- عربي - نصوص الآيات عثماني : ۞ وَهُوَ ٱلَّذِىٓ أَنشَأَ جَنَّٰتٍۢ مَّعْرُوشَٰتٍۢ وَغَيْرَ مَعْرُوشَٰتٍۢ وَٱلنَّخْلَ وَٱلزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُۥ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَٰبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍۢ ۚ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِۦٓ إِذَآ أَثْمَرَ وَءَاتُواْ حَقَّهُۥ يَوْمَ حَصَادِهِۦ ۖ وَلَا تُسْرِفُوٓاْ ۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ
- عربى - نصوص الآيات : ۞ وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه ۚ كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ۖ ولا تسرفوا ۚ إنه لا يحب المسرفين
- عربى - التفسير الميسر : والله سبحانه وتعالى هو الذي أوجد لكم بساتين: منها ما هو مرفوع عن الأرض كالأعناب، ومنها ما هو غير مرفوع، ولكنه قائم على سوقه كالنخل والزرع، متنوعًا طعمه، والزيتون والرمان متشابهًا منظره، ومختلفًا ثمره وطعمه. كلوا -أيها الناس- مِن ثمره إذا أثمر، وأعطوا زكاته المفروضة عليكم يوم حصاده وقطافه، ولا تتجاوزوا حدود الاعتدال في إخراج المال وأكل الطعام وغير ذلك. إنه تعالى لا يحب المتجاوزين حدوده بإنفاق المال في غير وجهه.
- السعدى : ۞ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
لما ذكر تعالى تصرف المشركين في كثير مما أحله الله لهم من الحروث والأنعام، ذكر تبارك وتعالى نعمته عليهم بذلك، ووظيفتهم اللازمة عليهم في الحروث والأنعام فقال: { وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ } أي: بساتين، فيها أنواع الأشجار المتنوعة، والنباتات المختلفة. { مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ } أي: بعض تلك الجنات، مجعول لها عرش، تنتشر عليه الأشجار، ويعاونها في النهوض عن الأرض. وبعضها خال من العروش، تنبت على ساق، أو تنفرش في الأرض، وفي هذا تنبيه على كثرة منافعها، وخيراتها، وأنه تعالى، علم العباد كيف يعرشونها، وينمونها. { وَ } أنشأ تعالى { النخل وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ } أي: كله في محل واحد، ويشرب من ماء واحد، ويفضل الله بعضه على بعض في الأكل. وخص تعالى النخل والزرع على اختلاف أنواعه لكثرة منافعها، ولكونها هي القوت لأكثر الخلق. { وَ } أنشأ تعالى { الزيتون وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا } في شجره { وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ } في ثمره وطعمه. كأنه قيل: لأي شيء أنشأ الله هذه الجنات، وما عطف عليها؟ فأخبر أنه أنشأها لمنافع العباد فقال: { كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ } أي: النخل والزرع { إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } أي: أعطوا حق الزرع، وهو الزكاة ذات الأنصباء المقدرة في الشرع، أمرهم أن يعطوها يوم حصادها، وذلك لأن حصاد الزرع بمنزلة حولان الحول، لأنه الوقت الذي تتشوف إليه نفوس الفقراء، ويسهل حينئذ إخراجه على أهل الزرع، ويكون الأمر فيها ظاهرا لمن أخرجها، حتى يتميز المخرج ممن لا يخرج. وقوله: { وَلَا تُسْرِفُوا } يعم النهي عن الإسراف في الأكل، وهو مجاوزة الحد والعادة، وأن يأكل صاحب الزرع أكلا يضر بالزكاة، والإسراف في إخراج حق الزرع بحيث يخرج فوق الواجب عليه، ويضر نفسه أو عائلته أو غرماءه، فكل هذا من الإسراف الذي نهى الله عنه، الذي لا يحبه الله بل يبغضه ويمقت عليه. وفي هذه الآية دليل على وجوب الزكاة في الثمار، وأنه لا حول لها، بل حولها حصادها في الزروع، وجذاذ النخيل، وأنه لا تتكرر فها الزكاة، لو مكثت عند العبد أحوالا كثيرة، إذا كانت لغير التجارة، لأن الله لم يأمر بالإخراج منه إلا وقت حصاده. وأنه لو أصابها آفة قبل ذلك بغير تفريط من صاحب الزرع والثمر، أنه لا يضمنها، وأنه يجوز الأكل من النخل والزرع قبل إخراج الزكاة منه، وأنه لا يحسب ذلك من الزكاة، بل يزكي المال الذي يبقى بعده. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، يبعث خارصا، يخرص للناس ثمارهم، ويأمره أن يدع لأهلها الثلث، أو الربع، بحسب ما يعتريها من الأكل وغيره، من أهلها، وغيرهم.
- الوسيط لطنطاوي : ۞ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
قوله- تعالى- وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ.
أنشأ: أى أوجد وخلق. والجنات: البساتين والكروم الملتفة الأشجار.
ومعروشات: أصل العرش في اللغة شيء مسقف يجعل عليه الكرم وجمعه عروش، يقال عرشت الكرم أعرشه عرشا من بابى- ضرب ونصر-، وعرشته تعريشا إذا جعلته كهيئة السقف. فالمادة تدل على الرفع ومنها عرش الملك. قال ابن عباس: المعروشات. ما انبسط على الأرض وانبسط من الزروع مما يحتاج إلى أن يتخذ له عريش يحمل عليه، كالكرم والبطيخ والقرع ونحو ذلك. وغير المعروشات ما قام على ساق واستغنى باستوائه وقوة ساقه عن التعريش كالنخل والشجر.
وقيل المعروشات وغير المعروشات كلاهما في الكرم خاصة، لأن منه ما يعرش ومنه ما لا يعرش بل يبقى على وجه الأرض منبسطا.
وقيل المعروشات ما غرسه الناس في البساتين واهتموا به فعرشوه من كرم أو غيره، وغير المعروشات. هو ما أنبته الله في البراري والجبال من كرم وشجر.
أى: وهو- سبحانه- الذي أوجد لكم هذه البساتين المختلفة التي منها المرفوعات عن الأرض، ومنها غير المرفوعات عنها، فخصوه وحده بالعبادة والخضوع.
وقوله: وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ عطف على جنات، أى: أنشأ جنات، وأنشأ النخل والزرع، والمراد بالزرع جميع الحبوب التي يقتات بها.
وإنما أفردهما مع أنهما داخلان في الجنات لما فيهما من الفضيلة على سائر ما ينبت في الجنات.
ومُخْتَلِفاً أُكُلُهُ أى، ثمره وحبه في اللون والطعم والحجم والرائحة.
والضمير في أكله راجع إلى كل واحد منهما، أى: النخل والزرع والمراد بالأكل المأكول أى، مختلف المأكول في كل منهما في الهيئة والطعم.
قال الجمل: وجملة. مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ حال مقدرة، لأن النخل والزرع وقت خروجه لا أكل منه حتى يكون مختلفا أو متفقا، فهو مثل قولهم: مررت برجل معه صقر صائدا له غدا» .
وقوله: وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ أى: وأنشأ الزيتون والرمان متشابها في المنظر وغير متشابه في الطعم أو متشابها بعض أفرادهما في اللون أو الطعم أو الهيئة «وغير متشابه في بعضها.
قال القرطبي: وفيه أدلة ثلاثة.
أحدها: ما تقدم من قيام الدليل على أن المتغيرات لا بد لها من مغير.
الثاني: على المنة منه- سبحانه- علينا، فلو شاء إذ خلقنا ألا يخلق لنا غذاء، وإذا خلقه ألا يكون جميل المنظر طيب الطعم، وإذ خلقه كذلك ألا يكون سهل الجنى، فلم يكن عليه أن يفعل ذلك ابتداء، لأنه لا يجب عليه شيء.
الثالث: على القدرة في أن يكون الماء الذي من شأنه الرسوب يصعد بقدرة الله الواحد علام الغيوب من أسافل الشجرة إلى أعاليها، حتى إذا انتهى إلى آخرها نشأت فيها أوراق ليست من جنسها، وثمر خارج من صفته: الجرم الوافر، واللون الزاهر، والجنى الجديد، والطعم اللذيذ، فأين الطبائع وأجناسها وأين الفلاسفة وأسسها، هل هي في قدرة الطبيعة أن تتقن هذا الإتقان أو ترتب هذا الترتيب العجيب. كلا، لا يتم ذلك في العقول إلا لحى قادر عالم مريد، فسبحان من له في كل شيء آية ونهاية.
ووجه اتصال هذا بما قبله أن الكفار لما افتروا على الله الكذب. وأشركوا معه وحللوا وحرموا دلهم على وحدانيته بأنه خالق الأشياء، وأنه جعل هذه الأشياء أرزاقا لهم».
ثم ذكر- سبحانه- المقصود من خلق هذه الأشياء فقال: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ أى:
كلوا من ثمر تلك الزروع والأشجار التي أنشأناها لكم، شاكرين الله على ذلك. والأمر للإباحة. وفائدة التقييد بقوله إِذا أَثْمَرَ إباحة الأكل قبل النضوج والإدراك.
وقيل فائدته: الترخيص للمالك في الأكل من قبل أداء حق الله- تعالى- لأنه لما أوجب الحق فيه ربما يتبادر إلى الأذهان أنه يحرم على المالك تناول شيء منه لمكان شركة المساكين له فيه، فأباح الله له هذا الأكل.
ثم أمرهم- سبحانه- بأداء حقوق الفقراء والمحتاجين مما رزقهم فقال: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ أى: كلوا من ثمر ما أنشأنا لكم، وأدوا حق الله فيه للفقراء والمحتاجين يوم حصاده.
ويرى بعض العلماء أن المراد بهذا الحق الصدقة بوجه عام على المستحقين لها، بأن يوزع صاحب الزرع منه عند حصاده على المساكين والبائسين ما يسد حاجتهم بدون إسراف أو تقتير.
وأصحاب هذا الرأى فسروا هذا الحق بالصدقة الواجبة من غير تحديد للمقدار وليس بالزكاة المفروضة لأن الآية مكية والزكاة إنما فرضت بالمدينة.
وهم يرون أن هذا الحق لم ينسخ بالزكاة المفروضة، بل على صاحب الزرع أن يطعم منه المحتاجين عند حصاده.
ويرى بعض آخر من العلماء أن المراد بهذا الحق ما فصلته السنة النبوية من الزكاة المفروضة وهذه الآية مدنية وإن كانت السورة مكية.
ويبدو لنا أن الرأى الأول أرجح، لأنه لا دليل على أن هذه الآية مدنية ولأن فرضية الزكاة لا تمنع إعطاء الصدقات، وفي الأمر بإيتاء هذا الحق يوم الحصاد، مبالغة في العزم على المبادرة إليه.
والمعنى: اعزموا على إيتاء هذا الحق واقصدوه، واهتموا به يوم الحصاد حتى لا تؤخروه عن أول وقت يمكن فيه الإيتاء.
وقيل: إنما ذكر وقت الحصاد تخفيفا على أصحاب الزروع حتى لا يحسب عليهم ما أكل قبله.
ثم ختمت الآية بالنهى عن الإسراف فقالت: وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ. أى لا تسرفوا في أكلكم قبل الحصاد ولا في صدقاتكم ولا في أى شأن من شئونكم، لأنه- سبحانه- لا يحب المسرفين.
وقال ابن جريج، نزلت في ثابت بن قيس، قطع نخلا له فقال. لا يأتينى اليوم أحد إلا أطعمته، فأطعم حتى أمسى وليست له ثمرة، فنزلت هذه الآية.
وقال عطاء، نهوا عن السرف في كل شيء.
وقال إياس بن معاوية، ما جاوزت به أمر الله فهو سرف.
- البغوى : ۞ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
قوله تعالى : ( وهو الذي أنشأ ) ابتدع . ( جنات ) بساتين ، ( معروشات وغير معروشات ) أي : مسموكات مرفوعات وغير مرفوعات ، وقال ابن عباس : معروشات : ما انبسط على وجه الأرض وانتشر مما يعرش ، مثل : الكرم والقرع والبطيخ وغيرها ، وغير معروشات : ما قام على ساق وبسق ، مثل النخل والزرع وسائر الأشجار .
وقال الضحاك : كلاهما ، الكرم خاصة ، منها ما عرش ومنها ما لم يعرش .
( والنخل والزرع ) أي : وأنشأ النخل والزرع ، ( مختلفا أكله ) ثمره وطعمه منها الحلو والحامض والجيد والرديء ، ( والزيتون والرمان متشابها ) في المنظر ، ( وغير متشابه ) في المطعم مثل الرمانتين لونهما واحد وطعمهما مختلف ، ( كلوا من ثمره إذا أثمر ) هذا أمر إباحة .
( وآتوا حقه يوم حصاده ) قرأ أهل البصرة وابن عامر وعاصم ( حصاده ) بفتح الحاء ، وقرأ الآخرون بكسرها ومعناهما واحد ، كالصرام والصرام والجزاز والجزاز .
واختلفوا في هذا الحق : فقال ابن عباس وطاوس والحسن وجابر بن زيد وسعيد بن المسيب : إنها الزكاة المفروضة من العشر ونصف العشر .
وقال علي بن الحسين وعطاء ومجاهد وحماد والحكم : هو حق في المال سوى الزكاة ، أمر بإتيانه ، لأن الآية مكية وفرضت الزكاة بالمدينة .
قال إبراهيم : هو الضغث . وقال الربيع : لقاط السنبل .
وقال مجاهد : كانوا يعلقون العذق عند الصرام فيأكل منه من مر .
وقال يزيد بن الأصم : كان أهل المدينة إذا صرموا يجيئون بالعذق فيعلقونه في جانب المسجد ، فيجيء المسكين فيضربه بعصاه فيسقط منه فيأخذه .
وقال سعيد بن جبير : كان هذا حقا يؤمر بإتيانه في ابتداء الإسلام فصار منسوخا بإيجاب العشر .
وقال مقسم عن ابن عباس : نسخت الزكاة كل نفقة في القرآن .
( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) قيل : أراد بالإسراف إعطاء الكل . قال ابن عباس في رواية الكلبي : إن ثابت بن قيس بن شماس صرم خمسمائة نخلة وقسمها في يوم واحد ولم يترك لأهله شيئا ، فأنزل الله - عز وجل - هذه الآية .
قال السدي : لا تسرفوا أي لا تعطوا أموالكم فتقعدوا فقراء . قال الزجاج : على هذا إذا أعطى الإنسان كل ماله ولم يوصل إلى عياله شيئا فقد أسرف ، لأنه قد جاء في الخبر " ابدأ بمن تعول " . وقال سعيد بن المسيب : معناه لا تمنعوا الصدقة . فتأويل الآية على هذا : لا تتجاوز الحد في البخل والإمساك حتى تمنعوا الواجب من الصدقة .
وقال مقاتل : لا تشركوا الأصنام في الحرث والأنعام .
وقال الزهري : لا تنفقوا في المعصية ، وقال مجاهد : الإسراف ما قصرت به عن حق الله - عز وجل - ، وقال : لو كان أبو قبيس ذهبا لرجل فأنفقه في طاعة الله لم يكن مسرفا ولو أنفق درهما أو مدا في معصية الله كان مسرفا . وقال إياس بن معاوية : ما جاوزت به أمر الله فهو سرف وإسراف . وروى ابن وهب عن أبي زيد . قال : الخطاب للسلاطين ، يقول : لا تأخذوا فوق حقكم .
- ابن كثير : ۞ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
يقول تعالى بيانا لأنه الخالق لكل شيء من الزروع والثمار والأنعام التي تصرف فيها المشركون بآرائهم الفاسدة وقسموها وجزءوها ، فجعلوا منها حراما وحلالا فقال : ( وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات ) .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( معروشات ) مسموكات . وفي رواية : " المعروشات " : معروشات ما عرش الناس ، ( وغير معروشات ) ما خرج في البر والجبال من الثمرات .
وقال عطاء الخراساني ، عن ابن عباس : ( معروشات ) ما عرش من الكرم ( وغير معروشات ) ما لم يعرش من الكرم . وكذا قال السدي .
وقال ابن جريج : ( متشابها وغير متشابه ) قال : متشابها في المنظر ، وغير متشابه في الطعم .
وقال محمد بن كعب : ( كلوا من ثمره إذا أثمر ) قال : من رطبه وعنبه .
وقوله تعالى : ( وآتوا حقه يوم حصاده ) قال ابن جرير : قال بعضهم : هي الزكاة المفروضة .
حدثنا عمرو ، حدثنا عبد الصمد ، حدثنا يزيد بن درهم قال : سمعت أنس بن مالك يقول : ( وآتوا حقه يوم حصاده ) قال : الزكاة المفروضة .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( وآتوا حقه يوم حصاده ) يعني : الزكاة المفروضة ، يوم يكال ويعلم كيله . وكذا قال سعيد بن المسيب .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( وآتوا حقه يوم حصاده ) وذلك أن الرجل كان إذا زرع فكان يوم حصاده ، لم يخرج مما حصد شيئا فقال الله : ( وآتوا حقه يوم حصاده ) وذلك أن يعلم ما كيله وحقه ، من كل عشرة واحدا ، ما يلقط الناس من سنبله .
وقد روى الإمام أحمد وأبو داود في سننه من حديث محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن يحيى بن حبان ، عن عمه واسع بن حبان ، عن جابر بن عبد الله ; أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل جاد عشرة أوسق من التمر ، بقنو يعلق في المسجد للمساكينوهذا إسناده جيد قوي .
وقال طاوس ، وأبو الشعثاء ، وقتادة ، والحسن ، والضحاك ، وابن جريج : هي الزكاة .
وقال الحسن البصري : هي الصدقة من الحب والثمار ، وكذا قال زيد بن أسلم .
وقال آخرون : هو حق آخر سوى الزكاة .
وقال أشعث ، عن محمد بن سيرين - ونافع ، عن ابن عمر في قوله : ( وآتوا حقه يوم حصاده ) قال : كانوا يعطون شيئا سوى الزكاة . رواه ابن مردويه . وروى عبد الله بن المبارك وغيره . عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء بن أبي رباح في قوله : ( وآتوا حقه يوم حصاده ) قال : يعطي من حضره يومئذ ما تيسر ، وليس بالزكاة .
وقال مجاهد : إذا حضرك المساكين ، طرحت لهم منه .
وقال عبد الرزاق ، عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وآتوا حقه يوم حصاده ) قال : عند الزرع يعطي القبض ، وعند الصرام يعطي القبض ، ويتركهم فيتبعون آثار الصرام .
وقال الثوري ، عن حماد ، عن إبراهيم النخعي قال : يعطي مثل الضغث .
وقال ابن المبارك ، عن شريك ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير ( وآتوا حقه يوم حصاده ) قال : كان هذا قبل الزكاة : للمساكين ، القبضة الضغث لعلف دابته .
وفي حديث ابن لهيعة ، عن دراج ، عن أبي الهيثم ، عن سعيد مرفوعا : ( وآتوا حقه يوم حصاده ) قال : ما سقط من السنبل . رواه ابن مردويه .
وقال آخرون : هذا كله شيء كان واجبا ، ثم نسخه الله بالعشر ونصف العشر . حكاه ابن جرير عن ابن عباس ، ومحمد ابن الحنفية ، وإبراهيم النخعي ، والحسن ، والسدي ، وعطية العوفي . واختاره ابن جرير ، رحمه الله .
قلت : وفي تسمية هذا نسخا نظر; لأنه قد كان شيئا واجبا في الأصل ، ثم إنه فصل بيانه وبين مقدار المخرج وكميته . قالوا : وكان هذا في السنة الثانية من الهجرة ، فالله أعلم .
وقد ذم الله سبحانه الذين يصومون ولا يتصدقون ، كما ذكر عن أصحاب الجنة في سورة " ن " : ( إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم ) أي : كالليل المدلهم سوداء محترقة ( فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين وغدوا على حرد ) أي : قوة وجلد وهمة ( قادرين فلما رأوها قالوا إنا لضالون بل نحن محرومون قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ) [ القلم : 17 - 33 ] .
وقوله : ( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) قيل : معناه : ولا تسرفوا في الإعطاء ، فتعطوا فوق المعروف .
وقال أبو العالية : كانوا يعطون يوم الحصاد شيئا ، ثم تباروا فيه وأسرفوا ، فأنزل الله : ( ولا تسرفوا ) .
وقال ابن جريج نزلت في ثابت بن قيس بن شماس ، جذ نخلا . فقال : لا يأتيني اليوم أحد إلا أطعمته . فأطعم حتى أمسى وليست له ثمرة ، فأنزل الله : ( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) رواه ابن جرير ، عنه .
وقال ابن جريج ، عن عطاء : ينهى عن السرف في كل شيء .
وقال إياس بن معاوية : ما جاوزت به أمر الله فهو سرف .
وقال السدي في قوله : ( ولا تسرفوا ) قال : لا تعطوا أموالكم ، فتقعدوا فقراء .
وقال سعيد بن المسيب ومحمد بن كعب ، في قوله : ( ولا تسرفوا ) قال : لا تمنعوا الصدقة فتعصوا .
ثم اختار ابن جرير قول عطاء : إنه نهي عن الإسراف في كل شيء . ولا شك أنه صحيح ، لكن الظاهر - والله أعلم - من سياق الآية حيث قال تعالى : ( كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) أن يكون عائدا على الأكل ، أي : ولا تسرفوا في الأكل لما فيه من مضرة العقل والبدن ، كما قال تعالى : ( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) [ الأعراف : 31 ] ، وفي صحيح البخاري تعليقا : " كلوا واشربوا ، والبسوا وتصدقوا ، في غير إسراف ولا مخيلة " وهذا من هذا ، والله أعلم .
- القرطبى : ۞ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين
فيه ثلاث وعشرون مسألة :
الأولى : قوله تعالى أنشأ أي خلق جنات معروشات أي بساتين ممسوكات مرفوعات .
وغير معروشات غير مرفوعات . قال ابن عباس : معروشات : ما انبسط على الأرض مما يفرش مثل الكروم والزروع والبطيخ . وغير معروشات ما قام على ساق مثل النخل وسائر الأشجار . وقيل : المعروشات ما ارتفعت أشجارها . وأصل التعريش الرفع . وعن ابن عباس أيضا : المعروشات ما أثبته ورفعه الناس . وغير المعروشات ما خرج في البراري والجبال من الثمار . يدل عليه قراءة علي رضي الله عنه ( مغروسات وغير مغروسات ) بالغين المعجمة والسين المهملة .
الثانية : قوله تعالى والنخل والزرع أفردهما بالذكر وهما داخلان في الجنات لما فيهما من الفضيلة ; على ما تقدم بيانه في " البقرة " عند قوله : من كان عدوا لله وملائكته الآية .
مختلفا أكله يعني طعمه ، منه الجيد والدون . وسماه أكلا لأنه يؤكل . وأكله مرفوع بالابتداء . و مختلفا نعته ; ولكنه لما تقدم عليه وولي منصوبا نصب . كما تقول : عندي طباخا غلام . قال :
الشر منتشر يلقاك عن عرض والصالحات عليها مغلقا باب
وقيل : مختلفا نصب على الحال . قال أبو إسحاق الزجاج : وهذه مسألة مشكلة من النحو ; لأنه يقال : قد أنشأها ، ولم يختلف أكلها وهو ثمرها ; فالجواب أن الله سبحانه أنشأها بقوله : خالق كل شيء فأعلم أنه أنشأها مختلفا أكلها ; أي أنه أنشأها مقدرا فيه الاختلاف ; وقد بين هذا سيبويه بقوله : مررت برجل معه صقر صائدا به غدا ، على الحال ; كما تقول ; لتدخلن الدار آكلين شاربين ; أي مقدرين ذلك . جواب ثالث : أي لما أنشأه كان مختلفا أكله ، على معنى أنه لو كان له لكان مختلفا أكله . ولم يقل أكلهما ; لأنه اكتفى بإعادة الذكر على أحدهما ; كقوله : وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها أي إليهما . وقد تقدم هذا المعنى .
الثالثة : قوله تعالى والزيتون والرمان عطف عليه متشابها وغير متشابه نصب على الحال ، وقد تقدم القول فيه . وفي هذه أدلة ثلاثة ; أحدها ما تقدم من قيام الدليل على أن المتغيرات لا بد لها من مغير . الثاني على المنة منه سبحانه علينا ; فلو شاء إذ خلقنا ألا يخلق لنا غذاء ، وإذا خلقه ألا يكون جميل المنظر طيب الطعم ، وإذ خلقه كذلك ألا يكون سهل الجني ; فلم يكن عليه أن يفعل ذلك ابتداء ; لأنه لا يجب عليه شيء . الثالث على القدرة في أن يكون الماء الذي من شأنه الرسوب يصعد بقدرة الله الواحد علام الغيوب من أسافل الشجرة إلى أعاليها ، حتى إذا انتهى إلى آخرها نشأ فيها أوراق ليست من جنسها ، وثمر خارج من صفته الجرم الوافر ، واللون الزاهر ، والجني الجديد ، والطعم اللذيذ ; فأين الطبائع وأجناسها ، وأين الفلاسفة وأناسها ، هل في قدرة الطبيعة أن تتقن هذا الإتقان ، أو ترتب هذا الترتيب العجيب ! كلا لا يتم ذلك في العقول إلا لحي عالم قدير مريد . فسبحان من له في كل شيء آية ونهاية ! .
ووجه اتصال هذا بما قبله أن الكفار لما افتروا على الله الكذب وأشركوا معه وحللوا وحرموا دلهم على وحدانيته بأنه خالق الأشياء ، وأنه جعل هذه الأشياء أرزاقا لهم .
الرابعة قوله تعالى كلوا من ثمره إذا أثمر فهذان بناءان جاءا بصيغة افعل ، أحدهما مباح كقوله : فانتشروا في الأرض والثاني واجب . وليس يمتنع في الشريعة اقتران المباح والواجب ، وبدأ بذكر نعمة الأكل قبل الأمر بإيتاء الحق ليبين أن الابتداء بالنعمة كان من فضله قبل التكليف .
الخامسة قوله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده اختلف الناس في تفسير هذا الحق ما هو ; فقال أنس بن مالك وابن عباس وطاوس والحسن وابن زيد وابن الحنفية والضحاك وسعيد بن المسيب : هي الزكاة المفروضة ، العشر ونصف العشر . ورواه ابن وهب وابن القاسم عن مالك في تفسير الآية ، وبه قال بعض أصحاب الشافعي . وحكى الزجاج أن هذه الآية قيل فيها إنها نزلت بالمدينة . وقال علي بن الحسين وعطاء والحكم وحماد وسعيد بن جبير ومجاهد : هو حق في المال سوى الزكاة ، أمر الله به ندبا . وروي عن ابن عمر ومحمد ابن الحنفية أيضا ، ورواه أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال مجاهد : إذا حصدت فحضرك المساكين فاطرح لهم من السنبل ، وإذا جذذت فألق لهم من الشماريخ ، وإذا درسته ودسته وذريته فاطرح لهم منه ، وإذا عرفت كيله فأخرج منه زكاته . وقول ثالث : هو منسوخ بالزكاة ; لأن هذه السورة مكية وآية الزكاة لم تنزل إلا بالمدينة : خذ من أموالهم صدقة ، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة . روي عن ابن عباس وابن الحنفية والحسن وعطية العوفي والنخعي وسعيد بن جبير . وقال سفيان : سألت السدي عن هذه الآية فقال . نسخها العشر ونصف العشر . فقلت عمن ؟ فقال عن العلماء .
السادسة : وقد تعلق أبو حنيفة بهذه الآية وبعموم ما في قوله عليه السلام : فيما سقت السماء العشر وفيما سقي بنضح أو دالية نصف العشر في إيجاب الزكاة في كل ما تنبت الأرض طعاما كان أو غيره . وقال أبو يوسف عنه : إلا الحطب والحشيش والقضب والتين والسعف وقصب الذريرة وقصب السكر . وأباه الجمهور ، معولين على أن المقصود من الحديث بيان ما يؤخذ منه العشر وما يؤخذ منه نصف العشر . قال أبو عمر : لا اختلاف بين العلماء فيما علمت أن الزكاة واجبة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب . وقالت طائفة : لا زكاة في غيرها . روي ذلك عن الحسن وابن سيرين والشعبي . وقال به من الكوفيين ابن أبي ليلى والثوري والحسن بن صالح وابن المبارك و يحيى بن آدم ، وإليه ذهب أبو عبيد . وروي ذلك عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو مذهب أبي موسى ، فإنه كان لا يأخذ الزكاة إلا من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ; ذكره وكيع عن طلحة بن يحيى عن أبي بردة عن أبيه . وقال مالك وأصحابه : الزكاة واجبة في كل مقتات مدخر ; وبه قال الشافعي . وقال الشافعي : إنما تجب الزكاة فيما ييبس ويدخر ويقتات مأكولا . ولا شيء في الزيتون لأنه إدام . وقال أبو ثور مثله . وقال أحمد أقوالا أظهرها أن الزكاة إنما تجب في كل ما قاله أبو حنيفة إذا كان يوسق ; فأوجبها في اللوز لأنه مكيل دون الجوز لأنه معدود . واحتج بقوله عليه السلام : ليس فيما دون خمسة أوسق من تمر أو حب صدقة قال : فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن محل الواجب هو الوسق ، وبين المقدار الذي يجب إخراج الحق منه . وذهب النخعي إلى أن الزكاة واجبة في كل ما أخرجته الأرض ، حتى في عشر دساتج من بقل دستجة بقل . وقد اختلف عنه في ذلك ، وهو قول عمر بن عبد العزيز فإنه كتب أن يؤخذ مما تنبت الأرض من قليل أو كثير العشر ; ذكره عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل ، قال : كتب عمر . . . ; فذكره . وهو قول حماد بن أبي سليمان وتلميذه أبي حنيفة . وإلى هذا مال ابن العربي في أحكامه فقال : وأما أبو حنيفة فجعل الآية مرآته فأبصر الحق ، وأخذ يعضد مذهب الحنفي ويقويه . وقال في كتاب " القبس بما عليه الإمام مالك بن أنس " فقال : قال الله تعالى : والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه . واختلف الناس في وجوب الزكاة في جميع ما تضمنته أو بعضه ، وقد بينا ذلك في " الأحكام " لبابه أن الزكاة إنما تتعلق بالمقتات كما بينا دون الخضراوات ; وقد كان بالطائف الرمان والفرسك والأترج فما اعترضه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ذكره ولا أحد من خلفائه . قلت : هذا وإن لم يذكره في الأحكام هو الصحيح في المسألة ، وأن الخضراوات ليس فيها شيء . وأما الآية فقد اختلف فيها ، هل هي محكمة أو منسوخة أو محمولة على الندب . ولا قاطع يبين أحد محاملها ، بل القاطع المعلوم ما ذكره ابن بكير في أحكامه : أن الكوفة افتتحت بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وبعد استقرار الأحكام في المدينة ، أفيجوز أن يتوهم متوهم أو من له أدنى بصيرة أن تكون شريعة مثل هذه عطلت فلم يعمل بها في دار الهجرة ومستقر الوحي ولا في خلافة أبي بكر ، حتى عمل بذلك الكوفيون ؟ إن هذه لمصيبة فيمن ظن هذا وقال به ! قلت : ومما يدل على هذا من معنى التنزيل قوله تعالى : ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته أتراه يكتم شيئا أمر بتبليغه أو ببيانه ؟ حاشاه عن ذلك وقال تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ومن كمال الدين كونه لم يأخذ من الخضراوات شيئا . وقال جابر بن عبد الله فيما رواه الدارقطني : إن المقاثئ كانت تكون عندنا تخرج عشرة آلاف فلا يكون فيها شيء . وقال الزهري والحسن : تزكى أثمان الخضر إذا بيعت وبلغ الثمن مائتي درهم ; وقاله الأوزاعي في ثمن الفواكه . ولا حجة في قولهما لما ذكرنا . وقد روى الترمذي عن معاذ أنه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الخضراوات وهي البقول فقال : ليس فيها شيء . وقد روي هذا المعنى عن جابر وأنس وعلي ومحمد بن عبد الله بن جحش وأبي موسى وعائشة . ذكر أحاديثهم الدارقطني رحمه الله . قال الترمذي : ليس يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء . واحتج بعض أصحاب أبي حنيفة بحديث صالح بن موسى عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فيما أنبتت الأرض من الخضر زكاة . قال أبو عمر : وهذا حديث لم يروه من ثقات أصحاب منصور أحد هكذا ، وإنما هو من قول إبراهيم . قلت : وإذا سقط الاستدلال من جهة السنة لضعف أسانيدها فلم يبق إلا ما ذكرناه من تخصيص عموم الآية ، وعموم قوله عليه السلام : فيما سقت السماء العشر بما ذكرنا . وقال أبو يوسف ومحمد : ليس في شيء من الخضر زكاة إلا ما كانت له ثمرة باقية ، سوى الزعفران ونحوه مما يوزن ففيه الزكاة . وكانمحمد يعتبر في العصفر والكتان البزر ، فإذا بلغ بزرهما من القرطم والكتان خمسة أوسق كان العصفر والكتان تبعا للبزر ، وأخذ منه العشر أو نصف العشر . وأما القطن فليس فيه عنده دون خمسة أحمال شيء ; والحمل ثلاثمائة من بالعراقي . والورس والزعفران ليس فيما دون خمسة أمنان منها شيء . فإذا بلغ أحدهما خمسة أمنان كانت فيه الصدقة ، عشرا أو نصف العشر . وقال أبو يوسف : وكذلك قصب السكر الذي يكون منه السكر ، ويكون في أرض العشر دون أرض الخراج ، فيه ما في الزعفران . وأوجب عبد الملك بن الماجشون الزكاة في أصول الثمار دون البقول . وهذا خلاف ما عليه مالك وأصحابه ، لا زكاة عندهم لا في اللوز ولا في الجوز ولا في الجلوز وما كان مثلها ، وإن كان ذلك يدخر . كما أنه لا زكاة عندهم في الإجاص ولا في التفاح ولا في الكمثرى ، ولا ما كان مثل ذلك كله مما لا ييبس ولا يدخر . واختلفوا في التين ; والأشهر عند أهل المغرب ممن يذهب مذهب مالك أنه لا زكاة عندهم في التين . إلا عبد الملك بن حبيب فإنه كان يرى فيه الزكاة على مذهب مالك ، قياسا على التمر والزبيب . وإلى هذا ذهب جماعة من أهل العلم البغداديين المالكيين ، إسماعيل بن إسحاق ومن اتبعه . قال مالك في الموطأ : السنة التي لا اختلاف فيها عندنا ، والذي سمعته من أهل العلم ، أنه ليس في شيء من الفواكه كلها صدقة : الرمان والفرسك والتين وما أشبه ذلك . وما لم يشبهه إذا كان من الفواكه . قال أبو عمر : فأدخل التين في هذا الباب ، وأظنه - والله أعلم - لم يعلم بأنه ييبس ويدخر ويقتات ، ولو علم ذلك ما أدخله في هذا الباب ; لأنه أشبه بالتمر والزبيب منه بالرمان . وقد بلغني عن الأبهري وجماعة من أصحابه أنهم كانوا يفتون بالزكاة فيه ، ويرونه مذهب مالك على أصوله عندهم . والتين مكيل يراعى فيه الخمسة الأوسق وما كان مثلها وزنا ، ويحكم في التين عندهم بحكم التمر والزبيب المجتمع عليهما . وقال الشافعي : لا زكاة في شيء من الثمار غير التمر والعنب ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الصدقة منهما وكانا قوتا بالحجاز يدخر . قال : وقد يدخر الجوز واللوز ولا زكاة فيهما ; لأنهما لم يكونا بالحجاز قوتا فيما علمت ، وإنما كانا فاكهة . ولا زكاة في الزيتون ، لقوله تعالى : والزيتون والرمان . فقرنه مع الرمان ، ولا زكاة فيه . وأيضا فإن التين أنفع منه في القوت ولا زكاة فيه . وللشافعي قول بزكاة الزيتون قاله بالعراق ، والأول قاله بمصر ; فاضطرب قول الشافعي في الزيتون ، ولم يختلف فيه قول مالك . فدل على أن الآية محكمة عندهما غير منسوخة . واتفقا جميعا على أن لا زكاة في الرمان ، وكان يلزمهما إيجاب الزكاة فيه . قال أبو عمر : فإن كان الرمان خرج باتفاق فقد بان بذلك المراد بأن الآية ليست على عمومها ، وكان الضمير عائدا على بعض المذكور دون بعض . والله أعلم . قلت : بهذا استدل من أوجب العشر في الخضراوات فإنه تعالى قال : وآتوا حقه يوم حصاده والمذكور قبله الزيتون والرمان ، والمذكور عقيب جملة ينصرف إلى الأخير بلا خلاف ; قاله إلكيا الطبري . وروي عن ابن عباس أنه قال : ما لقحت رمانة قط إلا بقطرة من ماء الجنة . وروي عن علي كرم الله وجهه أنه قال : إذا أكلتم الرمانة فكلوها بشحمها فإنه دباغ المعدة . وذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق عن ابن عباس قال : لا تكسروا الرمانة من رأسها فإن فيها دودة يعتري منها الجذام . وسيأتي منافع زيت الزيتون في سورة المؤمنون إن شاء الله تعالى . وممن قال بوجوب زكاة الزيتون الزهري والأوزاعي والليث والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور . قال الزهري والأوزاعي والليث : يخرص زيتونا ويؤخذ زيتا صافيا . وقال مالك : لا يخرص ، ولكن يؤخذ العشر بعد أن يعصر ويبلغ كيله خمسة أوسق . وقال أبو حنيفة والثوري : يؤخذ من حبه .
السابعة قوله تعالى : يوم حصاده قرأ أبو عمرو وابن عامر وعاصم حصاده بفتح الحاء ، والباقون بكسرها ، وهما لغتان مشهورتان ; ومثله الصرام والصرام والجذاذ والجذاذ والقطاف والقطاف واختلف العلماء في وقت الوجوب على ثلاثة أقوال : الأول : أنه وقت الجذاذ ; قاله محمد بن مسلمة ; لقوله تعالى : يوم حصاده .
الثاني : يوم الطيب ; لأن ما قبل الطيب يكون علفا لا قوتا ولا طعاما ; فإذا طاب وحان الأكل الذي أنعم الله به وجب الحق الذي أمر الله به ، إذ بتمام النعمة يجب شكر النعمة ، ويكون الإيتاء وقت الحصاد لما قد وجب يوم الطيب . الثالث : أنه يكون بعد تمام الخرص ; لأنه حينئذ يتحقق الواجب فيه من الزكاة فيكون شرطا لوجوبها . أصله مجيء الساعي في الغنم ; وبه قال المغيرة . والصحيح الأول لنص التنزيل . والمشهور من المذهب : الثاني ، وبه قال الشافعي . وفائدة الخلاف إذا مات بعد الطيب زكيت على ملكه ، أو قبل الخرص على ورثته . وقال محمد بن مسلمة : إنما قدم الخرص توسعة على أرباب الثمار ، ولو قدم رجل زكاته بعد الخرص وقبل الجذاذ لم يجزه ; لأنه أخرجها قبل وجوبها . وقد اختلف العلماء في القول بالخرص ، وهي :
الثامنة : فكرهه الثوري ولم يجزه بحال ، وقال : الخرص غير مستعمل . قال : وإنما على رب الحائط أن يؤدي عشر ما يصير في يده للمساكين إذا بلغ خمسة أوسق . وروى الشيباني عن الشعبي أنه قال : الخرص اليوم بدعة . والجمهور على خلاف هذا ، ثم اختلفوا فالمعظم على جوازه في النخل والعنب ; لحديث عتاب بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وأمره أن يخرص العنب كما يخرص النخل وتؤخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ زكاة النخل تمرا . رواه أبو داود . وقال داود بن علي : الخرص للزكاة جائز في النخل ، وغير جائز في العنب ; ودفع حديث عتاب بن أسيد لأنه منقطع ولا يتصل من طريق صحيح ، قاله أبو محمد عبد الحق .
التاسعة : وصفة الخرص أن يقدر ما على نخله رطبا ويقدر ما ينقص لو يتمر ، ثم يعتد بما بقي بعد النقص ويضيف بعض ذلك إلى بعض حتى يكمل الحائط ، وكذلك في العنب في كل دالية .
العاشرة : ويكفي في الخرص الواحد كالحاكم . فإذا كان في التمر زيادة على ما خرص لم يلزم رب الحائط الإخراج عنه ، لأنه حكم قد نفذ ; قاله عبد الوهاب . وكذلك إذا نقص لم تنقص الزكاة . قال الحسن : كان المسلمون يخرص عليهم ثم يؤخذ منهم على ذلك الخرص .
الحادية عشرة : فإن استكثر رب الحائط الخرص خيره الخارص في أن يعطيه ما خرص وأخذ خرصه ; ذكره عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : خرص ابن رواحة أربعين ألف وسق ، وزعم أن اليهود لما خيرهم أخذوا التمر وأعطوه عشرين ألف وسق . قال ابن جريج فقلت لعطاء : فحق على الخارص إذا استكثر سيد المال الخرص أن يخيره كما خير ابن رواحة اليهود ؟ قال : أي لعمري ! وأي سنة خير من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الثانية عشرة : ولا يكون الخرص إلا بعد الطيب ; لحديث عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث ابن رواحة إلى اليهود فيخرص عليهم النخل حين تطيب أول التمرة قبل أن يؤكل منها ، ثم يخير يهودا يأخذونها بذلك الخرص أو يدفعونها إليه . وإنما كان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخرص لكي تحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتفرق . أخرجه الدارقطني من حديث ابن جريج عن الزهري عن عروة عن عائشة . قال : ورواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة ، وأرسله مالك ومعمر وعقيل عن الزهري عن سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم .
الثالثة عشرة : فإذا خرص الخارص فحكمه أن يسقط من خرصه مقدارا ما ; لما رواه أبو داود والترمذي والبستي في صحيحه عن سهل بن أبي حثمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع . لفظ الترمذي . قال أبو داود : الخارص يدع الثلث للخرفة : وكذا قال يحيى القطان . وقال أبو حاتم البستي : لهذا الخبر صفتان : أحدهما أن يترك الثلث أو الربع من العشر ، والثاني أن يترك ذلك من نفس التمر قبل أن يعشر ، إذا كان ذلك حائطا كبيرا يحتمله . الخرفة بضم الخاء : ما يخترف من النخل حين يدرك ثمره ، أي يجتنى . يقال : التمر خرفة الصائم ; عن الجوهري والهروي . والمشهور من مذهب مالك أنه لا يترك الخارص شيئا في حين خرصه من تمر النخل والعنب إلا خرصه . وقد روى بعض المدنيين أنه يخفف في الخرص ويترك للعرايا والصلة ونحوها .
الرابعة عشرة : فإن لحقت الثمرة جائحة بعد الخرص وقبل الجذاذ سقطت الزكاة عنه بإجماع من أهل العلم ، إلا أن يكون فيما بقي منه خمسة أوسق فصاعدا .
الخامسة عشرة : ولا زكاة في أقل من خمسة أوسق ، كذا جاء مبينا عن النبي صلى الله عليه وسلم . وهو في الكتاب مجمل ، قال الله تعالى : ياأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض . وقال تعالى : وآتوا حقه . ثم وقع البيان بالعشر ونصف العشر . ثم لما كان المقدار الذي إذا بلغه المال أخذ منه الحق مجملا بينه أيضا فقال : ليس فيما دون خمسة أوسق من تمر أو حب صدقة وهو ينفي الصدقة في الخضراوات ، إذ ليست مما يوسق ; فمن حصل له خمسة أوسق في نصيبه من تمر أو حب وجبت عليه الزكاة ، وكذلك من زبيب ; وهو المسمى بالنصاب عند العلماء . يقال : وسق ووسق " بكسر الواو وفتحها " وهو ستون صاعا ، والصاع أربعة أمداد ، والمد رطل وثلث بالبغدادي ومبلغ الخمسة الأوسق من الأمداد ألف مد ومائتا مد ، وهي بالوزن ألف رطل وستمائة رطل .
السادسة عشرة : ومن حصل له من تمر وزبيب معا خمسة أوسق لم تلزمه الزكاة إجماعا ; لأنهما صنفان مختلفان . وكذلك أجمعوا على أنه لا يضاف التمر إلى البر ولا البر إلى الزبيب ; ولا الإبل إلى البقر ، ولا البقر إلى الغنم . ويضاف الضأن إلى المعز بإجماع . واختلفوا في ضم البر إلى الشعير والسلت .
السابعة عشرة : فأجازه مالك في هذه الثلاثة خاصة فقط ; لأنها في معنى الصنف الواحد لتقاربها في المنفعة واجتماعها في المنبت والمحصد ، وافتراقها في الاسم لا يوجب افتراقها في الحكم كالجواميس والبقر ، والمعز والغنم . وقال الشافعي وغيره : لا يجمع بينها ; لأنها أصناف مختلفة ، وصفاتها متباينة ، وأسماؤها متغايرة ، وطعمها مختلف ; وذلك يوجب افتراقها . والله أعلم . قال مالك والقطاني : كلها صنف واحد ، يضم إلى بعض . وقال الشافعي : لا تضم حبة عرفت باسم منفرد دون صاحبتها ، وهي خلافها مباينة في الخلقة والطعم إلى غيرها . ويضم كل صنف بعضه إلى بعض ، رديئه إلى جيده ; كالتمر وأنواعه ، والزبيب أسوده وأحمره ، والحنطة وأنواعها من السمراء وغيرها . وهو قول الثوري وأبي حنيفة وصاحبيه أبي يوسف ومحمد أبي ثور . وقال الليث : تضم الحبوب كلها : القطنية وغيرها بعضها إلى بعض في الزكاة . وكان أحمد بن حنبل يجبن عن ضم الذهب إلى الورق ، وضم الحبوب بعضها إلى بعض ، ثم كان في آخر أمره يقول فيها بقول الشافعي .
الثامنة عشرة : قال مالك : وما استهلكه منه ربه بعد بدو صلاحه أو بعدما أفرك حسب عليه ، وما أعطاه ربه منه في حصاده وجذاذه ، ومن الزيتون في التقاطه ، تحرى ذلك وحسب عليه . وأكثر الفقهاء يخالفونه في ذلك ، ولا يوجبون الزكاة إلا فيما حصل في يده بعد الدرس . قال الليث في زكاة الحبوب : يبدأ بها قبل النفقة ، وما أكل من فريك هو وأهله فلا يحسب عليه ، بمنزلة الرطب الذي يترك لأهل الحائط يأكلونه فلا يخرص عليهم . وقال الشافعي : يترك الخارص لرب الحائط ما يأكله هو وأهله رطبا ، لا يخرصه عليهم . وما أكله وهو رطب لم يحسب عليه . قال أبو عمر : احتج الشافعي ومن وافقه بقول الله تعالى : كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده . واستدلوا على أنه لا يحتسب بالمأكول قبل الحصاد بهذه الآية . واحتجوا بقوله عليه السلام : إذا خرصتم فدعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع . وما أكلت الدواب والبقر منه عند الدرس لم يحسب منه شيء على صاحبه عند مالك وغيره .
التاسعة عشرة : وما بيع من الفول والحمص والجلبان أخضر ; تحرى مقدار ذلك يابسا وأخرجت زكاته حبا . وكذا ما بيع من الثمر أخضر اعتبر وتوخي وخرص يابسا وأخرجت زكاته على ذلك الخرص زبيبا وتمرا . وقيل : يخرج من ثمنه .
الموفية عشرين : وأما ما لا يتتمر من ثمر النخل ولا يتزبب من العنب كعنب مصر وبلحها ، وكذلك زيتونها الذي لا يعصر ، فقال مالك : تخرج زكاته من ثمنه ، لا يكلف غير ذلك صاحبه ، ولا يراعى فيه بلوغ ثمنه عشرين مثقالا أو مائتي درهم ، وإنما ينظر إلى ما يرى أنه يبلغه خمسة أوسق فأكثر . وقال الشافعي : يخرج عشره أو نصف عشره من وسطه تمرا إذا أكله أهله رطبا أو أطعموه .
الحادية والعشرون : روى أبو داود عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى عليه وسلم : فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بعلا العشر ، وفيما سقي بالسواني أو النضح نصف العشر وكذلك إن كان يشرب سيحا فيه العشر . وهو الماء الجاري على وجه الأرض ; قاله ابن السكيت . ولفظ السيح مذكور في الحديث ، خرجه النسائي . فإن كان يشرب بالسيح لكن رب الأرض لا يملك ماء وإنما يكتريه له فهو كالسماء ; على المشهور من المذهب . ورأى أبو الحسن اللخمي أنه كالنضح ; فلو سقي مرة بماء السماء ومرة بدالية ; فقال مالك : ينظر إلى ما تم به الزرع وحيي وكان أكثر ; فيتعلق الحكم عليه . هذه رواية ابن القاسم عنه . وروى عنه ابن وهب : إذا سقي نصف سنة بالعيون ثم انقطع فسقي بقية السنة بالناضح فإن عليه نصف زكاته عشرا ، والنصف الآخر نصف العشر . وقال مرة : زكاته بالذي تمت به حياته . وقال الشافعي : يزكي كل واحد منهما بحسابه . مثاله أن يشرب شهرين بالنضح وأربعة بالسماء ; فيكون فيه ثلثا العشر لماء السماء وسدس العشر للنضح ! وهكذا ما زاد ونقص بحسابه . وبهذا كان يفتي بكار بن قتيبة . وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : ينظر إلى الأغلب فيزكى ، ولا يلتفت إلى ما سوى ذلك . وروي عن الشافعي . قال الطحاوي : قد اتفق الجميع على أنه لو سقاه بماء المطر يوما أو يومين أنه لا اعتبار به ، ولا يجعل لذلك حصة ; فدل على أن الاعتبار بالأغلب ، والله أعلم .
قلت : فهذه جملة من أحكام هذه الآية ، ولعل غيرنا يأتي بأكثر منها على ما يفتح الله له . وقد مضى في " البقرة " جملة من معنى هذه الآية ، والحمد لله .
الثانية والعشرون : وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ليس في حب ولا تمر صدقة فخرجه النسائي . قال حمزة الكناني : لم يذكر في هذا الحديث " في حب " غير إسماعيل بن أمية ، وهو ثقة قرشي من ولد سعيد بن العاص . قال : وهذه السنة لم يروها أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه غير أبي سعيد الخدري . قال أبو عمر : هو كما قال حمزة ، وهذه سنة جليلة تلقاها الجميع بالقبول ، ولم يروها أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه ثابت محفوظ غير أبي سعيد . وقد روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك ، ولكنه غريب ، وقد وجدناه من حديث أبي هريرة بإسناد حسن .
الثالثة والعشرون : قوله تعالى ولا تسرفوا الإسراف في اللغة الخطأ . وقال أعرابي أراد قوما : طلبتكم فسرفتكم ; أي أخطأت موضعكم . وقال الشاعر :
وقال قائلهم والخيل تخبطهم أسرفتم فأجبنا أننا سرف
والإسراف في النفقة : التبذير . ومسرف لقب مسلم بن عقبة المري صاحب وقعة الحرة ; لأنه قد أسرف فيها . قال علي بن عبد الله بن العباس :
هم منعوا ذماري يوم جاءت كتائب مسرف وبني اللكيعه
والمعنى المقصود من الآية : لا تأخذوا الشيء بغير حقه ثم تضعوه في غير حقه ; قاله أصبغ بن الفرج . ونحوه قول إياس بن معاوية : ما جاوزت به أمر الله فهو سرف وإسراف . وقال ابن زيد : هو خطاب للولاة ، يقول : لا تأخذوا فوق حقكم وما لا يجب على الناس . والمعنيان يحتملهما قوله عليه السلام : المعتدي في الصدقة كمانعها . وقال مجاهد : لو كان أبو قبيس ذهبا لرجل فأنفقه في طاعة الله لم يكن مسرفا ، ولو أنفق درهما أو مدا في معصية الله كان مسرفا . وفي هذا المعنى قيل لحاتم : لا خير في السرف ; فقال : لا سرف في الخير .
قلت : وهذا ضعيف ; يرده ما روى ابن عباس أن ثابت بن قيس بن شماس عمد إلى خمسمائة نخلة فجذها ثم قسمها في يوم واحد ولم يترك لأهله شيئا ; فنزلت ولا تسرفوا أي لا تعطوا كله . وروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال : جذ معاذ بن جبل نخله فلم يزل يتصدق حتى لم يبق منه شيء : فنزل ولا تسرفوا . قال السدي : ولا تسرفوا أي لا تعطوا أموالكم فتقعدوا فقراء . وروي عن معاوية بن أبي سفيان أنه سئل عن قوله تعالى : ولا تسرفوا قال : الإسراف ما قصرت عن حق الله تعالى . قلت : فعلى هذا تكون الصدقة بجميع المال ومنه إخراج حق المساكين داخلين في حكم السرف ، والعدل خلاف هذا ; فيتصدق ويبقي كما قال عليه السلام : خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى إلا أن يكون قوي النفس غنيا بالله متوكلا عليه منفردا لا عيال له ، فله أن يتصدق بجميع ماله ، وكذلك يخرج الحق الواجب عليه من زكاة وما يعن في بعض الأحوال من الحقوق المتعينة في المال . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الإسراف ما لم يقدر على رده إلى الصلاح . والسرف ما يقدر على رده إلى الصلاح . وقال النضر بن شميل : الإسراف التبذير والإفراط ، والسرف الغفلة والجهل . قال جرير :
أعطوا هنيدة يحدوها ثمانية ما في عطائهم من ولا سرف
أي إغفال ، ويقال : خطأ . ورجل سرف الفؤاد ، أي مخطئ الفؤاد غافله . قال طرفة :
إن امرأ سرف الفؤاد يرى عسلا بماء سحابة شتمي
- الطبرى : ۞ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
القول في تأويل قوله : وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ
قال أبو جعفر: وهذا إعلام من الله تعالى ذكره ما أنعم به عليهم من فضله, وتنبيهٌ منه لهم على موضع إحسانه, وتعريفٌ منه لهم ما أحلَّ وحرَّم وقسم في أموالهم من الحقوق لمن قسم له فيها حقًّا .
يقول تعالى ذكره: وربكم، أيها الناس =(أنشأ) ، أي أحدث وابتدع خلقًا, لا الآلهة والأصنام (34) =(جنات)، يعني: بساتين (35) =(معروشات)، وهي ما عَرَش الناس من الكروم=(وغير معروشات) ، غير مرفوعات مبنيَّات, لا ينبته الناس ولا يرفعونه, ولكن الله يرفعه وينبته وينمِّيه ، (36) كما:-
13955- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: (معروشات)، يقول: مسموكات .
13956- وبه عن ابن عباس: (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات)، فـ" المعروشات "، ما عرش الناس=" وغير معروشات "، ما خرج في البر والجبال من الثمرات .
13957- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: أما "
جنات "، فالبساتين= وأما " المعروشات "، فما عرش كهيئة الكَرْم .13958- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن عطاء الخراساني, عن ابن عباس قوله: (وهو الذي أنشأ جنات معروشات)، قال: ما يُعرَش من الكروم =(وغير معروشات)، قال: ما لا يعرش من الكرم .
* * *
القول في تأويل قوله : وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وأنشأ النخل والزرع مختلفا أكله= يعني بـ"
الأكل "، (37) الثمر. يقول: وخلق النخل والزرع مختلفًا ما يخرج منه مما يؤكل من الثمر والحب =" والزيتون والرمان متشابهًا وغير متشابه "، في الطعم, (38) منه الحلو، والحامض، والمزّ، (39) كما:-13959- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قوله: (متشابهًا وغير متشابه)، قال: "
متشابهًا "، في المنظر=" وغير متشابه "، في الطعم .* * *
وأما قوله: (كلوا من ثمره إذا أثمر)، فإنه يقول: كلوا من رطبه ما كان رطبًا ثمره ، كما:-
13960- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو همام الأهوازي قال، حدثنا موسى بن عبيدة, عن محمد بن كعب في قوله: (كلوا من ثمره إذا أثمر)، قال: من رطبه وعنبه .
13961- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا محمد بن الزبرقان قال، حدثنا موسى بن عبيدة في قوله: (كلوا من ثمره إذا أثمر)، قال: من رطبه وعنبه . (40)
* * *
القول في تأويل قوله : وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: هذا أمر من الله بإيتاء الصدقة المفروضة من الثمر والحبِّ .
* ذكر من قال ذلك:
13962- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا يونس, عن الحسن, في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: الزكاة .
13963- حدثنا عمرو قال، حدثنا عبد الصمد قال، حدثنا يزيد بن درهم قال، سمعت أنس بن مالك يقول: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: الزكاة المفروضة .
13964- حدثنا عمرو قال، حدثنا معلى بن أسد قال، حدثنا عبد الواحد بن زياد قال، حدثنا الحجاج بن أرطاة, عن الحكم, عن مجاهد, عن ابن عباس في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: العشر ونصف العشر .
13965- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا هانئ بن سعيد, عن حجاج, عن محمد بن عبيد الله, عن عبد الله بن شداد, عن ابن عباس: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: العشر ونصف العشر . (41)
13966- حدثنا عمرو بن علي وابن وكيع وابن بشار قالوا، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا إبراهيم بن نافع المكي, عن ابن عباس, عن أبيه, في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: الزكاة . (42)
13967- حدثنا عمرو قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا أبو هلال, عن حيان الأعرج, عن جابر بن زيد: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: الزكاة . (43)
13968- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا يونس, عن الحسن في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: هي الصدقة = قال: ثم سئل عنها مرة أخرى فقال: هي الصدقة من الحبّ والثمار .
13969- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بكر, عن ابن جريج قال، أخبرني أبو بكر بن عبد الله, عن عمرو بن سليمان وغيره, عن سعيد بن المسيب أنه قال: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: الصدقة المفروضة .
13970- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية, عن أبي رجاء, عن الحسن في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: هي الصدقة من الحب والثمار .
13971- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده)، يعني بحقه، زكاته المفروضة, يوم يُكال أو يُعلم كيله .
13972- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده)، وذلك أن الرجل كان إذا زرع فكان يوم حصاده, وهو أن يعلم ما كيله وحقّه, فيخرج من كل عشرة واحدًا, وما يَلْقُط الناس من سنبله . (44)
13973- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده)، و "
حقه يوم حصاده "، الصدقة المفروضة= ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم سَنَّ فيما سقت السماء أو العين السائحة, أو سقاه الطل = و " الطل "، الندى = أو كان بَعْلا العشرَ كاملا. (45) وإن سقي برشاء: نصفَ العشر = قال قتادة: وهذا فيما يكال من الثمرة. وكان هذا إذا بلغت الثمرة خمسةُ أوسقٍ, (46) وذلك ثلثمئة صاع, فقد حق فيها الزكاة. وكانوا يستحبون أن يعطوا مما لا يكال من الثمرة على قدر ذلك .13974- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة وطاوس: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قالا هو الزكاة .
13975- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم, عن الحجاج, عن سالم المكي, عن محمد بن الحنفية قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: يوم كيله, يعطي العشر أو نصف العشر . (47)
13976- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك, عن سالم المكي, عن محمد ابن الحنفية قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: العشر, ونصف العشر .
13977- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك, عن معمر, عن ابن طاوس, عن أبيه, وعن قتادة: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قالا الزكاة .
13978- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو معاوية الضرير, عن الحجاج, عن الحكم, عن مقسم, عن ابن عباس: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: العشر ونصف العشر .
13979- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك, عن شريك, عن الحكم بن عتيبة, عن ابن عباس, مثله .
13980- حدثت عن الحسين بن الفرج قال،سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده)، يعني: يوم كيله، ما كان من برّ أو تمر أو زبيب . و "
حقه "، زكاته .13981- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: كُلْ منه, وإذا حصدته فآت حقه ، و "
حقه "، عشوره .13982- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن يونس بن عبيد, عن الحسن أنه قال في هذه الآية: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: الزكاة إذا كِلْتَه .
13983- حدثنا عمرو قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن أبي رجاء قال: سألت الحسن عن قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: الزكاة .
13984- حدثني ابن البرقي قال، حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال، سألت ابن زيد بن أسلم عن قول الله: (وآتوا حقه يوم حصاده)، فقلت له: هو العشور؟ قال: نعم! فقلت له: عن أبيك؟ قال: عن أبي وغيره .
* * *
وقال آخرون: بل ذلك حقٌّ أوجبه الله في أموال أهل الأموال, غيرُ الصدقة المفروضة .
* ذكر من قال ذلك:
13985- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا محمد بن جعفر, عن أبيه: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: شيئًا سوى الحق الواجب = قال: وكان في كتابه: "
عن علي بن الحسين " .13986- حدثنا عمرو قال، حدثنا يحيى قال، حدثنا عبد الملك, عن عطاء في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: القبضة من الطعام .
13987- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بكر, عن ابن جريج, عن عطاء: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: من النخل والعنب والحب كله .
13988- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بكر, عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أرأيت ما حصدتُ من الفواكه؟ قال: ومنها أيضًا تؤتي . وقال: من كل شيء حصدتَ تؤتي منه حقه يوم حصاده, من نخل أو عنب أو حب أو فواكه أو خضر أو قصب, من كل شيء من ذلك . قلت لعطاء: أواجب على الناس ذلك كله؟ قال: نعم! ثم تلا(وآتوا حقه يوم حصاده) . قال: قلت لعطاء: (وآتوا حقه يوم حصاده) ،هل في ذلك شيء مُؤَقّت معلوم؟ قال: لا .
13989- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك, عن عبد الملك, عن عطاء في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: يعطي من حُضورِ يومئذ ما تيسر, (48) وليس بالزكاة .
13990- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عيسى بن يونس, عن عبد الملك, عن عطاء: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: ليس بالزكاة, ولكن يطعم من حضره ساعتئذٍ حَصِيده . (49)
13991- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير, عن العلاء بن المسيب, عن حماد: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: كانوا يعطون رُطبًا .
13992- حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: إذا حضرك المساكين طرحت لهم منه, وإذا أنقيته وأخذت في كيله حَثَوْت لهم منه. (50) وإذا علمتَ كيله عزلتَ زكاته. وإذا أخذت في جَدَاد النخل طَرَحت لهم من الثفاريق. (51) وإذا أخذت في كيله حثَوْت لهم منه. وإذا علمت كيله عزلت زكاته .
13993- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير, عن ليث, عن مجاهد: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: سوى الفريضة .
13994- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عمرو, عن منصور, عن مجاهد: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: يلقي إلى السؤَّال عند الحصاد من السنبل, (52) فإذا طِينَ = أو طُيِّن، الشك من أبي جعفر (53) = ألقى إليهم . فإذا حمله فأراد أن يجعله كُدْسًا ألقى إليهم. (54) وإذا داس أطعمَ منه, وإذا فرغ وعلم كم كيله، عزل زكاته . وقال: في النخل عند الجَدَاد يطعم من الثمرة والشماريخ. (55) فإذا كان عند كيله أطعم من التمر. فإذا فرغ عزل زكاته .
13995- حدثنا عمرو بن علي ومحمد بن بشار قالا حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: إذا حصد الزرع ألقى من السنبل, وإذا جَدَّ النخل ألقى من الشماريخ. (56) فإذا كاله زكّاه .
13996- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال: عند الحصاد, وعند الدِّياس, وعند الصِّرام، يقبض لهم منه, فإذا كاله عزل زكاته .
13997- وبه، عن سفيان, عن مجاهد مثله= إلا أنه قال: سوى الزكاة .
13998- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا يحيى بن سعيد, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: شيء سوى الزكاة، في الحصاد والجَدَاد, إذا حَصَدوا وإذا حَزَرُوا. (57)
13999- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, في قول الله: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: واجب، حين يصرم .
14000- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن منصور, عن مجاهد: أنه قال في هذه الآية: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: إذا حصد أطعم, وإذا أدخله البَيْدَر, (58) وإذا داسه أطعم منه .
14001- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان, عن سفيان, عن أشعث, عن ابن عمر, قال: يطعم المعترَّ، (59) سوى ما يعطي من العشر ونصف العشر .
14002- وبه، عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد قال: قبضة عند الحصاد, وقبضة عند الجَدَاد .
14003- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص, عن أشعث, عن ابن سيرين, قال: كانوا يعطون مَنْ اعترَّ بهم الشيءَ .
14004- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان, عن سفيان, عن حماد, عن إبراهيم, قال: الضِّغث . (60)
14005- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد, عن سفيان, عن حماد, عن إبراهيم, قال: يعطي مثل الضِّغث .
14006- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا سفيان قال، حدثنا حماد, عن إبراهيم: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: مثل هذا من الضغث = ووضع يحيى إصبعه الإبهام على المفصل الثاني من السَّبّابة .
14007- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن حماد, عن إبراهيم, قال: نحو الضِّغث .
14008- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن إسرائيل, عن جابر, عن أبي جعفر= وعن سفيان, عن حماد, عن إبراهيم, قالا يعطي ضغثًا . (61)
14009- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا كثير بن هشام قال، حدثنا جعفر بن برقان, عن يزيد بن الأصم قال، كان النخل إذا صُرِم يجيء الرجل بالعِذْق من نخله، فيعلِّقه في جانب المسجد, فيجيء المسكين فيضربُه بعصاه, فإذا تناثر أكلَ منه . فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه حَسن أو حسين, فتناول تمرةً, فانتزعها من فيه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأكل الصَّدقة, ولا أهلُ بيته . فذلك قوله: (وآتوا حقَّه يوم حصاده) .
14010- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا خالد بن حيان, عن جعفر بن برقان, عن ميمون بن مهران, ويزيد بن الأصم قالا كان أهل المدينة إذا صرموا يجيئون بالعِذْق فيضعونه في المسجد, ثم يجيء السائل فيضربه بعصاه, فيسقط منه, وهو قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) .
14011- حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا زيد بن أبي الزرقاء, عن جعفر, عن يزيد وميمون، (62) في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قالا كان الرجل إذا جدَّ النخلَ يجيء بالعِذْق فيعلقه في جانب المسجد, فيأتيه المسكين فيضربه بعصاه, فيأكل ما يتناثر منه .
14012- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله, عن أبي جعفر الرازي, عن الربيع بن أنس: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: لَقَطُ السُّنبل . (63)
14013- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن عبد الكريم الجزري, عن مجاهد قال: كانوا يعلقون العذق في المسجد عند الصِّرام, فيأكل منه الضعيف .
14014- وبه، عن معمر قال, قال مجاهد: (وآتوا حقه يوم حصاده)، يطعم الشيءَ عند صِرَامه .
14015- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك, عن سالم, عن سعيد بن جبير: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: الضغث، وما يقع من السنبل .
14016- وبه، عن سالم, عن سعيد: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: العلَف .
14017- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك, عن شريك, عن سالم, عن سعيد في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: كان هذا قبل الزكاة، للمساكين, القبضةُ والضِّغث لعلف دابته .
14018- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا محمد بن رفاعة, عن محمد بن كعب في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: ما قلّ منه أو كثر . (64)
14019- حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة, عن ابن أبي نجيح: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: عند الزرع يعطي القبضَ, وعند الصِّرام يعطي القبض, (65) ويتركهم فيتتبعون آثار الصِّرام .
* * *
وقال آخرون: كان هذا شيئًا أمر الله به المؤمنين قبل أن تفرض عليهم الصدقة المؤقتة. ثم نسخته الصدقة المعلومة, فلا فرض في مال كائنًا ما كان زرعًا كان أو غرسًا, إلا الصدقة التي فرضها الله فيه .
* ذكر من قال ذلك:
14020- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية, عن حجاج, عن الحكم, عن مقسم, عن ابن عباس قال: نسخها العُشْر ونصف العشر .
14021- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص, عن الحجاج, عن الحكم, عن ابن عباس قال: نسخها العُشْر ونصف العشر .
14022- وبه، عن حجاج, عن سالم, عن ابن الحنفية قال: نسخها العُشْر, ونصف العشر .
14023- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم, عن شريك, عن سالم, عن سعيد بن جبير: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: هذا قبل الزكاة, فلما نـزلت الزكاة نسختها, فكانوا يعطون الضِّغْث .
14024- حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير, عن مغيرة, عن شباك, عن إبراهيم: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: كانوا يفعلون ذلك، حتى سُنَّ العُشر ونصف العشر. فلما سُنّ العشر ونصف العشر، تُرك . (66)
14025- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا سفيان, عن مغيرة, عن شباك, عن إبراهيم: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: هي منسوخة, نسختها العُشر ونصف العشر . (67)
14026- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى, عن سفيان, عن المغيرة, عن إبراهيم: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: نسختها العشر ونصف العشر .
14027- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان, عن سفيان, عن مغيرة, عن شباك, عن إبراهيم قال: نسختها العشر ونصف العشر .
14028- وبه، عن سفيان, عن يونس, عن الحسن قال: نسختها الزكاة .
14029- وبه، عن سفيان, عن السدى قال: نسختها الزكاة: (وآتوا حقه يوم حصاده) .
14030- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة, عن شباك, عن إبراهيم, في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: هذه السورة مكية، نسختها العشر ونصف العشر. قلت: عمّن؟ قال: عن العلماء .
14031- وبه، عن سفيان, عن مغيرة, عن شباك, عن إبراهيم قال: نسختها العشر ونصف العشر .
14032- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: أما(وآتوا حقه يوم حصاده)، فكانوا إذا مرّ بهم أحدٌ يوم الحصاد أو الجدَادِ، أطعموه منه, فنسخها الله عنهم بالزكاة, وكان فيما أنبتتِ الأرضُ، العشرُ ونصف العشر .
14033- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الأعلى, عن يونس, عن الحسن قال: كانوا يَرْضَخون لقرَابتهم من المشركين . (68)
14034- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس, عن أبيه, عن عطية: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: نسخه العشر ونصف العشر. كانوا يعطون إذا حصَدوا وإذا ذَرَّوا, فنسختها العشر ونصف العشر.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب, قولُ من قال: كان ذلك فرضًا فرضه الله على المؤمنين في طعامِهم وثمارهم التي تُخْرجها زروعهم وغرُوسهم, ثم نسخه الله بالصدقة المفروضة, والوظيفة المعلومةِ من العشر ونصف العشر. وذلك أن الجميع مجمعون لا خلاف بينهم: أنّ صدقة الحرث لا تؤخذ إلا بعد الدِّياس والتنقية والتذرية, وأن صدقة التمر لا تؤخذ إلا بعد الإجزاز. (69)
فإذا كان ذلك كذلك, وكان قوله جل ثناؤه: (وآتوا حقه يوم حصاده)، ينبئ عن أنه أمرٌ من الله جل ثناؤه بإيتاء حقه يوم حصاده, وكان يوم حصاده هو يوم جَدِّه وقطعه، والحبُّ لا شك أنه في ذلك اليوم في سنبله, والتَّمر وإن كان ثمر نخل أو كَرْم غيرُ مستحكم جُفوفه ويبسه, وكانت الصدقة من الحبِّ إنما تؤخذ بعد دِياسه وتذريته وتنقيته كيلا والتمر إنما تؤخذ صدقته بعد استحكام يبسه وجفوفه كَيْلا= علم أن ما يؤخذ صدقة بعد حين حَصْده، غير الذي يجب إيتاؤه المساكين يوم حَصاده .
* * *
فإن قال قائل: وما تنكر أن يكون ذلك إيجابًا من الله في المال حقًّا سوى الصدقة المفروضة؟
قيل: لأنه لا يخلو أن يكون ذلك فرضًا واجبًا، أو نَفْلا.
فإن يكن فرضًا واجبًا، فقد وجب أن يكون سبيلُه سبيلَ الصدقات المفروضات التي من فرَّط في أدائها إلى أهلها كان بربِّه آثمًا، ولأمره مخالفًا. (70) وفي قيام الحجة بأن لا فرض لله في المال بعد الزكاة يجبُ وجوبَ الزكاة سوى ما يجبُ من النفقة لمن يلزم المرءَ نفقته، ما ينبئ عن أنّ ذلك ليس كذلك .
=أو يكون ذلك نَفْلا. فإن يكن ذلك كذلك، فقد وجب أن يكون الخيارُ في إعطاء ذلك إلى ربّ الحرث والثمر. وفي إيجاب القائلين بوجوب ذلك، ما ينبئ عن أن ذلك ليسَ كذلك .
وإذا خرجت الآية من أن يكون مرادًا بها الندب, وكان غير جائز أن يكون لها مخرجٌ في وجوب الفرض بها في هذا الوقت, علم أنها منسوخة .
ومما يؤيد ما قلنا في ذلك من القول دليلا على صحته, أنه جل ثناؤه أتبع قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده)، وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ، ومعلوم أنّ من حكم الله في عباده مذ فرض في أموالهم الصدقة المفروضة المؤقتة القدرِ, أنّ القائم بأخذ ذلك ساستهم ورُعاتهم . وإذا كان ذلك كذلك, فما وجه نهي ربّ المال عن الإسراف في إيتاء ذلك, والآخذ مُجْبِرٌ, وإنما يأخذ الحق الذي فرض لله فيه؟
* * *
فإن ظن ظانّ أن ذلك إنما هو نهي من الله القيِّمَ بأخذ ذلك من الرعاة عن التعدِّي في مال رب المال، والتجاوز إلى أخذ ما لم يُبَحْ له أخذه, فإن آخر الآية وهو قوله: وَلا تُسْرِفُوا ، معطوف على أوله، وهو قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده). فإن كان المنهيَّ عن الإسراف القيِّمُ بقبض ذلك, فقد يجب أن يكون المأمورُ بإيتائه، (71) المنهيَّ عن الإسراف فيه, وهو السلطان .
وذلك قول إن قاله قائل, كان خارجًا من قول جميع أهل التأويل، ومخالفًا المعهود من الخطاب, وكفى بذلك شاهدًا على خطئه .
* * *
فإن قال قائل: وما تنكر أن يكون معنى قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، وآتوا حقه يوم كيله, لا يوم قصله وقطعه, (72) ولا يوم جداده وقطافه؟ فقد علمتَ مَنْ قال ذلك من أهل التأويل؟ وذلك ما:-
14035- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا جويبر, عن الضحاك في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: يوم كيله .
14036- وحدثنا المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم, عن الحجاج, عن سالم المكي, عن محمد بن الحنفية قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده)، قال: يوم كيله، يعطي العشر ونصف العشر . (73)
* * *
= مع آخرين قد ذكرت الرواية فيما مضى عنهم بذلك؟ (74)
قيل: لأن يوم كيله غير يوم حصاده . ولن يخلو معنى قائلي هذا القول من أحد أمرين: إما أن يكونوا وجّهوا معنى "
الحصاد "، إلى معنى " الكيل ", فذلك ما لا يعقل في كلام العرب، لأن " الحصاد " و " الحصد " في كلامهم: الجدّ والقطع, لا الكيل = أو يكونوا وجّهوا تأويل قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده)، إلى: وآتوا حقه بعد يوم حصاده إذا كلتموه ، فذلك خلاف ظاهر التنـزيل. وذلك أن الأمر في ظاهر التنـزيل بإيتاء الحقّ منه يوم حصاده، لا بعد يوم حصاده . ولا فرقَ بين قائلٍ: إنما عنى الله بقوله: (وآتوا حقه يوم حصاده)، بعد يوم حصاده= وآخرَ قال: عنى بذلك قبل يوم حصاده, لأنهما جميعًا قائلان قولا دليلُ ظاهر التنـزيل بخلافه .* * *
القول في تأويل قوله : وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141)
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في"
الإسراف "، الذي نهى الله عنه بهذه الآية, ومن المنهيّ عنه .فقال بعضهم: المنهيّ عنه: ربّ النخل والزرع والثمر= و "
السرف " الذي نهى الله عنه في هذه الآية, مجاوزة القدر في العطِيّة إلى ما يجحف برب المال . (75)* ذكر من قال ذلك:
14037- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا المعتمر بن سليمان قال، حدثنا عاصم, عن أبي العالية في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا)، الآية, قال: كانوا يعطون شيئًا سوى الزكاة, ثم تسارفوا, (76) فأنـزل الله: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) .
14038- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا معتمر بن سليمان, عن عاصم الأحول, عن أبي العالية: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ، قال: كانوا يعطون يوم الحصاد شيئًا سوى الزكاة, ثم تبارَوْا فيه، أسرفوا, (77) فقال الله: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) .
14039- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا معتمر بن سليمان, عن عاصم الأحول, عن أبي العالية: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ، قال: كانوا يعطون يوم الحصاد شيئًا, ثم تسارفوا, فقال الله: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) .
14040- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال: نـزلت في ثابت بن قيس بن شماس, جَدَّ نخلا فقال: لا يأتين اليوم أحدٌ إلا أطعمته ! فأطعم، حتى أمسى وليست له ثمرة, فقال الله: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) .
14041- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بكر, عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: (ولا تسرفوا)، يقول: لا تسرفوا فيما يؤتى يوم الحصاد, أم في كل شيء؟ قال: بلى ! في كل شيء، ينهى عن السرف . (78) قال: ثم عاودته بعد حين, فقلت: ما قوله: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) ؟ قال: ينهى عن السرف في كل شيء . ثم تلا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا ، [سورة الفرقان: 67] .
14042- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا سفيان بن حسين, عن أبي بشر قال: أطاف الناس بإياس بن معاوية بالكوفة, فسألوه: ما السَّرَف؟ فقال: ما دون أمرِ الله فهو سَرَف . (79)
14043- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (ولا تسرفوا)، لا تعطوا أموالكم فتغدوا فقراء .
* * *
وقال آخرون: "
الإسراف " الذي نهى الله عنه في هذا الموضع: منع الصدقة والحقّ الذي أمر الله ربَّ المال بإيتائه أهلَه بقوله: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ .* ذكر من قال ذلك:
14044- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بكر, عن ابن جريج قال، أخبرني أبو بكر بن عبد الله, عن عمرو بن سليم وغيره, عن سعيد بن المسيب في قوله: (ولا تسرفوا)، قال: لا تمنعوا الصدقة فتعصوا . (80)
14045- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا محمد بن الزبرقان قال، حدثنا موسى بن عبيدة, عن محمد بن كعب: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)، والسرف، أن لا يعطي في حق . (81)
* * *
وقال آخرون: إنما خوطب بهذا السلطان. نُهِى أن يأخذ من ربّ المال فوق الذي ألزم الله ماله .
* ذكر من قال ذلك .
14046- حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب, قال ابن زيد في قوله: (ولا تسرفوا)، قال: قال للسلطان: "
لا تسرفوا ", لا تأخذوا بغير حق ، فكانت هذه الآية بين السلطان وبين الناس= يعني قوله: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ ، الآية .* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهى بقوله: (ولا تسرفوا)، عن جميع معاني"
الإسراف ", ولم يخصص منها معنًى دون معنى .وإذ كان ذلك كذلك, وكان "
الإسراف " في كلام العرب: الإخطاء بإصابة الحق في العطية, إما بتجاوز حدّه في الزيادة، وإما بتقصير عن حدّه الواجب (82) = كان معلومًا أن المفرِّق مالَه مباراةً، والباذلَهُ للناس حتى أجحفت به عطيته, مسرفٌ بتجاوزه حدَّ الله إلى ما [ليس له]. (83) وكذلك المقصِّر في بذله فيما ألزمه الله بذله فيه, وذلك كمنعه ما ألزمه إيتاءه منه أهلَ سُهْمَان الصدقة إذا وجبت فيه, أو منعه من ألزمه الله نفقته من أهله وعياله ما ألزمه منها. وكذلك السلطان في أخذه من رعيته ما لم يأذن الله بأخذه . كل هؤلاء فيما فعلوا من ذلك مسرفون, داخلون في معنى مَنْ أتى ما نهى الله عنه من الإسراف بقوله: (ولا تسرفوا)، في عطيتكم من أموالكم ما يجحف بكم= إذ كان ما قبله من الكلام أمرًا من الله بإيتاء الواجب فيه أهله يوم حصاده. فإنّ الآية قد كانت تنـزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب خاصّ من الأمور، والحكم بها على العامّ, بل عامّة آي القرآن كذلك. فكذلك قوله: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) .ومن الدليل على صحة ما قلنا من معنى "
الإسراف " أنه على ما قلنا، قول الشاعر: (84)أَعْطَــوا هُنَيْــدَةَ يَحْدُوهَـا ثَمَانِيَـةٌ
مَـا فِـي عَطَـائِهِمُ مَـنٌّ وَلا سَـرَفُ (85)
يعني بـ"
السرف ": الخطأ في العطيّة . (86)------------------------
الهوامش :
(34) انظر تفسير (( أنشأ )) فيما سلف ص : 128 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(35) انظر تفسير ((الجنة )) فيما سلف من فهارس اللغة ( جنن ) .
(36) انظر تفسير (( عرش )) فيما سلف 5 : 445 .
(37) انظر تفسير (( الأكل )) فيما سلف 5 : 538 .
(38) انظر تفسير (( متشابه )) فيما سلف 1 : 389 - 394 / 2 : 210 ، 211 / 6 : 173 / 11 : 578 .
(39) (( المز )) ( بضم الميم ) : ما كان طعمه بين الحلو والحامض ، يقال : (( شراب مز )) .
(40) الأثران : 13960 ، 13961 - (( أبو همام الأهوازي )) في الأثر الأول ، هو (( محمد بن الزبرقان )) ، في الأثر الثاني . ثقة . مضت ترجمته برقم : 877 .
(41) الأثر : 13965 - (( هانئ بن سعيد النخعي )) ، مضى برقم : 13159 . ((حجاج )) هو (( حجاج بن أرطأة )) ، مضى مرارًا . (( محمد بن عبيد الله بن سعيد )) هو (( أبو عون الثقفي )) ، مضى برقم : 7595 .
(42) الأثر : 13966 - (( إبراهيم بن نافع المكي المخزومي )) ، مضى برقم : 4305 . وأما (( ابن عباس ، عن أبيه )) ، فلا أدري ما هو ، وهو بلا شك ليس (( عبد الله بن عباس )) حبر الأمة .
وأخشى أن يكون الصواب : (( عن ابن طاوس ، عن أبيه )) .
(43) الأثر : 13967 - (( عبد الرحمن )) ، هو (( عبد الرحمن بن مهدي )) ، مضى مرارًا و (( أبو هلال )) هو : (( محمد بن سليم الراسبي البصري )) ، ثقة ، مضى برقم : 2996 ، 4681 . و (( حيان الأعرج )) الجوفي ، البصري . ثقة من أتباع التابعين . روى عن جابر بن زيد . روى عنه قتادة ، وابن جرجيج ، وسعيد بن أبي عروبة ، وغيرهم . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 246 .
(44) في المطبوعة : (( وما يلتقط )) ، وأثبت ما في المخطوطة .
(45) (( البعل )) ، من النبات ، ما شرب بعروقه من الأرض ، بغير سقي من سماء ولا غيرها .
(46) (( الأوسق )) جمع (( وسق )) ، وهو ستون صاعًا ، كما فسره بعد ، على اختلافهم في مقدار الصاع .
(47) الأثر : 13975 - (( سالم المكي )) ، هو (( سالم بن عبد الله الخياط )) ، مترجم في التهذيب ، والكبير 2 / 2 / 116 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 184 .
(48) في المطبوعة : (( يعطي من حصاده يومئذ )) ، وليس صوابًا ، وفي المخطوطة : (( يعطي من حصول يومئذ )) ، وصواب قراءتها ما أثبت ، وانظر الأثر التالي . ويعني : مَنْ حضره من الناس والمساكين .
(49) في المطبوعة : (( حصده )) ، وأثبت ما في المخطوطة . (( الحصاد )) و (( الحصيد )) ، (( الحصد )) ( بفتح الحاء والصاد ) ، هو من الزرع ، المحصود بعد ما يحصد .
(50) (( حثا له يحثو حثوا )) أعطاه شيئًا منه ملء الكف .
(51) في المطبوعة : (( جذاذ الأرض )) ( بالذال ) ، وهو خطأ محض . (( جداد النخل )) ( بفتح الجيم ، وبكسرها ) : أوان صرامه ، وهو قطع ثمره .
و (( الثفاريق )) جمع (( ثفروق )) ، وهو قمع البسرة والتمرة التي تلزق بها . ولم يرد هذا مجاهد ، بل أراد : العناقيد ، يخرط ما عليها ، فتبقى عليها الثمرة والثمرتان والثلاث ، يخطئها المخلب الذي تخرط به ، فتلقى للمساكين . فكني بالثفاريق عن القليل الباقي في عنقوده وشمراخه .
(52) (( السؤال )) جمع (( سائل )) مثل (( جاهل )) و (( جهال )) .
(53) في المخطوطة : (( فإذا طبن أو طبن )) ، غير منقوطة ، وفي المطبوعة : (( فإذا طبن ، أو طين )) الأولى لاباء ، والثانية بالياء ، ولا معنى لهما . وأخشى أن يكون الصواب ما أثبت ، يعني به ما يكون مع البر والقمح من الطين . ولا أدري ذلك . وفوق كل ذي علم عليم . ولم أجد الخبر في مكان آخر . وانظر رقم : 14000 ، وقوله : (( وإذا أدخله البيدر )) ، فكأنه يعني هذا .
(54) (( الكدس )) ( بضم فسكون ) ، هو كومة البر إذا جمع .
(55) في المطبوعة : (( الجذاذ )) بالذال ، وانظر التعليق السالف ص : 163 ، تعليق : 3 .
(56) (( جد النخل يجده جدادًا )) ، صرمه وقطعه . وهي في المطبوعة بالذال ، كما سلف في التعليق السالف . وسأصححه بعد بغير إشارة إلى الخطأ .
(57) في المطبوعة : (( وإذا جذوا )) ويعني (( وإذا جدوا )) ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صحيح المهنى . (( حزر الطعام والنخل وغيره )) : إذا قدره بالحدس ، والحازر ، هو الخارص أيضًا ، (( خرصه )) : قدره بالحدس .
(58) (( البيدر )) : الموضع الذي يداس فيه الطعام .
(59) (( المعتر )) : الذي يطيف بك يطلب ما عندك ، سألك أو سكت عن السؤال . (( عره يعره )) و (( اعتره )) و (( اعتر به )) ، أتاه يطلب معروفه .
(60) (( الضغث )) ( بكسر فسكون ) : ملء اليد من الحشيش المختلط ، وما أشبهه من البقول .
(61) كان هذا الإسناد في المطبوعة كما هو هنا إلا أنه كتب ... (( عن أبي جعفر ، عن سفيان )) بغير (( واو العطف )) . وكان فيها أيضًا (( قال )) بالإفراد وهو تغيير لما في المخطوطة . أما في المخطوطة ، فكان بعد قوله فيها الإسناد السالف (( الضعث )) ، بياض أمامه حرف ( ط ) دلالة على أن الخطأ ، ثم بعد البياض : (( قال حدثنا أبي ، عن إسرائيل )) وسائر الإسناد كما كان في المطبوعة ، بغير واو عطف قبل (( عن سفيان )) ، ولكن كان فيها (( قالا )) بالتثنية . وهذا إسناد مضطرب .
وزيادة (( حدثنا ابن وكيع )) مكان البياض ، صواب لا شك فيه ، كما كان في المطبوعة ، ولكن الخطأ في إسقاط الواو قبل (( عن سفيان )) . فهما إسنادان كما بينتهما .
و (( إسرائيل )) هو (( إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق )) ، يروي ، عن (( جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي )) ، و (( أبو جعفر )) هو (( أبو جعفر الباقر )) فيما أرجح .
أما الإسناد الثاني ، فهو من حديث ابن وكيع ، عن أبيه ، عن سفيان ...
وكأن هذا هو الصواب إن شاء الله .
(62) في المطبوعة والمخطوطة : (( عن زيد )) ، والصواب أنه (( يزيد بن الأصم )) المذكور في الإسنادين السالفين .
(63) (( اللقط )) ( بفتح اللام والقاف ) ، و (( لقاط السنبل )) ( بضم اللام ، وبفتحها ) : هو الذي تخطئه المناجل فيلتقطه الناس ، أهو نثارة السنبل .
(64) الأثر : 14018 - (( محمد بن رفاعة بن ثعلبة بن أبي مالك القرظي )) ، ثقة ، مترجم في التهذيب ، والكبير 1 / 1 / 82 ، وابن أبي حاتم 3 /2 / 254 .
(65) لعله (( يعطي القبضة )) ، فإنه هو الذي تدل عليه اللغة ، ولكن هكذا جاء في الموضعين ، وهو جائز على ضعف .
(66) الأثر : 14024 - 14025 - (( شباك الضبي )) الكوفي الأعمى . روى عن إبراهيم النخعي ، والشعبي ، وأبي الضحى . روى عنه مغيرة بن مقسم ، وفضيل بن غزوان ، ونهشل بن مجمع . قال أحمد : (( شيخ ثقة )) . مترجم في التهذيب ، والكبير 2 / 2 / 270 ، وانظر أيضًا رقم : 14027 ، 14030 ، 14031 .
(67) الأثر : 14024 - 14025 - (( شباك الضبي )) الكوفي الأعمى . روى عن إبراهيم النخعي ، والشعبي ، وأبي الضحى . روى عنه مغيرة بن مقسم ، وفضيل بن غزوان ، ونهشل بن مجمع . قال أحمد : (( شيخ ثقة )) . مترجم في التهذيب ، والكبير 2 / 2 / 270 ، وانظر أيضًا رقم : 14027 ، 14030 ، 14031 .
(68) (( رضخ له من ماله رضيخة )) ، إذا أعطاه منه العطية المقاربة ، القليلة .
(69) في المطبوعة : (( إلا بعد الجفاف )) غير ما في المخطوطة كل التغيير ، وكان فيها : (( إلا بعد الأحرار)) غير منقوطة ، وهذا صواب قراءتها . يقال (( جز النخل والتمر )) و (( أجز النخل والتمر )) ، يبس تمره ، وحان أن يجز ، أي : أن يقطع ثمره ويصرم .
(70) انظر تفسير قوله : (( بربه آثمًا )) فيما سلف 4 : 530 ، تعليق : 3 / 6 : 92 ، تعليق : 2 / 11 : 180 ، تعليق 3 / 11 : 328 ، تعليق : 2 .
(71) في المطبوعة : (( بإتيانه )) ، وهو خطأ محض ، وهو في المخطوطة غير منقوط ، وذلك بيان لقوله : (( وآتوا حقه يوم حصاده )) .
(72) في المطبوعة والمخطوطة : (( يوم فصله )) بالفاء ، والصواب بالقاف . (( قصل النبات يقصله قصلا ، واقتصله )) ، قطعه وهو أخضر .
(73) الأثر : 14036 - انظر ما سلف رقم : 13975 .
(74) انظر الآثار السالفة من أول تفسير الآية .
(75) انظر تفسير (( الإسراف )) فيما سلف 7 : 272 ، 579 /10 ، 579 / 10 : 242 .
(76) (( تسارفوا )) ، أي بالغوا في الإسراف وتباروا فيه ، وهذا من اشتقاق اللغة الذي لا تكاد تجده في المعاجم ، فقيده في مكانه .
(77) في المطبوعة : (( وأسرفوا )) بواو العطف ، وأثبت ما في المخطوطة ، هو صواب جيد .
(78) (( بلى )) انظر استعمال (( بلى )) في غير حجد سبقها ، فيما سلف 10 : 253 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .
(79) في المطبوعة : (( ما تجاوز أمر الله فهو سرف )) ، وهو مخالف لما في المخطوطة ، وكان فيها : (( ما وزه أمر الله فهو سرف )) ، والهاء مشبوكة في الزاي ، وفوق الكلمة حرف ( ط ) دلالة على الخطأ والشك . والذي روى عن إياس بن معاوية هذا اللفظ أنه قال : (( الإسراف ما قصر به عن حق الله )) ( اللسان : سرف ) ، فصح عندي أن (( ما وزه )) هي (( ما دون أمر الله )) ، ليطابق ما نقل عن إياس اللفظ الآخر . وإن كان أبو حيان في تفسيره 4 : 238 ، قد كتب : (( كل ما جاوزت فيه أمر الله فهو سرف )) ، وكذلك القرطبي في تفسيره 7 : 110 . وروى هذا كما أثبته أو بمعناه ، عن معاوية رضي الله عنه .
(80) الأثر : 14044 - (( أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة القرشي العامري )) القاضي الفقيه ، وهو متروك ، قال أحمد : (( كان يضع الحديث ويكذب )) . قال له ابن جريج : (( اكتب لي أحاديث من أحاديثك )) فكتب له . قال الواقدي : (( فرأيت ابن جريج قد أدخل منها في كتبه . وكان كثير الحديث ، وليس بحجة )) . مترجم في التهذيب ، وميزان الاعتدال 3 : 348 . و (( عمرو بن سليم بن خلدة الأنصاري الزرقي )) ، تابعي ثقة ، كان قليل الحديث . مترجم في التهذيب .
(81) الأثر : 14045 - (( موسى بن عبيدة بن نشيط الربذي )) ، ضعيف لا يكتب حديثه . مضى مرارًا كثيرة آخرها : 11134 . وكان في الإسناد هنا : (( محمد بن عبيدة )) ، في المخطوطة والمطبوعة ، وهو خطأ لا شك فيه ، فإن الذي يروي عنه (( محمد بن الزبرقان )) ، ويروي هو عن (( محمد بن كعب القرظي )) ، وهو (( موسى بن عبيدة )) ، وهو الصواب المحض - وقد مر مرارًا كتابة الناسخ (( محمد )) مكان (( موسى )) في غير هذا من الأسماء .
(82) انظر تفسير (( الإسراف )) فيما سلف 7 : 272 ، 579 / 10 : 242
(83) في المطبوعة : (( بتجاوزه حد الله إلى ما كيفته له )) ، ومثلها في المخطوطة ، غير المنقوطة ، ولا معنى لهما ، فطرحت هذه العبارة ، وكتبت ما بين القوسين ما يستقيم به الكلام بعض الاستقامة .
(84) هو جرير .
(85) مضى البيت الأول وتخريجه وشرحه فيما سلف 7 : 579 .
(86) عند هذا الموضع ، انتهى الجزء التاسع من مخطوطتنا
- ابن عاشور : ۞ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
{ وَهُوَ الذى أَنشَأَ جنات معروشات وَغَيْرَ معروشات والنخل والزرع مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ والزيتون والرمان متشابها وَغَيْرَ متشابه }.
الواو في : { وهو الذي أنشأ } للعطف ، فيكون عطف هذه الجملة على جملة { وحرّموا ما رزقهم الله } [ الأنعام : 140 ] تذكيراً بمنة الله تعالى على النّاس بما أنشأ لهم في الأرض ممّا ينفعهم ، فبعد أن بيّن سوء تصرّف المشركين فيما مَنّ به على النّاس كلّهم مع تسفيه آرائهم في تحريم بعضها على أنفسهم ، عطف عليه المنّة بذلك استنزالاً بهم إلى إدراك الحقّ والرّجوععِ عن الغي ، ولذلك أعيد في هذه الآية غالب ما ذكر في نظيرتها المتقدّمة في قوله : { وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كلّ شيء فأخرجنا منه خَضِراً نُخرِج منه حبّاً متراكباً ومن النّخل من طلعها قنوان دانية وجنّات من أعناب والزّيتون والرمّان مشتبهاً وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه } [ الأنعام : 99 ] لأنّ المقصود من الآية الأولى الاستدلال على أنَّه الصّانع ، وأنَّه المنفرد بالخلق ، فكيف يشركون به غيره . ولذلك ذيّلها بقوله : { إنّ في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون } [ الأنعام : 99 ] ، وعطف عليها قوله : { وجعلوا لله شركاء الجنّ } [ الأنعام : 100 ] الآيات .
والمقصود من هذه : الامتنانُ وإبطالُ ما ينافي الامتنان ولذلك ذيّلت هذه بقوله : { كلوا من ثمره إذا أثمر }.
والكلام موجّه إلى المؤمنين والمشركين ، لأنَّه اعتبار وامتنان ، وللمؤمنين الحظّ العظيم من ذلك ، ولذلك أعقب بالأمر بأداء حق الله في ذلك بقوله : { وآتوا حقه يوم حصاده } إذ لا يصلح ذلك الخطاب للمشركين .
وتعريف المسند يفيد الاختصاص ، أي هو الّذي أنشأ لا غيره ، والمقصود من هذا الحصرِ إبطالُ أن يكون لغيره حظّ فيها ، لإبطال ما جعلوه من الحرث والأنعام من نصيب أنصامهم مع أنّ الله أنشأه .
والإنشاءُ : الإيجاد والخلق ، قال تعالى : { إنَّا أنشأناهنّ إنشاءً } [ الواقعة : 35 ] أي نساء الجنّة .
والجنّات هي المكان من الأرض النّابت فيه شجر كثير بحيث يَجِنّ أي يَستر الكائن فيه ، وقد تقدّم عند قوله : { كمثل جنّة برُبْوة } في سورة البقرة ( 265 ). وإنشاؤها إنباتها وتيسير ذلك بإعطائها ما يعينها على النماء ، ودفععِ ما يفسدها أو يقطع نبتها ، كقوله : { أنتم تزرعونه أم نحن الزّارعون } [ الواقعة : 64 ].
والمعروشات : المرفوعات . يقال : عرش الكرمة إذا رفعها على أعمدة ليكون نماؤها في ارتفاع لا على وجه الأرض ، لأنّ ذلك أجود لعنبها إذ لم يكن ملقى على وجه الأرض . وعَرش فعل مشتقّ من العَرْش وهو السقف ، ويقال للأعمدة التي تُرفع فوقها أغصان الشّجر فتصير كالسّقف يَستظلّ تحته الجالسُ : العَريشُ . ومنه ما يذكر في السيرة : العريش الّذي جُعل للنّبيء صلى الله عليه وسلم يومَ بدر ، وهو الّذي بني على بقعته مسجد بعد ذلك هو اليوم موجود ببدر . ووصف الجنّات بمعروشات مجاز عقلي ، وإنَّما هي معروش فيها ، والمعروش أشجارها .
وغير المعروشات المبقاة كرومها منبسطة على وجه الأرض وأرفع بقليل ، ومن محاسنها أنَّها تزيّن وجه الأرض فيرى الرائي جميعها أخضر .
وقوله : { معروشات وغير معروشات } صفة : ل { جنّات } قصد منها تحسين الموصوف والتّذكيرُ بنعمة الله أن ألْهَم الإنسان إلى جعلها على صفتين ، فإنّ ذكر محاسن ما أنشأه الله يزيد في المنّة ، كقوله في شأن الأنعام { ولكم فيها جَمَالٌ حين تريحون وحين تسرحون } [ النحل : 6 ].
و { مختلفا أكلهُ } حال من الزّرع ، وهو أقرب المذكورات إلى اسم الحال ، ويعلم أنّ النّخل والجنّات كذلك ، والمقصود التّذكير بعجيب خلق الله ، فيفيد ذكرُ الحال مع أحد الأنواع تذكّر مثله في النوع الآخر ، وهذا كقوله تعالى : { وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضّوا إليها } [ الجمعة : 11 ] أي وإليه ، وهي حال مقدّرة على ظاهر قول النّحويين لأنَّها مستقبلة عن الإنشاء ، وعندي أنّ عامل الحال إذا كان ممّا يحصل مَعناه في أزمنة ، وكانت الحال مقارنة لبعض أزمنة عاملها ، فهي جديرة بأن تكون مقارنة ، كما هنا .
( والأُكْل ) بضمّ الهمزة وسكون الكاف لنافع وابن كثير ، و بضمّهما قرأه الباقون ، هو الشّيء الّذي يؤكل ، أي مختلفا مَا يؤكل منه .
وعُطف : { والزيتون والرمان } على : { جنّاتتٍ . . . والنّخلَ والزّرعَ }.والمراد شجر الزّيتون وشجر الرمّان . وتقدّم القول في نظيره عند قوله تعالى : { وهو الذي أنزل من السّماء ماء } الآية في هذه السّورة ( 99 ).
إلاّ أنَّه قال هناك : { مُشْتَبِها } [ الأنعام : 99 ] وقال هنا : { متشابها } وهما بمعنى واحد لأنّ التّشابه حاصل من جانبين فليست صيغة التّفاعل للمبالغة ألا ترى أنَّهما استويا في قوله : { وغير متشابه } في الآيتين .
غُيّر أسلوبُ الحكاية عن أحوال المشركين فأُقبل على خطاب المؤمنين بهذه المنّة وهذا الحكم؛ فهذه الجمل معترضة وهي تعريض بتسفيه أحلام المشركين لتحريمهم على أنفسهم ما مَنّ الله به عليهم .
والثَمَر : بفتح الثّاء والميم وبضمّهما وقرىء بهما كما تقدّم بيانه في نظيرتها .
والأمر للإباحة بقرينة أن الأكل من حقّ الإنسان الّذي لا يجب عليه أن يفعله ، فالقرينة ظاهرة . والمقصود الردّ على الّذين حجّروا على أنفسِهِم بعض الحرث .
و { إذا } مفيدة للتّوقيت لأنها ظرف ، أي : حين إثماره ، والمقصود من التّقييد بهذا الظّرف إباحة الأكل منه عند ظهوره وقبل حصاده تمهيداً لقوله : { وآتوا حقه يوم حصاده } أي : كلوا منه قبل أداء حقّه . وهذه رخصة ومنّة ، لأنّ العزيمة أن لا يأكلوا إلاّ بعد إعطاء حقّه كيلا يستأثروا بشيء منه على أصحاب الحقّ ، إلاّ أنّ الله رخّص للنّاس في الأكل توسعة عليهم أن يأكلوا منه أخضر قبل يبسه لأنَّهم يستطيبونه كذلك ، ولذلك عقّبه بقوله : { ولا تسرفوا } كما سيأتي .
وإفراد الضّميرين في قوله : { من ثمره إذا أثمر } على اعتبار تأويل المعاد بالمذكور .
والأمر في قوله : { وآتوا حقه يوم حصاده } خطاب خاصّ بالمؤمنين كما تقدم . وهذا الأمر ظاهر في الوجوب بقرينة تسمية المأمور به حقّاً .
وأضيف الحقّ إلى ضمير المذكور لأدنى ملابسة ، أي الحقّ الكائن فيه .
وقد أُجمل الحقّ اعتماداً على ما يعرفونه ، وهو : حقّ الفقير ، والقربى ، والضّعفاء ، والجيرة . فقد كان العرب ، إذا جَذّوا ثمارهم ، أعطوا منها من يحضر من المساكين والقرابة . وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى : { فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين } [ القلم : 23 ، 24 ]. فلمّا جاء الإسلام أوجب على المسلمين هذا الحقّ وسمَّاه حقاً كما في قوله تعالى : { والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم } [ المعارج : 24 ، 25 ] ، وسمّاه الله زكاة في آيات كثيرة ولكنّه أجمل مقداره وأجمل الأنواعَ الّتي فيها الحقّ ووكلهم في ذلك إلى حرصهم على الخير ، وكان هذا قبل شرع نصُبُها ومقاديرها . ثمّ شرعت الزّكاة وبيّنت السنّة نصبها ومقاديرها .
والحِصاد بكسر الحاء وبفتحها قطع الثّمر والحبّ من أصوله ، وهو مصدر على وزننِ الفِعال أو الفَعال . قال سيبويه «جاءوا بالمصادر حين أرادوا انتهاء الزّمان على مثال فِعال وذلك الصِّرام والجِزاز والجِدَاد والقِطاع والحِصاد ، وربَّما دخلتتِ اللّغة في بعض هذا ( أي اختلفت اللّغاتُ فقال بعض القبائل حَصاد بفتح الحاء وقال بعضهم حصاد بكسر الحاء ) فكان فيه فعال وفَعال فإذا أرادوا الفعل على فَعَلْت قالوا حَصَدته حَصْداً وقَطَعْته قطعاً إنَّما تريد العمل لا انتهاء الغاية» .
وقرأه نافع ، وابن كثير ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو جعفر ، وخلف بكسر الحاء . وقرأ أبُو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر ، ويعقوب بفتح الحاء .
وقد فرضت الزّكاة في ابتداء الإسلام مع فرض الصّلاة ، أو بعده بقليل ، لأنّ افتراضها ضروري لإقامة أود الفقراء من المسلمين وهم كثيرون في صدر الإسلام ، لأنّ الّذين أسلموا قد نبذهم أهلوهم ومواليهم ، وجحدوا حقوقهم ، واستباحوا أموالهم ، فكان من الضّروري أن يسدّ أهل الجدة والقوّة من المسلمين خَلَّتهم . وقد جاء ذكر الزّكاة في آيات كثيرة ممّا نزل بمكّة مثل سورة المزمّل وسورة البيّنة وهي من أوائل سور القرآن ، فالزّكاة قرينة الصّلاة . وقول بعض المفسّرين : الزّكاة فرضت بالمدينة ، يحمل على ضبط مقاديرها بآية { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } [ التوبة : 103 ] وهي مدنيَّة ، ثمّ تطرّقوا فمنعوا أن يكون المراد بالحقّ هنا الزّكاة ، لأنّ هذه السّورة مكّيّة بالاتّفاق ، وإنَّما تلك الآية مؤكّدة للوجوب بعد الحلول بالمدينة ، ولأنّ المراد منها أخذها من المنافقين أيضاً ، وإنَّما ضبطت الزّكاة . ببيان الأنواع المزكاة ومقدار النُّصب والمُخْرَج منه ، بالمدينة ، فلا ينافي ذلك أن أصل وجوبها في مكّة ، وقد حملها مالك على الزّكاة المعيّنة المضبوطة في رواية ابن القاسم وابن وهب عنه وهو قول ابن عبّاس ، وأنس بن مالك ، وسعيد بن المسيّب ، وجمع من التّابعين كثير . ولعلّهم يرون الزّكاة فرضت ابتداء بتعيين النّصب والمقادير ، وحَملها ابنُ عمر ، وابنُ الحنفية ، وعليّ بن الحسين ، وعطاء ، وحمَّاد ، وابن جبير ، ومجاهد ، على غير الزّكاة وجعلوا الأمر للنّدب ، وحملها السُدّي ، والحسن ، وعطيّة العوفي ، والنّخعي ، وسعيد بن جبير ، في رواية عنه ، على صدقة واجبة ثمّ نسختها الزّكاة .
وإنَّما أوجب الله الحقّ في الثّمار والحبّ يوم الحصاد : لأنّ الحصاد إنَّما يراد للادّخار وإنَّما يَدّخِر المرء ما يريده للقوت ، فالادّخار هو مظنة الغني الموجبة لإعطاء الزّكاة ، والحصاد مبدأ تلك المظنة ، فالّذي ليست له إلاّ شجرة أو شجرتان فإنَّما يأكلُ ثمرها مخضوراً قبل أن ييبس ، فلذلك رخَّصت الشّريعة لصاحب الثّمرة أن يأكل من الثّمر إذا أثمر ، ولم توجب عليه إعطاء حقّ الفقراء إلاّ عند الحصاد . ثمّ إنّ حصاد الثّمار ، وهو جذاذها ، هو قطعها لادّخارها ، وأمَّا حصاد الزّرع فهو قطع السّنبل من جذور الزّرع ثمّ يُفرك الحبّ الّذي في السّنبل ليدّخر ، فاعتبر ذلك الفرك بقيّة للحصاد . ويظهر من هذا أنّ الحقّ إنَّما وجب فيما يحصد من المذكورات مثل الزّبيب والتَّمر والزّرع والزّيتون ، من زيته أو من حبّه ، بخلاف الرمّان والفواكه .
وعلى القول المختار : فهذه الآية غير منسوخة ، ولكنّها مخصّصة ومبيَّنة بآيات أخرى وبما يبيّنه النَّبيء صلى الله عليه وسلم فلا يُتعلّق بإطلاقها ، وعن السدّي أنَّها نسخت بآية الزّكاة يعني : { خذ من أموالهم صدقة } [ التوبة : 103 ] وقد كان المتقدّمون يسمّون التّخصيص نسخاً .
وقوله : { ولا تسرفوا } عطف على { كلوا } ، أي : كلوا غيرَ مسرفين . والإسراف والسّرف : تجاوز الكافي من إرضاء النّفس بالشّيء المشتهى . وتقدّم عند قوله تعالى : { ولا تأكلوها إسرافاً في سورة النّساء ( 6 ). وهذا إدماج للنّهي عن الإسراف ، وهو نهي إرشاد وإصلاح ، أي : لا تسرفوا في الأكل وهذا كقوله : { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا } [ الأعراف : 31 ]. والإسراف إذا اعتاده المرء حمله على التّوسّع في تحصيل المرغوبات ، فيرتكب لذلك مَذمَّات كثيرة ، وينتقل من ملذّة إلى ملذّة فلا يقف عند حدّ .
وقيل عطف على { وآتوا حقه } أي ولا تسرفوا فيما بقي بعد إتيان حقّه فتنفقوا أكثر ممّا يجب ، وهذا لا يكون إلاّ في الإنفاق والأكل ونحوه ، فأمَّا بذله في الخيرْ ونفع النّاس فليس من السّرف ، ولذلك يعدّ من خطأ التّفسير : تفسيرُها بالنَّهي عن الإسراف في الصّدقة ، وبما ذكروه أنّ ثابتَ بن قيس صَرَم خمسمائة نخلة وفرّق ثمرها كلّه ولم يدخل منه شيئاً إلى منزله ، وأنّ الآية نزلت بسبب ذلك .
وقوله : { إنه لا يحب المسرفين } استئناف قصد به تعميم حكم النّهي عن الإسراف . وأكّد ب { إنّ } لزيادة تقرير الحكم ، فبيّن أنّ الإسراف من الأعمال التي لا يحبّها ، فهو من الأخلاق الّتي يلزم الانتهاء عنها ، ونفي المحبّة مختلف المراتب ، فيعلم أنّ نفي المحبّة يشتدّ بمقدار قوّة الإسراف ، وهذا حكم مجمل وهو ظاهر في التّحريم ، وبيان هذا الإجمال هو في مطاوي أدلّة أخرى والإجمال مقصود .
ولغموض تأويل هذا النّهي وقوله : { إنَّه لا يحبّ المسرفين } تفرّقت آراء المفسّرين في تفسير معنى الإسراف المنهي عنه ، ليعينوه في إسراف حرام ، حتّى قال بعضهم : إنَّها منسوخة ، وقد علمت المنجى من ذلك كلّه .
فوجه عدم محبّة الله إيّاهم أنّ الإفراط في تناول اللّذّات والطّيّبات ، والإكثار من بذل المال في تحصيلها ، يفضي غالباً إلى استنزاف الأموال والشّره إلى الاستكثار منها ، فإذا ضاقت على المسرف أمواله تطلب تحصيل المال من وجوه فاسدة ، ليخمد بذلك نهمته إلى اللّذات ، فيكون ذلك دأبه ، فربَّما ضاق عليه ماله ، فشقّ عليه الإقلاع عن معتاده ، فعاش في كرب وضيق ، وربَّما تطلّب المال من وجوه غير مشروعة ، فوقع فيما يؤاخذ عليه في الدّنيا أو في الآخرة ، ثمّ إنّ ذلك قد يعقب عياله خصاصة وضنك معيشة . وينشأ عن ذلك مَلام وتوبيخ وخصومات تفضي إلى ما لا يحمد في اختلال نظام العائلة . فأمَّا كثرة الإنفاق في وجوه البرّ فإنَّها لا توقع في مثل هذا ، لأنّ المنفق لا يبلغ فيها مبلغ المنفق لمحبّة لَذّاته ، لأنّ داعي الحكمة قابل للتأمّل والتّحديد بخلاف داعي الشّهوة . ولذلك قيل في الكلام الّذي يصحّ طَرْداً وعكساً : «لاَ خَيْرَ في السَّرف ، ولا سرف في الخير» وفي معنى هذه الآية قوله في سورة الأعراف ( 31 ) : { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } [ الأعراف : 31 ] وقول النَّبيء صلى الله عليه وسلم " ويُكره لكم قيل وقال وكثرة السُّؤال وإضاعة المال " .
- إعراب القرآن : ۞ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
«وَهُوَ الَّذِي» مبتدأ وخبر والجملة مستأنفة. «أَنْشَأَ جَنَّاتٍ» فعل ماض ومفعوله المنصوب بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم. «مَعْرُوشاتٍ» صفة. «وَغَيْرَ» اسم معطوف على معروشات وهو مضاف و«مَعْرُوشاتٍ» مضاف إليه. «وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ» عطف «مُخْتَلِفاً» حال منصوبة. «أُكُلُهُ» فاعل لاسم الفاعل مختلف. «وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ» عطف «مُتَشابِهاً» حال منصوبة. «وَغَيْرَ» معطوف. «مُتَشابِهٍ» مضاف إليه «كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ» فعل أمر تعلق به الجار والمجرور ، مبني على حذف النون والواو فاعله ، والجملة مستأنفة. «إِذا» ظرف شرط غير جازم. وجملة «أَثْمَرَ» في محل جر بالإضافة. «وَآتُوا» فعل أمر مثل كلوا ، والواو فاعله ، «حَقَّهُ» مفعوله الأول ومفعوله الثاني محذوف تقديره المحتاجين. «يَوْمَ» ظرف زمان متعلق بآتوا. «حَصادِهِ» مضاف إليه والجملة معطوفة. «وَلا تُسْرِفُوا» فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف النون ، والواو فاعل والجملة معطوفة «إِنَّهُ» إن واسمها «لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» مضارع ومفعوله ولا نافية وجملة «لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» خبر إنّ ، وجملة إنه لا يحب المسرفين تعليلية لا محل لها.
- English - Sahih International : And He it is who causes gardens to grow [both] trellised and untrellised and palm trees and crops of different [kinds of] food and olives and pomegranates similar and dissimilar Eat of [each of] its fruit when it yields and give its due [zakah] on the day of its harvest And be not excessive Indeed He does not like those who commit excess
- English - Tafheem -Maududi : ۞ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ(6:141) It is He Who has brought into being gardens *116 - the trellised and untrellised - and the palm trees, and crops, all varying in taste, and.the olive and pomegranates, all resembling one another and yet so different. Eat of their fruits when they come to fruition and pay His due on the day of harvesting. And do not exceed the proper limits, for He does not love those who exceed the proper limits.
- Français - Hamidullah : C'est Lui qui a créé les jardins treillagés et non treillagés; ainsi que les palmiers et la culture aux récoltes diverses; [de même que] l'olive et la grenade d'espèces semblables et différentes Mangez de leurs fruits quand ils en produisent; et acquittez-en les droits le jour de la récolte Et ne gaspillez point car Il n'aime pas les gaspilleurs
- Deutsch - Bubenheim & Elyas : Und Er ist es Der Gärten mit Spalieren und ohne Spaliere entstehen läßt sowie Palmen und sonstige Pflanzen mit unterschiedlichen Erntesorten und Öl- und Granatapfelbäume die einander ähnlich und unähnlich sind Eßt von ihren Früchten' wenn sie Früchte tragen und entrichtet am Tag ihrer Ernte ihren Pflichtanteil der darauf steht doch seid nicht maßlos - Er liebt nicht die Maßlosen
- Spanish - Cortes : Él es Quien ha creado huertos unos con emparrados y otros sin ellos las palmeras los cereales de alimento vario los olivos los granados parecidos y diferentes ¡Comed de su fruto si lo tienen pero dad lo debido el día de la cosecha ¡Y no cometáis excesos que Alá no ama a los inmoderados
- Português - El Hayek : Ele foi Quem vos criou pomares com plantas trepadeiras ou não assim como as tamareiras as sementeiras com frutosvários sabores as oliveiras e as romãzeiras semelhantes em espécie e diferentes em variedade Comei de seus frutos quando frutificarem e pagai seu tributo no dia da colheita e não vos excedais porque Deus não ama os perdulários
- Россию - Кулиев : Он - Тот Кто создал сады на трельяжах и без трельяжей финиковые пальмы и злаки с различным вкусом оливки и гранаты имеющие сходства и различия Вкушайте эти плоды когда они созревают и отдавайте должное в день уборки но не излишествуйте ведь Он не любит тех кто излишествует
- Кулиев -ас-Саади : ۞ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
Он - Тот, Кто создал сады на трельяжах и без трельяжей, финиковые пальмы и злаки с различным вкусом, оливки и гранаты, имеющие сходства и различия. Вкушайте эти плоды, когда они созревают, и отдавайте должное в день уборки, но не излишествуйте, ведь Он не любит тех, кто излишествует.После упоминания о том, как язычники относились к домашней скотине и посевам, которые Аллах объявил дозволенными, Он напомнил о том, что посевы и домашняя скотина являются милостью по отношению к рабам, и поэтому люди должны выполнять связанные с ними материальные обязанности. Аллах сотворил сады со всевозможными деревьями и различными растениями. Одни из них имеют трельяжи, благодаря которым ветви деревьев поднимаются над поверхностью земли, а другие не нуждаются в трельяжах, потому что в них растут деревья, обладающие могучими стволами, или ползучие растения. Все это свидетельствует о том, что сады приносят огромную пользу и что именно Всевышний Аллах научил рабов выращивать деревья на трельяжах. Он сотворил финиковые пальмы и злаки, которые растут вместе и питаются одинаковой водой, но превосходят друг друга по вкусу. Из всех растений Он выделил финиковые пальмы и злаковые культуры, потому что они приносят большую пользу и являются основным продуктом питания для большинства людей. Он также создал оливки и гранаты - эти деревья имеют много схожего, а плоды их различаются по форме и вкусу. Для чего же Аллах создал эти сады вместе с фруктами? Словно отвечая на этот вопрос, Он возвестил о том, что они созданы на благо рабов. Люди могут употреблять в пищу финики и зерновые культуры и обязаны отдавать должное в день уборки урожая. Здесь речь идет о закяте, который взимается с урожая определенных культур, если он достигает облагаемого закятом минимума. Аллах повелел выплачивать закят с урожая зерновых в день уборки, потому что наступление этого срока подобно прошествию целого года. Кроме того, именно этого дня с нетерпением ожидают бедняки и нуждающиеся, и в этот день крестьянам легче всего выплатить обязательный закят, потому что они без труда могут отделить часть урожая, которую им предстоит раздать, от той части, которую они оставляют себе. Затем Аллах запретил излишествовать в еде, есть больше обычного и поедать часть урожая, которую крестьянин должен раздать в качестве закята. Он также запретил излишествовать при раздаче закята и выплачивать его сверх положенного, причиняя вред себе, своей семье и ущемляя права кредиторов. Перечисленные поступки являются проявлениями запрещенного Аллахом излишества. Ему не угодно, чтобы рабы поступали так. Напротив, подобные поступки ненавистны Ему. Из этого аята следует, что мусульмане обязаны выплачивать закят с фруктов и злаковых культур. Он выплачивается не по прошествии целого года, а в день уборки урожая. Урожай с этих видов имущества взимается всего один раз, даже если после уборки он пролежит в хранилищах несколько лет, потому что Аллах приказал выплачивать с него должное только в день уборки. Исключением из этого правила являются фрукты и зерновые, предназначенные для торговли. Из этого аята также следует, что если стихийное бедствие погубило урожай фруктов или зерновых до его уборки, то хозяин урожая не несет ответственности за неуплату закята, если урожай пропал не по причине его халатности. Из него также следует, что разрешается есть финики и зерновые до наступления срока выплаты закята, причем съеденное количество не принимается во внимание при определении размера закята, поскольку он выплачивается с урожая, оставшегося на период уборки. Именно поэтому Пророк Мухаммад, да благословит его Аллах и приветствует, рассылал оценщиков, которые оценивали урожаи, определяли размеры взимаемого закята и разрешали хозяевам оставить себе третью или четвертую часть закята, которую они могли съесть сами или раздать людям.
- Turkish - Diyanet Isleri : Çardaklı ve çardaksız bağları inşa eden Allah'tır Tadları çeşitli ekin ve hurmaları zeytin ve narı birbirine benzer ve benzemez şekilde yaratan O'dur Ürün verdiği zaman ürününden yiyin devşirildiği ve biçildiği gün hakkını verin; israf etmeyin çünkü Allah müsrifleri sevmez
- Italiano - Piccardo : È Lui che ha creato giardini [di vigne] con pergolati e senza pergolati palme e piante dai diversi frutti l'olivo e il melograno simili ma dissimili; mangiatene i frutti e versatene quanto dovuto nel giorno stesso della raccolta senza eccessi ché Allah non ama chi eccede;
- كوردى - برهان محمد أمين : خوا ههر ئهو زاتهیه که باخاتی بهرزی لق و پۆپداری بهرپا کردوه و باخاتی نزمی پهرش و بڵاویشی بهدی هێناوه و خورماو کشتوکاڵی جۆراوجۆریش که شێوهو قهبارهو ڕهنگ و تام و بۆنیان له خواردندا جیایه له زهیتوون و ههناری لهیهک چوو ههروهها لهیهک نهچوو بخۆن له بهرو بوومهکهی کاتێک دهیگرێت و ڕۆژی چنین و دروێنه مافی ههژارانی لێبدهن و زیادهڕهوی مهکهن چونکه خوا له سنوور دهرچوان و زیادهڕهوانی خۆش ناوێت
- اردو - جالندربرى : اور خدا ہی تو ہے جس نے باغ پیدا کئے چھتریوں پر چڑھائے ہوئے بھی اور جو چھتریوں پر نہیں چڑھائے ہوئے وہ بھی اور کھجور اور کھیتی جن کے طرح طرح کے پھل ہوتے ہیں اور زیتون اور انار جو بعض باتوں میں ایک دوسرے سے ملتے ہیں جب یہ چیزیں پھلیں تو ان کے پھل کھاو اور جس دن پھل توڑو اور کھیتی کاٹو تو خدا کا حق بھی اس میں سے ادا کرو اور بےجا نہ اڑاو کہ خدا بیجا اڑانے والوں کو دوست نہیں رکھتا
- Bosanski - Korkut : On je Taj koji stvara vinograde poduprte i nepoduprte i palme i usjeve različita okusa i masline i šipke slične i različite – jedite plodove njihove kad plod dadu i podajte na dan žetve i berbe ono na šta drugi pravo imaju i ne rasipajte jer On ne voli rasipnike
- Swedish - Bernström : Det är Han som har skapat fruktträd som stöder sig på gallerverk och andra som växer utan stöd och dadelpalmen och brödsäd av olika slag och olivträdet och granatäppelträdet [alla i grunden] lika varandra och ändå olika Ät av deras frukter när de har mognat och när ni skördar ge [den behövande] det som han har rätt till Men slösa inte [med Guds gåvor] Han är inte slösarnas vän
- Indonesia - Bahasa Indonesia : Dan Dialah yang menjadikan kebunkebun yang berjunjung dan yang tidak berjunjung pohon korma tanamtanaman yang bermacammacam buahnya zaitun dan delima yang serupa bentuk dan warnanya dan tidak sama rasanya Makanlah dari buahnya yang bermacammacam itu bila dia berbuah dan tunaikanlah haknya di hari memetik hasilnya dengan disedekahkan kepada fakir miskin; dan janganlah kamu berlebihlebihan Sesungguhnya Allah tidak menyukai orang yang berlebihlebihan
- Indonesia - Tafsir Jalalayn : ۞ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
(Dan Dialah yang menjadikan) yang telah menciptakan (kebun-kebun) yang mendatar di permukaan tanah, seperti tanaman semangka (dan yang tidak terhampar) yang berdiri tegak di atas pohon seperti pohon kurma (dan) Dia menjadikan (pohon kurma dan tanaman-tanaman yang bermacam-macam buahnya) yakni yang berbeda-beda buah dan bijinya baik bentuk maupun rasanya (dan zaitun dan delima yang serupa) dedaunannya; menjadi hal (dan tidak sama) rasa keduanya (Makanlah dari buahnya yang bermacam-macam itu bila dia berbuah) sebelum masak betul (dan tunaikanlah haknya di hari memetik hasilnya) dengan dibaca fatah atau kasrah; yaitu sepersepuluhnya atau setengahnya (dan janganlah kamu berlebih-lebihan) dengan memberikannya semua tanpa sisa sedikit pun buat orang-orang tanggunganmu. (Sesungguhnya Allah tidak menyukai orang-orang yang berlebih-lebihan) yaitu orang-orang yang melampaui batas hal-hal yang telah ditentukan bagi mereka.
- বাংলা ভাষা - মুহিউদ্দীন খান : তিনিই উদ্যান সমূহ সৃষ্টি করেছেতাও যা মাচার উপর তুলে দেয়া হয় এবং যা মাচার উপর তোলা হয় না এবং খর্জুর বৃক্ষ ও শস্যক্ষেত্র যেসবের স্বাদবিশিষ্ট এবং যয়তুন ও আনার সৃষ্টি করেছেনএকে অন্যের সাদৃশ্যশীল এবং সাদৃশ্যহীন। এগুলোর ফল খাও যখন ফলন্ত হয় এবং হক দান কর কর্তনের সময়ে এবং অপব্যয় করো না। নিশ্চয় তিনি অপব্যয়ীদেরকে পছন্দ করেন না।
- தமிழ் - ஜான் டிரஸ்ட் : பந்தல்களில் படரவிடப்பட்ட கொடிகளும் படரவிடப்படாத செடிகளும் பேரீத்த மரங்களும் உள்ள சோலைகளையும் புசிக்கத்தக்க விதவிதமான காய் கறி தானியங்களையும் ஒன்றுபோலும் வெள; வேறாகவும் தோற்றமளிக்கும் ஜைத்தூன் ஒலிவம் மாதுளை ஆகியவற்றையும் அவனே படைத்தான் ஆகவே அவை பலனளித்தால் அவற்றின் பலனிலிருந்து புசியுங்கள் அவற்றை அறுவடை செய்யும் காலத்தில் அதற்குரிய கடமையான பாகத்தைக் கொடுத்து விடுங்கள் வீண் விரயம் செய்யாதீர்கள் நிச்சயமாக அவன் அல்லாஹ் வீண் விரயம் செய்பவர்களை நேசிப்பதில்லை
- ภาษาไทย - ภาษาไทย : และพระองค์นั้นคือผู้ที่ทรงให้มีขึ้น ซึ่งสวนทั้งหลายทั้งที่ถูกให้มีร้านขึ้น และไม่ถูกให้มีร้านขึ้น และต้นอินทผาลัมและพืช โดยที่ผลของมันต่างๆ กัน และต้นซัยตูน และต้นทับทิม โดยที่มีความละม้ายคล้ายกัน และไม่ละม้ายคล้ายกัน จงบริโภคจากผลของมันเถิดเมื่อออกผล และจงจ่ายส่วนอันเป็นสิทธิ ในมันด้วย ในวันแห่งการเก็บเกี่ยวมัน และจงอย่าฟุ่มเฟือยทั้งหลาย
- Uzbek - Мухаммад Содик : У ишкомларга кўтариладиган ва кўтарилмайдиган боғларни хурмо ва экинларни емагини хилмахил қилиб зайтун ва анорларни бирбирига ўхшатиб ва ўхшатмай пайдо қилган зотдир Мевалаган пайтида унинг мевасидан енглар ва йиғимтерим кунида ҳаққини беринглар Ва исроф қилманглар Албатта У исроф қилгувчиларни севмас
- 中国语文 - Ma Jian : 他创造了许多园圃,其中有蔓生的和直立的果木,与果实各别的海枣和百谷,与形同味异的橄榄和石榴。当结果的时候,你们可以采食其果实;在收获的日子,你们当施舍其中的一部分,但不要过分。真主的确不喜爱过分的人。
- Melayu - Basmeih : Dan Dia lah Allah yang menjadikan untuk kamu kebunkebun yang menjalar tanamannya dan yang tidak menjalar; dan pohonpohon tamar kurma dan tanamantanaman yang berlainan bentuk rupa dan rasanya; dan buah zaiton dan delima yang bersamaan warnanya atau daunnya dan tidak bersamaan rasanya Makanlah dari buahnya ketika ia berbuah dan keluarkanlah haknya zakatnya pada hari memetik atau menuainya; dan janganlah kamu melampau pada apaapa jua yang kamu makan atau belanjakan; sesungguhnya Allah tidak suka kepada orangorang yang melampau
- Somali - Abduh : Eebe waa kan soo Bixiyey Beero la Dhisay iyo Kuwaan Dhisnayn iyo Timir iyo Tallad kala Duwanyahay Cunidiisu iyo Saytuun iyo Rumaan isu eg iyo qaaraan isu ekeyn ka Cuna Midhihiisa Sakada Maalinta la goyn hana Xad Gudbina Eebe ma Jeela kuwa Cadgudbee
- Hausa - Gumi : Kuma Shĩ ne Wanda Ya ƙãga halittar gõnaki mãsu rumfuna da wasun mãsu rumfuna da dabĩnai da shũka mai sãɓãwa ga 'yã'yansa na ci da zaituni da rummãni mai kama da jũna da wanin mai kama da jũna Ku ci daga 'ya'yan itãcensa idan ya yi 'yã'yan kuma ku bãyar da hakkinSa a rãnar girbinsa kuma kada ku yi ɓarna Lalle ne Shĩ ba Ya son mafarauta
- Swahili - Al-Barwani : Na Yeye ndiye aliye ziumba bustani zenye kutambaa juu ya chanja na zisio tambaa na mitende na mimea yenye matunda mbali mbali na mizaituni na mikomamanga inayo fanana na isiyo fanana Kuleni matunda yake inapo zaa na toeni haki yake siku ya kuvunwa kwake Wala msitumie kwa fujo Hakika Yeye hawapendi watumiayo kwa fujo
- Shqiptar - Efendi Nahi : Ai është që ka krijuar kopshte vëreshta të larta dhe të shtruara hurme dhe të lashta me shije të ndryshme ullinj e shega të ngjashme për nga forma kurse të ndryshme për nga shija Hani frutet e tyre kurdo që të japin dhe jepni atë që është detyrë në ditën e mbledhjes së tyrë Por mos e teproni se Perëndia nuk i do ata që e teprojnë
- فارسى - آیتی : و اوست كه باغهايى آفريد نيازمند به داربست و بىنياز از داربست، و درخت خرما و كشتزار، با طعمهاى گوناگون، و زيتون و انار، همانند، در عين حال ناهمانند. چون ثمره آوردند از آنها بخوريد و در روز درو حق آن را نيز بپردازيد و اسراف مكنيد كه خدا اسرافكاران را دوست ندارد.
- tajeki - Оятӣ : Ва Ӯст, ки боғҳое офарид мӯҳтоҷ ба поя ва низ худ танадор ва дарахти хурмову киштзор бо таъмҳои гуногун ва зайтуну анор, монанд, дар (мазаашон) номонанд. Чун самара оварданд, аз онҳо бихӯред ва дар рӯзи дарав ҳаққи онро низ бипардозед ва исроф макунед, ки Худо исрофкоронро дӯст надорад!
- Uyghur - محمد صالح : اﷲ بىدىشلىك ۋە بىدىشسىز باغلارنى بەرپا قىلدى، مېۋىلىرى، دانلىرى (رەڭگى، تەمى، ھەجمى ۋە پۇرىقى) بىر - بىرىگە ئوخشىمايدىغان خورما دەرەخلىرىنى، زىرائەتلەرنى، (رەڭگى ۋە شەكلى) بىر - بىرىگە ئوخشايدىغان، (تەمى) ئوخشىمايدىغان زەيتۇن ۋە ئانارنى ياراتتى، مېۋىسى پىشقاندا، ئۇلاردىن يەڭلار، مېۋە (نىڭ ھوسۇلى) نى يىغقان كۈندە (يەنى يىغقان ۋاقىتتا)، ئۇنىڭ ئۆشرىسىنى ئادا قىلىڭلار، ئىسراپ قىلماڭلار، اﷲ ھەقىقەتەن ئىسراپ قىلغۇچىلارنى ياقتۇرمايدۇ
- Malayalam - ശൈഖ് മുഹമ്മദ് കാരകുന്ന് : പന്തലില് പടര്ത്തുന്നതും അല്ലാത്തതുമായ ഉദ്യാനങ്ങള്; ഈത്തപ്പനകള്; പലതരം കായ്കനികളുള്ള കൃഷികള്; പരസ്പരം സമാനത തോന്നുന്നതും എന്നാല് വ്യത്യസ്തങ്ങളുമായ ഒലീവും റുമ്മാനും എല്ലാം സൃഷ്ടിച്ചുണ്ടാക്കിയത് അല്ലാഹുവാണ്. അവ കായ്ക്കുമ്പോള് പഴങ്ങള് തിന്നുകൊള്ളുക. വിളവെടുപ്പുകാലത്ത് അതിന്റെ ബാധ്യത അഥവാ സകാത്ത് കൊടുത്തുതീര്ക്കുക. എന്നാല് അമിതവ്യയം അരുത്. അതിരുകവിയുന്നവരെ അല്ലാഹു ഇഷ്ടപ്പെടുന്നില്ല.
- عربى - التفسير الميسر : والله سبحانه وتعالى هو الذي اوجد لكم بساتين منها ما هو مرفوع عن الارض كالاعناب ومنها ما هو غير مرفوع ولكنه قائم على سوقه كالنخل والزرع متنوعا طعمه والزيتون والرمان متشابها منظره ومختلفا ثمره وطعمه كلوا ايها الناس من ثمره اذا اثمر واعطوا زكاته المفروضه عليكم يوم حصاده وقطافه ولا تتجاوزوا حدود الاعتدال في اخراج المال واكل الطعام وغير ذلك انه تعالى لا يحب المتجاوزين حدوده بانفاق المال في غير وجهه
*116). Tle Arabic expression "Jannaatim Ma'rushaatin wa khairu ma'rushatin" signifies two kinds of gardens: first, those consisting of trellised plants and, second, those consisting of trees which stand on their own.