- عربي - نصوص الآيات عثماني : وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُۥٓ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِۦ ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَٰزَعْتُمْ فِى ٱلْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّنۢ بَعْدِ مَآ أَرَىٰكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلْءَاخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ
- عربى - نصوص الآيات : ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه ۖ حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون ۚ منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ۚ ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ۖ ولقد عفا عنكم ۗ والله ذو فضل على المؤمنين
- عربى - التفسير الميسر : ولقد حقق الله لكم ما وعدكم به من نصر، حين كنتم تقتلون الكفار في غزوة "أُحد" بإذنه تعالى، حتى إذا جَبُنتم وضعفتم عن القتال واختلفتم: هل تبقون في مواقعكم أو تتركونها لجمع الغنانم مع مَن يجمعها؟ وعصيتم أمر رسولكم حين أمركم ألا تفارفوا أماكنكم بأي حال، حلَّت بكم الهزيمة من بعد ما أراكم ما تحبون من النصر، وتبيَّن أن منكم مَن يريد الغنائم، وأن منكم مَن يطلب الآخرة وثوابها، ثم صرف الله وجوهكم عن عدوكم؛ ليختبركم، وقد علم الله ندمكم وتوبتكم فعفا عنكم، والله ذو فضل عظيم على المؤمنين.
- السعدى : وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
أي: { ولقد صدقكم الله وعده } بالنصر، فنصركم عليهم، حتى ولوكم أكتافهم، وطفقتم فيهم قتلا، حتى صرتم سببا لأنفسكم، وعونا لأعدائكم عليكم، فلما حصل منكم الفشل وهو الضعف والخور { وتنازعتم في الأمر } الذي فيه ترك أمر الله بالائتلاف وعدم الاختلاف، فاختلفتم، فمن قائل نقيم في مركزنا الذي جعلنا فيه النبي صلى الله عليه وسلم، ومن قائل: ما مقامنا فيه وقد انهزم العدو، ولم يبق محذور، فعصيتم الرسول، وتركتم أمره من بعد ما أراكم الله ما تحبون وهو انخذال أعدائكم؛ لأن الواجب على من أنعم الله عليه بما أحب، أعظم من غيره. فالواجب في هذه الحال خصوصًا، وفي غيرها عموما، امتثال أمر الله ورسوله. { منكم من يريد الدنيا } وهم الذين أوجب لهم ذلك ما أوجب، { ومنكم من يريد الآخرة } وهم الذين لزموا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبتوا حيث أمروا. { ثم صرفكم عنهم } أي: بعدما وجدت هذه الأمور منكم، صرف الله وجوهكم عنهم، فصار الوجه لعدوكم، ابتلاء من الله لكم وامتحانا، ليتبين المؤمن من الكافر، والطائع من العاصي، وليكفر الله عنكم بهذه المصيبة ما صدر منكم، فلهذا قال: { ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين } أي: ذو فضل عظيم عليهم، حيث منَّ عليهم بالإسلام، وهداهم لشرائعه، وعفا عنهم سيئاتهم، وأثابهم على مصيباتهم. ومن فضله على المؤمنين أنه لا يقدر عليهم خيرا ولا مصيبة، إلا كان خيرا لهم. إن أصابتهم سراء فشكروا جازاهم جزاء الشاكرين، وإن أصابتهم ضراء فصبروا، جازاهم جزاء الصابرين.
- الوسيط لطنطاوي : وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
قال القرطبي: قال محمد بن كعب القرطبي: لما رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة بعد أحد، وقد أصيبوا قال بعضهم لبعض: من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر؟ فنزل قوله- تعالى- وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ الآية.
وذلك أنهم قتلوا صاحب لواء المشركين وسبعة نفر منهم بعده على اللواء، وكان الظفر ابتداء للمسلمين، غير أنهم اشتغلوا بالغنيمة وترك بعض الرماة أيضا مراكزهم طلبا للغنيمة فكان ذلك سبب الهزيمة.
وقد روى البخاري عن البراء بن عازب قال: لما كان يوم أحد ولقينا المشركين أجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أناسا من الرماة وأمر عليهم عبد الله بن جبير وقال لهم: «لا تبرحوا من مكانكم. إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم قد ظهروا علينا فلا تعينونا» .
قال: فلما لقيناهم هربوا حتى رأيت النساء يشتددن الجبل- أى يسرعن الفرار- يرفعن عن سوقهن، قد بدت خلاخلهن. فجعلوا يقولون- أى الرماة- «الغنيمة.. الغنيمة» فقال لهم أميرهم عبد الله بن جبير. أمهلوا. أما عهد إليكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ألا تبرحوا أماكنكم؟ فأبوا- وانطلقوا لجمع الغنائم- فلما أتوهم صرف الله وجوههم وقتل من المسلمين سبعون رجلا» .
وصدق الوعد معناه: تحقيقه والوفاء به، الصدق: مطابقة الخبر للواقع. والمراد بهذا الوعد، ما وعد الله به المؤمنين من النصر والظفر في مثل قوله- تعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ .
وفي مثل قوله- تعالى- سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً .
وفي مثل قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم للرماة قبل أن تبدأ المعركة «لا تبرحوا أماكنكم فلن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم» .
ومعنى «تحسونهم تقتلونهم قتلا شديدا يفقدون معه حسهم وحركتهم. يقال: حسه حسا إذا قتله. وحقيقته: أصاب حاسته بآفة فأبطلها، يقال: كبده وفأده أى: أصاب كبده وفؤاده.
ومنه جراد محسوس، وهو الذي قتله البرد أو مسته النار فأهلكته.
والمعنى: ولقد حقق الله- تعالى- لكم- أيها المؤمنون- ما وعدكم به من النصر على أعدائكم إذ أيدكم في أول معركة أحد بعونه وتأييده فصرتم تقتلون المشركين قتلا ذريعا شديدا بإذنه وتيسيره ورعايته وكان حليفا لكم في أول المعركة.
و «صدق» يتعدى لاثنين أحدهما بنفسه والآخر بحرف الجر تقول: صدقت زيدا في الحديث. وقد يتعدى بنفسه إلى المفعولين كما هنا إذ المفعول الأول ضمير المخاطبين، والثاني قوله وَعْدَهُ.
وقوله إِذْ تَحُسُّونَهُمْ معمول لصدقكم أى صدقكم في هذا الوقت وهو وقت قتلهم وقوله «بإذنه» متعلق بمحذوف لأنه حال من فاعل «تحسونهم» أى تقتلونهم مأذونا لكم في ذلك.
فالجملة الكريمة تذكر المؤمنين بما كان من نصر الله- تعالى- لهم عند ما أقبلوا على معركة أحد بقلوب مخلصة، ونفوس ثابتة وعزيمة صادقة.. ثم بين- سبحانه- أما ما أصابهم من هزيمة بعد ذلك كان بسبب فشلهم وتنازعهم فقال- تعالى: حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ.
والفشل: بمعنى الجبن والضعف، يقال فشل يفشل فهو فشل وفاشل والتنازع: التخاصم والتحالف.
والمعنى: ولقد صدقكم الله وعده في النصر- أيها المؤمنون- عند ما كنتم تقاتلون أعداءكم بإيمان صادق، وإخلاص الله- تعالى- حتى إذا ضعفت نفوسكم وعجزتم عن مقاومة أهوائكم وتنازعتم فيما بينكم (أنتبع الغنائم نجمعها أم نبقى في أماكننا التي حددها الرسول صلّى الله عليه وسلّم لنا) ؟
ومال أكثركم إلى طلب الغنائم مخالفا أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم من بعد ما أراكم الله في أول المعركة من نصر مؤزر تحبونه وترجونه، ومن مغانم تتطلعون إليها بلهفة وشوق.
حتى إذا فعلتم ذلك منع الله- تعالى- عنكم نصره، وتحول نصركم إلى هزيمة وفقدتم أنفسكم وما جمعتموه من غنائم.
وهكذا نرى أن ما أصاب المسلمين في أحد من هزيمة كان بسبب فشل بعضهم وتنازعهم وعصيانهم أمر رسولهم صلّى الله عليه وسلّم وصدق الله إذ يقول: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً .
ولقد رتب الله- تعالى- ما حدث من بعض المؤمنين في غزوة أحد ترتيبا دقيقا، يتفق مع ما حصل منهم وذلك لأنهم حدث منهم- أولا- الفشل بمعنى العجز النفسي عن الثبات والصبر. ثم ترتب على ذلك أن تنازعوا فيما بينهم ونتج عن هذا التنازع أن ترك معظمهم مكانه ونزل إلى ميدان المعركة لجمع المغانم، ثم ترتب على كل ذلك معصيتهم لأمر رسولهم وقائدهم صلّى الله عليه وسلّم.
قال الجمل ما ملخصه: وقوله حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ في حتى هذه قولان:
أحدهما: أنها حرف جر بمعنى إلى وفي متعلقها حينئذ ثلاثة أوجه.
أحدها: أنها متعلقة بقوله: تَحُسُّونَهُمْ أى تقتلونهم إلى هذا الوقت.
والثاني: أنها متعلقة «بصدقكم» أى صدقكم الله وعده إلى وقت فشلكم. والثالث: أنها متعلقة بمحذوف دل عليه السياق تقديره: ودام لكم ذلك إلى وقت فشلكم.
والقول الثاني: أنها حرف ابتداء داخلة على الجملة الشرطية وإِذْ على بابها من كونها شرطية، والصحيح أن جوابها محذوف أى حتى إذا فشلتم وتنازعتم منع الله عنكم نصره» .
وقال الفخر الرازي: فإن قيل ما الفائدة في قوله مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ؟
فالجواب عنه: أن المقصود منه التنبيه على عظم المعصية، لأنهم لما شاهدوا أن الله- تعالى- «أكرمهم بإنجاز الوعد كان من حقهم أن يمتنعوا عن المعصية، فلما أقدموا عليها لا جرم سلبهم الله ذلك الإكرام وأذاقهم وبال أمرهم. وقوله مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ تفصيل للتنازع الذي كان بين الرماة، أو بين بعض أفراد المسلمين الذين اشتركوا في هذه الغزوة «2» .
أى: منكم- أيها المسلمون- من يريد الدنيا ومغانمها حتى حمله ذلك على ترك مكانه المخصص له مخالفا نصيحة قائده ورسوله صلّى الله عليه وسلّم ولو أن هذا البعض منكم خالف هواه، وحارب مطامعه، وأطاع أمر رسوله صلّى الله عليه وسلّم لتم لكم النصر، ولأتتكم الدنيا بغنائمها وهي صاغرة.
ومنكم من يريد بجهاده وعمله ثواب الآخرة وهم الذين أطاعوا أمر رسولهم صلّى الله عليه وسلّم وثبتوا إلى جانبه يدافعون عنه وعن عقيدتهم وعن أنفسهم دفاع الأبطال الصامدين وهؤلاء هم الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم ما يسعدهم في دنياهم وآخرتهم.
قال ابن جرير: قال ابن عباس: لما هزم الله المشركين يوم أحد، قال الرماة: أدركوا الناس لا يسبقوكم إلى الغنائم فتكون لهم دونكم، وقال بعضهم: لا نريم حتى يأذن لنا النبي صلّى الله عليه وسلّم فنزلت: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ.
وقال ابن مسعود: ما علمنا أن أحدا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يريد الدنيا وعرضها حتى كان يوم أحد»
وقوله ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ عطف على جواب «إذا» المقدر، وما بينهما اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه.
والتقدير: منع الله نصره عنكم بسبب فشلكم وتنازعكم ومعصيتكم لنبيكم ثم ردكم عنهم دون أن تنالوا ما تبتغون لِيَبْتَلِيَكُمْ أى ليعاملكم الله- تعالى- معاملة من يمتحن غيره، ليتميز قوى الإيمان من ضعيفه وليتبين لكم الصابر المخلص من غيره.
وجاء العطف بثم في قوله ثُمَّ صَرَفَكُمْ للإشعار بالتفاوت الكبير بين المقصد الأصلى الذي خرجوا من أجله وهو النصر والحصول على الغنيمة وبين النتيجة التي انتهوا إليها وهي العودة مقهورين.
وكان التعبير بكلمة صَرَفَكُمْ دون كلمة «هزمتم» لأن ما حدث في أحد لم يكن هزيمة وإن لم يكن نصرا. لأن الهزيمة تقتضي أن يولى المسلمون الأدبار وأن يتحكم فيهم أعداؤهم وما حدث في أحد لم يكن كذلك، وإنما كان زيادة في عدد الشهداء من المسلمين عن عدد القتلى من المشركين لأن بعض المسلمين خالفوا وصية نبيهم صلّى الله عليه وسلّم وتطلعوا إلى زهرة الدنيا وزينتها بطريقة تتعارض مع ما يقتضيه الإيمان الصادق فكان من الله- تعالى- التأديب لهم.. وفي هذا التعبير ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ تسلية لهم عما أصابهم، وتخفيف لمصابهم فكأنه- سبحانه- يقول لهم: إن ما حدث في أحد إنما هو نوع من الصرف عن الغاية التي من أجلها خرجتم لحكم من أهمها: تمييز الخبيث من الطيب، وتربيتكم على تحمل المصائب والآلام، وتأديبكم بالأدب المناسب حتى لا تعودوا مرة أخرى إلى مخالفة رسولكم صلّى الله عليه وسلّم.
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بما يمسح آلامهم ويذهب الحسرة من قلوبهم فقال- تعالى- وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
أى: ولقد عفا- سبحانه- عما صدر منكم تفضلا منه وكرما، والله تعالى هو صاحب الفضل المطلق الدائم على المؤمنين.
ولقد أكد- سبحانه- هذا العفو باللام وبقد وبالتعبير بالماضي، ليفتح أمامهم طريق الأمل، وليحفزهم على التوبة الصادقة والإيمان العميق، حتى لا ييأسوا من رحمة الله.
والتذييل بقوله وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مؤكد لمضمون ما قبله.
قال الآلوسى: «إيذان بأن ذلك العفو، ولو كان بعد التوبة، بطريق التفضل لا الوجوب أى: شأنه أن يتفضل عليهم بالعفو في جميع الأحوال أديل لهم أو أديل عليهم، إذ الابتلاء أيضا رحمة»
فأنت ترى أن الآية الكريمة قد ذكرت المؤمنين بأن الله- تعالى- قد حقق وعده معهم في أول المعركة بأن سلطهم على المشركين يقتلونهم بتأييده ورعايته قتلا ذريعا فلما صدر من بعض المؤمنين الفشل والتنازع والعصيان منع الله عنهم عونه وصرفهم عن الغاية التي كانوا يتمنونها ليتميز الخبيث من الطيب ومع ذلك فقد عفا الله عما صدر منهم من أخطاء لأنه هو صاحب الفضل الدائم على المؤمنين.
- البغوى : وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
قوله تعالى : ( ولقد صدقكم الله وعده ) قال محمد بن كعب القرظي : لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة من أحد وقد أصابهم ما أصابهم ، قال ناس من أصحابه : من أين أصابنا هذا؟ وقد وعدنا الله النصر فأنزل الله تعالى :
( ولقد صدقكم الله وعده ) بالنصر والظفر وذلك أن النصر والظفر كان للمسلمين في الابتداء ، ( إذ تحسونهم بإذنه ) وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل أحدا خلف ظهره واستقبل المدينة وجعل عينين ، وهو جبل عن يساره وأقام عليه الرماة وأمر عليهم عبد الله بن جبير وقال لهم : احموا ظهورنا فإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا ، وأقبل المشركون فأخذوا في القتال فجعل الرماة يرشقون خيل المشركين بالنبل والمسلمون يضربونهم بالسيوف ، حتى ولوا هاربين فذلك قوله تعالى ( إذ تحسونهم بإذنه ) أي تقتلونهم قتلا ذريعا بقضاء الله .
قال أبو عبيدة : الحس : هو الاستئصال بالقتل .
( حتى إذا فشلتم ) أي : إن جبنتم وقيل : معناه فلما فشلتم ، ( وتنازعتم في الأمر وعصيتم ) والواو زائدة في ( وتنازعتم ) يعني : حتى إذا فشلتم تنازعتم ، وقيل : فيه تقديم وتأخير تقديره : حتى إذا تنازعتم في الأمر وعصيتم فشلتم ومعنى التنازع الاختلاف .
وكان اختلافهم أن الرماة اختلفوا حين انهزم المشركون فقال بعضهم : انهزم القوم فما مقامنا؟ وأقبلوا على الغنيمة وقال بعضهم : لا تجاوزوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت عبد الله بن جبير في نفر يسير دون العشرة .
فلما رأى خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل ذلك حملوا على الرماة فقتلوا عبد الله بن جبير وأصحابه ، وأقبلوا على المسلمين وحالت الريح فصارت دبورا بعد ما كانت صبا وانتقضت صفوف المسلمين واختلطوا فجعلوا يقتلون على غير شعار يضرب بعضهم بعضا ما يشعرون من الدهش ، ونادى إبليس أن محمدا قد قتل وكان ذلك سبب الهزيمة للمسلمين .
قوله تعالى : ( وعصيتم ) يعني : الرسول صلى الله عليه وسلم وخالفتم أمره ، ( من بعد ما أراكم ) الله ( ما تحبون ) يا معشر المسلمين من الظفر والغنيمة ، ( منكم من يريد الدنيا ) يعني : الذين تركوا المركز وأقبلوا على النهب ، ( ومنكم من يريد الآخرة ) يعني : الذين ثبتوا مع عبد الله بن جبير حتى قتلوا قال عبد الله بن مسعود : ما شعرت أن أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى كان يوم أحد ونزلت هذه الآية ( ثم صرفكم عنهم ) أي : ردكم عنهم بالهزيمة ، ( ليبتليكم ) ليمتحنكم وقيل : لينزل البلاء عليكم ( ولقد عفا عنكم ) يستأصلكم بعد المعصية والمخالفة ، ( والله ذو فضل على المؤمنين ) .
- ابن كثير : وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
( ولقد صدقكم الله وعده ) أي : أول النهار ( إذ تحسونهم ) أي : تقتلونهم ( بإذنه ) أي : بتسليطه إياكم عليهم ( حتى إذا فشلتم ) وقال ابن جريج : قال ابن عباس : الفشل الجبن ، ( وتنازعتم في الأمر وعصيتم ) كما وقع للرماة ( من بعد ما أراكم ما تحبون ) وهو الظفر منهم ( منكم من يريد الدنيا ) وهم الذين رغبوا في المغنم حين رأوا الهزيمة ( ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ) ثم أدالهم عليكم ليختبركم ويمتحنكم ( ولقد عفا عنكم ) أي : غفر لكم ذلك الصنيع ، وذلك - والله أعلم - لكثرة عدد العدو وعددهم ، وقلة عدد المسلمين وعددهم .
قال ابن جريج : قوله : ( ولقد عفا عنكم ) قال : لم يستأصلكم . وكذا قال محمد بن إسحاق ، رواهما ابن جرير ( والله ذو فضل على المؤمنين ) .
وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن عبيد الله عن ابن عباس أنه قال : ما نصر الله في موطن كما نصره يوم أحد . قال : فأنكرنا ذلك ، فقال ابن عباس : بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله ، إن الله يقول في يوم أحد : ( ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه ) يقول ابن عباس : والحس : القتل ( حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ) الآية وإنما عنى بهذا الرماة ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامهم في موضع ، ثم قال : " احموا ظهورنا ، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا . فلما غنم النبي صلى الله عليه وسلم وأباحوا عسكر المشركين أكبت الرماة جميعا [ ودخلوا ] في العسكر ينهبون ، ولقد التقت صفوف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهم هكذا - وشبك بين يديه - وانتشبوا ، فلما أخل الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها ، دخلت الخيل من ذلك الموضع على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فضرب بعضهم بعضا والتبسوا ، وقتل من المسلمين ناس كثير ، وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أول النهار ، حتى قتل من أصحاب لواء المشركين سبعة أو تسعة ، وجال المسلمون جولة نحو الجبل ولم يبلغوا - حيث يقول الناس - الغار ، إنما كان تحت المهراس ، وصاح الشيطان : قتل محمد ، فلم يشك فيه أنه حق ، فما زلنا كذلك ما نشك أنه حق ، حتى طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين السعدين ، نعرفه بتلفته إذا مشى - قال : ففرحنا حتى كأنه لم يصبنا ما أصابنا - قال : فرقي نحونا وهو يقول : " اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسول الله " . ويقول مرة أخرى : " اللهم إنه ليس لهم أن يعلونا " . حتى انتهى إلينا ، فمكث ساعة ، فإذا أبو سفيان يصيح في أسفل الجبل : اعل هبل ، مرتين - يعني آلهته - أين ابن أبي كبشة ؟ أين ابن أبي قحافة ؟ أين ابن الخطاب ؟ فقال عمر : يا رسول الله ، ألا أجيبه ؟ قال : " بلى " قال : فلما قال : اعل هبل . قال عمر : الله أعلى وأجل . فقال أبو سفيان : قد أنعمت عينها فعاد عنها أو : فعال ! فقال : أين ابن أبي كبشة ؟ أين ابن أبي قحافة ؟ أين ابن الخطاب ؟ فقال عمر : هذا رسول الله ، وهذا أبو بكر ، وها أنا ذا عمر . قال : فقال أبو سفيان : يوم بيوم بدر ، الأيام دول ، وإن الحرب سجال . قال : فقال عمر : لا سواء ، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار . قال إنكم تزعمون ذلك ، لقد خبنا إذا وخسرنا ، ثم قال أبو سفيان : إنكم ستجدون في قتلاكم مثلة ولم يكن ذلك على رأي سراتنا . قال : ثم أدركته حمية الجاهلية فقال : أما إنه إن كان ذلك لم نكرهه .
هذا حديث غريب ، وسياق عجيب ، وهو من مرسلات ابن عباس ، فإنه لم يشهد أحدا ولا أبوه .
وقد أخرجه الحاكم في مستدركه عن أبي النضر الفقيه ، عن عثمان بن سعيد ، عن سليمان بن داود بن علي بن عبد الله بن عباس ، به . وهكذا رواه ابن أبي حاتم والبيهقي في دلائل النبوة ، من حديث سليمان بن داود الهاشمي ، به ولبعضه شواهد في الصحاح وغيرها ، فقال الإمام أحمد :
حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، حدثنا عطاء بن السائب عن الشعبي ، عن ابن مسعود قال : إن النساء كن يوم أحد ، خلف المسلمين ، يجهزن على جرحى المشركين ، فلو حلفت يومئذ رجوت أن أبر : أنه ليس أحد منا يريد الدنيا ، حتى أنزل الله عز وجل : ( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ) فلما خالف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وعصوا ما أمروا به ، أفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم في تسعة : سبعة من الأنصار ، ورجلين من قريش ، وهو عاشرهم ، فلما رهقوه [ قال : "
رحم الله رجلا ردهم عنا " . قال : فقام رجل من الأنصار فقاتل ساعة حتى قتل ، فلما رهقوه ] أيضا قال : " رحم الله رجلا ردهم عنا " . فلم يزل يقول ذا حتى قتل السبعة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبه : " ما أنصفنا أصحابنا " .فجاء أبو سفيان فقال : اعل هبل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
قولوا : الله أعلى وأجل " . فقالوا : الله أعلى وأجل . فقال أبو سفيان : لنا العزى ولا عزى لكم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا : " الله مولانا ، والكافرون لا مولى لهم " . ثم قال أبو سفيان : يوم بيوم بدر ، يوم علينا ويوم لنا ويوم نساء ويوم نسر . حنظلة بحنظلة ، وفلان بفلان ، وفلان بفلان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا سواء . أما قتلانا فأحياء يرزقون ، وقتلاكم في النار يعذبون " . قال أبو سفيان : قد كان في القوم مثلة ، وإن كانت لعن غير ملأ منا ، ما أمرت ولا نهيت ، ولا أحببت ولا كرهت ، ولا ساءني ولا سرني . قال : فنظروا فإذا حمزة قد بقر بطنه ، وأخذت هند كبده فلاكتها فلم تستطع أن تأكلها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكلت شيئا ؟ " قالوا : لا . قال : " ما كان الله ليدخل شيئا من حمزة في النار " .قال : فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة فصلى عليه ، وجيء برجل من الأنصار فوضع إلى جنبه فصلى عليه ، فرفع الأنصاري وترك حمزة ، ثم جيء بآخر فوضعه إلى جنب حمزة فصلى [ عليه ] ثم رفع وترك حمزة ، حتى صلى عليه يومئذ سبعين صلاة .
تفرد به أحمد أيضا .
وقال البخاري : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق : عن البراء قال : لقينا المشركين يومئذ ، وأجلس النبي صلى الله عليه وسلم جيشا من الرماة ، وأمر عليهم عبد الله - يعني ابن جبير - وقال : "
لا تبرحوا إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا ، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا " . فلما لقيناهم هربوا ، حتى رأينا النساء يشتددن في الجبل ، رفعن عن سوقهن ، وقد بدت خلاخلهن ، فأخذوا يقولون : الغنيمة الغنيمة . فقال عبد الله : عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم ألا تبرحوا . فأبوا ، فلما أبوا صرف وجوههم ، فأصيب سبعون قتيلا فأشرف أبو سفيان فقال : أفي القوم محمد ؟ فقال : " لا تجيبوه " . فقال : أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ فقال : " لا تجيبوه " . فقال : أفي القوم ابن الخطاب ؟ فقال : إن هؤلاء قد قتلوا ، فلو كانوا أحياء لأجابوا . فلم يملك عمر نفسه فقال : كذبت يا عدو الله ، قد أبقى الله لك ما يحزنك فقال أبو سفيان : اعل هبل . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أجيبوه " . قالوا : ما نقول ؟ قال : " قولوا : الله أعلى وأجل " . فقال أبو سفيان : لنا العزى ولا عزى لكم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أجيبوه " . قالوا : ما نقول ؟ قال : " قولوا : الله مولانا ، ولا مولى لكم " . قال أبو سفيان : يوم بيوم بدر ، والحرب سجال ، وتجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني .تفرد به البخاري من هذا الوجه ، ثم رواه عن عمرو بن خالد ، عن زهير بن معاوية عن أبي إسحاق ، عن البراء ، بنحوه وسيأتي بأبسط من هذا .
وقال البخاري أيضا : حدثنا عبيد الله بن سعيد ، حدثنا أبو أسامة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : لما كان يوم أحد هزم المشركون ، فصرخ إبليس : أي عباد الله ، أخراكم . فرجعت أولادهم فاجتلدت هي وأخراهم ، فبصر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان ، فقال : أي عباد الله ، أبي أبي . قال : قالت : فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه ، فقال حذيفة : يغفر الله لكم . قال عروة : فوالله ما زالت في حذيفة بقية خير حتى لقي الله عز وجل .
وقال محمد بن إسحاق : حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن جده أن الزبير بن العوام قال : والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم [ هند ] وصواحباتها مشمرات هوارب ما دون أخذهن كثير ولا قليل ومالت الرماة إلى العسكر حين كشفنا القوم عنه ، يريدون النهب وخلوا ظهورنا للخيل فأتتنا من أدبارنا ، وصرخ صارخ : ألا إن محمدا قد قتل . فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب اللواء ، حتى ما يدنو منه أحد من القوم .
قال محمد بن إسحاق : فلم يزل لواء المشركين صريعا ، حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية ، فدفعته لقريش فلاثوا به ، وقال السدي عن عبد خير قال : قال عبد الله بن مسعود قال : ما كنت أرى أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى نزلت فينا ما نزل يوم أحد ( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة )
وقد روي من غير وجه عن ابن مسعود ، وكذا روي عن عبد الرحمن بن عوف وأبي طلحة ، رواهن ابن مردويه في تفسيره .
وقوله : ( ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ) قال ابن إسحاق : حدثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع ، أحد بني عدي بن النجار قال : انتهى أنس بن النضر ، عم أنس بن مالك ، إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله ، في رجال من المهاجرين والأنصار ، قد ألقوا بأيديهم فقال : ما يخليكم ؟ فقالوا : قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فما تصنعون بالحياة بعده ؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه . ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل .
وقال البخاري : حدثنا حسان بن حسان ، حدثنا محمد بن طلحة ، حدثنا حميد ، عن أنس بن مالك : أن عمه - يعني أنس بن النضر - غاب عن بدر فقال : غبت عن أول قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لئن أشهدني الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرين الله ما أجد فلقي يوم أحد ، فهزم الناس ، فقال : اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني المسلمين - وأبرأ إليك مما جاء به المشركون ، فتقدم بسيفه فلقي سعد بن معاذ فقال : أين يا سعد ؟ إني أجد ريح الجنة دون أحد . فمضى فقتل ، فما عرف حتى عرفته أخته ببنانه بشامة وبه بضع وثمانون من طعنة وضربة ورمية بسهم .
هذا لفظ البخاري وأخرجه مسلم من حديث ثابت عن أنس ، بنحوه .
وقال البخاري [ أيضا ] حدثنا عبدان ، أخبرنا أبو حمزة عن عثمان بن موهب قال : جاء رجل حج البيت ، فرأى قوما جلوسا ، فقال : من هؤلاء القعود ؟ قالوا : هؤلاء قريش . قال : من الشيخ ؟ قالوا : ابن عمر . فأتاه فقال : إني سائلك عن شيء فحدثني . قال : أنشدك بحرمة هذا البيت أتعلم أن عثمان بن عفان فر يوم أحد ؟ قال : نعم . قال : فتعلمه تغيب عن بدر فلم يشهدها ؟ قال : نعم . قال : فتعلم أنه تخلف عن بيعة الرضوان فلم يشهدها ؟ قال : نعم . قال : فكبر ، فقال ابن عمر : تعال لأخبرك ولأبين لك عما سألتني عنه . أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه ، وأما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته بنت النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت مريضة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه " . وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه ، فبعث عثمان ، فكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى : " هذه يد عثمان " . فضرب بها على يده ، فقال : " هذه يد عثمان اذهب بها الآن معك " .ثم رواه البخاري من وجه آخر عن أبي عوانة عن عثمان بن عبد الله بن موهب .
- القرطبى : وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
قوله تعالى : ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين
قال محمد بن كعب القرظي : لما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة بعد أحد وقد أصيبوا قال بعضهم لبعض : من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر ! فنزلت هذه الآية . وذلك أنهم قتلوا صاحب لواء المشركين وسبعة نفر منهم بعده على اللواء ، وكان الظفر ابتداء للمسلمين غير أنهم اشتغلوا بالغنيمة ، وترك بعض الرماة أيضا مركزهم طلبا للغنيمة فكان ذلك سبب الهزيمة . روى البخاري عن البراء بن عازب قال : لما كان يوم أحد ولقينا المشركين أجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أناسا من الرماة وأمر عليهم عبد الله بن جبير وقال لهم : ( لا تبرحوا من مكانكم إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا وإن رأيتموهم قد ظهروا علينا فلا تعينونا عليهم ) قال : فلما التقى القوم وهزمهم المسلمون حتى نظرنا إلى النساء يشتددن في الجبل ، وقد رفعن عن سوقهن قد بدت خلاخلهن فجعلوا يقولون : الغنيمة الغنيمة . فقال لهم عبد الله : أمهلوا ! أما عهد إليكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا تبرحوا ، فانطلقوا فلما أتوهم صرف الله وجوههم وقتل من المسلمين سبعون رجلا . ثم إن أبا سفيان بن حرب أشرف علينا وهو في نشز فقال : أفي القوم محمد ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تجيبوه ) حتى قالها ثلاثا . ثم قال : أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ ثلاثا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تجيبوه ) ثم قال : أفي القوم عمر بن الخطاب ؟ ثلاثا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تجيبوه ) ثم التفت إلى أصحابه فقال : أما هؤلاء فقد قتلوا . فلم يملك عمر - رضي الله عنه - نفسه دون أن قال : كذبت يا عدو الله ! قد أبقى الله لك من يخزيك به . فقال : اعل هبل ; مرتين . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( أجيبوه ) فقالوا : ما نقول يا رسول الله ؟ قال : ( قولوا الله أعلى وأجل ) . قال أبو سفيان : لنا العزى ولا عزى لكم . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( أجيبوه ) . قالوا : ما نقول يا رسول الله ؟ قال : قولوا ( الله مولانا ولا مولى لكم ) . قال أبو سفيان : يوم بيوم بدر ، والحرب سجال ، أما إنكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني . وفي البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص قال : رأيت عن يمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد القتال . وفي رواية عن سعد : عليهما ثياب بيض ما رأيتهما قبل ولا بعد . يعني جبريل وميكائيل . وفي رواية أخرى : يقاتلان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد القتال ما رأيتهما قبل ذلك اليوم ولا بعده . وعن مجاهد قال : لم تقاتل الملائكة معهم يومئذ ، ولا قبله ولا بعده إلا يوم بدر . قال البيهقي : إنما أراد مجاهد أنهم لم يقاتلوا يوم أحد عن القوم حين عصوا الرسول ولم يصبروا على ما أمرهم به . وعن عروة بن الزبير قال : وكان الله عز وجل وعدهم على الصبر والتقوى أن يمدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين : وكان قد فعل ; فلما عصوا أمر الرسول وتركوا مصافهم وتركوا الرماة عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم ألا يبرحوا من منازلهم ، وأرادوا الدنيا ، رفع عنهم مدد الملائكة ، وأنزل الله تعالى : ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه فصدق الله وعده وأراهم الفتح ، فلما عصوا أعقبهم البلاء . وعن عمير بن إسحاق قال : لما كان يوم أحد انكشفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسعد يرمي بين يديه ، وفتى ينبل له ، كلما ذهبت نبلة أتاه بها . قال ارم أبا إسحاق . فلما فرغوا نظروا من الشاب ؟ فلم يروه ولم يعرفوه . وقال محمد بن كعب : ولما قتل صاحب لواء المشركين وسقط لواؤهم ، رفعته عمرة بنت علقمة الحارثية ; وفي ذلك يقول حسان :
فلولا لواء الحارثية أصبحوا يباعون في الأسواق بيع الجلائب
و تحسونهم معناه تقتلونهم وتستأصلونهم ; قال الشاعر :
حسسناهم بالسيف حسا فأصبحت بقيتهم قد شردوا وتبددوا
وقال جرير :
تحسهم السيوف كما تسامى حريق النار في الأجم الحصيد
قال أبو عبيد : الحس الاستئصال بالقتل ; يقال : جراد محسوس إذا قتله البرد . والبرد محسة للنبت . أي محرقة له ذاهبة به . وسنة حسوس أي جدبة تأكل كل شيء ; قال رؤبة :
إذا شكونا سنة حسوسا تأكل بعد الأخضر اليبيسا
وأصله من الحس الذي هو الإدراك بالحاسة . فمعنى حسه أذهب حسه بالقتل . بإذنه بعلمه ، أو بقضائه وأمره . حتى إذا فشلتم أي جبنتم وضعفتم . يقال فشل يفشل فهو فشل وفشل . وجواب " حتى " محذوف ، أي حتى إذا فشلتم امتحنتم . ومثل هذا جائز كقوله : فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فافعل . وقال الفراء : جواب حتى ، وتنازعتم والواو مقحمة زائدة ; كقوله فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أي ناديناه . وقال امرؤ القيس :
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى
أي انتحى . وعند هؤلاء يجوز إقحام الواو من وعصيتم . أي حتى إذا فشلتم وتنازعتم عصيتم . وعلى هذا فيه تقديم وتأخير ، أي حتى إذا تنازعتم وعصيتم فشلتم . وقال أبو علي : يجوز أن يكون الجواب صرفكم عنهم ، و " ثم " زائدة ، والتقدير حتى إذا فشلتم وتنازعتم وعصيتم صرفكم عنهم وقد أنشد بعض النحويين في زيادتها قول الشاعر :
أراني إذا ما بت بت على هوى فثم إذا أصبحت أصبحت عاديا
وجوز الأخفش أن تكون زائدة ; كما في قوله تعالى : حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم . وقيل : ( حتى ) بمعنى " إلى " وحينئذ لا جواب له ; أي صدقكم الله وعده إلى أن فشلتم ، أي كان ذلك الوعد بشرط الثبات .
ومعنى وتنازعتم اختلفتم ; يعني الرماة حين قال بعضهم لبعض : نلحق الغنائم . وقال بعضهم : بل نثبت في مكاننا الذي أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بالثبوت فيه .
وعصيتم أي خالفتم أمر الرسول في الثبوت . من بعد ما أراكم ما تحبون يعني من الغلبة التي كانت للمسلمين يوم أحد أول أمرهم ; وذلك حين صرع صاحب لواء المشركين على ما تقدم ، وذلك أنه لما صرع انتشر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وصاروا كتائب متفرقة فحاسوا العدو ضربا حتى أجهضوهم عن أثقالهم . وحملت خيل المشركين على المسلمين ثلاث مرات كل ذلك تنضح بالنبل فترجع مغلوبة ، وحمل المسلمون فنهكوهم قتلا . فلما أبصر الرماة الخمسون أن الله عز وجل قد فتح لإخوانهم قالوا : والله ما نجلس ههنا لشيء ، قد أهلك الله العدو وإخواننا في عسكر المشركين . وقال طوائف منهم : علام نقف وقد هزم الله العدو ؟ فتركوا منازلهم التي عهد إليهم النبي صلي الله عليه وسلم ألا يتركوها ، وتنازعوا وفشلوا وعصوا الرسول فأوجفت الخيل فيهم قتلا . وألفاظ الآية تقتضي التوبيخ لهم ، ووجه التوبيخ لهم أنهم رأوا مبادئ النصر ، فكان الواجب أن يعلموا أن تمام النصر في الثبات لا في الانهزام . ثم بين سبب التنازع . فقال : منكم من يريد الدنيا يعني الغنيمة . قال ابن مسعود : ما شعرنا أن أحدا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد الدنيا وعرضها حتى كان يوم أحد . ومنكم من يريد الآخرة وهم الذين ثبتوا في مركزهم ، ولم يخالفوا أمر نبيهم - صلى الله عليه وسلم - مع أميرهم عبد الله بن جبير ; فحمل خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل عليه ، وكانا يومئذ كافرين فقتلوه مع من بقي ، رحمهم الله . والعتاب مع من انهزم لا مع من ثبت ، فإن من ثبت فاز بالثواب ، وهذا كما أنه إذا حل بقوم عقوبة عامة فأهل الصلاح والصبيان يهلكون ; ولكن لا يكون ما حل بهم عقوبة ، بل هو سبب المثوبة ، والله أعلم .
قوله تعالى : ثم صرفكم عنهم ليبتليكم أي بعد أن استوليتم عليهم ردكم عنهم بالانهزام . ودل هذا على أن المعصية مخلوقة لله تعالى . وقالت المعتزلة : المعنى ثم انصرفتم ; فإضافته إلى الله تعالى بإخراجه الرعب من قلوب الكافرين من المسلمين ابتلاء لهم . قال القشيري : وهذا لا يغنيهم ; لأن إخراج الرعب من قلوب الكافرين حتى يستخفوا بالمسلمين قبيح ولا يجوز عندهم ، أن يقع من الله قبيح ، فلا يبقى لقوله : ثم صرفكم عنهم معنى . وقيل : معنى صرفكم عنهم أي لم يكلفكم طلبهم .
قوله تعالى : ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين أي لم يستأصلكم بعد المعصية والمخالفة . والخطاب قيل هو للجميع . وقيل : هو للرماة الذين خالفوا ما أمروا به ، واختاره النحاس . وقال أكثر المفسرين : ونظير هذه الآية قوله : ثم عفونا عنكم . والله ذو فضل على المؤمنين بالعفو والمغفرة . وعن ابن عباس قال : ما نصر النبي - صلى الله عليه وسلم - في موطن كما نصر يوم أحد ، قال : وأنكرنا ذلك ، فقال ابن عباس : بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله عز وجل ، إن الله عز وجل يقول في يوم أحد : ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه - يقول ابن عباس : والحس القتل - حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين وإنما عنى بهذا الرماة . وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقامهم في موضع ثم قال : ( احموا ظهورنا فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا ) . فلما غنم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأباحوا عسكر المشركين انكفأت الرماة جميعا فدخلوا في العسكر ينتهبون ، وقد التقت صفوف أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فهم هكذا - وشبك أصابع يديه - والتبسوا . فلما أخل الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها دخلت الخيل من ذلك الموضع على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضرب بعضهم بعضا والتبسوا ، وقتل من المسلمين ناس كثير ، وقد كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أول النهار حتى قتل من أصحاب لواء المشركين سبعة أو تسعة ، وجال المسلمون نحو الجبل ، ولم يبلغوا حيث يقول الناس : الغار ، إنما كانوا تحت المهراس وصاح الشيطان : قتل محمد . فلم يشك فيه أنه حق ، فما زلنا كذلك ما نشك أنه قتل حتى طلع علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين السعدين ، نعرفه بتكفئه إذا مشى . قال : ففرحنا حتى كأنا لم يصبنا ما أصابنا . قال : فرقي نحونا وهو يقول : ( اشتد غضب الله على قوم دموا وجه نبيهم ) . وقال كعب بن مالك : أنا كنت أول من عرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المسلمين ; عرفته بعينيه من تحت المغفر تزهران فناديت بأعلى صوتي : يا معشر المسلمين ! أبشروا ، هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أقبل . فأشار إلي أن اسكت .
- الطبرى : وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
القول في تأويل قوله : وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ
قال أبو جعفر: يعني بقوله تعالى ذكره: " ولقد صدقكم الله "، أيها المؤمنون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بأحُد وعدَه الذي وعدهم على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
و " الوعد " الذي كان وعدَهم على لسانه بأحد، قوله للرماة: " اثبتوا مكانكم ولا تبرحوا، وإن رأيتمونا قد هزمناهم، فإنا لن نـزال غالبين ما ثبتم مكانكم ". وكان وعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم النصر يومئذ إن انتهوا إلى أمره، كالذي:-
8004- حدثنا محمد قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: لما برز رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين بأحد، أمر الرماة، فقاموا بأصل الجبل في وجوه خيل المشركين وقال: " لا تبرحوا مكانكم إن رأيتمونا قد هزمناهم، فإنا لن نـزال غالبين ما ثبتم مكانكم،" وأمَّر عليهم عبد الله بن جبير، أخا خوّات بن جبير. ثم إنّ طلحة بن عثمان، صاحب لواء المشركين، قام فقال: يا معشر أصحاب محمد، إنكم تزعمون أن الله يعجِّلنا بسيوفكم إلى النار، ويعجِّلكم بسيوفنا إلى الجنة! فهل منكم أحد يعجِّله الله بسيفي إلى الجنة! أو يعجِّلني بسيفه إلى النار؟ فقام إليه علي بن أبي طالب فقال: والذي نفسي بيده، لا أفارقك حتى يعجِّلك الله بسيفي إلى النار، أو يعجِّلني بسيفك إلى الجنة! فضربه علي فقطع رجلَه، فسقط، فانكشفت عورته، فقال: أنشدك الله والرحم، ابنَ عم! فتركه. فكبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لعليّ أصحابه: ما منعك أن تجهز عليه؟ قال: إنّ ابن عمي ناشدني حين انكشفت عورته، فاستحييت منه.
= ثم شد الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود على المشركين فهزماهم، وحمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهزموا أبا سفيان. فلما رأى ذلك خالد بن الوليد وهو على خيل المشركين حمل، (10) فرمته الرماة، فانقمع. فلما نظر الرماة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في جوف عسكر المشركين ينتهبونه، بادروا الغنيمة، فقال بعضهم: لا نترك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم!. فانطلق عامتهم فلحقوا بالعسكر. فلما رأى خالد قلة الرماة صاح في خيله، ثم حمل فقتل الرماة، ثم حمل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. فلما رأى المشركون أنّ خيلهم تقاتل، تنادوا فشَدُّوا على المسلمين فهزموهم وقتلوهم. (11) .
8005- حدثنا هارون بن إسحاق قال، حدثنا مصعب بن المقدام قال، حدثنا إسرائيل قال، حدثنا أبو إسحاق، عن البراء قال: لما كان يوم أحُد ولقينا المشركين، أجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا بإزاء الرماة، وأمَّر عليهم عبد الله بن جبير، أخا خوات بن جبير، وقال لهم: " لا تبرحوا مكانكم، إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تُعينونا ". فلما التقى القوم، هُزم المشركون حتى رأيت النساء قد رفعن عن سوقهن وبدت خلاخلهنّ، فجعلوا يقولون: " الغنيمة، الغنيمة "! قال عبد الله: مهلا! أما علمتم ما عهدَ إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم! فأبوا، فانطلقوا، فلما أتوهم صرف الله وجوههم، فأصيب من المسلمين سبعون قتيلا.
8006- حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء، بنحوه. (12)
8007- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسُّونهم بإذنه "، فإن أبا سفيان أقبل في ثلاث ليال خلون من شوّال حتى نـزل أحدًا، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذَّن في الناس، فاجتمعوا، وأمَّر على الخيل الزبير بن العوام، ومعه يومئذ المقداد بن الأسود الكندي. وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء رجلا من قريش يقال له: مصعب بن عمير. وخرج حمزة بن عبد المطلب بالحسَّر، (13) وبعث حمزة بين يديه. وأقبل خالد بن الوليد على خيل المشركين ومعه عكرمة بن أبي جهل. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير وقال: " استقبل خالد بن الوليد فكن بإزائه حتى أوذنك ". وأمر بخيل أخرى، فكانوا من جانب آخر، فقال: " لا تبرحوا حتى أوذنكم ". وأقبل أبو سفيان يحمل اللات والعزى، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الزبير أن يحمل، فحمل على خالد بن الوليد فهزمه ومن معه، كما قال: " ولقد صدقكم الله وعده إذ تحُسُّونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبُّون "، وإنّ الله وعد المؤمنين أن ينصرهم وأنه معهم. (14)
8008- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري، ومحمد بن يحيى بن حبان، (15) وعاصم بن عمر بن قتادة، والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، وغيرهم من علمائنا -في قصة ذكرها عن أحد- ذكر أن كلهم قد حدَّث ببعضها، وأن حديثهم اجتمع فيما ساق من الحديث، فكان فيما ذكر في ذلك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نـزل الشعب من أحُد في عُدوة الوادي إلى الجبل، فجعل ظهره وعسكره إلى أحُد، وقال: " لا يقاتلنَّ أحدٌ، حتى نأمره بالقتال ". (16) وقد سرَّحت قريش الظهر والكُراع، (17) في زروع كانت بالصَّمغة من قناة للمسلمين، (18) فقال رجل من الأنصار حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتال: أترعى زروع بني قيلة ولما نُضارِب! (19) وتعبَّأ رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال وهو في سبعمئة رجل، (20) وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف، (21) ومعهم مائتا فرس قد جَنَبوها، (22) فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل. وأمرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة عبد الله بن جبير، أخا بني عمرو بن عوف، وهو يومئذ مُعلم بثياب بيض، والرماةُ خمسون رجلا وقال: " انضح عنا الخيل بالنبل، لا يأتونا من خلفنا! إن كانت لنا أو علينا فأثبت مكانك، لا نؤتيَنَّ من قبلك ". (23) فلما التقى الناس ودنا بعضهم من بعض. (24) واقتتلوا، حتى حميت الحرب، وقاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس، وحمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبى طالب، في رجال من المسلمين. فأنـزل الله عز وجل نصره وصدقهم وعده، فحسُّوهم بالسيوف حتى كشفوهم، وكانت الهزيمةَ لا شك فيها. (25)
8009- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عبّاد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن جده قال، قال الزبير: والله لقد رأيتُني أنظر إلى خَدَم هند ابنة عتبة وصواحبها مشمِّرات هوارب، (26) ما دون إحداهن قليلٌ ولا كثير، إذ مالت الرماة إلى العسكر حين كشفنا القومَ عنه يريدون النهب، وخلَّوا ظهورنا للخيل، فأتينا من أدبارنا. وصرخ صارخٌ: " ألا إنّ محمدًا قد قُتل "! فانكفأنا، وأنكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب اللواء، (27) حتى ما يدنو منه أحدٌ من القوم. (28)
8010- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق في قوله: " ولقد صدقكم الله وعده "، أي: لقد وفَيتُ لكم بما وعدتكم من النصر على عدوكم. (29)
8011- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قوله: " ولقد صدقكم الله وعده "، وذلك يوم أحد، قال لهم: " إنكم ستظهرون، فلا أعرِفنَّ ما أصبتم من غنائمهم شيئًا، (30) حتى تفرُغوا "! فتركوا أمر نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وعصوا، ووقعوا في الغنائم، ونسوا عَهْده الذي عَهِده إليهم، وخالفوا إلى غير ما أمرهم به. (31)
* * *
القول في تأويل قوله : إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ولقد وَفَى الله لكم، أيها المؤمنون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بما وعدكم من النصر على عدوكم بأحُد، حين " تحُسُّونهم "، يعني: حين تقتلونهم.
* * *
يقال منه: " حسَّه يَحُسُّه حسًا "، إذا قتله، (32) كما:-
8012- حدثني محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي قال، حدثنا يعقوب بن عيسى قال، حدثني عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، عن محمد بن عبد العزيز، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عوف في قوله: " إذ تحُسُّونهم بإذنه "، قال: الحسُّ: القتل. (33)
8013- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرنا ابن أبي الزناد، عن أبيه قال: سمعت عبيد الله بن عبد الله يقول في قول الله عز وجل: " إذ تحسُّونهم "، قال: القتل.
8014- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " إذ تحسونهم بإذنه "، قال: تقتلونهم.
* * *
8015- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: " ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم "، أي: قتلا بإذنه.
8016- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " إذ تحسونهم "، يقول: إذ تقتلونهم.
8017- حدثت عن عمار، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " إذ تحسونهم بإذنه "، والحس القتل.
8018- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه "، يقول: تقتلونهم.
8019- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " إذ تحسونهم " بالسيوف: أي القتل. (34)
8020- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن مبارك، عن الحسن: " إذ تحسونهم بإذنه "، يعني: القتل.
8021- حدثني علي بن داود قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: قوله: " إذ تحسونهم بإذنه "، يقول: تقتلونهم.
* * *
وأما قوله: " بإذنه "، فإنه يعني: بحكمي وقضائي لكم بذلك، وتسليطي إياكم عليهم، (35) كما:-
8022- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة عن ابن إسحاق: إذ تحسونهم بإذني، وتسليطي أيديكم عليهم، وكفِّي أيديهم عنكم. (36)
* * *
القول في تأويل قوله : حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " حتى إذا فشلتم "، حتى إذا جبنتم وضعفتم (37) =" وتنازعتم في الأمر "، يقول: واختلفتم في أمر الله، يقول: وعصيتم وخالفتم نبيكم، فتركتم أمره وما عهد إليكم. وإنما يعني بذلك الرماة الذين كان أمرَهم صلى الله عليه وسلم بلزوم مركزهم ومقعدهم من فم الشِّعب بأحُد بإزاء خالد بن الوليد ومن كان معه من فرسان المشركين، الذين ذكرنا قبلُ أمرَهم.
= وأما قوله: "
من بعد ما أراكم ما تحبون "، فإنه يعني بذلك: من بعد الذي أراكم الله، أيها المؤمنون بمحمد، من النصر والظفر بالمشركين، وذلك هو الهزيمة التي كانوا هزموهم عن نسائهم وأموالهم قبل ترك الرماة مقاعدهم التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقعدهم فيها، وقبل خروج خيل المشركين على المومنين من ورائهم.* * *
وبنحو الذي قلنا تظاهرت الأخبار عن أهل التأويل.
وقد مضى ذكر بعض من قال، وسنذكر قول بعض من لم يذكر قوله فيما مضى.
*ذكر من قال ذلك:
8023- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "
حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر "، أي اختلفتم في الأمر =" وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون "، وذاكم يوم أحد، عهد إليهم نبي الله صلى الله عليه وسلم وأمرَهم بأمر فنسوا العهد، وجاوزوا، (38) وخالفوا ما أمرهم نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقذف عليهم عدوَّهم، (39) بعد ما أراهم من عدوهم ما يحبون.8024- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ناسًا من الناس -يعني: يوم أحُد- فكانوا من ورائهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
كونوا هاهنا، فردّوا وجه من فرَّ منا، (40) وكونوا حرسًا لنا من قِبل ظهورنا ". وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هزم القوم هو وأصحابه، قال الذين كانوا جُعلوا من ورائهم، بعضهم لبعض، (41) لما رأوا النساء مُصْعِدات في الجبل ورأوا الغنائم، قالوا: " انطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركوا الغنيمة قبل أن تسبقوا إليها "! وقالت طائفة أخرى: " بل نطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنثبت مكاننا "! فذلك قوله: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا ، للذين أرادوا الغنيمة = وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ، للذين قالوا: " نطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونثبت مكاننا ". فأتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم، فكان فشلا حين تنازعوا بينهم يقول: " وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون "، كانوا قد رأوا الفتح والغنيمة.8025- حدثت عن عمار، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: "
حتى إذا فشلتم "، يقول: جبنتم عن عدوكم =" وتنازعتم في الأمر "، يقول: اختلفتم =" وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون "، وذلك يوم أحد قال لهم: " إنكم ستظهرون، فلا أعرفنَّ ما أصبتم من غنائمهم شيئًا حتى تفرغوا "، (42) فتركوا أمر نبي الله صلى الله عليه وسلم، وعصوا، ووقعوا في الغنائم، ونسوا عهده الذي عهده إليهم، وخالفوا إلى غير ما أمرهم به، فانقذف عليهم عدوهم، (43) من بعد ما أراهم فيهم ما يحبون. (44)8026- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج: "
حتى إذا فشلتم "، قال ابن جريج، قال ابن عباس: الفشَل: الجبن.8027- حدثنا محمد قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "
حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون "، من الفتح.8028- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "
حتى إذا فشلتم "، أي تخاذلتم (45) =" وتنازعتم في الأمر "، أي: اختلفتم في أمري =" وعصيتم "، أي: تركتم أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم؛ وما عهد إليكم، يعني الرماة=" من بعد ما أراكم ما تحبون "، أي: الفتح لا شك فيه، وهزيمة القوم عن نسائهم وأموالهم. (46)8029- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن المبارك، عن الحسن: "
من بعد ما أراكم ما تحبون "، يعني: من الفتح.* * *
قال أبو جعفر: وقيل معنى قوله: "
حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون " = حتى إذا تنازعتم في الأمر فشلتم وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون = وأنه من المقدم الذي معناه التأخير، (47) وإن " الواو " دخلت في ذلك، ومعناها السقوط، كما يقال، (48) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ [سورة الصافات: 103-104] معناه: ناديناه. وهذا مقول في: ( حَتَّى إِذَا ) وفي فَلَمَّا أَنْ . [لم يأت في غير هذين]. (49) ومنه قول الله عز وجل: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ثُمَّ قَالَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ [سورة الأنبياء: 96-97]. ومعناه: اقترب، (50) كما قال الشاعر: (51)حَـــتَّى إذَا قَمِلَـــتْ بُطُـــونكُمُ
وَرَأَيْتُــــمُ أَبْنَـــاءَكُمْ شَـــبُّوا (52)
وَقَلَبْتُـــمْ ظَهْــرَ المِجَــنِّ لَنَــا
إنَّ اللَّئِـــيمَ العَـــاجِزَ الخَـــبُّ (53)
* * *
القول في تأويل قوله : مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: "
منكم من يريد الدنيا "، الذين تركوا مقعدهم الذي أقعدهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشِّعب من أحُد لخيل المشركين، ولحقوا بعسكر المسلمين طلب النهب إذ رأوا هزيمة المشركين = ، " ومنكم من يريد الآخرة "، يعني بذلك: الذين ثبتوا من الرماة في مقاعدهم التي أقعدهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتبعوا أمره، محافظة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابتغاء ما عند الله من الثواب بذلك من فعلهم والدار الآخرة. كما:-8030- حدثنا محمد قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "
منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة "، فالذين انطلقوا يريدون الغنيمة هم أصحاب الدنيا، والذين بقوا وقالوا: " لا نخالف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "، أرادوا الآخرة.8031- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس مثله.
8032 - حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "
منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة "، فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم أحد طائفة من المسلمين، فقال: " كونوا مَسْلحة للناس "، (54) بمنـزلةٍ أمرَهم أن يثبتوا بها، وأمرهم أن لا يبرحوا مكانهم حتى يأذن لهم. فلما لقي نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أبا سفيان ومن معه من المشركين، هزمهم نبي الله صلى الله عليه وسلم! فلما رأى المسلحةُ أن الله عز وجل هزم المشركين، انطلق بعضهم وهم يتنادون: " الغنيمة! الغنيمة! لا تفتكم "! وثبت بعضهم مكانهم، وقالوا: لا نَريم موضعنا حتى يأذن لنا نبي الله صلى الله عليه وسلم!. ففي ذلك نـزل: " منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة "، فكان ابن مسعود يقول: ما شعرت أن أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد الدنيا وعرَضَها، (55) حتى كان يوم أحد.8033- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، قال ابن عباس: لما هزم الله المشركين يوم أحد، قال الرماة: "
أدركوا الناس ونبيَّ الله صلى الله عليه وسلم لا يسبقوكم إلى الغنائم، فتكون لهم دونكم "! وقال بعضهم: " لا نَريم حتى يأذن لنا النبي صلى الله عليه وسلم ". فنـزلت: " منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة "، قال: ابن جريج، قال ابن مسعود: ما علمنا أن أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يريد الدنيا وعرَضَها، حتى كان يومئذ.8034 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن المبارك، عن الحسن: "
منكم من يريد الدنيا "، هؤلاء الذين يجترون الغنائم (56) =" ومنكم من يريد الآخرة "، الذين يتبعونهم يقتلونهم.8035- حدثنا الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي عن عبد خير قال: قال عبد الله: ما كنت أرى أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى نـزل فينا يوم أحد: "
منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ". (57)8036- حدثنا محمد قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي، عن عبد خير قال، قال ابن مسعود: ما كنت أظن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أحدًا يريد الدنيا، حتى قال الله ما قال.
8037- حدثت عن عمار، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال، قال عبد الله بن مسعود لما رآهم وقعوا في الغنائم: ما كنت أحسب أن أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى كان اليوم.
8038- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: كان ابن مسعود يقول: ما شعرتُ أن أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد الدنيا وعرَضها، حتى كان يومئذ. (58)
8039- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق "
منكم من يريد الدنيا "، أي: الذين أرادوا النهب رغبة في الدنيا وتركَ ما أمروا به من الطاعة التي عليها ثواب الآخرة =" ومنكم من يريد الآخرة "، أي: الذي جاهدوا في الله لم يخالفوا إلى ما نهوا عنه لعرض من الدنيا رغبة فيها، (59) رجاء ما عند الله من حسن ثوابه في الآخرة. (60)* * *
القول في تأويل قوله : ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ثم صرفكم، أيها المؤمنون، عن المشركين بعد ما أراكم ما تحبون فيهم وفي أنفسكم، من هزيمتكم إياهم وظهوركم عليهم، فردَّ وجوهكم عنهم لمعصيتكم أمر رسولي، ومخالفتكم طاعته، وإيثاركم الدنيا على الآخرة، - عقوبةً لكم على ما فعلتم،"
ليبتليكم "، يقول: ليختبركم، (61) فيتميز المنافق منكم من المخلص الصادق في إيمانه منكم. كما:-8040- حدثنا محمد قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ثم ذكر حين مال عليهم خالد بن الوليد: "
ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ".8041- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن مبارك، عن الحسن في قوله: "
ثم صرفكم عنهم "، قال: صرف القوم عنهم، فقتل من المسلمين بعدَّة من أسروا يوم بدر، وقُتل عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكسرت رباعيته، وشُجّ في وجهه، وكان يمسح الدم عن وجهه ويقول: " كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيِّهم وهو يدعوهم إلى ربهم "؟ فنـزلت: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ [سورة آل عمران: 128]، الآية. فقالوا: أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدنا النصر؟ فأنـزل الله عز وجل: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إلى قوله: " ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم ".8042- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة عن ابن إسحاق: "
ثم صرفكم عنهم ليبتليكم "، أي: صرفكم عنهم ليختبركم، وذلك ببعض ذنوبكم. (62)* * *
القول في تأويل قوله : وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: "
ولقد عفا عنكم "، ولقد عفا الله = أيها المخالفون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتاركون طاعته فيما تقدم به إليكم من لزوم الموضع الذي أمركم بلزومه = عنكم، فصفح لكم من عقوبة ذنبكم الذي أتيتموه، عما هو أعظم مما عاقبكم به من هزيمة أعدائكم إياكم، وصرفِ وجوهكم عنهم، (63) إذ لم يستأصل جمعكم، كما:-8043- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن مبارك، عن الحسن، في قوله: "
ولقد عفا عنكم "، قال: قال الحسن، وصفَّق بيديه: وكيف عفا عنهم، وقد قتل منهم سبعون، وقُتل عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكسرت رباعيته، وشج في وجهه؟ قال: ثم يقول: قال الله عز وجل: " قد عفوت عنكم إذ عصيتموني، أن لا أكون استأصلتكم ". قال: ثم يقول الحسن: هؤلاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي سبيل الله غضابٌ لله، يقاتلون أعداء الله، نهوا عن شيء فصنعوه، فوالله ما تركوا حتى غُمُّوا بهذا الغم، فأفسق الفاسقين اليوم يَتَجَرْثَمُ كل كبيرة، (64) ويركب كل داهية، ويسحب عليها ثيابه، ويزعم أن لا بأس عليه!! فسوف يعلم.8044- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: "
ولقد عفا عنكم "، قال: لم يستأصلكم.8045- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "
ولقد عفا عنكم "، ولقد عفا الله عن عظيم ذلك، لم يهلككم بما أتيتم من معصية نبيكم، ولكن عُدْت بفضلي عليكم. (65)* * *
وأما قوله: "
والله ذو فضل على المؤمنين "، فإنه يعني: والله ذو طَوْل على أهل الإيمان به وبرسوله، (66) بعفوه لهم عن كثير ما يستوجبون به العقوبة عليه من ذنوبهم، فإن عاقبهم على بعض ذلك، فذو إحسان إليهم بجميل أياديه عندهم. كما:-8046- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "
ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين "، يقول: وكذلك منَّ الله على المؤمنين، أن عاقبهم ببعض الذنوب في عاجل الدنيا أدبًا وموعظة، فإنه غير مستأصل لكل ما فيهم من الحق له عليهم، لما أصابوا من معصيته، رحمةً لهم وعائدة عليهم، لما فيهم من الإيمان. (67)---------------
الهوامش :
(10) في التعليق على الأثر السالف: 7943 ، ذكرت أن المخطوطة هناك ، كان فيها"
لر" غير منقوطة ، واستظهرت مرجحًا أنها"كر" ، ولكنه عاد هنا في المخطوطة ، فكتبها"حمل" واضحة ، فأخشى أن يكون هذا هو الصواب الراجح.(11) الأثر: 8004- الأثر السالف رقم: 7943 ، والتاريخ 3: 14 ، 15.
(12) الأثران: 8005 ، 8006 - تاريخ الطبري 3: 13 ، 14 وانظر مسند أحمد 4: 293 ، 294.
(13) في المطبوعة: "
بالجسر" ، وهو خطأ ، "والحسر" جمع حاسر ، وهم الرجالة الذين لا خيل لهم ، يقال: سموا بذلك لأنهم يحسرون عن أيديهم وأرجلهم. ويقال إنه يقال لهم"حسر" ، لأنه لا بيض لهم ولا دروع يلبسونها.(14) الأثر: 8007- تاريخ الطبري 3: 14.
(15) في المطبوعة والمخطوطة: "
أن محمد بن يحيى. . ." ، والصواب من سيرة ابن هشام 3: 64 وتاريخ الطبري 3: 9.(16) في المطبوعة: "
لا تقاتلوا حتى نأمر بالقتال" ، وفي المخطوطة مثله ، إلا أنه كتب: "نأمره" والصواب من سيرة ابن هشام ، ومن تاريخ الطبري.(17) الظهر: الإبل التي يحمل عليها ويركب. والكراع: اسم يجمع الخيل والسلاح ، ويعني هنا الخيل.
(18) "
الصمغة": أرض في ناحية أحد. و"قناة" واد يأتي من الطائف ، حتى ينتهي إلى أصل قبور الشهداء بأحد.(19) بنو قيلة: هم الأوس والخزرج ، الأنصار. وقيلة: أم قديمة لهم ينسبون إليها.
(20) في المطبوعة: "
وصفنا رسول الله. . ." ، وهو خطأ محض ، والصواب من سيرة ابن هشام ، والتاريخ ، والمخطوطة ، وهي فيها غير منقوطة.(21) في المطبوعة: "
وتصاف قريش. . ." ، وهو خطأ صرف ، والصواب من التاريخ ، ومن المخطوطة وهي فيها غير منقوطة.(22) جنب الفرس والأسير يجنبه (بضم النون) جنبًا (بالتحريك) فهو مجنوب وجنيب ، وخيل جنائب: إذا قادهما إلى جنبه. ويقال: "
خيل مجنبة" بتشديد النون مثلها.(23) نضح عنه: ذب عنه ، ورد عنه ونافح.
(24) هذا اختصار مخل جدًا ، فإن أبا جعفر لفق كلام ابن إسحاق ، والذي رواه ابن هشام مخالف في ترتيبه لما جاء في خبر الطبري هنا. وذلك أنه من أول قوله: "
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة. . ." مقدم على قوله: "وتعبأت قريش" ، وذلك في السيرة 3: 69 ، 71. أما قوله: "فلما التقى الناس" فإنه يأتي في السيرة في ص 72 ، وسياق الجملة: "فلما التقى الناس ، ودنا بعضهم من بعض ، قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها ، وأخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال ويحرضنهم" ، وساق ما كان من أمرهن ، ثم قال: "قال ابن إسحاق: فاقتتل الناس حتى حميت الحرب ، وقاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس" ، أما قوله بعد ذلك: "وحمزة بن عبد المطلب. . ." ، فهو عطف علي"وقاتل أبو دجانة" ، استخرجه الطبري من سياق سيرة ابن إسحاق 3: 77 ، لا من نصه. وقد تركت ما في التفسير على حاله ، لأنه خطأ من أبي جعفر نفسه ولا شك. وأما قوله: "ثم أنزل الله نصره. . ." إلى آخر الأثر فهو في السيرة 3: 82.(25) الأثر: 8008- هذا أثر ملفق من نص ابن إسحاق ، وهو فيما رواه ابن هشام في سيرته من مواضع متفرقة كما سترى 3: 69 ، 70 / ثم ص: 72 / ثم ص: 77 / ثم ص 82 ، وانظر التعليق السالف. ثم انظر تاريخ الطبري 3: 13 / ثم ص16. وقوله: "
حسوهم" أي قتلوهم واستأصلوهم ، كما سيأتي في تفسير الآية بعد.(26) في المخطوطة: "
مسموات هوادن" وضبط الكلمة الأولى بالقلم بفتح الميم وضم السين وميم مشددة مفتوحة !! وهذا أعجب ما رأيت من السهو والغفلة! والكلمتان خطأ محض ، وفي المطبوعة: "هوازم" ، والصواب من سيرة ابن هشام وتاريخ الطبري. و"الخدم" جمع خدمة: وهي الخلخال ، ويجمع أيضًا"خدام" بكسر الخاء."شمر تشميرًا فهو مشمر": جد في السير أو العمل وأسرع ومضى مضيًا ، وأصله من فعل العادي إذا جد في عدوه وشمر عن ساقه وجمع ثوبه في يده ، ليكون أسرع له.(27) في المخطوطة: "
بعد أن رأينا أصحابناب" وضرب على"بنا" من"أصحابنا" ، فاجتهد الناشر قراءة هذا الكلام الفاسد فجعل مكان"أصبنا""هزمنا" ولكني رددته إلى نص ابن إسحاق من رواية ابن هشام في السيرة ، والطبري في التاريخ."انكفأ": مال ورجع وانقلب ، وهو صورة حركة الراجع ، من انكفاء الإناء إذا أملته ناحية ، و"انكفأوا علينا" ، أي مالوا راجعين عليهم.(28) الأثر: 8009- سيرة ابن هشام 3: 82 ، وهو تابع آخر الأثر السالف رقم: 8008 ، وفي تاريخ الطبري 3: 16 ، 17.
(29) الأثر: 8010- سيرة ابن هشام 3: 120 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8002.
(30) في المخطوطة: "فلا عرض ما أصبتم" ، وفي المطبوعة: "فلا تأخذوا ما أصبتم" ، تصرف في طلب المعنى ، وهو خطأ ، وستأتي على الصواب في الأثر رقم: 8025 ، في المطبوعة والمخطوطة معًا ، كما كتبتها هنا. وقوله: "فلا أعرفن ما أصبتم. . ." ، يعني: لا يبلغني أنكم أصبتم من غنائمهم شيئًا. وقولهم: "لا أعرفن كذا" و"ولأعرفن كذا" كلمة تقال عند الوعيد والتهديد والزجر الشديد. وانظر مجيئها في الأثرين رقم: 8158 ، 8160 والتعليق عليهما. وانظر الدر المنثور 2: 85.
(31) انظر الأثر الآتي رقم: 8025.
(32) انظر تفسير"الحس" فيما سلف 6: 443.
(33) الأثر: 8012-"محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطى" ، مضى القول فيه برقم: 2867 ، 2868 ، 2888 ، وفي 2868"محمد بن عبيد الله بن سعيد". و"يعقوب بن عيسى" هو: "يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري" ، سلف في رقم: 2867. و"عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز. . . الزهري" ، هو الأعرج ، المعروف بابن أبي ثابت ، قيل: "ليس بثقة ، إنما كان صاحب شعر" ، وقال يحيى: "رأيته ببغداد ، كان يشتم الناس ويطعن في أحسابهم. ليس حديثه بشيء". مترجم في التهذيب. و"محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف" قال البخاري: "منكر الحديث" ، وقال أبو حاتم: "هم ثلاثة إخوة: محمد بن عبد العزيز ، وعبد الله بن عبد العزيز ، وعمران بن عبد العزيز ، وهم ضعفاء الحديث ، ليس لهم حديث مستقيم ، وليس لمحمد عن أبي الزناد ، والزهري ، وهشام بن عروة ، حديث صحيح". مترجم في الكبير 1 / 1 / 167 ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 7.
(34) الأثر: 8019- سيرة ابن هشام 3: 120 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8010 ، وكان في المخطوطة والمطبوعة: "أي: بالقتل" ، والباء زيادة لا خير فيها ، والصواب من سيرة ابن هشام.
(35) انظر تفسير"الإذن" فيما سلف 2: 449 ، 450 / 4 : 286 ، 371 / 5 : 352 ، 355 ، 395.
(36) الأثر: 8022- سيرة ابن هشام 3: 120 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8019.
(37) انظر تفسير"فشل" فيما سلف 7: 168.
(38) في المطبوعة: "وجاوزوا" ، وهي ضعيفة المعنى هنا. ولم تذكر كتب اللغة"حاوز" لكنهم قالوا: "انحاز القوم وتحوزوا وتحيزوا: تركوا مركزهم ومعركة قتالهم وتنحوا عنه ، ومالوا إلى موضع آخر". وانظر ما سلف في التعليق على رقم: 7524 ، من قوله: "تحاوز الناس".
(39) في المطبوعة: "فانصرف عليهم" ، ولا معنى لها ، ولكنه أخذها من الأثر التالي 8025 ، من رسم المخطوطة هناك. وفي الدر المنثور 2: 85"فانصر عليهم" ، ولا معنى لها أيضًا. وهي في المخطوطة هنا"فصرف" ، فرجحت أن يكون هذا تصحيف"فقذف" ، فأثبتها ، وهي سياق المعنى حين انحطت عليهم خيل المشركين من ورائهم.
(40) في المخطوطة والمطبوعة: "من قدمنا" ، والصواب من تاريخ الطبري. وفي الدر المنثور 2: 84"من ند منا" ، يقال"ند البعير" ، إذا نفر وشرد وذهب على وجهه ، ولا بأس بمعناها هنا.
(41) في المطبوعة: "اختلف الذين كانوا جعلوا من ورائهم فقال بعضهم لبعض" ، زاد الناشر الأول"اختلف" ، أما المخطوطة ، والدر المنثور 2: 84 ، فليس فيها"اختلف" ، والكلام بعد كما هو ، وهو مضطرب ، ورددته إلى الصواب من تاريخ الطبري ، حذفت"فقال" من وسط الكلام ، ووضعت"قال" في أوله.
(42) انظر التعليق على الأثر: 8011 ، ص: 286 ، تعليق: 4.
(43) في المخطوطة والمطبوعة: "فانصرف عليهم عدوهم" ، ولا معنى لها ، وفي الدر المنثور 2: 85"فانصر عليهم" ، ولا معنى لها ، وانظر التعليق السالف ص: 290 تعليق: 2.
(44) الأثر: 8025- مضى برقم: 8011 مختصرًا.
(45) في المطبوعة: "تجادلتم" ، وهو خطأ صرف ، والصواب من سيرة ابن هشام.
(46) الأثر: 8028- سيرة ابن هشام 3: 121.
(47) في المطبوعة: "أنه من المقدم. . ." بإسقاط الواو ، وهو خطأ ، والصواب من المخطوطة.
(48) في المطبوعة"كما قلنا في فلما أسلما. . ." بزيادة"في" وفي المخطوطة: "كما قلنا فلما أسلما" ، بإسقاط"في" ، وأثبت ما في معاني القرآن للفراء 1: 238 ، فهذا نص كلامه.
(49) في المطبوعة: "وهذا مقول في (حتى إذا) وفي (لما) ومنه قول الله. . ." ، وفي المخطوطة: "وهذا مقول في (حتى إذا) وفي (فلما أن) ، وفلما ، ومنه قول الله عز وجل". والذي في المطبوعة تغيير لا خير فيه ، والذي في المخطوطة خطأ لا شك فيه ، فآثرت إثبات ما في معاني القرآن للفراء 1: 238 ، فإنه نص مقالته ، وزدت منه ما بين القوسين.
(50) انظر معاني القرآن للفراء 1: 238.
(51) هو الأسود بن يعفر النهشلي ، وهو في أكثر الكتب غير منسوب.
(52) معاني القرآن للفراء 1: 107 ، 238 / اللسان (قمل) والجزء: 20: 381 / تأويل مشكل القرآن: 197 ، 198 / المعاني الكبير: 533 / مجالس ثعلب: 74 / أمالي الشجري 1: 357 ، 358 / الإنصاف لابن الأنباري: 189 / الخزانة 4: 414 / وهو في جميعها غير منسوب ، وهو من شعر لم أجده تامًا ، ذكر أبياتًا منه البكري في معجم ما استعجم: 379 ، فيها البيت الأول وحده ، وبيتان آخران منها في اللسان (وقب) وتهذيب الألفاظ: 196. وهو من شعر يهجو فيه بني نجيح ، من بني عبد الله بن مجاشع بن دارم يقول في هجائهم:
أَبَنِــــي نَجِـــيحٍ، إنَّ أُمَّكُـــمُ
أَمَــــةٌ، وإنَّ أَبَـــاكُمُ وَقْـــبُ
أَكَــلَتْ خَــبِيثَ الــزَّادِ فَـاتَّخَمَتْ
عَنْــهُ، وَشَــمَّ خِمَارَهَــا الكَـلْبُ
وقوله: "قملت بطونكم" ، كثرت قبائلكم. والبطون بطون القبائل.
(53) يقال: "قلبت له ظهر المجن" - والمجن: الترس ، لأنه يوارى صاحبه - كلمة تضرب مثلا لمن كان لصاحبه على مودة ورعاية ، ثم حال عن ذلك فعاداه. والخب (بفتح الخاء ، وكسرها) الخداع الخبيث المنكر: وفي الحديث: "المؤمن غر كريم ، والكافر خب لئيم".
(54) المسلحة: القوم ذوو السلاح يوكلون بثغر من الثغور يحفظونه مخافة أن يأتي منه العدو. وسميت الثغور"مسالح" من ذلك ، وهي مواضع المخافة.
(55) "ما شعرت" ، أي: ما علمت ، يأتي كذلك في الأثر التالي.
(56) في المطبوعة: "يحيزون الغنائم" ، وهو خطأ ، والكلمة في المخطوطة غير منقوطة ، والذي أثبته هو صواب قراءتها. واجتر الشيء: جره ، يعني يطلبونها إلى أنفسهم.
(57) الأثر 8035-"الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي" ، مضى مرارًا ، وسلف ترجمته في رقم: 1625 ، وكان في المطبوعة: "العبقري" ، وهو خطأ ، وفي المخطوطة غير منقوط. وأما "عبد خير" ، فهو"عبد خير بن يزيد الهمداني". أدرك الجاهلية ، وروي عن أبي بكر ، وابن مسعود وعلي ، وزيد بن أرقم ، وعائشة. وهو تابعي ثقة. مترجم في التهذيب.
(58) الأثر: 8038- هو من بقية الأثر السالف: 8024 ، ورواه في تاريخه 3: 14.
(59) في المطبوعة: "لم يخالفوا" بإسقاط الواو ، وأثبتها من المخطوطة وابن هشام. وفي المطبوعة والمخطوطة: "لعرض من الدنيا رغبة في رجاء ما عند الله" ، وهو كلام يتلجلج ، والصواب ما في سيرة ابن هشام ، وهو الذي أثبت.
(60) الأثر: 8039- سيرة ابن هشام 3: 121 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8028.
(61) انظر تفسير"ابتلى" فيما سلف 2: 49 / 3: 7 ، 220 / 5 : 339.
(62) الأثر: 8042- سيرة ابن هشام 3: 121 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8039. وفي سيرة ابن هشام المطبوعة ، سقط بعض الكلام ، فاضطرب لفظه ، ويستفاد تصحيحه من هذا الموضع من التفسير.
(63) في المخطوطة: "وصرف وجوهكم عنه" ، والصواب ما في المطبوعة.
(64) في المطبوعة: "يتجرأ على كل كبيرة" ، تصرف في نص المخطوطة ، وتجرثم الشيء: أخذ معظمه ، وجرثومة كل شيء: أصله ومجتمعه.
(65) الأثر: 8045- سيرة ابن هشام 3: 121 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8042.
(66) انظر تفسير"الفضل" فيما سلف 2: 344 / 5 : 164 ، 571 / 6: 156.
(67) الأثر: 8046- سيرة ابن هشام 3: 121 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8045. وفي سيرة ابن هشام المطبوعة فساد قبيح. يستفاد تصحيحه من هذا الموضع من التفسير.
- ابن عاشور : وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
{ ولقد صدقكم } عطف على قوله : { سنلقى في قلوب الذين كفروا الرعب } [ آل عمران : 151 ] وهذا عود إلى التَّسلية على ما أصابهم ، وإظهار لاستمرار عناية الله تعالى بالمؤمنين ، ورمز إلى الثقة بوعدهم بإلقاء الرعب في قلوب المشركين ، وتبيين لسبب هزيمة المسلمين : تطميناً لهم بذكر نظيره ومماثله السابققِ ، فإنّ لذلك موقعاً عظيماً في الكلام على حدّ قولهم ( التَّاريخ يعيد نفسه ) وليتوسّل بذلك إلى إلقاء تَبِعة الهزيمة عليهم ، وأنّ الله لم يُخلفهم وعده ، ولكن سوء صنيعهم أوقعهم في المصيبة كقوله : { وما أصابك من سيئة فمن نفسك } [ النساء : 79 ] .
وصِدق الوعد : تحقيقُه والوفاءُ به ، لأنّ معنى الصدق مطابقة الخبر للواقع ، وقد عدّي صدق هنا إلى مفعولين ، وحقّه أن لا يتعدّى إلا إلى مفعول واحد . قال الزمخشري في قوله تعالى في سورة [ الأحزاب : 23 ] : { من المؤمنين رجال صَدَقوا ما عاهدوا الله عليه } يقال : صدقني أخوك وكذَبني إذا قال لك الصدق والكذب ، وأمَّا المثَل ( صَدَقَنِي سِنّ بَكْرِه ) فمعناه صدقني في سنّ بَكره بطرح الجارّ وإيصال الفعل . فنصب وعدَه } هنا على الحذف والإيصال ، وأصل الكلام صدقَكم في وعده ، أو على تضمين صَدَق معنى أعطى .
والوعد هنا وعد النصر الواقعُ بمثل قوله : { يأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم } [ محمد : 7 ] أو بخبر خاصّ في يوم أحُد .
وإذْن الله بمعنى التقدير وتيسير الأسباب .
و ( إذ ) في قوله : { إذ تحسونهم } نصب على الظرفية لقوله : { صدقكم } أي : صدقكم الله الوعد حين كنتم تحسّونهم بإذنه فإنّ ذلك الحسّ تحقيق لوعد الله إيّاهم بالنَّصر ، و ( إذْ ) فيه للمضيّ ، وأتى بعدها بالمضارع لإفادة التجدّد أي لحكاية تجدّد الحسّ في الماضِي .
والحَسّ بفتح الحاء القَتل أطلقه أكثر اللغويين ، وقَيّده في «الكشاف» بالقتل الذريع ، وهو أصوب .
وقوله : { حتى إذا فشلتم } ( حتَّى ) حرف انتهاء وغاية ، يفيد أنّ مضمون الجملة الَّتي بعدها غاية لمضمون الجملة الَّتي قبلها ، فالمعنى : إذ تقتلونهم بتيسير الله ، واستمرّ قتلكم إيّاهم إلى حصول الفشل لكم والتنازع بينكم .
و ( حتَّى ) هنا جارّة و ( إذا ) مجرور بها .
و ( إذا ) اسم زمان ، وهو في الغالب للزمان المستقبل وقد يخرج عنه إلى الزمان مطلقاً كما هنا ، ولعلّ نكتة ذلك أنَّه أريد استحضار الحالة العجيبة تبعاً لقوله : { تحسونهم } .
و ( إذا ) هنا مجرّدة عن معنى الشرط لأنَّها إذا صارت للمضيّ انسلخت عن الصلاحية للشرطية ، إذ الشرط لا يكون ماضياً إلاّ بتأويل لذلك فهي غير محتاجة لجواب فلا فائدة في تكلّف تقديره : انقسمتم ، ولا إلى جعل الكلام بعدها دليلاً عليه وهو قوله : { منكم من يريد الدنيا } إلى آخرها .
والفشل : الوهن والإعياء ، والتنازع : التخالف ، والمُراد بالعصيان هنا عصيان أمر الرسول ، وقد رتّبت الأفعال الثلاثة في الآية على حسب ترتيبها في الحصول ، إذ كان الفشل ، وهو ضجر بعض الرماة من ملازمة موقفهم للطمع في الغنيمة ، قد حصل أولاً فنشأ عنه التنازع بينهم في ملازمة الموقف وفي اللحاق بالجيش للغنيمة ، ونشأ عن التنازع تصميم معظمهم على مفارقة الموقف الَّذي أمرهم الرسول عليه الصلاة والسّلام بملازمته وعدم الانصراف منه ، وهذا هو الأصل في ترتيب الأخبار في صناعة الإنشاء ما لم يقتض الحال العدول عنه .
والتعريف في قوله : { في الأمر } عوض عن المضاف إليه أي في أمركم أي شأنكم .
ومعنى { من بعد ما أراكم ما تحبون } أراد به النَّصر إذ كانت الريح أوّل يوم أُحُد للمسلمين ، فهزموا المشركين ، وولوا الأدبار ، حتَّى شوهدت نساؤهم مشمّرات عن سوقهنّ في أعلى الجبل هاربات من الأسر ، وفيهنّ هند بنت عتبة بن ربيعة امرأة أبي سفيان ، فلمَّا رأى الرماة الَّذين أمرهم الرسول أن يثبتوا لحماية ظهور المسلمين ، الغنيمة ، التحقوا بالغزاة ، فرأى خالد بن الوليد ، وهو قائد خيل المشركين يومئذ ، غرّة من المسلمين فأتاهم من ورائهم فانكشفوا واضطرب بعضهم في بعض وبادروا الفرار وانهزموا ، فذلك قوله تعالى : { من بعد ما أراكم ما تحبون } فيكون المجرور متعلّقاً بفشلهم . والكلام على هذا تشديد في الملام والتنديم .
والأظهر عندي أن يكون معنى ما تحبّون هو الغنيمة فإنّ المال محبوب ، فيكون المجرور يتنازعه كُلّ من ( فشلتم ، وتنازعتم ، وعصيتم ) ، وعدل عن ذكر الغنيمة باسمها ، إلى الموصول تنبيهاً على أنَّهم عجّلوا في طلب المَال المحبوب ، والكلام على هذا تمهيد لبساط المعذرة إذ كان فشلهم وتنازعهم وعصيانهم عن سبب من أغراض الحرب وهو المعبّر عنه ب ( إحدى الحسنيين ) ولم يكن ذلك عن جبن ، ولا عن ضعف إيمان ، أو قصد خذلان المسلمين ، وكلّه تمهيد لما يأتي من قوله : { ولقد عفا عنكم } .
وقوله : { منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الأخرة } تفصيل لتنازعتم ، وتبيين ل ( عصيتم ) ، وتخصيص له بأنّ العاصين بعض المخاطبين المتنازعين ، إذ الَّذين أرادوا الآخرة ليسوا بعاصين ، ولذلك أخّرت هاته الجملة إلى بعد الفعلين ، وكان مقتضى الظاهر أن يعقب بها قوله : { وتنازعتم في الأمر } وفي هذا الموضع للجملة ما أغنى عن ذكر ثلاث جمل وهذا من أبدع وجوه الإعجاز ، والقرينة واضحة .
والمراد بقوله : { منكم من يريد الدنيا } إرادة نعمة الدنيا وخيرها ، وهي الغنيمة ، لأنّ من أراد الغنيمة لم يحرص على ثواب الامتثال لأمر الرسول بدون تأويل ، وليس هو مفرّطاً في الآخرة مطلقاً ، ولا حاسباً تحصيل خير الدنيا في فعله ذلك مفيتاً عليه ثواب الآخرة في غير ذلك الفعل ، فليس في هذا الكلام ما يدلّ على أنّ الفريق الَّذين أرادوا ثواب الدنيا قد ارتدّوا عن الإيمان حينئذ ، إذ ليس الحرص على تحصيل فائدة دنيوية من فعل من الأفعال ، مع عدم الحرص على تحصيل ثواب الآخرة من ذلك الفعل بِدالَ على استخفاف بالآخرة ، وإنكار لها ، كما هو بيّن ، ولا حاجة إلى تقدير : منكم من يريد الدنيا ، فقط .
وإنَّما سمّيت مخالفة من خالف أمر الرسول عصياناً ، مع أن تلك المخالفة كانت عن اجتهاد لا عن استخفاف ، إذ كانوا قالوا : إنّ رسول الله أمرنا بالثبات هنا لحماية ظهور المسلمين ، فلمَّا نصر الله المسلمين فما لنا وللوقوف هنا حتَّى تفوتنا الغنائم ، فكانوا متأوَّلين ، فإنَّما سمّيت هنا عصياناً لأنّ المقام ليس مقام اجتهاد ، فإنّ شأن الحرب الطاعة للقائد من دون تأويل ، أو لأنّ التأويل كان بعيداً فلم يعذروا فيه ، أو لأنَّه كان تأويلاً لإرضاء حبّ المال ، فلم يكن مكافئاً لدليل وجوب طاعة الرّسول .
وإنَّما قال : { ثم صرفكم عنهم ليبتليكم } ليدلّ على أنّ ذلك الصرف بإذن الله وتقديره ، كما كان القتل بإذن الله وأنّ حكمته الابتلاء ، ليظهر للرسول وللنَّاس مَن ثبت على الإيمان من غيره ، ولأنّ في الابتلاء أسراراً عظيمة في المحاسبة بين العبد وربِّه سبحانه وقد أجمل هذا الابتلاء هنا وسيبيّنه .
وعُقب هذا الملام بقوله : { ولقد عفا عنكم } تسكيناً لخواطرهم ، وفي ذلك تلطّف معهم على عادة القرآن في تقريع المؤمنين ، وأعظم من ذلك تقديم العفو على الملام في ملام الرسول عليه السلام في قوله تعالى : { عفا اللَّه عنك لم أذنت لهم } [ التوبة : 43 ] ، فتلك رتبة أشرف من رتبة تعقيب الملام بذكر العفو ، وفيه أيضاً دلالة على صدق إيمانهم إذ عجل لهم الإعلام بالعفو لكيلا تطير نفوسهم رهبة وخوفاً من غضب الله تعالى .
وفي تذييله بقوله : { والله ذو فضل على المؤمنين } تأكيد ما اقتضاه قوله : { ولقد عفا عنكموالظاهر أنَّه عفو لأجل التأويل ، فلا يحتاج إلى التَّوبة ، ويجوز أن يكون عفواً بعدما ظهر منهم من الندم والتَّوبة ، ولأجل هذا الاحتمال لم تكن الآية صالحة للاستدلال على الخوارج والمعتزلة القائلين بأنّ المعصية تسلب الإيمان .
- إعراب القرآن : وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
«وَلَقَدْ» الواو استئنافية واللام واقعة في جواب القسم قد حرف تحقيق «صَدَقَكُمُ اللَّهُ» فعل ماض ومفعول به أول ولفظ الجلالة فاعل «وَعْدَهُ» مفعول به ثان «إِذْ» ظرف لما مضى من الزمن متعلق بصدقكم والجملة جواب القسم المحذوف «تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ» فعل مضارع وفاعل ومفعول به والجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال والجملة في محل جر بالإضافة.
«حَتَّى» حرف غاية وجر والجار والمجرور متعلقان بتحسونهم أي : تحسونهم إلى هذا الوقت وقيل حتى حرف ابتداء «إِذا» ظرف لما يستقبل من الزمن متعلق بالجواب «فَشِلْتُمْ» فعل ماض وفاعل والجملة في محل جر بالإضافة «وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ» عطف «وَعَصَيْتُمْ» الجملة معطوفة «مِنْ بَعْدِ» متعلقان
بعصيتم «ما أَراكُمْ» المصدر المؤول من ما المصدرية والفعل في محل جر بالإضافة «ما تُحِبُّونَ» ما اسم موصول في محل نصب مفعول به ثان لأراكم وجملة تحبون صلة «مِنْكُمْ» متعلقان بمحذوف خبر «مَنْ يُرِيدُ» من اسم موصول في محل رفع مبتدأ وجملة «يُرِيدُ الدُّنْيا» صلة الموصول لا محل لها ومثلها في الإعراب «وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ». «ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ» ثم حرف عطف صرفكم فعل ماض ومفعول به والفاعل هو عنهم متعلقان بصرفكم والجملة معطوفة على جواب الشرط إذا المقدر «لِيَبْتَلِيَكُمْ» المصدر المؤول من أن المصدرية المقدرة بعد لام التعليل والفعل في محل جر بحرف الجر والجار والمجرور متعلقان بصرفكم «وَلَقَدْ» الواو استئنافية اللام واقعة في جواب القسم قد حرف تحقيق «عَفا عَنْكُمْ» فعل ماض تعلق به الجار والمجرور وفاعله مستتر والجملة جواب القسم ، «وَاللَّهُ ذُو» اللّه لفظ الجلالة مبتدأ ذو خبر مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الخمسة «فَضْلٍ» مضاف إليه «عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» متعلقان بفضل والجملة مستأنفة.
- English - Sahih International : And Allah had certainly fulfilled His promise to you when you were killing the enemy by His permission until [the time] when you lost courage and fell to disputing about the order [given by the Prophet] and disobeyed after He had shown you that which you love Among you are some who desire this world and among you are some who desire the Hereafter Then he turned you back from them [defeated] that He might test you And He has already forgiven you and Allah is the possessor of bounty for the believers
- English - Tafheem -Maududi : وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ(3:152) Allah surely fulfilled His promise (of succour) when you were slaying them by His leave until the moment when you flagged and quarrelled among yourselves about the matter, and acted against the order of (the Prophet). Soon He showed you what you had intensely desired - for some among you sought this world and some of you sought the Next. Thereupon, in order to put you to a test He turned you away from your foes. Still He pardoned you after that *109 for Allah is Bounteous to those who believe.
- Français - Hamidullah : Et certes Allah a tenu Sa promesse envers vous quand par Sa permission vous les tuiez sans relâche jusqu'au moment où vous avez fléchi où vous vous êtes disputés à propos de l'ordre donné et vous avez désobéi après qu'Il vous eut montré la victoire que vous aimez Il en était parmi vous qui désiraient la vie d'ici-bas et il en était parmi vous qui désiraient l'au-delà Puis Il vous a fait reculer devant eux afin de vous éprouver Et certes Il vous a pardonné Et Allah est Détenteur de la grâce envers les croyants
- Deutsch - Bubenheim & Elyas : Allah hat ja Sein Versprechen euch gegenüber gehalten als ihr sie mit Seiner Erlaubnis vernichtetet bis daß ihr den Mut verlort und über die Angelegenheit miteinander strittet und euch widersetztet nachdem Er euch gezeigt hatte was euch lieb ist - Unter euch gibt es manche die das Diesseits wollen; unter euch gibt es aber auch manche die das Jenseits wollen - Hierauf wandte Er euch von ihnen ab um euch zu prüfen Nun hat Er euch wahrlich schon verziehen denn Allah ist voll Huld gegen die Gläubigen
- Spanish - Cortes : Alá ha cumplido la promesa que os hizo cuando con Su permiso les vencíais hasta que por fin flaqueasteis discutisteis sobre el particular y desobedecisteis después de haberos Él dejado ver l a victoria que queríais -De vosotros unos desean la vida de acá y otros desean la otra vida- Luego hizo que os retirarais de ellos para probaros Ciertamente os ha perdonado Alá dispensa su favor a los creyentes
- Português - El Hayek : Deus cumpriu a Sua promessa quanto com a Sua anuência aniquilastes os incrédulos até que começastes a vacilar edisputar acerca da ordem e a desobedecestes apesar de Deus vos Ter mostrado tudo o que aneláveis Uma parte de vósambicionava a vida terrena enquanto a outra aspirava à futura Então Deus vos desviou dos vossos inimigos paraprovarvos; porém Ele vos indultou porque é Agraciante para com os fiéis
- Россию - Кулиев : Аллах исполнил данное вам обещание когда вы уничтожали их с Его дозволения пока вы не пали духом не стали спорить относительно приказа и не ослушались после того как Он показал вам то что вы любите Среди вас есть такие которые желают этот мир и такие которые желают Последнюю жизнь После этого Он заставил вас бежать от них чтобы испытать вас Он уже простил вас ведь Аллах оказывает милость к верующим
- Кулиев -ас-Саади : وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
Аллах исполнил данное вам обещание, когда вы уничтожали их с Его дозволения, пока вы не пали духом, не стали спорить относительно приказа и не ослушались после того, как Он показал вам то, что вы любите. Среди вас есть такие, которые желают этот мир, и такие, которые желают Последнюю жизнь. После этого Он заставил вас бежать от них, чтобы испытать вас. Он уже простил вас, ведь Аллах оказывает милость верующим.Аллах исполнил данное вам обещание и помог вам сдержать натиск противника. Язычники бежали от вас, и вы порубили многих из них. Но этот успех навредил вам и помог вашим врагам одержать над вами верх. Когда вы почувствовали слабость и пали духом, вы перестали повиноваться Аллаху и начали препираться друг с другом, хотя вам было велено держаться вместе и не расходиться во мнениях. Одни из вас сказали: «Мы должны остаться на позиции, занимать которую нам велел Пророк, да благословит его Аллах и приветствует». Другие же заявили: «Зачем нам занимать эту позицию, если противник уже спасается бегством. Теперь нам нечего бояться». Вы ослушались посланника Аллаха, да благословит его Аллах и приветствует, и не выполнили его приказ, когда увидели, как язычники терпят поражение. Вы очень хотели увидеть это, но забыли, что обязанности людей, которых Аллах одаряет желанным успехом, всегда превышают обязанности остальных. Вы были обязаны повиноваться Аллаху и Его посланнику, да благословит его Аллах и приветствует, в тот момент и обязаны поступать так при любых других обстоятельствах. Некоторые из вас желали приобрести мирские блага, и это желание побудило их ослушаться Посланника, да благословит его Аллах и приветствует. Но среди вас были такие, которые желали только Последней жизни, и они до конца выполнили его приказ и не покинули своей позиции. Когда вы нарушили приказ, Аллах заставил вас отвернуться от противника, что позволило язычникам воспрянуть духом. Аллах подверг вас испытанию, чтобы отличить правоверных от неверующих, а покорных праведников - от ослушников, и чтобы посредством этого несчастья вы искупили свое прегрешение. Аллах уже простил вас, ведь Он милостив к правоверным. Господь всегда оказывает верующим огромную милость. Он помогает им обратиться в ислам, обучает их законам религии, прощает им прегрешения, вознаграждает их за то, что они стойко переносят трудности и несчастья. Когда они выражают благодарность за благополучие и благоденствие, Аллах вознаграждает их за благодарность. Когда же они терпеливо переносят трудности, Он вознаграждает их за проявленное терпение. Затем Всевышний напомнил мусульманам о том, как они бежали с поля битвы, и укорил их за такой поступок. Аллах сказал:
- Turkish - Diyanet Isleri : And olsun ki Allah size verdiği sözde durdu Onun izniyle kafirleri kırıp biçiyordunuz ama Allah size arzuladığınız zaferi gösterdikten sonra gevşeyip bu hususta çekiştiniz ve isyan ettiniz; sizden kimi dünyayı kimi ahireti istiyordu; derken denemek için Allah sizi geri çevirip bozguna uğrattı And olsun ki O sizi bağışladı Allah'ın inananlara nimeti boldur
- Italiano - Piccardo : Allah ha mantenuto la promessa che vi aveva fatto quando per volontà Sua li avete annientati [e ciò] fino al momento in cui vi siete persi d'animo e avete discusso gli ordini Disobbediste quando intravedeste quello che desideravate Tra di voi ci sono alcuni che desiderano i beni di questo mondo e ce ne sono altri che bramano quelli dell'altro Allah vi ha fatto fuggire davanti a loro per mettervi alla prova e poi certamente vi ha perdonati Allah possiede la grazia più grande per i credenti
- كوردى - برهان محمد أمين : سوێند بێت خوا بهڵێنی خۆی بۆ ئێوه بهڕاستی بردهسهر لهسهرهتای جهنگی ئوحوددا ههر بهمۆڵهت و یارمهتی ئهو دوژمنانتان بهگیر هێناو تێکتان شکاندن ههتا ئهوکاتهی که ساردیی ڕووی تێکردن و بوو به کێشهتان لهسهر ههندێک شت و یاخی بوون له فهرمانی پێغهمبهر صلی الله علیه وسلم سهنگهرتان چۆڵ کرد دوای ئهوهی ههندێک شتی نیشاندان که حهزتان لێدهکرد ههتانه دنیای دهوێت و ههتانه قیامهتی مهبهسته لهوهودوا دهستی ئێوهی کۆتاکرد له دوژمنان تا تاقیتان بکاتهوه سوێند بێت بهڕاستی خوا چاوپۆشی لێکردن و لێتان خۆشبوو و خوا فهزڵ و ڕێزی ههیه بۆ ئیمانداران
- اردو - جالندربرى : اور خدا نے اپنا وعدہ سچا کر دیا یعنی اس وقت جبکہ تم کافروں کو اس کے حکم سے قتل کر رہے تھے یہاں تک کہ جو تم چاہتے تھے خدا نے تم کو دکھا دیا اس کے بعد تم نے ہمت ہار دی اور حکم پیغمبر میں جھگڑا کرنے لگے اور اس کی نافرمانی کی بعض تو تم میں سے دنیا کے خواستگار تھے اور بعض اخرت کے طالب اس وقت خدا نے تم کو ان کے مقابلے سے پھیر کر بھگا دیا تاکہ تمہاری ازمائش کرے اور اس نے تمہارا قصور معاف کر دیا اور خدا مومنو پر بڑا فضل کرنے والا ہے
- Bosanski - Korkut : Allah je ispunio obećanje Svoje kada ste neprijatelje voljom Njegovom nemilice ubijali Ali kada ste duhom klonuli i o svom položaju se raspravljati počeli kada niste poslušali a On vam je već bio ukazao na ono što vam je drago – jedni od vas su željeli ovaj svijet a drugi onaj svijet – onda je On da bi vas iskušao učinio da uzmaknete ispred njih I On vam je već oprostio jer je Allah neizmjerno dobar prema vjernicima
- Swedish - Bernström : GUD höll sannerligen Sitt löfte till er då ni med Hans vilja var nära att i grund slå [era fiender] till dess modet svek er och ni blev oense om innebörden av den order [ni hade fått] och bröt mot den då Han redan hade låtit [segern] hägra för er syn Det fanns de bland er som inte hade annat än denna världens [goda] för ögonen och det fanns de som såg mot evigheten Därefter lät Han er dra er undan [fienden] för att sätta er på prov Men Han har nu utplånat er synd ja Guds nåd flödar över de troende
- Indonesia - Bahasa Indonesia : Dan sesungguhnya Allah telah memenuhi janjiNya kepada kamu ketika kamu membunuh mereka dengan izinNya sampai pada saat kamu lemah dan berselisih dalam urusan itu dan mendurhakai perintah Rasul sesudah Allah memperlihatkan kepadamu apa yang kamu sukai Di antaramu ada orang yang menghendaki dunia dan diantara kamu ada orang yang menghendaki akhirat Kemudian Allah memalingkan kamu dari mereka untuk menguji kamu dan sesunguhnya Allah telah memaafkan kamu Dan Allah mempunyai karunia yang dilimpahkan atas orang orang yang beriman
- Indonesia - Tafsir Jalalayn : وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
(Dan sesungguhnya Allah telah memenuhi janji-Nya) kepadamu dengan memberikan kemenangan (ketika kamu membunuh mereka dengan izin-Nya) atau dengan kehendak-Nya (hingga saat kamu gagal) atau takut menghadapi peperangan (dan berselisih dalam urusan itu) yakni mengenai perintah Nabi saw. agar tetap bertahan di lereng bukit untuk memanah musuh di mana sebagian kamu mengatakan, "Mari kita turun bukankah teman-teman kita sudah beroleh kemenangan?" Sedangkan sebagian lagi berkata, "Tidak, kita tidak boleh melanggar perintah Nabi saw." (dan kamu mendurhakai) perintahnya, lalu kamu tinggalkan markas demi mengharapkan harta rampasan (setelah diperlihatkan-Nya kepadamu) maksudnya oleh Allah (apa yang kamu sukai) yakni kemenangan. Mengenai jawab idzaa ditunjukkan oleh kalimat yang sebelumnya, artinya kamu terhalang beroleh kemenangan dari-Nya. (Di antaramu ada yang menghendaki dunia) lalu ditinggalkannya markas guna merebut harta rampasan (dan di antaramu ada yang menghendaki akhirat) maka ia tetap bertahan di tempat sampai ia gugur seperti Abdullah bin Jubair dan sahabat-sahabatnya. (Kemudian Allah memalingkan kamu) dihubungkan kepada jawaban idzaa yang diperkirakan berbunyi, "Terpukul mundur karena menderita kekalahan" (dari mereka) maksudnya orang-orang kafir (untuk mencoba kamu) artinya menguji mana-mana yang ikhlas di antaramu dari yang bukan. (Sesungguhnya Allah telah memaafkan kamu) atas kesalahan yang telah kamu lakukan (dan Allah mempunyai karunia terhadap orang-orang yang beriman) dengan memaafkan dan mengampuni mereka.
- বাংলা ভাষা - মুহিউদ্দীন খান : আর আল্লাহ সে ওয়াদাকে সত্যে পরিণত করেছেন যখন তোমরা তাঁরই নির্দেশে ওদের খতম করছিলে। এমনকি যখন তোমরা ছত্রভঙ্গ হয়ে পড়েছে ও কর্তব্য স্থির করার ব্যাপারে বিবাদে লিপ্ত হয়েছে। আর যা তোমরা চাইতে তা দেখার পর কৃতঘ্নতা প্রদর্শন করেছ তাতে তোমাদের কারো কাম্য ছিল দুনিয়া আর কারো বা কাম্য ছিল আখেরাত। অতঃপর তোমাদিগকে সরিয়ে দিলেন ওদের উপর থেকে যাতে তোমাদিগকে পরীক্ষা করেন। বস্তুতঃ তিনি তোমাদিগকে ক্ষমা করেছেন। আর আল্লাহর মুমিনদের প্রতি অনুগ্রহশীল।
- தமிழ் - ஜான் டிரஸ்ட் : இன்னும் அல்லாஹ் உங்களுக்கு அளித்த வாக்குறுதியை நிறைவேற்றித் தந்தான்; அவ்வமயம் உஹது களத்தில் பகைவர்களை அவன் அனுமதியின் பிரகாரம் நீங்கள் அழித்து விடும் நிலையில் இருந்தபோது நீங்கள் தயங்கினீர்கள்; நீங்கள் உங்களுக்கிடப்பட்ட உத்திரவு பற்றித் தர்க்கிக்கத் துவங்கினீர்கள்; நீங்கள் விரும்பிய வெற்றியை அவன் உங்களுக்குக் காட்டிய பின்னரும் நீங்கள் அந்த உத்திரவுக்கு மாறு செய்யலானீர்கள்; உங்களில் இவ்வுலகை விரும்புவோரும் இருக்கிறார்கள் இன்னும் உங்களில் மறுமையை விரும்புவோரும் இருக்கிறார்கள்; பின்னர் உங்களைச் சோதிப்பதற்காக அவ்வெதிரிகளைவிட்டு உங்களைப் பின்னடையுமாறு திருப்பினான்; நிச்சயமாக அவன் உங்களை மன்னித்தான் மேலும் அல்லாஹ் முஃமின்களிடம் அருள் பொழிவோனாகவே இருக்கின்றான்
- ภาษาไทย - ภาษาไทย : และแน่นอน อัลลอฮ์ได้ทรงให้สัญญาของพระองค์สมจริงแก่พวกเจ้าแล้ว ขณะที่พวกเจ้าเข่นฆ่าพวกเขา ด้วยอนุมัติของอัลลอฮ์ จนกระทั้งพวกเจ้าขลาดที่จะต่อสู้ และขัดแย้งกันในคำสั่ง และพวกเจ้าได้ฝ่าฝืน หลังจากที่พระองค์ได้ทรงให้พวกเจ้าเห็นสิ่งที่พวกเจ้าชอบแล้ว จากนั้นมีผู้ที่ต้องการโลกนี้ และจากพวกเจ้านั้นมีผู้ที่ต้องการปรโลกแล้วพระองค์ก็ทรงให้พวกเจ้าหันกลับขากพวกเขาเสีย เพื่อที่จะทรงทดสอบพวกเจ้า และแน่นอนพระองค์ได้ทรงอภัยโทษให้แก่พวกเจ้าแล้ว และอัลลอฮ์นั้นเป็นผู้ทรงมีพระคุณแก่ผู้ศรัทธาทั้งหลาย
- Uzbek - Мухаммад Содик : Батаҳқиқ Аллоҳ ваъдаси устидан чиқди Сиз Унинг изни билан уларни қира бошладингиз Токи заифлашиб амр ҳақида ихтилоф қилиб ва сиз суйган нарсани кўрсатганидан сўнг исён қилгунингизча Орангизда дунёни хоҳлайдиган кимсалар бор ва орангизда охиратни хоҳлайдиган кимсалар бор Сўнгра сизларни имтиҳон қилиш учун улардан бурди Батаҳқиқ сизни афв этди Аллоҳ мўминларга фазл эгаси бўлган зотдир Уҳуд жангида ғолиб келиб турган мусулмонлар бирдан мағлубиятга учрашлари исён сусткашлик ва Пайғамбар алайҳиссаломнинг амрларига хилоф қилишоқибатида юзага келди Ҳолбуки Бадр ғазотида мусулмонлар сонлари қуроллари оз бўлса ҳам ғолиб келган эдилар Бу эса ўз навбатида Аллоҳнинг мўминларга нусрат беришига ваъдаси мўминларнинг Аллоҳнинг амрига тўлиқ амал қилишларига боғлиқ эканлигини кўрсатади
- 中国语文 - Ma Jian : 你们奉真主的命令而歼灭敌军之初,真主确已对你们实践他的约言;直到了在他使你们看见你们所喜爱的战利品之后,你们竟示弱、内争、违抗(使者的)命令。你们中有贪恋今世的,有企图后世的。嗣后,他使你们离开敌人,以便他试验你们。他确已饶恕你们。真主对于信士是有恩惠的。
- Melayu - Basmeih : Dan demi sesungguhnya Allah telah menepati janjiNya memberikan pertolongan kepada kamu ketika kamu berjaya membunuh mereka beramairamai dengan izinNya sehingga ke masa kamu lemah hilang semangat untuk meneruskan perjuangan dan kamu berbalah dalam urusan perang itu serta kamu pula menderhaka melanggar perintah Rasulullah sesudah Allah perlihatkan kepada kamu akan apa yang kamu sukai kemenangan dan harta rampasan perang Di antara kamu ada yang menghendaki keuntungan dunia sematamata dan di antara kamu ada yang menghendaki akhirat kemudian Allah memalingkan kamu daripada menewaskan mereka untuk menguji iman dan kesabaran kamu; dan sesungguhnya Allah telah memaafkan kamu sematamata dengan limpah kurniaNya Dan ingatlah Allah sentiasa melimpahkan kurniaNya kepada orangorang yang beriman
- Somali - Abduh : Dhab ahaan yuu idiinku Rumeeyey Eebe Yaboohiisii markaad ku Dhamayneyseen Ku dilayseen Idamkiisa intaad ka Cabsataan ood ku Murantaan Amarka ood Caasidaan intuu idin Tusiyey waxaad Jeceshihiin ka Dib waxaa idinka Mid ah Ruux Dooni Adduunyo waxaana idinka mid ah Ruux dooni Aakhiro markaas idinka Tilay Xagooda si uu idiin Imtixaano dhab ahaanna wuu idiin Cafiyey Eebena wuu ku Fadli leeyahay Mu'miniinta
- Hausa - Gumi : Kuma lalle ne haƙĩƙa Allah Yã yi muku gaskiya ga wa'adinSa a lokacin da kuke kashe su da izninSa har zuwa lõkacin da kuka kãsa kuma kuka yi jãyayya a cikin al'amarin kuma kuka sãɓã a bãyan Allah Ya nũna muku abin da kuke so Daga cikinku akwai wanda yake nufin duniya kuma daga cikinku akwai wanda ke nufin Lãhĩra Sa'an nan kuma Ya jũyar da ku daga gare su dõmin Ya jarrabe ku Kuma lalle ne haƙĩƙa Ya yãfe muku laifinku Kuma Allah Ma'abucin falala ne ga mũminai
- Swahili - Al-Barwani : Na Mwenyezi Mungu alikutimilizieni miadi yake vile mlivyo kuwa mnawauwa kwa idhini yake mpaka mlipo legea na mkazozana juu ya amri na mkaasi baada ya Yeye kukuonyesheni mliyo yapenda Wapo miongoni mwenu wanao taka dunia na wapo miongoni mwenu wanao taka Akhera Kisha akakutengeni nao maadui ili akujaribuni Naye sasa amekwisha kusameheni Na Mwenyezi Mungu ni Mwenye fadhila juu ya Waumini
- Shqiptar - Efendi Nahi : Me të vërtetë Perëndia e realizoi premtimin e vet kur ju me vullnetin e Tij e thyet armikun Por kur ju lidhur me detyrën që u ishte caktuar u demoralizuat e u grindët në mes vet dhe kundërshtuat e Ai madje u tregoi atë që e dëshironit disa nga ju e dëshirojnë këtë botë kur disa nga ju dëshirojnë botën tjetër; pastaj Ai për t’ju provuar juve bëri që të zmbrapseni para armikut Dhe me të vërtetë Perëndia ju fali juve atë gabim Se Perëndia është pronar i mirësisë së madhe për besimtarët
- فارسى - آیتی : خدا به وعدهاى كه با شما نهاده بود وفا كرد، آنگاه كه به اذن او دشمن را مىكشتيد. و چون غنيمتى را كه هواى آن را در سر داشتيد به شما نشان داد، سستى كرديد و در آن امر به منازعه پرداختيد و عصيان ورزيديد. بعضى خواستار دنيا شديد و بعضى خواستار آخرت. سپس تا شما را به بلايى مبتلا كند به هزيمت واداشت. اينك شما را ببخشود كه او را به مؤمنان بخشايشى است.
- tajeki - Оятӣ : Худо ба ваъдае, ки бо шумо ниҳода буд, вафо кард, он гоҳ ки ба амри Ӯ душманро мекуштед. Ва чун ғаниматеро, ки ҳаваси онро дар сар доштед, ба шумо нишон дод, сустӣ кардед ва дар он амр ба низоъ пардохтед ва нофармонӣ варзидед. Баъзе хостори дунё шудед ва баъзе хостсри охират. Сипас то шуморо ба балое мубтало кунад, ба гурехтан водошт! Инак шуморо бибахшид, ки Ӯро ба мӯъминон бахшоишест!
- Uyghur - محمد صالح : اﷲ سىلەرگە قىلغان (دۈشمىنىڭلارغا قارشى نۇسرەت ئاتا قىلىشتىن ئىبارەت) ۋەدىسىدە تۇردى؛ اﷲ نىڭ ئىزنى بىلەن ئۇلارنى قىرىۋاتاتتىڭلار، اﷲ سىلەر ياقتۇرىدىغان غەلىبىنى كۆرسەتكەندىن كېيىن زەئىپلىشىپ قالدىڭلار، پەيغەمبەرنىڭ ئەمرى توغرىسىدا جاڭجاللاشتىڭلار، (پەيغەمبەرنىڭ ئەمرىگە) بويسۇنمىدىڭلار، بەزىلىرىڭلار دۇنيانى كۆزلىدىڭلار، بەزىلىرىڭلار ئاخىرەتنى كۆزلىدىڭلار، ئاندىن اﷲ سىناش ئۈچۈن سىلەردىن دۈشمەننى قايتۇردى (يەنى سىلەرنى غەلىبىدىن مەغلۇبىيەتكە يۈزلەندۈردى) ۋە سىلەرنى ھەقىقەتەن ئەپۇ قىلدى. اﷲ مۆمىنلەرگە مەرھەمەت قىلغۇچىدۇر
- Malayalam - ശൈഖ് മുഹമ്മദ് കാരകുന്ന് : അല്ലാഹു നിങ്ങളോടുള്ള അവന്റെ വാഗ്ദാനം നിറവേറ്റിയിരിക്കുന്നു. ആദ്യം അവന്റെ അനുമതി പ്രകാരം നിങ്ങളവരുടെ കഥകഴിച്ചുകൊണ്ടിരിക്കുകയായിരുന്നു. പിന്നെ, നിങ്ങള് ദുര്ബലരാവുകയും കാര്യനിര്വഹണത്തിന്റെ പേരില് പരസ്പരം തര്ക്കിക്കുകയും ചെയ്തു. നിങ്ങള്ക്ക് ഏറെ പ്രിയപ്പെട്ടത് അല്ലാഹു നിങ്ങള്ക്ക് കാണിച്ചുതന്നശേഷം നിങ്ങള് അനുസരണക്കേട് കാണിച്ചു. നിങ്ങളില് ഐഹിക താത്പര്യങ്ങളുള്ളവരുണ്ട്. പരലോകം കൊതിക്കുന്നവരുമുണ്ട്. പിന്നീട് അല്ലാഹു നിങ്ങളെ അവരില്നിന്ന് പിന്തിരിപ്പിച്ചു; നിങ്ങളെ പരീക്ഷിക്കാന്. അല്ലാഹു നിങ്ങള്ക്ക് മാപ്പേകിയിരിക്കുന്നു. അവന് സത്യവിശ്വാസികളോട് അത്യുദാരന് തന്നെ.
- عربى - التفسير الميسر : ولقد حقق الله لكم ما وعدكم به من نصر حين كنتم تقتلون الكفار في غزوه "احد" باذنه تعالى حتى اذا جبنتم وضعفتم عن القتال واختلفتم هل تبقون في مواقعكم او تتركونها لجمع الغنانم مع من يجمعها وعصيتم امر رسولكم حين امركم الا تفارفوا اماكنكم باي حال حلت بكم الهزيمه من بعد ما اراكم ما تحبون من النصر وتبين ان منكم من يريد الغنائم وان منكم من يطلب الاخره وثوابها ثم صرف الله وجوهكم عن عدوكم ليختبركم وقد علم الله ندمكم وتوبتكم فعفا عنكم والله ذو فضل عظيم على المومنين
*109). The failure of the Muslims was of such a serious nature that had God not pardoned them they might have been obliterated there and then. It was out of God's grace, support and patronage that after the Muslims had been overpowered by the enemy the latter were seized with perplexity and confusion, and withdrew.