- عربي - نصوص الآيات عثماني : ۞ يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُۥ ۚ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْكَٰفِرِينَ
- عربى - نصوص الآيات : ۞ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ۖ وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ۚ والله يعصمك من الناس ۗ إن الله لا يهدي القوم الكافرين
- عربى - التفسير الميسر : يا أيها الرسول بلِّغ وحي الله الذي أنزِل إليك من ربك، وإن قصَّرت في البلاغ فَكَتَمْتَ منه شيئًا، فإنك لم تُبَلِّغ رسالة ربِّك، وقد بلَّغ صلى الله عليه وسلم رسالة ربه كاملة، فمن زعم أنه كتم شيئًا مما أنزِل عليه، فقد أعظم على الله ورسوله الفرية. والله تعالى حافظك وناصرك على أعدائك، فليس عليك إلا البلاغ. إن الله لا يوفق للرشد مَن حاد عن سبيل الحق، وجحد ما جئت به من عند الله.
- السعدى : ۞ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
هذا أمر من الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم بأعظم الأوامر وأجلها، وهو التبليغ لما أنزل الله إليه، ويدخل في هذا كل أمر تلقته الأمة عنه صلى الله عليه وسلم من العقائد والأعمال والأقوال، والأحكام الشرعية والمطالب الإلهية. فبلغ صلى الله عليه وسلم أكمل تبليغ، ودعا وأنذر، وبشر ويسر، وعلم الجهال الأميين حتى صاروا من العلماء الربانيين، وبلغ بقوله وفعله وكتبه ورسله. فلم يبق خير إلا دل أمته عليه، ولا شر إلا حذرها عنه، وشهد له بالتبليغ أفاضل الأمة من الصحابة، فمن بعدهم من أئمة الدين ورجال المسلمين. { وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ ْ} أي: لم تبلغ ما أنزل إليك من ربك { فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ْ} أي: فما امتثلت أمره. { وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ْ} هذه حماية وعصمة من الله لرسوله من الناس، وأنه ينبغي أن يكون حرصك على التعليم والتبليغ، ولا يثنيك عنه خوف من المخلوقين فإن نواصيهـم بيد الله وقد تكفل بعصمتك، فأنت إنما عليك البلاغ المبين، فمن اهتدى فلنفسه، وأما الكافرون الذين لا قصد لهم إلا اتباع أهوائهم فإن الله لا يهديهم ولا يوفقهم للخير، بسبب كفرهم.
- الوسيط لطنطاوي : ۞ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
روى المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها ما أخرجه ابن أبى حاتم عن جابر بن عبد الله الأنصارى قال: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى أنمار، نزل ذات الرقاع بأعلى نخل. فبينما هو جالس على رأس بئر قد دلى رجليه، فقال الحارث من بنى النجار: لأقتلن محمدا فقال له أصحابه: كيف تقتله؟ قال: أقول له أعطنى سيفك، فإذا أعطانيه قتلته به. قال: فأتاه فقال يا محمد. أعطنى سيفك أشيمه- أى أراه- فأعطاه إياه- فرعدت يده حتى سقط السيف من يده: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حال الله بينك وبين ما تريد.
فأنزل الله- تعالى- يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ.. الآية.
قال الفخر الرازي- بعد أن ذكر عشرة أقوال في سبب نزولها- واعلم أن هذه الروايات وإن كثرت إلا أن الأولى حمل الآية على أن الله- تعالى- آمنه من مكر اليهود والنصارى، وأمره بإظهار التبليغ من غير مبالاة منه بهم، وذلك لأن ما قبل هذه الآية بكثير وما بعدها بكثير لما كان كلاما مع اليهود والنصارى، امتنع إلقاء هذه الآية الواحدة على وجه تكون أجنبية عما قبلها وما بعدها».
وهذا الذي قاله الإمام الرازي هو الذي تسكن إليه النفس أى أن الآية الكريمة ساقها الله- تعالى- لتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم وتقوية قلبه وأمره بالمضي في تبليغ رسالته بدون خوف من أعدائه الذين حدثه عن مكرهم به وكراهتهم له، حديثا مستفيضا، وقد بشره- سبحانه- في هذه الآية بأنه حافظه من مكرهم وعاصمه من كيدهم.
وقوله: بَلِّغْ من التبليغ بمعنى: إيصال الشيء إلى المطلوب إيصاله إليه.
والمعنى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ الكريم المرسل إلى الناس جميعا بَلِّغْ أى: أوصل إليهم ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ أى: كل ما أنزل إليك من ربك من الأوامر والنواهي والأحكام والآداب والأخبار دون أن تخشى أحدا إلا الله. وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ ما أمرت به من إيصال وتبليغ جميع ما أنزل إليك من ربك إلى الناس فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ أى: وإن لم تبلغ كل ما أنزل إليك من ربك كنت كمن لم يبلغ شيئا مما أوحاه الله إليه، لأن ترك بعض الرسالة يعتبر تركا لها كلها.
وقد عبر عن هذا المعنى صاحب الكشاف بقوله: قوله: وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ أى: وإن لم تبلغ جميعه كما أمرتك. فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ أى: فلم تبلغ إذا ما كلفت به من أداء الرسالة، ولم تؤد منها شيئا قط، وذلك أن بعضها ليس بأولى بالأداء من بعض وإن لم تؤد بعضها فكأنك أغفلت أداءها جميعا، كما أن من لم يؤمن ببعضها كان كمن لم يؤمن بكلها، لإدلاء كل منها بما يدلى به
غيرها، وكونها لذلك في حكم شيء واحد. والشيء الواحد لا يكون مبلغا غير مبلغ مؤمنا به غير مؤمن به».
وفي ندائه صلى الله عليه وسلم بوصف الرسالة تشريف له وتكريم وتمهيد لما يأمره به الله من وجوب تبليغ ما كلف بتبليغه إلى الناس دون أن يخشى أحدا سواه.
لأن الله- تعالى- هو الذي خلقه ورباه وتعهده بالرعاية والحماية. وهو الذي اختاره لحمل هذه الرسالة دون غيره، فمن الواجب عليه صلى الله عليه وسلم أن يبلغ جميع ما أنزل إليه منه- سبحانه- قال الجمل: وقوله: وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ظاهر هذا التركيب اتحاد الشرط والجزاء، لأنه يؤول ظاهرا إلى وإن لم تفعل فما فعلت، مع أنه لا بد وأن يكون الجواب مغايرا للشرط لتحصل الفائدة ومتى اتحدا اختل الكلام.
وقد أجاب عن ذلك ابن عطية بقوله أى: وإن تركت شيئا فقد تركت الكل وصار ما بلغته غير معتد به فصار المعنى: وإن لم تستوف ما أمرت بتبليغه فحكمك في العصيان وعدم الامتثال حكم من لم يبلغ شيئا أصلا».
وقال صاحب الانتصاف ما ملخصه: ولما كان عدم تبليغ الرسالة أمرا معلوما عند الناس أنه عظيم شنيع، ينقم على مرتكبه بل إن عدم نشر العلم من العالم أمر فظيع، فضلا عن كتمان الرسالة من الرسول: لما كان الأمر كذلك استغنى عن ذكر الزيادات التي يتفاوت بها الشرط والجزاء، للصوقها بالجزاء في الأفهام وإن كان من سمع عدم تبليغ الرسالة فهم ما وراءه من الوعيد والتهديد، وحسن هذا الأسلوب في الكتاب العزيز يذكر الشرط عاما بقوله: وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ ولم يقل: فإن لم تبلغ الرسالة فما بلغت الرسالة، حتى يكون اللفظ متغايرا، وهذه المغايرة اللفظية- وإن كان المعنى واحدا- أحسن رونقا، وأظهر طلاوة من تكرار اللفظ الواحد في الشرط والجزاء، وهذا الفصل كاللباب من علم البيان».
هذا، ومن المعلوم الذي لا خفاء فيه عند كل مسلم، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ ما أمره الله به البلاغ التام، وقام به أتم القيام دون أن يزيد شيئا على ما كلفه به ربه أو ينقص شيئا.
وقد ساق ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية جملة من النصوص التي تشهد بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد امتثل أمر الله في تبليغ رسالته، ومن ذلك ما رواه الشيخان عن عائشة أنها قالت لمسروق: من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم كتم شيئا مما أنزل الله عليه فقد كذب.
والله يقول: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ.. الآية.
ثم قال: ابن كثير: وقد شهدت له صلى الله عليه وسلم أمته بإبلاغ الرسالة، واستنطقهم بذلك في أعظم المحافل في خطبته يوم حجة الوداع. فقد قال في خطبته يومئذ: «أيها الناس، إنكم مسئولون عنى فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت».
وقوله: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ وعد منه- سبحانه- بحفظ نبيه من كيد أعدائه.
وقوله: يَعْصِمُكَ من العصم بمعنى الإمساك والمنع. وأصله- كما يقول ابن جرير- من عصام القربة، وهو ما تربط به من سير وخيط ومنه قول الشاعر:
وقلت عليكم بمالك إن مالكا ... سيعصمكم إن كان في الناس عاصم
أى: سيمنعكم.
والمعنى: عليك يا محمد أن تبلغ رسالة الله دون أن تخشى أحدا سواه، والله- تعالى- يحفظك من كيد أعدائك ويمنعك من أن تعلق نفسك بشيء من شبهاتهم واعتراضاتهم ويصون حياتك عن أن يعتدى عليها أحد بالقتل أو الإهلاك:
فالمراد بالعصمة هنا: عصمة نفسه وجسمه صلى الله عليه وسلم من القتل أو الإهلاك، وعصمة دعوته من أن يحول دون نجاحها حائل. وهذا لا ينافي ما تعرض له صلى الله عليه وسلم من بأساء وضراء وأذى بدني، فقد رماه المشركون بالحجارة حتى سالت دماؤه، وشج وجهه وكسرت رباعيته في غزوة أحد.
والمراد بالناس هنا: المشركون والمنافقون واليهود ومن على شاكلتهم في الكفر والضلال والعناد، إذ ليس في المؤمنين الصادقين إلا كل محب لله ولرسوله.
ولقد تضمنت هذه الجملة الكريمة معجزة كبرى للرسول صلى الله عليه وسلم فقد عصم الله- تعالى- حياة رسوله عن أن يصيبها قتل أو إهلاك على أيدى الناس مهما دبروا له من مكر وكيد.
لقد نجاه من كيدهم عند ما اجتمعوا لقتله في دار الندوة ليلة هجرته إلى المدينة.
ونجاه من كيد اليهود عند ما هموا بإلقاء حجر عليه وهو جالس تحت دار من دورهم.
ونجاه من مكرهم عند ما هموا بإلقاء حجر عليه وهو جالس تحت دار من دورهم.
ونجاه من مكرهم عند ما وضعت إحدى نسائهم السم في طعام قدم إليه صلى الله عليه وسلم.
إلى غير ذلك من الأحداث التي تعرض لها النبي صلى الله عليه وسلم من أعدائه. ولكن الله- تعالى- نجاه منهم
وهناك آثار تشهد بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرس من بعض أصحابه فلما نزلت هذه الآية صرفهم عن حراسته.
فقد أخرج الترمذي والحاكم وابن أبى حاتم وابن جرير عن عائشة قالت: كان رسول الله يحرس ليلا حتى نزلت وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة فقال لهم: «أيها الناس انصرفوا لقد عصمنى الله» .
وقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ تذييل قصد به تعليل عصمته صلى الله عليه وسلم وتثبيت قلبه أى: إن الله- تعالى- لا يهدى القوم الكافرين إلى طريق الحق بسبب عنادهم وإيثارهم الغي على الرشد. ولا يوصلهم إلى ما يريدونه من قتلك ومن القضاء على دعوتك، بل سينصرك عليهم ويجعل العاقبة لك.
وبعد هذا التثبيت والتكريم لنبيه. أمره- سبحانه- أن يصارح أهل الكتاب بما هم عليه من باطل وأن يدعوهم إلى اتباع الحق الذي جاء به فقال- تعالى-:
- البغوى : ۞ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
قوله عز وجل : ( ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ) الآية ، روي عن مسروق قال : قالت عائشة رضي الله عنها من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم كتم شيئا مما أنزل الله فقد كذب ، وهو يقول : ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك الآية . روى الحسن : أن الله تعالى لما بعث رسوله ضاق ذرعا وعرف أن من الناس من يكذبه ، فنزلت هذه الآية .
وقيل : نزلت في عيب اليهود ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاهم إلى الإسلام ، فقالوا أسلمنا قبلك وجعلوا يستهزئون به ، فيقولون له : تريد أن نتخذك حنانا كما اتخذت النصارى عيسى ابن مريم حنانا ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك سكت فنزلت هذه الآية ، وأمره أن يقول لهم : " ياأهل الكتاب لستم على شيء " الآية .
وقيل : بلغ ما أنزل إليك من الرجم والقصاص ، نزلت في قصة اليهود .
وقيل : نزلت في أمر زينب بنت جحش ونكاحها .
وقيل : في الجهاد ، وذلك أن المنافقين كرهوه ، كما قال الله تعالى : فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت ( محمد ، 20 ) وكرهه بعض المؤمنين قال الله تعالى : " ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم " الآية ( النساء ، 70 ) ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمسك في بعض الأحايين عن الحث على الجهاد لما يعلم من كراهة بعضهم ، فأنزل الله هذه الآية .
قوله تعالى : ( وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ) قرأ أهل المدينة ( رسالاته ) ، على الجمع والباقون رسالته على التوحيد .
ومعنى الآية : إن لم تبلغ الجميع وتركت بعضه ، فما بلغت شيئا ، أي : جرمك في ترك تبليغ البعض كجرمك في ترك تبليغ الكل ، كقوله : " ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا " ( النساء ، 150 - 151 ) ، أخبر أن كفرهم بالبعض محبط للإيمان بالبعض .
وقيل : بلغ ما أنزل إليك أي : أظهر تبليغه ، كقوله : " فاصدع بما تؤمر " ( الحجر ، 94 ) وإن لم تفعل : فإن لم تظهر تبليغه فما بلغت رسالته ، أمره بتبليغ ما أنزل إليه مجاهرا محتسبا صابرا ، غير خائف ، فإن أخفيت منه شيئا لخوف يلحقك فما بلغت رسالته .
( والله يعصمك من الناس ) يحفظك ويمنعك من الناس ، فإن قيل : أليس قد شج رأسه وكسرت رباعيته وأوذي بضروب من الأذى؟
قيل : معناه يعصمك من القتل فلا يصلون إلى قتلك .
وقيل : نزلت هذه الآية بعدما شج رأسه لأن سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن .
وقيل : والله يخصك بالعصمة من بين الناس ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم .
( إن الله لا يهدي القوم الكافرين ) أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو اليمان أنا شعيب عن الزهري أنا سنان بن أبي سنان الدؤلي وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن جابر بن عبد الله أخبره أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد ، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قفل معه وأدركتهم القائلة في واد كثير العضاة ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق الناس يستظلون بالشجر ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة وعلق بها سيفه ونمنا نومة ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا وإذا عنده أعرابي ، فقال : " إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم ، فاستيقظت وهو في يده صلتا ، فقال : من يمنعك مني؟ فقلت : الله " ثلاثا " ، ولم يعاقبه وجلس . .
وروى محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الأعرابي سل سيفه وقال : من يمنعك مني يا محمد قال : الله ، فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف من يده وجعل يضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا إسماعيل بن خليل أخبرنا علي بن مسهر أنا يحيى بن سعيد أنا عبد الله بن عامر بن ربيعة قال : سمعت عائشة رضي الله عنها تقول : كان النبي صلى الله عليه وسلم سهر فلما قدم المدينة قال ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة ، إذ سمعنا صوت سلاح ، فقال : من هذا؟ قال : أنا سعد بن أبي وقاص جئت لأحرسك ، فنام النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال عبد الله بن شقيق عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية : ( والله يعصمك من الناس ) فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة فقال لهم : "
أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله سبحانه وتعالى " . - ابن كثير : ۞ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
يقول تعالى مخاطبا عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم باسم الرسالة ، وآمرا له بإبلاغ جميع ما أرسله الله به ، وقد امتثل صلوات الله وسلامه عليه ذلك ، وقام به أتم القيام .
قال البخاري عند تفسير هذه الآية : حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا سفيان ، عن إسماعيل ، عن الشعبي ، عن مسروق عن عائشة قالت : من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم كتم شيئا مما أنزل عليه فقد كذب ، الله يقول : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ) الآية .
هكذا رواه ههنا مختصرا ، وقد أخرجه في مواضع من صحيحه مطولا . وكذا رواه مسلم في " كتاب الإيمان " والترمذي والنسائي في " كتاب التفسير " من سننهما من طرق ، عن عامر الشعبي ، عن مسروق بن الأجدع عنها رضي الله عنها .
وفي الصحيحين عنها أيضا أنها قالت : لو كان محمد صلى الله عليه وسلم كاتما من القرآن شيئا لكتم هذه الآية : ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) [ الأحزاب : 37 ] .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا عباد عن هارون بن عنترة عن أبيه قال : كنت عند ابن عباس فجاء رجل فقال له : إن ناسا يأتونا فيخبرونا أن عندكم شيئا لم يبده رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس . فقال : ألم تعلم أن الله تعالى قال : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ) والله ما ورثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء في بيضاء .
وهذا إسناد جيد ، وهكذا في صحيح البخاري من رواية أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي قال : قلت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : هل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن؟ فقال : لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن ، وما في هذه الصحيفة . قلت : وما في هذه الصحيفة؟ قال : العقل ، وفكاك الأسير ، وألا يقتل مسلم بكافر .
وقال البخاري : قال الزهري : من الله الرسالة ، وعلى الرسول البلاغ ، وعلينا التسليم .
وقد شهدت له أمته ببلاغ الرسالة وأداء الأمانة ، واستنطقهم بذلك في أعظم المحافل ، في خطبته يوم حجة الوداع ، وقد كان هناك من الصحابة نحو من أربعين ألفا كما ثبت في صحيح مسلم ، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يومئذ : " أيها الناس ، إنكم مسئولون عني ، فما أنتم قائلون؟ " قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت . فجعل يرفع إصبعه إلى السماء ويقلبها إليهم ويقول : " اللهم هل بلغت ، اللهم هل بلغت " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا ابن نمير ، حدثنا فضيل - يعني ابن غزوان - عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : " يا أيها الناس ، أي يوم هذا؟ " قالوا : يوم حرام . قال : " أي بلد هذا؟ " قالوا : بلد حرام . قال : " فأي شهر هذا؟ " قالوا : شهر حرام . قال : " فإن أموالكم ودماءكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا " . ثم أعادها مرارا . ثم رفع إصبعه إلى السماء فقال : " اللهم هل بلغت! " مرارا - قال : يقول ابن عباس : والله لوصية إلى ربه عز وجل - ثم قال : " ألا فليبلغ الشاهد الغائب ، لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " .
وقد روى البخاري عن علي ابن المديني ، عن يحيى بن سعيد عن فضيل بن غزوان ، به نحوه .
وقوله : ( وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ) يعني : وإن لم تؤد إلى الناس ما أرسلتك به ( فما بلغت رسالته ) أي : وقد علم ما يترتب على ذلك لو وقع .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ) يعني : إن كتمت آية مما أنزل إليك من ربك لم تبلغ رسالته .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي : حدثنا قبيصة بن عقبة حدثنا سفيان ، عن رجل عن مجاهد قال : لما نزلت : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ) قال : " يا رب ، كيف أصنع وأنا وحدي؟ يجتمعون علي " . فنزلت ( وإن لم تفعل فما بلغت رسالته )
ورواه ابن جرير من طريق سفيان - وهو الثوري - به .
وقوله : ( والله يعصمك من الناس ) أي : بلغ أنت رسالتي ، وأنا حافظك وناصرك ومؤيدك على أعدائك ومظفرك بهم ، فلا تخف ولا تحزن ، فلن يصل أحد منهم إليك بسوء يؤذيك .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول هذه الآية يحرس كما قال الإمام أحمد :
حدثنا يزيد ، حدثنا يحيى قال سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة يحدث : أن عائشة كانت تحدث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سهر ذات ليلة ، وهي إلى جنبه ، قالت : فقلت : ما شأنك يا رسول الله؟ قال : " ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة؟ " قالت : فبينا أنا على ذلك إذ سمعت صوت السلاح فقال : " من هذا؟ " فقال : أنا سعد بن مالك . فقال : " ما جاء بك؟ " قال : جئت لأحرسك يا رسول الله . قالت : فسمعت غطيط رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومه . أخرجاه في الصحيحين من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري به .
وفي لفظ : سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة مقدمه المدينة . يعني : على أثر هجرته [ إليها ] بعد دخوله بعائشة رضي الله عنها ، وكان ذلك في سنة ثنتين منها .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا إبراهيم بن مرزوق البصري - نزيل مصر - حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا الحارث بن عبيد - يعني أبا قدامة - ، عن الجريري ، عن عبد الله بن شقيق عن عائشة [ رضي الله عنها ] قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية : ( والله يعصمك من الناس ) قالت : فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة ، وقال : " يا أيها الناس ، انصرفوا فقد عصمني الله عز وجل " .
وهكذا رواه الترمذي ، عن عبد بن حميد وعن نصر بن علي الجهضمي كلاهما عن مسلم بن إبراهيم به . ثم قال : وهذا حديث غريب .
وهكذا رواه ابن جرير والحاكم في مستدركه ، من طرق مسلم بن إبراهيم به . ثم قال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه . وكذا رواه سعيد بن منصور ، عن الحارث بن عبيد أبي قدامة [ الإيادي ] عن الجريري ، عن عبد الله بن شقيق ، عن عائشة به .
ثم قال الترمذي : وقد روى بعضهم هذا عن الجريري ، عن ابن شقيق قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس . ولم يذكر عائشة .
قلت : هكذا رواه ابن جرير من طريق إسماعيل بن علية وابن مردويه من طريق وهيب كلاهما عن الجريري عن عبد الله بن شقيق مرسلا وقد روي هذا مرسلا عن سعيد بن جبير ومحمد بن كعب القرظي رواهما ابن جرير والربيع بن أنس رواه ابن مردويه ثم قال :
حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا أحمد بن رشدين المصري ، حدثنا خالد بن عبد السلام الصدفي ، حدثنا الفضل بن المختار ، عن عبد الله بن موهب عن عصمة بن مالك الخطمي قال : كنا نحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل حتى نزلت : ( والله يعصمك من الناس ) فترك الحرس .
حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا حمد بن محمد بن حمد أبو نصر الكاتب البغدادي ، حدثنا كردوس بن محمد الواسطي ، حدثنا معلى بن عبد الرحمن ، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال : كان العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن يحرسه ، فلما نزلت هذه الآية : ( والله يعصمك من الناس ) ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرس .
حدثنا علي بن أبي حامد المديني ، حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد ، حدثنا محمد بن مفضل بن إبراهيم الأشعري ، حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن معاوية بن عمار ، حدثنا أبي قال : سمعت أبا الزبير المكي يحدث عن جابر بن عبد الله قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج بعث معه أبو طالب من يكلؤه ، حتى نزلت : ( والله يعصمك من الناس ) فذهب ليبعث معه ، فقال : " يا عم ، إن الله قد عصمني ، لا حاجة لي إلى من تبعث " .
وهذا حديث غريب وفيه نكارة فإن هذه الآية مدنية ، وهذا الحديث يقتضي أنها مكية .
ثم قال : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن يحيى ، حدثنا أبو كريب ، حدثنا عبد الحميد الحماني ، عن النضر ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس ، فكان يرسل معه أبو طالب كل يوم رجالا من بني هاشم يحرسونه ، حتى نزلت عليه هذه الآية : ( ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) قال : فأراد عمه أن يرسل معه من يحرسه ، فقال : " إن الله قد عصمني من الجن والإنس " .
ورواه الطبراني ، عن يعقوب بن غيلان العماني ، عن أبي كريب به .
وهذا أيضا غريب . والصحيح أن هذه الآية مدنية ، بل هي من أواخر ما نزل بها ، والله أعلم .
ومن عصمة الله [ عز وجل ] لرسوله حفظه له من أهل مكة وصناديدها وحسادها ومعانديها ومترفيها ، مع شدة العداوة والبغضة ونصب المحاربة له ليلا ونهارا ، بما يخلقه الله تعالى من الأسباب العظيمة بقدره وحكمته العظيمة . فصانه في ابتداء الرسالة بعمه أبي طالب إذ كان رئيسا مطاعا كبيرا في قريش وخلق الله في قلبه محبة طبيعية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا شرعية ، ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها ، ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر هابوه واحترموه ، فلما مات أبو طالب نال منه المشركون أذى يسيرا ، ثم قيض الله [ عز وجل ] له الأنصار فبايعوه على الإسلام ، وعلى أن يتحول إلى دارهم - وهي المدينة فلما صار إليها حموه من الأحمر والأسود ، فكلما هم أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء كاده الله ورد كيده عليه ، لما كاده اليهود بالسحر حماه الله منهم ، وأنزل عليه سورتي المعوذتين دواء لذلك الداء ، ولما سم اليهود في ذراع تلك الشاة بخيبر أعلمه الله به وحماه [ الله ] منه ; ولهذا أشباه كثيرة جدا يطول ذكرها ، فمن ذلك ما ذكره المفسرون عند هذه الآية الكريمة :
فقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا الحارث ، حدثنا عبد العزيز ، حدثنا أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي وغيره قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلا اختار له أصحابه شجرة ظليلة فيقيل تحتها . فأتاه أعرابي فاخترط سيفه ثم قال : من يمنعك مني؟ فقال : " الله عز وجل " ، فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف منه ، قال : وضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه ، فأنزل الله عز وجل : ( والله يعصمك من الناس )
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا موسى بن عبيدة حدثني زيد بن أسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني أنمار نزل ذات الرقاع بأعلى نخل ، فبينا هو جالس على رأس بئر قد دلى رجليه ، فقال غورث بن الحارث من بني النجار : لأقتلن محمدا . فقال له أصحابه : كيف تقتله؟ قال : أقول له : أعطني سيفك . فإذا أعطانيه قتلته به ، قال : فأتاه فقال : يا محمد أعطني سيفك أشيمه . فأعطاه إياه ، فرعدت يده حتى سقط السيف من يده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حال الله بينك وبين ما تريد " فأنزل الله ، عز وجل : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس )
وهذا حديث غريب من هذا الوجه وقصة " غورث بن الحارث " مشهورة في الصحيح .
وقال أبو بكر بن مردويه : حدثنا أبو عمرو أحمد بن محمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن عبد الوهاب ، حدثنا آدم ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : كنا إذا صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر تركنا له أعظم شجرة وأظلها ، فينزل تحتها ، فنزل ذات يوم تحت شجرة وعلق سيفه فيها ، فجاء رجل فأخذه فقال : يا محمد من يمنعك مني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الله يمنعني منك ، ضع السيف " . فوضعه ، فأنزل الله ، عز وجل : ( والله يعصمك من الناس )
وكذا رواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه ، عن عبد الله بن محمد ، عن إسحاق بن إبراهيم ، عن المؤمل بن إسماعيل ، عن حماد بن سلمة به .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة سمعت أبا إسرائيل - يعني الجشمي - سمعت جعدة - هو ابن خالد بن الصمة الجشمي - رضي الله عنه ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ورأى رجلا سمينا ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يومئ إلى بطنه بيده ويقول : " لو كان هذا في غير هذا لكان خيرا لك " . قال : وأتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل فقال : هذا أراد أن يقتلك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لم ترع ، لم ترع ، ولو أردت ذلك لم يسلطك الله علي " .
وقوله : ( إن الله لا يهدي القوم الكافرين ) أي : بلغ أنت ، والله هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء ، كما قال : ( ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ) [ البقرة : 272 ] وقال ( فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ) [ الرعد : 40 ] .
- القرطبى : ۞ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
قوله تعالى : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك قيل : معناه أظهر التبليغ ; لأنه كان في أول الإسلام يخفيه خوفا من المشركين ، ثم أمر بإظهاره في هذه الآية ، وأعلمه الله أنه يعصمه من الناس ، وكان عمر رضي الله عنه أول من أظهر إسلامه وقال : لا نعبد الله سرا ; وفي ذلك نزلت : يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين فدلت الآية على رد قول من قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من أمر الدين تقية ، وعلى بطلانه ، وهم الرافضة ، ودلت على أنه صلى الله عليه وسلم لم يسر إلى أحد شيئا من أمر الدين ; لأن المعنى بلغ جميع ما أنزل إليك ظاهرا ، ولولا هذا ما كان في قوله عز وجل : وإن لم تفعل فما بلغت رسالته فائدة ، وقيل : بلغ ما أنزل إليك من ربك في أمر زينب بنت جحش الأسدية رضي الله عنها ، وقيل غير هذا ، والصحيح القول بالعموم ; قال ابن عباس : المعنى بلغ جميع ما أنزل إليك من ربك ، فإن كتمت شيئا منه فما بلغت رسالته ; وهذا تأديب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وتأديب لحملة العلم من أمته ألا يكتموا شيئا من أمر شريعته ، وقد علم الله تعالى من أمر نبيه أنه لا يكتم شيئا من وحيه ; وفي صحيح مسلم عن مسروق عن عائشة أنها قالت : من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من الوحي فقد كذب ; والله تعالى يقول : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته وقبح الله الروافض حيث قالوا : إنه صلى الله عليه وسلم كتم شيئا مما أوحى الله إليه كان بالناس حاجة إليه .
الثانية : قوله تعالى : والله يعصمك من الناس فيه دليل على نبوته ; لأن الله عز وجل أخبر أنه معصوم ، ومن ضمن سبحانه له العصمة فلا يجوز أن يكون قد ترك شيئا مما أمره الله به ، وسبب نزول هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان نازلا تحت شجرة فجاء أعرابي فاخترط سيفه وقال للنبي صلى الله عليه وسلم : من يمنعك مني ؟ فقال : الله ; فذعرت يد الأعرابي وسقط السيف من يده ; وضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه ; ذكره المهدوي ، وذكره القاضي عياض في كتاب الشفاء قال : وقد رويت هذه القصة في الصحيح ، وأن غورث بن الحارث صاحب القصة ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عنه ; فرجع إلى قومه وقال : جئتكم من عند خير الناس ، وقد تقدم الكلام في هذا المعنى في هذه السورة عند قوله : إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم مستوفى ، وفي " النساء " أيضا في ذكر صلاة الخوف ، وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله قال : غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة قبل نجد فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في واد كثير العضاه فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة فعلق سيفه بغصن من أغصانها ، قال : وتفرق الناس في الوادي يستظلون بالشجر ، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن رجلا أتاني وأنا نائم فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي فلم أشعر إلا والسيف صلتا في يده فقال لي : من يمنعك مني - قال - قلت : الله ثم قال في الثانية من يمنعك مني - قال - قلت : الله قال فشام السيف فها هو ذا جالس ثم لم يعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم : لما بعثني الله برسالته ضقت بها ذرعا وعرفت أن من الناس من يكذبني فأنزل الله هذه الآية وكان أبو طالب يرسل كل يوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا من بني هاشم يحرسونه حتى نزل : والله يعصمك من الناس فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا عماه إن الله قد عصمني من الجن والإنس فلا أحتاج إلى من يحرسني .
قلت : وهذا يقتضي أن ذلك كان بمكة ، وأن الآية مكية وليس كذلك ، وقد تقدم أن هذه السورة مدنية بإجماع ; ومما يدل على أن هذه الآية مدنية ما رواه مسلم في الصحيح عن عائشة قالت : سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة ليلة فقال : ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة قالت : فبينا نحن كذلك سمعنا خشخشة سلاح ; فقال : من هذا ؟ قال : سعد بن أبي وقاص فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما جاء بك ؟ فقال : وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أحرسه ; فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نام ، وفي غير الصحيح قالت : فبينما نحن كذلك سمعت صوت السلاح ; فقال : من هذا ؟ فقالوا : سعد وحذيفة جئنا نحرسك ; فنام صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه ونزلت هذه الآية ; فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من قبة أدم وقال : انصرفوا أيها الناس فقد عصمني الله .
وقرأ أهل المدينة : " رسالاته " على الجمع ، وأبو عمرو وأهل الكوفة : " رسالته " على التوحيد ; قال النحاس : والقراءتان حسنتان والجمع أبين ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل عليه الوحي شيئا فشيئا ثم يبينه ، والإفراد يدل على الكثرة ; فهي كالمصدر والمصدر في أكثر الكلام لا يجمع ولا يثنى لدلالته على نوعه بلفظه كقوله : وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها . إن الله لا يهدي القوم الكافرين أي : لا يرشدهم وقد تقدم ، وقيل : أبلغ أنت فأما الهداية فإلينا . نظيره ما على الرسول إلا البلاغ والله أعلم .
- الطبرى : ۞ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)
قال أبو جعفر: وهذا أمر من الله تعالى ذكره نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم، (13) بإبلاغ هؤلاء اليهود والنصارى من أهل الكتابين الذين قصَّ تعالى ذكره قَصَصهم في هذه السورة، وذكر فيها معايبهم وخُبْثَ أديانهم، واجتراءَهم على ربهم، وتوثُّبهم على أنبيائهم، وتبديلَهم كتابه، وتحريفَهم إياه، ورداءةَ مطاعِمهم ومآكلهم= وسائرِ المشركين غيرِهم، (14) ما أنـزل عليه فيهم من معايبهم، والإزراء عليهم، والتقصير بهم، والتهجين لهم، وما أمرهم به ونهاهم عنه، وأن لا يُشْعر نفسَه حذرًا منهم أن يُصيبوه في نفسه بمكروهٍ ما قام فيهم بأمر الله، (15) ولا جَزعًا من كثرة عددهم وقلّة عدد من معه، وأن لا يتّقى أحدًا في ذات الله، فإن الله تعالى ذكره كافيه كلَّ أحد من خلقه، ودافعٌ عنه مكروهَ كل من يبغي مكروهه. (16) وأعلمه تعالى ذكره أنه إن قصَّر عن إبلاغ شيء مما أنـزل إليه إليهم، فهو في تركه تبليغ ذلك= وإن قلّ ما لم يبلّغ منه= فهو في عظيم ما ركب بذلك من الذَّنب بمنـزلته لو لم يبلِّغ من تنـزيله شيئًا.
* * *
وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
12270 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " يا أيها الرسول بلِّغ ما أنـزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته "، يعني: إن كتمت آية مما أنـزل عليك من ربك، لم تبلِّغ رسالاتي. (17)
12271 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " يا أيها الرسول بلغ ما أنـزل إليك من ربك "، الآية، أخبر الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم أنه سيكفيه الناس، ويعصمه منهم، وأمره بالبلاغ. ذكر لنا أن نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم قيل له: لو احتجبت! فقال: والله لأبديَنَّ عَقِبي للناس ما صاحبتهم. (18)
12272 - حدثني الحارث بن محمد قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان الثوري، عن رجل، عن مجاهد قال: لما نـزلت: " بلغ ما أنـزل إليك من ربك "، قال: إنما أنا واحد، كيف أصنع؟ تجَمَّع عليّ الناس! (19) فنـزلت: " وإن لم تفعل فما بلغت رسالته "، الآية.
12273 - حدثنا هناد وابن وكيع قالا حدثنا جرير، عن ثعلبة، عن جعفر، عن سعيد بن جبير قال: لما نـزلت: " يا أيها الرسول بلغ ما أنـزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس "، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تحرسوني، إنّ ربّي قد عَصَمني. (20)
12274 - حدثني يعقوب بن إبراهيم وابن وكيع قالا حدثنا ابن علية، عن الجُريريّ، عن عبد الله بن شقيق: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتقِبه ناسٌ من أصحابه، فلما نـزلت: " والله يعصمك من الناس "، خرج فقال: يا أيها الناس، الحقوا بملاحِقِكم، فإنّ الله قد عصمني من الناس. (21)
12275 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن عاصم بن محمد، عن محمد بن كعب القرظي قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحارسه أصحابه، فأنـزل الله تعالى ذكره: " يا أيها الرسول بلغ ما أنـزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته "، إلى آخرها.
12276 - حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا الحارث بن عبيدة أبو قدامة الإيادي قال، حدثنا سعيد الجريري، عن عبد الله بن شقيق، عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحْرَس، حتى نـزلت هذه الآية: " والله يعصمك من الناس "، قالت: فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم رأسه من القُبَّة فقال:أيها الناس، انصرفوا، فقد عصمني الله. (22)
12277 - حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال، حدثنا سفيان، عن عاصم، عن القرظيّ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال يُحْرَس، حتى أنـزل الله: " والله يعصمك من الناس ".
* * *
واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نـزلت هذه الآية.
فقال بعضهم: نـزلت بسبب أعرابيّ كان همَّ بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكفاه الله إياه.
ذكر من قال ذلك:
12278 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي وغيره قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نـزل منـزلا اختار له أصحابه شجرة ظليلة، فيَقِيل تحتها. فأتاه أعرابي فاخترط سيفه ثم قال (23) من يمنعك مني؟ قال: الله! فرُعِدت يد الأعرابيّ وسقط السيف منه، (24) قال: وضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دُماغه، فأنـزل الله: " والله يعصمك من الناس ". (25)
* * *
وقال آخرون: بل نـزلت لأنه كان يخاف قريشًا، فأومن من ذلك.
ذكر من قال ذلك:
12279 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يهاب قريشًا، فلما نـزلت: " والله يعصمك من الناس "، استلقى ثم قال:من شاء فليخذلني= مرتين أو ثلاثًا.
12280 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن ابن أبي خالد، عن عامر، عن مسروق قال، قالت عائشة: من حدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئًا من الوحي فقد كذب! ثم قرأت: " يا أيها الرسول بلغ ما أنـزل إليك "، الآية. (26)
12281 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن المغيرة، عن الشعبي قال، قالت عائشة: من قال إن محمدًا صلى الله عليه وسلم كتم، فقد كذبَ وأعظم الفرية على الله! قال الله تعالى ذكره: " يا أيها الرسول بلغ ما أنـزل إليك من ربك " الآية.
12282 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال: أخبرنا داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن مسروق قال، قالت عائشة: من زعم أنّ محمدًا صلى الله عليه وسلم كتم شيئًا من كتاب الله، فقد أعظم على الله الفرية! والله يقول: " يا أيها الرسول بلغ ما أنـزل إليك من ربك "، الآية. (27)
12283 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني خالد، عن سعيد بن أبي هلال، عن محمد بن الجهم، عن مسروق بن الأجدع قال: دخلت على عائشة يومًا فسمعتها تقول: لقد أعظمَ الفرية من قال إنّ محمدًا كتم شيئًا من الوحي! والله يقول: " يا أيها الرسول بلغ ما أنـزل إليك من ربك ". (28)
* * *
ويعني بقوله: " والله يعصمك من الناس "، يمنعك من أن ينالوك بسوء. وأصله من " عِصَام القربة "، وهو ما تُوكىَ به من سير وخيط، (29)
ومنه قول الشاعر: (30)
وَقُلْــتُ: عَلَيْكُــمْ مَالِكًـا, إنَّ مَالِكًـا
سَـيَعْصِمُكُمُ, إنْ كَانَ فِي النَّاسِ عَاصِمُ (31)
يعني: يمنعكم.
* * *
وأما قوله: " إن الله لا يهدي القوم الكافرين "، فإنه يعني: إن الله لا يوفِّق للرُّشْد من حاد عن سبيل الحق، وجار عن قصد السبيل، وجحد ما جئته به من عند الله، ولم ينته إلى أمر الله وطاعته فيما فرض عليه وأوجبه. (32)
-----------------
الهوامش :
(13) في المطبوعة: "لنبيه محمد" ، غير ما في المخطوطة على غير طائل.
(14) قوله: "وسائر المشركين" مجرور معطوف على قوله: "بإبلاغ هؤلاء اليهود والنصارى ..." ومفعول قوله: "بإبلاغ هؤلاء ..." هو: "ما أنزل عليه فيهم".
(15) في المطبوعة: "أن يصيبه في نفسه مكروه" ، غير ما في المخطوطة على غير طائل.
(16) في المطبوعة والمخطوطة: "كل من يتقي مكروهه" ، وهو فاسد جدًا ، صوابه ما أثبت.
(17) في المطبوعة: "رسالتي" ، غير ما في المخطوطة.
(18) قوله: "احتجبت" ، أي: احتجبت عن الناس حتى لا يدرك منه من يبغيه الغوائل. و"العقب" هنا"عقب القدم" ، وهي مؤخرها ، وهي مؤنثة. يعني بذلك: لأظهرن لهم سائرًا بينهم لا أحتجب. وكل من خرج إلى الناس ، فقد بدا لهم عقبه ، وهو يسير بينهم. وهذه كناية حسنة. وقوله: "ما صاحبتهم" ، للتأييد ، كأنه قال: "ما عشت".
(19) في المطبوعة: "تجتمع على الناس" ، وأثبت ما في المخطوطة. ومعنى قوله: "تجمع على الناس" ، أي: تألبوا عليه وعادوه من جراء دعوته إلى دين الله. وهذا تعجب.
(20) الأثر: 12273-"جرير" ، هو"جرير بن عبد الحميد الضبي" ، مضى مرارًا كثيره.
و"ثعلبة" هو"ثعلبة بن سهيل التميمي الطهوي" ، كان متطببًا ، ثقة ، لا بأس به ، مترجم في التهذيب.
و"جعفر" هو"جعفر بن أبي المغيرة الخزاعي" ، مضى برقم: 87 ، 617 ، 4347 ، 7269.
وهذا خبر مرسل. انظر تفسير ابن كثير 3: 196.
(21) الأثر: 12274-"الجريري" ، هو"سعيد بن إياس الجريري" ، مضى برقم: 196.
و"عبد الله بن شقيق العقيلي" ، تابعي ثقة ، مضى برقم: 196 ، وهذا الخبر مرسل أيضًا ، وسيأتي موصولا برقم: 12276
وقوله: "يعتقبه ناس من أصحابه": أي يتناوبون حراسته ويتداولونها ، من"العقبة" وهي النوبة ، يقال: "جاءت عقبة فلان" ، أي نوبته.
وقوله: "ألحقوا بملاحقكم" ، يأمرهم أن يوافوا أماكنهم التي يرجعون إليها إذا آبوا. ولم أجد هذا التعبير في غير هذا الخبر ، ولا قيده أصحاب غريب الحديث. و"الملاحق" جمع"ملحق" (بفتح الميم وسكون اللام وفتح الحاء): أي الموضع الذي ينزلونه عند مرجعهم.
(22) الأثر: 12276-"الحارث بن عبيد الإيادي" ، "أبو قدامة" ، قال أحمد: "مضطرب الحديث" ، وقال ابن معين: "ضعيف" ، وقال أبو حاتم: "ليس بالقوي ، يكتب حديثه ولا يحتج به". وقال ابن حبان: "كان ممن كثر وهمه ، حتى خرج عن جملة من يحتج به إذا انفرد". مترجم في التهذيب. والكبير 1/ 2/ 273.
وهذا الخبر رواه الترمذي في كتاب التفسير وقال: "هذا حديث غريب ، وروى بعضهم هذا الحديث عن الجريري ، عن عبد الله بن شقيق ، ولم يذكر فيه عائشة".
ورواه الحاكم في المستدرك 2: 313 ، من هذه الطريق نفسها ثم قال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي.
وكان في المطبوعة: "فإن الله قد عصمني" ، خالف نص المخطوطة لغير شيء. وما في المخطوطة هو المطابق لروايته في الترمذي والمستدرك.
(23) "اخترط السيف": سله من غمده.
(24) هكذا جاءت الرواية"فرعدت يد الأعرابي" بالبناء للمجهول ، ولم أجد من"الرعدة" ثلاثيًا"رعد" بالبناء للمجهول ، بل الذي رووه وأطبقوا عليه"أرعد" (بالبناء للمجهول). فإن صح هذا الخبر ، فالثلاثي المبني للمجهول مما يزاد على مادة اللغة.
(25) الأثر: 12278- انظر خبر هذا الأعرابي فيما سلف رقم: 11565 ، والتعليق عليه هناك ، وليس فيه أنه ضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه.
(26) الأثر: 12280-"ابن أبي خالد" ، هو: "إسمعيل بن أبي خالد الأحمسي". وكان في المخطوطة والمطبوعة: "عن أبي خالد" ، وهو خطأ لا شك فيه ، فإن البخاري رواه من طريق وكيع ، عن إسمعيل بن أبي خالد ، عن عامر ، عن مسروق ، مطولا (الفتح 8: 466) ، وليس فيمن روى عنه وكيع هذا الخبر من يسمى"أبا خالد".
وهذا الخبر رواه أبو جعفر من أربع طرق ، سيأتي تخريجها بعد.
(27) الأثر: 12282- رواه مسلم مطولا في صحيحه ، من طريق إسماعيل بن علية ، عن داود.
وهذه الأخبار الثلاثة السالفة ، خبر واحد بأسانيد ثلاثة. رواه البخاري (الفتح 8: 206) من طريق سفيان ، عن إسمعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، عن مسروق. ثم رواه من هذه الطريق ، ومن طريق أبي عامر العقدي ، عن شعبة ، عن إسمعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي (الفتح 13: 422) ، مختصرا.
(28) الأثر: 12283-"الليث" هو"الليث بن سعد" الإمام.
و"خالد" ، هو: "خالد بن يزيد الجمحي المصري" ، الفقيه المفتي ، ثقة ، مضى برقم: 3965 ، 5465 ، 9185 ، 9507.
و"سعيد بن أبي هلال الليثي المصري" ، ثقة. مضى برقم: 1495 ، 3965 ، 5465.
(29) انظر تفسير"عصم" و"عصام" فيما سلف 7: 62 ، 63 ، 70/9: 341.
(30) لم أعرف قائله.
(31) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 171. و"عليك" اسم فعل للإغراء ، يقال: "عليك زيدًا" و"عليك بزيد".
(32) انظر تفسير"هدى" فيما سلف من فهارس اللغة.
- ابن عاشور : ۞ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
إنّ موضع هذه الآية في هذه السورة معضل ، فإنّ سورة المائدة من آخر السور نزولاً إن لم تكن آخرها نزولاً ، وقد بلّغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الشريعة وجميعَ ما أنزل إليه إلى يوم نزولها ، فلو أنّ هذه الآية نزلت في أوّل مدّة البعثة لقلنا هي تثبيت للرسول وتخفيف لأعباء الوحي عنه ، كما أنزل قوله تعالى : { فاصْدَعْ بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنّا كفيناك المستهزئين } [ الحجرات : 94 ، 95 ] وقوله : { إنّا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً إلى قوله { واصبِر على ما يقولون } [ المزمل : 5 10 ] الآيات ، فأمّا وهذه السورة من آخر السور نزولاً وقد أدّى رسول الله الرسالة وأُكْمِل الدّينُ فليس في الحال ما يقتضي أن يؤمر بتبليغ ، فنحن إذنْ بين احتمالين :
أحدهما : أن تكون هذه الآية نزلت بسبب خاصّ اقتضى إعادة تثبيت الرسول على تبليغ شيء ممّا يثقل عليه تبليغه .
وثانيهما : أن تكون هذه الآية نزلت من قبللِ نزول هذه السورة ، وهو الّذي تواطأت عليه أخبار في سبب نزولها .
فأمّا هذا الاحتمال الثّاني فلا ينبغي اعتباره لاقتضائه أن تكون هذه الآية بقيت سنين غير ملحقة بسورة ، ولا جائز أن تكون مقروءة بمفردها ، وبذلك تندحض جميع الأخبار الواردة في أسباب النزول الّتي تَذْكُر حوادث كلَّها حصلت في أزمان قبل زمن نزول هذه السورة . وقد ذكر الفخر عشرة أقوال في ذلك ، وذكر الطبري خبرين آخرين ، فصارت اثني عشر قولاً .
وقال الفخر بعد أن ذكر عشرة الأقوال : إنّ هذه الروايات وإن كثرت فإنّ الأوْلى حمل الآية على أنّ الله آمنَه مكر اليهود والنّصارى ، لأنّ ما قبلها وما بعدها كان كلاماً مع اليهود والنّصارى فامتنع إلقاء هذه الآية الواحدة في البين فتكونُ أجنبية عمّا قبلها وما بعدها اه . وأمّا ما ورد في الصّحيح أنّ رسول الله كان يُحرَس حتّى نزل { والله يعصمك من النّاس } فلا يدلّ على أنّ جميع هذه الآية نزلت يومئذٍ ، بل اقتصر الراوي على جزء منها ، وهو قوله : { والله يعصمك من النّاس } فلعلّ الّذي حدّثت به عائشة أنّ الله أخبر رسوله بأنّه عصمه من النّاس فلمّا حكاه الراوي حكاه باللّفظ الواقع في هذه الآية .
فتعيّن التعويل على الاحتمال الأوّل : فإمّا أن يكون سبب نزولها قضية ممّا جرى ذكره في هذه السورة ، فهي على وتيرة قوله تعالى : { يأيّها الرسول لا يحزنك الّذي يسارعون في الكفر } [ المائدة : 41 ] وقوله : { ولا تتّبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك } [ المائدة : 49 ] فكما كانت تلك الآية في وصف حال المنافقين تليتْ بهذه الآية لوصف حال أهل الكتاب . والفريقان متظاهران على الرسول صلى الله عليه وسلم فريق مجاهر ، وفريق متستر ، فعاد الخطاب للرسول ثانية بتثبيت قلبه وشرْح صدره بأن يدوم على تبليغ الشريعة ويجهد في ذلك ولا يكترث بالطاعنين من أهل الكتاب والكفّار ، إذ كان نزول هذه السورة في آخر مدّة النّبيء صلى الله عليه وسلم لأنّ الله دائم على عصمته من أعدائه وهم الّذين هوّن أمرهم في قوله :
{ يأيّها الرسول لا يحزنك الّذين يسارعون في الكفر } [ المائدة : 41 ] فهم المعنيّون من { الناس } في هذه الآية ، فالمأمور بتبليغه بعض خاصّ من القرآن .
وقد علم من خُلق النّبيء صلى الله عليه وسلم أنّه يحبّ الرفق في الأمور ويقول : إنّ الله رفيق يحبّ الرفق في الأمر كلّه ( كما جاء في حديث عائشة حين سلَّم اليهود عليه فقالوا : السامُ عليكم ، وقالت عائشة لهم : السامُ عليكم واللّعنة ) ، فلمّا أمره الله أن يقول لأهل الكتاب { وأنّ أكثركَم فاسقون قل هل أنبّئكم بشرّ من ذلك مثوبة عند الله مَن لعنه الله وغضب عليه } [ المائدة : 59 ، 60 ] الآية ، وكان ذلك القول مجاهرة لها م بسوءٍ أعلمه الله بأنّ هذا لا رفق فيه فلا يدخل فيما كان يعاملهم به من المجادلة بالّتي هي أحسن ، فتكون هذه الآية مخصّصة لما في حديث عائشة وتدخل في الاستثناء الّذي في قوله تعالى : { لا يحبّ الله الجهر بالسوء من القول إلاّ من ظُلم } [ النساء : 148 ] .
ولذلك أعيد افتتاح الخطاب له بوصف الرسول المشعِر بمنتهى شرفه ، إذ كان واسطة بين الله وخلقه ، والمذكِّر له بالإعراض عمّن سوى من أرسله .
ولهذا الوصف في هذا الخطاب الثّاني موقع زائد على موقعه في الخطَاب الأول ، وهو ما فيه من الإيماء إلى وجه بناء الكلام الآتي بعده ، وهو قوله : { وإن لم تفعل فما بلّغت رسالاته } ، كما قال تعالى : { ما على الرسول إلاّ البلاغ } [ المائدة : 99 ] .
فكما ثبّت جَنَانُه بالخطاب الأوّل أن لا يهتمّ بمكائد أعدائه ، حُذّر بالخطاب الثّاني من ملاينتهم في إبلاغهم قوارع القرآن ، أو من خشيته إعراضهم عنه إذا أنزل من القرآن في شأنهم ، إذ لعلّه يزيدهم عناداً وكفراً ، كما دلّ عليه قوله في آخر هذه الآية { وليزيدنّ كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربّك طغياناً وكفراً فلا تأس على القوم الكافرين } [ المائدة : 68 ] .
ثم عُقّب ذلك أيضاً بتثبيت جنانه بأن لا يهتمّ بكيدهم بقوله : { والله يعصمك من النّاس } وأنّ كيدهم مصروف عنه بقوله : { إنّ الله لا يهدي القوم الكافرين } . فحصل بآخر هذا الخطاب ردّ العجز على الصدر في الخطاب الأوّل الّتي تضمّنه قوله : { لا يحزنك الّذين يسارعون في الكفر } [ المائدة : 41 ] فإنّهم هم القوم الكافرون والّذين يسارعون في الكفر . فالتّبليغ المأمور به على هذا الوجه تبليغُ ما أنزل من القرآن في تقريع أهل الكتاب . وما صدق { ما أنزل إليك من ربّك } شيء معهود من آي القرآن ، وهي الآي المتقدّمة على هذه الآية . وما صدقُ { ما أنزل إليك من ربّك } هو كلّ ما نزل من القرآن قبل ذلك اليوم .
والتّبليغ جعل الشيء بالغاً . والبلوغ الوصول إلى المكان المطلوب وصوله ، وهو هنا مجاز في حكاية الرّسالة للمرسل بها إليه من قولهم : بَلَغ الخبر وبلغَت الحاجة . والأمر بالتّبليغ مستعمل في طلب الدّوام ، كقوله تعالى : { يأيّها الّذين آمَنوا آمِنوا بالله ورسوله } [ النساء : 136 ] . ولمّا كان نزول الشريعة مقصوداً به عمل الأمّة بها ( سواء كان النّازل متعلّقاً بعمل أم كان بغير عمل ، كالّذي ينزل ببيان أحوال المنافقين أو فضائل المؤمنين أو في القصص ونحوها ، لأنّ ذلك كلّه إنّما نزل لفوائد يتعيّن العلم بها لحصول الأغراض الّتي نزلت لأجلها ، على أنّ للقرآن خصوصية أخرى وهي ما له من الإعجاز ، وأنّه متعبَّد بتلاوته ، فالحاجة إلى جميع ما ينزل منه ثابتة بقطع النّظر عمّا يحويه من الأحكام وما به من مواعظ وعبر ) ، كان معنى الرّسالة إبلاغ ما أنزل إلى مَن يراد علمه به وهو الأمّة كلّها ، ولأجل هذا حذف متعلِّق { بلِّغ } لقصد العموم ، أي بلّغ ما أنزل إليك جميع من يحتاج إلى معرفته ، وهو جميع الأمّة ، إذ لا يُدرى وقت ظهور حاجة بعض الأمّة إلى بعض الأحكام ، على أنّ كثيراً من الأحكام يحتاجها جميع الأمّة .
والتّبليغ يحصل بما يكفل للمحتاج إلى معرفة حكممٍ تَمكُّنَه من معرفته في وقت الحاجة أو قبله ، لذلك كان الرسول عليه الصّلاة والسّلام يقرأ القرآن على النّاس عند نزول الآية ويأمر بحفظها عن ظهر قلب وبكتابتها ، ويأمر النّاس بقراءته وبالاستماع إليه . وقد أرسل مصعباً بن عُمير إلى المدينة قبل هجرته ليعلّم الأنصار القرآن . وكان أيضاً يأمر السامع مقالتَه بإبلاغها مَن لم يسمعها ، ممّا يكفل ببلوغ الشّريعة كلّها للأجيال من الأمّة . ومن أجل ذلك كان الخلفاء مِن بعدِه يعطون النّاس العطاءَ على قدر ما معهم من القرآن . ومن أجل ذلك أمر أبو بكر بكتابة القرآن في المصحف بإجماع الصّحابة ، وأكمل تلك المزيّة عثمان بن عفّان بانتساخ القرآن في المصاحف وإرسالها إلى أمصار الإسلام ، وقد كان رسول الله عيَّن لأهل الصّفَّة الانقطاع لحفظ القرآن .
والّذي ظهر من تتبّع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه كان يبادر بإبلاغ القرآن عند نزوله ، فإذا نزل عليه ليلاً أخبر به عند صلاة الصّبح . وفي حديث عمر ، قال رسول الله : " لقد أنزِلت عليّ اللّيلة سورة لَهِي أحبّ إليّ ممّا طلعتْ عليه الشّمس " ثمّ قرأ : { إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً } [ الفتح : 1 ] . وفي حديث كعب بن مالك في تخلّفه عن غزوة تبوك «فأنزل الله توبتنا على نبيّه حين بقي الثلثُ الآخر من اللّيل ورسُولُ الله عند أمّ سلمة ، فقال : يأمّ سلمة تِيب على كعب بن مالك ، قالت : أفَلا أرْسِلُ إليه فأبشِّرَهُ ، قال : «إذاً يَحطمُكم النّاسُ فيمنعونَكم النّومَ سائر اللَّيلة .
حتّى إذا صلّى رسول الله صلاة الفجر آذَنَ بتوبة الله علينا» . وفي حديث ابن عبّاس : أنّ رسول الله نزلت عليه سورة الأنعام جملة واحدة بمكّة ودعا رسول الله الكتَّاب فكتبوها من ليلتهم .
وفي الإتيان بضمير المخاطب في قوله : { إليك من ربّك } إيماء عظيم إلى تشريف الرسول صلى الله عليه وسلم بمرتبة الوساطة بين الله والنّاس ، إذ جَعل الإنزال إليه ولم يقل إليكم أو إليهم ، كما قال في آية [ آل عمران : 199 ] { وإنّ من أهل الكتاب لَمَنْ يؤمن بالله وما أنزل إليكم } وقوله : { لتُبيّن للنّاس ما نُزّل إليهم } [ النحا : 44 ] . وفي تعليق الإنزال بأنّه من الرّب تشريف للمنزّل .
والإتيان بلفظ الرّب هنا دون اسم الجلالة لما في التذكير بأنّه ربّه من معنى كرامته ، ومن معنى أداء ما أراد إبلاغه ، كما ينبغي من التعجيل والإشاعة والحثّ على تناوله والعمل بما فيه .
وعلى جميع الوجوه المتقدّمة دلّت الآية على أنّ الرسول مأمور بتبليغ ما أنزل إليه كلِّه ، بحيث لا يتوهّم أحد أنّ رسول الله قد أبقى شيئاً من الوحي لم يبلِّغه . لأنّه لو ترك شيئاً منه لم يبلّغه لكان ذلك ممّا أنزل إليه ولم يَقَع تبليغه ، وإذ قد كانت هذه الآية من آخر ما نَزَل من القرآن علمنا أنّ من أهمّ مقاصدها أنّ الله أراد قطْع تخرّص من قد يزعمون أنّ الرسول قد استبقى شيئاً لم يبلِّغه ، أو أنّه قد خصّ بعض النّاس بإبلاغ شيء من الوحي لم يبلِّغه للنّاس عامّة . فهي أقطع آية لإبطال قول الرافضة بأنّ القرآن آكثرُ ممّا هو في المصحف الّذي جمَعه أبو بكر ونسخَه عثمان ، وأنّ رسول الله اختصّ بكثير من القرآن عليّاً بن أبي طالب وأنّه أورثه أبناءه وأنّه يبلُغ وقرَ بعير ، وأنّه اليوم مختزن عند الإمام المعصوم الّذي يلقّبه بعض الشيعة بالمهدي المنتظر وبالوصيّ .
وكانت هذه الأوهام ألَمَّتْ بأنفس بعض المتشيّعين إلى عليّ رضي الله عنه في مدّة حياته ، فدعا ذلك بعض النّاس إلى سؤاله عن ذلك . روى البخاري أنّ أبا جُحَيْفة سأل عليّاً : هل عندكم شيء ما ليس في القرآن وما ليس عند النّاس ، فقال : «لا والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة ما عندنا إلاّ ما في القرآن إلاّ فهما يُعطَى رجل في كتاب الله وما في الصحيفة ، قلت : وما في الصّحيفة ، قال : العقل ، وفَكاك الأسير ، وأن لا يقتل مسلم بكافر» . وحديث مسروق عن عائشة الّذي سنذكره ينبىءُ بأنّ هذا الهاجس قد ظهر بين العامّة في زمانها . وقد يخُصّ الرّسولُ بعض النّاس ببيان شيء من الأحكام ليس من القرآن المنزّل إليه لحاجة دعت إلى تخصيصه ، كما كَتب إلى عليّ ببيان العَقْل ، وفَكَاك الأسير ، وأن لا يُقتل مسلم بكافر ، لأنّه كان يومئذٍ قاضياً باليمن ، وكما كتب إلى عمرو بن حزم كتاب نصاب الزّكاة لأنّه كان بعثه لذلك ، فذلك لا ينافي الأمر بالتّبليغ لأنّ ذلك بيان لما أنزل وليس عين ما أنزل ، ولأنّه لم يقصد منه تخصيصه بعلمه ، بل قد يخبر به من تدعو الحاجة إلى علمه به ، ولأنّه لمّا أمَرَ مَنْ سَمِع مقالته بأن يَعيها ويؤيّديها كمَا سمعها ، وأمَر أن يبلِّغ الشّاهدُ الغائبَ ، حصل المقصود من التّبليغ؛ فأمّا أن يدع شيئاً من الوحي خاصّاً بأحد وأن يكتمه المودع عنده عن النّاس فمعاذَ الله من ذلك .
وقد يَخُصّ أحداً بعلم ليس ممّا يرجع إلى أمور التّشريع ، من سرّ يلقيه إلى بعض أصحابه ، كما أسرّ إلى فاطمة رضي الله عنْها بأنّه يموت يومئذٍ وبأنّها أوّلُ أهله لحاقاً به . وأسرّ إلى أبي بكر رضي الله عنه بأنّ الله أذِنَ له في الهجرة . وأسرّ إلى حذيفة خبر فتنة الخارجين على عثمان ، كما حدّث حذيفةُ بذلك عمرَ بن الخطّاب . وما روي عن أبي هريرة أنّه قال : حَفِظت من رسول الله وِعائيْن ، أمّا أحدهما فبثثته ، وأمّا الآخر فلو بثثته لقطع منّي هذا البلعوم .
ومن أجل ذلك جزمنا بأن الكتاب الّذي هَمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابته للنّاس ، وهو في مرض وفاته ، ثمّ أعرض عنه ، لم يكن فيما يرجع إلى التشريع لأنّه لو كان كذلك لمَا أعرض عنه والله يقول له : { بَلّغْ ما أنزِل إليك من ربّك } . روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت لمَسْروق : «ثلاث من حدّثك بهن فقد كذبَ ، من حدّثك أنّ محمّداً كتم شيئاً ممّا أنزل عليه فقد كذَب ، والله يقول : { يأيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فمّا بلغت رسالاته } الحديث .
وقوله : { وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته } جاء الشّرط بإنْ الّتي شأنها في كلام العرب عدم اليقين بوقوع الشرط ، لأنّ عدم التّبليغ غيرُ مظنون بمحمدّ صلى الله عليه وسلم وإنّما فُرض هذا الشّرط ليبني عليه الجوابُ ، وهو قوله : { فمَا بَلَّغْتَ رسالاته } ، ليستفيق الّذين يرجون أن يسكت رسول الله عن قراءة القرآن النّازل بفضائحهم من اليهود والمنافقين ، وليبكت من علم الله أنّهم سيفترون ، فيزعمون أنّ قُرآناً كثيراً لم يبلّغه رسول الله الأمَّةَ .
ومعنى { لم تفعل } لم تفعل ذلك ، وهو تبليغ ما أنزل إليك . وهذا حذف شائع في كلامهم ، فيقولون : فإن فعلت ، أو فإن لم تَفعل . قال تعالى : { ولا تَدْعُ من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرّك فإن فَعَلْتَ فإنّك إذاً من الظّالمين } [ يونس : 106 ] أي إن دعوتَ ما لا ينفعك ، يَحذفون مفعول فعلتَ ولم تَفْعَل لدلالة ما تقدّم عليه ، وقال تعالى : { فإن لم تَفْعَلوا ولن تفعلوا } في سورة [ البقرة : 24 ] . وهذا ممّا جرى مجرى المثل فلا يتصرّف فيه إلاّ قليلاً ولم يتعرّض له أيمّة الاستعمال .
ومعنى تَرَتّب هذا الجواب على هذا الشّرط أنّك إنْ لم تُبلّغ جميع ما أنزل إليك فتركت بعضه كنت لم تبلّغ الرّسالة ، لأنّ كتم البعض مثل كتمان الجميع في الاتّصاف بعدم التّبليغ ، ولأنّ المكتوم لا يدري أن يكون في كتمانه ذهاب بعض فوائد ما وقع تبليغه ، وقد ظهر التّغاير بين الشّرط وجوابه بما يدفع الاحتياج إلى تأويل بناء الجواب على الشّرط ، إذ تقدير الشّرط : إنْ لم تبلّغ مَا أنزل ، والجزاءُ ، لم تُبلّغ الرّسالة ، وذلك كاففٍ في صحّة بناءِ الجواب على الشرط بدون حاجة إلى ما تأوّلوه ممّا في الكشاف } وغيره . ثمّ يعلم من هذا الشّرط أنّ تلك منزلة لا تليق بالرسل ، فينتج ذلك أنّ الرسول لا يكتم شيئاً ممّا أرسل به . وتظهر فائدة افتتاح الخطاب ب { يأيّها الرسول } للإيماء إلى وجه بناء الخبر الآتي بعده ، وفائدة اختتامه بقوله : { فما بلّغتَ رسالته } .
وقرأ نافع ، وابن عامر ، وأبو بكر ، وأبو جعفر { رسَالاته } بصيغة الجمع . وقرأه الباقون { رِسالته } بالإفراد . والمقصود الجنس فهو في سياق النّفي سواء مفرده وجمعهُ . ولا صحّة لقول بعض علماء المعاني استغراق المفرد أشمل من استغراق الجمع ، وأنّ نحو : لا رجال في الدار ، صادق بما إذا كان فيها رجلان أو رجل واحد ، بخلاف نحو لا رجُلَ في الدّار . ويظهر أنّ قراءة الجمع أصرح لأنّ لفظ الجمع المضاف من صيغ العموم لا يحتمل العهد بخلاف المفرد المضاف فإنّه يحتمل الجنس والعهد ، ولا شكّ أن نفي اللّفظ الّذي لا يحتمل العهد أنصّ في عموم النّفي لكن القرينة بيّنت المراد .
وقوله : { والله يعصمك من النّاس } افتتح باسم الجلالة للاهتمام به لأنّ المخاطب والسّامعين يترقّبون عقب الأمر بتبليغ كلّ ما أنزل إليه ، أن يلاقي عنتاً وتكالباً عليه من أعدائه فافتتح تطمينه بذكر اسم الله ، لأنّ المعنى أنّ هذا ما عليك . فأمّا ما علينا فالله يعصمك ، فموقع تقديم اسم الجلالة هنا مغن عن الإتيان بأمَّا . على أنّ الشيخ عبد القاهر قد ذكر في أبواب التّقديم من «دلائل الإعجاز» أنّ ممَّا يحسن فيه تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي ويكثرُ؛ الوعدُ والضّمانُ ، لأنّ ذلك ينفي أن يشكّ من يُوعَد في تمام الوعد والوفاءِ به فهو من أحوج النّاس إلى التّأكيد ، كقول الرّجل : أنا أكفيك ، أنا أقوم بهذا الأمر آه . ومنه قوله تعالى حكاية عن يوسف { وأنَا به زعيم } [ يوسف : 72 ] . فقوله : { والله يعصمك من النّاس فيه هذا المعنى أيضاً . والعصمة هنا الحفظ والوقاية من كيد أعدائه .
والنّاس }
في الآية مراد به الكفّار من اليهود والمنافقين والمشركين ، لأنّ العصمة بمعنى الوقاية تؤذن بخوف عليه ، وإنّما يَخاف عليه أعداءَه لا أحبّاءه ، وليس في المؤمنين عدوّ لرسوله . فالمراد العصمة من اغتيال المشركين ، لأنّ ذلك هو الّذي كان يهمّ النّبيء صلى الله عليه وسلم إذ لو حصل ذلك لتعطّل الهدي الّذي كان يحبّه النّبيء للنّاس ، إذ كان حريصاً على هدايتهم ، ولذلك كان رسول الله ، لمّا عرض نفسه على القبائل في أوّل بعثته ، يقول لهم« أنْ تمنعوني حتّى أبيّنَ عننِ الله ما بعثني به أو حتّى أبلِّغ رسالات ربّي » فأمّا ما دون ذلك من أذى وإضرار فذلك ممّا نال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون ممّن أوذي في الله : فقد رماه المشركون بالحجارة حتّى أدْموه وقد شُجّ وجهه . وهذه العصمة الّتي وُعد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تكرّر وعدُه بها في القرآن كقوله : { فسيكفيكهم الله } [ البقرة : 137 ] . وفي غير القرآن ، فقد جاء في بعض الآثار أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر وهو بمكّة أنّ الله عَصمه من المشركين . وجاء في الصّحيح عن عائشة أنّ رسول الله كان يُحرس في المدينة ، وأنّه حَرَسه ذَاتَ ليلة سعدُ بن أبي وقّاص وحذيفة وأنّ رسول الله أخرَج رأسهُ من قُبّة وقال لهم : « الحَقُوا بملاحقكم فإنّ الله عصمني » ، وأنّه قال في غزوة ذات الرقاع سنة ستّ للأعرابي غَوْرَثٍ بننِ الحارث الّذي وجد رسول الله نائماً في ظلّ شجرة ووجد سيفَه معلّقاً فاخترطه وقال للرسول : مَن يمنعك منّي ، فقال : اللّهُ ، فسقَط السيف من يد الأعرابي . وكلّ ذلك كان قبل زمن نزول هذه الآية . والَّذين جعلوا بعض ذلك سبباً لنزول هذه الآية قد خلطوا . فهذه الآية تثبيت للوعد وإدامة له وأنّه لا يتغيّر مع تغيّر صنوف الأعداء .
ثمّ أعقبه بقوله : { إنّ الله لا يهدي القوْمَ الكافرين } ليتبيّن أنّ المراد بالنّاس كفّارهم ، وليؤمي إلى أنّ سبب عدم هدايتهم هو كفرهم . والمراد بالهداية هنا تسديد أعمالهم وإتمام مرادهم ، فهو وعد لرسوله بأنّ أعداءه لا يزالون مخذولين لا يهتدون سبيلاً لكيدِ الرّسول والمؤمنين لطفاً منه تعالى ، وليس المراد الهداية في الدّين لأنّ السياق غير صالح له .
- إعراب القرآن : ۞ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
«يا أَيُّهَا الرَّسُولُ» تقدم إعرابه في أول السورة. «بَلِّغْ» فعل أمر وفاعله أنت والجملة مستأنفة. «ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ» ما اسم موصول مفعول به والجملة بعده صلته ، وإليك متعلقان بأنزل «مِنْ رَبِّكَ» متعلقان بمحذوف حال. «وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ» إن شرطية وفعل مضارع مجزوم بلم وهو فعل الشرط وفاعله أنت والجملة مستأنفة. «فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ» بلغت فعل ماض والتاء فاعله ورسالته مفعوله والجملة في محل جزم جواب الشرط ، بعد الفاء الرابطة. «وَاللَّهُ» لفظ الجلالة مبتدأ «يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» يعصمك فعل مضارع تعلق به الجار والمجرور فاعله مستتر والكاف مفعوله والجملة خبر المبتدأ. «إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ» إن ولفظ الجلالة اسمها وجملة لا يهدي الفعلية خبرها وجملة إن الله مستأنفة لا محل لها.
- English - Sahih International : O Messenger announce that which has been revealed to you from your Lord and if you do not then you have not conveyed His message And Allah will protect you from the people Indeed Allah does not guide the disbelieving people
- English - Tafheem -Maududi : ۞ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ(5:67) O Messenger! Deliver what has been revealed to you from your Lord, for if you fail to do that, you have not fulfilled the task of His messengership. Allah will certainly protect you from the evil of men. Surely Allah will not guide the unbelievers (to succeed against you).
- Français - Hamidullah : O Messager transmets ce qui t'a été descendu de la part de ton Seigneur Si tu ne le faisais pas alors tu n'aurais pas communiqué Son message Et Allah te protègera des gens Certes Allah ne guide pas les gens mécréants
- Deutsch - Bubenheim & Elyas : O du Gesandter übermittele was zu dir als Offenbarung von deinem Herrn herabgesandt worden ist Wenn du es nicht tust so hast du Seine Botschaft nicht übermittelt Allah wird dich vor den Menschen schützen Gewiß Allah leitet das ungläubige Volk nicht recht
- Spanish - Cortes : ¡Enviado ¡Comunica la Revelación que has recibido de tu Señor que si no lo haces no comunicas Su mensaje Alá te í protegerá de los hombres Alá no dirige al pueblo infiel
- Português - El Hayek : Ó Mensageiro proclama o que te foi revelado por teu Senhor porque se não o fizeres não terás cumprido a Sua Missão Deus te protegerá dos homens porque Deus não ilumina os incrédulos
- Россию - Кулиев : О Посланник Возвести то что ниспослано тебе от своего Господа Если ты не сделаешь этого то не донесешь Его послания Аллах защитит тебя от людей Воистину Аллах не наставляет на прямой путь неверующих людей
- Кулиев -ас-Саади : ۞ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
О Посланник! Возвести то, что ниспослано тебе от своего Господа. Если ты не сделаешь этого, то не донесешь Его послания. Аллах защитит тебя от людей. Воистину, Аллах не наставляет на прямой путь неверующих людей.Аллах обратился к Своему посланнику, да благословит его Аллах и приветствует, с самым великим повелением и приказал ему сообщить людям обо всем, что ему было ниспослано. Это относится ко всем воззрениям, деяниям, высказываниям, религиозным предписаниям и божественным требованиям, которым мусульмане обучились от Пророка Мухаммада, да благословит его Аллах и приветствует. Он выполнил свою миссию самым совершенным образом, призвал людей к исламу, донес до них грозное предупреждение и радостную весть, облегчил их участь и обучил их так, что невежественные и неграмотные люди превратились в величайших богословов и духовных наставников. Он обучал людей словом и делом, рассылал послания и отправлял своих гонцов. Нет ни одного доброго деяния, на который бы он не указал своим последователям, и ни одного дурного поступка, от которого бы он не предостерег их. Об этом свидетельствовали и продолжают свидетельствовать самые достойные из людей - славные сподвижники и пришедшие после них богословы и простые мусульмане. Затем Аллах сказал ему: «Если ты не сообщишь людям о том, что ниспослано тебе от твоего Господа, то не выполнишь Его приказа. Поспеши же выполнить его, и Я буду покровительствовать тебе и защищу тебя от людей. Тебе следует усердно обучать их, доносить до них Божье послание и не уклоняться от этой миссии из-за страха перед творениями. Их судьбы находятся в Моих руках, и Я обязался уберечь тебя от любых несчастий. На тебя возложено донести до людей ясную истину, и если они последуют прямым путем, то поступят во благо себе. Что же касается неверующих, единственным намерением которых является потворство их низменным желаниям, то из-за их неверия твой Господь не поведет их прямым путем и не вдохновит их на добрые дела».
- Turkish - Diyanet Isleri : Ey Peygamber Rabbinden sana indirileni tebliğ et eğer bunu yapmazsan O'nun elçiliğini yapmamış olursun Allah seni insanlardan korur Doğrusu Allah kafirlere yol göstermez
- Italiano - Piccardo : O Messaggero comunica quello che è sceso su di te da parte del tuo Signore Ché se non lo facessi non assolveresti alla tua missione Allah ti proteggerà dalla gente Invero Allah non guida un popolo di miscredenti
- كوردى - برهان محمد أمين : ئهی پێغهمبهرو فرستاده ههرچی فهرمان و پهیامێکت بۆ دابهزیووه لهلایهن پهروهردگارتهوه بێ دوودڵی بێ ماتڵی ڕای بگهیهنه خۆ ئهگهر بهو کاره ههڵنهسایت ئهوه مانای وایه پهیامهکهیت بهتهواویی نهگهیاندووه دڵنیاش به که خوا دهتپارێزێت له شهڕ و خراپهی خهڵکی چونکه بهڕاستی خوا هیدایهت و ڕێنموویی قهوم و هۆزی بێ باوهڕان نادات
- اردو - جالندربرى : اے پیغمبر جو ارشادات خدا کی طرف سے تم پر نازل ہوئے ہیں سب لوگوں کو پہنچا دو اور اگر ایسا نہ کیا تو تم خدا کے پیغام پہنچانے میں قاصر رہے یعنی پیغمبری کا فرض ادا نہ کیا اور خدا تم کو لوگوں سے بچائے رکھے گا بیشک خدا منکروں کو ہدایت نہیں دیتا
- Bosanski - Korkut : O Poslaniče kazuj ono što ti se objavljuje od Gospodara tvoga – ako ne učiniš onda nisi dostavio poslanicu Njegovu – a Allah će te od ljudi štititi Allah doista neće ukazati na Pravi put narodu koji neće da vjeruje
- Swedish - Bernström : FÖRKUNNA du Sändebud allt vad din Herre har uppenbarat för dig Gör du inte det har du inte förmedlat Hans budskap Gud skall skydda dig mot människorna; Gud vägleder inte förnekarna av sanningen
- Indonesia - Bahasa Indonesia : Hai Rasul sampaikanlah apa yang diturunkan kepadamu dari Tuhanmu Dan jika tidak kamu kerjakan apa yang diperintahkan itu berarti kamu tidak menyampaikan amanatNya Allah memelihara kamu dari gangguan manusia Sesungguhnya Allah tidak memberi petunjuk kepada orangorang yang kafir
- Indonesia - Tafsir Jalalayn : ۞ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
(Hai rasul, sampaikanlah) semua (yang diturunkan kepadamu dari Tuhanmu) dan janganlah kamu sembunyikan sesuatu pun daripadanya karena takut akan mendapatkan hal-hal yang tidak diinginkan (dan jika tidak kamu lakukan) tidak kamu sampaikan semua yang diturunkan padamu itu (berarti kamu tidak menyampaikan risalah-Nya) risalah dengan tunggal atau jamak karena menyembunyikan sebagian berarti menyembunyikan semuanya. (Dan Allah memelihara kamu dari manusia) agar tidak sampai membunuhmu. Pada mulanya Rasulullah saw. itu dikawal sampai turun ayat ini, lalu sabdanya, "Pergilah karena sesungguhnya Allah memeliharaku!" Riwayat Hakim. (Sesungguhnya Allah tidak memberikan bimbingan kepada kaum yang kafir.)
- বাংলা ভাষা - মুহিউদ্দীন খান : হে রসূল পৌছে দিন আপনার প্রতিপালকের পক্ষ থেকে আপনার প্রতি যা অবতীর্ণ হয়েছে। আর যদি আপনি এরূপ না করেন তবে আপনি তাঁর পয়গাম কিছুই পৌছালেন না। আল্লাহ আপনাকে মানুষের কাছ থেকে রক্ষা করবেন। নিশ্চয় আল্লাহ কাফেরদেরকে পথ প্রদর্শন করেন না।
- தமிழ் - ஜான் டிரஸ்ட் : தூதரே உம் இறைவனிடமிருந்து உம்மீது இறக்கப்பட்டதை மக்களுக்கு எடுத்துக் கூறிவிடும்; இவ்வாறு நீர் செய்யாவிட்டால் அவனுடைய தூதை நீர் நிறைவேற்றியவராகமாட்டீர் அல்லாஹ் உம்மை மனிதர்களின் தீங்கிலிருந்து காப்பாற்றுவான்; நிச்சயமாக அல்லாஹ் நிராகரிக்கும் கூட்டத்தாரை நேர்வழியில் செலுத்தமாட்டான்
- ภาษาไทย - ภาษาไทย : ร่อซูลเอ๋ย จงประกาศสิ่งที่ถูกประทานลงมาแก่เจ้าจากพระเจ้าของเข้า และถ้าเจ้ามิได้ปฏิบัติ เจ้าก็มิได้ประกาศสารของพระองค์ และอัลลอฮ์นั้นจะทรงคุ้มกันเจ้าให้พ้นจากมนุษย์ แท้จริงอัลลอฮ์จะไม่ทรงแนะนำพวกที่ปฏิเสธศรัทธา
- Uzbek - Мухаммад Содик : Эй Пайғамбар Сенга Роббингдан нозил қилинган нарсани етказ Агар шундай қилмасанг Унинг элчилигини етказмаган бўласан Аллоҳ сени одамлардан сақлайдир Албатта Аллоҳ кофир қавмларни ҳидоят қилмас
- 中国语文 - Ma Jian : 使者啊 你当传达你的主所降示你的全部经典。如果你不这样做,那末,你就是没有传达他的使命。真主将保佑你免遭众人的杀害。真主必定不引导不信道的民众。
- Melayu - Basmeih : Wahai Rasul Allah Sampaikanlah apa yang telah diturunkan kepadamu dari Tuhanmu; dan jika engkau tidak melakukannya dengan menyampaikan semuanya maka bermakna tiadalah engkau menyampaikan perutusanNya; dan Allah jualah akan memeliharamu dari kejahatan manusia Sesungguhnya Allah tidak memberi hidayah petunjuk kepada kaum yang kafir
- Somali - Abduh : Rasuulow Gaadhsii waxa lagaaga soo Dejiyey Eebahaa Dadka Haddaadan Falin Maadan Gaadhsiin Risaaladiisa Fariintiisa Eebaana kaa Haalin Dadka Eebana ma hanuuniyo qoom Gaala ah
- Hausa - Gumi : Yã kai Manzo Ka iyar da abin da aka saukar zuwa gare ka daga Ubangijinka Kuma idan ba ka aikata ba to ba ka iyar da manzancinSa ba ke nan Kuma Allah Yanã tsare ka daga mutãne Lalle ne Allah bã Ya shiryar da mutãne kãfirai
- Swahili - Al-Barwani : Ewe Mtume Fikisha uliyo teremshiwa kutoka kwa Mola wako Mlezi Na ikiwa hukufanya hayo basi hukufikisha ujumbe wake Na Mwenyezi Mungu atakulinda na watu Hakika Mwenyezi Mungu hawaongoi watu makafiri
- Shqiptar - Efendi Nahi : O Pejgamber Trego atë që të është shpallur nga Zoti yt – Në qoftë se nuk e bën këtë atëherë nuk e ke kryer profetninë tënde; Perëndia të ruan ty prej njerëzve Se Perëndia me të vërtetë nuk i udhëzon në rrugë të drejtë njerëzit që nuk besojnë
- فارسى - آیتی : اى پيامبر، آنچه را از پروردگارت بر تو نازل شده است به مردم برسان. اگر چنين نكنى امر رسالت او را ادا نكردهاى. خدا تو را از مردم حفظ مىكند، كه خدا مردم كافر را هدايت نمىكند.
- tajeki - Оятӣ : Эй паёмбар, он чиро, ки аз Парвардигорат бар ту нозил шудааст, ба мардум бирасон. Агар чунин накунӣ, амри фиристодаи Ӯро адо накардаӣ. Худо туро аз мардум ҳифз мекунад, ки Худо мардуми кофирро ҳидоят намекунад.
- Uyghur - محمد صالح : ئى پەيغەمبەر! پەرۋەردىگارىڭ تەرىپىدىن ساڭا نازىل قىلىنغان ئەھكاملارغا ھەممىسىنى يەتكۈزگىن، ئەگەر تولۇق يەتكۈزمىسەڭ، اﷲ تاپشۇرغان ۋەزىپىنى ئادا قىلمىغان بولىسەن. اﷲ سېنى كىشىلەرنىڭ زىيانكەشلىكىدىن ساقلايدۇ. اﷲ ھەقىقەتەن كاپىر قەۋمنى ھىدايەت قىلمايدۇ
- Malayalam - ശൈഖ് മുഹമ്മദ് കാരകുന്ന് : ദൈവദൂതരേ, നിന്റെ നാഥനില്നിന്ന് നിനക്ക് ഇറക്കിക്കിട്ടിയത് ജനങ്ങള്ക്കെത്തിച്ചുകൊടുക്കുക. അങ്ങനെ ചെയ്യുന്നില്ലെങ്കില് നീ അവന് ഏല്പിച്ച ദൌത്യം നിറവേറ്റാത്തവനായിത്തീരും. ജനങ്ങളില്നിന്ന് അല്ലാഹു നിന്നെ രക്ഷിക്കും. സത്യനിഷേധികളായ ജനത്തെ അല്ലാഹു നേര്വഴിയിലാക്കുകയില്ല.
- عربى - التفسير الميسر : يا ايها الرسول بلغ وحي الله الذي انزل اليك من ربك وان قصرت في البلاغ فكتمت منه شيئا فانك لم تبلغ رساله ربك وقد بلغ صلى الله عليه وسلم رساله ربه كامله فمن زعم انه كتم شيئا مما انزل عليه فقد اعظم على الله ورسوله الفريه والله تعالى حافظك وناصرك على اعدائك فليس عليك الا البلاغ ان الله لا يوفق للرشد من حاد عن سبيل الحق وجحد ما جئت به من عند الله