- عربي - نصوص الآيات عثماني : وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِى كُنتَ عَلَيْهَآ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ
- عربى - نصوص الآيات : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ۗ وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ۚ وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله ۗ وما كان الله ليضيع إيمانكم ۚ إن الله بالناس لرءوف رحيم
- عربى - التفسير الميسر : وكما هديناكم -أيها المسلمون- إلى الطريق الصحيح في الدين، جعلناكم أمة خيارًا عدولا لتشهدوا على الأمم في الآخرة أن رسلهم بلَّغتهم رسالات ربهم، ويكون الرسول في الآخرة كذلك شهيدًا عليكم أنَّه بلَّغكم رسالة ربه. وما جعلنا -أيها الرسول- قبلة "بيت المقدس" التي كنت عليها، ثم صرفناك عنها إلى الكعبة بـ "مكة"، إلا ليظهر ما علمناه في الأزل؛ علما يتعلق به الثواب والعقاب لنميز مَن يتبعك ويطيعك ويستقبل معك حيث توجهت، ومَن هو ضعيف الإيمان فينقلب مرتدًا عن دينه لشكه ونفاقه. وإن هذه الحال التي هي تحول المسلم في صلاته من استقبال بيت المقدس إلى استقبال الكعبة لثقيلة شاقة إلا على الذين هداهم ومنّ عليهم بالإيمان والتقوى وما كان الله ليضيع إيمانكم به واتباعكم لرسوله، ويبطل صلاتكم إلى القبلة السابقة. إنه سبحانه وتعالى بالناس لرءوف رحيم.
- السعدى : وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ
ذكر في هذه الآية السبب الموجب لهداية هذه الأمة مطلقا بجميع أنواع الهداية, ومنة الله عليها فقال: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } أي: عدلا خيارا، وما عدا الوسط, فأطراف داخلة تحت الخطر، فجعل الله هذه الأمة, وسطا في كل أمور الدين، وسطا في الأنبياء, بين من غلا فيهم, كالنصارى, وبين من جفاهم, كاليهود, بأن آمنوا بهم كلهم على الوجه اللائق بذلك، ووسطا في الشريعة, لا تشديدات اليهود وآصارهم, ولا تهاون النصارى. وفي باب الطهارة والمطاعم, لا كاليهود الذين لا تصح لهم صلاة إلا في بيعهم وكنائسهم, ولا يطهرهم الماء من النجاسات, وقد حرمت عليهم الطيبات, عقوبة لهم، ولا كالنصارى الذين لا ينجسون شيئا, ولا يحرمون شيئا, بل أباحوا ما دب ودرج. بل طهارتهم أكمل طهارة وأتمها، وأباح الله لهم الطيبات من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح, وحرم عليهم الخبائث من ذلك، فلهذه الأمة من الدين أكمله, ومن الأخلاق أجلها, ومن الأعمال أفضلها. ووهبهم الله من العلم والحلم, والعدل والإحسان, ما لم يهبه لأمة سواهم، فلذلك كانوا { أُمَّةً وَسَطًا } [كاملين] ليكونوا { شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ } بسبب عدالتهم وحكمهم بالقسط, يحكمون على الناس من سائر أهل الأديان, ولا يحكم عليهم غيرهم، فما شهدت له هذه الأمة بالقبول, فهو مقبول, وما شهدت له بالرد, فهو مردود. فإن قيل: كيف يقبل حكمهم على غيرهم, والحال أن كل مختصمين غير مقبول قول بعضهم على بعض؟ قيل: إنما لم يقبل قول أحد المتخاصمين, لوجود التهمة فأما إذا انتفت التهمة, وحصلت العدالة التامة, كما في هذه الأمة, فإنما المقصود, الحكم بالعدل والحق، وشرط ذلك, العلم والعدل, وهما موجودان في هذه الأمة, فقبل قولها. فإن شك شاك في فضلها, وطلب مزكيا لها, فهو أكمل الخلق, نبيهم صلى الله عليه وسلم، فلهذا قال تعالى: { وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } ومن شهادة هذه الأمة على غيرهم, أنه إذا كان يوم القيامة, وسأل الله المرسلين عن تبليغهم, والأمم المكذبة عن ذلك, وأنكروا أن الأنبياء بلغتهم، استشهدت الأنبياء بهذه الأمة, وزكاها نبيها. وفي الآية دليل على أن إجماع هذه الأمة, حجة قاطعة, وأنهم معصومون عن الخطأ, لإطلاق قوله: { وَسَطًا } فلو قدر اتفاقهم على الخطأ, لم يكونوا وسطا, إلا في بعض الأمور, ولقوله: { ولتكونوا شهداء على الناس } يقتضي أنهم إذا شهدوا على حكم أن الله أحله أو حرمه أو أوجبه، فإنها معصومة في ذلك. وفيها اشتراط العدالة في الحكم, والشهادة, والفتيا, ونحو ذلك. يقول تعالى: { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا } وهي استقبال بيت المقدس أولا { إِلَّا لِنَعْلَمَ } أي: علما يتعلق به الثواب والعقاب, وإلا فهو تعالى عالم بكل الأمور قبل وجودها. ولكن هذا العلم, لا يعلق عليه ثوابا ولا عقابا, لتمام عدله, وإقامة الحجة على عباده، بل إذا وجدت أعمالهم, ترتب عليها الثواب والعقاب، أي: شرعنا تلك القبلة لنعلم ونمتحن { مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ } ويؤمن به, فيتبعه على كل حال, لأنه عبد مأمور مدبر، ولأنه قد أخبرت الكتب المتقدمة, أنه يستقبل الكعبة، فالمنصف الذي مقصوده الحق, مما يزيده ذلك إيمانا, وطاعة للرسول. وأما من انقلب على عقبيه, وأعرض عن الحق, واتبع هواه, فإنه يزداد كفرا إلى كفره, وحيرة إلى حيرته, ويدلي بالحجة الباطلة, المبنية على شبهة لا حقيقة لها. { وَإِنْ كَانَتْ } أي: صرفك عنها { لَكَبِيرَةٌ } أي: شاقة { إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ } فعرفوا بذلك نعمة الله عليهم, وشكروا, وأقروا له بالإحسان, حيث وجههم إلى هذا البيت العظيم, الذي فضله على سائر بقاع الأرض، وجعل قصده, ركنا من أركان الإسلام, وهادما للذنوب والآثام, فلهذا خف عليهم ذلك, وشق على من سواهم. ثم قال تعالى: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } أي: ما ينبغي له ولا يليق به تعالى, بل هي من الممتنعات عليه، فأخبر أنه ممتنع عليه, ومستحيل, أن يضيع إيمانكم، وفي هذا بشارة عظيمة لمن مَنَّ الله عليهم بالإسلام والإيمان, بأن الله سيحفظ عليهم إيمانهم, فلا يضيعه, وحفظه نوعان: حفظ عن الضياع والبطلان, بعصمته لهم عن كل مفسد ومزيل له ومنقص من المحن المقلقة, والأهواء الصادة، وحفظ له بتنميته لهم, وتوفيقهم لما يزداد به إيمانهم, ويتم به إيقانهم، فكما ابتدأكم, بأن هداكم للإيمان, فسيحفظه لكم, ويتم نعمته بتنميته وتنمية أجره, وثوابه, وحفظه من كل مكدر، بل إذا وجدت المحن المقصود منها, تبيين المؤمن الصادق من الكاذب، فإنها تمحص المؤمنين, وتظهر صدقهم، وكأن في هذا احترازا عما قد يقال إن قوله: { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ } قد يكون سببا لترك بعض المؤمنين إيمانهم, فدفع هذا الوهم بقوله: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } بتقديره لهذه المحنة أو غيرها. ودخل في ذلك من مات من المؤمنين قبل تحويل الكعبة, فإن الله لا يضيع إيمانهم, لكونهم امتثلوا أمر الله وطاعة رسوله في وقتها، وطاعة الله, امتثال أمره في كل وقت, بحسب ذلك، وفي هذه الآية, دليل لمذهب أهل السنة والجماعة, أن الإيمان تدخل فيه أعمال الجوارح. وقوله: { إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } أي: شديد الرحمة بهم عظيمها، فمن رأفته ورحمته بهم, أن يتم عليهم نعمته التي ابتدأهم بها، وأن ميَّزَ عنهم من دخل في الإيمان بلسانه دون قلبه، وأن امتحنهم امتحانا, زاد به إيمانهم, وارتفعت به درجتهم، وأن وجههم إلى أشرف البيوت, وأجلها.
- الوسيط لطنطاوي : وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ
- ثم وصف الله- تعالى- الأمة الإسلامية، بأنها أمة خيرة عادلة مزكاة بالعلم والعمل فقال تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً.
والمعنى: ومثل ما جعلنا قبلتكم- أيها المسلمون- وسطا لأنها البيت الحرام الذي هو المثابة للناس، والأمن لهم، جعلناكم- أيضا- أُمَّةً وَسَطاً أى: خيارا عدولا بين الأمم ليتحقق التناسب بينكم وبين القبلة التي تتوجهون إليها في صلواتكم، تشهدون على الأمم السابقة بأن أنبياءهم قد بلغوهم الرسالة، ونصحوهم بما ينفعهم، ولكي يشهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم عليكم بأنكم صدقتموه وآمنتم به.
أخرج البخاري عن أبى سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعى نوح يوم القيامة فيقول: لبيك وسعديك يا رب، فيقال له: هل بلغت ما أرسلت به؟ فيقول نعم، فيقال لأمته هل بلغكم. فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقال له: من يشهد لك. فيقول:
محمد وأمته. فيشهدون أنه قد بلغ، فذلك قوله- جل ذكره- وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً.
ثم بين الله- تعالى- الحكمة في تحويل القبلة إلى الكعبة فقال تعالى:
وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ.
أى وما شرعنا التوجه إلى القبلة التي كنت عليها قبل وقتك هذا وهي بيت المقدس، إلا لنعامل الناس معاملة الممتحن المختبر، فنعلم من يتبع الرسول ويأتمر بأوامره في كل حال ممن لم يدخل الدين في قرارة نفسه، وإنما دخل فيه على حرف، بحيث يرتد عنه لأقل شبهة، وأدنى ملابسة كما حصل ذلك من ضعاف الإيمان عند تحويل القبلة إلى الكعبة والله- تعالى- عالم بكل شيء، ولكنه شاء أن يكون معلومه الغيبى مشاهدا في العيان، إذ تعلق الشيء واقعا في العيان، هو الذي تقوم عليه الحجة، ويترتب عليه الثواب والعقاب.
ولذا قال صاحب الكشاف: فإن قلت: كيف قال لنعلم ولم يزل عالما بذلك؟ قلت معناه لنعلمه علما يتعلق به الجزاء، وهو أن يعلمه موجودا حاصلا، ونحوه وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ وقيل ليعلم رسول الله والمؤمنون، وإنما أسند علمهم إلى ذاته، لأنهم خواصه وأهل الزلفى عنده، وقيل معناه. ليميز التابع من الناكص كما قال- تعالى-: لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ فوضع العلم موضع التمييز لأن العلم يقع التمييز به» .
ثم بين الله- تعالى- آثار تحويل القبلة في نفوس المؤمنين وغيرهم فقال تعالى: وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ.
أى: إنما شرعنا لك- يا محمد- القبلة أولا إلى بيت المقدس، ثم صرفناك عنها إلى الكمية ليظهر حال من يتبعك ويطيعك في كل حالة ممن لا يطيعك، وإن كانت هذه الفعلة- وهي تحويلنا لك من بيت المقدس إلى الكعبة- لكبيرة وشاقة، إلا على الذين خلق الله الهداية في قلوبهم فتلقوا أوامرنا بالخضوع والإذعان، وقالوا سمعنا وأطعنا كل من عند ربنا.
وقوله- تعالى-: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ....
بشارة عظيمة للمؤمنين، وجواب لما جاشت به الصدور، وتكذيب لما ادعاه اليهود من أن عبادة المؤمنين في الفترة التي سبقت تحويل القبلة إلى الكعبة ضائعة وباطلة.
فقد أخرج البخاري من حديث البراء بن عازب- رضي الله عنه- أنه مات على القبلة قبل أن تحول رجال وقتلوا، فلم ندر ما تقول فيهم، فأنزل الله- تعالى- وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ.
وقال ابن عباس: كان رجال من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد ماتوا على القبلة الأولى، منهم: أسعد بن زرارة، وأبو أمامة ... وأناس آخرون فجاءت عشائرهم فقالوا: يا رسول الله: مات إخواننا وهم يصلون إلى القبلة الأولى وقد صرفك الله إلى قبلة إبراهيم، فكيف بإخواننا، فأنزل الله- تعالى- وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ.
وروى أن حيي بن أخطب وجماعة من اليهود قالوا للمسلمين: أخبرونا عن صلاتكم إلى بيت المقدس إن كانت على هدى لقد تحولتم عنه، وإن كانت على ضلالة فقد عبدتم الله بها مسافة، ومن مات عليها فقد مات على ضلالة فقال المسلمون إنما الهدى فيما أمر الله- تعالى- والضلالة فيما نهى الله عنه فقالوا: فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا؟ - وكان قد مات من المسلمين جماعة قبل تحويل القبلة- فانطلق عشائرهم إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله: كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ.
والمعنى- وما كان الله- تعالى- ليذهب صلاتكم وأعمالكم الصالحة التي قمتم بها خلال توجهكم إلى بيت المقدس، لأنه- سبحانه- بعباده رءوف رحيم ولا يضيع أجر من أحسن عملا.
- البغوى : وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ
{وكذلك جعلناكم أمة وسطاً} نزلت في رؤساء اليهود، قالوا لمعاذ ابن جبل: "ما ترك محمد قبلتنا إلا حسداً، وإن قبلتنا قبلة الأنبياء، ولقد علم محمد أنا عدل بين الناس، فقال معاذ: إنا على حق وعدل فأنزل الله تعالى: {وكذلك..} أي وهكذا"، وقيل: الكاف للتشبيه أي كما اخترنا إبراهيم وذريته واصطفيناهم
{وكذلك جعلناكم أمة وسطا} مردودة على قوله: {ولقد اصطفيناه في الدنيا} [130-البقرة] أي عدلا خياراً قال الله تعالى: {قال أوسطهم} [28-القلم] أي خيرهم وأعدلهم وخير الأشياء أوسطها، وقال الكلبي: "يعني أهل دين وسط بين الغلو والتقصير لأنهما مذمومان في الدين".
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو معشر إبراهيم بن محمد بن الحسين الوراق أنا أبو عبد الله محمد بن زكريا بن يحيى أنا أبو الصلت أنا حماد بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بعد العصر فما ترك شيئاً إلى يوم القيامة إلا ذكره في مقامه ذلك حتى إذا كانت الشمس على رؤوس النخل وأطراف الحيطان، قال: "أما أنه لم يبق من الدنيا فيما مضى منها إلا بقي من يومكم هذا، ألا وإن هذه الأمة توفي سبعين أمة هي آخرها وأخيرها وأكرمها على الله تعالى"".
قوله تعالى: {لتكونوا شهداء على الناس} يوم القيامة أن الرسل قد بلغتهم. قال ابن جريج: "
قلت لعطاء ما معنى قوله تعالى لتكونوا شهداء على الناس؟ قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم شهداء على من يترك الحق من الناس أجمعين.{ويكون الرسول} محمد صلى الله عليه وسلم.
{عليكم شهيداً} معدلاً مزكياً لكم، وذلك أن الله تعالى يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد، ثم يقول لكفار الأمم الماضية: {ألم يأتكم نذير} [8-الملك] فينكرون ويقولون ما جاءنا من بشير ولا نذير، فيسأل الله تعالى الأنبياء عليهم السلام عن ذلك فيقولون: كذبوا قد بلغناهم فيسألهم البينة - وهو أعلم بهم - إقامة للحجة، فيؤتى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيشهدون لهم أنهم قد بلغوا، فتقول الأمم الماضية: من أين علموا وإنما أتوا بعدنا؟ فيسأل هذه الأمة فيقولون أرسلت إلينا رسولاً، وأنزلت عليه كتاباً، أخبرتنا فيه تبليغ الرسل وأنت صادق فيما أخبرت، ثم يؤتى بمحمد صلى الله عليه وسلم فيسأل عن حال أمته فيزكيهم ويشهد بصدقهم.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا إسحاق بن منصور أخبرنا أبو أسامة قال الأعمش أخبرنا أبو صالح عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجاء بنوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم يارب، فيسأل أمته هل بلغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير، فيقال: من شهودك فيقول محمد وأمته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجاء بكم فتشهدون ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً}".
قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} أي تحويلها يعني بيت المقدس، فيكون من باب حذف المضاف ويحتمل أن يكون المفعول الثاني للجعل محذوفاً، على تقدير وما جعلنا القبلة التي كنت عليها منسوخة، وقيل: معناه التي أنت عليها، وهي الكعبة كقوله تعالى {كنتم خير أمة} أي أنتم.
{إلا لنعلم من يتبع الرسول} فإن قيل ما معنى قوله: ((إلا لنعلم)) وهو عالم بالأشياء كلها قبل يتعلق بما يوجد معناه ليعلم العلم الذي يستحق العامل عليه الثواب والعقاب، وقيل: إلا لنعلم أي: لنرى ونميز من يتبع الرسول في القبلة.
{ممن ينقلب على عقبيه} فيرتد وفي الحديث إن القبلة لما حولت ارتد قوم من المسلمين إلى اليهودية، وقالوا: رجع محمد إلى دين آبائه، وقال أهل المعاني: معناه إلا لعلمنا من يتبع الرسول ممن على عقبيه كأنه سبق في علمه أن تحويل القبلة سبب لهداية قوم وضلالة قوم، وقد يأتي لفظ الاستقبال بمعنى الماضي كما قال الله تعالى: {فلم تقتلون أنبياء الله} [91-البقرة] أي فلم قتلتموهم.
{وإن كانت} أي قد كانت أي تولية الكعبة، وقيل: الكناية راجعة إلى القبلة، وقيل: إلى الكعبة.
قال الزجاج: "وإن كانت التحويلة {لكبيرة} ثقيلة شديدة.
{إلا على الذين هدى الله }أي هداهم الله، قال سيبويه: "(( وإن )) تأكيد يشبه اليمين ولذلك دخلت اللام في جوابها".
{وما كان الله ليضيع إيمانكم} وذلك أن حيي بن أخطب وأصحابه من اليهود قالوا للمسلمين: أخبرونا عن صلاتكم نحو بيت المقدس، إن كانت هدى فقد تحولتم عنها وإن كانت ضلالة فقد دنتم الله بها، ومن مات منكم عليها فقد مات على الضلالة، فقال المسلمون إنما الهدى ما أمر الله به، والضلالة مانهى الله عنه. قالوا: فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا؟ وكان قد مات قبل أن تحول القبلة من المسلمين أسعد بن زرارة من بني النجار، والبراء بن معرور من بني سلمة، وكانوا من النقباء ورجال آخرون فانطلق عشائرهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله قد صرفك الله إلى قبلة إبراهيم فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى {وما كان الله ليضيع إيمانكم} يعني صلاتكم إلى بيت المقدس.
{إن الله بالناس لرؤوف رحيم} قرأ أهل الحجاز وابن عامر وحفص (لرؤوف) مشبع على وزن فعول، لأن أكثر أسماء الله تعالى على فعول وفعيل، والشكور والرحيم والكريم وغيرها، و أبو جعفر يلين الهمزة وقرأ الآخرون بالاختلاس على وزن فعل.
قال جرير: "ترى للمسلمين عليك حقاً كفعل الواحد الرؤف الرحيم والرأفة أشد الرحمة".
- ابن كثير : وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ
وقوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) يقول تعالى : إنما حولناكم إلى قبلة إبراهيم ، عليه السلام ، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم ، لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم ; لأن الجميع معترفون لكم بالفضل . والوسط هاهنا : الخيار والأجود ، كما يقال : قريش أوسط العرب نسبا ودارا ، أي : خيرها . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطا في قومه ، أي : أشرفهم نسبا ، ومنه الصلاة الوسطى ، التي هي أفضل الصلوات ، وهي العصر ، كما ثبت في الصحاح وغيرها ، ولما جعل الله هذه الأمة وسطا خصها بأكمل الشرائع وأقوم المناهج وأوضح المذاهب ، كما قال تعالى : ( هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس ) [ الحج : 78 ]
وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يدعى نوح يوم القيامة فيقال له : هل بلغت ؟ فيقول : نعم . فيدعى قومه فيقال لهم : هل بلغكم ؟ فيقولون : ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد ، فيقال لنوح : من يشهد لك ؟ فيقول : محمد وأمته " قال : فذلك قوله : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) .
قال : الوسط : العدل ، فتدعون ، فتشهدون له بالبلاغ ، ثم أشهد عليكم .
رواه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه من طرق عن الأعمش ، [ به ] .
وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجيء النبي يوم القيامة [ ومعه الرجل والنبي ] ومعه الرجلان وأكثر من ذلك فيدعى قومه ، فيقال [ لهم ] هل بلغكم هذا ؟ فيقولون : لا . فيقال له : هل بلغت قومك ؟ فيقول : نعم . فيقال [ له ] من يشهد لك ؟ فيقول : محمد وأمته . فيدعى بمحمد وأمته ، فيقال لهم : هل بلغ هذا قومه ؟ فيقولون : نعم . فيقال : وما علمكم ؟ فيقولون : جاءنا نبينا صلى الله عليه وسلم فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا " فذلك قوله عز وجل : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) قال : " عدلا ( لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) " .
وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) قال : " عدلا " .
وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه وابن أبي حاتم من حديث عبد الواحد بن زياد ، عن أبي مالك الأشجعي ، عن المغيرة بن عتيبة بن نهاس : حدثني مكتب لنا عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " أنا وأمتي يوم القيامة على كوم مشرفين على الخلائق . ما من الناس أحد إلا ود أنه منا . وما من نبي كذبه قومه إلا ونحن نشهد أنه قد بلغ رسالة ربه ، عز وجل " .
وروى الحاكم ، في مستدركه وابن مردويه أيضا ، واللفظ له ، من حديث مصعب بن ثابت ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن جابر بن عبد الله ، قال : شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة ، في بني سلمة ، وكنت إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم : والله يا رسول الله لنعم المرء كان ، لقد كان عفيفا مسلما وكان . . . وأثنوا عليه خيرا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنت بما تقول " . فقال الرجل : الله أعلم بالسرائر ، فأما الذي بدا لنا منه فذاك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " وجبت " . ثم شهد جنازة في بني حارثة ، وكنت إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم : يا رسول الله ، بئس المرء كان ، إن كان لفظا غليظا ، فأثنوا عليه شرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعضهم : " أنت بالذي تقول " . فقال الرجل : الله أعلم بالسرائر ، فأما الذي بدا لنا منه فذاك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وجبت " .
قال مصعب بن ثابت : فقال لنا عند ذلك محمد بن كعب : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قرأ : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا )
ثم قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا داود بن أبي الفرات ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبي الأسود أنه قال : أتيت المدينة فوافقتها ، وقد وقع بها مرض ، فهم يموتون موتا ذريعا . فجلست إلى عمر بن الخطاب ، فمرت به جنازة ، فأثني على صاحبها خير . فقال : وجبت وجبت . ثم مر بأخرى فأثني عليها شر ، فقال عمر : وجبت [ وجبت ] . فقال أبو الأسود : ما وجبت يا أمير المؤمنين ؟ قال : قلت : كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة " . قال : فقلنا . وثلاثة ؟ قال : " وثلاثة " . قال ، فقلنا : واثنان ؟ قال : " واثنان " ثم لم نسأله عن الواحد .
وكذا رواه البخاري ، والترمذي ، والنسائي من حديث داود بن أبي الفرات ، به .
قال ابن مردويه : حدثنا أحمد بن عثمان بن يحيى ، حدثنا أبو قلابة الرقاشي ، حدثني أبو الوليد ، حدثنا نافع بن عمر ، حدثني أمية بن صفوان ، عن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي ، عن أبيه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنباوة يقول : " يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم " قالوا : بم يا رسول الله ؟ قال : " بالثناء الحسن والثناء السيئ ، أنتم شهداء الله في الأرض " . ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يزيد بن هارون . ورواه الإمام أحمد ، عن يزيد بن هارون ، وعبد الملك بن عمر وشريح ، عن نافع عن ابن عمر ، به .
وقوله تعالى : ( وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله ) يقول تعالى : إنما شرعنا لك يا محمد التوجه أولا إلى بيت المقدس ، ثم صرفناك عنها إلى الكعبة ، ليظهر حال من يتبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممن ينقلب على عقبيه ، أي : مرتدا عن دينه ( وإن كانت لكبيرة ) أي : هذه الفعلة ، وهو صرف التوجه عن بيت المقدس إلى الكعبة ، أي : وإن كان هذا الأمر عظيما في النفوس ، إلا على الذين هدى الله قلوبهم ، وأيقنوا بتصديق الرسول ، وأن كل ما جاء به فهو الحق الذي لا مرية فيه ، وأن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، فله أن يكلف عباده بما شاء ، وينسخ ما يشاء ، وله الحكمة التامة والحجة البالغة في جميع ذلك ، بخلاف الذين في قلوبهم مرض ، فإنه كلما حدث أمر أحدث لهم شكا ، كما يحصل للذين آمنوا إيقان وتصديق ، كما قال الله تعالى : ( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم ) [ التوبة : 124 ، 125 ] وقال تعالى : ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى ) [ فصلت : 44 ] وقال تعالى : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) [ الإسراء : 82 ] . ولهذا كان من ثبت على تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه في ذلك ، وتوجه حيث أمره الله من غير شك ولا ريب ، من سادات الصحابة . وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هم الذين صلوا القبلتين .
وقال البخاري في تفسير هذه الآية :
حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : بينا الناس يصلون الصبح في مسجد قباء إذ جاء رجل فقال : قد أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم قرآن ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها . فتوجهوا إلى الكعبة .
وقد رواه مسلم من وجه آخر ، عن ابن عمر . ورواه الترمذي من حديث سفيان الثوري وعنده : أنهم كانوا ركوعا ، فاستداروا كما هم إلى الكعبة ، وهم ركوع . وكذا رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، مثله ، وهذا يدل على كمال طاعتهم لله ورسوله ، وانقيادهم لأوامر الله عز وجل ، رضي الله عنهم أجمعين .
وقوله : ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) أي : صلاتكم إلى بيت المقدس قبل ذلك لا يضيع ثوابها عند الله ، وفي الصحيح من حديث أبي إسحاق السبيعي ، عن البراء ، قال : مات قوم كانوا يصلون نحو بيت المقدس فقال الناس : ما حالهم في ذلك ؟ فأنزل الله تعالى : ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) .
[ ورواه الترمذي عن ابن عباس وصححه ] .
وقال ابن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) أي : بالقبلة الأولى ، وتصديقكم نبيكم ، واتباعه إلى القبلة الأخرى . أي : ليعطيكم أجرهما جميعا . ( إن الله بالناس لرءوف رحيم )
وقال الحسن البصري : ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) أي : ما كان الله ليضيع محمدا صلى الله عليه وسلم وانصرافكم معه حيث انصرف ( إن الله بالناس لرءوف رحيم )
وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة من السبي قد فرق بينها وبين ولدها ، فجعلت كلما وجدت صبيا من السبي أخذته فألصقته بصدرها ، وهي تدور على ولدها ، فلما وجدته ضمته إليها وألقمته ثديها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أترون هذه طارحة ولدها في النار ، وهي تقدر على ألا تطرحه ؟ " قالوا : لا يا رسول الله . قال : " فوالله ، لله أرحم بعباده من هذه بولدها " .
- القرطبى : وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ
قوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم
فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا المعنى : وكما أن الكعبة وسط الأرض كذلك جعلناكم أمة وسطا ، أي جعلناكم دون الأنبياء وفوق الأمم . والوسط : العدل ، وأصل هذا أن أحمد الأشياء أوسطها . وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا قال : ( عدلا ) . قال : هذا حديث حسن صحيح . وفي التنزيل : قال أوسطهم أي أعدلهم وخيرهم . وقال زهير :
هم وسط يرضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم
آخر :
أنتم أوسط حي علموا بصغير الأمر أو إحدى الكبر
وقال آخر :
لا تذهبن في الأمور فرطا لا تسألن إن سألت شططا
وكن من الناس جميعا وسطا
ووسط الوادي : خير موضع فيه وأكثره كلأ وماء . ولما كان الوسط مجانبا للغلو والتقصير كان محمودا ، أي هذه الأمة لم تغل غلو النصارى في أنبيائهم ، ولا قصروا تقصير اليهود في أنبيائهم . وفي الحديث : خير الأمور أوسطها . وفيه عن علي رضي الله عنه : " عليكم بالنمط الأوسط ، فإليه ينزل العالي ، وإليه يرتفع النازل " . وفلان من أوسط قومه ، وإنه لواسطة قومه ، ووسط قومه ، أي من خيارهم وأهل الحسب منهم . وقد وسط وساطة وسطة ، وليس من الوسط الذي بين شيئين في شيء . والوسط ( بسكون السين ) الظرف ، تقول : صليت وسط القوم . وجلست وسط الدار ( بالتحريك ) لأنه اسم . قال الجوهري : وكل موضع صلح فيه " بين " فهو وسط ، وإن لم يصلح فيه " بين " فهو وسط بالتحريك ، وربما يسكن وليس بالوجه .
الثانية : قوله تعالى : لتكونوا نصب بلام كي ، أي لأن تكونوا . شهداء على الناس خبر كان . على الناس أي في المحشر للأنبياء على أممهم ، كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يدعى نوح عليه السلام يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك يا رب فيقول هل بلغت فيقول نعم فيقال لأمته هل بلغكم فيقولون ما أتانا من نذير فيقول من يشهد لك فيقول محمد وأمته فيشهدون أنه قد بلغ ويكون الرسول عليكم شهيدا فذلك قوله عز وجل : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا . وذكر هذا الحديث مطولا ابن المبارك بمعناه ، وفيه : فتقول تلك الأمم كيف يشهد علينا من لم يدركنا فيقول لهم الرب سبحانه كيف تشهدون على من لم تدركوا فيقولون ربنا بعثت إلينا رسولا وأنزلت إلينا عهدك وكتابك وقصصت علينا أنهم قد بلغوا فشهدنا بما عهدت إلينا فيقول الرب صدقوا فذلك قوله عز وجل وكذلك جعلناكم أمة وسطا - والوسط العدل - لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا . قال ابن أنعم : فبلغني أنه يشهد يومئذ أمة محمد عليه السلام ، إلا من كان في قلبه حنة على أخيه . وقالت طائفة : معنى الآية يشهد بعضكم على بعض بعد الموت ، كما ثبت في صحيح مسلم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حين مرت به جنازة فأثني عليها خير فقال : وجبت وجبت وجبت . ثم مر عليه بأخرى فأثني عليها شر فقال : وجبت وجبت وجبت . فقال عمر : فدى لك أبي وأمي ، مر بجنازة فأثني عليها خير فقلت : وجبت وجبت وجبت ، ومر بجنازة فأثني عليها شر فقلت : وجبت وجبت وجبت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض . أخرجه البخاري بمعناه . وفي بعض طرقه في غير الصحيحين وتلا : لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا . وروى أبان وليث عن شهر بن حوشب عن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أعطيت أمتي ثلاثا لم تعط إلا الأنبياء ؛ كان الله إذا بعث نبيا قال له ادعني أستجب لك وقال لهذه الأمة ادعوني أستجب لكم وكان الله إذا بعث النبي قال له ما جعل عليك في الدين من حرج وقال لهذه الأمة وما جعل عليكم في الدين من حرج وكان الله إذا بعث النبي جعله شهيدا على قومه وجعل هذه الأمة شهداء على الناس . خرجه الترمذي الحكيم أبو عبد الله في " نوادر الأصول " .
الثالثة : قال علماؤنا : أنبأنا ربنا تبارك وتعالى في كتابه بما أنعم علينا من تفضيله لنا باسم العدالة وتولية خطير الشهادة على جميع خلقه ، فجعلناه أولا مكانا وإن كنا آخرا زمانا ، كما قال عليه السلام : نحن الآخرون الأولون . وهذا دليل على أنه لا يشهد إلا العدول ، ولا ينفذ قول الغير على الغير إلا أن يكون عدلا . وسيأتي بيان العدالة وحكمها في آخر السورة إن شاء الله تعالى .
الرابعة : وفيه دليل على صحة الإجماع ووجوب الحكم به ; لأنهم إذا كانوا عدولا شهدوا على الناس . فكل عصر شهيد على من بعده فقول الصحابة حجة وشاهد على التابعين ، وقول التابعين على من بعدهم . وإذ جعلت الأمة شهداء فقد وجب قبول قولهم . ولا معنى لقول من قال : أريد به جميع الأمة لأنه حينئذ لا يثبت مجمع عليه إلى قيام الساعة . وبيان هذا في كتب أصول الفقه .
قوله تعالى : ويكون الرسول عليكم شهيدا قيل : معناه بأعمالكم يوم القيامة . وقيل : " عليكم " بمعنى لكم ، أي يشهد لكم بالإيمان . وقيل : أي يشهد عليكم بالتبليغ لكم .
قوله تعالى : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها قيل : المراد بالقبلة هنا القبلة الأولى ، لقوله كنت عليها . وقيل : الثانية ، فتكون الكاف زائدة ، أي أنت الآن عليها ، كما تقدم ، وكما قال : كنتم خير أمة أخرجت للناس أي أنتم ، في قول بعضهم ، وسيأتي .
قوله تعالى : إلا لنعلم من يتبع الرسول قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه : معنى لنعلم لنرى . والعرب تضع العلم مكان الرؤية ، والرؤية مكان العلم ، كقوله تعالى : ألم تر كيف فعل ربك بمعنى ألم تعلم . وقيل : المعنى إلا لتعلموا أننا نعلم ، فإن المنافقين كانوا في شك من علم الله تعالى بالأشياء قبل كونها . وقيل : المعنى لنميز أهل اليقين من أهل الشك ، حكاه ابن فورك ، وذكره الطبري عن ابن عباس . وقيل : المعنى إلا ليعلم النبي وأتباعه ، وأخبر تعالى بذلك عن نفسه ، كما يقال : فعل الأمير كذا ، وإنما فعله أتباعه ، ذكره المهدوي وهو جيد . وقيل : معناه ليعلم محمد ، فأضاف علمه إلى نفسه تعالى تخصيصا وتفضيلا ، كما كنى عن نفسه سبحانه في قوله : يا بن آدم مرضت فلم تعدني الحديث . والأول أظهر ، وأن معناه علم المعاينة الذي يوجب الجزاء ، وهو سبحانه عالم الغيب والشهادة ، علم ما يكون قبل أن يكون ، تختلف الأحوال على المعلومات ، وعلمه لا يختلف بل يتعلق بالكل تعلقا واحدا . وهكذا كل ما ورد في الكتاب من هذا المعنى من قوله تعالى : وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء ، ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين وما أشبه . والآية جواب لقريش في قولهم : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها وكانت قريش تألف الكعبة ، فأراد الله عز وجل أن يمتحنهم بغير ما ألفوه ليظهر من يتبع الرسول ممن لا يتبعه . وقرأ الزهري إلا ليعلم ف من في موضع رفع على هذه القراءة ; لأنها اسم ما لم يسم فاعله . وعلى قراءة الجماعة في موضع نصب على المفعول . يتبع الرسول يعني فيما أمر به من استقبال الكعبة . ممن ينقلب على عقبيه يعني ممن يرتد عن دينه ; لأن القبلة لما حولت ارتد من المسلمين قوم ونافق قوم ; و لهذا قال : وإن كانت لكبيرة أي تحويلها ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة . والتقدير في العربية : وإن كانت التحويلة .
قوله تعالى : وإن كانت لكبيرة ذهب الفراء إلى أن إن واللام بمعنى ما وإلا ، والبصريون يقولون : هي إن الثقيلة خففت . وقال الأخفش : أي وإن كانت القبلة أو التحويلة أو التولية لكبيرة ، إلا على الذين هدى الله أي خلق الهدى الذي هو الإيمان في قلوبهم ، كما قال تعالى : أولئك كتب في قلوبهم الإيمان .
قوله تعالى : وما كان الله ليضيع إيمانكم اتفق العلماء على أنها نزلت فيمن مات وهو يصلي إلى بيت المقدس ، كما ثبت في البخاري من حديث البراء بن عازب على ما تقدم . وخرج الترمذي عن ابن عباس قال : لما وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة قالوا : يا رسول الله ، كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس ؟ فأنزل الله تعالى : وما كان الله ليضيع إيمانكم الآية ، قال : هذا حديث حسن صحيح . فسمى الصلاة إيمانا لاشتمالها على نية وقول وعمل . وقال مالك : إني لأذكر بهذه الآية قول المرجئة : إن الصلاة ليست من الإيمان . وقال محمد بن إسحاق : وما كان الله ليضيع إيمانكم أي بالتوجه إلى القبلة وتصديقكم لنبيكم ، وعلى هذا معظم المسلمين والأصوليين . وروى ابن وهب وابن القاسم وابن عبد الحكم وأشهب عن مالك وما كان الله ليضيع إيمانكم قال : صلاتكم .
قوله تعالى : إن الله بالناس لرءوف رحيم الرأفة أشد من الرحمة . وقال أبو عمرو بن العلاء : الرأفة أكثر من الرحمة ، والمعنى متقارب . وقد أتينا على لغته وأشعاره ومعانيه في الكتاب " الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى " فلينظر هناك . وقرأ الكوفيون وأبو عمرو " لرؤف " على وزن فعل ، وهي لغة بني أسد ، ومنه قول الوليد بن عقبة :
وشر الطالبين فلا تكنه يقاتل عمه الرؤف الرحيم
وحكى الكسائي أن لغة بني أسد " لرأف " ، على فعل . وقرأ أبو جعفر بن القعقاع " لروف " مثقلا بغير همز ، وكذلك سهل كل همزة في كتاب الله تعالى ، ساكنة كانت أو متحركة .
- الطبرى : وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ
وكذلك جعلناكم أمة وسطا
يعني جل ثناؤه بقوله : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } كما هديناكم أيها المؤمنون بمحمد عليه الصلاة والسلام , وبما جاءكم به من عند الله , فخصصناكم التوفيق لقبلة إبراهيم وملته , وفضلناكم بذلك على من سواكم من أهل الملل ; كذلك خصصناكم ففضلناكم على غيركم من أهل الأديان بأن جعلناكم أمة وسطا . وقد بينا أن الأمة هي القرن من الناس والصنف منهم وغيرهم . وأما الوسط فإنه في كلام العرب : الخيار , يقال منه : فلان وسط الحسب في قومه : أي متوسط الحسب , إذا أرادوا بذلك الرفع في حسبه , وهو وسط في قومه وواسط , كما يقال شاة يابسة اللبن , ويبسة اللبن , وكما قال جل ثناؤه : { فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا } 20 77 وقال زهير بن أبي سلمى في الوسط : هم وسط يرضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم قال : وأنا أرى أن الوسط في هذا الموضع هو الوسط الذي بمعنى الجزء الذي هو بين الطرفين , مثل " وسط الدار " , محرك الوسط مثقله , غير جائز في سينه التخفيف . وأرى أن الله تعالى ذكره إنما وصفهم بأنهم وسط لتوسطهم في الدين فلا هم أهل غلو فيه غلو النصارى الذين غلوا بالترهب وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه , ولا هم أهل تقصير فيه تقصير اليهود الذين بدلوا كتاب الله وقتلوا أنبياءهم وكذبوا على ربهم وكفروا به ; ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه , فوصفهم الله بذلك , إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها . وأما التأويل فإنه جاء بأن الوسط العدل , وذلك معنى الديار لأن الخيار من الناس عدولهم . ذكر من قال : الوسط العدل . 1789 - حدثنا سالم بن جنادة ويعقوب بن إبراهيم , قالا : ثنا حفص بن غياث , عن الأعمش , عن أبي صالح عن أبي سعيد , عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } قال : " عدولا " * - حدثنا مجاهد بن موسى ومحمد بن بشار , قالا : ثنا جعفر بن عون , عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد , عن النبي صلى الله عليه وسلم , مثله . 1790 - حدثنا محمد بن بشار قال : ثنا مؤمل , قال : ثنا سفيان عن الأعمش عن أبي صالح , عن أبي سعيد الخدري : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } قال : " عدولا " . 1791 - حدثني علي بن عيسى , قال : ثنا سعيد بن سليمان , عن حفص بن غياث , عن أبي صالح , عن أبي هريرة , عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { جعلناكم أمة وسطا } قال : " عدولا " . 1792 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن يمان , عن أشعث , عن جعفر , عن سعيد : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } قال : عدولا . 1793 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله عز وجل : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } قال : عدولا . * - حدثني المثنى , قال : ثنا حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد مثله . 1794 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { أمة وسطا } قال : عدولا . 1795 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { أمة وسطا } قال : عدولا . 1796 - حدثنا المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : { أمة وسطا } قال : عدولا . 1797 - حدثني محمد بن سعد , قال : حدثني أبي , قال : حدثني عمي , قال : حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } يقول : جعلكم أمة عدولا . 1798 - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد بن نصر , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن راشد بن سعد , قال : أخبرنا ابن العم المعافري عن حبان بن أبي جبلة بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } قال : " الوسط : العدل " . 1799 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , عن عطاء مجاهد وعبد الله بن كثير : { أمة وسطا } قالوا : عدولا , قال مجاهد : عدولا . 1800 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } قال : هم وسط بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الأمم .لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا
القول في تأويل قوله تعالى : { لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } والشهداء جمع شهيد . فمعنى ذلك : وكذلك جعلناكم أمة وسطا عدولا [ لتكونوا ] شهداء لأنبيائي ورسلي على أممها بالبلاغ أنها قد بلغت ما أمرت ببلاغه من رسالاتي إلى أممها , ويكون رسولي محمد صلى الله عليه وسلم شهيدا عليكم بإيمانكم به , وبما جاءكم به من عندي . كما : 1801 - حدثني أبو السائب , قال : ثنا حفض , عن الأعمش , عن أبي صالح , عن أبي سعيد , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يدعى بنوح عليه السلام يوم القيامة , فيقال له : هل بلغت ما أرسلت به ؟ فيقول : نعم فيقال لقومه : هل بلغكم ؟ فيقول : ما جاءنا من نذير , فيقال له : من يعلم ذلك ؟ فيقول محمد وأمته فهو قوله { وكذلك جعلناك أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } 1802 - حدثنا مجاهد بن موسى , قال : ثنا جعفر بن عون , قال , ثنا الأعمش , عن أبي صالح , عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه , إلا أنه زاد فيه . " فيدعون ويشهدون أنه قد بلغ " . 1803 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا مؤمل , قال : ثنا سفيان , عن الأعمش , عن أبي صالح , عن أبي سعيد : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس } بأن الرسل قد بلغوا { ويكون الرسول عليكم شهيدا } : بما عملتم أو فعلتم . 1804 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن فضيل , عن أبي مالك الأشجعي , عن المغيرة بن عيينة بن النهاس , أن مكاتبا لهم حدثهم عن جابر بن عبد الله . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " وإني وأمتي لعلى كوم يوم القيامة مشرفين على الخلائق ما أحد من الأمم إلا ود أنه منها أيتها الأمة وما من نبي كذبه قومه إلا نحن شهداؤه يوم القيامة أنه قد بلغ رسالات ربه ونصح لهم " قال : " ويكون الرسول عليكم شهيدا " . 1805 - حدثني عصام بن رواد بن الجراح العسقلاني , قال : ثنا أبي قال : ثنا الأوزاعي , عن يحيى بن أبي كثير , عن عبد الله بن الفضل , عن أبي هريرة قال : خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة , فلما صلى على الميت قال الناس : نعم الرجل ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم . " وجبت " . ثم خرجت معه في جنازة أخرى , فلما صلوا على الميت قال الناس : بئس الرجل ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " وجبت " . فقام إليه أبي بن كعب فقال , يا رسول الله ما قولك وجبت ؟ قال : " قول الله عر وجل : { لتكونوا شهداء على الناس } . * - حدثني علي بن سهل الرملي , قال : ثنا الوليد بن مسلم , قال : حدثني أبو عمرو عن يحيى , قال : حدثني عبد الله بن أبي الفضل المديني , قال : حدثني أبو هريرة قال : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة , فقال الناس : نعم الرجل , ثم ذكر نحو حديث عصام عن أبيه . 1806 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا زيد بن حباب , قال : ثنا عكرمة بن عمار , قال : حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع , عن أبيه , قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم , فمر عليه بجنازة فأثني عليها بثناء حسن , فقال : " وجبت " , ومر عليه بجنازة أخرى , فأثني عليها دون ذلك , فقال : " وجبت " , قالوا : يا رسول الله ما وجبت ؟ قال : " الملائكة شهداء الله في السماء وأنتم شهداء الله في الأرض فما شهدتم عليه وجب " . ثم قرأ : { وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون } 9 105 الآية . 1807 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { لتكونوا شهداء على الناس } تكونوا شهداء لمحمد عليه الصلاة والسلام على الأمم اليهود والنصارى والمجوس . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 1808 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا عاصم , عن عيسى عن ابن أبي نجيح , قال : يأتي النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة بإذنه ليس معه أحد فتشهد له أمة محمد صلى الله عليه وسلم أنه قد بلغهم . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن أبيه أنه سمع عبيد بن عمير , مثله . * - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا حجاج , عن ابن جريج , قال : حدثني ابن أبي نجيح , عن أبيه قال : يأتي النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة , فذكر مثله , ولم يذكر عبيد بن عمير مثله . 1809 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { لتكونوا شهداء على الناس } أي أن رسلهم قد بلغت قومها عن ربها , { ويكون الرسول عليكم شهيدا } على أنه قد بلغ رسالات ربه إلى أمته . 1810 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن زيد بن أسلم : أن قوم نوح يقولون يوم القيامة : لم يبلغنا نوح . فيدعى نوح عليه السلام فيسأل : هل بلغتهم ؟ فيقول : نعم , فيقال : من شهودك ؟ فيقول : أحمد صلى الله عليه وسلم وأمته . فتدعون فتسألون , فتقولون : نعم قد بلغهم . فتقول قوم نوح عليه السلام : كيف تشهدون علينا ولم تدركونا ؟ قالوا : قد جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبرنا أنه قد بلغكم , وأنزل عليه أنه قد بلغكم , فصدقناه . قال : فيصدق نوح عليه السلام ويكذبونهم . قال : { لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة : { لتكونوا شهداء على الناس } لتكون هذه الأمة شهداء على الناس أن الرسل قد بلغتهم , ويكون الرسول على هذه الأمة شهيدا , أن قد بلغ ما أرسل به . 1811 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن زيد بن أسلم : أن الأمم يقولون يوم القيامة : والله لقد كادت هذه الأمة أن تكون أنبياء كلهم ! لما يرون الله أعطاهم . 1812 - حدثنا المثنى , قال : ثنا سويد بن نصر , قال : ثنا ابن المبارك عن راشد بن سعد , قال : أخبرني ابن أنعم المعافري , عن حبان بن أبي جبلة بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا جمع الله عباده يوم القيامة , كان أول من يدعى إسرافيل , فيقول له ربه : ما فعلت في عهدي هل بلغت عهدي ؟ فيقول : نعم رب قد بلغته جبريل عليهما السلام , فيدعى جبريل فيقال له هل بلغت إسرافيل عهدي ؟ فيقول : نعم رب قد بلغني . فيخلى عن إسرافيل , ويقال لجبريل : هل بلغت عهدي ؟ فيقول : نعم قد بلغت الرسل فتدعى الرسل فيقال لهم : هل بلغكم جبريل عهدي " فيقول نعم ربنا فيخلى عن جبريل , ثم يقال للرسل : ما فعلتم بعهدي ؟ فيقول : بلغنا أممنا . فتدعى الأمم فيقال : هل بلغكم الرسل عهدي ؟ فمنهم المكذب ومنهم المصدق , فتقول الرسل إن لنا عليهم شهودا يشهدون أن قد بلغنا مع شهادتك . فيقول : من يشهد لكم ؟ فيقول أمة محمد . فتدعى أمة محمد صلى الله عليه وسلم , فيقول : أتشهدون أن رسلي هؤلاء قد بلغوا عهدي إلى من أرسلوا إليه ؟ فيقولون : نعم ربنا شهدنا أن قد بلغوا فتقول تلك الأمم . كيف يشهد علينا من لم يدركنا ؟ فيقول لهم الرب تبارك وتعالى : كيف يشهدون على من لم يدركوا ؟ فيقولون : ربنا بعثت إلينا رسولا , وأنزلت إلينا عهدك وكتابك , وقصصت علينا أنهم قد بلغوا , فشهدنا بما عهدت إلينا . فيقول الرب : صدقوا فذلك قوله : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } . والوسط : العدل . " { لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } قال ابن أنعم : فبلغني أنه يشهد يومئذ أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا من كان في قلبه حنة على أخيه . 1813 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك في قوله : { لتكونوا شهداء على الناس } يعني بذلك الذين استقاموا على الهدى , فهم الذين يكونون شهداء على الناس يوم القيامة لتكذيبهم رسل الله , وكفرهم بآيات الله . 1814 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع قوله : { لتكونوا شهداء على الناس } يقول : لتكونوا شهداء على الأمم الذين خلوا من قبلكم بما جاءتهم رسلهم , وبما كذبوهم , فقالوا يوم القيامة وعجبوا : أن أمة لم يكونوا في زماننا , فآمنوا بما جاءت به رسلنا , وكذبنا نحن بما جاءوا به . فعجبوا كل العجب . قوله : { ويكون الرسول عليكم شهيدا } يعني بإيمانهم به , وبما أنزل عليه . 1815 - حدثني محمد بن سعد , قال : حدثني أبي , قال : حدثني عمي , قال : حدثني أبي عن أبيه , عن ابن عباس : { لتكونوا شهداء على الناس } يعني أنهم شهدوا على القرون بما سمى الله عز وجل لهم . 1816 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين قال : حدثني حجاج , قال : قال ابن جريج : قلت لعطاء : ما قوله : { لتكونوا شهداء على الناس } ؟ قال : أمة محمد شهدوا على من ترك الحق حين جاءه الإيمان والهدى ممن كان قبلنا قالها عبد الله بن كثير . قال : وقال عطاء : شهداء على من ترك الحق ممن تركه من الناس أجمعين , جاء ذلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم في كتابهم : { ويكون الرسول عليكم شهيدا } على أنهم قد آمنوا بالحق حين جاءهم وصدقوا به . 1817 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : { لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد على أمته , وهم شهداء على الأمم , وهم أحد الأشهاد الذي قال الله عز وجل : { ويوم يقوم الأشهاد } 40 51 الأربعة الملائكة الذين يحصون أعمالنا لنا وعلينا . وقرأ قوله : { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد } 50 21 وقال : هذا يوم القيامة قال : والنبيون شهداء على أممهم . قال : وأمة محمد صلى الله عليه وسلم شهداء على الأمم , [ قال : والأطوار : الأجساد والجلود ] .وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه
القول في تأويل قوله تعالى { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه } يعني جل ثناؤه بقوله : { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها } ولم نجعل صرفك عن القبلة التي كنت على التوجه إليها يا محمد فصرفناك عنها إلا لنعلم من يتبعك ممن لا يتبعك ممن ينقلب على عقبيه . والقبلة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها التي عناها الله بقوله : { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها } هي القبلة التي كنت تتوجه إليها قبل أن يصرفك إلى الكعبة . كما : 1818 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها } يعني بيت المقدس . 1819 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , قال : قلت لعطاء : { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها } قال : القبلة : بيت المقدس . وإنما ترك ذكر الصرف عنها اكتفاء بدلالة ما قد ذكر من الكلام على معناه كسائر ما قد ذكرنا فيما مضى من نظائره . وإنما قلنا ذلك معناه لأن محنة الله أصحاب رسوله في القبلة إنما كانت فيما تظاهرت به الأخبار عند التحويل من بيت المقدس إلى الكعبة , حتى ارتد فيما ذكر رجال ممن كان قد أسلم واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأظهر كثير من المنافقين من أجل ذلك نفاقهم , وقالوا : ما بال محمد يحولنا مرة إلى ها هنا , ومرة إلى ها هنا ؟ وقال المسلمون فيما مضى من إخوانهم المسلمين , وهم يصلون نحو بيت المقدس : بطلت أعمالنا وأعمالهم وضاعت . وقال المشركون : تحير محمد صلى الله عليه وسلم في دينه . فكان ذلك فتنة للناس وتمحيصا للمؤمنين , فلذلك قال جل ثناؤه : { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه } أي : وما جعلنا صرفك عن القبلة التي كنت عليها , وتحويلك إلى غيرها , كما قال جل ثناؤه : { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } 17 60 بمعنى : وما جعلنا خبرك عن الرؤيا التي أريناك وذلك أنه لو لم يكن أخبر القوم بما كان أري لم يكن فيه على أحد فتنة , وكذلك القبلة الأولى التي كانت نحو بيت المقدس لو لم يكن صرف عنها إلى الكعبة لم يكن فيها على أحد فتنة ولا محنة . ذكر الأخبار التي رويت في ذلك بمعنى ما قلنا : 1820 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , عن سعيد , عن قتادة , قال : كانت القبلة فيها بلاء وتمحيص صلت الأنصار نحو بيت المقدس حولين قبل قدوم نبي الله صلى الله عليه وسلم وصلى نبي الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة مهاجرا نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرا , ثم وجهه الله بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام , فقال في ذلك قائلون من الناس : { ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } لقد اشتاق الرجل إلى مولده ! قال الله عز وجل : { قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } فقال أناس لما صرفت القبلة نحو البيت الحرام : كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى ؟ فأنزل الله عز وجل : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } وقد يبتلي الله العباد بما شاء من أمره الأمر بعد الأمر , ليعلم من يطيعه ممن يعصيه . وكل ذلك مقبول إذا كان في إيمان بالله , وإخلاص له , وتسليم لقضائه . 1821 - حدثني موسى قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل بيت المقدس , فنسختها الكعبة . فلما وجه قبل المسجد الحرام , اختلف الناس فيها , فكانوا أصنافا ; فقال المنافقون : ما بالهم كانوا على قبلة زمانا ثم تركوها وتوجهوا إلى غيرها ؟ وقال المسلمون : ليت شعرنا عن إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون قبل بيت المقدس , هل تقبل الله منا ومنهم أو لا ؟ وقالت اليهود : إن محمدا اشتاق إلى بلد أبيه ومولده , ولو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن يكون هو صاحبنا الذي ننتظر . وقال المشركون من أهل مكة : تحير على محمد دينه , فتوجه بقبلته إليكم , وعلم أنكم كنتم أهدى منه , ويوشك أن يدخل في دينكم . فأنزل الله جل ثناؤه في المنافقين : { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } إلى قوله { وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله } وأنزل في الآخرين الآيات بعدها . 1822 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , قال : قلت لعطاء : { إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه } ؟ فقال عطاء : يبتليهم ليعلم من يسلم لأمره . قال ابن جريج : بلغني أن ناسا ممن أسلم رجعوا فقالوا : مرة ههنا ومرة ههنا . فإن قال لنا قائل : أو ما كان الله عالما بمن يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه إلا بعد اتباع المتبع , وانقلاب المنقلب على عقبيه , حتى قال : ما فعلنا الذي فعلنا من تحويل القبلة إلا لنعلم المتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنقلب على عقبيه ؟ قيل : إن الله جل ثناؤه هو العالم بالأشياء كلها قبل كونها وليس قوله : { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه } يخبر أنه لم يعلم ذلك إلا بعد وجوده . فإن قال : فما معنى ذلك ؟ قيل له : أما معناه عندنا فإنه : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا ليعلم رسولي وحزبي وأوليائي من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه . فقال جل ثناؤه : { إلا لنعلم } ومعناه : ليعلم رسولي وأوليائي , إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولياؤه من حزبه , وكان من شأن العرب إضافة ما فعلته أتباع الرئيس إلى الرئيس , وما فعل بهم إليه ; نحو قولهم : فتح عمر بن الخطاب سواد العراق , وجبى خراجها , وإنما فعل ذلك أصحابه عن سبب كان منه في ذلك . وكالذي روي في نظيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "
يقول الله جل ثناؤه : مرضت فلم يعدني عبدي , واستقرضته فلم يقرضني , وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني " . 1823 - حدثنا أبو كريب قال : ثنا خالد عن محمد بن جعفر , عن العلاء بن عبد الرحمن , عن أبيه , عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله : استقرضت عبدي فلم يقرضني , وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني يقول : وادهراه وأنا الدهر أنا الدهر " . * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , عن العلاء بن عبد الرحمن , عن أبيه , عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه . فأضاف تعالى ذكره الاستقراض والعيادة إلى نفسه , وقد كان ذلك بغيره إذ كان ذلك عن سببه . وقد حكي عن العرب سماعا : أجوع في غير بطني , وأعرى في غير ظهري , بمعنى جوع أهله وعياله وعري ظهورهم , فكذلك قوله : { إلا لنعلم } بمعنى يعلم أوليائي وحزبي . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 1824 - حدثني المثنى , قال : حدثنا أبو صالح , قال : حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه } قال ابن عباس : لنميز أهل اليقين من أهل الشرك والريبة . وقال بعضهم : إنما قيل ذلك من أجل أن العرب تضع العلم مكان الرؤية , والرؤية مكان العلم , كما قال جل ذكره : { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل } 105 1 فزعم أن معنى : { ألم تر } : ألم تعلم , وزعم أن معنى قوله : { إلا لنعلم } بمعنى : إلا لنرى من يتبع الرسول . وزعم أن قول القائل : رأيت وعلمت وشهدت حروف تتعاقب فيوضع بعضها موضع بعض , كما قال جرير بن عطية : كأنك لم تشهد لقيطا وحاجبا وعمرو بن عمرو إذا دعا يال دارم بمعنى : كأنك لم تعلم لقيطا ; لأن بين هلك لقيط وحاجب وزمان جرير ما لا يخفى بعده من المدة . وذلك أن الذين ذكرهم هلكوا في الجاهلية , وجرير كان بعد برهة مضت من مجيء الإسلام وهذا تأويل بعيد , من أجل أن الرؤية وإن استعملت في موضع العلم من أجل أنه مستحيل أن يرى أحد شيئا , فلا توجب رؤيته إياه علما بأنه قد رآه إذا كان صحيح الفطرة فجاز من الوجه الذي أثبته رؤية أن يضاف إليه إثباته إياه علما , وصح أن يدل بذكر الرؤية على معنى العلم من أجل ذلك . فليس ذلك وإن كان في الرؤية لما وصفنا بجائز في العلم , فيدل بذكر الخبر عن العلم على الرؤية لأن المرء قد يعلم أشياء كثيرة لم يرها ولا يراها ويستحيل أن يرى شيئا إلا علمه , كما قد قدمنا البيان , مع أنه غير موجود في شيء من كلام العرب أن يقال : علمت كذا بمعنى رأيته , وإنما يجوز توجيه معاني ما في كتاب الله الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم من الكلام إلى ما كان موجودا مثله في كلام العرب دون ما لم يكن موجودا في كلامها , فموجود في كلامها " رأيت " بمعنى " علمت " , وغير موجود في كلامها " علمت " بمعنى " رأيت " , فيجوز توجيه { إلا لنعلم } إلى معنى : إلا لنرى . وقال آخرون : إنما قيل : { إلا لنعلم } من أجل أن المنافقين واليهود وأهل الكفر بالله أنكروا أن يكون الله تعالى ذكره يعلم الشيء قبل كونه , وقالوا إذ قيل لهم : إن قوما من أهل القبلة سيرتدون على أعقابهم , إذا حولت قبلة محمد صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة : ذلك غير كائن , أو قالوا : ذلك باطل . فلما فعل الله ذلك , وحول القبلة , وكفر من أجل ذلك من كفر , قال الله جل ثناؤه : ما فعلت إلا لنعلم ما عندكم أيها المشركون المنكرون علمي بما هو كائن من الأشياء قبل كونه , أني عالم بما هو كائن مما لم يكن بعد . فكأن معنى قائل هذا القول في تأويل قوله : { إلا لنعلم } إلا لنبين لكم أنا نعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه . وهذا وإن كان وجها له مخرج , فبعيد من المفهوم . وقال آخرون : إنما قيل : { إلا لنعلم } وهو بذلك عالم قبل كونه وفي كل حال , على وجه الترفق بعباده , واستمالتهم إلى طاعته , كما قال جل ثناؤه : { قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين } 34 24 وقد علم أنه على هدى وأنهم على ضلال مبين , ولكنه رفق بهم في الخطاب , فلم يقل : أنا على هدى , وأنتم على ضلال . فكذلك قوله : { إلا لنعلم } معناه عندهم : إلا لتعلموا أنتم إذ كنتم جهالا به قبل أن يكون ; فأضاف العلم إلى نفسه رفقا بخطابهم . وقد بينا القول الذي هو أولى في ذلك بالحق . وأما قوله : { من يتبع الرسول } فإنه يعني : الذي يتبع محمدا صلى الله عليه وسلم فيما يأمره الله به , فيوجه نحو الوجه الذي يتوجه نحوه محمد صلى الله عليه وسلم . وأما قوله : { ممن ينقلب على عقبيه } فإنه يعني : من الذي يرتد عن دينه , فينافق , أو يكفر , أو مخالف محمدا صلى الله عليه وسلم في ذلك ممن يظهر اتباعه . كما : 1825 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه } قال : من إذا دخلته شبهة رجع عن الله , وانقلب كافرا على عقبيه . وأصل المرتد على عقبيه : هو المنقلب على عقبيه الراجع مستدبرا في الطريق الذي قد كان قطعه منصرفا عنه , فقيل ذلك لكل راجع عن أمر كان فيه من دين أو خير , ومن ذلك قوله : { فارتدا على آثارهما قصصا } 18 64 بمعنى رجعا في الطريق الذي كانا سلكاه . وإنما قيل للمرتد مرتد , لرجوعه عن دينه وملته التي كان عليها . وإنما قيل رجع على عقبيه لرجوعه دبرا على عقبه إلى الوجه الذي كان فيه بدء سيره قبل رجعه عنه , فيجعل ذلك مثلا لكل تارك أمرا وأخذ آخر غيره إذا انصرف عما كان فيه إلى الذي كان له تاركا فأخذه , فقيل ارتد فلان على عقبه , وانقلب على عقبيه .وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى اللهالقول في تأويل قوله تعالى : { وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله } . اختلف أهل التأويل في التي وصفها الله جل وعز بأنها كانت كبيرة إلا على الذين هدى الله . فقال بعضهم : عنى جل ثناؤه بالكبيرة : التولية من بيت المقدس شطر المسجد الحرام والتحويل , وإنما أنث الكبيرة لتأنيث التولية . ذكر من قال ذلك : 1826 - حدثني المثنى قال : ثنا عبد الله بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : قال الله : { وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله } يعني تحويلها . 1827 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى بن ميمون , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله عز وجل : { وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله } قال : ما أمروا به من التحويل إلى الكعبة من بيت المقدس . * - حدثني المثنى قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 1828 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { لكبيرة إلا على الذين هدى الله } قال : كبيرة حين حولت القبلة إلى المسجد الحرام , فكانت كبيرة إلا على الذين هدى الله . وقال آخرون : بل الكبيرة هي القبلة بعينها التي كان صلى الله عليه وسلم يتوجه إليها من بيت المقدس قبل التحويل . ذكر من قال ذلك . 1829 - حدثت عن عمار بن الحسن , قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , عن أبي العالية : { وإن كانت لكبيرة } أي قبلة بيت المقدس , { إلا على الذين هدى الله } وقال بعضهم : بل الكبيرة : هي الصلاة التي كانوا يصلونها إلى القبلة الأولى . ذكر من قال ذلك . 1830 - حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : { وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله } قال : صلاتكم حتى يهديكم صلى الله عليه وسلم الله عز وجل القبلة . 1831 - وقد حدثني به يونس مرة أخرى قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : { وإن كانت لكبيرة } قال : صلاتك ها هنا - يعني إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا - وانحرافك ها هنا وقال بعض نحويي البصرة : أنثت الكبيرة لتأنيث القبلة , وإياها عنى جل ثناؤه بقوله : { وإن كانت لكبيرة } . وقال بعض نحويي الكوفة : بل أنثت الكبيرة لتأنيث التولية والتحويلة فتأويل الكلام على ما تأوله قائلو هذه المقالة : وما جعلنا تحويلتنا إياك عن القبلة التي كنت عليها وتوليناك عنها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه , وإن كانت تحويلتنا إياك عنها وتوليناك لكبيرة إلا على الذين هدى الله . وهذا التأويل أولى التأويلات عندي بالصواب , لأن القوم إنما كبر عليهم تحويل النبي صلى الله عليه وسلم وجهه عن القبلة الأولى إلى الأخرى لا عين القبلة ولا الصلاة ; لأن القبلة الأولى والصلاة قد كانت وهى غير كبيرة عليهم إلا أن يوجه موجه تأنيث الكبيرة إلى القبلة , ويقول : اجتزئ بذكر القبلة من ذكر التولية والتحويلة لدلالة الكلام على معنى ذلك , كما قد وصفنا لك في نظائره , فيكون ذلك وجها صحيحا ومذهبا مفهوما . ومعنى قوله : { كبيرة } عظيمة . كما : 1832 - حدثنا يونس . قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : { وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله } قال : كبيرة في صدور الناس فيما يدخل الشيطان به ابن آدم . قاله : ما لهم صلوا إلى ها هنا ستة عشر شهرا ثم انحرفوا ! فكبر ذلك في صدور من لا يعرف ولا يعقل والمنافقين . فقالوا : أي شيء هذا الدين ؟ وأما الذين آمنوا فثبت الله جل ثناؤه ذلك قي قلوبهم . وقرأ قول الله { وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله } قال صلاتكم حتى يهديكم إلى القبلة . قال أبو جعفر : وأما قوله : { إلا على الذين هدى الله } فإنه يعني به : وإن كان تقليبتناك عن القبلة التي كنت عليها لعظيمة إلا على من وفقه الله جل ثناؤه فهداه لتصديقك , والإيمان بك وبذلك , واتباعك فيه وفيما أنزل الله تعالى ذكره عليك . كما : 1833 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : حدثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : { وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله } يقول : إلا على الخاشعين , يعني المصدقين بما أنزل الله تبارك وتعالى .وما كان الله ليضيع إيمانكم
القول في تأويل قوله تعالى : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } قيل : عنى بالإيمان في هذا الموضع الصلاة . ذكر الأخبار التي رويت بذلك وذكر قول من قاله : 1834 - حدثنا أبو كريب . قال ثنا وكيع وعبيد الله , وحدثنا سفيان بن وكيع , قال ثنا عبيد الله بن موسى جميعا عن إسرائيل , عن سماك , عن عكرمة , عن ابن عباس , قال : لما وجه رسوله الله إلى الكعبة قالوا : كيف بمن مات من إخواننا قبل ذلك وهم يصلون نحو بيت المقدس ؟ فأنزل الله جل ثناؤه : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } . 1835 - حدثني إسماعيل بن موسى , قال : أخبرنا شريك , عن أبي إسحاق , عن البراء في قول الله عز وجل : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } قال : صلاتكم نحو بيت المقدس . * - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : ثنا أبو أحمد الزبيري , قال : ثنا شريك , عن أبي إسحاق , عن البراء نحوه . 1836 - وحدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن محمد بن نفيل عن الحراني , قال : ثنا زهير , قال : ثنا أبو إسحاق , عن البراء قال : مات على القبلة قبل أن تحول إلى البيت رجال وقتلوا , فلم ندر ما نقول فيهم , فأنزل الله تعالى ذكره : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } 1837 - حدثنا بشر بن معاذ العقدي , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قال : قال أناس من الناس لما صرفت القبلة نحو البيت الحرام : كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا ؟ فأنزل الله جل ثناؤه : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } . 1838 - حدثني موسى بن هارون , قال : حدثني عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال : لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل المسجد الحرام , قال المسلمون : ليت شعرنا عن إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون قبل بيت المقدس , هل تقبل الله منا ومنهم أم لا ؟ فأنزل الله جل ثناؤه فيهم : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } قال : صلاتكم قبل بيت المقدس , يقول : إن تلك طاعة وهذه طاعة . 1839 - حدثت عن عمار بن الحسن , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع قال : قال ناس لما صرفت القبلة إلى البيت الحرام : كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى ؟ فأنزل الله تعالى ذكره : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } الآية 1840 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين قال : حدثني حجاج , قال : قال ابن جريج : أخبرني داود بن أبي عاصم , قال : لما صرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة , قال المسلمون : هلك أصحابنا الذين كانوا يصلون إلى بيت المقدس فنزلت : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } . 1841 - حدثني محمد بن سعد , قال : حدثني أبي , قال : حدثني عمي , قال : حدثني أبي عن أبيه , عن ابن عباس في قوله : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } يقول : صلاتكم التي صليتموها من قبل أن تكون القبلة فكان المؤمنون قد أشفقوا على من صلى منهم أن لا تقبل صلاتهم . 1842 - حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } صلاتكم . 1843 - حدثنا محمد بن إسماعيل الفزاري , قال : أخبرنا المؤمل قال : ثنا سفيان , ثنا يحيى بن سعيد , عن سعيد بن المسيب في هذه الآية : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } قال : صلاتكم نحو بيت المقدس . قد دللنا فيما مضى على أن الإيمان التصديق , وأن التصديق قد يكون بالقول وحده وبالفعل وحده وبهما جميعا ; فمعنى قوله : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } على ما تظاهرت به الرواية من أنه الصلاة : وما كان الله ليضيع تصديق رسوله عليه الصلاة والسلام بصلاتكم التي صليتموها نحو بيت المقدس عن أمره لأن ذلك كان منكم تصديقا لرسولي , واتباعا لأمري , وطاعة منكم لي . قال : وإضاعته إياه جل ثناؤه لو أضاعه ترك إثابة أصحابه وعامليه عليه , فيذهب ضياعا ويصير باطلا , كهيئة إضاعة الرجل ماله , وذلك إهلاكه إياه فيما لا يعتاض منه عوضا في عاجل ولا آجل فأخبر الله جل ثناؤه أنه لم يكن يبطل عمل عامل عمل له عملا وهو له طاعة فلا يثيبه عليه , وإن نسخ ذلك الفرض بعد عمل العامل إياه على ما كلفه من عمله . فإن قال قائل : وكيف قال الله جل ثناؤه : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } فأضاف الإيمان إلى الأحياء المخاطبين , والقوم المخاطبون بذلك إنما كانوا أشفقوا على إخوانهم الذين كانوا ماتوا وهم يصلون نحو بيت المقدس , وفي ذلك من أمرهم أنزلت هذه الآية ؟ قيل : إن القوم وإن كانوا أشفقوا من ذلك , فإنهم أيضا قد كانوا مشفقين من حبوط ثواب صلاتهم التي صلوها إلى بيت المقدس قبل التحويل إلى الكعبة , وظنوا أن عملهم ذلك قد بطل وذهب ضياعا , فأنزل الله جل ثناؤه هذه الآية حينئذ , فوجه الخطاب بها إلى الأحياء , ودخل فيهم الموتى منهم لأن من شأن العرب إذا اجتمع في الخبر المخاطب والغائب أن يغلبوا المخاطب , فيدخل الغائب في الخطاب , فيقولوا لرجل خاطبوه على وجه الخبر عنه وعن آخر غائب غير حاضر : فعلنا بكما وصنعنا بكما , كهيئة خطابهم لهما وهما حاضران , ولا يستجيزون أن يقولوا فعلنا بهما وهم يخاطبون أحدهما فيردوا المخاطب إلى عداد الغيب .إن الله بالناس لرءوف رحيم
القول في تأويل قوله تعالى : { إن الله بالناس لرءوف رحيم } ويعني بقوله جل ثناؤه : { إن الله بالناس لرءوف رحيم } إن الله بجميع عباده ذو رأفة . والرأفة أعلى معاني الرحمة , وهي عامة لجميع الخلق في الدنيا ولبعضهم في الآخرة . وأما الرحيم , فإنه ذو الرحمة للمؤمنين في الدنيا والآخرة على ما قد بينا فيما مضى قبل . وإنما أراد جل ثناؤه بذلك أن الله عز وجل أرحم بعباده من أن يضيع لهم طاعة أطاعوه بها فلا يثيبهم عليها , وأرأف بهم من أن يؤاخذهم بترك ما لم يفرضه عليهم . أي ولا تأسوا على موتاكم الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس , فإني لهم على طاعتهم إياي بصلاتهم التي صلوها كذلك مثيب , لأني أرحم بهم من أن أضيع لهم عملا عملوه لي . ولا تحزنوا عليهم , فإني غير مؤاخذهم بتركهم الصلاة إلى الكعبة , لأني لم أكن فرضت ذلك عليهم , وأنا أرأف بخلقي من أن أعاقبهم على تركهم ما لم آمرهم بعمله . وفي الرءوف لغات : إحداها " رءوف " على مثال " فعل " كما قال الوليد بن عقبة : وشر الطالبين ولا تكنه بقاتل عمه الرءوف الرحيم وهي قراءة عامة قراء أهل الكوفة . والأخرى رءوف " على مثال " فعول " , وهي قراءة عامة قراء المدينة . و " رئف " , وهي لغة غطفان , على مثال " فعل " مثل " حذر " . و " رأف " على مثال " فعل " بجزم العين , وهي لغة لبني أسد , والقراءة على أحد الوجهين الأولين .
- ابن عاشور : وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ
هذه الجملة معترضة بين جملة : سيقول السفهاء { وكذلك جعلناكم أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس وَيَكُونَ الرسول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } [ البقرة : 142 ] الخ وجملة : { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها } الخ ، والواو اعتراضية وهي من قبيل الواو الاستئنافية ، فالآية السابقة لما أشارت إلى أن الذين هدوا إلى صراط مستقيم هم المسلمون وأن ذلك فضل لهم ناسب أن يستطرد لذكر فضيلة أخرى لهم هي خير مِما تقدم وهي فضيلة كون المسلمين عُدولاً خياراً ليشهدوا على الأمم لأن الآيات الواقعة بعدها هي في ذكر أمر القبلة وهذه الآية لا تتعلق بأمر القبلة .
وقوله : { وكذلك } مركب من كاف التشبيه واسممِ الإشارة فيتعيَّن تَعَرُّف المشار إليه وما هو المشبه به قال صاحب «الكشاف» : «أي مثلَ ذلك الجَعْل العَجيب جعلناكم أمةً وسطاً» فاختلف شارحُوه في تقرير كلامه وتبين مراده ، فقال البيضاوي : «الإشارة إلى المفهوم أي ما فهم من قوله : { يهدي من يشاى إلى صراط مستقيم } [ البقرة : 142 ] أي كما جعلناكم أمة وسطاً أو كما جعلنا قبلتكم أفضلَ قِبلة جعلناكم أمة وسطاً» اه . أي إن قوله : { يهدي من يشاء } يُومِىء إلى أن المهدي هم المسلمون وإلى أن المهدي إليه هو استقبال الكعبة وقت قول السفهاء { ما وَلاَّهم } [ البقرة : 142 ] على ما قدمناه وهذا يجعل الكاف باقية على معنى التشبيه ولم يُعَرِّجْ على وصف «الكشاف» الجعل بالعجيب كأنه رأى أن اسم الإشارة لا يتعين للحمل على أكثر من الإشارة وإن كان إشارة البعيد فهو يستعمل غالباً من دون إرادة بُعد وفيه نظر ، والمشار إليه على هذا الوجه معنى تقدم في الكلام السَّابق فالإشارة حينئذٍ إلى مذكور متقرر في العِلم فهي جارية على سَنن الإشارات .
وحمل شراح «الكشاف» الكاف على غير ظاهر التشبيه ، فأما الطيبي والقطب فقالا الكاف فيه اسم بمعنى مِثل منتصب على المفعولية المطلقة لِجعلناكم أي مثلَ الجَعْل العجيب جعلناكم فليس تشبيهاً ولكنه تمثيل لحالة والمشار إليه ما يفهم من مضمون قوله : { يهدي } وهو الأمر العجيب الشأن أي الهدى التام ، ووجه الإتيان بإشارة البعيد التنبيه على تعظيم المشار إليه وهو الذي عناه في «الكشاف» بالجعل العجيب ، فالتعظيم هنا لبداعة الأمر وعجابته ، ثم إن القطب ساق كلاماً نقض به صدر كلامه .
وأما القزويني صاحبُ «الكشْف» والتفتزاني فبيناه بأن الكاف مقحمة كالزائدة لا تدل على تمثيل ولا تشبيه فيصير اسم الإشارة على هذا نائباً مناب مفعول مطلق لجعلناكم كأنه قيل ذلك الجعلَ جعلناكم أي فعدل عن المصدر إلى اسم إشارته النائب عنه لإفادة عجابة هذا الجعل بما مع اسم الإشارة من علامة البعد المتعين فيها لبعد المرتبة . والتشبيه على هذا الوجه مقصود منه المبالغة بإيهام أنه لو أراد المشبِّه أن يشبه هذا في غرابته لما وجد له إلاّ أن يشبهه بنفسه وهذا قريب من قوله النابغة : «والسفاهة كاسمها» فليست الكاف بزائدة ولا هي للتشبيه ولكنها قريبة من الزائدة ، والإشارة حينئذٍ إلى ما سيذكر بعد اسم الإشارة .
وكلام «الكشاف» أظهر في هذا المحمل فيدل على ذلك تصريحه في نظائره إذ قال في قوله تعالى : { كذلك وأورثناها بني إسرائيل } [ الشعراء : 59 ] الكاف منصوبة على معنى مثل أي مثل ذلك الإخراج أخرجناهم وأورثناها . واعلم أن الذي حدا صاحب «الكشاف» إلى هذا المحمل أن استعمال اسم الإشارة في هذا وأمثاله لا يطرد فيه اعتبار مشار إليه مما سبق من الكلام ألا ترى أنه لا يتجه اعتبار مشار إليه في هذه الآية وفي آية سورة الشعراء ولكن صاحب «الكشاف» قد خالف ذلك في قوله تعالى في سورة الأنعام ( 112 ) { وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً } فقال : كما خلَّيْنَا بينَك وبين أعدائك كذلك فعلنا بمن قبلك من الأنبياء وأعدائهم اه وما قاله في هذه الآية منزع حسن؛ لكنه لم يضرب الناظرون فيه بعَطن .
والتحقيق عندي أن أصل : كذلك } أن يدل على تشبيه شيء بشيء والمشبه به ظاهر مشار إليه أو كالظاهر ادعاءً ، فقد يكون المشبه به المشار إليه مذكوراً مثل قوله تعالى : { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة } [ هود : 102 ] إشارة إلى قوله : { وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله } [ هود : 101 ] الآية . وكقول النابغة
: ... فأَلْفَيْتُ الأَمانةَ لم تَخُنْها
كذلك كانَ نوحٌ لا يَخُون ... وقد يكون المشبه به المُشارُ إليه مفهوماً من السياق فيحتمل اعتبار التشبيه ويُحتمل اعتبار المفعوليَّة المطلقة كقوللِ أبي تَمَّام
: ... كَذا فليجلَّ الخَطْبُ وَلْيَفْدحَ الأَمْر
فليس لعين لم يفض دمعُها عُذر ... قال التبريزي في «شرحه» الإشارة للتعظيم والتهويل وهو في صدر القصيدة لم يسبق له ما يشبه به فقُطع النظر فيه عن التشبيه واستعمل في لازم معنى التشبيه اه ، يعني أن الشاعر أشار إلى الحادث العظيم وهو موت محمد بن حميد الطوسي ، ومثله قول الأسدي من شعراء «الحماسة» يرثى أخاه
( ) : ... فهكذا يذهب الزمان ويفْ
نَى العلم فيه ويَدْرُسُ الأَثَر ... وقوله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً } على ما فسر به البيضاوي من هذا القبيل .
وقد يكون مراداً منه التنويه بالخبر فيجعل كأنه مما يروم المتكلم تشبيهه ثم لا يجد إلاّ أن يشبهه بنفسه وفي هذا قطع للنظر عن التشبيه في الواقع ومثله قول أحد شعراء فزارة في الأدب من «الحماسة
» : ... كذاك أُدِّبْت حتى صار من خُلُقي
أني رأيتُ مِلاكَ الشِّيمة الأدبا ... أي أدبت هذا الأدب الكامن العجيب ، ومنه قول زهير
: ... كَذَلك خِيمهم ولكُلِّ قوم
إذا مَسَّتْهم الضَّراء خِيمُ ... وقوله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً } من هذا القبيل عند شراح «الكشاف» وهو الحق ، وأوضح منه في هذا المعنى قوله تعالى :
{ وكذلك فتنا بعضهم ببعض } [ الأنعام : 53 ] فإنه لم يسبق ذكر شيء غير الذي سماه الله تعالى فتنة أخذاً من فعل { فتنا } . والإشارة على هذا المحمل المشار إليه مأخوذ من كلام متأخر عن اسم الإشارة كما علمت آنفاً لأنه الجعل المأخوذ من { جعلناكم } ، وتأخير المشار إليه عن الإشارة استعمال بليغ في مقام التشويق كقوله تعالى : { قال هذا فراق بيني وبينك } [ الكهف : 78 ] أو من كلام متقدم عن اسم الإشارة كما للبيضاوي إذ جعل المشار إليه هو الهدى المأخوذة من قوله تعالى : { يهدي من يشاء } [ البقرة : 142 ] ولعله رأى لزوم تقدم المشار إليه .
والوسط اسم للمكان الواقع بين أمكنة تحيط به أو للشيء الواقع بين أشياء محيطة به ليس هو إلى بعضها أقرب منه إلى بعض عرفاً ولما كان الوصول إليه لا يقع إلاّ بعد اختراق ما يحيط به أخذ فيه معنى الصيانة والعزة طبعاً كوسط الوادي لا تصل إليه الرعاة والدواب إلاّ بعد أكل ما في الجوانب فيبقى كثير العشب والكلأ ، ووضعاً كوسط المملكة يجعل محل قاعدتها ووسط المدينة يجعل موضع قصبتها لأن المكان الوسط لا يصل إليه العدو بسهولة ، وكواسطة العقد لأنفس لؤلؤة فيه ، فمن أجل ذلك صار معنى النفاسة والعزة والخيار من لوازم معنى الوسط عرفاً فأطلقوه على الخيار النفيس كناية قال زهير
: ... هُمُ وسَط يَرضى الأنام بحكمهم
إذا نزلت إحدى الليالي بمعضل ... وقال تعالى : { قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون } [ القلم : 28 ] .
ويقال أوسط القبيلة لصميمها .
وأما إطلاق الوسط على الصفة الواقعة عدلاً بين خلقين ذميمين فيهما إفراط وتفريط كالشجاعة بين الجبن والتهور ، والكرم بين الشح والسرف والعدالة بين الرحمة والقساوة ، فذلك مجاز بتشبيه الشيء الموهوم بالشيء المحسوس فلذلك روي حديث : " خير الأمور أوساطها " وسنده ضعيف وقد شاع هذان الإطلاقان حتى صارا حقيقتين عرفيتين .
فالوسط في هذه الآية فسر بالخيار لقوله تعالى : { كنتم خير أمةٍ أُخرجت للناس } [ آل عمران : 110 ] وفسر بالعدول والتفسير الثاني رواه الترمذي في «سننه» من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال حسن صحيح ، والجمع في التفسيرين هو الوجه كما قدمناه في المقدمة التاسعة .
ووصفت الأمة بوسط بصيغة المذكر لأنه اسم جامد فهو لجموده يستوي فيه التذكير والتأنيث مثل الوصف بالمصدر في الجمود والإشعار بالوصفية بخلاف نحو رأيت الزيدين هذين فإنه وصف باسم مطابق لعدم دلالته على صفة بل هو إشارة محضة لا تشعر بصفة في الذات .
وضمير المخاطبين هنا مراد به جميع المسلمين لترتبه على الاهتداء لاستقبال الكعبة فيعم كل من صلى لها ، ولأن قوله { لتكونوا شهداء } قد فسر في الحديث الصحيح بأنها شهادة الأمة كلها على الأمم فلا يختص الضمير بالموجودين يوم نزول الآية .
والآية ثناء على المسلمين بأن الله قد ادخر لهم الفضل وجعلهم وسطاً بما هيأ لهم من أسبابه في بيان الشريعة بياناً جعل أذهان أتباعها سالمة من أن تروج عليهم الضلالات التي راجت على الأمم ، قال فخر الدين يجوز أن يكونوا وسطاً بمنعى أنهم متوسطون في الدين بين المفرط والمفرط والغالي والمقصر لأنهم لم يغلوا كما غلت النصارى فجعلوا المسيح ابن الله ، ولم يقصروا كما قصرت اليهود فبدلوا الكتب واستخفوا بالرسل .
واستدل أهل أصول الفقه بهذه الآية على أن إجماع علماء الأمة أي المجتهدين حجة شرعية فيما أجمعوا عليه ، وفي بيان هذا الاستدلال طرق :
الأول قال الفخر إن الله أخبر عن عدالة الأمة وخيريتها فلو أقدموا على محظور لما اتصفوا بالخيرية وإذا ثبت ذلك وجب كون قولهم حجة اه ، أي لأن مجموع المجتهدين عدول بقطع النظر عن احتمال تخلف وصف العدالة في بعض أفرادهم ، ويبطل هذا أن الخطأ لا ينافي العدالة ولا الخيرية فلا تدل الآية على عصمتهم من الخطأ فيما أجمعوا عليه وهذا رَدٌّ متمكن ، وأجيب عنه بأن العدالة الكاملة التي هي التوسط بين طرفي إفراط وتفريط تستلزم العصمة من وقوع الجميع في الخطأ في الأقوال والأفعال والمعتقدات .
الطريق الثاني قال البيضاوي لو كان فيما اتفقوا عليه باطل لانثلمت عدالتهم اه ، يعني أن الآية اقتضت العدالة الكاملة لاجتماع الأمة فلو كان إجماعهم على أمر باطل لانثلمت عدالتهم أي كانت ناقصة وذلك لا يناسب الثناء عليهم بما في هذه الآية ، وهذا يرجع إلى الطريق الأول .
الطريق الثالث قال جماعة الخطاب للصحابة وهم لا يجمعون على خطأ فالآية حجة على الإجماع في الجملة ، ويرد عليه أن عدالة الصحابة لا تنافي الخطأ في الاجتهاد وقد يكون إجماعهم عن اجتهاد أما إجماعهم على ما هو من طريق النقل فيندرج فيما سنذكره .
والحق عندي أن الآية صريحة في أن الوصف المذكور فيها مدحٌ للأمة كلها لا لخصوص علمائها فلا معنى للاحتجاج بها من هاته الجهة على حجية الإجماع الذي هو من أحوال بعض الأمة لا من أحوال جميعها ، فالوجه أن الآية دالة على حجية إجماع جميع الأمة فيما طريقه النقل للشريعة وهو المعبر عنه بالتواتر وبما علم من الدين بالضرورة وهو اتفاق المسلمين على نسبة قول أو فعل أو صفة للنبيء صلى الله عليه وسلم مما هو تشريع مؤصل أو بيان مجمل مثل أعداد الصلوات والركعات وصفة الصلاة والحج ومثل نقل القرآن ، وهذا من أحوال إثبات الشريعة ، به فسرت المجملات وأسست الشريعة ، وهذا هو الذي قالوا بكفر جاحد المجمع عليه منه ، وهو الذي اعتبر فيه أبو بكر الباقلاني وفاق العوام واعتبر فيه غيره عدد التواتر ، وهو الذي يصفه كثير من قدماء الأصوليين بأنه مقدم على الأدلة كلها .
وأما كون الآية دليلاً على حجية إجماع المجتهدين عن نظر واجتهاد فلا يؤخذ من الآية إلاَّ بأن يقال إن الآية يستأنس بها لذلك فإنها لما أخبرت أن الله تعالى جعل هذه الأمة وسطاً وعلمنا أن الوسط هو الخيار العدل الخارج من بين طرفي إفراط وتفريط علمنا أن الله تعالى أكمَلَ عقولَ هذه الأمة بما تنشأ عليه عقولهم من الاعتياد بالعقائد الصحيحة ومجانبة الأوهام السخيفة التي ساخت فيها عقول الأمم ، ومن الاعتياد بتلقي الشريعة من طرق العدول وإِثبات أحكامها بالاستدلال استنباطاً بالنسبة للعلماء وفَهْماً بالنسبة للعامة ، فإذا كان كذلك لزم من معنى الآية أن عقول أفراد هاته الأمة عقول قَيِّمة وهو معنى كونها وسطاً ، ثم هذه الاستقامة تختلف بما يناسب كل طبقة من الأمة وكلَّ فرد ، ولما كان الوصف الذي ذكر أثبتَ لمجموع الأمة قلنا إن هذا المجموع لا يقع في الضلال لا عمداً ولا خطأ ، أما التعمد فلأنه ينافي العدالة وأما الخطأ فلأنه ينافي الخلقة على استقامة الرأي فإذا جاز الخطأ على آحادهم لا يجوز توارد جميع علمائهم على الخطأ نظراً ، وقد وقع الأمران للأمم الماضية فأجمعوا على الخطأ متابعة لقول واحد منهم لأن شرائعهم لم تحذرهم من ذلك أو لأنهم أساءوا تأويلها ، ثم إن العامة تأخذ نصيباً من هذه العصمة فيما هو من خصائصها وهو الجزء النقلي فقط وبهذا ينتظم الاستدلال .
وقوله : { لتكونوا شهداء } علة لجَعْلِهم وسطاً فإن أفعال الله تعالى كلها منوطة بحكم وغايات لعلمه تعالى وحكمته وذلك عن إرادة واختيار لا كصدور المعلول عن العلة كما يقول بعض الفلاسفة ، ولا بوجوب وإلجاء كما توهمه عبارات المعتزلة وإن كان مرادهم منها خيراً فإنهم أرادوا أن ذلك واجب لذاته تعالى لكمال حكمته .
و ( الناس ) عام والمراد بهم الأمم الماضون والحاضرون وهذه الشهادة دنيوية وأخروية . فأما الدنيوية فهي حكم هاته الأمة على الأمم الماضين والحاضرين بتبرير المؤمنين منهم بالرسل المبعوثين في كل زمان وبتضليل الكافرين منهم برسلهم والمكابرين في العكوف على مللهم بعد مجيء ناسخها وظهورِ الحق ، وهذا حكم تاريخي ديني عليه إذا نشأت عليه الأمة نشأت على تعود عرض الحوادث كلها على معيار النقد المصيب .
والشهادة الأخروية هي ما رواه البخاري والترمذي عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يجاء بنوح يوم القيامة فيقال له هل بلغت فيقول نعَمْ يا رب فتُسْأل أمتُه هل بلغكم فيقولون ما جاءنا من نذير فيقول الله مَن شهودك فيقول محمد وأمته فيجاء بكم فتشهدون ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً } قال عدلاً { لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً » اه . فقوله ثم قرأ يدل على أن هذه الشهادة من جملة معنى الآية لا أنها عين معنى الآية ، والظاهر من التعليل هو الشهادة الأولى لأنها المتفرعة عن جعلنا أمة وسطاً ، وأما مجيء شهادة الآخرة على طِبقها فذلك لما عرفناه من أن أحوال الآخرة تكون على وفق أحوال الدنيا قال تعالى :
{ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً زنجشره يوم القيامة أعمى ، قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا7 قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم }
[ طه : 124 126 ] .ومن مكملات معنى الشهادة على الناس في الدنيا وجوب دَعوتنا الأممَ للإِسلام ، ليقوم ذلك مقامَ دعوة الرسول إياهم حتى تتم الشهادة للمؤمنين منهم على المعرضين .
والشهادة على الأمم تكون لهم وعليهم ، ولكنه اكتفى في الآية بتعديتها بعلى إشارة إلى أن معظم شهادة هذه الأمة وأهمها شهادتهم على المعرضين لأن المؤمنين قد شَهِد لهم إيمانهم فالاكتفاء بعلى تحذير للأمم من أن يكونوا بحيث يشهد عليهم وتنويه بالمسلمين بحالة سلامتهم من وصمة أن يكونوا ممن يشهد عليهم وبحالة تشريفهم بهاته المنقبة وهي إثقاف المخالفين لهم بموجب شهادتهم .
وقوله : { ويكون الرسول عليكم شهيداً } معطوف على العلة وليس علة ثانية لأنه ليس مقصوداً بالذات بل هو تَكميل للشهادة الأولى لأن جعلنا وسطاً يناسبه عدم الاحتياج إلى الشهادة لنا وانتفاء الشهادة علينا ، فأما الدنيوية فشهادة الرسول علينا فيها هي شهادته بذاته على معاصريه وشهادة شرعه على الذين أتوا بعده إنما بوفائهم ما أوجبه عليهم شرعه وإما بعكس ذلك ، وأما الأخروية فهي ما روى في الحديث المتقدم من شهادة الرسول بصدق الأمة فيما شهِدت به ، وما روي في الحديث الآخر في «الموطأ» و«الصحاح» : " فَلَيُذَادنَّ أقوام عن حوضي فأقول يا رب أمتي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم بدلوا وغيروا فأقول سحقاً سُحقاً لمن بدل بعدي " . وتعدية شهادة الرسول على الأمة بحرف على مشاكلة لقوله قبله { لتكونوا شهداء على الناس } وإلاَّ فإنها شهادة للأمة وقيل بل لتضمين { شهيداً } معنى رقيباً ومهيمناً في الموضعين كما في «الكشاف» .
وقد دلت هذه الآية على التنويه بالشهادة وتشريفها حتى أظهر العليم بكل شيء أنه لا يقضي إلاّ بعد حصطولها . ويؤخذ من الآية أن الشاهد شهيد بما حصل له من العلم وإن لم يشهده المشهود عليه وأنه يشهد على العلم بالسماع والأدلة القاطعة وإن لم ير بعينه أو يسمع بأذنيه ، وأن التزكية أصل عظيم في الشهادة ، وأن المزكي يجب أن يكون أفضل وأعدل من المزكَّى ، وأن المزكي لا يحتاج للتزكية ، وأن الأمَّة لا تشهد على النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا كان يقول في حجة الوداع : " أَلاَ هل بَلغْتُ فيقولون نعم فيقول اللهم اشْهَد " فجعل الله هو الشاهد على تبليغه وهذا من أدق النكت .
وتقديم الجار والمجرور على عامله لا أراه إلاّ لمجرد الاهتمام بتشريف أمر هذه الأمة حتى أنها تشهد على الأمم والرسل وهي لا يشهد عليها إلاّ رسولها ، وقد يكون تقديمه لتكون الكلمة التي تختم بها الآية في محل الوقف كلمةً ذاتَ حرف مد قبل الحرف الأخير لأن المد أمْكن للوقف وهذا من بدائع فصاحة القرآن ، وقيل تقديم المجرور مفيد لقصر الفاعل على المفعول وهو تكلف ومثله غير معهود في كلامهم .
الواو عاطفة على جملة : { سيقول السفهاء من الناس } [ البقرة : 142 ] وما اتصل بها من الجواب بقوله : { قل لله المشرق والمغرب } قُصد به بيان الحكمة من شرع استقبال بيت المقدس ثم تحويل ذلك إلى شرع استقبال الكعبة ، وما بين الجملتين من قوله : { وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً } إلى آخرها اعتراض .
والجَعْل هنا جَعْل التشريع بدليل أن مفعوله من شؤون التعبد لا من شؤون الخلق وهو لفظ القبلة ، ولذلك فَفِعْلُ جَعَل هنا متعد إلى مفعول واحد لأنه بمعنى شرعنا ، فهذه الآيات نزلت بعد الأمر بالتوجه إلى الكعبة فيكون المراد بيت المقدس ، وعدل عن تعريف المسند باسمه إلى الموصول لمحاكاة كلام المردود عليهم حين قالوا { ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } [ البقرة : 142 ] مع الإيماء إلى تعليل الحكمة المشار إليها بقوله تعالى : { إلا لنعلم } أي ما جعلنا تلك قبلةً مع إرادة نسخها فألزمناكَها زمناً إلاّ لنعلم الخ .
والاستثناء في قوله : { إلا لنعلم } استثناء من علل وأحوال أي ما جعلنا ذلك لسبب وفي حال إلاّ لنظهر من كان صادق الإيمان في الحالتين حالة تشريع استقبال بيت المقدس وحالة تحويل الاستقبال إلى الكعبة . وذكر عبد الحكيم أنه قد روي أن بعض العرب ارتدوا عن الإسلام لما استقبل رسول الله بيت المقدس حمية لقبلة العرب ، واليهود كانوا تأولوا لأنفسهم العذر في التظاهر بالإسلام كما قررناه عند قوله تعالى : { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا } [ البقرة : 14 ] فنافقوا وهم يتأولون للصلاة معه بأنها عبادة لله تعالى وزيادة على صلواتهم التي هم محافظون عليها إذا خلوا إلى شياطينهم مع أن صلاتهم مع المسلمين لا تشتمل على ما ينافي تعظيم شعائرهم إذ هم مستقبلون بيت المقدس فلما حولت القبلة صارت صفة الصلاة منافية لتعظيم شعائرهم لأنها استدبار لما يجب استقباله فلم تبق لهم سمة للتأويل فظهر من دام على الإسلام وأعرض المنافقون عن الصلاة .
وجعل علم الله تعالى بمن يتبع الرسول ومن ينقلب على عقبيه علة هذين التشريعين يقتضي أن يحصل في مستقبل الزمان من التشريع كما يقتضيه لام التعليل وتقدير أن بعد اللام وأن حرف استقبال مع أن الله يعلم ذلك وهو ذاتي له لا يحدث ولا يتجدد لكن المراد بالعلم هنا علم حصول ذلك وهو تعلق علمه بوقوع الشيء الذي علم في الأزل أنه سيقع فهذا تعلق خاص وهو حادث لأنه كالتعلق التنجيزي للإرادة والقدرة وإن أغفل المتكلمون عدّه في تعلقات العلم ( ) .
ولك أن تجعل قوله : { لنعلم من يتبع الرسول } كناية عن أن يعلم بذلك كل من لم يعلم على طريق الكناية الرمزية فيذكر علمه وهو يريد علم الناس كما قال إياس بن قبيصة الطائي
: ... وأقَدْمتُ والْخَطِّيُّ يَخْطِرُ بينَنَا
لأَعْلَمَ مَنْ جُبَّاؤها مِن شُجاعِها ... أراد ليظهر من جبانها من شجاعها فأعلمه أنا ويعلمه الناس فجاء القرآن في هذه الآية ونظائرها على هذا الأسلوب ، ولك أن تجعله كناية عن الجزاء للمتبع والمنقلب كل بما يناسبه ولك أن تجعل ( نعلم ) مجازاً عن التحيز لنظهر للناس بقرينة كلمة ( مَنْ ) المسماة بمن الفصلية كما سماها ابن مالك وابن هشام وهي في الحقيقة من فروع معاني من الابتدائية كما استظهره صاحب «المغني» ، وهذا لا يريبك إشكال يذكرونه ، كيف يكون الجعل الحادث علة لحصول العلم القديم إذ تبين لك أنه راجع لمعنى كنائي .
والانقلاب الرجوع إلى المكان الذي جاء منه ، يقال انقلب إلى الدار ، وقوله : { على عقيبه } زيادة تأكيد في الرجوع إلى ما كان وراءه لأن العقبين هما خلف الساقين أي انقلب على طريق عقيبه وهو هنا استعارة تمثيلية للارتداد عن الإسلام رجوعاً إلى الكفر السابق . و ( مَنْ ) موصولة وهي مفعول ( نعلم ) والعلم بمعنى المعرفة وفعله يتعدى إلى مفعول واحد .
وقوله : { وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله } عطف على جملة { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها } والمناسبة ظاهرة لأن جملة { وإن كانت } بمنزلة العلة لجملة { نعلم من يتبع الرسول } فإنها مكا كانت دالة على الاتباع والانقلاب إلاّ لأنها أمر عظيم لا تساهل فيه فيظهر به المؤمن الخالص من المشوب والضمير المؤنث عائد للحادثة أو القبلة باعتبار تغيرها .
وإن مخففة من الثقيلة .
والكبيرة هنا بمعنى الشديدة المحرجة للنفوس ، تقول العرب كبر عليه كذا إذا كان شديداً على نفسه كقوله تعالى : { وإن كان كبر عليك إعراضهم } [ الأنعام : 35 ] .
الجملة في موضع الحال من ضمير { لنعلم أي لنُظْهر من يتبع الرسول ومن ينقلب على عقيبه ونحن غير مضيعين إيمانكم . وذكر اسم الجلالة من الإظهار في مقام الإضمار للتعظيم .
روى البخاري عن البراء بن عازب قال : ( و ) كان ( الذي ) ( 1 ) مات على القبلة قبل أن تُحَوَّل ( قِبل البيت ) ( 1 ) رجال قُتلوا لم نَدْر ما نقول فيهم فأنزل الله تعالى : وما كان الله ليضيع إيمانكم } . وفي قوله : «قتلوا» إشكال لأنه لم يكن قتال قبل تحويل القبلة وسنين ذلك ، وأخرج الترمذي عن ابن عباس قال لما وُجِّه النبي إلى الكعبة قالوا يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس فأنزل الله : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } الآية قال هذا حديث حسن صحيح .
والإضاعة إتلاف الشيء وإبطال آثاره وفُسِّر الإيمان على ظاهره ، وفسر أيضاً بالصلاة نقله القرطبي عن مالك .
وتعلق ( يضيع ) بالإيمان على تقدير مضاف فإن فسر الإيمان على ظاهره كان التقدير ليضيع حق إيمانكم حين لم تزلزله وسَاوس الشيطان عند الاستقبال إلى قبلة لا تَودونها ، وإن فسر الإيمانُ بالصلاة كان التقدير ما كان الله ليضيع فضل صلاتكم أو ثوابها ، وفي إطلاق اسم الإيمان على الصلاة تنويه بالصلاة لأنها أعظم أركان الإيمان ، وعن مالك : «إِنِّي لأَذكر بهذا قول المرجئة الصلاة ليست من الإيمان» .
ومعنى حديث البخاري والترمذي أن المسلمين كانوا يظنون أنَّ نَسْخَ حُكْم ، يجعل المنسوخ باطلاً فلا تترتب عليه آثار العمل به فلذلك توجسوا خيفة على صلاة إخوانهم اللذين ماتوا قبل نسخ استقبال بيت المقدس مثل أسعد بن زُرَارَة والبراءِ بن مَعْرُور وأبي أمامة ، وظن السائلون أنهم سيجب عليهم قضاء ما صلَّوه قبل النسخ ولهذا أجيب سؤالهم بما يشملهم ويشمل من ماتوا قبلُ فقال { إيمانكم } ، ولم يقل إيمانكم على حسب السؤال .
والتذييل بقوله : { إن الله بالناس لرءوف رحيم } تأكيد لعدم إضاعة إيمانهم ومنة وتعليم بأن الحكم المنسوخ إنما يلغى العمل به في المستقبل لا في ما مضى . والرءوف الرحيم صفتان مُشَبَّهَتان مشتقة أولاهما من الرأفة والثانية من الرحمة . والرأفة مفسرة بالرحمة في إطلاق كلام الجمهور من أهل اللغة وعليه درج الزجاج وخص المحققون من أهل اللغة الرأفة بمعنى رحمة خاصة ، فقال أبو عَمرو بن العلاء الرأفة أكثر من الرحمة أي أقوى أي هي رحمة قوية ، وهو معنى قول الجوهري الرأفة أشد الرحمة ، وقال في «المُجْمَل» الرأفة أخص من الرحمة ولا تكاد تقع في الكراهية والرحمةُ تقع في الكراهية للمصلحة ، فاستخلص القفال من ذلك أن قال : الفرق بين الرأفة والرحمة أن الرأفة مبالغة في رحمة خاصة وهي دفع المكروه وإزلة الضر كقوله تعالى : { ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله } [ النور : 2 ] ، وأما الرحمة فاسم جامع يدخل فيه ذلك المعنى ويدخل فيه الإفضال والإنعام اه . وهذا أحسن ما قيل فيها واختاره الفخر وعبد الحكيم وربما كان مشيراً إلى أن بين الرأفة والرحمة عموماً وخصوصاً مطلقاً وأياً ما كان معنى الرأفة فالجمع بين رءوف ورحيم في الآية يفيد توكيد مدلول أحدهما بمدلول الآخر بالمساواة أو بالزيادة . وأما على اعتبار تفسير المحققين لِمعنى الرأفة والرحمة فالجمع بين الوصفين لإفادة أنه تَعَالى يرحم الرحمة القوية لمُستحقها ويرحم مطلق الرحمة مَنْ دونَ ذلك .
وتقدم معنى الرحمة في سورة الفاتحة .
وتقديم ( رءوف ) ليقع لفظ رحيم فاصلة فيكون أنسب بفواصل هذه السورة لانبناء فواصلها على حرف صحيح ممدود يعقبه حرف صحيح ساكن ووصف رءوف معتمد ساكنه على الهمز والهمز شبيه بحروف العلة فالنطق به غير تام التمكن على اللسان وحرف الفاء لكونه يخرج من بطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا أشبه حرف اللين فلا يتمكن عليه سكون الوقف .
وتقديم { بالناس } على متعلَّقه وهو { رءوف رحيم } للتنبيه على عنايته بهم إيقاظاً لهم ليشكروه مع الرعاية على الفاصلة .
وقرأ الجمهور ( لرءوف ) بواو ساكنة بعد الهمزة وقرأهُ أبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب وخَلَف بدون واو مع ضم الهمزة بوزن عَضُد وهو لغة على غير قياس .
- إعراب القرآن : وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ
«وَكَذلِكَ» الواو استئنافية والكاف حرف جر ذلك اسم إشارة في محل جر بحرف الجر والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لمصدر محذوف تقديره مثل ذلك الجعل جعلناكم. «جَعَلْناكُمْ» فعل ماض ونا فاعل والكاف مفعول به أول. «أُمَّةً» مفعول به ثان. «وَسَطاً» صفة لأمة. «لِتَكُونُوا» اللام لام التعليل تكونوا مضارع ناقص منصوب وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة ، والواو اسمها.
«شُهَداءَ» خبرها. «عَلَى النَّاسِ» متعلقان بشهداء. «وَيَكُونَ» الواو عاطفة يكون فعل مضارع ناقص منصوب معطوف على تكونوا. «الرَّسُولُ» اسمها. «عَلَيْكُمْ» متعلقان بشهيدا. «شَهِيداً»
خبرها. «وَما» الواو عاطفة ، ما نافية. «جَعَلْنَا» فعل ماض ونا فاعله. «الْقِبْلَةَ» مفعول به أول لجعلنا. «الَّتِي» اسم موصول مبني على السكون في محل نصب صفة ، ومفعول جعلنا الثاني محذوف والتقدير : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها قبلة. «كُنْتَ» ماض ناقص واسمه ، وجملة كنت صلة الموصول لا محل لها.
«عَلَيْها» الجار والمجرور متعلقان بالخبر. «إِلَّا» أداة حصر. «لِنَعْلَمَ» اللام لام التعليل ، نعلم : فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام التعليل والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن والمصدر المؤول من أن المضمرة والفعل في محل جر باللام والجار والمجرور متعلقان بمحذوف في محل نصب على الاستثناء والتقدير : وما جعلنا القبلة إلا امتحانا للناس للعلم. «مَنْ» اسم موصول في محل نصب مفعول به للفعل قبله. «يَتَّبِعُ الرَّسُولَ» فعل مضارع ومفعوله والفاعل هو والجملة صلة الموصول. «مِمَّنْ» من ومن الموصولية جار ومجرور متعلقان بنعلم التي تعني نميز. «يَنْقَلِبُ» فعل مضارع والفاعل هو والجملة صلة الموصول وكذلك جملة يتبع الرسول. «عَلى عَقِبَيْهِ» عقبي اسم مجرور بالياء لأنه مثنى والهاء في محل جر بالإضافة والجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال أي مرتدا على عقبيه. «وَإِنْ» الواو حالية إن مخففة من الثقيلة لا عمل لها. «كانَتْ» فعل ماض ناقص والتاء تاء التأنيث واسمها ضمير مستتر تقديره هي والتقدير : وإن كانت التولية. «لَكَبِيرَةً» اللام الفارقة كبيرة خبر كانت. «إِلَّا» أداة حصر. «عَلَى الَّذِينَ» جار ومجرور متعلقان بكبيرة. «هَدَى» فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف للتعذر. «اللَّهُ» لفظ الجلالة فاعل مرفوع والجملة صلة الموصول لا محل لها. «وَما» الواو عاطفة ما نافية. «كانَ» فعل ماض ناقص. «اللَّهُ» لفظ الجلالة اسمها. «لِيُضِيعَ» اللام لام الجحود يضيع فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام الجحود والفاعل ضمير مستتر يعود إلى الله. «إِيمانَكُمْ» مفعول به وإن المضمرة والفعل في تأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر كان والتقدير ما كان الله مريدا لإضاعة إيمانكم. «إِنَّ اللَّهَ» إن ولفظ الجلالة اسمها. «بِالنَّاسِ» جار ومجرور متعلقان برؤوف أو برحيم. «لَرَؤُفٌ» اللام المزحلقة رؤوف خبر إن. «رَحِيمٌ» خبر ثان والجملة الاسمية تعليلية لا محل لها من الإعراب وجملة ما كان الله معطوفة على ما قبلها.
- English - Sahih International : And thus we have made you a just community that you will be witnesses over the people and the Messenger will be a witness over you And We did not make the qiblah which you used to face except that We might make evident who would follow the Messenger from who would turn back on his heels And indeed it is difficult except for those whom Allah has guided And never would Allah have caused you to lose your faith Indeed Allah is to the people Kind and Merciful
- English - Tafheem -Maududi : وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ(2:143) We had appointed the former giblah towards which you used to turn your face merely to test who would follow the Messenger and who would turn back. *145 It was indeed a hard test but not for those who had been blessed with Guidance from Allah. Allah will not let go to waste this faith of yours; rest assured that He is full of pity and mercy for mankind.
- Français - Hamidullah : Et aussi Nous avons fait de vous une communauté de justes pour que vous soyez témoins aux gens comme le Messager sera témoin à vous Et Nous n'avions établi la direction Qibla vers laquelle tu te tournais que pour savoir qui suit le Messager [Muhammad] et qui s'en retourne sur ses talons C'était un changement difficile mais pas pour ceux qu'Allah guide Et ce n'est pas Allah qui vous fera perdre [la récompense de] votre foi car Allah certes est Compatissant et Miséricordieux pour les hommes
- Deutsch - Bubenheim & Elyas : Und so haben Wir euch zu einer Gemeinschaft der Mitte gemacht damit ihr Zeugen über die anderen Menschen seiet und damit der Gesandte über euch Zeuge sei Wir hatten die Gebetsrichtung die du einhieltest nur bestimmt um zu wissen wer dem Gesandten folgt und wer sich auf den Fersen umkehrt Und es ist wahrlich schwer außer für diejenigen die Allah rechtgeleitet hat Aber Allah läßt nicht zu daß euer Glaube verloren geht Allah ist zu den Menschen wahrlich Gnädig Barmherzig
- Spanish - Cortes : Hemos hecho así de vosotros un comunidad moderada para que seáis testigos de los hombres y para que el Enviado sea testigo de vosotros No pusimos la alquibla hacia la que antes te orientabas sino para distinguir a quien seguía al Enviado de quien le daba la espalda Ciertamente es cosa grave pero no para aquéllos a quienes Alá dirige Alá no va a dejar que se pierda vuestra fe Alá es manso para con los hombres misericordioso
- Português - El Hayek : E deste modo ó muçulmanos contribuímovos em uma nação de centro para que sejais testemunhas da humanidade assim como o Mensageiro e será para vós Nós não estabelecemos a quibla que tu ó Mohammad seguis senão paradistinguir aqueles que seguem o Mensageiro daqueles que desertam ainda que tal mudança seja penosa salvo para os queDeus orienta E Deus jamais anularia vossa obra porque é Compassivo e Misericordiosíssimo para a humanidade
- Россию - Кулиев : Мы сделали вас общиной придерживающейся середины чтобы вы свидетельствовали обо всем человечестве а Посланник свидетельствовал о вас самих Мы назначили киблу к которой ты поворачивался лицом прежде только для того чтобы отличить тех кто последует за Посланником от тех кто повернется вспять Это оказалось тяжело для всех кроме тех кого Аллах повел прямым путем Аллах никогда не даст пропасть вашей вере Воистину Аллах сострадателен и милосерден к людям
- Кулиев -ас-Саади : وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ
Мы сделали вас общиной, придерживающейся середины, чтобы вы свидетельствовали обо всем человечестве, а Посланник свидетельствовал о вас самих. Мы назначили киблу, к которой ты поворачивался лицом прежде, только для того, чтобы отличить тех, кто последует за Посланником, от тех, кто повернется вспять. Это оказалось тяжело для всех, кроме тех, кого Аллах повел прямым путем. Аллах никогда не даст пропасть вашей вере. Воистину, Аллах сострадателен и милосерден к людям.Мусульманская община придерживается середины и является лучшей и самой справедливой из всех общин. Все остальные общины располагаются по обе стороны от серединного пути и находятся в опасности. Мусульмане никогда не впадают в крайности в вопросах, которые связаны с религией. В отношении к пророкам мусульмане занимают промежуточное положение между христианами и прочими заблудшими, которые чрезмерно возвеличивают Божьих пророков, с одной стороны, и иудеями и им подобными нечестивцами, которые грубо отвергают пророков, с другой стороны. Мусульмане верят во всех пророков так, как полагается правоверным. В отношении к религиозным предписаниям мусульмане также занимают промежуточное положение между иудеями, которые проявляют излишнюю настойчивость и суровость, и христианами, которые пренебрегают законами религии. В отношении к обрядам поклонения, ритуальному очищению и запрещенным яствам мусульмане также не уподобляются иудеям, которые совершают молитвы только в храмах и синагогах, не признают очищающей способности воды и не имеют права вкушать некоторые полезные яства в качестве наказания за свою несправедливость, и не уподобляются христианам, для которых нет ничего нечистого или запрещенного, которые разрешают употреблять в пищу все, что ползает и движется. Мусульмане очищаются самым правильным и совершенным образом. Аллах позволил им употреблять в пищу полезные яства и напитки, носить прекрасную одежду и жениться на тех женщинах, которые им не запретны. Он запретил им употреблять в пищу лишь вредные яства и напитки, носить вредную одежду и вступать в недостойные браки. Аллах почтил мусульман совершенной религией и обучил их самому прекрасному нраву и самым праведным деяниям. Аллах одарил их знанием и выдержкой, справедливостью и добродетелью, которых не были удостоены другие религиозные общины. Благодаря этим качествам мусульмане являются самой совершенной, самой умеренной и самой справедливой общиной, которая своей справедливостью и беспристрастностью заслужила право свидетельствовать обо всем человечестве. Мусульманам позволено судить о приверженцах любых вероисповеданий, и никто другой не обладает таким правом. И если мусульманская община признает человека, то он действительно заслуживает признания. Если же мусульманская община отвергает человека, то он действительно является отверженным. Однако может возникнуть вопрос: почему Аллах признает суждение мусульман относительно приверженцев других вероисповеданий, если обвинения одного тяжущегося против другого не принято признавать? Дело в том, что обвинение одного тяжущегося против другого не служит доказательством его вины, если существуют сомнения в его правдивости. Что же касается мусульманской общины, то ее справедливость и беспристрастность не вызывает сомнений и подозрений. Свидетельство всегда должно способствовать вынесению справедливого и правильного приговора, а для этого свидетель должен быть беспристрастным и осведомленным. Оба эти качества присущи мусульманской общине, и поэтому ее свидетельство не отвергается. А если кто-либо усомнится в превосходстве мусульманской общины и потребует доказательства, превосходство мусульман засвидетельствует лучший представитель человечества - Пророк Мухаммад, да благословит его Аллах и приветствует. Именно поэтому Аллах возвестил о том, что Пророк, да благословит его Аллах и приветствует, будет свидетельствовать о мусульманах. Мусульманская община будет свидетельствовать против других религиозных общин в День воскресения, когда Аллах спросит посланников, донесли ли они истину до человечества, а неверующие народы станут отрицать то, что им была известна истина. Вот тогда пророки приведут мусульман в качестве свидетелей собственной правдивости, а Пророк Мухаммад, да благословит его Аллах и приветствует, подтвердит правдивость самих мусульман. Этот аят свидетельствует о том, что единое мнение мусульман является неопровержимым аргументом и что мусульманская община не может заблуждаться целиком. В пользу этого свидетельствует широкий смысл откровения о том, что мусульманская община придерживается середины, ведь если бы все мусульмане одновременно заблуждались в некоторых суждениях, то мусульманская община была бы справедливой лишь в некоторых вопросах, а не в широком смысле этого слова. Этот аят также свидетельствует о том, что выносить приговор, давать свидетельские показания и издавать религиозные указы имеют право только справедливые мусульмане. Затем Всевышний Аллах сообщил, что предписал мусульманам поначалу во время намазов поворачиваться лицом в сторону Иерусалима, чтобы узнать, кто последует за Посланником, да благословит его Аллах и приветствует, а кто повернется вспять. В этом откровении имеется в виду знание, на основании которого Аллах может вознаградить или наказать Своих рабов. Безусловно, Аллаху известно обо всех событиях еще до того, как они происходят, однако на основании такого знания Он не вознаграждает и не наказывает людей, поскольку божественная справедливость совершенна и поскольку Аллах желает довести истину до сведения всех рабов, дабы они не могли оправдаться собственной неосведомленностью. Когда же люди совершают деяния, они удостаиваются за них либо вознаграждения, либо наказания. Из всего сказанного следует, что Аллах предписал мусульманам поначалу во время намазов обращаться лицом в сторону Иерусалима, чтобы подвергнуть их испытанию и определить тех, кто уверовал в Пророка Мухаммада, да благословит его Аллах и приветствует, и готов следовать за ним при любых обстоятельствах. Верующий обязан поступать так, поскольку он является рабом, который зависит от воли Аллаха и обязан выполнять Его повеления. Более того, в предыдущих Писаниях сообщалось, что во время намазов правоверные будут поворачиваться лицом в сторону Каабы. И поэтому повеление поворачиваться лицом в ее сторону должно было приумножить веру и покорность всякого, кто действительно стремился следовать истине. Что же касается грешников, которые повернули вспять, отвернулись от истины и принялись потакать своим желаниям, то ниспосланное повеление лишь приумножило их неверие и смятение, и поэтому они стали оправдывать свои злодеяния порочными доводами, которые зиждились на сомнении и не опирались на истинное знание. Повернуться лицом в сторону Каабы оказалось тяжело для всех, кроме истинных верующих, которых Аллах повел прямым путем. Они оценили милость Аллаха, признали ее и возблагодарили своего Господа за то, что им позволено поворачиваться лицом к великой мечети, которая превосходит все остальные места на земле, посещение которой является одним из столпов ислама и смывает совершенные грехи и прегрешения. Именно осознание этого облегчило верующим выполнение Божьего повеления, хотя для всех остальных это повеление явилось тяжелым бременем. Затем Всевышний Аллах сообщил, что Он никогда не даст пропасть вере мусульман. Не подобает Всевышнему предавать забвению веру Своих рабов. Подобное невероятно и невозможно, и откровение об этом является великой благой вестью для каждого, кого Аллах почтил обращением в ислам и в правую веру. Аллах непременно сохранит их веру и не даст ей пропасть, причем Его забота проявляется в двух формах. Во-первых, Он оберегает веру Своих рабов от тревожных испытаний, порочных воззрений и всего, что может разрушить, испортить или уменьшить ее. Во-вторых, Он приумножает веру Своих рабов и вдохновляет их на деяния, которые приумножают их веру и усиливают их убежденность. Аллах одарил их верой, когда впервые привел их в лоно Своей религии, и Он непременно сохранит их веру и окажет им совершенную милость, приумножив их убежденность, увеличив их вознаграждение, защитив их от печали и досады. Если же мусульман постигают испытания, их целью является выявление истинных верующих от лжецов. Подобные испытания очищают правоверных и выявляют их правдивость. Но может возникнуть ошибочное предположение о том, что очередное повеление Аллаха стало причиной, по которой некоторые правоверные отреклись от веры, ведь Всевышний Аллах сказал, что посредством этого повеления были выявлены те, кто последовал за Посланником, да благословит его Аллах и приветствует, и те, кто повернул вспять. Для того чтобы предотвратить появление подобных ошибочных суждений, Аллах сообщил, что никогда не даст пропасть вере истинных правоверных, поскольку тяжесть любого испытания всегда оказывается соразмерной с их верой. Аллах также не даст пропасть вере тех правоверных, которые скончались до того, как мусульманам было приказано во время намазов поворачиваться лицом в сторону Каабы. В свое время они должным образом повиновались Аллаху и Его посланнику и готовы были повиноваться Ему во все времена. Этот коранический аят является одним из доводов приверженцев Сунны и единой общины в пользу того, что деяния являются частью веры. Затем Аллах сообщил о Своем безграничном милосердии и сострадании к людям. Благодаря этим качествам Аллах довел до конца милость, которую начал оказывать Своим искренним рабам; провел различия между ними и лицемерами, которые уверовали только на словах и чьи сердца не прониклись верой; подверг верующих испытанию, которое приумножило их убежденность и вознесло их на более высокие ступени; а также обратил их лица к самой славной и самой великой мечети.
- Turkish - Diyanet Isleri : Böylece sizi insanlara şahid ve örnek olmanız için tam ortada bulunan bir ümmet kıldık Peygamber de size şahid ve örnektir Senin yöneldiğin yönü Peygambere uyanları cayacaklardan ayırdetmek için kıble yaptık Doğrusu Allah'ın yola koyduğu kimselerden başkasına bu ağır bir şeydir Allah ibadetlerinizi boşa çıkaracak değildir Doğrusu Allah insanlara şefkat gösterir merhamet eder
- Italiano - Piccardo : E così facemmo di voi una comunità equilibrata affinché siate testimoni di fronte ai popoli e il Messaggero sia testimone di fronte a voi Non ti abbiamo prescritto l'orientamento se non al fine di distinguere coloro che seguono il Messaggero da coloro che si sarebbero girati sui tacchi Fu una dura prova eccetto che per coloro che sono guidati da Allah Allah non lascerà che la vostra fede si perda Allah è dolce e misericordioso con gli uomini
- كوردى - برهان محمد أمين : بهو شێوهیهش ئێوهمان بهگهلێكی میانهڕهو گێڕاوه له ههموو ڕوویهكهوه له ڕووی عیبادهت و خواپهرستیهوه له ڕووی دنیاو قیامهتهوه له ڕووی داخوازیهكانی ڕۆح و نهفسهوه هتد تا ببنه شایهت بهسهر خهڵكیهوه تا بزانن ئهم ئاین و بهرنامهیه ههمووی مایهی خێرو سهربهرزیه بۆ تاك و كۆمهڵ له ههموو سهردهمێكدا و له ههموو بوارهكانی ژیاندا و بۆ ئهوهی پێغهمبهریش له ههموو ئهو بوارانهدا مامۆستاو ڕابهری ئێوه بێت و له ڕۆژی قیامهتدا شایهتی بدات بۆ دڵسۆزانی ئوممهتی لهسهر ئهوهی بهئهركی سهرشانی خۆیان ههستاون و ئهو قیبلهو ڕووگهیهش ڕووت تێكردبوو كه بیت المقدس بوو گۆڕانكاریشمان بهسهردا هێنا تهنها بۆ ئهوه بوو بزانین و دهربكهوێت كێ شوێنكهوتهی پێغهمبهر دهبێت و كێش پاشهو پاش ههڵدهگهڕێتهوه ههرچهنده گۆڕینی قیبله بوو بههۆی ناڕهحهتییهكی گهوره مهگهر لهسهر ئهوانهی خوا دڵیانی دامهزراندبوو و ڕێنموویی كردبوون بێگومان خوا ئیمان و باوهڕداریی و نوێژتان زایه ناكات چونكه بهڕاستی خوا بۆ خهڵكی زۆر بهسۆزو به بهزهیی یه
- اردو - جالندربرى : اور اسی طرح ہم نے تم کو امت معتدل بنایا ہے تاکہ تم لوگوں پر گواہ بنو اور پیغمبر اخرالزماں تم پر گواہ بنیں۔ اور جس قبلے پر تم پہلے تھے اس کو ہم نے اس لیے مقرر کیا تھا کہ معلوم کریں کون ہمارے پیغمبر کا تابع رہتا ہے اور کون الٹے پاوں پھر جاتا ہے۔ اور یہ بات یعنی تحویل قبلہ لوگوں کو گراں معلوم ہوئی مگر جن کو خدا نے ہدایت بخشی وہ اسے گراں نہیں سمجھتے اور خدا ایسا نہیں کہ تمہارے ایمان کو یونہی کھو دے۔ خدا تو لوگوں پر بڑا مہربان اور صاحب رحمت ہے
- Bosanski - Korkut : I tako smo od vas stvorili pravednu zajednicu da budete svjedoci protiv ostalih ljudi i da Poslanik bude protiv vas svjedok I Mi smo promijenili kiblu prema kojoj si se prije okretao samo zato da bismo ukazali na one koji će slijediti Poslanika i na one koji će se stopama svojim vratiti – nekima je to bilo doista teško ali ne i onima kojima je Allah ukazao na Pravi put Allah neće dopustiti da propadnu molitve vaše – A Allah je prema ljudima zaista vrlo blag i milostiv
- Swedish - Bernström : Och Vi har gjort er till ett mittens samfund för att ni skall stå som vittnen mot alla människor och Sändebudet vara vittne mot er Den böneriktning som du [Muhammad] förut iakttog gav Vi dig enbart för att skilja dem som följer Sändebudet från dem som vänder honom ryggen Detta har varit en svår [prövning] utom för dem som [i allt] vägleds av Gud Det är rätt och rimligt att Gud inte låter er tro bli utan belöning; Gud är barmhärtig och ömmar för människorna
- Indonesia - Bahasa Indonesia : Dan demikian pula Kami telah menjadikan kamu umat Islam umat yang adil dan pilihan agar kamu menjadi saksi atas perbuatan manusia dan agar Rasul Muhammad menjadi saksi atas perbuatan kamu Dan Kami tidak menetapkan kiblat yang menjadi kiblatmu sekarang melainkan agar Kami mengetahui supaya nyata siapa yang mengikuti Rasul dan siapa yang membelot Dan sungguh pemindahan kiblat itu terasa amat berat kecuali bagi orangorang yang telah diberi petunjuk oleh Allah; dan Allah tidak akan menyianyiakan imanmu Sesungguhnya Allah Maha Pengasih lagi Maha Penyayang kepada manusia
- Indonesia - Tafsir Jalalayn : وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ
(Demikian pula) sebagaimana Kami telah membimbing kamu padanya. (Kami jadikan kamu) hai Muhammad (sebagai umat yang pertengahan) artinya sebagai umat yang adil dan pilihan, (agar kamu sekalian menjadi saksi terhadap umat manusia) pada hari kiamat bahwa rasul-rasul mereka telah menyampaikan risalah kepada mereka (dan agar rasul menjadi saksi terhadap kamu sekalian) bahwa ia telah menyampaikan risalahnya kepadamu. (Dan tidaklah Kami jadikan kiblat) kamu sekarang ini (menurut arah kiblatmu dulu) yaitu Kakbah yang menjadi kiblatmu yang mula-mula. Di Mekah Nabi saw. ketika salat menghadap ke sana dan tatkala ia hijrah ke Madinah disuruhnya menghadap ke Baitulmakdis guna mengambil hati orang-orang Yahudi. Ada 16 atau 17 bulan lamanya Nabi menghadap ke Baitulmakdis, lalu kembali menghadap ke Kakbah (melainkan agar Kami ketahui) menurut ilmu lahir (siapa yang mengikuti rasul) lalu membenarkannya (di antara orang-orang yang membelot) artinya murtad dan kembali pada kekafiran disebabkan keragu-raguan terhadap agama dan dugaan bahwa Nabi saw. dalam kebimbangan menghadapi urusannya. Memang ada segolongan orang yang murtad disebabkan ini. (Dan sungguh) 'in' berasal dari 'inna', sedangkan isimnya dibuang dan pada mulanya berbunyi 'wa-innaha', artinya 'dan sesungguhnya ia' (adalah ia) yakni pemindahan kiblat itu (amat berat) amat sulit diterima manusia, (kecuali bagi orang-orang yang diberi petunjuk oleh Allah) di antara mereka (dan Allah tidak akan menyia-nyiakan keimanan mereka) maksudnya salat mereka yang dulu menghadap ke Baitulmakdis, tetapi akan tetap memberi pahala kepada mereka karenanya. Sebagaimana kita ketahui sebab turun ayat ini adalah datangnya pertanyaan mengenai orang yang meninggal sebelum pemindahan kiblat. (Sesungguhnya Allah terhadap manusia) yakni yang beriman (Maha Pengasih lagi Maha Penyayang) sehingga Dia tidak akan menyia-nyiakan amal perbuatan mereka. 'Ra`fah', artinya amat pengasih dan didahulukan agar lebih tepat menemui sasaran.
- বাংলা ভাষা - মুহিউদ্দীন খান : এমনিভাবে আমি তোমাদেরকে মধ্যপন্থী সম্প্রদায় করেছি যাতে করে তোমরা সাক্ষ্যদাতা হও মানবমন্ডলীর জন্যে এবং যাতে রসূল সাক্ষ্যদাতা হন তোমাদের জন্য। আপনি যে কেবলার উপর ছিলেন তাকে আমি এজন্যই কেবলা করেছিলাম যাতে একথা প্রতীয়মান হয় যে কে রসূলের অনুসারী থাকে আর কে পিঠটান দেয়। নিশ্চিতই এটা কঠোরতর বিষয় কিন্তু তাদের জন্যে নয় যাদেরকে আল্লাহ পথপ্রদর্শন করেছেন। আল্লাহ এমন নন যে তোমাদের ঈমান নষ্ট করে দেবেন। নিশ্চয়ই আল্লাহ মানুষের প্রতি অত্যন্ত স্নেহশীল করুনাময়।
- தமிழ் - ஜான் டிரஸ்ட் : இதே முறையில் நாம் உங்களை ஒரு நடு நிலையுள்ள உம்மத்தாக சமுதாயமாக ஆக்கியுள்ளோம் அப்படி ஆக்கியது நீங்கள் மற்ற மனிதர்களின் சாட்சியாளர்களாக இருப்பதற்காகவும் ரஸூல் நம் தூதர் உங்கள் சாட்சியாளராக இருப்பதற்காகவுமேயாகும்; யார் நம் தூதரைப் பின்பற்றுகிறார்கள்; யார் அவரைப் பின்பற்றாமல் தம் இரு குதிங் கால்கள் மீது பின்திரும்பி செல்கிறார்கள் என்பதை அறிவித்து விடுவான் வேண்டி கிப்லாவை நிர்ணயித்தோம்; இது அல்லாஹ் நேர்வழி காட்டியோருக்குத் தவிர மற்றவர்களுக்கு நிச்சயமாக ஒரு பளுவாகவே இருந்தது அல்லாஹ் உங்கள் ஈமானை நம்பிக்கையை வீணாக்கமாட்டான்; நிச்சயமாக அல்லாஹ் மனிதர்கள் மீது மிகப்பெரும் கருணை காட்டுபவன் நிகரற்ற அன்புடையவன்
- ภาษาไทย - ภาษาไทย : และในทำนองเดียวกัน เราได้ให้พวกเจ้าเป็นประชาชาติที่เป็นกลาง เพื่อพวกเจ้าจะได้เป็นสักขีพยานแก่มนุษย์ทั้งหลาย และร่อซูล ก็จะเป็นสักขีพยานแด่พวกเจ้า และเรามิได้ให้มีขึ้นซึ่งกิบลัตที่เจ้าเคยผินไป นอกจากเพื่อเราจะได้รู้ว่าใครบ้างที่จะปฏิบัติตามร่อซูล จากผู้ที่กำลังหันสันเท้าทั้งสองของเขากลับ และแท้จริงการเปลี่ยนแปลงกิบลัตนั้น เป็นเรื่องใหญ่ นอกจากแก่บรรดาผู้ที่อัลลอฮ์ได้ทรงแนะนำเท่านั้น และใช่ว่าอัลลอฮ์นั้นจะทำให้การศรัทธาของพวกเจ้าสูญไปก็หาไม่แท้จริงอัลลอฮ์เป็นผู้ทรงกรุณาปราณี ผู้ทรงเมตตาแก่มนุษย์เสมอ
- Uzbek - Мухаммад Содик : Шунингдек сизларни одамлар устидан гувоҳ бўлишингиз ва Пайғамбар сизларнинг устингиздан гувоҳ бўлиши учун ўрта миллат қилдик Сен аввал юзланган қиблани ортга бурилиб кетадиганлар киму Пайғамбарга эргашувчилар ким эканини билиш учунгина қилганмиз Гарчи бу иш Аллоҳ ҳидоятга солганлардан бошқаларга оғир бўлса ҳам Аллоҳ иймонингизни зое қилмайди Албатта Аллоҳ одамларга меҳрибон ва раҳмлидир Аллоҳ таоло мусулмонларни ўрта уммат қилган Биз ўрта деб таржима қилган сўз арабчада васат деб келган ва яхши ўрта марказ ва адолатли маъноларини англатади Ўрта маънода кўпроқ ишлатилгани учун таржимага шу маъно ихтиёр қилинди Ўртанинг яхши дейилаётганига боис шуки четлар чет бўлгани учун ҳам ҳар хил таъсирларга кўп учрайди ва бузилиш эҳтимоли кўпроқ Аммо ўрта бузилмай яхши ҳолича қолади Ўртага адолат маъноси берилишининг сабаби эса ўрта атрофларга нисбатан бир хил туради бирор томонга оғиб адолатни бузмайди Оятдан худди сизлар ўзларингиз ўрта уммат бўлганингиз учун қиблаларингизни ҳам шундоқ қилдик деган маъно чиқади
- 中国语文 - Ma Jian : 我这样以你们为中正的民族,以便你们作证世人,而使者作证你们。我以你原来所对的方向为朝向,只为辨别谁是顺从使者的,谁是背叛的。这确是一件难事,但在真主所引导的人,却不难。真主不致使你们的信仰徒劳无酬。真主对於世人,确是至爱的,确是至慈的。
- Melayu - Basmeih : Dan demikianlah sebagaimana Kami telah memimpin kamu ke jalan yang lurus Kami jadikan kamu wahai umat Muhammad satu umat yang pilihan lagi adil supaya kamu layak menjadi orang yang memberi keterangan kepada umat manusia tentang yang benar dan yang salah dan Rasulullah Muhammad pula akan menjadi orang yang menerangkan kebenaran perbuatan kamu Sebenarnya kiblat kamu ialah Kaabah dan tiadalah Kami jadikan kiblat yang engkau mengadapnya dahulu itu wahai Muhammad melainkan untuk menjadi ujian bagi melahirkan pengetahuan Kami tentang siapakah yang benarbenar mengikut Rasul serta membenarkannya dan siapa pula yang berpaling tadah berbalik kepada kekufurannya dan sesungguhnya soal peralihan arah kiblat itu adalah amat berat untuk diterima kecuali kepada orangorang yang telah diberikan Allah petunjuk hidayah dan Allah tidak akan menghilangkan bukti iman kamu Sesungguhnya Allah Amat melimpah belas kasihan dan rahmatNya kepada orangorang yang beriman
- Somali - Abduh : saasaan idinka dhignay umad caadil khayr ah si aad marag ugu noqotaan Dadka Rasuulkuna idiinku noqdo markhaati mana aa naan yeelin Qibladii aad qaablijirtay inay kala muuqato ruuxa Rasuulka raaca iyo kan dib u noqon Gaaloobi mooyee waana arrin kuweyn Dadka marka laga reebo kuwa Eebe hanuuniyey Eebana ma dhumiyo limaankiinna Salaadiina Eebana waa u Naxariisbadanyahay Dadka
- Hausa - Gumi : Kuma kamar wancan Muka sanya ku al'umma matsakaiciya dõmin ku kasance mãsu bãyar da shaida a kan mutãne Kuma Manzo ya kasance mai shaida a kanku Kuma ba Mu sanya Alƙibla wadda ka kasance a kanta ba fãce dõmin Mu san wanda yake biyar Manzo daga wanda yake jũyãwa a kan dugadugansa Kuma lalle ne tã kasance haƙĩƙa mai girma sai a kan waɗanda Allah Ya shiryar Kuma ba ya yiwuwa ga Allah Ya tõzartar da ĩmãninku Lalle ne Allah ga mutãne haƙĩƙa Mai tausayi ne Mai jin ƙai
- Swahili - Al-Barwani : Na vivyo hivyo tumekufanyeni muwe Umma wa wasitani ili muwe mashahidi juu ya watu na Mtume awe ni shahidi juu yenu Na hatukukifanya kibla ulicho kuwa nacho ila tupate kumjua yule anaye mfuata Mtume na yule anaye geuka akarejea nyuma Na kwa yakini hilo lilikuwa jambo gumu isipo kuwa kwa wale alio waongoa Mwenyezi Mungu Na Mwenyezi Mungu hakuwa mwenye kuipoteza Imani yenu Kwani Mwenyezi Mungu ni Mpole kwa watu na Mwenye kuwarehemu
- Shqiptar - Efendi Nahi : Gjithashtu sikundër që ju kemi udhëzuar në rrugë të drejtë ju kemi bërë popull të drejtë që të bëheni dëshmitarë të njerëzve dhe që Pejgamberi të jetë dëshmitar i juaji – Na nuk e kemi bërë obligim kthimin tënd kah Qabeja o Muhammed për tjetër arsye por vetëm për të parë se kush ndjekë rrugën dhe kush do të shkojë pas Pejgamberit e për t’i dalluar nga ata që kthehen nga thembrat ky ndryshim është i rëndë por jo për ata që i ka drejtuar Zoti në rrugë të drejtë E se Perëndia nuk ua humbë besimin tuaj namazin që keni bërë kah Kudsi se Perëndia me të vërtetë është fort i dhembshëm dhe mëshirues për njerëzit
- فارسى - آیتی : آرى چنين است كه شما را بهترين امّتها گردانيديم تا بر مردمان گواه باشيد و پيامبر بر شما گواه باشد. و آن قبلهاى را كه رو به روى آن مىايستادى دگرگون نكرديم، جز بدان سبب كه آنان را كه از پيامبر پيروى مىكنند از آنان كه مخالفت مىورزند بازشناسيم. هر چند كه اين امر جز بر هدايتيافتگان دشوار مىنمود. خدا ايمان شما را تباه نمىكند، او بر مردمان مهربان و بخشاينده است.
- tajeki - Оятӣ : Оре чуни наст, ки шуморо беҳтарини умматҳо гардонидем, то бар мардумон гувоҳ бошед ва паёмбар бар шумо гувоҳ бошад. Ва он қиблаеро, ки рӯ ба рӯи он меистодӣ, дигаргун накардем, ҷуз ба он сабаб, ки ононро, ки аз паёмбар пайравӣ мекунанд, аз онон, ки пайравӣ намекунанд, бозшиносем. Ҳарчанд, ки ин амр бар ғайри ҳидоятёфтагон душвор менамуд. Худо имони шуморо табоҳ намекунад. Ӯ бар мардумон меҳрубон ва бахшоянда аст!
- Uyghur - محمد صالح : شۇنىڭدەك (يەنى سىلەرنى ئىسلامغا ھىدايەت قىلغاندەك) كىشىلەرگە (يەنى ئۆتكەنكى ئۈممەتلەرگە) شاھىت بولۇشۇڭلار ئۈچۈن ۋە پەيغەمبەرنىڭ سىلەرگە شاھىت بولۇشى ئۈچۈن، بىز سىلەرنى ياخشى ئۈممەت قىلدۇق. سەن يۈز كەلتۈرۈپ كېلىۋاتقان تەرەپنى (يەنى بەيتۇلمۇقەددەسنى) قىبلە قىلغانلىقىمىز پەيغەمبەرگە ئەگەشكەنلەرنى ئاسىيلىق قىلغانلاردىن (يەنى مۇرتەد بولۇپ كەتكەنلەردىن) ئايرىۋېلىشىمىز ئۈچۈنلا ئىدى. اﷲ ھىدايەت قىلغانلاردىن باشقىلارغا بۇ (يەنى قىبلىنىڭ ئۆزگەرتىلىشى) ھەقىقەتەن ئېغىردۇر. اﷲ سىلەرنىڭ ئىمانىڭلارنى (يەنى ئىلگىرى بەيتۇلمۇقەددەسكە قاراپ ئوقۇغان نامىزىڭلارنى) بىكار قىلىۋەتمەيدۇ. اﷲ كىشىلەرگە ھەقىقەتەن مېھرىباندۇر، ناھايىتى كۆيۈمچاندۇر
- Malayalam - ശൈഖ് മുഹമ്മദ് കാരകുന്ന് : ഇവ്വിധം നിങ്ങളെ നാം ഒരു മിത സമുദായമാക്കിയിരിക്കുന്നു. നിങ്ങള് ലോകജനതക്ക് സാക്ഷികളാകാന്. ദൈവദൂതന് നിങ്ങള്ക്കു സാക്ഷിയാകാനും. നീ നേരത്തെ തിരിഞ്ഞുനിന്നിരുന്ന ദിക്കിനെ ഖിബ്ലയായി നിശ്ചയിച്ചിരുന്നത്, ദൈവദൂതനെ പിന്പറ്റുന്നവരെയും പിന്മാറിപ്പോകുന്നവരെയും വേര്തിരിച്ചറിയാന് വേണ്ടി മാത്രമാണ്. അത് ഏറെ പ്രയാസകരമായിരുന്നു; ദൈവിക മാര്ഗദര്ശനത്തിനര്ഹരായവര്ക്കൊഴികെ. അല്ലാഹു നിങ്ങളുടെ വിശ്വാസത്തെ ഒട്ടും പാഴാക്കുകയില്ല. അല്ലാഹു ജനങ്ങളോട് അളവറ്റ ദയാപരനും കരുണാമയനുമാകുന്നു.
- عربى - التفسير الميسر : وكما هديناكم ايها المسلمون الى الطريق الصحيح في الدين جعلناكم امه خيارا عدولا لتشهدوا على الامم في الاخره ان رسلهم بلغتهم رسالات ربهم ويكون الرسول في الاخره كذلك شهيدا عليكم انه بلغكم رساله ربه وما جعلنا ايها الرسول قبله "بيت المقدس" التي كنت عليها ثم صرفناك عنها الى الكعبه بـ "مكه" الا ليظهر ما علمناه في الازل علما يتعلق به الثواب والعقاب لنميز من يتبعك ويطيعك ويستقبل معك حيث توجهت ومن هو ضعيف الايمان فينقلب مرتدا عن دينه لشكه ونفاقه وان هذه الحال التي هي تحول المسلم في صلاته من استقبال بيت المقدس الى استقبال الكعبه لثقيله شاقه الا على الذين هداهم ومن عليهم بالايمان والتقوى وما كان الله ليضيع ايمانكم به واتباعكم لرسوله ويبطل صلاتكم الى القبله السابقه انه سبحانه وتعالى بالناس لرءوف رحيم
*144). This constitutes the proclamation appointing the religious community (ummah) consisting of the followers of Muhammad to religious guidance and leadership of the world.
' And it is thus', which precedes this proclamation, contains two allusions. It alludes, in the first place, to that Divine Guidance which enabled the followers of Muhammad to know the Straight Way so that they could attain progress to the point of being proclaimed 'the community of the middle way' (or 'the mid-most community' or 'the community justly balanced' - Ed.) In the second place there is an allusion to the change in the direction of Prayer from Jerusalem to the Ka'bah. People of limited intelligence could see no significance in this change of direction although the substitution of Jerusalem by the Ka'bah amounted to the removal of the Children of Israel from their position of world leadership and their replacement by the ummah of Muhammad (peace be on him).
The Arabic expression which we have translated as 'the community of the middle way' is too rich in meaning to find an adequate equivalent in any other language. It signifies that distinguished group of people which follows the path of justice and equity, of balance and moderation, a group which occupies a central position among the nations of the world so that its friendship with all is based on righteousness and justice and none receives its support in wrong and injustice.
The purpose of creating 'the community of the middle way', according to this Qur'anic verse, is to make it stand as witness 'before all mankind and the Messenger might be a witness before you'. What this rneans is that when the whole of mankind is called to account, the Prophet, as God's representative, will stand witness to the fact that he had communicated to the Muslims and had put into practice the teachings postulating sound beliefs, righteous conduct and a balanced system of life which he had received from on high. The Muslims, acting on behalf of the Prophet after his return to the mercy of God, will he asked to bear the same witness before the rest of mankind and to say that they had spared no effort in either communioating to mankind what the Prophet had communicated to them, or in exemplifying in their own lives what the Prophet had, by his own conduct, translated into actual practice.
This position of standing witness before all mankind on behalf of God, which has been conferred on this community, amounts to its being invested with the leadership of all mankind. This is at once a great honour and a heavy responsibility. For what it actually means is that just as the Prophet served as a living example of godliness and moral rectitude, of equity and fair play before the Muslim community, so is the Muslim community required to stand vis-a-vis the whole world. What is expected of this community is that it should be able to make known, both by word and deed, the meaning of godliness and righteousness, of equity and fairplay.
Furthermore. just as the Prophet had been entrusted with the heavy responsibility of conveying to the Muslims the guidance which he had received. in a like manner a heavy responsibility has been laid on the Muslims to communicate this guidance to all mankind. If the Muslims fail to establish before God that they did their duty in conveying to mankind the guidance they had received through the Prophet they will be taken to task seriously and their honourable position as the leaders of the whole world, far from being of any help to them, will spell their disaster. They will be held responsible along with the protagonists of evil for all the errors of belief and conduct which have spread during their term of leadership. They will have to face the grim question: What were they doing when the world was convulsed by storms of transgression, injustice and error?
*145). One purpose of this change in the direction of Prayer was to find out who was blinkered by irrational prejudices and chained by chauvinistic attachment to land and blood, and who, having liberated himself from those bonds, was capable of rising to the heights and grasping the Truth.
On the one hand were the Arabs who were steeped in their national and racial arrogance. For them, taking Jerusalem as the direction of their Prayer (as originally practised by the Prophet) was too hard a blow to their national vanity to be accepted with equanimity. On the other hand, the Jews were essentially no different. They, too, were obsessed with racial pride so that it was difficult for them to accept any other than the direction of Prayer which they had inherited from the past. How could the people whose hearts were full of such idols respond to the call of the Messenger of God? Hence, God saw to it that the worshippers of such idols were distinguished from the genuine worshippers of God by first fixing Jerusalem as the direction of Prayer. This was bound to alienate all those who had worshipped the idol of Arabianism. Later, the fixing of the Ka'bah as the direction of Prayer led to the alienation of those who were engrossed in the worship of the idol of Israel. Thus there were left with the Prophet only, those who truly worshipped none but the One True God.