعدك بالجهل
وأصل الضلالة : الحيرة . ويسمى النسيان ضلالة لما فيه من الحيرة ، قال جل وعز : فعلتها إذا وأنا من الضالين أي الناسين . ويسمى الهلاك ضلالة ، كما قال عز وجل : وقالوا أئذا ضللنا في الأرض .
قوله تعالى : فما ربحت تجارتهم أسند تعالى الربح إلى التجارة على عادة العرب في قولهم : ربح بيعك ، وخسرت صفقتك ، وقولهم : ليل قائم ، ونهار صائم ، والمعنى : ربحت وخسرت في بيعك ، وقمت في ليلك وصمت في نهارك ، أي فما ربحوا في تجارتهم . وقال الشاعر :
نهارك هائم وليلك نائم كذلك في الدنيا تعيش البهائم
ابن كيسان : ويجوز تجارة وتجائر ، وضلالة وضلائل .
قوله تعالى : وما كانوا مهتدين في اشترائهم الضلالة . وقيل : في سابق علم الله . والاهتداء ضد الضلال ، وقد تقدم .
- الطبرى : أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ
القول في تأويل قوله جل ثناؤه: أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى
قال أبو جعفر: إن قال قائل: وكيف اشترى هؤلاء القومُ الضلالةَ بالهدى, وإنما كانوا منافقين لم يتقدم نفاقَهم إيمانٌ فيقال فيهم: باعوا هداهم الذي كانوا عليه بضلالتهم حتى استبدلوها منه؟ وقد علمتَ أن معنى الشراء المفهوم: اعتياضُ شيء ببذل شيء مكانه عِوَضًا منه, والمنافقون الذين وصفهم الله بهذه الصفة، لم يكونوا قط على هُدًى فيتركوه ويعتاضوا منه كفرًا ونفاقًا؟
قيل: قد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك, فنذكر ما قالوا فيه, ثم نبين الصحيحَ من التأويل في ذلك إن شاء الله:
380- حدثنا محمد بن حميد, قال: حدثنا سلمة بن الفضل, عن محمد بن إسحاق, عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: ( أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى ) ، أي الكفرَ بالإيمان.
381- وحدثني موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسباط, عن السُّدّيّ، في خبر ذكره، عن أبي مالك, وعن أبي صالح, عن ابن عباس - وعن مُرَّة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ( أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى ) ، يقول: أخذوا الضلالة وتركوا الهدى.
382- حدثنا بشر بن مُعاذ, قال: حدثنا يزيد, عن سعيد, عن قتادة: ( أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى ) ، استحبوا الضلالة على الهدى.
383- حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى بن ميمون, عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهد في قوله: ( أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى ) ، آمنوا ثم كفروا.
384- حدثنا المثنى, قال: حدثنا أبو حُذَيفة, قال: حدثنا شِبْل, عن ابن أبي نَجيح, عن مجاهد مثله (118) .
قال أبو جعفر: فكأن الذين قالوا في تأويل ذلك: " أخذوا الضلالة وتركوا الهدى " - وجَّهوا معنى الشراء إلى أنه أخذ المشترَى مكانَ الثمن المشترَى به, فقالوا: كذلك المنافق والكافر، قد أخذَا مكان الإيمان الكفرَ, فكان ذلك منهما شراءً ص[ 1-313 ] للكفر والضلالة اللذَيْن أخذاهما بتركهما ما تركا من الهدى, وكان الهدى الذي تركاه هو الثمن الذي جعلاه عوضًا من الضلالة التي أخذاها.
وأما الذين تأوَّلوا أن معنى قوله " اشْتَرَوْا ": " استحبُّوا ", فإنهم لما وَجدوا الله جل ثناؤه قد وصف الكفّار في موضع آخر، فنسبهم إلى استحبابهم الكفرَ على الهدى, فقال: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى [سورة فصلت: 17]، صرفوا قوله: ( اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى ) إلى ذلك. وقالوا: قد تدخل " الباء " مكان " على ", و " على " مكان " الباء ", كما يقال: مررت بفلان، ومررت على فلان، بمعنى واحد, وكقول الله جل ثناؤه: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ [سورة آل عمران: 75]، أي على قنطار. فكان تأويل الآية على معنى هؤلاء: أولئك الذين اختارُوا الضلالةَ على الهدى. وأراهم وجَّهوا معنى قول الله جل ثناؤه " اشْتَرَوا " إلى معنى اختاروا، لأن العرب تقول: اشتريت كذا على كذا, واسْتَرَيتُه - يَعْنُون اخترتُه عليه.
ومن الاستراء قول أعشى بني ثعلبة (119)
فَقَــدْ أُخْــرِجُ الكَــاعِبَ الْمُسْـتَرَا
ةَ مِــنْ خِدْرِهَــا وَأُشِــيعَ الْقِمَـارَ (120)
يعني بالمستراة: المختارة.
وقال ذو الرُّمة، في الاشتراء بمعنى الاختيار:
يَـذُبُّ الْقَصَايَـا عَـنْ شَـرَاةٍ كَأَنَّهَـا
جَمَـاهِيرُ تَحْـتَ الْمُدْجِنَـاتِ الْهَوَاضِبِ (121)
يعني بالشَّراة: المختارة.
وقال آخر في مثل ذلك:
إِنَّ الشَّـــرَاةَ رُوقَـــةُ الأَمْــوَالِ
وَحَــزْرَةُ الْقَلْــبِ خِيَــارُ الْمَـالِ (122)
قال أبو جعفر: وهذا، وإن كان وجهًا من التأويل، فلستُ له بمختار. لأن الله جل ثناؤه قال: فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ ، فدل بذلك على أن معنى قوله ( أُولَئِكَ الَّذِينَ ص[ 1-315 ] اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى ) ، معنى الشراء الذي يتعارفه الناس، من استبدال شيء مكان شيء، وأخذِ عِوَض على عوض.
وأما الذين قالوا: إنّ القوم كانوا مؤمنين وكفروا, فإنه لا مؤونة عليهم، لو كان الأمر على ما وصفوا به القوم. لأن الأمر إذا كان كذلك، فقد تركوا الإيمان, واستبدلوا به الكفرَ عوضًا من الهدى. وذلك هو المعنى المفهوم من معاني الشراء والبيع, ولكن دلائل أوّل الآيات في نعوتهم إلى آخرها، دالّةٌ على أن القوم لم يكونوا قط استضاءوا بنور الإيمان، ولا دخلوا في ملّة الإسلام, أوَما تسمعُ الله جل ثناؤه من لَدُنِ ابتدأ في نعتهم، إلى أن أتى على صفتهم، إنما وصفهم بإظهار الكذب بألسنتهم: بدعواهم التصديق بنبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به, خداعًا لله ولرسوله وللمؤمنين عند أنفسهم، واستهزاءً في نفوسهم بالمؤمنين, وهم لغير ما كانوا يظهرون مستبطنون. يقول الله جل جلاله (123) : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ، ثم اقتصَّ قَصَصَهم إلى قوله: ( أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى ) ؟ فأين الدلالة على أنهم كانوا مؤمنين فكفروا؟
فإن كان قائل هذه المقالة ظن أنّ قوله: " أولئك الذين اشْتَرَوُا الضَّلالة بالهُدى " هو الدليل على أنّ القوم قد كانوا على الإيمان فانتقلوا عنه إلى الكفر, فلذلك قيل لهم " اشتروا " - فإن ذلك تأويل غير مسلَّم له, إذْ كان الاشتراء عند مخالفيه قد يكون أخذَ شيء بتركِ آخرَ غيره, وقد يكون بمعنى الاختيار، وبغير ذلك من المعاني. والكلمة إذا احتملت وجوهًا، لم يكن لأحد صرفُ معناها إلى بعضٍ وجوهها دون بعضٍ، إلا بحجة يجب التسليم لها.
قال أبو جعفر: والذي هو أولى عندي بتأويل الآية، ما روينا عن ابن عباس وابن مسعود من تأويلهما قوله: ( اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى ) : أخذوا الضلالة وتركوا الهدى. وذلك أن كل كافر بالله فإنه مستبدلٌ بالإيمان كفرًا، باكتسابه الكفرَ الذي وُجد منه، بدلا من الإيمان الذي أمر به. أوَمَا تسمعُ الله جل ثناؤه يقول فيمن اكتسب كفرًا به مكان الإيمان به وبرسوله: وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ [سورة البقرة: 108]؟ وذلك هو معنى الشراء, لأن كلّ مشترٍ شيئًا فإنما يستبدل مكانَ الذي يُؤخذ منه من البدل آخرَ بديلا منه. فكذلك المنافقُ والكافر، استبدلا بالهدى الضلالةَ والنفاق , فأضلهما الله، وسلبهما نورَ الهدى، فترك جميعَهم في ظلمات لا يبصرون.
القول في تأويل قوله : فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ
قال أبو جعفر: وتأويل ذلك أن المنافقين -بشرائهم الضلالةَ بالهدى- خسروا ولم يربحوا, لأن الرابح من التجّار: المستبدِلُ من سلعته المملوكة عليه ص[1-316 ] بدلا هو أنفسَ من سلعته المملوكة أو أفضلَ من ثمنها الذي يبتاعها به. فأما المستبدِلُ من سلعته بدلا دُونها ودونَ الثمن الذي ابتاعها به (124) ، فهو الخاسر في تجارته لا شكّ. فكذلك الكافر والمنافق، لأنهما اختارَا الحيرة والعمى على الرشاد والهدى، والخوفَ والرعبَ على الحفظ والأمن, واستبدلا في العاجل: بالرَّشاد الحيرة, وبالهُدى الضلالةَ, وبالحفظ الخوفَ, وبالأمن الرعبَ - مع ما قد أعد لهما في الآجل من أليم العقاب وشديد العذاب, فخابا وخَسِرا, ذلك هو الخسران المبين.
وبنحو الذي قلنا في ذلك كان قتادة يقول.
385- حدثنا بشر بن مُعاذ, قال: حدثنا يزيد بن زُرَيع, عن سعيد, عن قتادة، ( فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ) : قد وَالله رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضلالة, ومن الجماعة إلى الفُرقة, ومن الأمن إلى الخوف, ومن السُّنة إلى البدعة (125) .
قال أبو جعفر: فإن قال قائل: فما وجه قوله: ( فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ ) ؟ وهل التجارة مما تَرْبَح أو تُوكس، فيقال: رَبِحت أو وُضِعَت (126) ؟
قيل: إن وجه ذلك على غير ما ظننتَ. وإنما معنى ذلك: فما ربحوا في تجارتهم - لا فيما اشترَوْا، ولا فيما شرَوْا. ولكن الله جل ثناؤه خاطب بكتابه عَرَبًا فسَلَك في خطابه إياهم وبيانه لهم، مَسلكَ خطاب بعضهم بعضًا، وبيانهم المستعمل بينهم (127) . فلما كان فصيحًا لديهم قول القائل لآخر: خاب سعيُك، ونام ليلُك, وخسِر بيعُك, ونحو ذلك من الكلام الذي لا يخفى على سامعه ما يريد قائله - خاطبهم بالذي هو في منطقهم من الكلام، فقال: ( فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ ) إذ كان معقولا عندهم أن الربح إنما هو في التجارة، كما النومُ في الليل. فاكتفى بفهم المخاطبين بمعنى ذلك، عن أن يقال: فما ربحوا في تجارتهم, وإنْ كان ذلك معناه, كما قال الشاعر:
وشَــرُّ الْمَنَايَـا مَيِّـتٌ وَسْـطَ أَهْلِـهِ
كَـهُلْكِ الْفَتَـاةِ أَسْـلَمَ الْحَـيَّ حَـاضِرُهُ (128)
يعني بذلك: وشر المنايا منيَّة ميت وَسط أهله، فاكتفى بفهم سامع قِيلِه مرادَه من ذلك، عن إظهار ما ترك إظهارَه، وكما قال رؤبة بن العَجَّاج:
حَـارِثُ! قَـدْ فَرَّجْـتَ عَنِّـي هَمِّـي
فَنَـــامَ لَيْــلِي وَتَجَــلَّى غَمِّــي (129)
فوَصف بالنوم الليل, ومعناه أنه هو الذي نام، وكما قال جرير بن الخَطَفَى:
وَأَعْــوَرَ مـن نَبْهَـانَ أَمَّـا نَهَـارُهُ
فَــأَعْمَى, وَأَمَّــا لَيْلُــهُ فَبَصِــيرُ (130)
فأضاف العمى والإبصار إلى الليل والنهار, ومرادُه وصفَ النبهانيّ بذلك.
القول في تأويل قوله: وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)
يعني بقوله جل ثناؤه ( وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ) : ما كانوا رُشداءَ في اختيارهم الضلالةَ على الهدى, واستبدالهم الكفرَ بالإيمان, واشترائهم النفاقَ بالتصديق والإقرار.
---------------
الهوامش :
(118) الأخبار : 380 - 384 : ساقها ابن كثير في تفسيره 1 : 95 ، 96 ، والسيوطي 1 : 31 ، 32 ، والشوكاني 1 : 33 ، 34 .
(119) في المطبوعة"الاشتراء" بالشين المعجمة ، وهو خطأ ، صوابه بالسين المهملة .
(120) ديوانه : 35 ، وطبقات فحول الشعراء : 36 ، واللسان (سرا) . وفي المطبوعة : "المشتراة" في الموضعين ، والصواب ما أثبتناه . والكاعب : التي كعب ثديها ، أي نهد ، يعني أنها غريرة منعمة محجوبة . وخدر الجارية : سترها الذي يمد لها لتلزمه بعد البلوغ ، وأشاع المال بين القوم : فرقه فيهم . وأراد بالقمار : لعب الميسر ، وعنى نصيب الفائز في الميسر من لحم الجزور ، يفرقه في الناس من كرمه .
(121) ديوانه : 62 . والضمير في قوله"يذب" لفحل الإبل . ويذب : يدفع ويطرد . والقصايا ، جمع قصية : وهي من الإبل رذالتها ، ضعفت فتخلفت . وجماهير ، جمع جمهور : وهو رملة مشرفة على ما حولها ، تراكم رملها وتعقد . والمدجنات ، من قولهم"سحابة داجنة ومدجنة" ، وهي : المطبقة الكثيفة المطر . والهواضب : التي دام مطرها وعظم قطرها . شبه الإبل في جلالة خلقها وضخامتها بجماهير الرمل المتلبدة في رأي العين من بعيد
(122) البيت الثاني في اللسان (حزر) . وروقة الناس : خيارهم وأبهاهم منظرًا . ويقال : هذا الشيء حزرة نفسي وقلبي : أي خير ما عندي ، وما يتعلق به القلب لنفاسته .
(123) في المطبوعة : "لقول الله . . . " .
(124) في المطبوعة : "يبتاعها" .
(125) الأثر 385- في ابن كثير 1 : 96 ، والسيوطي 1 : 32 ، والشوكاني 1 : 34 .
(126) وضع في تجارته يوضع وضيعة : غبن فيها وخسر ، ومثله : وكس .
(127) في المخطوطة : "المستعلم بينهم" ، ولعلها سبق قلم .
(128) هو للحطيئة ، من أبيات ليست في ديوانه ، بل في طبقات فحول الشعراء : 95 ، وسيبويه 1 : 109 وأمالي الشريف المرتضى 1 : 38 ، مع اختلاف في بعض الرواية ، ورواية الطبقات أجودهن . "أيقظ الحي" ، يعني أيقظ الحي حاضر الموت ، فقامت البواكي ترن وتندب ، وكأن رواية من روى"أسلم الحي" ، تعني أسلمهم للبكاء .
(129) ديوانه : 142 ، يمدح الحارث بن سليم ، من آل عمرو بن سعد بن زيد مناة .
(130) ديوانه : 206 ، والنقائض : 35 ، والمؤتلف والمختلف : 39 ، 161 ، ومعجم الشعراء 253 ، من شعر في هجاء الأعور النبهاني ، وكان هجا جريرًا ، فأكله جرير . قال أبو عبيدة : "أي هو أعور النهار عن الخيرات ، بصير الليل بالسوءات ، يسرق ويزني" .
- ابن عاشور : أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ
الإشارة إلى من يقول { آمنا بالله وباليوم الآخر } [ البقرة : 8 ] وما عطف على صلته من صفاتهم وجىء باسم إشارة الجمع لأن ما صدق «من» هو فريق من الناس ، وفصلت الجملة عن التي قبلها لتفيد تقرير معنى : { ويمدهم في طغيانهم يعمهون } [ البقرة : 15 ] فمضمونها بمنزلة التوكيد ، وذلك مما يقتضي الفصل ، ولتفيد تعليل مضمون جملة { ويمدهم في طغيانهم يعمهون } فتكون استئنافاً بيانياً لسائل عن العلة ، وهي أيضاً فذلكة للجمل السابقة الشارحة لأحوالهم وشأن الفذلكة عدم العطف كقوله تعالى : { تلك عشرة كاملة } [ البقرة : 196 ] ، وكل هذه الاعتبارات مقتض لعدم العطف ففيها ثلاثة موجبات للفصل .
وموقع هذه الجملة من نظم الكلام مقابل موقع جملة { أولئك على هدى من ربهم } [ البقرة : 5 ] ومقابل موقع جملة { ختم الله على قلوبهم } [ البقرة : 7 ] الآية .
واسم الإشارة هنا غير مشار به إلى ذوات ولكن إلى صنف اجتمعت فيهم الصفات الماضية فانكشفت أحوالهم حتى صاروا كالحاضرين تجاه السامع بحيث يشار إليهم وهذا استعمال كثير الورود في الكلام البليغ . وليس في هذه الإشارة إشعار ببعد أو قرب حتى تفيد تحقيراً ناشئاً عن البعد لأن هذا من أسماء الإشارة الغالبة في كلام العرب فلا عدول فيها حتى يكون العدول لمقصد كما تقدم في قوله تعالى : { ذلك الكتاب } [ البقرة : 2 ] ولأن المشار إليه هنا غير محسوس حتى يكون له مرتبة معينة فيكون العدول عن لفظها لقصد معنى ثان فإن قوله تعالى : { ذلك الكتاب } مع قرب الكتاب للناطق بآياته عدول عن إشارة القريب إلى البعيد فأفاد التعظيم . وعكس هذا قول قيس بن الخطيم :
متى يأتتِ هذا الموتُ لا يُلْففِ حاجة ... لنفسي إلا قد قضيت قضاءها
فإن الموت بعيد عنه فحقه أن يشير إليه باسم البعيد ، وعدل عنه إلى إشارة القريب لإظهار استخفافه به .
والاشتراء افتعال من الشري وفعله شرى الذي هو بمعنى باع كما أن اشترى بمعنى ابتاع فاشترى وابتاع كلاهما مطاوع لفعله المجرد أشار أهل اللسان إلى أن فاعل هذه المطاوعة هو الذي قبل الفعل والتزمه فدلوا بذلك على أنه آخذ شيئاً لرغبة فيه ، ولما كان معنى البيع مقتضياً آخذين وباذلين كان كل منهما بائعاً ومبتاعاً باختلاف الاعتبار ، ففعل باع منظور فيه ابتداء إلى معنى البذل والفعل ابتاع منظور فيه ابتداء إلى معنى الأخذ فإن اعتبره المتكلم آخذاً لما صار بيده عَبَّر عنه بمبتاع ومشتر ، وإن اعتبره باذلاً لما خرج من يده من العوض ، عَبَّر عنه ببائع وشار ، وبهذا يكون الفعلان جاريين على سَنَن واحد ، وقد ذكر كثير من اللغويين أن شرى يستعمل بمعنى اشترى والذي جرَّأهم على ذلك سوء التأمل في قوله تعالى : { وشَرَوْه بثمن بخس دراهمَ معدودةٍ } [ يوسف : 20 ] فتوهموا الضمير عائداً إلى المصريين مع أن معاده واضح قريب وهو سيارة من قوله تعالى :
{ وجاءت سيارة } [ يوسف : 19 ] أي باعوه ، وحسبك شاهداً على ذلك قوله : { وكانوا فيه من الزاهدين } [ يوسف : 20 ] أما الذي اشتراه فهو فيه من الراغبين ألا ترى إلى قوله لامرأته : { أكرمي مثواه } [ يوسف : 21 ] .
وعلى ذينك الاعتبارين في فعلي الشراء والبيع كانت تعديتهما إلى المفعول فهما يتعديان إلى المقصود الأصلي بأنفسهما وإلى غيره بالباء فيقال باع فرسه بألف وابتاع فرس فلان بألف لأن الفرس هو الذي كانت المعاقدة لأجله لأن الذي أخرجه ليبيعه علم أن الناس يرغبون فيه والذي جاء ليشتريه كذلك .
وإطلاق الاشتراء ههنا مجاز مرسل بعلاقة اللزوم ، أطلق الاشتراء على لازمه الثاني وهو الحرص على شيء والزهد في ضده أي حَرَصوا على الضلالة ، وزَهِدوا في الهدى إذ ليس في ما وقع من المنافقين استبدال شيء بشيء إذ لم يكونوا من قبل مهتدين .
ويجوز أن يكون الاشتراء مستعملاً في الاستبدال وهو لازمه الأول واستعماله في هذا اللازم مشهور . قال بشامة بن حَزن :
إِنَّا بني نَهْشَللٍ لا نَدَّعِي لأَبٍ ... عنه ولا هُوَ بالأبناء يَشْرينا
أي يبيعنا أي يبدلنا ، وقال عنترة بن الأَخرس المَعْني من شعراء «الحماسة» :
ومَنْ إِنْ بِعْتَ منزلة بأخرى ... حَلَلْتَ بأمره وبه تَسير
أي إذا استبدلتَ داراً بأخرى . وهذا بخلاف قول أبي النجم :
أخذتُ بالجمة رأساً أزعرا ... وبالطويل العُمْر عُمْرا جَيْدار
فيكون الحمل عليه هنا أن اختلاطهم كما اشترى المسلم إذ تنصرا بالمسلمين وإظهارهم الإيمان حالةٌ تشبه حال المهتدي تَلَبَّسوا بها فإذا خَلوا إلى شياطينهم طرحوها واستبدلوها بحالة الضلال وعلى هذا الوجه الثاني يصح أيضاً أن يكون الاشتراء استعارة بتشبيه تيْنك الحالتين بحال المشتري لشيء كان غير جائز له وارتضاه في «الكشاف» .
والموصول في قوله { الذين اشتروا } بمعنى المعرف بلام الجنس فيفيد التركيب قصر المسند على المسند إليه وهو قصر ادعائي باعتبار أنهم بلغوا الغاية في اشتراء الضلالة والحرص عليها إذ جمعوا الكفر والسفه والخداع والإفساد والاستهزاء بالمهتدين .
{ فَمَا رَبِحَت تجارتهم وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } .
رَتَّبت الفاء عدم الربح المعطوف بها وعدم الاهتداء المعطوف عليه على اشتراء الضلالة بالهدى لأن كليهما ناشىء عن الاشتراء المذكور في الوجود والظهور؛ لأنهم لما اشتروا الضلالة بالهدى فقد اشتروا ما لا ينفع وبذلوا ما ينفع فلا جرم أن يكونوا خاسرين وأن يتحقق أنهم لم يكونوا مهتدين فعدم الاهتداء وإن كان سابقاً على اشتراء الضلالة بالهدى أو هو عينه أو هو سببه إلا أنه لكونه عدماً فظهوره للناس في الوجود لا يكون إلا عند حصول أثره وهو ذلك الاشتراء ، فإذا ظهر أثره تبين للناس المؤثر فلذلك صح ترتيبه بفاء الترتيب فأشبه العلة الغائية ، ولهذا عبر ب { ما كانوا مهتدين } دون ما اهتدوا لأن ما كانوا أبلغ في النفي لإشعاره بأن انتفاء الاهتداء عنهم أمر متأصل سابق قديم ، لأن كان تدل على اتصاف اسمها بخبرها منذ المضي فكان نفي الكون في الزمن الماضي أنسب بهذا التفريع .
والربح هو نجاح التجارة ومصادفة الرغبة في السلع بأكثر من الأثمان التي اشتراها بها التاجر ويطلق الربح على المال الحاصل للتاجر زائداً على رأس ماله . والتجارة بكسر أوله على وزن فعالة وهي زنة الضائع ومعنى التجارة التصدي لاشتراء الأشياء لقصد بيعها بثمن أوفر مما اشترى به ليكتسب من ذلك الوفر ما ينفقه أو يتأثله . ولما كان ذلك لا ينجح إلا بالمثابرة والتجديد صيغ له وزن الضائع ونفي الربح في الآية تشبيه لحال المنافقين إذ قصدوا من النفاق غاية فأخفقت مساعيهم وضاعت مقاصدهم بحال التجار الذين لم يحصلوا من تجارتهم على ربح فلا التفات إلى رأس مال في التجارة حتى يقال إنهم إذا لم يربحوا فقد بقي لهم نفع رأس المال ويجاب بأن نفي الربح يستلزم ضياع رأس المال لأنه يتلف في النفقة من القوت والكسوة لأن هذا كله غير منظور إليه إذ الاستعارة تعتمد على ما يقصد من وجه الشبه فلا تلزم المشابهة في الأمور كلها كما هو مقرر في فن البيان .
وإنما أسند الربح إلى التجارة حتى نفي عنها لأن الربح لما كان مسبباً عن التجارة وكان الرابح هو التاجر صح إسناده للتجارة لأنها سببه فهو مجاز عقلي وذلك أنه لولا الإسناد المجازي لما صح أن ينفى عن الشيء ما يعلم كل أحد أنه ليس من صفاته لأنه يصير من باب الإخبار بالمعلوم ضرورة ، فلا تظنن أن النفي في مثل هذا حقيقة فتتركه ، إن انتفاء الربح عن التجارة واقع ثابت لأنها لا توصف بالربح وهكذا تقول في نحو قول جرير :
«ونمت وماليل المطي بنائم» ... بخلاف قولك ما ليله بطويل ، بل النفي هنا مجاز عقلي لأنه فرع عن اعتبار وصف التجارة بأنها إلى الخسر ووصفها بالربح مجاز وقاعدة ذلك أن تنظر في النفي إلى المنفي لو كان مثبتاً فإن وجدت إثباته مجازاً عقلياً فاجعل نفيه كذلك وإلا فاجعل نفيه حقيقة لأنه لا ينفى إلا ما يصح أن يثبت . وهذه هي الطريقة التي انفصل عليها المحقق التفتزاني في «المطول» ، وعدل عنها في «حواشي الكشاف» وهي أمثل مما عدل إليه .
وقد أفاد قوله : { فما ربحت تجارتهم } ترشيحاً للاستعارة في { اشتروا } فإن مرجع الترشيح إلى أن يقفى المجاز بما يناسبه سواء كان ذلك الترشيح حقيقة بحيث لا يستفاد منه إلا تقوية المجاز كما تقول له يد طولى أو هو أسد دامي البراثن أم كان الترشيح متميزاً به أو مستعاراً لمعنى آخر هو من ملائمات المجاز الأول سواء حسن مع ذلك استقلاله بالاستعارة كما في هذه الآية فإن نفي الربح ترشح به { اشتروا } . ومثله قول الشاعر أنشده ابن الأعرابي كما في «أساس البلاغة» للزمخشري ولم يعزُه :
ولما رأيت النَّسْر عزَّ ابنَ دايَةٍ ... وعشّش في وَكْرَيْه جاشَ له صدري
فإنه لما شبه الشيب بالنسر والشعر الأسود بالغراب صح تشبيه حلول الشيب في محلي السواد وهما الفودان بتعشيش الطائر في موضع طائر آخر؛ أم لم يحسن إلا مع المجاز الأول كقول بعض فُتَّاك العرب في أمه ( أنشده في «الكشاف» ولم أقف على تعيين قائله ) :
وما أُمُّ الرُّدَيْن وإنْ أَدَلَّتْ ... بعالمة بأخلاق الكرام
إذا الشيطانُ قَصَّع في قفاها ... تَنَفَّقْنَاهُ بالحَبْل التُّؤَامِ
فإنه لما استعار قصع لدخول الشيطان أي وسوسته وهي استعارة حسنة لأنه شبه الشيطان بضب يدخل للوسوسة ودخوله من مدخله المتعارف له وهو القاصعاء ، وجعل علاجهم وإزالة وسوسته كالتنفق أي تطلب خروج الضب من نافقائه بعد أن يسد عليه القاصعاء ولا تحسن هذه الثانية إلا تبعاً للأولى . والآية ليست من هذا القبيل . وقوله : { وما كانوا مهتدين } قد علم من قوله : { اشتروا الضلالة بالهدى } إلى : { وما كانوا مهتدين ، } فتعين أن الاهتداء المنفي هو الاهتداء بالمعنى الأصلي في اللغة وهو معرفة الطريق الموصل للمقصود وليس هو بالمعنى الشرعي المتقدم في قوله : { اشتروا الضلالة بالهدى } فلا تكرير في المعنى فلا يرد أنهم لما أخبر عنهم بأنهم اشتروا الضلالة بالهدى كان من المعْلوم أنه لم يبق فيهم هدى .
ومعنى نفي الاهتداء كناية عن إضاعة القصد أي إنهم أضاعوا ما سعوا له ولم يعرفوا ما يوصل لخير الآخر ولا ما يضر المسلمين . وهذا نداء عليهم بسفه الرأي والخرق وهو كما علمت فيما تقدم يجري مجرى العلة لعدم ربح التجارة ، فشبه سوء تصرفهم حتى في كفرهم بسوء تصرف من يريد الربح ، فيقع في الخسران . فقوله : { وما كانوا مهتدين } تمثيلية ويصح أن يؤخذ منها كناية عن الحسران وإضاعة كل شيء لأن من لم يكن مهتدياً أضاع الربح وأضاع رأس المال بسوء سلوكه .
- إعراب القرآن : أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ
«طغى طغيانا» جاوز الحد. «يَعْمَهُونَ» العمه التردد والتحير وخطأ الرأي ، «اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ» استبدلوها ، «الهدى» الإيمان.
«أُولئِكَ» اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ والكاف حرف خطاب. «الَّذِينَ» اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع خبر. والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها من الإعراب. «اشْتَرَوُا» فعل ماض مبني على الضم المقدر على الألف المحذوفة. والواو فاعل. «الضَّلالَةَ» مفعول به. «بِالْهُدى » جار ومجرور متعلقان بالفعل اشتروا.
و الجملة صلة الموصول. «فَما» الفاء عاطفة ما نافية. «رَبِحَتْ» فعل ماض والتاء للتأنيث. «تِجارَتُهُمْ» فاعل مرفوع ، والهاء في محل جر بالإضافة والميم للجمع. والجملة الفعلية معطوفة على جملة الصلة اشتروا. «وَما» كسابقتها. «كانُوا» فعل ماض ناقص. والواو اسمها. «مُهْتَدِينَ» خبر منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم. والجملة معطوفة على ما قبلها.
- English - Sahih International : Those are the ones who have purchased error [in exchange] for guidance so their transaction has brought no profit nor were they guided
- English - Tafheem -Maududi : أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ(2:16) These are the people who have bartered away Guidance for error, but this is a profitless bargain that they have made, and they are not at all on the right way.
- Français - Hamidullah : Ce sont eux qui ont troqué le droit chemin contre l'égarement Eh bien leur négoce n'a point profité Et ils ne sont pas sur la bonne voie
- Deutsch - Bubenheim & Elyas : Das sind diejenigen die das Irregehen um die Rechtleitung erkauft haben doch hat ihr Handel keinen Gewinn gebracht und sie sind nicht rechtgeleitet
- Spanish - Cortes : Ésos son los que han trocado la Dirección por el extravío Por eso su negocio no ha resultado lucrativo y no han sido bien dirigidos
- Português - El Hayek : São os que trocaram a orientação pelo extravio; mas tal troca não lhes trouxe proveito nem foram iluminados
- Россию - Кулиев : Они - те которые купили заблуждение за верное руководство Но сделка не принесла им прибыли и они не последовали прямым путем
- Кулиев -ас-Саади : أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ
Они - те, которые купили заблуждение за верное руководство. Но сделка не принесла им прибыли, и они не последовали прямым путем.Всевышний дал истинную характеристику лицемерам и сообщил, что они приобретают заблуждение за верное руководство и заключают неприбыльную сделку. Они желают исповедовать заблуждение так, как покупатель желает приобрести товар, за который он готов заплатить большие деньги. Это кораническое сравнение является одним из самых лучших и прекрасных сравнений. Аллах сравнил самое большое зло - заблуждение - с товаром, а самое большое добро - верное руководство - с ценой, которую платят за товар. Лицемеры пренебрегают верным руководством и предпочитают ему заблуждение. Вот сделка, которую они заключают, и как же невыгодна их сделка! Вот качества, которыми они обладают, и как же отвратительны их качества! И если человек, который обменивает динар на дирхем, оказывается в убытке, то что можно сказать о том, кто обменивает на дирхем драгоценный камень?!! И что можно сказать о том, кто обменивает верное руководство на заблуждение, отказываясь от собственного счастья и отдавая предпочтение несчастью, пренебрегая прекрасным уделом и устремляясь к жалкому?!! Такая торговля действительно оказывается убыточной, и этот убыток является самым великим и самым страшным. Всевышний сказал: «Воистину, потерпят убыток те, которые потеряют себя и свои семьи в День воскресения. Воистину, это и есть явный убыток!» (39:15). Затем Всевышний Аллах еще раз подчеркнул, что лицемеры не следуют прямым путем. Это свидетельствует о том, что они являются заблудшими грешниками, которые совершенно не прислушиваются к верному руководству. Дав лицемерам такую отвратительную характеристику, Всевышний Аллах привел притчу о них.
- Turkish - Diyanet Isleri : Onlar doğruluk yerine sapıklığı aldılar da alışverişleri kar getirmedi; doğru yolu bulamamışlardı
- Italiano - Piccardo : Sono quelli che hanno scambiato la retta Guida con la perdizione Il loro è un commercio senza utile e non sono ben guidati
- كوردى - برهان محمد أمين : ئهوانه گومڕاییان كڕی بهڕێنموویی و هیدایهت بازرگانیهكهیان قازانجی نهكرد سهرمایهكهشیان كه هیدایهته له دهستیانداو مایهپووچ بوون و وهرگری ڕێبازی هیدایهت نهبوون
- اردو - جالندربرى : یہ وہ لوگ ہیں جنہوں نے ہدایت چھوڑ کر گمراہی خریدی تو نہ تو ان کی تجارت ہی نے کچھ نفع دیا اور نہ وہ ہدایت یاب ہی ہوئے
- Bosanski - Korkut : Umjesto Pravim oni su krenuli krivim putem; njihova trgovina im nije donijela nikakvu dobit i oni ne znaju šta rade
- Swedish - Bernström : De har bytt bort [Guds] vägledning mot villfarelse och de har inte vunnit på sin byteshandel och är [nu] helt utan vägledning
- Indonesia - Bahasa Indonesia : Mereka itulah orang yang membeli kesesatan dengan petunjuk maka tidaklah beruntung perniagaan mereka dan tidaklah mereka mendapat petunjuk
- Indonesia - Tafsir Jalalayn : أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ
(Mereka itulah orang-orang yang membeli kesesatan dengan petunjuk) artinya mengambil kesesatan sebagai pengganti petunjuk (maka tidaklah beruntung perniagaan mereka) bahkan sebaliknya mereka merugi, karena membawa mereka ke dalam neraka yang menjadi tempat kediaman mereka untuk selama-lamanya. (Dan tidaklah mereka mendapat petunjuk) disebabkan perbuatan mereka itu.
- বাংলা ভাষা - মুহিউদ্দীন খান : তারা সে সমস্ত লোক যারা হেদায়েতের বিনিময়ে গোমরাহী খরিদ করে। বস্তুতঃ তারা তাদের এ ব্যবসায় লাভবান হতে পারেনি এবং তারা হেদায়েতও লাভ করতে পারেনি।
- தமிழ் - ஜான் டிரஸ்ட் : இவர்கள் தாம் நேர்வழிக்கு பதிலாகத் தவறான வழியைக் கொள்முதல் செய்து கொண்டவர்கள்; இவர்களுடைய இந்த வியாபாரம் இலாபம் தராது மேலும் இவர்கள் நேர்வழி பெறுபவர்ளும் அல்லர்
- ภาษาไทย - ภาษาไทย : ชนเหล่านี้คือผู้ที่ซื้อทางหลงผิด ด้วยทางที่ถูก ดังนั้น การค้าของพวกเขาจึงไม่ได้กำไร และทั้งพวกเขาก็ไม่เคยเป็นผู้รับเอาทางที่ถูกต้อง
- Uzbek - Мухаммад Содик : Ана ўшалар ҳидоятга залолатни сотиб олганлардир Ва тижоратлари фойда келтирмади ҳамда ҳидоят топганлардан бўлмадилар Ушбу оятда Аллоҳ таоло мунофиқлар ҳидоятни қўйиб залолатадашиш йўлини ихтиёр қилганликларини илоҳий таъбирлар билан баён қилмоқда Агар улар хоҳласалар ҳидоят қўлларига теккан эди ундан фойдаланиб юрсалар бўлар эди Пайғамбар алайҳиссалом бошқалар қатори уларни ҳам даъват қилган эдилар Аммо улар ҳидоятни бой бериб залолатни танладилар Яъни ҳидоятга залолатни сотиб олдилар Аммо уларнинг бу тижоратсавдолари фойда келтирмади Шу билан бирга улар ҳидоятдатўғри йўлда юрувчилардан бўлмадилар Имом Бухорий Абу Ҳурайра розийаллоҳу анҳудан ривоят қилган ҳадисда Пайғамбаримиз алайҳиссалом "Мунофиқнинг белгиси учдир гапирса ёлғон гапиради ваъда берса сўзида турмайди ва омонатга хиёнат қилади" деганлар Шунингдек Имом Бухорий Ибн Амр розийаллоҳу анҳудан ривоят қилган ҳадисда "Тўрт нарса бор кимда улар бўлса тўлиқ мунофиқ бўлади Кимда улардан бир хислат бўлса уни ташлагунча нифоқнинг хислатларидан бири у кишида туради Омонатга хиёнат қилади ёлғон гапиради аҳд қилса алдайди ва тортишса фожирлик қилади" дейилган
- 中国语文 - Ma Jian : 这等人,以正道换取迷误,所以他们的交易并未获利,他们不是遵循正道的。
- Melayu - Basmeih : Mereka itulah orangorang yang membeli kesesatan dengan meninggalkan petunjuk; maka tiadalah beruntung perniagaan mereka dan tidak pula mereka beroleh petunjuk hidayah
- Somali - Abduh : kuwaase waxay ku gateen haadida hanuunka mana ribxin faa'iidin ganacsigoodu mana hanuunsana
- Hausa - Gumi : Waɗannan su ne waɗanda suka sayi ɓata da shiriya sai fataucinsu bai yi rĩba ba kuma ba su kasance masu shiryuwa ba
- Swahili - Al-Barwani : Hao ndio walio nunua upotofu kwa uwongofu; lakini biashara yao haikupata tija wala hawakuwa wenye kuongoka
- Shqiptar - Efendi Nahi : Ata janë prej atyre që kanë blerë zgjedhur rrugën e gabuar në vend të së vërtetës Tregtia atyre nuk u solli kurrfarë dobie dhe as nuk janë orientuar në rrugë të drejtë
- فارسى - آیتی : اينان گمراهى را به هدايت خريدند، پس تجارتشان سود نكرد و در شمار هدايت يافتگان درنيامدند.
- tajeki - Оятӣ : Инҳо гумроҳиро ба ҳидоят хариданд, пас тоҷираташон суд накард ва дар шумори ҳидоятёфтагон дарнаёмадаанд.
- Uyghur - محمد صالح : ئەنە شۇلار ھىدايەتنى بېرىپ گۇمراھلىقنى ئالدى. شۇڭا سودىسى پايدا كەلتۈرمىدى، ئۇلار ھىدايەت تاپقۇچى بولمىدى
- Malayalam - ശൈഖ് മുഹമ്മദ് കാരകുന്ന് : അവരാണ് നേര്വഴി വിറ്റ് വഴികേട് വിലയ്ക്കെടുത്തവര്. അവരുടെ കച്ചവടം ഒട്ടും ലാഭകരമല്ല. അവര്ക്കു നേര്മാര്ഗം നഷ്ടപ്പെട്ടിരിക്കുന്നു.
- عربى - التفسير الميسر : اولئك المنافقون باعوا انفسهم في صفقه خاسره فاخذوا الكفر وتركوا الايمان فما كسبوا شيئا بل خسروا الهدايه وهذا هو الخسران المبين