- عربي - نصوص الآيات عثماني : يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِىٓ إِبْرَٰهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّوْرَىٰةُ وَٱلْإِنجِيلُ إِلَّا مِنۢ بَعْدِهِۦٓ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
- عربى - نصوص الآيات : يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده ۚ أفلا تعقلون
- عربى - التفسير الميسر : يا أصحاب الكتب المنزلة من اليهود والنصارى، كيف يجادل كل منكم في أن إبراهيم عليه السلام كان على ملَّته، وما أُنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده؟ أفلا تفقهون خطأ قولكم: إن إبراهيم كان يهودياً أو نصرانياً، وقد علمتم أن اليهودية والنصرانية حدثت بعد وفاته بحين؟
- السعدى : يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِن بَعْدِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
تفسير الآيات من 65الى 68 :ـ لما ادعى اليهود أن إبراهيم كان يهوديا، والنصارى أنه نصراني، وجادلوا على ذلك، رد تعالى محاجتهم ومجادلتهم من ثلاثة أوجه، أحدها: أن جدالهم في إبراهيم جدال في أمر ليس لهم به علم، فلا يمكن لهم ولا يسمح لهم أن يحتجوا ويجادلوا في أمر هم أجانب عنه وهم جادلوا في أحكام التوراة والإنجيل سواء أخطأوا أم أصابوا فليس معهم المحاجة في شأن إبراهيم، الوجه الثاني: أن اليهود ينتسبون إلى أحكام التوراة، والنصارى ينتسبون إلى أحكام الإنجيل، والتوراة والإنجيل ما أنزلا إلا من بعد إبراهيم، فكيف ينسبون إبراهيم إليهم وهو قبلهم متقدم عليهم، فهل هذا يعقل؟! فلهذا قال { أفلا تعقلون } أي: فلو عقلتم ما تقولون لم تقولوا ذلك، الوجه الثالث: أن الله تعالى برأ خليله من اليهود والنصارى والمشركين، وجعله حنيفا مسلما، وجعل أولى الناس به من آمن به من أمته، وهذا النبي وهو محمد صلى الله على وسلم ومن آمن معه، فهم الذين اتبعوه وهم أولى به من غيرهم، والله تعالى وليهم وناصرهم ومؤيدهم، وأما من نبذ ملته وراء ظهره كاليهود والنصارى والمشركين، فليسوا من إبراهيم وليس منهم، ولا ينفعهم مجرد الانتساب الخالي من الصواب. وقد اشتملت هذه الآيات على النهي عن المحاجة والمجادلة بغير علم، وأن من تكلم بذلك فهو متكلم في أمر لا يمكن منه ولا يسمح له فيه، وفيها أيضا حث على علم التاريخ، وأنه طريق لرد كثير من الأقوال الباطلة والدعاوى التي تخالف ما علم من التاريخ
- الوسيط لطنطاوي : يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِن بَعْدِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
وأما النداء الثاني الذي اشتملت عليه هذه الآيات فقد تضمن نهى أهل الكتاب عن الجدال بالباطل في شأن إبراهيم- عليه السّلام- قال- تعالى- يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ.
قال ابن جرير: عن ابن عباس قال: اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله فتنازعوا عنده، قالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديا وقالت النصارى: ما كان إبراهيم إلا نصرانيا، فأنزل الله- تعالى- فيهم: يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ .
وقوله تُحَاجُّونَ من المحاجة ومعناها أن يتبادل المتخاصمان الحجة بأن يقدم كل واحد حجة ويطلب من الآخر أن يرد عليها.
والمعنى: لا يسوغ لكم يا معشر اليهود والنصارى أن تجادلوا في دين إبراهيم وشريعته فيدعى بعضكم أنه كان على الديانة اليهودية، ويدعى البعض الآخر أنه كان على الديانة النصرانية، فإن التوراة والإنجيل ما نزلا إلا من بعده بأزمان طويلة، فكيف يكون يهوديا يدين بالتوراة مع أنها ما نزلت إلا من بعده، أو كيف يكون نصرانيا يدين بالإنجيل مع أنه ما نزل إلا من بعده، بآلاف السنين؟ إن هذه المحاجة منكم في شأن إبراهيم ظاهرة البطلان واضحة الفساد.
وقوله أَفَلا تَعْقِلُونَ أى أفلا تعقلون يا أهل الكتاب هذا الأمر البديهي وهو أن المتقدم على الشيء لا يمكن أن يكون تابعا للشيء المتأخر عنه؟
فالاستفهام لتوبيخهم وتجهيلهم في دعواهم أن إبراهيم- عليه السّلام- كان يهوديا أو نصرانيا.
- البغوى : يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِن بَعْدِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
قوله تعالى : ( يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده ) تزعمون أنه كان على دينكم ، وإنما دينكم اليهودية والنصرانية ، وقد حدثت اليهودية بعد نزول التوراة والنصرانية بعد نزول الإنجيل ، وإنما أنزلت التوراة والإنجيل من بعد إبراهيم بزمان طويل ، وكان بين إبراهيم وموسى ألف سنة ، وبين موسى وعيسى ألفا سنة ( أفلا تعقلون ) بطلان قولكم؟
- ابن كثير : يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِن بَعْدِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
ينكر تعالى على اليهود والنصارى في محاجتهم في إبراهيم الخليل ، ودعوى كل طائفة منهم أنه كان منهم ، كما قال محمد بن إسحاق بن يسار :
حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتنازعوا عنده ، فقالت الأحبار : ما كان إبراهيم إلا يهوديا . وقالت النصارى ما كان إبراهيم إلا نصرانيا . فأنزل الله تعالى : ( يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم [ وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون ] ) أي : كيف تدعون ، أيها اليهود ، أنه كان يهوديا ، وقد كان زمنه قبل أن ينزل الله التوراة على موسى ، وكيف تدعون ، أيها النصارى ، أنه كان نصرانيا ، وإنما حدثت النصرانية بعد زمنه بدهر . ولهذا قال : ( أفلا تعقلون ) .
- القرطبى : يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِن بَعْدِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
قوله تعالى : يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون
قوله تعالى : يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم الأصل " لما " فحذفت الألف فرقا بين الاستفهام والخبر . وهذه الآية نزلت بسبب دعوى كل فريق من اليهود والنصارى أن إبراهيم كان على دينه ، فأكذبهم الله تعالى بأن اليهودية والنصرانية إنما كانتا من بعده . وذلك قوله : وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده قال الزجاج : هذه الآية أبين حجة على اليهود والنصارى ; إذ التوراة والإنجيل أنزلا من بعده وليس فيهما اسم لواحد من الأديان ، واسم الإسلام في كل كتاب . ويقال : كان بين إبراهيم وموسى ألف سنة ، وبين موسى وعيسى أيضا ألف سنة . أفلا تعقلون دحوض حجتكم وبطلان قولكم ، والله أعلم . والله أعلم
- الطبرى : يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِن بَعْدِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
القول في تأويل قوله : يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ إِلا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (65)
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " يا أهل الكتاب "، يا أهل التوراة والإنجيل =" لم تحاجون "، لم تجادلون =" في إبراهيم " وتخاصمون فيه، يعني: في إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليه.
وكان حجِاجهم فيه: ادّعاءُ كل فريق من أهل هذين الكتابين أنه كان منهم، وأنه كان يدين دينَ أهل نِحْلته. فعابهم الله عز وجل بادِّعائهم ذلك، ودلّ على مُناقضتهم ودعواهم، فقال: وكيف تدَّعون أنه كان على ملتكم ودينكم، ودينُكم إما يهودية أو نصرانية، واليهودي منكم يزعُم أنّ دينه إقامةُ التوراة والعملُ بما فيها، والنصراني منكم يزعم أنّ دينه إقامةُ الإنجيل وما فيه، وهذان كتابان لم ينـزلا إلا بعد حين من مَهلِك إبراهيم ووفاته؟ فكيف يكون منكم؟ فما وجه اختصامكم فيه، (41) وادعاؤكم أنه منكم، والأمر فيه على ما قد علمتم؟
* * *
وقيل: نـزلت هذه الآية في اختصام اليهود والنصارى في إبراهيم، وادعاء كل فريق منهم أنه كان منهم.
ذكر من قال ذلك:
7202 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثني محمد بن إسحاق = وحدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق = قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير، أو عكرمة، عن ابن عباس قال: اجتمعت نصارى نجران وأحبارُ يهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعوا عنده، فقالت الأحبار: ما كان إبراهيمُ إلا يهوديًّا، وقالت النصارى: ما كان إبراهيم إلا نصرانيًّا! فأنـزل الله عز وجل فيهم: "
يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنـزلت التوراةُ والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون "، قالت النصارى: كان نصرانيًّا! وقالت اليهود: كان يهوديًّا! فأخبرهم الله أنّ التوراة والإنجيل ما أنـزلا إلا من بعده، وبعده كانت اليهودية والنصرانية. (42)7203 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "
يا أهل الكتاب لم تحاجُّون في إبراهيم "، يقول: " لم تحاجون في إبراهيم " وتزعمون أنه كان يهوديًّا أو نصرانيًّا، =" وما أنـزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده "، فكانت اليهودية بعد التوراة، وكانت النصرانية بعد الإنجيل، =" أفلا تعقلون "؟* * *
وقال آخرون: بل نـزلت هذه الآية في دعوى اليهود إبراهيم أنه منهم.
ذكر من قال ذلك:
7204 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم دعا يهود أهل المدينة إلى كلمة السواء، وهم الذين حاجُّوا في إبراهيم، وزعموا أنه مات يهوديًّا. فأكذبهم الله عز وجل ونفاهم منه فقال: "
يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنـزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون ".7205 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله.
7206 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: "
يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم "، قال: اليهود والنصارى، برَّأه الله عز وجل منهم، حين ادعت كل أمة أنه منهم، (43) وألحق به المؤمنين، مَنْ كان من أهل الحنيفية.7207 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
* * *
وأما قوله: "
أفلا تعقلون " فإنه يعني: " أفلا تعقلون "، تفقَهون خطأ قيلكم: إنّ إبراهيم كان يهوديًّا أو نصرانيًّا، وقد علمتم أنّ اليهودية والنصرانية حدَثَت من بعد مَهلكه بحين؟-----------------
الهوامش :
(41) في المخطوطة: "
فكيف يكون منهم ، أما وجه اختصامكم فيه.." ، وهو خطأ من عجلة الناسخ وصححه في المطبوعة ، ولكنه كتب"فما وجه اختصامكم فيه" ، وهو ليس بشيء ، والصواب ما أثبت.(42) الأثر: 7202- سيرة ابن هشام 2: 201: 202 مختصرًا ، والأثر الذي قبله فيما روى الطبري من سيرة ابن إسحاق ، هو ما سلف رقم: 6782.
(43) في المخطوطة والمطبوعة: "
حين ادعى" ، وهو سبق قلم من الناسخ. - ابن عاشور : يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِن بَعْدِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
استئناف ابتدائي للانتقال من دعائهم لكلمة الحق الجامعة لحق الدين ، إلى الإنكار عليهم محاجتهم الباطلة للمسلمين في دين إبراهيم ، وزعم كلّ فريق منهم أنهم على دينه توصّلاً إلى أنّ الذي خالف دينهم لا يكون على دين إبراهيم كما يدّعي النبي محمد صلى الله عليه وسلم فالمحاجة فرع عن المخالفة في الدعوى . وهذه المحاجة على طريق قياس المساواة في النفي ، أو في محاجتهم النبي في دعواه أنه على دين إبراهيم ، محاجة يقصدون منها إبطال مساواة دينِه لدين إبراهيم ، بطريقة قياس المساواة في النفي أيضاً .
فيجوز أن تكون هذه الجملة من مقول القول المأمور به الرسولُ في قوله تعالى : { قل يا أهل الكتاب تعالوا } أي قل لهم : يا أهل الكتاب لِمَ تحاجون . ويجوز أن يكون الاستئناف من كلام الله تعالى عَقِبَ أمرِه الرسولَ بأن يقول { تعالَوا } فيكون توجيه خطاب إلى أهل الكتاب مباشرة ، ويكون جعل الجملة الأولى من مقول الرسول دون هذه لأنّ الأولى من شُؤون الدعوة ، وهذه من طرق المجاحّة ، وإبطال قولهم ، وذلك في الدرجة الثانِيَة مِن الدعوة . والكلُ في النسبة إلى الله سواء .
ومناسبة الانتقال من الكلام السابق إلى هذا الكلام نشأت من قوله : { فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون } [ آل عمران : 64 ] لأنه قد شاع فيما نزل من القرآن في مكة ، وبعدَها أنّ الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم يرجع إلى الحنيفية دين إبراهيم كما تقدم تقريره في سورة البقرة وكما في سورة النحل ( ) : { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وسيجيء أنّ إبراهيم كان حنيفاً مسلماً ، وقد اشتهر هذا وأعلن بين المشركين في مكة ، وبني اليهود في المدينة ، وبين النصارى في وَفد نجران ، وقد علم أنّ المشركين بمكة كانوا يدّعون أنهم ورثة شريعة إبراهيم وسدنة بيته ، وكان أهل الكتاب قد ادّعوا أنهم على دين إبراهيم ، ولم يتبين لي أكان ذلك منهم ادّعاء قديماً أم كانوا قد تفطنوا إليه من دعوة محمد ، فاستيقظوا لتقليده في ذلك ، أم كانوا قالوا ذلك على وجه الإفحام للرسول حين حاجهم بأنّ دينه هو الحق ، وأنّ الدين عند الله الإسلام فألْجَؤوه إلى أحد أمرين : إما أن تكون الزيادةُ على دين إبراهيم غيرَ مخرجة عن اتِّباعه ، فهو مشترَك الإلزام في دين اليهودية والنصرانية ، وإما أن تكون مخرجة عن دين إبراهيم فلا يكون الإسلام تابعاً لدين إبراهيم .
وأحسب أنّ ادّعاءهم أنهم على ملة إبراهيم إنما انتحلوه لبثّ كل من الفريقين الدعوةَ إلى دينه بين العرب ، ولا سيما النصرانية ، فإنّ دعاتها كانوا يحاولون انتشارها بين العرب فلا يجدون شيئاً يروج عندهم سِوى أن يقولوا : إنها ملة إبراهيم ، ومن أجل ذلك اتُّبعت في بعض قبائل العرب ، وهنالك أخبار في أسباب النزول تثير هذه الاحتمالات : فروى أنّ وفد نجران قالوا للنبيء حين دعاهم إلى اتباع دينه : على أي دين أنتَ قال : على ملة إبراهيم قالوا : فقد زدتَ فيه ما لم يكن فيه فعلى هذه الرواية يكون المخاطبُ بأهل الكتاب هنا خصوصَ النصارى كالخطاب الذي قبْله وروى : أنه تنازعت اليهود ونصارى نجران بالمدينة ، عند النبي ، فأدّعي كل فريق أنه على دين إبراهيم دون الاخر ، فيكون الخطاب لأهل الكتاب كلهم ، من يهود ونصارى .
ولعل اختلاف المخاطبين هو الداعي لتكرير الخطاب .
وقوله : وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده }
يكون على حسب الرواية الأولى مَنْعاً لقولهم : فقد زدت فيه ما ليس مِنْه ، المقصودِ منه إبطال أن يكون الإسلام هو دين إبراهيم . وتفصيلُ هذا المنع : إنكم لا قبل لكم بمعرفة دين إبراهيم ، فمن أين لكم أنّ الإسلام زاد فيما جاء به على دين إبراهيم ، فإنكم لا مستند لكم في علمكم بأمور الدين إلاّ التوراةُ والإنجيلُ ، وهما قد نَزلا من بعد إبراهيم ، فمن أين يعلم ما كانت شريعة إبراهيم حتى يعلمَ المزيد عليهَا ، وذكر التوراة على هذا لأنها أصل الإنجيل . ويكون على حسب الرواية الثانية نفياً لدعوى كلّ فريق منهما أنه على دين إبراهيم ، بِأنّ دين اليهود هو التوراة ، ودينَ النصارى هو الإنجيل ، وكلاهما نزل بعد إبراهيم ، فكيف يكون شريعةً له . قال الفخر : يعني ولم يُصرّح في أحد هذين الكتابين بأنه مطابقٌ لشريعة إبراهيم ، فذكر التوراة والإنجيل على هذا نشرٌ بعد اللف : لأنّ أهل الكتاب شَمِل الفريقين ، فذكر التوراة لإبطال قول اليهود ، وذكرَ الإنجيل لإبطاللِ قول النصارى ، وذكر التوراة والإنجيل هنا لقصد جمع الفريقين في التخطئة ، وإن كان المقصود بادىء ذي بدء هم النصارى الذين مَساقُ الكلام معهم .والأظهر عندي في تأليف المحاجة ينتظم من مجموع قوله : { وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده } وقولِه : { فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم } وقولِه : { والله يعلم وأنتم لا تعلمون } فيبطل بذلك دعواهم أنهم على دين إبراهيم ، ودعواهم أنّ الإسلام ليس على دين إبراهيم ، ويَثْبُتُ عليهم أنّ الإسلام على دين إبراهيم ، وذلك أنّ قوله : { وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده } يدل على أنّ علمهم في الدين منحصر فيهما ، وهما نزلا بعد إبراهيم فلا جائز أن يكونا عين صحف إبراهيم .
وقولُه : { فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم } يُبطل قولهم : إنّ الإسلام زاد على دين إبراهيم ، ولا يدل على أنهم على دين إبراهيم؛ لأنّ التوراة والإنجيل لم يَرد فيهما التصريح بذلك ، وهذا هو الفارق بين انتساب الإسلام إلى إبراهيم وانتساب اليهودية والنصرانية إليه ، فلا يقولون وكيف يُدّعَى أنّ الإسلام دين إبراهيم مع أنّ القرآن أنزل من بعد إبراهيم كما أنزلت التوراة والإنجيل من بعده .
وقوله : { والله يعلم } يدل على أنّ الله أنبأ في القرآن بأنه أرسل محمداً بالإسلام ديننِ إبراهيم وهو أعلم منكم بذلك ، ولم يسبق أن امتنّ عليكم بمثل ذلك في التوراة والإنجيل فأنتم لا تعلمون ذلك ، فلما جاء الإسلام وأنبأ بذلك أردتم أن تنتحلوا هذه المزية ، واستيقظتم لذلك حَسداً على هذه النعمة ، فنهضتْ الحجة عليهم ، ولم يبق لهم معذرة في أن يقولوا : إنّ مجيء التوراة والإنجيل من بعد إبراهيم مشترَكُ الإلزام لنا ولكم؛ فإنّ القرآن أنزل بعد إبراهيم ، ولولا انتظام الدليل على الوجه الذي ذكرنا لَكَانَ مشترك الإلزام .
والاستفهام في قوله : { فلم تحاجون } مقصود منه التنبيه على الغلط .
وقد أعرض في هذا الاحتجاح عليهم عن إبطال المنافاة بين الزيادة الواقعة في الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم على الدين الذي جاء به إبراهيم ، وبين وصف الإسلام بأنّه ملّة إبراهيم : لأنّهم لم يكن لهم من صحة النظر ما يفرقون به بين زيادة الفروع ، واتحاد الأصول ، وأنّ مساواة الدينين منظور فيها إلى اتحاد أصولهما سنبينها عند تفسير قوله تعالى : { فإنْ حاجّوك فقل أسلمتُ وجهي للَّه } [ آل عمران : 20 ] وعندَ قوله : { ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً } فاكتُفي في المحاجّة بإبطال مستندهم في قولهم : «فقد زدت فيه ما ليس فيه على طريقة المنع ، ثم بقوله : { ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً } [ آل عمران : 67 ] على طريقة الدعوى بناءً على أنّ انقطاع المعترِض كاففٍ في اتجاه دعوى المستدل .
- إعراب القرآن : يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِن بَعْدِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
«يا أَهْلَ الْكِتابِ» سبق إعرابها «لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ» اللام حرف جر ما اسم استفهام في محل جر بحرف الجر والجار والمجرور متعلقان بالفعل تحاجون وتحاجون فعل مضارع والواو فاعل وإبراهيم اسم مجرور بالفتحة للعلمية والعجمة والجار والمجرور متعلقان بتحاجون والجملة استئنافية «وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ» الواو حالية. ما نافية أنزلت فعل ماض مبني للمجهول والتوراة نائب فاعل والجملة في محل نصب حال «وَالْإِنْجِيلُ» عطف على التوراة «إِلَّا» أداة حصر «مِنْ بَعْدِهِ» متعلقان بأنزلت. «أَفَلا» الهمزة للاستفهام والفاء عاطفة لا نافية «تَعْقِلُونَ» فعل مضارع وفاعل والجملة معطوفة على جملة مقدرة ألا ترون فتعقلون.
- English - Sahih International : O People of the Scripture why do you argue about Abraham while the Torah and the Gospel were not revealed until after him Then will you not reason
- English - Tafheem -Maududi : يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِن بَعْدِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(3:65) People of the Book! Why do you dispute with us about Abraham even though the Torah and the Gospel were not revealed until after the time of Abraham? Do you not understand? *58
- Français - Hamidullah : O gens du Livre pourquoi disputez-vous au sujet d'Abraham alors que la Thora et l'Evangile ne sont descendus qu'après lui Ne raisonnez-vous donc pas
- Deutsch - Bubenheim & Elyas : O Leute der Schrift warum streitet ihr über Ibrahim wo die Tora und das Evangelium erst nach ihm als Offenbarung herabgesandt worden sind Begreift ihr denn nicht
- Spanish - Cortes : ¡Gente dela Escritura ¿Por qué disputáis de Abraham siendo así que la Tora y el Evangelio no fueron revelados sino después de él ¿Es que no razonáis
- Português - El Hayek : Ó adeptos do Livro por que discutis acerca de Abraão se a Tora e o Evangelho não foram revelados senão depoisdele Não raciocinais
- Россию - Кулиев : О люди Писания Почему вы препираетесь относительно Ибрахима Авраама ведь Таурат Тора и Инджил Евангелие были ниспосланы только после него Неужели вы не разумеете
- Кулиев -ас-Саади : يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِن بَعْدِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
О люди Писания! Почему вы препираетесь относительно Ибрахима (Авраама), ведь Таурат (Тора) и Инджил (Евангелие) были ниспосланы только после него. Неужели вы не разумеете?- Turkish - Diyanet Isleri : Ey Kitap ehli İbrahim hakkında niçin tartışıyorsunuz Tevrat da İncil de şüphesiz ondan sonra indirilmiştir Akletmiyor musunuz
- Italiano - Piccardo : O gente della Scrittura perché polemizzate a proposito di Abramo mentre la Torâh e il Vangelo sono scesi dopo di lui Non capite dunque
- كوردى - برهان محمد أمين : ئهی خاوهن کتێبهکان ئێوه بۆ له ئیبراهیم دهدوێن و ههریهکهتان وادادهنێت که لهسهر ئاینی ئهوه خۆ تهورات و ئینجیل دوای ئهو ڕهوانه کراون ئهوه بۆ عهقڵ و ژیرتان ناخهنهکارو تاکهی ژیرنابن
- اردو - جالندربرى : اے اہل کتاب تم ابراہیم کے بارے میں کیوں جھگڑتے ہو حالانکہ تورات اور انجیل ان کے بعد اتری ہیں اور وہ پہلے ہو چکے ہیں تو کیا تم عقل نہیں رکھتے
- Bosanski - Korkut : O sljedbenici Knjige zašto se o Ibrahimu prepirete pa zar Tevrat i Indžil nisu objavljeni poslije njega Zašto ne shvatite
- Swedish - Bernström : VARFÖR tvistar ni efterföljare av äldre tiders uppenbarelser om Abraham Tora uppenbarades ju inte och inte heller Evangeliet förrän efter hans tid Vill ni inte använda ert förstånd
- Indonesia - Bahasa Indonesia : Hai Ahli Kitab mengapa kamu bantah membantah tentang hal Ibrahim padahal Taurat dan Injil tidak diturunkan melainkan sesudah Ibrahim Apakah kamu tidak berpikir
- Indonesia - Tafsir Jalalayn : يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِن بَعْدِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
(Hai Ahli Kitab, kenapa kamu berbantah-bantahan tentang Ibrahim) dan kamu akui bahwa ia pemeluk agamamu? (Padahal Taurat dan Injil hanya diturunkan sesudahnya) bahkan dalam jarak waktu yang panjang dan setelah kedua Kitab itu diturunkan, Yahudi dan Nasrani membuat-buat hal tersebut, yakni mengenai Nabi Ibrahim. (Apakah kamu tidak berpikir?) akan kesalahan pengakuanmu itu.
- বাংলা ভাষা - মুহিউদ্দীন খান : হে আহলে কিতাবগণ কেন তোমরা ইব্রাহীমের বিষয়ে বাদানুবাদ কর অথচ তওরাত ও ইঞ্জিল তাঁর পরেই নাযিল হয়েছে। তোমরা কি বুঝ না
- தமிழ் - ஜான் டிரஸ்ட் : வேதத்தையுடையோரே இப்ராஹீமைப் பற்றி அவர் யூதரா கிறிஸ்தவரா என்று வீனாக ஏன் தர்க்கித்துக் கொண்டிருக்கிறீர்கள் அவருக்குப் பின்னரேயன்றி தவ்ராத்தும் இன்ஜீலும் இறக்கப்படவில்லையே இதைக்கூட நீங்கள் விளங்கிக் கொள்ளவில்லையா
- ภาษาไทย - ภาษาไทย : โอ้บรรดาผู้ที่ได้รับคัมภีร์ เพราะเหตุใดเล่าพวกเจ้าจึงโต้เถียงกันในตัวของอิบรอฮีม และอัตเตารอต และอัลอินญีลนั้นมิได้ถูกประทานลงมา นอกจากหลังจากเขา แล้วพวกเจ้าไม่ใช้ปัญญาดอกหรือ
- Uzbek - Мухаммад Содик : Эй аҳли китоблар нимага Иброҳим ҳақида талашасизлар Ҳолбуки Таврот ҳам Инжил ҳам ундан кейин тушганку Ақл юритмайсизларми
- 中国语文 - Ma Jian : 信奉天经的人啊!你们为什么和我们辩论易卜拉欣(的宗教)呢?《讨拉特》和《引支勒》是在他弃世之后才降示的。难道你们不了解吗?
- Melayu - Basmeih : Wahai Ahli Kitab Mengapa kamu berani memperdebatkan tentang ugama Nabi Ibrahim padahal Taurat dan Injil tidak diturunkan melainkan kemudian daripada zaman Ibrahim; patutkah kamu berdegil sehingga kamu tidak mahu menggunakan akal
- Somali - Abduh : Ehelu Kitaabow maxaad ugu murmaysaan Nabi Ibraahim Tawreed iyo Injiilba lama soo dejin gadaashiisa mooyee meydaan wax kasayn
- Hausa - Gumi : Yã Mutãnen Littãfi Don me kuke hujjacẽwa a cikin sha'anin lbrãhĩma alhãli kuwa ba a saukar da Attaura da injĩla ba fãce daga bãyansa Shin bã ku hankalta
- Swahili - Al-Barwani : Enyi Watu wa Kitabu Mbona mnabishana juu ya Ibrahim na hali Taurati na Injili hazikuteremshwa ila baada yake Basi hamzingatii
- Shqiptar - Efendi Nahi : O ithtarët e Librit Pse polemizoni për Ibrahimin kur Teurati dhe Inxhilli janë dërguar pas tij A nuk po mbusheni mend
- فارسى - آیتی : اى اهل كتاب، چرا درباره ابراهيم مجادله مىكنيد، در حالى كه تورات و انجيل بعد از او نازل شده است؟ مگر نمىانديشيد؟
- tajeki - Оятӣ : Эй аҳли китоб, чаро дар бораи Иброҳим ҷидол мекунед, дар ҳоле ки Тавроту Инҷил баъд аз ӯ нозил шуда аст? Магар намеандешед?
- Uyghur - محمد صالح : ئى ئەھلى كىتاب! (يەنى يەھۇدىيلار ۋە ناسارالار) نېمە ئۈچۈن ئىبراھىم توغرىسىدا مۇنازىرىلىشىسىلەر؟ (ئىبراھىمنى ئۆزۈڭلارنىڭ دىنىدا دەپ گۇمان قىلىسىلەر؟) ھالبۇكى، تەۋرات بىلەن ئىنجىل ئىبراھىمدىن كېيىن نازىل بولدى. (سۆزۈڭلارنىڭ ئاساسسىز ئىكەنلىكىنى) چۈشەنمەمسىلەر؟
- Malayalam - ശൈഖ് മുഹമ്മദ് കാരകുന്ന് : വേദവിശ്വാസികളേ, ഇബ്റാഹീമിന്റെ കാര്യത്തില് നിങ്ങളെന്തിനു തര്ക്കിക്കുന്നു? തൌറാത്തും ഇഞ്ചീലും അവതരിച്ചത് അദ്ദേഹത്തിനുശേഷമാണല്ലോ. നിങ്ങള് ഒട്ടും ആലോചിക്കാത്തതെന്ത്?
- عربى - التفسير الميسر : يا اصحاب الكتب المنزله من اليهود والنصارى كيف يجادل كل منكم في ان ابراهيم عليه السلام كان على ملته وما انزلت التوراه والانجيل الا من بعده افلا تفقهون خطا قولكم ان ابراهيم كان يهوديا او نصرانيا وقد علمتم ان اليهوديه والنصرانيه حدثت بعد وفاته بحين
*58). That is, both Judaism and Christianity came into existence after the Torah and the Injil had been revealed; Abraham had lived much earlier than that. Thus it can easily be grasped that the religion of Abraham could not have been that of either Judaism or Christianity. If Abraham was on the right path and had attained salvation it is obvious that one need not follow either, Judaism or Christianity in order to be on the right path and to attain salvation. (See also Surah 2, nn. 135 and 141 above.)