- عربي - نصوص الآيات عثماني : وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰٓئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لِءَادَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ
- عربى - نصوص الآيات : وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين
- عربى - التفسير الميسر : واذكر -أيها الرسول- للناس تكريم الله لآدم حين قال سبحانه للملائكة: اسجدوا لآدم إكرامًا له وإظهارًا لفضله، فأطاعوا جميعًا إلا إبليس امتنع عن السجود تكبرًا وحسدًا، فصار من الجاحدين بالله، العاصين لأمره.
- السعدى : وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
ثم أمرهم تعالى بالسجود لآدم; إكراما له وتعظيما; وعبودية لله تعالى، فامتثلوا أمر الله; وبادروا كلهم بالسجود، { إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى } امتنع عن السجود; واستكبر عن أمر الله وعلى آدم، قال: { أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا } وهذا الإباء منه والاستكبار; نتيجة الكفر الذي هو منطو عليه; فتبينت حينئذ عداوته لله ولآدم وكفره واستكباره. وفي هذه الآيات من العبر والآيات; إثبات الكلام لله تعالى; وأنه لم يزل متكلما; يقول ما شاء; ويتكلم بما شاء; وأنه عليم حكيم، وفيه أن العبد إذا خفيت عليه حكمة الله في بعض المخلوقات والمأمورات فالوجب عليه; التسليم; واتهام عقله; والإقرار لله بالحكمة، وفيه اعتناء الله بشأن الملائكة; وإحسانه بهم; بتعليمهم ما جهلوا; وتنبيههم على ما لم يعلموه. وفيه فضيلة العلم من وجوه: منها: أن الله تعرف لملائكته; بعلمه وحكمته ، ومنها: أن الله عرفهم فضل آدم بالعلم; وأنه أفضل صفة تكون في العبد، ومنها: أن الله أمرهم بالسجود لآدم; إكراما له; لما بان فضل علمه، ومنها: أن الامتحان للغير; إذا عجزوا عما امتحنوا به; ثم عرفه صاحب الفضيلة; فهو أكمل مما عرفه ابتداء، ومنها: الاعتبار بحال أبوي الإنس والجن; وبيان فضل آدم; وأفضال الله عليه; وعداوة إبليس له; إلى غير ذلك من العبر.
- الوسيط لطنطاوي : وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
قوله - تعالى - : ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسجدوا لأَدَمََ . . . ) إلخ ، معطوف على قوله - تعالى قبل ذلك ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ . . . . ) إلخ ، من باب عطف القصة على القصة ، وإعادة ( إذ ) بعد حرف العطف المغني عن إعادة ظرفه ، تنبيه على أن الجملة مقصودة بذاتها ، لأنها متميزة بهذه القصة العجيبة فجاءت على أسلوب يؤذن بالاستقلال والاهتمام .
والسجود : لغة التذلل والخضوع مع انخفاض بانحناء وغيره ، وخص في الشرع بوضع الجبهة على الأرض بقصد العبادة .
وللعلماء في كيفية السجود الذي أمر به الملائكة لآدم أقوال : أرجحها أن السجود المأمور به في الآية يحمل على المعنى المعروف في اللغة ، أي : أن الله - تعالى - أمرهم بفعل تجاه آدم يكون مظهراً من مظاهر التواضع والخضوع له تحية وتعظيماً ، وإقراراً له بالفضل دون وضع الجبهة على الأرض الذي هو عبادة ، إذ عبادة غير الله شرك يتنزه الملائكة عنه .
وعلى هذا الرأي سار علماء أهل السنة . وقيل : إن السجود كان لله ، وآدم إنما كان كالقبلة يتوجه إليه الساجدون تحية له ، وإلى هذا الرأي اتجه علماء المعتزلة ، وقد قالوا ذلك هرباً من أن تكون الآية الكريمة حجة عليهم ، فإن أهل السنة قالوا : إبليس من الملائكة ، والصالحون من البشر أفضل من الملائكة ، واحتجوا بسجود الملائكة لآدم ، وخالفت المعتزلة في ذلك ، وقالت : الملائكة أفضل من البشر ، وسجود الملائكة لآدم كان كالقبلة .
والذي نراه أن ما سار عليه أهل السنة أرجح ، لأن ما ذهب إليه المعتزلة يبعده أن المقام مقام لإِظهار فضل آدم هو لون من الابتلاء والاختبار ، ليميز الله الخبيث من الطيب ، وينفذ ما سبق به العلم ، واقتضته المشيئة والحكمة :
ثم بين - سبحانه - ما حدث من الملائكة ومن إبليس فقال :
( فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى واستكبر وَكَانَ مِنَ الكافرين ) .
إبليس : اسم مشتق من الإِبلاس ، وهو الحزن الناشئ عن شدة اليأس ، وفعله أبلس ، والراجح أنه اسم أعجمي ، ومنعه من الصرف للعلمية والعجمة وهو كائن حي ، وقد أخطأ من حمله على معنى داعي الشر الذي يخطر في النفوس ، إذ ليس من المعقول أن يكون كذلك معنى داعي الشر الذي يخطر في النفوس ، إذ ليس من المعقول أن يكون كذلك مع أن القرآن أخبرنا بأنه يرى الناس ولا يرونه . قال - تعالى - ( يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ ) وقوله : ( أبى واستكبر ) الإِباء : الامتناع عن الفعل أنفة مع التمكن منه . والاستكبار : التكبر والتعاظم والغرور ، بمعنى أن يرى الشخص في نفسه علواً على غيره ، وهو خلق مذموم .
وكان في قوله : ( وَكَانَ مِنَ الكافرين ) بمعنى صار .
وجاء العطف في قوله ( فَسَجَدُواْ . . . ) بالفاء المفيدة للتعقيب ، للإشارة إلى أن الملائكة قد بادروا بالامتثال بدون تردد ، ولم يصدهم ما كان في نفوسهم من التخوف من أن يكون هذا المخلوق ، مظهر فساد وسفك دماء ، لأنهم منزهون عن المعاصي .
وللعلماء في كون إبليس من الملائكة أم لا قولان :
أحدهما : أنه كان منهم لأنه - سبحانه - أمرهم بالسجود لآدم ، ولولا أنه كان منهم لما توجه إليه الأمر بالسجود ، ولو لم يتوجه إليه الأمر بالسجود لم يكن عاصياً ، ولما استحق الخزي والنكال .
ولأن الأصل في المستثنى أن يكون داخلا تحت اسم المستثنى منه حتى يقوم دليل على أنه خارج عنه . وقد اختار هذا الرأي ابن عباس ، وابن مسعود وجمهور المفسرين .
وقيل إنه ليس منهم لقوله - تعالى - ( إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجن فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) فهو أصل الجن ، كما أن آدم أصل الإِنس ، ولأنه خلق من نار ، والملائكة خلقوا من نور ، ولأن له ذرية ولا ذرية للملائكة . وقد اختار هذا القول الحسن وقتادة وغيرهما .
وقد حاول ابن القيم أن يجمع بين الرأيين فقال : والصواب التفصيل في هذه المسألة ، وأن القولين في الحقيقة قول واحد ، فإن إبليس كان من الملائكة بصورته وليس منهم بمادته وأصله . كان من نار وأصل الملائكة من نور ، فالنافي كونه من الملائكة . والمثبت لم يتواردا على محل واحد .
ولما كان استثناء إبليس من الساجدين لا يدل على أنه ترك السجود عصياناً ، إذ قد يكون تركه لعذر ، دل بقول : ( أبى واستكبر ) على أنه امتنع من السجود أنفة ، وتعاظماً ، وأردف هذا التعاظم والغرور باعتراضه على الله - في تفصيل آدم ، فصار بذلك في فريق الكافرين ، ولذا ختمت الآية بقوله - تعالى - : ( وَكَانَ مِنَ الكافرين ) أي : صار بسبب عصيانه واستكباره من الكافرين بالله ، الجاحدين لنعمه ، البعيدين عن رحمته ورضوانه .
- البغوى : وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
وقوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} قرأ أبو جعفر {للملائكة اسجدوا} بضم التاء على جوار ألف اسجدوا، وكذلك قرأ {قال رب احكم بالحق} [112-الأنبياء] بضم الباء وضعفه النُحَاة جداً ونسبوه إلى الغلط فيه. واختلفوا في أن هذا الخطاب مع أي الملائكة فقال بعضهم: مع الذين كانوا سكان الأرض. والأصح: أنه مع جميع الملائكة لقوله تعالى: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون} [30-الحجر].
وقوله: (اسجدوا) فيه قولان: الأصح أن السجود كان لآدم على الحقيقة، وتضمن معنى الطاعة لله عز وجل بامتثال أمره، وكان ذلك سجود تعظيم وتحية لا سجود عبادة، كسجود إخوة يوسف له في قوله عز وجل: {وخروا له سجداً} [100-يوسف] ولم يكن فيه وضع الوجه على الأرض، إنما كان الانحناء، فلما جاء الإسلام أبطل ذلك بالسلام.
وقيل: معنى قوله {اسجدوا لآدم} أي إلى آدم قِبلة، والسجود لله تعالى، كما جعلت الكعبة قِبلةً للصلاة والصلاة لله عز وجل.
{فسجدوا} يعني: الملائكة.
{إلا إبليس} وكان اسمه عزازيل بالسريانية، وبالعربية: الحارث، فلما عصى غير اسمه وصورته فقيل: إبليس، لأنه أبلس من رحمة الله تعالى أي يئس. واختلفوا فيه فقال ابن عباس رضي الله عنهما وأكثر المفسرين: "كان إبليس من الملائكة"، وقال الحسن: "كان من الجن ولم يكن من الملائكة لقوله تعالى {إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه} [50-الكهف] فهو أصل الجن كما أن آدم أصل الإنس، ولأنه خلق من النار والملائكة خلقوا من النور، ولأن له ذرية ولا ذرية للملائكة، والأول أصح لأن خطاب السجود كان مع الملائكة، وقوله {كان من الجن} أي من الملائكة الذين هم خزنة الجنة.
وقال سعيد بن جبير: "
من الذين يعملون في الجنة".وقال: قوم من الملائكة الذين يصوغون حلي أهل الجنة.
وقيل: إن فرقة من الملائكة خلقوا من النار سموا جناً لاستتارهم عن الأعين، وإبليس كان منهم. والدليل عليه قوله تعالى: {وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً} [158-الصافات] وهو قولهم: الملائكة بنات الله، ولما أخرجه الله من الملائكة جعل له ذرية.
قوله: {أبى} أي امتنع فلم يسجد.
{واستكبر} أي تكبر عن السجود (لآدم).
{وكان} أي: صار
{من الكافرين} وقال أكثر المفسرين: وكان في سابق علم الله من الكافرين الذين وجبت لهم الشقاوة.
أنا أبو بكر محمد بن عبد الصمد الترابي أنا ابن الحاكم أبو الفضل محمد بن الحسين الحدادي أنا أبو يزيد محمد بن يحيى بن خالد أنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أنا جرير ووكيع وأبومعاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "
إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول: يا ويله أُمِر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأُمِرت بالسجود فعصيت فلي النار". - ابن كثير : وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
وهذه كرامة عظيمة من الله تعالى لآدم امتن بها على ذريته ، حيث أخبر أنه تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم . وقد دل على ذلك أحاديث - أيضا - كثيرة منها حديث الشفاعة المتقدم ، وحديث موسى ، عليه السلام : رب ، أرني آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة ، فلما اجتمع به قال : أنت آدم الذي خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته . قال . . . وذكر الحديث كما سيأتي .
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا عثمان بن سعيد ، حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال لهم : الجن ، خلقوا من نار السموم ، من بين الملائكة ، وكان اسمه الحارث ، وكان خازنا من خزان الجنة ، قال : وخلقت الملائكة كلهم من نور غير هذا الحي ، قال : وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار ، [ وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا لهبت قال : وخلق الإنسان من طين ] . فأول من سكن الأرض الجن فأفسدوا فيها وسفكوا الدماء ، وقتل بعضهم بعضا . قال : فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة - وهم هذا الحي الذي يقال لهم : الجن - فقتلهم إبليس ومن معه ، حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال ، فلما فعل إبليس ذلك اغتر في نفسه ، فقال : قد صنعت شيئا لم يصنعه أحد . قال : فاطلع الله على ذلك من قلبه ، ولم يطلع عليه الملائكة الذين كانوا معه ، فقال الله تعالى للملائكة الذين معه : ( إني جاعل في الأرض خليفة ) فقالت الملائكة مجيبين له : ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) كما أفسدت الجن وسفكت الدماء ، وإنما بعثتنا عليهم لذلك ؟ فقال : ( إني أعلم ما لا تعلمون ) يقول : إني قد اطلعت من قلب إبليس على ما لم تطلعوا عليه من كبره واغتراره ، قال : ثم أمر بتربة آدم فرفعت ، فخلق الله آدم من طين لازب - واللازب : اللزج الصلب من حمإ مسنون منتن ، وإنما كان حمأ مسنونا بعد التراب . فخلق منه آدم بيده ، قال : فمكث أربعين ليلة جسدا ملقى . فكان إبليس يأتيه فيضربه برجله ، فيصلصل ، أي فيصوت . قال : فهو قول الله تعالى : ( من صلصال كالفخار ) [ الرحمن : 14 ] ) يقول : كالشيء المنفرج الذي ليس بمصمت . قال : ثم يدخل في فيه ويخرج من دبره ، ويدخل من دبره ، ويخرج من فيه . ثم يقول : لست شيئا - للصلصلة - ولشيء ما خلقت ، ولئن سلطت عليك لأهلكنك ، ولئن سلطت علي لأعصينك . قال : فلما نفخ الله فيه من روحه ، أتت النفخة من قبل رأسه ، فجعل لا يجري شيء منها في جسده إلا صار لحما ودما ، فلما انتهت النفخة إلى سرته نظر إلى جسده فأعجبه ما رأى من جسده ، فذهب لينهض فلم يقدر ، فهو قول الله تعالى : ( وكان الإنسان عجولا ) قال : ضجر لا صبر له على سراء ولا ضراء . قال : فلما تمت النفخة في جسده عطس ، فقال : الحمد لله رب العالمين - بإلهام الله - فقال [ الله ] له : يرحمك الله يا آدم . قال ثم قال [ الله ] تعالى للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة دون الملائكة الذين في السماوات : اسجدوا لآدم . فسجدوا كلهم أجمعون إلا إبليس أبى واستكبر ، لما كان حدث نفسه من الكبر والاغترار . فقال : لا أسجد له ، وأنا خير منه وأكبر سنا وأقوى خلقا ، خلقتني من نار وخلقته من طين . يقول : إن النار أقوى من الطين . قال : فلما أبى إبليس أن يسجد أبلسه الله ، أي : آيسه من الخير كله ، وجعله شيطانا رجيما عقوبة لمعصيته ، ثم علم آدم الأسماء كلها ، وهي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس : إنسان ودابة وأرض وسهل وبحر وجبل وحمار ، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها . ثم عرض هذه الأسماء على أولئك الملائكة ، يعني الملائكة الذين كانوا مع إبليس ، الذين خلقوا من نار السموم ، وقال لهم : ( أنبئوني بأسماء هؤلاء ) يقول : أخبروني بأسماء هؤلاء ( إن كنتم صادقين ) إن كنتم تعلمون لم أجعل في الأرض خليفة . قال : فلما علمت الملائكة موجدة الله عليهم فيما تكلموا به من علم الغيب ، الذي لا يعلمه غيره ، الذي ليس لهم به علم قالوا : سبحانك ، تنزيها لله من أن يكون أحد يعلم الغيب غيره ، وتبنا إليك ( لا علم لنا إلا ما علمتنا ) تبريا منهم من علم الغيب ، إلا ما علمتنا كما علمت آدم ، فقال : ( يا آدم أنبئهم بأسمائهم ) يقول : أخبرهم بأسمائهم ( فلما أنبأهم ) [ يقول : أخبرهم ] ( بأسمائهم قال ألم أقل لكم ) أيها الملائكة خاصة ( إني أعلم غيب السماوات والأرض ) ولا يعلم غيري ( وأعلم ما تبدون ) يقول : ما تظهرون ( وما كنتم تكتمون ) يقول : أعلم السر كما أعلم العلانية ، يعني : ما كتم إبليس في نفسه من الكبر والاغترار .
هذا سياق غريب ، وفيه أشياء فيها نظر ، يطول مناقشتها ، وهذا الإسناد إلى ابن عباس يروى به تفسير مشهور .
وقال السدي في تفسيره ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : لما فرغ الله من خلق ما أحب استوى على العرش ، فجعل إبليس على ملك السماء الدنيا ، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم : الجن ، وإنما سموا الجن لأنهم خزان الجنة ، وكان إبليس مع ملكه خازنا ، فوقع في صدره كبر وقال : ما أعطاني الله هذا إلا لمزية لي على الملائكة . فلما وقع ذلك الكبر في نفسه اطلع الله على ذلك منه . فقال الله للملائكة : ( إني جاعل في الأرض خليفة ) قالوا : ربنا ، وما يكون ذلك الخليفة ؟ قال : يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا . قالوا : ربنا ، ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون ) يعني : من شأن إبليس . فبعث الله جبريل إلى الأرض ليأتيه بطين منها ، فقالت الأرض : إني أعوذ بالله منك أن تقبض مني أو تشينني فرجع ولم يأخذ ، وقال : رب مني عاذت بك فأعذتها ، فبعث ميكائيل ، فعاذت منه فأعاذها ، فرجع فقال كما قال جبريل ، فبعث ملك الموت فعاذت منه . فقال : وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره ، فأخذ من وجه الأرض ، وخلط ولم يأخذ من مكان واحد ، وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء ، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين ، فصعد به فبل التراب حتى عاد طينا لازبا - واللازب : هو الذي يلتزق بعضه ببعض - ثم قال للملائكة : ( إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) [ ص : 71 ، 72 ] فخلقه الله بيده لئلا يتكبر إبليس عنه ، ليقول له : تتكبر عما عملت بيدي ، ولم أتكبر أنا عنه . فخلقه بشرا ، فكان جسدا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة ، فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه ، وكان أشدهم فزعا منه إبليس ، فكان يمر به فيضربه فيصوت الجسد كما يصوت الفخار وتكون له صلصلة . فذلك حين يقول : ( من صلصال كالفخار ) [ الرحمن : 14 ] ويقول : لأمر ما خلقت . ودخل من فيه فخرج من دبره ، وقال للملائكة : لا ترهبوا من هذا ، فإن ربكم صمد وهذا أجوف . لئن سلطت عليه لأهلكنه ، فلما بلغ الحين الذي يريد الله عز وجل أن ينفخ فيه الروح ، قال للملائكة : إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له ، فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه ، عطس ، فقالت الملائكة : قل : الحمد لله . فقال : الحمد لله ، فقال له الله : رحمك ربك ، فلما دخلت الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة . فلما دخل الروح في جوفه اشتهى الطعام ، فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة ، فذلك حين يقول تعالى : ( خلق الإنسان من عجل ) [ الأنبياء : 37 ] ( فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين ) [ الحجر : 30 ، 31 ] أبى واستكبر وكان من الكافرين . قال الله له : ما منعك أن تسجد إذ أمرتك لما خلقت بيدي ؟ قال : أنا خير منه ، لم أكن لأسجد لمن خلقته من طين . قال الله له : اخرج منها فما يكون لك ، يعني : ما ينبغي لك ( أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين )
[ الأعراف : 13 ] والصغار : هو الذل . قال : ( وعلم آدم الأسماء كلها ) ثم عرض الخلق على الملائكة ( فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ) أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء ، فقالوا ( سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ) قال الله : ( يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ) قال : قولهم : ( أتجعل فيها من يفسد فيها ) فهذا الذي أبدوا ، وأعلم ما تكتمون يعني : ما أسر إبليس في نفسه من الكبر .
فهذا الإسناد إلى هؤلاء الصحابة مشهور في تفسير السدي ويقع فيه إسرائيليات كثيرة ، فلعل بعضها مدرج ليس من كلام الصحابة ، أو أنهم أخذوه من بعض الكتب المتقدمة . والله أعلم . والحاكم يروي في مستدركه بهذا الإسناد بعينه أشياء ، ويقول : [ هو ] على شرط البخاري .
والغرض أن الله تعالى لما أمر الملائكة بالسجود لآدم دخل إبليس في خطابهم ؛ لأنه - وإن لم يكن من عنصرهم - إلا أنه كان قد تشبه بهم وتوسم بأفعالهم ؛ فلهذا دخل في الخطاب لهم ، وذم في مخالفة الأمر . وسنبسط المسألة إن - شاء الله تعالى - عند قوله : ( إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه ) [ الكهف : 50 ] .
ولهذا قال : محمد بن إسحاق ، عن خلاد ، عن عطاء ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : كان إبليس قبل أن يركب المعصية من الملائكة اسمه عزازيل ، وكان من سكان الأرض ، وكان من أشد الملائكة اجتهادا ، وأكثرهم علما ؛ فذلك دعاه إلى الكبر ، وكان من حي يسمون جنا .
وفي رواية عن خلاد ، عن عطاء ، عن طاوس - أو مجاهد - عن ابن عباس ، أو غيره ، بنحوه .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا عباد - يعني : ابن العوام - عن سفيان بن حسين ، عن يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان إبليس اسمه عزازيل ، وكان من أشراف الملائكة من ذوي الأجنحة الأربعة ، ثم أبلس بعد .
وقال سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : كان إبليس من أشراف الملائكة وأكرمهم قبيلة ، وكان خازنا على الجنان ، وكان له سلطان سماء الدنيا ، وكان له سلطان الأرض .
وهكذا روى الضحاك وغيره عن ابن عباس ، سواء .
وقال صالح مولى التوءمة ، عن ابن عباس : إن من الملائكة قبيلا يقال لهم : الجن ، وكان إبليس منهم ، وكان يسوس ما بين السماء والأرض ، فعصى ، فمسخه الله شيطانا رجيما . رواه ابن جرير .
وقال قتادة عن سعيد بن المسيب : كان إبليس رئيس ملائكة سماء الدنيا .
وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عدي بن أبي عدي ، عن عوف ، عن الحسن ، قال : ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط ، وإنه لأصل الجن ، كما أن آدم أصل الإنس . وهذا إسناد صحيح عن الحسن . وهكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم سواء .
وقال شهر بن حوشب : كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة ، فأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء ، رواه ابن جرير .
وقال سنيد بن داود : حدثنا هشيم ، أنبأنا عبد الرحمن بن يحيى ، عن موسى بن نمير وعثمان بن سعيد بن كامل ، عن سعد بن مسعود ، قال : كانت الملائكة تقاتل الجن ، فسبي إبليس وكان صغيرا ، فكان مع الملائكة ، فتعبد معها ، فلما أمروا بالسجود لآدم سجدوا ، فأبى إبليس . فلذلك قال تعالى : ( إلا إبليس كان من الجن ) [ الكهف : 50 ] .
وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن سنان القزاز ، حدثنا أبو عاصم ، عن شريك ، عن رجل ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : إن الله خلق خلقا ، فقال : اسجدوا لآدم . فقالوا : لا نفعل . فبعث الله عليهم نارا فأحرقتهم ، ثم خلق خلقا آخر ، فقال : إني خالق بشرا من طين ، اسجدوا لآدم . قال : فأبوا . فبعث الله عليهم نارا فأحرقتهم . ثم خلق هؤلاء ، فقال : اسجدوا لآدم ، قالوا : نعم . وكان إبليس من أولئك الذين أبوا أن يسجدوا لآدم . وهذا غريب ، ولا يكاد يصح إسناده ، فإن فيه رجلا مبهما ، ومثله لا يحتج به ، والله أعلم .
وقال قتادة في قوله : ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) فكانت الطاعة لله ، والسجدة أكرم الله آدم بها أن أسجد له ملائكته .
وقال في قوله تعالى : ( فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ) حسد عدو الله إبليس آدم ، عليه السلام ، على ما أعطاه الله من الكرامة ، وقال : أنا ناري وهذا طيني ، وكان بدء الذنوب الكبر ، استكبر عدو الله أن يسجد لآدم عليه السلام .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو أسامة ، حدثنا صالح بن حيان ، حدثنا عبد الله بن بريدة : قوله تعالى : ( وكان من الكافرين ) من الذين أبوا ، فأحرقتهم النار .
وقال أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( وكان من الكافرين ) يعني : من العاصين .
وقال السدي : ( وكان من الكافرين ) الذين لم يخلقهم الله يومئذ يكونون بعد .
وقال محمد بن كعب القرظي : ابتدأ الله خلق إبليس على الكفر والضلالة ، وعمل بعمل الملائكة ، فصيره إلى ما أبدى عليه خلقه من الكفر ، قال الله تعالى : ( وكان من الكافرين )
وقال بعض الناس : كان هذا سجود تحية وسلام وإكرام ، كما قال تعالى : ( ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا ) [ يوسف : 100 ] وقد كان هذا مشروعا في الأمم الماضية ولكنه نسخ في ملتنا ، قال معاذ : قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لأساقفتهم وعلمائهم ، فأنت يا رسول الله أحق أن يسجد لك ، فقال : لا ، لو كنت آمرا بشرا أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها ورجحه الرازي ، وقال بعضهم : بل كانت السجدة لله وآدم قبلة فيها كما قال : ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) [ الإسراء : 78 ] وفي هذا التنظير نظر ، والأظهر أن القول الأول أولى ، والسجدة لآدم إكراما وإعظاما واحتراما وسلاما ، وهي طاعة لله عز وجل ؛ لأنها امتثال لأمره تعالى ، وقد قواه الرازي في تفسيره وضعف ما عداه من القولين الآخرين وهما كونه جعل قبلة إذ لا يظهر فيه شرف ، والآخر : أن المراد بالسجود الخضوع لا الانحناء ووضع الجبهة على الأرض وهو ضعيف كما قال .
قلت : وقد ثبت في الصحيح : لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر وقد كان في قلب إبليس من الكبر - والكفر - والعناد ما اقتضى طرده وإبعاده عن جناب الرحمة وحضرة القدس ؛ قال بعض المعربين : وكان من الكافرين أي : وصار من الكافرين بسبب امتناعه ، كما قال : ( فكان من المغرقين ) [ هود : 43 ] وقال ( فتكونا من الظالمين ) [ البقرة : 35 ] وقال الشاعر :
بتيهاء قفر والمطي كأنها قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها
أي : قد صارت ، وقال ابن فورك : تقديره : وقد كان في علم الله من الكافرين ، ورجحه القرطبي ، وذكر هاهنا مسألة فقال : قال علماؤنا من أظهر الله على يديه ممن ليس بنبي كرامات وخوارق للعادات فليس ذلك دالا على ولايته ، خلافا لبعض الصوفية والرافضة هذا لفظه . ثم استدل على ما قال : بأنا لا نقطع بهذا الذي جرى الخارق على يديه أنه يوافي الله بالإيمان ، وهو لا يقطع لنفسه بذلك ، يعني والولي الذي يقطع له بذلك في نفس الأمر .
قلت : وقد استدل بعضهم على أن الخارق قد يكون على يدي غير الولي ، بل قد يكون على يد الفاجر والكافر ، أيضا ، بما ثبت عن ابن صياد أنه قال : هو الدخ حين خبأ له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : ( فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ) [ الدخان : 10 ] ، وبما كان يصدر عنه أنه كان يملأ الطريق إذا غضب حتى ضربه عبد الله بن عمر ، وبما ثبتت به الأحاديث عن الدجال بما يكون على يديه من الخوارق الكثيرة من أنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر ، والأرض أن تنبت فتنبت ، وتتبعه كنوز الأرض مثل اليعاسيب ، وأنه يقتل ذلك الشاب ثم يحييه إلى غير ذلك من الأمور المهولة . وقد قال يونس بن عبد الأعلى الصدفي : قلت للشافعي : كان الليث بن سعد يقول : إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة ، فقال الشافعي : قصر الليث ، رحمه الله ، بل إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة ، وقد حكى فخر الدين وغيره قولين للعلماء : هل المأمور بالسجود لآدم خاص بملائكة الأرض ، أو عام بملائكة السماوات والأر ، وقد رجح كلا من القولين طائفة ، وظاهر الآية الكريمة العموم : ( فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس ) [ الحجر : 30 ، 31 ، ص : 73 ، 74 ] ، فهذه أربعة أوجه مقوية للعموم ، والله أعلم .
- القرطبى : وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
قوله تعالى : وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين
فيه عشر مسائل :
الأولى : قوله تعالى : وإذ قلنا أي واذكر . وأما قول أبي عبيدة : إن إذ زائدة فليس بجائز ; لأن إذ ظرف وقد تقدم . وقال : قلنا ولم يقل قلت لأن الجبار العظيم يخبر عن نفسه بفعل الجماعة تفخيما وإشادة بذكره . والملائكة جمع ملك ، وروي عن أبي جعفر بن القعقاع أنه ضم تاء التأنيث من الملائكة إتباعا لضم الجيم في اسجدوا . ونظيره الحمد لله .
الثانية قوله تعالى : اسجدوا لآدم السجود معناه في كلام العرب التذلل والخضوع ، قال الشاعر :
بجمع تضل البلق في حجراته ترى الأكم فيها سجدا للحوافر
الأكم : الجبال الصغار . جعلها سجدا للحوافر لقهر الحوافر إياها وأنها لا تمتنع عليها . وعين ساجدة ، أي فاترة عن النظر ، وغايته وضع الوجه بالأرض . قال ابن فارس : سجد إذا تطامن ، وكل ما سجد فقد ذل . والإسجاد : إدامة النظر . قال أبو عمرو : وأسجد إذا طأطأ رأسه ، قال حميد بن ثور :
فضول أزمتها أسجدت سجود النصارى لأحبارها
قال أبو عبيدة : وأنشدني أعرابي من بني أسد :
وقلن له أسجد لليلى فأسجدا
يعني البعير إذا طأطأ رأسه . ودراهم الإسجاد : دراهم كانت عليها صور كانوا يسجدون لها ، قال :
وافى بها كدراهم الإسجاد
الثالثة : استدل من فضل آدم وبنيه بقوله تعالى للملائكة : اسجدوا لآدم . قالوا : وذلك يدل على أنه كان أفضل منهم .
والجواب أن معنى اسجدوا لآدم اسجدوا لي مستقبلين وجه آدم . وهو كقوله تعالى : أقم الصلاة لدلوك الشمس أي عند دلوك الشمس وكقوله : ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين أي فقعوا لي عند إتمام خلقه ومواجهتكم إياه ساجدين . وقد بينا أن المسجود له لا يكون أفضل من الساجد بدليل القبلة .
فإن قيل : فإذا لم يكن أفضل منهم فما الحكمة في الأمر بالسجود له ؟ قيل له : إن الملائكة لما استعظموا بتسبيحهم وتقديسهم أمرهم بالسجود لغيره ليريهم استغناءه عنهم وعن عبادتهم . وقال بعضهم : عيروا آدم واستصغروه ولم يعرفوا خصائص الصنع به فأمروا بالسجود له تكريما . ويحتمل أن يكون الله تعالى أمرهم بالسجود له معاقبة لهم على قولهم : أتجعل فيها من يفسد فيها لما قال لهم : إني جاعل في الأرض خليفة وكان علم منهم أنه إن خاطبهم أنهم قائلون هذا ، فقال لهم : إني خالق بشرا من طين وجاعله خليفة ، فإذا نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين . والمعنى : ليكون ذلك عقوبة لكم في ذلك الوقت على ما أنتم قائلون لي الآن .
فإن قيل : فقد استدل ابن عباس على فضل البشر بأن الله تعالى أقسم بحياة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال : لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون . وأمنه من العذاب بقوله : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر . وقال للملائكة : ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم . قيل له : إنما لم يقسم بحياة الملائكة كما لم يقسم بحياة نفسه سبحانه ، فلم يقل : لعمري . وأقسم بالسماء والأرض ، ولم يدل على أنهما أرفع قدرا من العرش والجنان السبع . وأقسم بالتين والزيتون . وأما قوله سبحانه : ومن يقل منهم إني إله من دونه فهو نظير قوله لنبيه عليه السلام : لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين فليس فيه إذا دلالة ، والله أعلم .
الرابعة : واختلف الناس في كيفية سجود الملائكة لآدم بعد اتفاقهم على أنه لم يكن سجود عبادة ، فقال الجمهور : كان هذا أمرا للملائكة بوضع الجباه على الأرض ، كالسجود المعتاد في الصلاة ; لأنه الظاهر من السجود في العرف والشرع ، وعلى هذا قيل : كان ذلك السجود تكريما لآدم وإظهارا لفضله ، وطاعة لله تعالى ، وكان آدم كالقبلة لنا . ومعنى لآدم : إلى آدم ، كما يقال صلى للقبلة ، أي إلى القبلة . وقال قوم : لم يكن هذا السجود المعتاد اليوم الذي هو وضع الجبهة على الأرض ولكنه مبقى على أصل اللغة ، فهو من التذلل والانقياد ، أي اخضعوا لآدم وأقروا له بالفضل .
فسجدوا أي امتثلوا ما أمروا به .
واختلف أيضا هل كان ذلك السجود خاصا بآدم عليه السلام ؟ فلا يجوز السجود لغيره من جميع العالم إلا لله تعالى ، أم كان جائزا بعده إلى زمان يعقوب عليه السلام ، لقوله تعالى : ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا فكان آخر ما أبيح من السجود للمخلوقين ؟ والذي عليه الأكثر أنه كان مباحا إلى عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن أصحابه قالوا له حين سجدت له الشجرة والجمل : نحن أولى بالسجود لك من الشجرة والجمل الشارد ، فقال لهم : لا ينبغي أن يسجد لأحد إلا لله رب العالمين . روى ابن ماجه في سننه والبستي في صحيحه عن أبي واقد قال : لما قدم معاذ بن جبل من الشام سجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما هذا ؟ ) فقال : يا رسول الله ، قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لبطارقتهم وأساقفتهم ، فأردت أن أفعل ذلك بك ، قال : فلا تفعل فإني لو أمرت شيئا أن يسجد لشيء لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها حتى لو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه . لفظ البستي . ومعنى القتب أن العرب يعز عندهم وجود كرسي للولادة فيحملون نساءهم على القتب عند الولادة . وفي بعض طرق معاذ : ونهى عن السجود للبشر وأمر بالمصافحة .
قلت : وهذا السجود المنهي عنه قد اتخذه جهال المتصوفة عادة في سماعهم وعند دخولهم على مشايخهم واستغفارهم ، فيرى الواحد منهم إذا أخذه الحال بزعمه يسجد للأقدام لجهله سواء أكان للقبلة أم غيرها جهالة منه ، ضل سعيهم وخاب عملهم .
الخامسة : قوله : ( إلا إبليس ) نصب على الاستثناء المتصل ; لأنه كان من الملائكة على قول الجمهور : ابن عباس وابن مسعود وابن جريج وابن المسيب وقتادة وغيرهم ، وهو اختيار الشيخ أبي الحسن ، ورجحه الطبري ، وهو ظاهر الآية . قال ابن عباس : وكان اسمه عزازيل وكان من أشراف الملائكة وكان من الأجنحة الأربعة ثم أبلس بعد . روى سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان إبليس من الملائكة فلما عصى الله غضب عليه فلعنه فصار شيطانا . وحكى الماوردي عن قتادة : أنه كان من أفضل صنف من الملائكة يقال لهم الجنة . وقال سعيد بن جبير : إن الجن سبط من الملائكة خلقوا من نار وإبليس منهم ، وخلق سائر الملائكة من نور . وقال ابن زيد والحسن وقتادة أيضا : إبليس أبو الجن كما أن آدم أبو البشر ولم يكن ملكا ، وروي نحوه عن ابن عباس وقال : اسمه الحارث . وقال شهر بن حوشب وبعض الأصوليين : كان من الجن الذين كانوا في الأرض وقاتلتهم الملائكة فسبوه صغيرا وتعبد مع الملائكة وخوطب ، وحكاه الطبري عن ابن مسعود . والاستثناء على هذا منقطع ، مثل قوله تعالى : ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وقوله : إلا ما ذكيتم في أحد القولين ، وقال الشاعر :
ليس عليك عطش ولا جوع إلا الرقاد والرقاد ممنوع
واحتج بعض أصحاب هذا القول بأن الله جل وعز وصف الملائكة فقال : لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وقوله تعالى : إلا إبليس كان من الجن والجن غير الملائكة . أجاب أهل المقالة الأولى بأنه لا يمتنع أن يخرج إبليس من جملة الملائكة لما سبق في علم الله بشقائه ؛ عدلا منه ، لا يسأل عما يفعل ، وليس في خلقه من نار ولا في تركيب الشهوة حين غضب عليه - ما يدفع أنه من الملائكة . وقول من قال : إنه كان من جن الأرض فسبي ، فقد روي في مقابلته أن إبليس هو الذي قاتل الجن في الأرض مع جند من الملائكة ، حكاه المهدوي وغيره . وحكى الثعلبي عن ابن عباس : أن إبليس كان من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم ، وخلقت الملائكة من نور ، وكان اسمه بالسريانية عزازيل ، وبالعربية الحارث ، وكان من خزان الجنة وكان رئيس ملائكة السماء الدنيا وكان له سلطانها وسلطان الأرض ، وكان من أشد الملائكة اجتهادا وأكثرهم علما ، وكان يسوس ما بين السماء والأرض ، فرأى لنفسه بذلك شرفا وعظمة ، فذلك الذي دعاه إلى الكفر فعصى الله فمسخه شيطانا رجيما . فإذا كانت خطيئة الرجل في كبر فلا ترجه ، وإن كانت خطيئته في معصية فارجه ، وكانت خطيئة آدم عليه السلام معصية ، وخطيئة إبليس كبرا .
والملائكة قد تسمى جنا لاستتارها ، وفي التنزيل : وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ، وقال الشاعر في ذكر سليمان عليه السلام :
وسخر من جن الملائك تسعة قياما لديه يعملون بلا أجر
وأيضا لما كان من خزان الجنة نسب إليها فاشتق اسمه من اسمها ، والله أعلم . وإبليس وزنه إفعيل ، مشتق من الإبلاس وهو اليأس من رحمة الله تعالى . ولم ينصرف ; لأنه معرفة ولا نظير له في الأسماء فشبه بالأعجمية ، قال أبو عبيدة وغيره . وقيل : هو أعجمي لا اشتقاق له فلم ينصرف للعجمة والتعريف ، قاله الزجاج وغيره .
السادسة : قوله تعالى : أبى معناه امتنع من فعل ما أمر به ، ومنه الحديث الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله - وفي راوية : يا ويلي - أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار . خرجه مسلم . يقال : أبى يأبى إباء ، وهو حرف نادر جاء على فعل يفعل ليس فيه حرف من حروف الحلق ، وقد قيل : إن الألف مضارعة لحروف الحلق . قال الزجاج : سمعت إسماعيل بن إسحاق القاضي يقول : القول عندي أن الألف مضارعة لحروف الحلق . قال النحاس : ولا أعلم أن أبا إسحاق روى عن إسماعيل نحوا غير هذا الحرف .
السابعة : قوله تعالى : واستكبر الاستكبار : الاستعظام ، فكأنه كره السجود في حقه واستعظمه في حق آدم ، فكان ترك السجود لآدم تسفيها لأمر الله وحكمته . وعن هذا الكبر عبر عليه السلام بقوله : لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر . في رواية فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة . قال : إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس . أخرجه مسلم . ومعنى " بطر الحق " : تسفيهه وإبطاله . وغمط الناس : الاحتقار لهم والازدراء بهم . ويروى : " وغمص " بالصاد المهملة ، والمعنى واحد ، يقال : غمصه يغمصه غمصا واغتمصه ، أي استصغره ولم يره شيئا وغمص فلان النعمة إذا لم يشكرها . وغمصت عليه قولا قاله ، أي عبته عليه . وقد صرح اللعين بهذا المعنى فقال : أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين . أأسجد لمن خلقت طينا . لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون فكفره الله بذلك . فكل من سفه شيئا من أوامر الله تعالى أو أمر رسوله عليه السلام كان حكمه حكمه ، وهذا ما لا خلاف فيه . وروى ابن القاسم عن مالك أنه قال : بلغني أن أول معصية كانت الحسد والكبر ، حسد إبليس آدم ، وشح آدم في أكله من الشجرة . وقال قتادة : حسد إبليس آدم ، على ما أعطاه الله من الكرامة فقال : أنا ناري وهذا طيني . وكان بدء الذنوب الكبر ، ثم الحرص حتى أكل آدم من الشجرة ، ثم الحسد إذ حسد ابن آدم أخاه .
الثامنة : قوله تعالى : وكان من الكافرين قيل : كان هنا بمعنى صار ، ومنه قوله تعالى : فكان من المغرقين . وقال الشاعر :
بتيهاء قفر والمطي كأنها قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها
أي صارت . وقال ابن فورك : كان هنا بمعنى صار خطأ ترده الأصول . وقال جمهور المتأولين : المعنى : أي كان في علم الله تعالى أنه سيكفر ; لأن الكافر حقيقة والمؤمن حقيقة هو الذي قد علم الله منه الموافاة .
قلت : وهذا صحيح ، لقوله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري : وإنما الأعمال بالخواتيم . وقيل : إن إبليس عبد الله تعالى ثمانين ألف سنة ، وأعطي الرياسة والخزانة في الجنة على الاستدراج ، كما أعطي المنافقون شهادة أن لا إله إلا الله على أطراف ألسنتهم ، وكما أعطي بلعام الاسم الأعظم على طرف لسانه ، فكان في رياسته ، والكبر في نفسه متمكن . قال ابن عباس : كان يرى لنفسه أن له فضيلة على الملائكة بما عنده ، فلذلك قال الله تعالى إخبارا عنه : أنا خير منه ، ولذلك قال الله عز وجل : ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين أي استكبرت ولا كبر لك ، ولم أتكبر أنا حين خلقته بيدي والكبر لي فلذلك قال : وكان من الكافرين . وكان أصل خلقته من نار العزة ، ولذلك حلف بالعزة فقال : فبعزتك لأغوينهم أجمعين فالعزة أورثته الكبر حتى رأى الفضل له على آدم عليه السلام . وعن أبي صالح قال : خلقت الملائكة من نور العزة وخلق إبليس من نار العزة .
التاسعة : قال علماؤنا - رحمة الله عليهم - : ومن أظهر الله تعالى على يديه - ممن ليس بنبي - كرامات وخوارق للعادات فليس ذلك دالا على ولايته ، خلافا لبعض الصوفية والرافضة حيث قالوا : إن ذلك يدل على أنه ولي ، إذ لو لم يكن وليا ما أظهر الله على يديه ما أظهر . ودليلنا أن العلم بأن الواحد منا ولي لله تعالى لا يصح إلا بعد العلم بأنه يموت مؤمنا ، وإذا لم يعلم أنه يموت مؤمنا لم يمكنا أن نقطع على أنه ولي لله تعالى ، لأن الولي لله تعالى من علم الله تعالى أنه لا يوافي إلا بالإيمان . ولما اتفقنا على أننا لا يمكننا أن نقطع على أن ذلك الرجل يوافي بالإيمان ، ولا الرجل نفسه يقطع على أنه يوافي بالإيمان ، علم أن ذلك ليس يدل على ولايته لله . قالوا : ولا نمنع أن يطلع الله بعض أوليائه على حسن عاقبته وخاتمة عمله ، وغيره معه ، قاله الشيخ أبو الحسن الأشعري وغيره . وذهب الطبري إلى أن الله تعالى أراد بقصة إبليس تقريع أشباهه من بني آدم ، وهم اليهود الذين كفروا بمحمد عليه السلام مع علمهم بنبوته ، ومع قدم نعم الله عليهم وعلى أسلافهم .
العاشرة : واختلف هل كان قبل إبليس كافر أو لا ؟ فقيل : لا ، وإن إبليس أول من كفر . وقيل : كان قبله قوم كفار وهم الجن وهم الذين كانوا في الأرض . واختلف أيضا هل كفر إبليس جهلا أو عنادا على قولين بين أهل السنة ، ولا خلاف أنه كان عالما بالله تعالى قبل كفره . فمن قال إنه كفر جهلا قال : إنه سلب العلم عند كفره . ومن قال كفر عنادا قال : كفر ومعه علمه . قال ابن عطية : والكفر عنادا مع بقاء العلم مستبعد ، إلا أنه عندي جائز لا يستحيل مع خذل الله لمن يشاء .
- الطبرى : وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
القول في تأويل قوله تعالى ذكره: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)
قال أبو جعفر: أمّا قوله: " وإذ قلنا " فمعطوف على قوله: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ ، كأنه قال جل ذكره لليهود - الذين كانوا بين ظهرانَيْ مُهاجَرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني إسرائيل، معددًا عليهم نعَمه، ومذكِّرهم آلاءه، على نحو الذي وصفنا فيما مضى قبل-: اذكروا فعلي بكم إذ أنعمت عليكم. فخلقت لكم ما في الأرض جميعًا، وإذ قلت للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، فكرمت أباكم آدمَ بما آتيته من عِلمي وفضْلي وكرَامتي، وإذْ أسجدت له ملائكتي فسجدوا له. ثم استثنى من جميعهم إبليس، فدلّ باستثنائه إياه منهم على أنه منهم، وأنه ممن قد أمِر بالسجود معهم، كما قال جل ثناؤه: إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ [سورة الأعراف: 11-12]، فأخبر جل ثناؤه أنه قد أمر إبليس فيمن أمرَه من الملائكة بالسجود لآدمَ. ثم استثناه جل ثناؤه مما أخبر عنهم أنهم فعلوه من السجود لآدمَ، فأخرجه من الصفة التي وصفهم بها من الطاعة لأمره، ونفى عنه ما أثبته لملائكته من السجود لعبده آدم.
ثم اختلف أهل التأويل فيه: هل هو من الملائكة، أم هو من غيرها؟ فقال بعضهم بما:-
685 - حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: كان إبليس من حيّ من أحياء الملائكة يقال لهم " الحِن "، خلقوا من نار السَّموم من بين الملائكة. قال: فكان اسمه الحارث. قال: وكان خازنًا من خُزَّان الجنة. قال: وخلقت الملائكة من نورٍ غير هذا الحيّ. قال: وخلقت الجنّ الذي ذكروا في القرآن من مارج من نار، وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت (145) .
686 - وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن خلاد، عن عطاء، عن طاوس، عن ابن عباس. قال: كان إبليس قبل أن يركب المعصيةَ من الملائكة اسمه " عزازيل "، وكان من سكان الأرض، وكان من أشد الملائكة اجتهادًا وأكثرهم علمًا، فذلك دعاه إلى الكبر، وكان من حيّ يسمون جنا (146) .
687 - وحدثنا به ابن حميد مرة أخرى، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن خلاد، عن عطاء، عن طاوس، أو مجاهد أبي الحجاج، عن ابن عباس وغيره بنحوه، إلا أنه قال: كان ملكًا من الملائكة اسمه " عزازيل "، وكان من سكان الأرض وعُمَّارها، وكان سكان الأرض فيهم يسمون " الجنَّ" من بين الملائكة (147) .
688 - وحدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السُّدّيّ في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مُرَّة، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: جعل إبليس على مُلك سماء الدنيا، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم " الجنّ"، وإنما سُمُّوا الجن لأنهم خُزَّان الجنة. وكان إبليس مع مُلكه خازنًا (148) .
689 - وحدثنا القاسم بن الحسن، قال: حدثنا حسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جُريج، قال: قال ابن عباس: كان إبليس من أشراف الملائكة وأكرمهم قبيلة، وكان خازنًا على الجنان، وكان له سلطانُ سماء الدنيا، وكان له سلطانُ الأرض. قال: قال ابن عباس: وقوله: كَانَ مِنَ الْجِنِّ [سورة الكهف: 50] إنما يسمى بالجنان أنه كان خازنًا عليها، كما يقال للرجل مكي ومدَنيّ وكوفيّ وبصريّ. (149) .
قال ابن جُريج، وقال آخرون: هم سبط من الملائكة قَبيلِه، فكان اسم قبيلته الجن.
690 - وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جُريج، عن صالح مولى التَّوْأمة، وشريك بن أبي نَمِر - أحدهما أو كلاهما - عن ابن عباس، قال: إن من الملائكة قبيلةً من الجن، وكان إبليس منها، وكان يسوس ما بين السماء والأرض (150) .
691 - وحدثت عن الحسن بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد، قال: أخبرنا عُبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك بن مُزَاحم يقولُ في قوله: فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ [سورة الكهف: 50]، قال: كان ابن عباس يقول: إن إبليس كان من أشراف الملائكة وأكرمهم قبيلة. ثم ذكر مثل حديث ابن جُريج الأول سواء (151) .
692 - وحدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثني شيبان، قال حدثنا سلام بن مسكين، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، قال: كان إبليس رئيسَ ملائكة سماء الدنيا (152) .
693 - وحدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ [سورة الكهف: 50]، كان من قبيل من الملائكة يقال لهم " الجن "، وكان ابن عباس يقول: لو لم يكن من الملائكة لم يُؤمر بالسجود، وكان على خِزانة سماء الدنيا، قال: وكان قتادة يقول: جَنَّ عن طاعة ربه (153) .
694 - وحدثنا الحسين بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرَّزَّاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ قال: كان من قبيل من الملائكة يقال لهم الجن (154) .
695 - وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، قال: أما العرب فيقولون: ما الجنّ إلا كل من اجتَنَّ فلم يُرَ. وأما قوله: إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ أي كان من الملائكة، وذلك أن الملائكة اجتنُّوا فلم يُرَوْا. وقد قال الله جل ثناؤه: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ [سورة الصافات: 158]، وذلك لقول قريش: إن الملائكة بناتُ الله، فيقول الله: إن تكن الملائكة بناتي فإبليس منها، وقد جعلوا بيني وبين إبليس وذريته نسبًا. قال: وقد قال الأعشى، أعشى بني قيس بن ثعلبة البكري، وهو يذكر سليمانَ بن داود وما أعطاه الله:
وَلَـوْ كَـانَ شَـيْءٌ خَـالِدًا أَوْ مُعَمَّـرا
لَكَـانَ سُـلَيْمَانُ الْبَرِيءُ مِـنَ الدَّهْـرِ (155)
بَــرَاهُ إِلَهِــي وَاصْطَفَــاهُ عِبَـادَهُ
وَمَلَّكَـهُ مَـا بَيْـنَ ثُرْيَـا إِلَـى مِصْرَ (156)
وَسَـخَّرَ مِـنْ جِـنِّ الْمَلائِـكِ تِسْـعَةً
قِيَامًــا لَدَيْــهِ يَعْمَلُـونَ بِـلا أَجْـرِ
قال: فأبت العربُ في لغتها إلا أنّ " الجن " كل ما اجتنَّ. يقول: ما سمَّى الله الجن إلا أنهم اجتنُّوا فلم يُرَوا، وما سمّي بني آدم الإنس إلا أنهم ظهروا فلم يجتنوا. فما ظهر فهو إنس، وما اجتنّ فلم يُرَ فهو جنّ (157) .
وقال آخرون بما:-
696 - حدثنا به محمد بن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن، قال: ما كان إبليسُ من الملائكة طرفةَ عين قطّ، وإنه لأصل الجنّ، كما أن آدم أصل الإنس (158) .
697 - وحدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زُرَيع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان الحسن يقول في قوله: إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ ألجأه إلى نسبه (159) فقال الله: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا [سورة الكهف: 50]، وهم يتوالدون كما يتوالد بنو آدم (160) .
698 - وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا أبو سعيد اليحمَديّ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدثنا سَوار بن الجعد اليحمَديّ، عن شَهر بن حَوْشب، قوله: مِنَ الْجِنِّ ، قال: كان إبليس من الجن الذين طرَدتهم الملائكة، فأسرَه بعض الملائكة فذهب به إلى السماء (161) .
699 - وحدثني علي بن الحسين، قال: حدثني أبو نصر أحمد بن محمد الخلال، قال: حدثني سنيد بن داود، قال حدثنا هشيم، قال أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، عن موسى بن نُمير، وعثمان بن سعيد بن كامل، عن سعد بن مسعود، قال: كانت الملائكة تقاتل الجنّ، فسُبِي إبليس وكان صغيرًا، فكان مع الملائكة فتعبَّد معها، فلما أمِروا بالسجود لآدم سجدوا. فأبى إبليس. فلذلك قال الله: إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ (162) .
700 - وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، قال: حدثنا المبارك بن مجاهد أبو الأزهر، عن شريك بن عبد الله بن أبي نَمِر، عن صالح مولى التوأمة، عن ابن عباس، قال: إن منَ الملائكة قبيلا يقال لهم: الجن، فكان إبليس منهم، وكان إبليس يسوس ما بين السماء والأرض، فعصَى، فمسخه الله شيطانًا رجيما. (163)
701 - قال: وحدثنا يونس، عن ابن وهب، قال: قال ابن زيد: إبليس أبو الجن، كما آدم أبو الإنس (164) .
وعلة من قال هذه المقالة، أن الله جل ثناؤه أخبرَ في كتابه أنه خلق إبليس من نار السَّموم، ومن مارج من نار، ولم يخبر عن الملائكة أنه خَلقها من شيء من ذلك، وأن الله جل ثناؤه أخبر أنه من الجنّ - فقالوا: فغيرُ جائز أن يُنسب إلى غير ما نسبه الله إليه. قالوا: ولإبليس نسلٌ وذرية، والملائكة لا تتناسل ولا تتوالد.
702 - حدثنا محمد بن سنان القزّاز، قال: حدثنا أبو عاصم، عن شَريك، عن رجل، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: إن الله خلق خلقًا، فقال: اسجدوا لآدم: فقالوا: لا نفعل. فبعث الله عليهم نارًا تُحرقهم، ثم خلق خلقًا آخر، فقال: إني خالقٌ بشرًا من طين، اسجدوا لآدم. فأبوا، فبعث الله عليهم نارًا فأحرقتهم. قال: ثم خلق هؤلاء، فقال: اسجدوا لآدم. فقالوا: نعم. وكان إبليسُ من أولئك الذين أبوا أن يسجدوا لآدم (165) .
قال أبو جعفر: وهذه علل تنبئ عن ضعف معرفة أهلها. وذلك أنه غيرُ مستنكر أن يكون الله جل ثناؤه خَلق أصنافَ ملائكته من أصنافٍ من خلقه شَتَّى. فخلق بعضًا من نُور، وبعضًا من نار، وبعضًا مما شاء من غير ذلك. وليس في ترك الله جل ثناؤه الخبر عَما خَلق منه ملائكته (166) ، وإخبارِه عما خلق منه إبليس - ما يوجب أن يكون إبليس خارجًا عن معناهم. إذْ كان جائزًا أن يكون خلق صِنفًا من ملائكته من نار كان منهم إبليس، وأن يكون أفرد إبليس بأنْ خَلقه من نار السموم دون سائر ملائكته. وكذلك غيرُ مخرجه أن يكون كان من الملائكة بأنْ كان له نسل وذرية، لِمَا ركَّب فيه من الشهوة واللذة التي نُـزعت من سائر الملائكة، لِمَا أراد الله به من المعصية. وأما خبرُ الله عن أنه مِنَ الْجِنِّ ، فغير مدفوع أن يسمى ما اجتنّ من الأشياء عن الأبصار كلها جنًّا - كما قد ذكرنا قبل في شعر الأعشى - فيكون إبليسُ والملائكةُ منهم، لاجتنانهم عن أبصار بني آدم.
القول في معنى إِبْلِيسَ
قال أبو جعفر: وإبليس " إفعِيل "، من الإبلاس، وهو الإياس من الخير والندمُ والحزن. كما:-
703 - حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: إبليس، أبلسه الله من الخير كله، وجعله شيطانًا رجيمًا عقوبة لمعصيته (167) .
704 - وحدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السُّدّيّ، قال: كان اسم إبليس " الحارث "، وإنما سمي إبليس حين أبلس متحيِّرًا (168) .
قال أبو جعفر: وكما قال الله جل ثناؤه: فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [سورة الأنعام: 44]، يعني به: أنهم آيسون من الخير، نادمون حزنًا، كما قال العجَّاج:
يَـا صَـاحِ, هَلْ تَعْرِفُ رَسْمًا مُكْرَسَا?
قَــالَ: نَعَــمْ, أَعْرِفُــهُ! وَأَبْلَسَــا (169)
وقال رؤبة:
وَحَـضَرَتْ يَـوْمَ الْخَـمِيسِ الأَخْمَـاسْ
وَفِــي الْوُجُــوهِ صُفْــرَةٌ وَإِبْلاسْ (170)
يعني به اكتئابًا وكسوفًا.
فإن قال قائل: فإن كان إبليس، كما قلت،" إفعيل " من الإبلاس، فهلا صُرف وأجري؟ قيل: تُرك إجراؤه استثقالا إذ كان اسمًا لا نظيرَ له من أسماء العرب، فشبَّهته العرب - إذْ كان كذلك - بأسماء العجم التي لا تُجرَى. وقد قالوا: مررت بإسحاق، فلم يُجروه. وهو من " أسحقه الله إسحاقًا "، إذْ كان وَقَع مبتدَأ اسمًا لغير العرب، ثم تسمت به العرب فجرى مَجراه - وهو من أسماء العجم - في الإعراب فلم يصرف. وكذلك " أيوب "، إنما هو " فيعول " من "آب يؤبُ".
وتأويل قوله: أَبَى ، يعني جل ثناؤه بذلك إبليس، أنه امتنع من السجود لآدم فلم يسجد له. وَاسْتَكْبَرَ ، يعني بذلك أنه تعظَّم وتكبَّر عن طاعة الله في السجود لآدم. وهذا، وإن كان من الله جل ثناؤه خبرًا عن إبليس، فإنه تقريعٌ لضُربائه من خلق الله الذين يتكبرون عن الخضوع لأمر الله، والانقيادِ لطاعته فيما أمرهم به وفيما نهاهم عنه، والتسليم له فيما أوجب لبعضهم على بعض من الحق. وكان ممن تكبر عن الخضوع لأمر الله، والتذلل لطاعته، والتسليم لقضائه فيما ألزمهم من حقوق غيرهم - اليهودُ الذين كانوا بين ظهرانيْ مُهَاجَرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحبارُهم الذين كانوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وصِفته عارفين، وبأنه لله رسولٌ عالمين. ثم استكبروا - مع علمهم بذلك - عن الإقرار بنبوّته، والإذعان لطاعته، بَغْيًا منهم له وحسدًا. فقرَّعهم الله بخبره عن إبليس الذي فعل في استكباره عن السجود لآدم حسدًا له وبغيًا، نظيرَ فعلهم في التكبر عن الإذعان لمحمد نبي الله صلى الله عليه وسلم ونبوّته ، إذ جاءهم بالحق من عند ربهم حسدًا وبغيًا.
ثم وَصَف إبليس بمثل الذي وصف به الذين ضرَبه لهم مثلا في الاستكبار والحسد والاستنكاف عن الخضوع لمن أمرَه الله بالخضوع له، فقال جل ثناؤه: وَكَانَ - يعني إبليس - مِنَ الْكَافِرِينَ - من الجاحدين نعمَ الله عليه وأياديَه عنده، بخلافه عليه فيما أمرَه به من السجود لآدم، كما كفرت اليهود نعمَ ربِّها التي آتاها وآباءها قبلُ: من إطعام الله أسلافَهم المنّ والسلوى، وإظلال الغمام عليهم، وما لا يحصى من نعمه التي كانت لهم، خصوصًا ما خصَّ الذين أدركوا محمدًا صلى الله عليه وسلم بإدراكهم إياه، ومشاهدتهم حجةَ الله عليهم، فجحدت نبوّته بعد علمهم به، ومعرفتهم بنبوّته حسدًا وبغيًا. فنسبه الله جل ثناؤه إلى لْكَافِرِينَ مِنَ الْجِنِّ ، فجعله من عِدَادهم في الدين والملة، وإن خالفهم في الجنس والنسبة. كما جعل أهل النفاق بعضَهم من بعض، لاجتماعهم على النفاق، وإن اختلفت أنسابهم وأجناسهم، فقال: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ [سورة التوبة: 67] يعني بذلك أن بعضهم من بعض في النفاق والضلال. فكذلك قوله في إبليس: كان من الكافرين، كان منهم في الكُفر بالله ومخالفتِه أمرَه، وإن كان مخالفًا جنسُه أجناسَهم ونسبُه نسبهم. ومعنى قوله: وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ أنه كان - حين أبَى عن السجود - من الكافرين حينئذ.
وقد رُوي عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية أنه كان يقول: في تأويل قوله: وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ، في هذا الموضع، وكان من العاصين.
705 - حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا آدم العسقلاني، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، في قوله: وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ، يعني العاصين (171) .
706 - وحُدّثت عن عمار بن الحسن، قال حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، بمثله.
وذلك شبيه بمعنى قولنا فيه.
وكان سجود الملائكة لآدم تكرمةً لآدم وطاعة لله، لا عبادةً لآدم، كما:-
707 - حدثنا به بشر بن معاذ: قال: حدثنا يزيد بن زُرَيع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ ، فكانت الطاعة لله، والسجدة لآدم، أكرم الله آدم أن أسْجَد له ملائكته. (172) .
-----------
الهوامش :
(145) الخبر : 685- مضى بتمامه في الخبر السالف رقم : 606 ، وفي ابن كثير 1 : 136 ، وفيهما معًا "إذا ألهبت" . وأعاده ابن كثير 5 : 296 . وفيه كما هنا"التهبت" . وفيه"الجن" بالجيم ، وانظر ما مضى ص : 455 تعليق : 1 .
(146) الخبر : 686 في ابن كثير 1 : 139 و 5 : 296 ، والدر المنثور 1 : 150 ، والشوكاني 1 : 53 . وخلاد : هو ابن عبد الرحمن الصنعاني ، وهو ثقة ، ويروى عن طاوس ومجاهد مباشرة ، ولكنه روى عنهما ، هنا وفي الخبر التالي ، بواسطة عطاء .
(147) الخبر : 687- في ابن كثير 1 : 139 عقب الذي قبله .
(148) الخبر : 688- مختصر من الأثر السالف رقم : 607 .
(149) الخبر : 689- في ابن كثير 1 : 139 و 5 : 296 ، والدر المنثور 1 : 178 .
(150) الخبر : 690- في ابن كثير 5 : 296- 297 ، وفيه زيادة هناك . وسيأتي بإسناد آخر مطولا : 700 .
(151) الخبر : 691- الحسن بن الفرج : لم أعرف من هو؟ وأبو معاذ الفضل بن خالد : هو النحوي المروزي ، وهو ثقة ، ذكره ابن حبان في الثقات ، وترجمه ابن أبي حاتم 3/2/61 ، وياقوت في الأدباء 6 : 140 ، والسيوطي في البغية : 373 . وقال ياقوت : "روى عنه الأزهري في كتاب التهذيب ، فأكثر" . وليس يريد بذلك رواية السماع ، بل يريد أنه روى آراءه أو نقله في اللغة . أما رواية السماع فلا . لأن الفضل هذا مات سنة 211 ، والأزهري ولد سنة 282 . فهذا كلام موهم؛ ولم يكن يجدر بالسيوطي - وهو محدث - أن يتبعه دون تأمل!
(152) الأثر : 692- في ابن كثير 1 : 139 . شيبان : هو ابن فروخ ، وهو ثقة . سلام بن مسكين الأزدي : ثقة ، أخرج له الشيخان .
(153) الأثر : 693- لم نجده في مكان آخر .
(154) الأثر : 694- لم نجده أيضًا . وقال الحافظ ابن كثير 5 : 297- بعد أن نقل كثيرًا من الآثار في مثل هذه المعاني : "وقد روى في هذا آثار كثيرة عن السلف . وغالبها من الإسرائيليات التي تنقل لينظر فيها ، والله أعلم بحال كثير منها . ومنها ما قد يقطع بكذبه ، لمخالفته للحق الذي بأيدينا . وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المثقدمة ، لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان ، وقد وضع فيها أشياء كثيرة . وليس لهم من الحفاظ المتقنين ، الذين ينفون عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين- كما لهذه الأمة من الأئمة والعلماء ، والسادة والأتقياء ، والبررة والنجباء ، من الجهابذة النقاد ، والحفاظ الجياد . الذين دونوا الحديث وحرروه ، وبينوا صحيحه ، من حسنه ، من ضعيفه ، من منكره وموضوعه ، ومتروكه ومكذوبه . وعرفوا الوضاعين والكذابين والمجهولين ، +وغير ذلك من أصناف الرجال . كل ذلك صيانة للجناب النبوي ، والمقام المحمدي ، خاتم الرسل ، وسيد البشر ، صلى الله عليه وسلم- : أن ينسب إليه كذب ، أو يحدث عنه بما ليس منه . فرضى الله عنهم وأرضاهم ، وجعل جنات الفردوس مأواهم . وقد فعل" .
(155) ملحق ديوان الأعشى : 243 ، والأضداد لابن الأنباري : 293 . ولم يعن بالدهر هاهنا الأمد الممدود ، بل عني مصائب الدهر ونكباته ، كما قال عدى بن زيد ، وجعل مصائب الدهر هي الدهر نفسه :
أَيُّهَــا الشَّــامِتُ المُعَــيِّر بِـالدَّ
هْرِ أَأَنْــــتَ المـــبرَّأُ المَوْفُـــورُ
(156) ثريا : هكذا ضبط في ملحق ديوان الأعشى ، ولم أعرف الموضع ولم أجده . ولم أهتد إلى تحريفه إن كان محرفًا . وفي الأضداد : "توفى" .
(157) الأثر : 695- رواه مختصرًا صاحب الأضداد : 293 ، ولم أجده في مكان آخر .
(158) الأثر : 696- في ابن كثير 1 : 139 و 5 : 296 . وقال : "وهذا إسناد صحيح عن الحسن" .
(159) في المطبوعة : "إلجاء إلى نسبه" ، وألجأه إلى نسبه : رده إليه . وانظر رقم : 655 .
(160) الأثر : 697- لم أجده في مكان .
(161) الأثر : 698- في ابن كثير 1 : 139 .
(162) الأثر : 699- في ابن كير 1 : 139 .
(163) الخبر : 700- هو في ابن كثير 1 : 139 . وقد مضى نحوه مختصرًا ، بإسناد آخر : 690 .
(164) الأثر : 701- لم أجده في مكان .
(165) الأثر : 702- في ابن كثير 1 : 139 ، والدر المنثور 1 : 50 وقال ابن كثير في إسناده : "وهذا غريب ، ولا يكاد يصح إسناده ، فإن فيه رجلا مبهمًا ، ومثله لا يحتج به ، والله أعلم" .
(166) في المطبوعة : "وليس فيما نزل الله جل ثناؤه . . . " ، وهو خطأ صرف . وقوله بعد : "وإخباره عما خلق منه إبليس" معطوف على قوله : "وفي ترك . . . " .
(167) الخبر : 703- مختصر من الخبر السالف رقم : 606 ، وهو في الدر المنثور 1 : 50 ، والشوكاني 1 : 53 .
(168) الأثر : 704- في الدر المنثور 1 : 50 ، مقتصرًا على أوله إلى قوله : "الحارث" . وجاء النص في المطبوعة هكذا : "وإنما سمى إبليس حين أبلس فغير كما قال الله جل ثناؤه . . . " أسقطوا ما أثبتناه من المخطوطة ، لأنهم لم يحسنوا قراءة الكلمة الأخيرة ، فبدلوها ووصلوا الكلام بعد الحذف ، وهو تصرف معيب . وقوله : "متحيرًا" كتبت في المخطوطة ممجمجة هكذا"مجرا" غير معجمة . والإبلاس : الحيرة ، فكذلك قرأتها .
(169) ديوانه 1 : 31 ، والكامل 1 : 352 ، واللسان : (بلس) ، (كرس) . المكرس : الذي صار فيه الكرس ، وهو أبوال الإبل وأبعارها يتلبد بعضها على بعض في الدار . وأبلس الرجل : سكت غما وانكسر وتحير ولم ينطق .
(170) ديوانه : 67 ، واللسان (بلس) ، ورواية ديوانه"وعرفت يوم الخميس" . وبين البيتين بيت آخر هو :
"وَقَدْ نَـزَتْ بَيْـنَ الـتَّرَاقِي الأَنْفَـاسْ"
(171) الأثر 705- في ابن كثير 1 : 140 .
(172) الأثر : 707- في ابن كثير 1 : 140 ، وفي الدر المنثور 1 : 50 مطولا .
- ابن عاشور : وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
عطف على جملة { وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة } [ البقرة : 30 ] عطفَ القصة على القصة . وإعادة ( إذ ) بعد حرف العطف المغني عن إعادة ظرفه تنبيهٌ على أن الجملة مقصودة بذاتها لأنها متميزة بهذه القصة العجيبة فجاءت على أسلوب يؤذن بالاستقلال والاهتمام ، ولأجل هذه المراعاة لم يؤت بهذه القصة معطوفة بفاء التفريع فيقول : { فقلنا للملائكة اسجدوا لآدم } وإن كان مضمونها في الواقع متفرعاً على مضمون التي قبلها فإن أمرهم بالسجود لآدم ما كان إلا لأجل ظهور مزيته عليهم إذ علم ما لم يعلموه وذلك ما اقتضاه ترتيب ذكر هذه القصص بعضها بعد بعض ابتداء من خلق السماوات والأرض وما طرأَ بعده من أطوار أصول العامرين الأرض وما بينها وبين السماء فإنْ الأصل في الكلام أن يكون ترتيب نظمه جارياً على ترتيب حصول مدلولاته في الخارج ما لم تُنصب قرينة على مخالفة ذلك .
ولا يريبك قوله تعالى في سورة الحِجر ( 28 ، 29 ) { إني خالق بشراً من صلصال من حمأ مسنون } فإذا سويتُه ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين لأن تلك حَكَتْ القصة بإجمال فطوتْ أَنباءها طيًّا جاء تبيينه في ما تكرر منها في آيات أخرى وأوضحها آية البقرة لاقتضاء الآية السابقة أن فضيلة آدم لم تظهر للملائكة إلا بعد تعليمه الأسماءَ وَعَرْضِها عليهم وعجزهم عن الإنباء بها وأنهم كانوا قبل ذلك مترقبين بيان ما يكشف ظنهم بآدم أن يكون مفسداً في الأرض بعد أن لازموا جانب التوقف لما قال الله لهم : { إني أعلم ما لا تعلمون } [ البقرة : 30 ] ، فكان إنباء آدم بالأسماء عند عجزهم عن الإنباء بها بياناً لكشف شبهتهم فاستحقوا أن يأتوا بما فيه معذرة عن عدم علمهم بحقه .
وقد أريد من هذه القصة إظهارُ مزية نوع الإنسان وأن الله يخص أجناس مخلوقاته وأنواعها بما اقتضته حكمته من الخصائص والمزايا لئلا يخلو شيء منها عَنْ فائدة من وجوده في هذا العالم؛ وإظهارُ فضيلة المعرفة ، وبيانُ أن العالم حقيق بتعظيم مَن حوله إياه وإظهارُ ما للنفوس الشريرة الشيطانية من الخبث والفساد ، وبيانُ أن الاعتراف بالحق من خصال الفضائل الملائكية ، وأن الفساد والحسد والكبِر من مذام ذوي العقول .
والقول في إعراب ( إذْ ) كالقول الذي تقدم في تفسير قوله : { وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة } [ البقرة : 30 ] .
وإظهار لفظ الملائكة ولفظ آدم هنا دون الإتيان بضميريهما كما في قوله : { قالوا سبحانك } [ البقرة : 32 ] وقوله : { فلما أنبأهم } [ البقرة : 33 ] لتكون القصة المعطوفة معنونة بمثل عنوان القصة المعطوف عليها إشارة إلى جدارة المَعْطُوفة بأن تكون قصة مقصورة غير مندمجة في القصة التي قبلها .
وغُير أسلوبُ إسناد القول إلى الله فأُتي به مسنداً إلى ضمير العظمة { وإذ قلنا } وأُتي به في الآية السابقة مسنداً إلى رب النبيء
{ وإذ قال ربك } [ البقرة : 30 ] للتفنن ولأن القول هنا تضمن أمراً بفعللٍ فيه غضاضة على المأمورين فناسبه إظهار عظمة الآمر ، وأما القول السابق بمجرد إعلام من الله بمراده ليظهرَ رأيهم ، ولقصد اقتران الاستشارة بمبدأ تكوين الذات الأولى من نوع الإنسان المحتاج إلى التشاور فناسبه الإسناد إلى الموصوف بالربوبية المؤذنة بتدبير شأن المربوبين . وأضيف إلى ضمير أشرف المربوبين وهو النبيء صلى الله عليه وسلم كما تقدم عند قوله تعالى : { وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة .
وحقيقة السجود طأطأة الجسد أو إِيقاعه على الأرض بقصد التعظيم لمشاهَد بالعيان كالسجود للملك والسيد والسجود للكواكب ، قال تعالى : { وخروا له سجَّداً }
[ يوسف : 100 ] ، وقال { لا تسجدوا للشمس ولا للقمر } [ فصلت : 37 ] وقال الأعشى :فلما أتانا بُعَيْد الكرى ... سجَدْنا له وخلَعْنَا العِمارا
وقال أيضاً :
يراوح من صلوات الملي ... ك طوراً سُجوداً وطوراً جؤاراً
أو لمشاهد بالتخيل والاستحضار وهو السجود لله ، قال تعالى : { فاسجدوا لله واعبدوا } [ النجم : 62 ] .
والسجود ركن من أركان الصلاة في الإسلام . وأما سجود الملائكة فهو تمثيل لحالة فيهم تدل على تعظيم ، وقد جمع معانيه قوله تعالى : { ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون } [ النحل : 49 ] . فكان السجود أول تحية تلقاها البشر عند خلق العالم .
وقد عرف السجود منذ أقدم عصور التاريخ فقد وجد عى الآثار الكلدانية منذ القرن التاسع عشر قبل المسيح صورة حمورابي ملك كلدية راكعاً أمام الشمس ، ووجدت على الآثار المصرية صور أسرى الحرب سجداً لفرعون ، وهيآت السجود تختلف باختلاف العوائد . وهيئة سجود الصلاة مختلفة باختلاف الأديان . والسجود في صلاة الإسلام الخُرور على الأرض بالجبهة واليدين والرجلين .
وتعدية { اسجدوا } لاسم آدم باللام دال على أنهم كلفوا بالسجود لذاته وهو أصل دلالة لام التعليل إذا علق بمادة السجود مثل قوله تعالى : { فاسجدوا لله واعبدوا } [ النجم : 62 ] وقوله : { لا تسجدوا للشمس ولا للقمر } [ فصلت : 37 ] ولا يعكر عليه أن السجود في الإسلام لغير الله محرم لأن هذا شرع جديد نسخ ما كان في الشرائع الأخرى ولأن سجود الملائكة من عمل العالم الأعلى وليس ذلك بداخل تحت تكاليف أهل الأرض فلا طائل تحت إطالة البحث في أن آدم مسجود له أو هو قبلة للساجدين كالكعبة للمسلمين ، ولا حاجة إلى التكلف بجعل اللام بمعنى إلى مثلها في قول حسان :
أليس أول من صلى لقبلتكم ... فإن للضرورة أحكاماً . لا يناسب أن يقال بها أحسن الكلام نظاماً .
وفي هذه الآية منزع بديع لتعظيم شأن العلم وجدارة العلماء بالتعظيم والتبجيل لأن الله لما علم آدم علماً لم يؤهل له الملائكة كان قدجعل آدم أنموذجاً للمبدعات والمخترعات والعلوم التي ظهرت في البشر من بعد والتي ستظهر إلى فناء هذا العالم .
وقرأ أبو جعفر في أشهر الرواية عنه ( للملائكةُ اسجدوا ) بضمة على التاء في حال الوصل على إتْباع حركة التاء لضمة الجيم في ( اسجدوا ) لعدم الاعتداد بالساكن الفاصل بين الحرفين لأنه حاجز غير حصين ، وقراءته هذه رواية وهي جرت على لغة ضعيفة في مثل هذا فلذلك قال الزجاج والفارسي : هذا خطأ من أبي جعفر ، وقال الزمخشري : لا يجوز استهلاك الحركة الإعرابية بحركة الإتباع إلا في لغة ضعيفة كقراءة الحسن
{ الحمدِ لله } [ الفاتحة : 2 ] بكسر الدال قال ابن جني : وإنما يجوز هذا الذي ذهب إليه أبو جعفر إذا كان ما قبل الهمزة ساكناً صحيحاً نحو : { وقالتُ اخرج عليهن } في سورة يوسف ( 31 ) اه وإنما حملوا عليه هذه الحملة لأن قراءته معدودة في القراءات المتواترة فما كان يحسن فيها مثل هذا الشذوذ ، وإن كان شذوذاً في وجوه الأدَاء لا يخالف رسم المصحف .
وعطف فسجدوا } بفاء التعقيب يشير إلى مبادرة الملائكة بالامتثال ولم يصدَّهم ما كان في نفوسهم من التخوف من أن يكون هذا المخلوق مظهر فساد وسفك دماء لأنهم منزَّهون عن المعاصي .
واستثناء إبليس من ضمير الملائكة في { فسجدوا } استثناء منقطع لأن إبليس لم يكن من جنس الملائكة قال تعالى في سورة الكَهْففِ ( 50 ) { إلا إبليس كان من الجن } ولكن الله جعل أحواله كأحوال النفوس الملكية بتوفيق غلب على جبلته لتتأتى معاشرته بهم وسيره على سيرتهم فساغ استثناء حاله من أحوالهم في مظنة أن يكون مماثلاً لمن هو فيهم .
وقد دلت الآية على أن إبليس كان مقصوداً في الخبر الذي أخبر به الملائكة { إذ قال للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة } [ البقرة : 30 ] وفي الأمر الذي أمر به الملائكة إذ قال لهم { اسجدوا لآدم } ذلك أن جنس المجردات كان في ذلك العالم مغموراً بنوع المَلك إذ خلق الله من نوعهم أفراداً كثيرة كما دل عليه صيغة الجمع في قوله : { وإذ قال ربك للملائكة } [ البقرة : 30 ] ولم يخلق الله من نوع الجن إلا أصلهم وهو إبليس ، وخلق من نوع الإنسان أصلهم وهو آدم . وقد أقام الله إبليس بين الملائكة إقامة ارتياض وتخلق وسخره لاتباع سنَتهم فجرى على ذلك السَّنَن أمداً طويلاً لا يعلمه إلا الله ثم ظهر ما في نوعه من الخبث كما أشار إليه قوله تعالى : { ففسق عن أمر ربه } في سورة الكهف ( 50 ) فعصى ربه حين أمره بالسجود لآدم .
وإبليس اسم الشيطان الأول الذي هو مولد الشياطين ، فكان إبليس لنوع الشياطين والجن بمنزلة آدم لنوع الإنسان . وإبليس اسم معرب من لغة غير عربية لم يعينها أهل اللغة ، ولكن يدل لكونه معرباً أن العرب منعوه من الصرف ولا سبب فيه سوى العلمية والعجمة ولهذا جعل الزجاج همزته أصلية ، وقال وزنه على فعليل . وقال أبو عبيدة : هو اسم عربي مشتق من الإبلاس وهو البعد من الخير واليأس من الرحمة وهذا اشتقاق حسن لولا أنه يناكد منعه من الصرف وجعلوا وزنه إفعيل لأن همزته مزيدة وقد اعتذر عن منعه من الصرف بأنه لما لم يكن له نظير في الأسماء العربية عد بمنزلة الأعجمي وهو اعتذار ركيك .
وأكثر الذين أحصوا الكلمات المعربة في القرآن لم يعدوا منها اسم إبليس لأنهم لم يتبينوا ذلك وصلاحية الاسم لمادة عربية ومناسبته لها .
وجمل أبى واستكبر وكان من الكافرين } استئناف بياني مشير إلى أن مخالفة حاله لحال الملائكة في السجود لآدم ، شأنه أن يثير سؤالاً في نفس السامع كيف لم يفعل إبليس ما أمر به وكيف خالف حال جماعته وما سبب ذلك لأن مخالفته لحالة معشره مخالفة عجيبة إذ الشأن الموافقة بين الجماعات كما قال دريد بن الصمة :
وهل أنا إلا من غُزَيَّة إن غَوت ... غوَيْت وإِن ترشُد غزية أرشُد
فبين السبب بأنه أبى واستكبر وكفر بالله .
والإباء الامتناع من فعل أو تلقيه . والاستكبار شدة الكبر والسين والتاء فيه للعد أي عد نفسه كبيراً مثل استعظم واستعذب الشراب أو يكون السين والتاء للمبالغة مثل استجاب واستقر فمعنى استكبر اتصف بالكبر . والمعنى أنه استكبر على الله بإنكار أن يكون آدم مستحقاً لأن يسجد هو له إنكاراً عن تصميم لا عن مراجعة أو استشارة كما دلت عليه آيات أخرى مثل قوله : { قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين } [ الأعراف : 12 ] وبهذا الاعتبار خالف فعل إبليس قول الملائكة حين قالوا : { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء } [ البقرة : 30 ] ، لأن ذلك كان على وجه التوقف في الحكمة ولذلك قالوا : { ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك } [ البقرة : 30 ] فإبليس بإبائه انتقضت الجبلة التي جبل عليها أول مرة ، فاستحالت إلى جبلة أخرى على نحو ما يعرض من تطور للعاقل حين يختل عقله وللقادر حين تشل بعض أعضائه ، ومن العلل علل جسمانية ومنها علل روحانية كما قال :
فكنتُ كذي رجلين رجللٍ صحيحة ... ورجل رمى فيها الزمان فشَلت
والاستكبار التزايد في الكبر لأن السين والتاء فيه للمبالغة لا للطلب كما علمت ، ومن لطائف اللغة العربية أن مادة الاتصاف بالكبر لم تجىء منها إلا بصيغة الاستفعال أو التفعل إشارة إلى أن صاحب صفة الكبر لا يكون إلا متطلباً الكبر أو متكلفاً له وما هو بكبير حقاً ويحسن هنا أن نذكر قول أبي العلاء :
علوتمُ فتواضعتمْ على ثقة ... لما تواضع أقوام على غرر
وحقيقة الكبر قال فيها حجة الإسلام في كتاب «الإحياء» : الكبر خلق في النفس وهو الاسترواح والركون إلى اعتقاد المرء نفسه فوق التكبر عليه ، فإن الكبر يستدعي متكبراً عليه ومتكبراً به وبذلك ينفصل الكبر عن العجب فإن العجب لا يستدعي غير المعجب ولا يكفي أن يستعظم المرء نفسه ليكون متكبراً فإنه قد يستعظم نفسه ولكنه يرى غيره أعظم من نفسه أو مماثلاً لها فلا يتكبر عليه ، ولا يكفي أن يستحقر غيره فإنه مع ذلك لو رأى نفسه أحقر لم يتكبر ولو رأى غيره مثل نفسه لم يتكبر بل أن يرى لنفسه مرتبة ولغيره مرتبة ثم يرى مرتبة نفسه فوق مرتبة غيره ، فعند هذه الاعتقادات الثلاثة يحصل خلق الكبر وهذه العقيدة تنفخ فيه فيحصل في نفسه اعتداد وعزة وفرح وركون إلى ما اعتقد ، وعز في نفسه بسبب ذلك فتلك العزة والهزة والركون إلى تلك العقيدة هو خلق الكبر .
وقد كانت هذه الآية ونظائرها مثار اختلاف بين علماء أصول الفقه فيما تقتضيه دلالة الاستثناء من حكم يثبت للمستثنى فقال الجمهور : الاستثناء يقتضي اتصاف المستثنى بنقيض ما حكم به للمستثنى منه فلذلك كثر الاكتفاء بالاستثناء دون أن يتبع بذكر حكم معين للمستثنى سواء كان الكلام مثبتاً أو منفياً . ويظهر ذلك جلياً في كلمة الشهادة لا إله إلا الله فإنه لولا إفادة الاستثناء أن المستثنى يثبت له نقيض ما حكم به للمستثنى منه لكانت كلمة الشهادة غير مفيدة سوى نفي الإلهية عما عدا الله فتكون إفادتها الوحدانية لله بالالتزام .
وقال أبو حنيفة الاستثناء من كلام منفي يُثبت للمستثنَى نقيضَ ما حكم به للمستثنى منه ، والاستثناء من كلام مثبت لا يفيد إلا أن المستثنى يثبت له نقيض الحكم لا نقيض المحكوم به ، فالمستثنى بمنزلة المسكوت عن وصفه ، فعند الجمهور المستثنى مخرج من الوصف المحكوم به للمستثنى منه وعند أبي حنيفة المستثنى مخرج من الحكم عليه فهو كالمسكوت عنه .
وسوى المتأخرون من الحنفية بين الاستثناء من كلام منفي والاستثناء من كلام مثبت في أن كليهما لا يفيد المستثنى الاتصاف بنقيض المحكوم به للمستثنى منه وهذا رأي ضعيف لا تساعده اللغة ولا موارد استعماله في الشريعة .
فعلى رأي الجمهور تكون جملة { أبى واستكبر } استئنافاً بيانياً ، وعلى رأي الحنفية تكون بياناً للإجمال الذي اقتضاه الاستثناء ولا تنهض منها حجة تقطع الجدال بين الفريقين .
وجملة { وكان من الكافرين } معطوف على الجمل المستأنفة ، و ( كان ) لا تفيد إلا أنه اتصف بالكفر في زمن مضى قبل زمن نزول الآية ، وليس المعنى أنه اتصف به قبل امتناعه من السجود لآدم ، وقد تحير أكثر المفسرين في بيان معنى الآية من جهة حملهم فعل ( كان ) على الدلالة على الاتصاف بالكفر فيما مضى عن وقت الامتناع من السجود ، ومن البديهي أنه لم يكن يومئذ فريق يوصف بالكافرين فاحتاجوا أن يتمحلوا بأن إبليس كان من الكافرين أي في علم الله ، وتمحل بعضهم بأن إبليس كان مظهراً الطاعة مبطناً الكفر نفاقاً ، والله مطلع على باطنه ولكنه لم يخبر به الملائكة وجعلوا هذا الاطلاع عليه مما أشار إليه قوله تعالى : { إني أعلم ما لا تعلمون } [ البقرة : 30 ] وكل ذلك تمحل لا داعي إليه لما علمت من أن فعل المضي يفيد مضى الفعل قبل وقت التكلم ، وأمثلهم طريقة الذين جعلوا كان بمعنى صار فإنه استعمال من استعمال فعل كان قال تعالى :
{ وحال بينهما الموج فكان من المغرقين } [ هود : 43 ] وقال : { وبست الجبال بساً فكانت هباء منبثاً } [ الواقعة : 5 ، 6 ] وقول ابن أحمر :
بتيهاء قفر والمطي كأنها ... قطا الحزن قد كانت فراخاً بيوضها
أي صار كافراً بعدم السجود لأن امتناعه نشأ عن استكباره على الله واعتقاد أن ما أمر به غير جار على حق الحكمة وقد علمت أن الانقلاب الذي عرض لإبليس في جبلته كان انقلاب استخفاف بحكمة الله تعالى فلذلك صار به كافراً صراحاً .
والذي أراه أحسن الوجوه في معنى { وكان من الكافرين } أن مقتضى الظاهر أن يقول وكفر كما قال : { أبى واستكبر } فعدل عن مقتضى الظاهر إلى { وكان من الكافرين } لدلالة ( كان ) في مثل هذا الاستعمال على رسوخ معنى الخبر في اسمها ، والمعنى أبى واستكبر وكفر كفراً عميقاً في نفسه وهذا كقوله تعالى : { فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين } [ الأعراف : 83 ] ، وكقوله تعالى : { ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون } [ النمل : 41 ] دون أن يقول أم لا تهتدي لأنها إذا رأت آية تنكير عرشها ولم تهتد كانت راسخة في الاتصاف بعدم الاهتداء ، وأما الإتيان بخبر { كان من الكافرين } دون أن يقول وكان كافراً فلأن إثبات الوصف لموصوف بعنوان كون الموصوف واحداً من جماعة تثبت لهم ذلك الوصف أدل على شدة تمكن الوصف منه مما لو أثبت له الوصف وحده بناء على أن الواحد يزداد تمسكاً بفعله إذا كان قد شاركه فيه جماعة لأنه بمقدار ما يرى من كثرة المتلبسين بمثل فعله تبعد نفسه عن التردد في سداد عملها وعليه جاء قوله تعالى : { أصدقت أم كنت من الكاذبين } [ النمل : 27 ] وقوله الذي ذكرناه آنفاً { أم تكون من الذين لا يهتدون } وهو دليل كنائي واستعمال بلاغي جرى عليه نظم الآية وإن لم يكن يومئذ جمع من الكافرين بل كان إبليس وحيداً في الكفر . وهذا منزع انتزعه من تتبع موارد مثل هذا التركيب في هاتين الخصوصيتين خصوصية زيادة ( كان ) وخصوصية إثبات الوصف لموصوف بعنوان أنه واحد من جماعة موصوفين به وسيجيء ذلك قريباً عن قوله تعالى : { واركعوا من الراكعين } [ البقرة : 43 ] . وإذ لم يكن في زمن امتناع إبليس من السجود جمع من الكافرين كان قوله : { وكان من الكافرين } جارياً على المتعارف في أمثال هذا الإخبار الكنائي .
وفي هذا العدول عن مقتضى الظاهر مراعاة لما تقتضيه حروف الفاصلة أيضاً ، وقد رتبت الأخبار الثلاثة في الذكر على حسب ترتيب مفهوماتها في الوجود وذلك هو الأصل في الإنشاء أن يكون ترتيب الكلام مطابقاً لترتيب مدلولات جمله كقوله تعالى : { ولما جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاً وقال هذا يوم عصيب } [ هود : 77 ] وقد أشرت إلى ذلك في كتابي «أصول الإنشاء الخطابة» .
- إعراب القرآن : وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
«وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ» انظر الآية 30. «اسْجُدُوا» فعل أمر مبني على حذف النون. والواو فاعل والجملة مفعول به. «لِآدَمَ» متعلقان بالفعل قبلهما. «فَسَجَدُوا» الفاء عاطفة ، وسجدوا فعل ماض والواو فاعل.
«إِلَّا» أداة استثناء. «إِبْلِيسَ» مستثنى منصوب. «أَبى » فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر ، والفاعل هو يعود إلى إبليس. والجملة في محل نصب حال. «وَاسْتَكْبَرَ» الواو عاطفة ، والجملة معطوفة على جملة أبى. «وَكانَ» الواو عاطفة ، كان فعل ماض ناقص ، واسمها ضمير مستتر تقديره هو. «مِنَ الْكافِرِينَ» متعلقان بمحذوف خبر. والجملة معطوفة على جملة استكبر.
- English - Sahih International : And [mention] when We said to the angels "Prostrate before Adam"; so they prostrated except for Iblees He refused and was arrogant and became of the disbelievers
- English - Tafheem -Maududi : وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ(2:34) Then We commanded the angels, "Bow yourselves to Adam. "All bowed *45 but Iblis *46 refused to do so; he waxed proud and joined the defiers. *47
- Français - Hamidullah : Et lorsque Nous demandâmes aux Anges de se prosterner devant Adam ils se prosternèrent à l'exception d'Iblis qui refusa s'enfla d'orgueil et fut parmi les infidèles
- Deutsch - Bubenheim & Elyas : Und als Wir zu den Engeln sagten "Werft euch vor Adam nieder" Da warfen sie sich nieder außer Iblis Er weigerte sich und verhielt sich hochmütig und gehörte zu den Ungläubigen
- Spanish - Cortes : Y cuando dijimos a los ángeles ¡Prosternaos ante Adán Se prosternaron excepto Iblis Se negó y fue altivo era de los infieles
- Português - El Hayek : E quando dissemos aos anjos Prostraivos ante Adão Todos se prostraram exceto Lúcifer que ensoberbecido senegou e incluiuse entre os incrédulos
- Россию - Кулиев : Вот Мы сказали ангелам Падите ниц перед Адамом Они пали ниц и только Иблис отказался возгордился и стал одним из неверующих
- Кулиев -ас-Саади : وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
Вот Мы сказали ангелам: «Падите ниц перед Адамом». Они пали ниц, и только Иблис отказался, возгордился и стал одним из неверующих.Всевышний повелел ангелам пасть ниц перед Адамом и тем самым выразить ему свое почтение. Это было формой поклонения Аллаху и повиновения Его велениям, и поэтому ангелы тотчас пали ниц перед Адамом, и только Иблис не сделал этого. Он надменно отказался выполнить повеление Аллаха и решил, что превосходит Адама. Он заявил: «Неужели я паду ниц перед тем, кого Ты создал из глины?» (17:61). Высокомерие и неповиновение Иблиса были порождением неверия, которое он скрывал до того происшествия. Но случившееся заставило его показать свое враждебное отношение к Аллаху и Адаму и изобличило его неверие и высокомерие. Из этих прекрасных аятов можно сделать много полезных выводов. Во-первых, Всевышний Аллах способен разговаривать. Это качество всегда было присуще Аллаху, и Он может говорить все, что пожелает. Во-вторых, Аллах является Всеведущим и Премудрым Господом, и если рабам непонятен смысл создания некоторых творений или ниспослания некоторых повелений, то они обязаны покориться воле своего Господа, искать недостатки только в собственном разуме и признавать мудрость Аллаха. В-третьих, Аллах заботится об ангелах и оказывает им милость, когда обучает их тому, чего они не знают, и указывает им на то, на что они не обращают внимания. Эта кораническая история также подчеркивает превосходство знания. Во-первых, Всевышний Аллах продемонстрировал ангелам свои знания и свою мудрость. Во-вторых, Аллах указал ангелам на то, что превосходство Адама заключается в его познаниях, которые по праву являются одним из самых достойных качеств раба. В-третьих, Аллах повелел ангелам пасть ниц перед Адамом, дабы они выразили ему свое почтение и признали превосходство его знаний. В-четвертых, если один человек обучает других тому, чего они не знали прежде, то он сохраняет за собой превосходство над остальными, поскольку он приобрел эти знания раньше них. Эта история также заставляет нас задуматься над качествами прародителя рода человеческого и прародителя рода джиннов. В ней упоминаются достоинства Адама и милости, которыми его одарил Аллах. В ней сообщается и о лютой ненависти, которую Иблис питает к людям. Из нее можно сделать и много других полезных выводов.
- Turkish - Diyanet Isleri : Meleklere "Adem'e secde edin" demiştik İblis müstesna hepsi secde ettiler o ise kaçındı büyüklük tasladı ve inkar edenlerden oldu
- Italiano - Piccardo : E quando dicemmo agli Angeli “Prosternatevi ad Adamo” tutti si prosternarono eccetto Iblîs che rifiutò per orgoglio e fu tra i miscredenti
- كوردى - برهان محمد أمين : كاتێكیش بهفریشتهكانمان وت سوژده بهرن بۆ ئادهم سوژدهی ڕێزو بهفهرمانی خوا وهكو ڕووگهیهك سوژدهیان برد جگه ئیبلیس نهبێت كه سهرپێچی كردو خۆی به گهورهزانی و خۆی خسته ڕیزی كافرهكانهوه
- اردو - جالندربرى : اور جب ہم نے فرشتوں کو حکم دیا کہ ادم کے اگے سجدہ کرو تو وہ سجدے میں گر پڑے مگر شیطان نے انکار کیا اور غرور میں اکر کافر بن گیا
- Bosanski - Korkut : A kada rekosmo melekima "Poklonite se Ademu" – oni se pokloniše ali Iblis ne htjede on se uzoholi i posta nevjernik
- Swedish - Bernström : Och när Vi befallde änglarna att falla ned på sina ansikten inför Adam föll de ned utom Iblees som vägrade full av högmod och blev en av dem som förnekar sanningen
- Indonesia - Bahasa Indonesia : Dan ingatlah ketika Kami berfirman kepada para malaikat "Sujudlah kamu kepada Adam" maka sujudlah mereka kecuali Iblis; ia enggan dan takabur dan adalah ia termasuk golongan orangorang yang kafir
- Indonesia - Tafsir Jalalayn : وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
(Dan) ingatlah! (Ketika Kami berfirman kepada para malaikat, "Sujudlah kalian kepada Adam!") Maksudnya sujud sebagai penghormatan dengan cara membungkukkan badan, (maka mereka pun sujud, kecuali Iblis) yakni nenek moyang bangsa jin yang ada di antara para malaikat, (ia enggan) tak hendak sujud (dan menyombongkan diri) dengan mengatakan bahwa ia lebih mulia daripada Adam (dan Iblis termasuk golongan yang kafir) dalam ilmu Allah Taala.
- বাংলা ভাষা - মুহিউদ্দীন খান : এবং যখন আমি হযরত আদম আঃকে সেজদা করার জন্য ফেরেশতাগণকে নির্দেশ দিলাম তখনই ইবলীস ব্যতীত সবাই সিজদা করলো। সে নির্দেশ পালন করতে অস্বীকার করল এবং অহংকার প্রদর্শন করল। ফলে সে কাফেরদের অন্তর্ভূক্ত হয়ে গেল।
- தமிழ் - ஜான் டிரஸ்ட் : பின்னர் நாம் மலக்குகளை நோக்கி "ஆதமுக்குப் பணிந்து ஸுஜூது செய்யுங்கள்" என்று சொன்னபோது இப்லீஸைத்தவிர மற்ற அனைவரும் சிரம் பணிந்தனர்; அவன்இப்லீஸு மறுத்தான்; ஆணவமும் கொண்டான்; இன்னும் அவன் காஃபிர்களைச் சார்ந்தவனாகி விட்டான்
- ภาษาไทย - ภาษาไทย : และจงรำลึกถึง ขณะที่เราได้กล่าวแก่มะลาอิกะฮฺว่า พวกเจ้าจงสุยูด แก่อาดัมเถิด แล้วพวกเขาก็สุยูดกัน นอกจากอิบลีส โดยที่มันไม่ยอมสุยูด และแสดงโอหัง และมันจึงได้กลายเป็นผู้สิ้นสภาพแห่งการศรัทธา กาฟิรฺ
- Uzbek - Мухаммад Содик : Эсла фаришталарга "Одамга сажда қилинглар" деганимизни Бас сажда қилдилар магар Иблис бош тортди мутакаббирлик қилди ва кофирлардан бўлди Фаришталарга саждани буюриб Аллоҳ Одамга улкан мартаба ато этди Аммо бу сажда ибодат учун эмас балки ОдамниАллоҳнинг улуғ ижодини табриклаш маъносида эди Фаришталар дарҳол сажда қилдилар чунки улар фитратида Аллоҳнинг амрига исён қилиш хусусияти йўқ Фақат Иблис сажда қилмади
- 中国语文 - Ma Jian : 当时,我对众天神说:你们向阿丹叩头吧!他们就叩头,惟有易卜劣厮不肯,他自大,他原是不信道的。
- Melayu - Basmeih : Dan ingatlah ketika kami berfirman kepada malaikat "Tunduklah beri hormat kepada Nabi Adam" Lalu mereka sekaliannya tunduk memberi hormat melainkan Iblis; ia enggan dan takbur dan menjadilah ia dari golongan yang kafir
- Somali - Abduh : xus markaan ku nidhi Malaa'igay u sujuuda Aadam markaasay sujnudeen Ibliis mooye wuu diiday wuuna iskibriyay wuxuuna ka midnoqday galaada
- Hausa - Gumi : Kuma a lõkacin da Muka ce ga malã'iku "Ku yi sujada ga Ãdam" Sai suka yi sujada fãce Ibilĩsa ya ƙi kuma ya yi girman kai kuma ya kasance daga kãfirai
- Swahili - Al-Barwani : Na tulipo waambia Malaika Msujudieni Adam wakamsujudia wote isipo kuwa Iblis alikataa na akajivuna na akawa katika makafiri
- Shqiptar - Efendi Nahi : Kur u thamë engjujve “Përuluni para Ademit” – ata u përulën por Iblisi nuk deshi ai e rriti mendjen dhe u bë i pafé
- فارسى - آیتی : و به فرشتگان گفتيم: آدم را سجده كنيد. همه سجده كردند جز ابليس، كه سرباز زد و برترى جست. و او از كافران بود.
- tajeki - Оятӣ : Ва ба фариштагон гуфтем: «Одамро саҷда кунед!» Ҳама саҷда карданд ҷуз Иблис, ки рӯй гардонд ва бартарӣ ҷуст. Ва ӯ аз кофирон буд.
- Uyghur - محمد صالح : ئۆز ۋاقتىدا پەرىشتىلەرگە: «ئادەمگە سەجدە قىلىڭلار» دېدۇق، ئىبلىستىن باشقا ھەممىسى سەجدە قىلدى، ئىبلىس (سەجدە قىلىشتىن) باش تارتتى، تەكەببۇرلۇق قىلدى، ئۇ كاپىرلاردىن بولۇپ كەتتى
- Malayalam - ശൈഖ് മുഹമ്മദ് കാരകുന്ന് : നാം മലക്കുകളോടു പറഞ്ഞ സന്ദര്ഭം: "നിങ്ങള് ആദമിന് സാഷ്ടാംഗം ചെയ്യുക." അവരൊക്കെയും സാഷ്ടാംഗം പ്രണമിച്ചു; ഇബ്ലീസൊഴികെ. അവന് വിസമ്മതിച്ചു; അഹങ്കരിക്കുകയും ചെയ്തു. അങ്ങനെ അവന് സത്യനിഷേധികളില് പെട്ടവനായി.
- عربى - التفسير الميسر : واذكر ايها الرسول للناس تكريم الله لادم حين قال سبحانه للملائكه اسجدوا لادم اكراما له واظهارا لفضله فاطاعوا جميعا الا ابليس امتنع عن السجود تكبرا وحسدا فصار من الجاحدين بالله العاصين لامره
*45). This signifies that all the angels whose jurisdiction embraces the earth and that part of the universe in which the earth is situated were ordered to devote themselves to man's service. Since man had been invested with authority on earth the angels were told that whenever man wanted to make use of the powers with which he had been invested by God, and which God of His own will had allowed him to use, they should co-operate with him and enable him to do whatever to do, irrespective of right and wrong.
This can be understood with reference to the manner in which government employees are required to work. When a sovereign appoints a governor or a magistrate, all government employees under his jurisdiction are duty not. But as soon as the sovereign indicates to those employees that the governor or magistrate should be barred from doing something, the effective authority of the governor or the magistrate comes to an abrupt end. In fact, were the sovereign to issue the order that the governor be dismissed or imprisoned, the same employees who until then had been moving to and fro at his bidding would not feel hesitant in putting hand on him and taking him to prison.
God's order to the angels to prostrate themselves before Adam was of a similar nature. It is possible that prostration signifies the fact of their becoming yoked to man's service. At the same time it is also possible that they, were ordered to perform the act of prostration itself as a sign of the envisaged relationship between angels and man. In my view the latter seems more plausible.
*46). Iblis literally means 'thoroughly disappointed; utterly in despair'. In Islamic terminology the word denotes the jinn who, in defiance of God's command, refused to obey and to yoke himself to the service of Adam and his progeny and asked God to allow him a term when he might mislead and tempt mankind to evil and error. He is also called al-Shaytan(Satan)
In fact Satan (or Iblis) is not an abstract, impersonal force. Like human beings he is possessed of a specific personality. Moreover, one should not make the mistake of considering Satan an angel. Elsewhere the Qur'an itself clearly states that he was a jinn and jinn, as we know, are an independent species, distinct from the angels. (See Qur'An 18: 50.)
*47). These words seem to indicate that in committing disobedience Iblis was probably not alone. What seems to have been the case is that a section of the jinn was bent upon rebellion and the name of Iblis is mentioned only because he was their leader and the most noted among them for his rebellion. Another translation of this sentence could be: '? and he was of the defiers (kafirin)'. If this sense is correct, these words would signify that there was already a party of rebellious and recalcitrant jinn and that Iblis belonged to that party. In the Qur'an the word shayatin (satans) denotes these jinn and their offspring. Hence, whenever the context itself does not indicate that the term has been used for human beings who possess satanic attributes, the word ' Satans' should be understood to signify these satanic jinn.