- عربي - نصوص الآيات عثماني : إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ يَٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ۖ قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
- عربى - نصوص الآيات : إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ۖ قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين
- عربى - التفسير الميسر : واذكر إذ قال الحواريون: يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك إن سألته أن ينزل علينا مائدة طعام من السماء؟ فكان جوابه أن أمرهم بأن يتقوا عذاب الله تعالى، إن كانوا مؤمنين حقَّ الإيمان.
- السعدى : إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
والحواريون هم: الأنصار، كما قال تعالى كما قال عيسى ابن مريم للحواريين: { مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ } { إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ } أي: مائدة فيها طعام، وهذا ليس منهم عن شك في قدرة الله، واستطاعته على ذلك. وإنما ذلك من باب العرض والأدب منهم. ولما كان سؤال آيات الاقتراح منافيا للانقياد للحق، وكان هذا الكلام الصادر من الحواريين ربما أوهم ذلك، وعظهم عيسى عليه السلام فقال: { اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } فإن المؤمن يحمله ما معه من الإيمان على ملازمة التقوى، وأن ينقاد لأمر الله، ولا يطلب من آيات الاقتراح التي لا يدري ما يكون بعدها شيئا.
- الوسيط لطنطاوي : إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
ثم حكى- سبحانه- بعض ما دار بين عيسى وبين الحواريين فقال: إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ.
«المائدة» الخوان إذا كان عليه الطعام من ماد يميد، إذا تحرك. فكأن المائدة تتحرك بما عليها. وقال أبو عبيدة: سميت «مائدة» لأنها ميد بها صاحبها. أى: أعطيها وتفضل عليه بها. والخوان: ما يؤكل عليه الطعام.
ويرى الأخفش وغيره أن المائدة هي الطعام نفسه، مأخوذة من «مادة» إذا أفضل.
و «إذ» في قوله إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ متعلق بمحذوف تقديره: اذكر وقت قول الحواريين يا عيسى ابن مريم.
وقد ذكروه باسمه ونسبوه إلى أمه- كما حكى القرآن عنهم- لئلا يتوهم أنهم اعتقدوا ألوهيته أو ولديته وقوله: هَلْ يَسْتَطِيعُ- رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ فيه قراءتان سبعيتان:
الأولى: يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ بالياء- على أنه فعل وفاعل. وقوله أَنْ يُنَزِّلَ المفعول.
والاستفهام على هذه القراءة محمول على المجاز، لأن الحواريين كانوا مؤمنين، ولا يعقل من مؤمن أن يشك في قدرة الله.
ومن تخريجاتهم في معنى هذه القراءة أن قوله يَسْتَطِيعُ بمعنى «يطيع» والسين زائدة.
كاستجاب وأجاب.
أى: أن معنى الجملة الكريمة: هل يطيعك- ربك يا عيسى إن سألته أن ينزل علينا مائدة من السماء.
وسنفصل القول في تخريج هذه القراءة، وفي اختلاف المفسرين في إيمان الحواريين بعد انتهائنا من تفسير هذه الآيات الكريمة.
أما القراءة الثانية: فهي «هل تستطيع ربك» بالتاء وبفتح الباء في «ربك» والمعنى: هل تستطيع يا عيسى أن تسأل ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء. فقوله «ربك» منصوب على التعظيم بفعل محذوف يقدر على حسب المقام وهذه القراءة لا إشكال فيها، لأن الاستطاعة فيها متجهة إلى عيسى. أى: أتستطيع يا عيسى سؤال ربك إنزال المائدة أم لا تستطيع؟
قال القرطبي: قراءة الكسائي وعلى وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد «هل تستطيع» بالتاء «ربك» بالنصب وقرأ الباقون بالياء «هل يستطيع» «ربك» بالرفع.
والمعنى على قراءة الكسائي- بالتاء: هل تستطيع أن تسأل ربك..
قالت عائشة: كان القوم أعلم بالله- تعالى- من أن يقولوا «هل يستطيع ربك» وقال معاذ: أقرأنا النبي صلى الله عليه وسلم: هل تستطيع ربك قال معاذ: وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم مرارا يقرأ بالتاء» .
وقوله- سبحانه- قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ حكاية لما رد به عيسى على الحواريين فيما طلبوه من إنزال المائدة:
أى قال لهم عيسى: اتقوا الله وقفوا عند حدوده، واملئوا قلوبكم هيبة وخشية منه، ولا تطلبوا أمثال هذه المطالب إن كنتم مؤمنين حق الإيمان، فإن المؤمن الصادق في إيمانه يبتعد عن أمثال هذه المطالب التي قد تؤدى إلى فتنته.
- البغوى : إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
( إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك ) قرأ الكسائي " هل تستطيع " بالتاء " ربك " بنصب الباء وهو قراءة علي وعائشة وابن عباس ومجاهد ، أي : هل تستطيع أن تدعو وتسأل ربك ، وقرأ الآخرون " هل يستطيع " بالياء و " ربك " برفع الباء ، ولم يقولوه شاكين في قدرة الله عز وجل ، ولكن معناه : هل ينزل ربك أم لا؟ كما يقول الرجل لصاحبه هل تستطيع أن تنهض معي وهو يعلم أنه يستطيع ، وإنما يريد هل يفعل ذلك أم لا وقيل : يستطيع بمعنى يطيع ، يقال : أطاع واستطاع بمعنى واحد ، كقولهم : أجاب واستجاب ، معناه : هل يطيعك ربك بإجابة سؤالك؟ وفي الآثار من أطاع الله أطاعه الله ، وأجرى بعضهم على الظاهر فقالوا : غلط القوم ، وقالوه قبل استحكام المعرفة وكانوا بشرا ، فقال لهم عيسى عليه السلام عند الغلط ، استعظاما لقولهم ( اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ) أي : لا تشكوا في قدرته .
( أن ينزل علينا مائدة من السماء ) المائدة : الخوان الذي عليه الطعام ، وهي فاعلة من : ماده يميده إذا أعطاه وأطعمه ، كقوله ماره يميره ، وامتاد : افتعل منه ، والمائدة هي المطعمة للآكلين الطعام ، وسمي الطعام أيضا مائدة على الجواز ، لأنه يؤكل على المائدة ، وقال أهل الكوفة : سميت مائدة لأنها تميد بالآكلين ، أي : تميل . وقال أهل البصرة : فاعلة بمعنى المفعول ، أي تميد بالآكلين إليها ، كقوله تعالى ( عيشة راضية ) أي : مرضية ، ( قال ) عيسى عليه السلام مجيبا لهم : ( اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ) فلا تشكوا في قدرته ، وقيل : اتقوا الله أن تسألوه شيئا لم يسأله الأمم قبلكم ، فنهاهم عن اقتراح الآيات بعد الإيمان .
- ابن كثير : إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
هذه قصة المائدة ، وإليها تنسب السورة فيقال : " سورة المائدة " . وهي مما امتن الله به على عبده ورسوله عيسى ، - عليه السلام - ، لما أجاب دعاءه بنزولها ، فأنزلها الله آية ودلالة معجزة باهرة وحجة قاطعة .
وقد ذكر بعض الأئمة أن قصة المائدة ليست مذكورة في الإنجيل ، ولا يعرفها النصارى إلا من المسلمين ، فالله أعلم .
فقوله تعالى : ( إذ قال الحواريون ) وهم أتباع عيسى - عليه السلام - : ( يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك ) هذه قراءة كثيرين ، وقرأ آخرون : " هل تستطيع ربك " أي : هل تستطيع أن تسأل ربك ( أن ينزل علينا مائدة من السماء ) .
والمائدة هي : الخوان عليه طعام . وذكر بعضهم أنهم إنما سألوا ذلك لحاجتهم وفقرهم فسألوا أن ينزل عليهم مائدة كل يوم يقتاتون منها ، ويتقوون بها على العبادة .
قال : ( اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ) أي : فأجابهم المسيح ، - عليه السلام - ، قائلا لهم : اتقوا الله ، ولا تسألوا هذا ، فعساه أن يكون فتنة لكم ، وتوكلوا على الله في طلب الرزق إن كنتم مؤمنين .
- القرطبى : إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
قوله تعالى : إذ قال الحواريون ياعيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين
قوله تعالى : إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم على ما تقدم من الإعراب . هل يستطيع ربك . قراءة الكسائي وعلي وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد " هل تستطيع " بالتاء " ربك " بالنصب ، وأدغم الكسائي اللام من هل في التاء ، وقرأ الباقون بالياء ، " ربك " بالرفع ، وهذه القراءة أشكل من الأولى ; فقال السدي : المعنى هل يطيعك ربك إن سألته أن ينزل فيستطيع بمعنى يطيع ; كما قالوا : استجاب بمعنى أجاب ، وكذلك استطاع بمعنى أطاع ، وقيل المعنى : هل يقدر ربك وكان هذا السؤال في ابتداء أمرهم قبل استحكام معرفتهم بالله عز وجل ; ولهذا قال عيسى في الجواب عند غلطهم وتجويزهم على الله ما لا يجوز : اتقوا الله إن كنتم مؤمنين أي : لا تشكوا في قدرة الله تعالى .
قلت : وهذا فيه نظر ; لأن الحواريين خلصان الأنبياء ودخلاؤهم وأنصارهم كما قال : من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله ، وقال عليه السلام : لكل نبي حواري وحواري الزبير ومعلوم أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم جاءوا بمعرفة الله تعالى وما يجب له وما يجوز وما يستحيل عليه وأن يبلغوا ذلك أممهم ; فكيف يخفى ذلك على من باطنهم واختص بهم حتى يجهلوا قدرة الله تعالى ؟ إلا أنه يجوز أن يقال : إن ذلك صدر ممن كان معهم ، كما قال بعض جهال الأعراب للنبي صلى الله عليه وسلم : اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ، وكما قال من قال من قوم موسى : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة على ما يأتي بيانه في " الأعراف " إن شاء الله تعالى ، وقيل : إن القوم لم يشكوا في استطاعة الباري سبحانه لأنهم كانوا مؤمنين عارفين عالمين ، وإنما هو كقولك للرجل : هل يستطيع فلان أن يأتي وقد علمت أنه يستطيع ; فالمعنى : هل يفعل ذلك ؟ وهل يجيبني إلى ذلك أم لا ؟ وقد كانوا عالمين باستطاعة الله تعالى لذلك ولغيره علم دلالة وخبر ونظر فأرادوا علم معاينة كذلك ; كما قال إبراهيم صلى الله عليه وسلم : رب أرني كيف تحي الموتى على ما تقدم ، وقد كان إبراهيم علم لذلك علم خبر ونظر ، ولكن أراد المعاينة التي لا يدخلها ريب ولا شبهة ; لأن علم النظر والخبر قد تدخله الشبهة والاعتراضات ، وعلم المعاينة لا يدخله شيء من ذلك ، ولذلك قال الحواريون : وتطمئن قلوبنا كما قال إبراهيم : ولكن ليطمئن قلبي .
قلت : وهذا تأويل حسن ; وأحسن منه أن ذلك كان من قول من كان مع الحواريين ; على ما يأتي بيانه وقد أدخل ابن العربي المستطيع في أسماء الله تعالى ، وقال : لم يرد به كتاب ولا سنة اسما وقد ورد فعلا ، وذكر قول الحواريين : هل يستطيع ربك ورده عليه ابن الحصار في كتاب شرح السنة له وغيره ; قال ابن الحصار : وقوله سبحانه مخبرا عن الحواريين لعيسى : هل يستطيع ربك ليس بشك في الاستطاعة ، وإنما هو تلطف في السؤال ، وأدب مع الله تعالى ; إذ ليس كل ممكن سبق في علمه وقوعه ولا لكل أحد ، والحواريون هم كانوا خيرة من آمن بعيسى ، فكيف يظن بهم الجهل باقتدار الله تعالى على كل شيء ممكن ؟ ! وأما قراءة " التاء " فقيل المعنى هل تستطيع أن تسأل ربك ، هذا قول عائشة ومجاهد - رضي الله عنهما ; قالت عائشة رضي الله عنها : كان القوم أعلم بالله عز وجل من أن يقولوا هل يستطيع ربك قالت : ولكن " هل تستطيع ربك " ، وروي عنها أيضا أنها قالت : كان الحواريون لا يشكون أن الله يقدر على إنزال مائدة ولكن قالوا : " هل تستطيع ربك " وعن معاذ بن جبل قال : أقرأنا النبي صلى الله عليه وسلم " هل تستطيع ربك " قال معاذ : وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم مرارا يقرأ بالتاء " هل تسطيع ربك " وقال الزجاج : المعنى هل تستدعي طاعة ربك فيما تسأله ، وقيل : هل تستطيع أن تدعو ربك أو تسأله ; والمعنى متقارب ، ولا بد من محذوف ، كما قال : واسأل القرية وعلى قراءة الياء لا يحتاج إلى حذف . قال اتقوا الله أي اتقوا معاصيه وكثرة السؤال ; فإنكم لا تدرون ما يحل بكم عند اقتراح الآيات ; إذ كان الله عز وجل إنما يفعل الأصلح لعباده . إن كنتم مؤمنين أي : إن كنتم مؤمنين به وبما جئت به فقد جاءكم من الآيات ما فيه غنى .
- الطبرى : إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
القول في تأويل قوله : إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنـَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واذكر، يا عيسى، أيضًا نعمتي عليك, إذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي, إذ قالوا لعيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينـزل علينا مائدة من السماء - ف " إذ "، الثانية من صلة أَوْحَيْتُ .
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: " يستطيع ربك "
فقرأ ذلك جماعة من الصحابة والتابعين: (هَلْ تَسْتَطِيعُ) بالتاء (رَبَّكَ) بالنصب, بمعنى: هل تستطيع أن تسأل ربك؟ أو: هل تستطيع أن تدعوَ ربَّك؟ أو: هل تستطيع وترى أن تدعوه؟ وقالوا: لم يكن الحواريون شاكِّين أن الله تعالى ذكره قادرٌ أن ينـزل عليهم ذلك, وإنما قالوا لعيسى: هل تستطيع أنت ذلك؟ (21)
12993 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بشر, عن نافع, عن ابن عمر, عن ابن أبي مليكة قال : قالت عائشة: كان الحواريون لا يشكّون أن الله قادر أن ينـزل عليهم مائدة, ولكن قالوا: يا عيسى هل تَسْتطيع ربَّك؟
12994- حدثني أحمد بن يوسف التَّغْلِبيّ قال ، حدثنا القاسم بن سلام قال ، حدثنا ابن مهدي, عن جابر بن يزيد بن رفاعة, عن حسّان بن مخارق, عن سعيد بن جبير: أنه قرأها كذلك: (هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ)، وقال: تستطيع أن تسأل ربَّك. وقال: ألا ترى أنهم مؤمنون؟ (22)
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة المدينة والعراق: (هَلْ يَسْتَطِيعُ) بالياء (رَبُّكَ)، بمعنى: أن ينـزل علينا ربُّك, كما يقول الرجل لصاحبه: " أتستطيع أن تنهض معنا في كذا "؟ وهو يعلم أنه يستطيع, ولكنه إنما يريد: أتنهض معنا فيه؟ وقد يجوز أن يكون مرادُ قارئه كذلك: هل يستجيب لك ربك ويُطِيعك أنْ تنـزل علينا؟
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين عندي بالصواب، قراءة من قرأ ذلك: (هَلْ يَسْتَطِيعُ) بالياء (رَبُّكَ) برفع " الربّ", بمعنى: هل يستجيب لك إن سألته ذلك ويطيعك فيه؟
وإنما قلنا ذلك أولى القراءتين بالصواب، لما بيّنّا قبلُ من أن قوله: " إذ قال الحواريون " ، من صلة: " إذ أوحيت ", وأنَّ معنى الكلام: وإذ أوحيت إلى الحواريون أن آمنوا بي وبرسولي ، إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربَّك؟ فبيِّنٌ إذ كان ذلك كذلك, أن الله تعالى ذكره قد كرِه منهم ما قالوا من ذلك واستعظمه, وأمرهم بالتوبة ومراجعة الإيمان من قِيلهم ذلك, والإقرارِ لله بالقدرة على كل شيء, وتصديقِ رسوله فيما أخبرهم عن ربِّهم من الأخبار. وقد قال عيسى لهم، عند قيلهم ذلك له، استعظامًا منه لما قالوا: " اتقوا الله إن كنتم مؤمنين " . ففي استتابة الله إيّاهم, ودعائه لهم إلى الإيمان به وبرسوله صلى الله عليه وسلم عند قيلهم ما قالوا من ذلك, واستعظام نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم كلمتهم = (23) الدلالةُ الكافيةُ من غيرها على صحة القراءة في ذلك بالياء ورفع " الرب "، إذ كان لا معنى في قولهم لعيسى، لو كانوا قالوا له: " هل تستطيع أن تسأل ربَّك أن ينـزل علينا مائدة من السماء "؟ أن يُستكبر هذا الاستكبار.
فإن ظنّ ظانّ أنّ قولهم ذلك له إنما استُعظِمَ منهم, (24) لأنّ ذلك منهم كان مسألة آيةٍ, [فقد ظنّ خطأ]. (25) فإن الآيةَ، إنّما يسألها الأنبياء مَنْ كان بها مكذّبًا ليتقرَّر عنده حقيقةُ ثبوتها وصحَّة أمرها, كما كانت مسألة قريش نبيَّنا محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يحوِّل لهم الصَّفَا ذهبًا، ويفجر فجَاج مكة أنهارًا، مَنْ سأله من مشركي قومه = وكما كانت مسألة صالح الناقةَ من مكذّبي قومه = ومسألة شُعَيْب أن يسقط كِسْفًا من السماءِ، من كفّار من أرسل إليه. (26)
فإنْ وكان الذين سألوا عيسى أن يسأل ربه أن ينـزل عليهم مائدة من السماء, (27) على هذا الوجه كانت مسألتهم, فقد أحلّهم الذين قرءوا ذلك ب " التاء " ونصب " الرب " محلا أعظم من المحلِّ الذي ظنوا أنَّهم يحيدون بهم عنه (28) = أو يكونوا سألوا ذلك عيسى وهم موقنون بأنه لله نبي مبعوث ورسول مرسلٌ, وأن الله تعالى ذكره على ما سألوا من ذلك قادر.
فإن كانوا سألوا ذلك وهم كذلك, وإنما كانت مسألتهم إيَّاه ذلك على نحو ما يسأل أحدُهم نبيَّه, إذا كان فقيرًا، أن يسأل له ربه أن يُغْنيه = وإن عرضتْ له حاجة، (29) أن يسأل له ربه أن يقضيَها, فليسَ ذلك من مسألةَ الآية في شيء، (30) بل ذلك سؤال ذي حاجة عرضت له إلى ربه, فسأل نبيَّه مسألةَ ربه أن يقضيها له.
وخبر الله تعالى ذكره عن القوم، ينبئ بخلاف ذلك. وذلك أنهم قالوا لعيسى, إذ قال لهم: " اتقوا الله إن كنتم مؤمنين " = نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا . فقد أنبأ هذا من قِيلهم، (31) أنهم لم يكونوا يعلمون أن عيسى قد صدَقهم, ولا اطمأنت قلوبهم إلى حقيقة نبوّته. فلا بيان أبين من هذا الكلام، في أن القوم كانوا قد خالط قلوبَهم مرضٌ وشك فى دينهم وتصديق رسولهم, وأنهم سَألوا ما سألوا من ذلك اختبارًا.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
12995 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج, عن ليث, عن عقيل, عن ابن عباس: أنه كان يحدِّث عن عيسى صلى الله عليه وسلم: أنه قال لبني إسرائيل: هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يومًا, ثم تسألوه فيعطيكم ما سألتم؟ فإن أجرَ العامل على من عمل له! ففعلوا، ثم قالوا: يا معلِّم الخير, قلت لنا: " إن أجر العامل على من عمل له "، وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يومًا، ففعلنا, ولم نكن نعمل لأحدٍ ثلاثين يومًا إلا أطعمنا حين نفرُغ طعامًا، فهل يستطيع ربك أن ينـزل علينا مائدة من السماء؟ قال عيسى: " اتقوا الله إن كنتم مؤمنين " = قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ ، إلى قوله: لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ . قال: فأقبلت الملائكة تطير بمائدةٍ من السماء عليها سبعةُ أحواتٍ وسبعة أرغفة, حتى وضعتها بين أيديهم, فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أوّلهم.
12996 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط, عن السدي: " هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَـزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ" ، قالوا: هل يطيعك ربُّك، إن سألته؟ فأنـزل الله عليهم مائدة من السماء فيها جميع الطَّعام إلا اللحم، فأكلوا منها.
* * *
وأما " المائدة " فإنها " الفاعلة " من: " ماد فلان القوم يَميدهم مَيْدًا "، إذا أطعمهم ومارهم، ومنه قول رؤبة:
نُهْــدِي رُؤُوسَ المــتْرَفينَ الأنْـدَادْ
إلَــى أَمِــيرِ المُــؤْمِنِينَ المُمْتَـادْ (32)
يعني بقوله: " الممتاد "، المستعْطَى. ف " المائدة " المطعِمة، سميت " الخوان " بذلك, لأنها تطعم الآكل ممّا عليها. و " المائد "، المُدَار به في البحر, يقال: " مادَ يَمِيدُ مَيْدًا ".
* * *
وأما قوله: " قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين " ، فإنه يعني: قال عيسى للحواريّين القائلين له: " هل يستطيع ربك أن ينـزل علينا مائدة من السماء " = راقبوا الله، أيها القوم, وخافوه (33) أن يَنـزل بكم من الله عقوبة على قولكم هذا, فإن الله لا يعجزه شيء أراده, وفي شكّكم في قدرة الله على إنـزال مائدة من السماء، كفرٌ به, فاتقوا الله أن يُنـزل بكم نقمته =" إن كنتم مؤمنين "، يقول: إن كنتم مصدقيَّ على ما أتوعدكم به من عقوبة الله إياكم على قولكم: " هل يستطيع ربك أن ينـزل علينا مائدة من السماء "؟
--------------------
الهوامش :
(21) انظر معاني القرآن للفراء 1: 325.
(22) الأثر: 12994 -"
أحمد بن يوسف التغلبي" ، مضى قريبًا برقم: 12957 ، وكان في المطبوعة هنا أيضًا: "الثعلبي" ، وهو خطأ.و"
جابر بن يزيد بن رفاعة العجلي" ، ثقة عزيز الحديث. مترجم في التهذيب ، والكبير 1/2/210 ، وابن أبي حاتم 1/1/498."
حسان بن مخارق". قال البخاري: "أراه: الشيباني" ، مترجم في الكبير 2/1/31 ، وابن أبي حاتم 1/2/235 ، وقال المعلق على تاريخ البخاري: "في الثقات رجلان ، أحدهما في التابعين: حسان بن مخارق الكوفي ، يروي عن أم سلمة. روى عنه أبو إسحق الشيباني = والآخر في أتباع التابعين: حسان بن مخارق الشيباني ، وقد قيل: حسان بن أبي المخارق ، أبو العوام ، يروي عن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ: هل تستطيع ربك. روى عنه جابر بن يزيد ، وجعلهما ابن أبي حاتم واحدًا".وكان في المطبوعة: "
حيان بن مخارق" حرف ما هو صواب في المخطوطة.(23) السياق: "
. . . ففي استتابة الله إياهم . . . الدلالة الكافية . . ." ، وما بينهما عطوف.(24) في المطبوعة: "
إنما هو استعظام منهم" ، غير ما في المخطوطة وزاد على نصها ، فضرب على الكلام فسادا لا يفهم!! و"استعظم" بالبناء للمجهول.(25) هذه الزيادة بين القوسين ، لا بد منها ، لا أشك أن الناسخ قد أسقطها غفلة ، فاضطرب سياق الكلام ، وسياق حجة أبي جعفر ، فاضطر الناشر أن يعبث بكلمات أبي جعفر لكي تستقيم معه ، فأفسد الكلام إفسادًا بينًا لا يحل له. وقد رددت الكلام إلى أصله ، كما سترى في التعليقات التالية.
(26) في المطبوعة: "
من أرسل إليهم" ، وأثبت ما في المخطوطة ، فهو صواب محض.(27) في المطبوعة: "
وكان الذين سألوا . . ." ، حذف"فإن" ، وعطف الكلام بعضه على بعض فاضطرب اضطرابًا فاحشًا.(28) في المطبوعة: "
الذي ظنوا أنهم نزهوا ربهم عنه" ، سبحانه وتعالى ، ولكن ما فعله الناشر بنص المخطوطة جعل هذا الكلام كله لا معنى له. وكان في المخطوطة: "يحمدوا ربهم" ، مضطربة الكتابة ، فأساء الناشر قراءتها ، وأبلغ في الإساءة حين غير الكلام على الوجه الذي نشره به.(29) في المطبوعة والمخطوطة: "
إن عرضت به حاجة" ، وهو غير عربي ، عربيته ما أثبت(30) في المطبوعة: "
فأنى ذلك من مسألة الآية" ، وفي المخطوطة: "فإن ذلك" وصواب ذلك ما أثبت.(31) في المطبوعة والمخطوطة: "
فقد أنبأ هذا عن قيلهم" ، وهو خطأ محض ، مخل بالسياق.(32) ديوانه: 40 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 183 ، واللسان (ميد) ، وسيأتي في التفسير 12: 84 (بولاق) ، من رجز تمدح فيه بنفسه ، ومدح قومه تميما وسعدًا وخندفًا. ثم قبله في آخرها يذكر قومه:
نَكْـفِي قُريشًـا مَـنْ سَـعَى بِالإفْسَـادْ
مِـنْ كُـلِّ مَرْهُـوبِ الشِّـقَاقِ جَحَّـادْ
ومُلْحِــدٍ خَــالَطَ أَمْــرَ الإلْحَــادْ
وقوله: "
نهدي" بالنون ، لا بالتاء كما في لسان العرب ، وكما كان في المطبوعة هنا. و"المترفون": المتنعمون المتوسعون في لذات الدنيا وشهواتها. و"الأنداد" جمع"ند" (بكسر النون) وهو هنا بمعنى"الضد" ، يقال للرجل إذا خالفك ، فأردت وجهًا تذهب إليه ، ونازعك في ضده: "هو ندى ، ونديدي". ويأتي أيضًا بمعنى"المثل والشبيه". ورواية الديوان ، ورواية أبي جعفر في المكان الآتي بعد: "الصداد" ، جمع"صاد" ، وهو المعرض المخالف. يقول: نقتل الخارجين على أمير المؤمنين ، ثم نهدي إليه رؤوسهم ، وهو المسئول دون الناس.(33) في المطبوعة: "
وخافوا" ، وأثبت ما في المخطوطة. - ابن عاشور : إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
جملة : { إذ قال الحواريّون } يجوز أن تكون من تمام الكلام الذي يكلّم الله به عيسى يومَ يجمع الرسل ، فيكون { إذ } ظرفا متعلّقاً بفعل { قالوا آمنّا } [ المائدة : 111 ] فيكون ممّا يذكر الله به عيسى يوم يجمع الرسل ، فحكي على حسب حصوله في الدنيا وليس ذلك بمقتض أنّ سؤالهم المائدة حصل في أول أوقات إيمانهم بل في وقت آخر { قالوا آمنّا واشهد بأنّنا مسلمون } [ المائدة : 111 ] ؛ فإنّ قولهم { آمنّا } قد يتكرّر منهم بمناسبات ، كما يكون عند سماعهم تكذيب اليهود عيسى ، أو عندما يشاهدون آيات على يد عيسى ، أو يقولونه لإعادة استحضار الإيمان شأن الصدّيقيين الذين يحاسبون أنفسهم ويصقلون إيمانهم فيقولون في كلّ معاودة . آمنّا واشهد بأنّنا مسلمون . وأمّا ما قرّر به «الكشاف» ومتابعوه فلا يحسن تفسير الكلام به .
ويجوز أن يكون جملة : { إذ قال الحواريّون } ابتدائية بتقدير : اذكر ، على أسلوب قوله تعالى { إذْ قال موسى لأهله إنّي آنست ناراً } في سورة النمل ( 7 ) ، فيكون الكلام تخلّصاً إلى ذكر قصّة المائدة لمناسبة حكاية ما دار بين عيسى وبين الحواريّين في قوله تعالى : { وإذ أوحيت إلى الحواريّين أن آمنوا بي وبرسولي } [ المائدة : 111 ] وابتدأوا خطابهم عيسى بندائه باسمه للدلالة على أنّ ما سيقولونه أمر فيه اقتراح وكلفة له ، وكذلك شأن من يخاطب من يتجشّم منه كلفة أن يطيل خطابه طلباً لإقبال سمعه إليه ليكون أوعى للمقصود .
وجرى قوله تعالى : { هل يستطيع ربّك } على طريقة عربية في العرض والدعاء ، يقولون للمستطيع لأمر : هل تستطيع كذا ، على معنى تطلّب العذر له إن لم يجبك إلى مطلوبك وأنّ السائل لا يحبّ أن يكلّف المسؤول ما يشقّ عليه ، وذلك كناية فلم يبق منظوراً فيه إلى صريح المعنى المقتضي أنّه يشكّ في استطاعة المسؤول ، وإنّما يقول ذلك الأدنى للأعلى منه ، وفي شيء يعلم أنه مستطاع للمسؤول ، فقرينة الكناية تحقّقُ المسؤول أنّ السائل يعلم استطاعته . ومنه ما جاء في حديث يحيى المازني «أنّ رجلاً قال لعبد الله بن زيد : أتستطيع أن تريني كيف كان رسول الله يتوضّأ» . فإنّ السائل يعلم أنّ عبد الله بن زيد لا يشقّ عليه ذلك . فليس قول الحواريّين المحكي بهذا اللفظ في القرآن إلاّ لفظاً من لغتهم يدلّ على التلطّف والتأدّب في السؤال ، كما هو مناسب أهل الإيمان الخالص . وليس شكّاً في قدرة الله تعالى ولكنّهم سألوا آية لزيادة اطمئنان قلوبهم بالإيمان بأن ينتقلوا من الدليل العقلي إلى الدليل المحسوس . فإنّ النفوس بالمحسوس آنس ، كما لم يكن سؤال إبراهيم بقوله { ربّ أرني كيف تحيي الموتى } [ البقرة : 260 ] شكّاً في الحال . وعلى هذا المعنى جرى تفسير المحققين مثل ابن عطية ، والواحدي ، والبغوي خلافاً لما في «الكشاف» .
وقرأ الجمهور : { يستطيع } بياء الغيبة ورفع { ربُّك } .
وقرأه الكسائي { هل تَستطيع ربَّك } بتاء المخاطب ونصب الباء الموحّدة من قوله { ربّك } على أنّ { ربّك } مفعول به ، فيكون المعنى هل تسأل لنا ربّك ، فعبّر بالاستطاعة عن طلب الطاعة ، أي إجابة السؤال . وقيل : هي على حذف مضاف تقديره هل تستطيع سؤال ربّك ، فأقيم المضاف إليه مُقام المضاف في إعرابه . وفي رواية الطبري عن عائشة قالت : كان الحواريّون أعلم بالله عزّ وجل من أن يقولوا : هل يستطيع ربّك ، ولكن قالوا : هل تستطيع ربّك . وعن معاذ بن جبل أقرأنا النبي { هل تستطيع ربّك } .
واسم { مائدة } هو الخوان الموضوع عليه طعام ، فهو اسم لمعنى مركّب يدلّ على طعاممٍ وما يوضع عليه . والخِوان بكسر الخاء وضمّها تخت من خشب له قوائم مجعول ليوضع عليه الطعام للأكل ، اتّفقوا على أنّه معرّب . قال الجواليقي : هو أعجمي . وفي حديث قتادة عن أنس قال : ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خوان قطّ ، ولا في سُكُرُّجَة ، قال قتادة : قلت لأنس : فعلاَم كنتم تأكلون قال : على السُّفَر ، وقيل : المائدة اسم الطعام ، وإن لم يكن في وعاء ولا على خِوان . وجزم بذلك بعض المحقّقين من أهل اللغة ، ولعلّه مجاز مرسل بعلاقة المحلّ . وذكر القرطبي أنّه لم تكن للعرب موائد إنّما كانت لهم السفرة . وما ورد في الحديث من قول ابن عباس في الضبّ : لو كان حراماً ما أُكل على مائدة رسول الله ، إنّما يعني به الطعام الموضوع على سفرة . واسم السفرة غلب إطلاقه على وعاء من أديم مستدير له معاليق ليرفع بها إذا أريد السفر به . وسمّيت سفرة لأنّها يتّخذها المسافر . وإنّما سأل الحواريّون كون المائدة منزّلة من السماء لأنّهم رغبوا أن تكون خارقة للعادة فلا تكون ممّا صنع في العالم الأرضي فتعيّن أن تكون من عالم علوي .
وقول عيسى حين أجابهم { اتّقوا الله إن كنتم مؤمنين } أمر بملازمة التقوى وعدم تزلزل الإيمان ، ولذلك جاء بِ { إن } المفيدة للشكّ في الإيمان ليعلم الداعي إلى ذلك السؤال خشية أن يكون نشأ لهم عن شكّ في صدق رسولهم ، فسألوا معجزة يعلمون بها صدقه بعد أن آمنوا به ، وهو قريب من قوله تعالى لإبراهيم المحكي في قوله : { قال أو لم تؤمن } ، أي ألم تكن غنيّاً عن طلب الدليل المحسوس . فالمراد بالتقوى في كلام عيسى ما يشمل الإيمان وفروعه . وقيل : نهاهم عن طلب المعجزات ، أي إن كنتم مؤمنين فقد حصل إيمانكم فما الحاجة إلى المعجزة .
- إعراب القرآن : إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
«إِذْ» ظرف زمان متعلق بالفعل المحذوف اذكر وجملة «قالَ الْحَوارِيُّونَ» بعده في محل جر بالإضافة «يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ» منادى مفرد علم وبن صفته على المعنى أو بدل ومريم مضاف إليه «هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ» فعل مضارع وفاعله وأن والفعل بعدها في تأويل مصدر مفعوله أي : هل يستطيع ربك تنزيل «عَلَيْنا» متعلقان بالفعل ينزل وكذلك «مِنَ السَّماءِ» ويجوز تعليقهما بمحذوف صفة مائدة ، والجملة مقول القول. «قالَ» الجملة مستأنفة «اتَّقُوا اللَّهَ» فعل أمر وفاعل ولفظ الجلالة مفعول به والجملة مقول القول «إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» كان واسمها وخبرها وجواب الشرط محذوف والتقدير إن كنتم مؤمنين فاتقوا اللّه في سؤالكم.
- English - Sahih International : [And remember] when the disciples said "O Jesus Son of Mary can your Lord send down to us a table [spread with food] from the heaven [Jesus] said" Fear Allah if you should be believers"
- English - Tafheem -Maududi : إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(5:112) Also recall when the disciples asked Jesus, *128 son of Mary: 'Jesus, son of Mary, has your Lord the power to send down to us a repast from the heaven?' There- upon Jesus said: 'Fear Allah if you do indeed have faith.'
- Français - Hamidullah : Rappelle-toi le moment où les Apôtres dirent O Jésus fils de Marie se peut-il que ton Seigneur fasse descendre sur nous du ciel une table servie Il leur dit Craignez plutôt Allah si vous êtes croyants
- Deutsch - Bubenheim & Elyas : Als die Jünger sagten "O 'Isa Sohn Maryams kann dein Herr zu uns einen Tisch mit Speisen vom Himmel herabsenden" Er sagte "Fürchtet Allah wenn ihr gläubig seid"
- Spanish - Cortes : Cuando dijeron los apóstoles ¡Jesús hijo de María ¿Puede tu Señor hacer que nos baje del cielo una mesa servida Dijo ¡Temed a Alá si sois creyentes
- Português - El Hayek : E de quando os discípulos disseram Ó Jesus filho de Maria poderá o teu Senhor fazernos descer do céu uma mesaservida Disseste Temei a Deus se sois fiéis
- Россию - Кулиев : Вот сказали апостолы О Иса Иисус сын Марьям Марии Может ли твой Господь ниспослать нам трапезу с неба Он сказал Бойтесь Аллаха если вы являетесь верующими
- Кулиев -ас-Саади : إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
Вот сказали апостолы: «О Иса (Иисус), сын Марьям (Марии)! Может ли твой Господь ниспослать нам трапезу с неба?» Он сказал: «Бойтесь Аллаха, если вы являетесь верующими».Апостолы задали своему пророку этот вопрос не потому, что они сомневались в могуществе Аллаха. У них было желание, и они тактично попросили пророка удовлетворить его. Но поскольку просьба явить знамение несовместима с покорностью перед истиной и поскольку слова апостолов можно было расценить так, пророк Иса принялся увещевать их. Он велел им устрашиться Аллаха, если они действительно являются верующими. Поистине, вера помогает человеку всегда оставаться богобоязненным, повиноваться приказам Аллаха и не требовать знамений, последствия которых ему абсолютно не известны.
- Turkish - Diyanet Isleri : Havariler "Ey Meryem oğlu İsa Rabbin bize gökten bir sofra indirebilir mi" demişlerdi de "İnanıyorsanız Allah'tan sakının" demişti
- Italiano - Piccardo : Quando gli apostoli dissero “O Gesù figlio di Maria è possibile che il tuo Signore faccia scendere su di noi dal cielo una tavola imbandita” gli rispose “Temete Allah se siete credenti
- كوردى - برهان محمد أمين : کاتێک حهواریهکانیش وتیان ئهی عیسای کوڕی مهریهم ئایا پهروهردگاری تۆ دهتوانێت له ئاسمانهوه سفره و خوانێکمان بۆ دابهزێنێت عیسا وتی له خوا بترسن ئهگهر ئێوه ئیماندارن ئهمه چ داخوازیهکه دهیکهن
- اردو - جالندربرى : وہ قصہ بھی یاد کرو جب حواریوں نے کہا کہ اے عیسی بن مریم کیا تمہارا پروردگار ایسا کر سکتا ہے کہ ہم پر اسمان سے طعام کا خوان نازل کرے انہوں نے کہا کہ اگر ایمان رکھتے ہو تو خدا سے ڈرو
- Bosanski - Korkut : A kada učenici rekoše "O Isa sine Merjemin može li nam Gospodar tvoj trpezu s neba spustiti" – on reče "Bojte se Allaha ako ste vjernici"
- Swedish - Bernström : Och de vitklädda sade "Jesus son av Maria Kan din Herre låta ett bord [dukat till måltid] sänka sig ned till oss från himlen" [Och Jesus] svarade "Frukta Gud om ni har sann tro"
- Indonesia - Bahasa Indonesia : Ingatlah ketika pengikutpengikut Isa berkata "Hai Isa putera Maryam sanggupkah Tuhanmu menurunkan hidangan dari langit kepada kami" Isa menjawab "Bertakwalah kepada Allah jika kamu betulbetul orang yang beriman"
- Indonesia - Tafsir Jalalayn : إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
Ingatlah (Ketika pengikut-pengikut Isa berkata, "Hai Isa putra Maryam! Sanggupkah) artinya bisakah (Tuhanmu) menurut satu qiraat dibaca tastathii'u kemudian lafal yang sesudahnya dibaca nashab/rabbaka, yang artinya apakah engkau bisa meminta kepada-Nya (menurunkan hidangan dari langit kepada kami?" Menjawab) kepada mereka Isa ("Bertakwalah kepada Allah) di dalam meminta bukti-bukti itu/mukjizat-mukjizat (jika betul-betul kamu orang yang beriman.")
- বাংলা ভাষা - মুহিউদ্দীন খান : যখন হাওয়ারীরা বললঃ হে মরিয়ম তনয় ঈসা আপনার পালনকর্তা কি এরূপ করতে পারেন যে আমাদের জন্যে আকাশ থেকে খাদ্যভর্তি খাঞ্চা অবতরণ করে দেবেন তিনি বললেনঃ যদি তোমরা ঈমানদার হও তবে আল্লাহকে ভয় কর।
- தமிழ் - ஜான் டிரஸ்ட் : "மர்யமுடைய மகன் ஈஸாவே உங்கள் இறைவன் வானத்திலிருந்து எங்களுக்காக உணவு மரவையை ஆகாரத் தட்டை இறக்கி வைக்க முடியுமா" என்று ஹவாரிய்யூன் சீடர்கள் கேட்டபோது அவர் "நீங்கள் முஃமின்களாக இருந்தால் அல்லாஹ்வை அஞ்சிக் கொள்ளுங்கள்" என்று கூறினார்
- ภาษาไทย - ภาษาไทย : ขณะที่อัลฮะวารียูนกล่าวว่า โอ้อีซาบุตรของมัรยัม พระเจ้าของท่านสามารถที่จะให้สำรับอาหารจากฟากฟ้าลงมาแก่พวกเราไหม เขากล่าวว่า พวกเจ้าจงยำเกรงอัลลอฮ์ หากพวกเจ้าเป็นผู้ศรัทธา
- Uzbek - Мухаммад Содик : Ҳаворийлар Эй Ийсо ибн Марям сенинг Роббинг бизга осмондан тузатилган дастурхон тушира оладими деганларида у Агар мўмин бўлсаларингиз Аллоҳга тақво қилинглар деганини эсла
- 中国语文 - Ma Jian : 当时,众门徒说:麦尔彦之子尔撒啊,你的主能从天上降筵席给我们吗﹖他说:你们当敬畏真主,如果你们是信士的话。
- Melayu - Basmeih : Dan ingatlah ketika orang orang Hawariyyiin berkata "Wahai Isa Ibni Maryam Dapatkah kiranya Tuhanmu berkenan menurunkan kepada kami satu hidangan dari langit" Nabi Isa menjawab "Bertaqwalah kamu kepada Allah jika benar kamu orangorang yang beriman"
- Somali - Abduh : Xusuuso Markay Dheheen Xawaariyiintii Ciise Ibnu Maryamow Makaraa Eebahaa inuu nooga soo Dejiyo Xeedho Cunno Samada wuxuuna yidhi ka Dhawrsada Eebe Haddaad Mu'miniintihiin
- Hausa - Gumi : A lõkacin da Hawarãyãwa suka ce "Ya Ĩsa ɗan Maryam shin Ubangijinka Yanã iyãwa Ya saukar da kaɓaki a kanmu daga samã" Ĩsã Ya ce "Ku bi Allah da taƙawa idan kun kasance muminai"
- Swahili - Al-Barwani : Wanafunzi walipo sema Ewe Isa bin Maryamu Je Mola wako Mlezi anaweza kututeremshia chakula kutoka mbinguni Akasema Mcheni Mwenyezi Mungu ikiwa nyinyi ni Waumini
- Shqiptar - Efendi Nahi : E kur apostujt thanë “O Isa i biri i Merjemës a mundet Zot’i yt të na zbresë një sofër prej qielli” Ai tha “Druani Perëndinë nëse jeni besimtarë”
- فارسى - آیتی : و حواريان پرسيدند: اى عيسى بن مريم، آيا پروردگار تو مىتواند كه براى ما از آسمان مائدهاى فرستد؟ گفت: اگر ايمان آوردهايد، از خدا بترسيد.
- tajeki - Оятӣ : Ва ҳавориён пурсиданд: «Эй Исо бинни Марям, оё Парварднгори ту метавонад, ки барои мо аз осмон моидае фиристад?» Гуфт; Агар имон овардаед, аз Худо битарсед».
- Uyghur - محمد صالح : ئۆز ۋاقتىدا ھەۋارىلار: «ئى مەريەم ئوغلى ئىسا! رەببىڭ بىزگە ئاسماندىن ئۈستىدە تاماق بار داستىخان چۈشۈرۈپ بېرەلەمدۇ؟» دېدى. ئىسا: «ئەگەر (اﷲ نىڭ قۇدرىتىگە) ئىشەنسەڭلار (مۇنداق سوئاللارنى بېرىشتە) اﷲ تىن قورقۇڭلار» دېدى
- Malayalam - ശൈഖ് മുഹമ്മദ് കാരകുന്ന് : ഓര്ക്കുക: ഹവാരികള് പറഞ്ഞ സന്ദര്ഭം: "മര്യമിന്റെ മകന് ഈസാ, മാനത്തുനിന്ന് ഒരു ഭക്ഷണത്തളിക ഞങ്ങള്ക്ക് ഇറക്കിത്തരാന് നിന്റെ നാഥന് കഴിയുമോ?” അദ്ദേഹം പറഞ്ഞു: "നിങ്ങള് വിശ്വാസികളാണെങ്കില് അല്ലാഹുവെ സൂക്ഷിക്കുക.”
- عربى - التفسير الميسر : واذكر اذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك ان سالته ان ينزل علينا مائده طعام من السماء فكان جوابه ان امرهم بان يتقوا عذاب الله تعالى ان كانوا مومنين حق الايمان
*128). Since the disciples have been mentioned here, the continuity of the subject is interrupted momentarily in order to introduce another incident connected with the disciples. This clearly shows that those who had been directly instructed by Jesus considered him merely a human being and a slave of God; they had no conception of their master either being God or a partner of God or the son of God. Jesus had, rather, presented himself to them as a slave of God with no claims to divine authority.
One might feel inclined here to raise the question: What is the occasion for this parenthetical interjection in a conversation that is to take place on the Day of Judgement? This parenthesis, in my opinion, is not in fact part of such a conversation, but rather forms part of a discussion in this world regarding a conversation that will take place on the Day of Judgement. The conversation that will take place on the Day of Judgement is mentioned here precisely in order that the Christians may derive a lesson from it and direct themselves to the right way. Hence, the mention of this incident regarding the disciples - even though it seems to interrupt the continuity of narration - is in no sense out of place.*That is, are Muslims - Ed.