- عربي - نصوص الآيات عثماني : وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ أَعْمَٰلَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّى جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّى بَرِىٓءٌ مِّنكُمْ إِنِّىٓ أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّىٓ أَخَافُ ٱللَّهَ ۚ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
- عربى - نصوص الآيات : وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ۖ فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله ۚ والله شديد العقاب
- عربى - التفسير الميسر : واذكروا حين حسَّن الشيطان للمشركين ما جاؤوا له وما همُّوا به، وقال لهم: لن يغلبكم أحد اليوم، فإني ناصركم، فلما تقابل الفريقان: المشركون ومعهم الشيطان، والمسلمون ومعهم الملائكة، رجع الشيطان مُدْبرًا، وقال للمشركين: إني بريء منكم، إني أرى ما لا ترون من الملائكة الذين جاؤوا مددًا للمسلمين، إني أخاف الله، فخذلهم وتبرأ منهم. والله شديد العقاب لمن عصاه ولم يتب توبة نصوحًا.
- السعدى : وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ
{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} حسَّنها في قلوبهم وخدعهم. {وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ} فإنكم في عَدَدٍ وعُدَدٍ وهيئة لا يقاومكم فيها محمد ومن معه. {وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ} من أن يأتيكم أحد ممن تخشون غائلته، لأن إبليس قد تبدَّى لقريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي، وكانوا يخافون من بني مدلج لعداوة كانت بينهم. فقال لهم الشيطان: أنا جار لكم، فاطمأنت نفوسهم وأتوا على حرد قادرين. {فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ} المسلمون والكافرون، فرأى الشيطان جبريل عليه السلام يزع الملائكة خاف خوفا شديدا و {نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ} أي: ولى مدبرا. {وَقَالَ} لمن خدعهم وغرهم: {إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ} أي: أرى الملائكة الذين لا يدان لأحد بقتالهم. {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ} أي: أخاف أن يعاجلني بالعقوبة في الدنيا {وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ومن المحتمل أن يكون الشيطان، قد سول لهم، ووسوس في صدورهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس، وأنه جار لهم، فلما أوردهم مواردهم، نكص عنهم، وتبرأ منهم، كما قال تعالى: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ}
- الوسيط لطنطاوي : وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ
وقوله: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ.. تذكير للمؤمنين بما خدع به الشيطان الكافرين من وعود كاذبة، وأمانى باطلة.
والمراد بهذا التذكير: حضهم على المداومة على طاعة الله وشكره، حيث إنه- سبحانه- لم يجعلهم كأولئك الذين استحوذ عليهم الشيطان.
والمعنى: احذروا- أيها المؤمنون- أن تتشبهوا بأولئك الذين خرجوا من ديارهم بطرا ومفاخرة.. واذكروا وقت أن زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ في معاداتكم، بأن وسوس لهم بأنهم على الحق وأنتم على الباطل، وحسن لهم ما جبلوا عليه من غرور ومراءاة، وأوهمهم بأن النصر سيكون لهم عند لقائكم، بأن قال لهم لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ أى: لن يغلبكم أحد من الناس، لا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولا غيرهم من قبائل العرب، وإنى مجير ومعين وناصر لكم، إذ المراد بالجار هنا: الذي يجير غيره. أى: يؤمنه مما يخاف ويخشى.
قال الآلوسى: أى: ألقى في روعهم وخيل لهم أنهم لا يغلبون لكثرة عددهم، وعددهم، وأوهمهم أن اتباعهم إياه فيما يظنون أنها قربات- تجعله مجيرا لهم، وحافظا إياهم عن السوء حتى قالوا: اللهم انصر أهدى الفئتين، وأفضل الدينين.
فالقول مجاز عن الوسوسة. والإسناد في قوله وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ من قبيل الإسناد إلى السبب الداعي. ولَكُمُ خبر لا أو صفة غالِبَ والخبر محذوف. أى: لا غالب كائنا لكم موجود. والْيَوْمَ معمول الخبر. ومِنَ النَّاسِ حال من ضمير الخبر ... » .
وقوله: فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ، إِنِّي أَخافُ اللَّهَ، وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ بيان لما فعله الشيطان وقاله بعد أن رأى ما رأى من قوة لا طاقة له بها..
وقوله تَراءَتِ الْفِئَتانِ أى: تقاربتا بحيث صارت كل فئة ترى الأخرى رؤية واضحة.
ومنهم من جعل تَراءَتِ بمعنى التقت وقوله نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ أى: ولى هاربا ورجع القهقرى. وأبطل كيده وذهب ما مناهم به من النصرة والعون يقال: نكص عن الأمر نكوصا ونكصا أى: تراجع عنه وأحجم. والعقب: مؤخر القدم.
والمعنى: لقد حرض الشيطان جنوده من الكافرين على حربكم- أيها المؤمنون-، ومناهم بالنصر عليكم ... ولكنه حينما تراءت الفئتان: فئتكم وفئته، ورأى ما أمدكم الله به من الملائكة، ولى مدبرا وقال للكافرين: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ أى: من عهدكم وجواركم ونصرتكم، إِنِّي أَرى من الملائكة النازلة لتأييد المؤمنين مالا ترونه أنتم إِنِّي أَخافُ اللَّهَ أن يعذبني قبل يوم القيامة، أو إنى أخاف الله أن يصيبني بمكروه من قبل ملائكته.
وقوله وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ يحتمل أنه من كلام إبليس الذي حكاه الله- تعالى- عنه، ويحتمل أنه جملة مستأنفة من كلامه عز وجل.
أى: والله شديد العقاب لمن عصاه وخالف أمره.
هذا، وهناك قولان في كيفية تزيين الشيطان للمشركين:
أحدهما: أن هذا التزيين لم يكن حسيا، وإنما كان معنويا عن طريق الوسوسة دون أن يتحول الشيطان إلى صورة إنسان.
وعليه يكون قوله لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ ... مجازا عن الوسوسة. وقوله نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ استعارة لبطلان كيده، شبه بطلان كيده بعد وسوسته بمن رجع القهقرى عما يخافه.
وثانيهما: أن هذا التزيين كان حسيا بمعنى أن الشيطان تمثل لهم في صورة إنسان، وقال لهم ما قال مما حكاه الله- تعالى- عنه.
وقد ذكر صاحب الكشاف هذين الوجهين في تفسير الآية فقال: واذكر إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ التي عملوها في معاداة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووسوس إليهم أنهم لا يغلبون ولا يطاقون، وأوهمهم أن اتباع خطوات الشيطان وطاعته مما يجيرهم، فلما تلاقى الفريقان نكص الشيطان وتبرأ منهم، أى: بطل كيده حين نزلت جنود الله.
وكذا عن الحسن- رحمه الله- قال: كان ذلك على سبيل الوسوسة ولم يتمثل لهم.
وقيل: لما اجتمعت قريش على السير- لحرب المسلمين في بدر- ذكرت الذي بينها وبين كنانة من الحرب، فكاد ذلك يثنيهم عن حرب المسلمين، فتمثل لهم إبليس في صورة سراقة ابن مالك بن جعشم الشاعر الكناني- وكان من أشرفهم- في جند من الشياطين معه راية وقال: لا غالب لكم اليوم وإنى مجيركم من بنى كنانة. فلما رأى الملائكة تنزل، نكص.
وقيل: كانت يده في يد الحارث بن هشام، فلما نكص قال له الحارث: إلى أين؟ أتخذلنا في هذه الحال؟ فقال: إنى أرى ما لا ترون، ودفع صدر الحارث وانطلق وانهزموا.
فلما بلغوا مكة قالوا: هزم الناس سراقة، فبلغ ذلك سراقة فقال: والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم. فلما أسلموا علموا أنه الشيطان.
وفي الحديث- الذي أخرجه مالك في الموطأ-: «وما رئي إبليس يوما أصغر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة لما يرى من نزول الرحمة. إلا ما رئي يوم بدر» .
وقد ذكر ابن جرير وابن كثير روايات أخرى تتفق في جملتها مع ما ذكره صاحب الكشاف، وإن كانت تختلف عنها في التفصيل، ومن ذلك قول ابن جرير:
«وكان تزيينه ذلك لهم كما حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية عن على بن أبى طلحة عن ابن عباس قال: جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين معه رايته في صورة رجل من بنى مدلج، في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، فقال الشيطان للمشركين: لا غالب لكم اليوم من الناس وإنى جار لكم فلما اصطف الناس، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من التراب، فرمى بها في وجوه المشركين، فولوا الأدبار.
وأقبل جبريل إلى إبليس، فلما رآه- وكانت يده في يد رجل من المشركين- انتزع إبليس يده فولى مدبرا هو وشيعته.
فقال الرجل: يا سراقة تزعم أنك لنا جار؟ قال: إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ، إِنِّي أَخافُ اللَّهَ، وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ وذلك حين رأى الملائكة.
ثم قال: وحدثنا أحمد بن الفرج، قال: حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون، قال:
حدثنا مالك، عن إبراهيم بن أبى عبلة، عن طلحة بن عبد بن عبيد الله بن كريز: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما رئي إبليس يوما هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أغيظ ولا أدحر من يوم عرفة وذلك مما يرى من تنزيل الرحمة والعفو عن الذنوب، إلا ما رأى يوم بدر» قالوا: يا رسول الله، وما رأى يوم بدر؟ قال: أما إنه رأى جبريل يزع الملائكة أى: يرتبهم ويسويهم ويصفهم للحرب» .
وقد سار- ابن جرير وابن كثير- في تفسيرهما للآية على أن التزيين من الشيطان كان حسيا.
فابن جرير يقول. بعد أن ذكر بضع روايات في تفسير الآية: فتأويل: وإن الله لسميع عليم في هذه الأحوال، وحين زين لهم الشيطان خروجهم إليكم. أيها المؤمنون لحربكم وقتالكم، وحسن ذلك لهم، وحثهم عليكم وقال لا غالب لكم اليوم، من بنى آدم، فاطمئنوا وأبشروا وإنى جار لكم من كنانة أن تأتيكم من ورائكم ... واجعلوا جدكم وبأسكم على محمد وأصحابه فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ يقول: فلما تزاحفت جنود الله من المؤمنين، وجنود الشيطان من الكافرين، ونظر بعضهم إلى بعض نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ أى: رجع القهقرى على قفاه هاربا.. وقال للمشركين إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ يعنى أنه يرى الملائكة الذين بعثهم الله مددا للمؤمنين، والمشركون لا يرونهم .
وابن كثير يقول: وقوله- تعالى- وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ ... الآية.
أى: حسن لهم- لعنه الله- ما جاءوا له، وما هموا به. وذلك أنه تبدى لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم سيد بنى مدلج.. ثم قال: فلما رأى إبليس الملائكة نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وقال إنى برىء منكم إنى أرى ما لا ترون، وهو في صورة سراقة، وأقبل أبو جهل يحض أصحابه ويقول لهم: لا يهولنكم خذلان سراقة إياكم، فإنه كان على موعد من محمد وأصحابه..» .
ومن هذا يتضح أن هذين الإمامين الجليلين يسيران في تفسيرهما للآية الكريمة، على أن التزيين كان حسيا، ويهملان القول بغير ذلك وممن تابعهما في هذا الإمام القرطبي، فقد ذكر بعض الروايات التي وردت في معنى الآية، والتي صرحت بأن الشيطان قد تمثل للمشركين في صورة إنسان، وبنى تفسيره للآية على ذلك. .
وقد خالف صاحب المنار هؤلاء الأئمة، فرجح القول الأول وهو أن التزيين لم يكن حسيا، أى أن ما قاله الشيطان لهم من قبيل الوسوسة، وأنه لم يتمثل لهم في صورة إنسان.
فقد قال- رحمه الله- قوله: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ ... أى: واذكر أيها الرسول للمؤمنين إذ زين الشيطان لهؤلاء المشركين أعمالهم بوسوسته، وقال لهم بما ألقاه في هواجسهم لا غالب لكم اليوم من الناس.
فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ أى: فلما قرب كل من الفريقين من الآخر.
نكص، أى: رجع القهقرى.. والمراد أنه كف عن تزيينه لهم، وتغريره إياهم، فخرج الكلام مخرج التمثيل بتشبيه وسوسته بما ذكر بحال المقبل على الشيء، وتركها بحال من ينكص عنه ويوليه دبره، ثم زاد على هذا ما يدل على براءته منهم، وتركه إياهم وشأنهم، وهو وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ أى: تبرأ منهم وخاف عليهم، وأيس من حالهم لما رأى إمداد الله المسلمين بالملائكة.
ثم قال- بعد أن ضعف الروايات التي أوردها ابن جرير وابن كثير- والمختار عندنا في تفسير الآية أن الشيطان ألقى في قلوب المشركين أن أحدا لن يغلبهم.. .
والخلاصة: أننا بمراجعتنا لأقوال المفسرين في كيفية تزيين الشيطان للمشركين، تراهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:
(أ) قسم منهم ذكر القولين السابقين في كيفية التزيين دون أن يرجح أحدهما على الآخر، وممن فعل ذلك الزمخشري، والفخر الرازي والآلوسى.
(ب) وقسم منهم سار في تفسيره على أن التزيين كان حسيا، بمعنى أن الشيطان تمثل للمشركين في صورة إنسان وقال لهم ما قال، وأهمل القول بأن التزيين لم يكن حسيا، وممن فعل ذلك ابن جرير، وابن كثير، والقرطبي.
(ج) وقسم منهم رجح أن التزيين لم يكن حسيا، بل كان عن طريق الوسوسة، وأن الشيطان ما تمثل للمشركين في صورة إنسان، وقد سار في هذا الاتجاه صاحب المنار مشككا في صحة ما سواه.
والذي نراه بعد هذا العرض لأقوال المفسرين: أن الآية الكريمة صريحة في أن الشيطان قد زين للمشركين أعمالهم، وأنه قد قال لهم- ما حكاه القرآن عنه: لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ وأنه حين تراءى الجمعان كذب فعله قوله، فقد نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وقال للمشركين الذين وعدهم ومناهم بالنصر إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ.
ومن العسير علينا بعد ذلك أن نحدد تحديدا قاطعا كيفية هذا التزيين والقول والنكوص:
أهو حسى أم غير حسى لأن التحديد القاطع لا بد أن يستند إلى نص صريح في دلالته على المعنى المراد، وصحيح في نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا النص غير موجود، لأن الحديث الذي أخرجه الإمام مالك في موطئه- والذي سبق أن ذكرناه- قال عنه ابن كثير وابن حجر إنه حديث مرسل، وزيادة على ذلك ففي بعض رجاله من هو ضعيف الحديث كابن الماجشون، ولأن الروايات التي رويت في تمثيل الشيطان بصورة سراقة قد جاء معظمها عن ابن عباس، وابن عباس- كما يقول صاحب المنار- كان سنه يوم بدر خمس سنين. فروايته لأخبارها منقطعة.
إذا فنحن نؤمن بما أثبته القرآن من أن الشيطان قد زين للمشركين أعمالهم، وأنه قد قال لهم ما قاله- مما حكاه القرآن عنه-، وأنه قد نكص على عقبيه.. إلا أننا لا نستطيع أن نحدد كيفية ذلك.
ويعجبني في هذا المقام قول بعض الكاتبين عند تفسيره لهذه الآية: «وفي هذا الحادث نص قرآنى يثبت منه أن الشيطان زين للمشركين أعمالهم، وشجعهم على الخروج ... وأنه بعد ذلك «نكص على عقبيه..» فخذلهم وتركهم يلاقون مصيرهم وحدهم.
ولكننا لا نعلم الكيفية التي زين لهم بها أعمالهم والتي قال لهم بها: لا غالب لكم اليوم من الناس ... والتي نكص بها كذلك.
الكيفية فقط هي التي لا نجزم بها. ذلك أن أمر الشيطان كله غيب، ولا سبيل لنا إلى الجزم بشيء من أمره إلا بنص قرآنى أو حديث نبوي صحيح، والنص هنا لا يذكر الكيفية إنما يثبت الحادث.
فإلى هنا ينتهى اجتهادنا، ولا نميل إلى المنهج الذي تتخذه مدرسة الشيخ محمد عبده في محاولة تأويل كل أمر غيبي من هذا القبيل تأويلا معينا ينفى الحركة الحسية عن هذه العوالم، وذلك كقول الشيخ رشيد رضا في تفسير الآية.
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ ... واذكر أيها الرسول للمؤمنين إذ زين الشيطان لهؤلاء المشركين أعمالهم بوسوسته، وقال لهم بما ألقاه في هواجسهم: لا غالب لكم اليوم من الناس ... إلخ ما ذكره الشيخ رشيد في تفسير الآية .
- البغوى : وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ
قوله تعالى : ( وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم ) وكان تزيينه أن قريشا لما اجتمعت للسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر من الحرب ، فكاد ذلك أن يثنيهم فجاء إبليس في جند من الشياطين معه رايته ، فتبدى لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، ( وقال ) لهم ( لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ) أي : مجير لكم من كنانة ، ( فلما تراءت الفئتان ) أي التقى الجمعان رأى إبليس الملائكة نزلوا من السماء علم أنه لا طاقة له بهم ، ( نكص على عقبيه ) قال الضحاك : ولى مدبرا . وقال النضر بن شميل : رجع القهقرى على قفاه هاربا . قال الكلبي : لما التقوا كان إبليس في صف المشركين على صورة سراقة آخذا بيد الحارث بن هشام ، فنكص على عقبيه ، فقال له الحارث : أفرارا من غير قتال؟ فجعل يمسكه فدفع في صدره وانطلق وانهزم الناس ، فلما قدموا مكة قالوا هزم الناس سراقة ، فبلغ ذلك سراقة ، فقال : بلغني أنكم تقولون : إني هزمت الناس ، فوالله ما شعرت بمسيركم ، حتى بلغني هزيمتكم! فقالوا : أما أتيتنا في يوم كذا؟ فحلف لهم . فلما أسلموا علموا أن ذلك كان الشيطان .
قال الحسن في قوله : ( وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون ) قال : رأى إبليس جبريل متعجرا ببرد يمشي بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفي يده اللجام يقود الفرس ، ما ركب .
وقال قتادة : كان إبليس يقول : إني أرى ما لا ترون وصدق . وقال ( إني أخاف الله ) وكذب والله ما به من مخافة الله ، ولكن علم أنه لا قوة به ولا منعة فأوردهم وأسلمهم ، وذلك عادة عدو الله لمن أطاعه ، إذا التقى الحق والباطل أسلمهم وتبرأ منهم .
وقال عطاء : إني أخاف الله أن يهلكني فيمن يهلك .
وقال الكلبي : خاف أن يأخذه جبريل عليه السلام ويعرف حاله فلا يطيعوه .
وقيل : معناه إني أخاف الله أي أعلم صدق وعده لأوليائه لأنه كان على ثقة من أمره .
( والله شديد العقاب ) وقيل : معناه إني أخاف الله عليكم والله شديد العقاب . وقيل : انقطع الكلام عند قوله أخاف الله ثم يقول الله : والله شديد العقاب .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن إبراهيم بن أبي علية ، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه يوم عرفة ، وما ذاك إلا لما يرى من تنزل الرحمة وتجاوز الله تعالى عن الذنوب العظام ، إلا ما كان من يوم بدر " ، فقيل : وما رأى يوم بدر؟ قال : " أما إنه قد رأى جبريل عليه السلام وهو يزع الملائكة " . هذا حديث مرسل .
- ابن كثير : وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ
وقوله : ( وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ) الآية ، حسن لهم - لعنه الله - ما جاءوا له وما هموا به ، وأطمعهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس ، ونفى عنهم الخشية من أن يؤتوا في ديارهم من عدوهم بني بكر فقال : أنا جار لكم ، وذلك أنه تبدى لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، سيد بني مدلج ، كبير تلك الناحية ، وكل ذلك منه ، كما قال [ الله ] تعالى عنه : ( يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ) [ النساء : 120 ] .
قال ابن جريج قال ابن عباس في هذه الآية : لما كان يوم بدر سار إبليس برايته وجنوده مع المشركين ، وألقى في قلوب المشركين أن أحدا لن يغلبكم ، وإني جار لكم . فلما التقوا ، ونظر الشيطان إلى إمداد الملائكة ، ( نكص على عقبيه ) قال : رجع مدبرا ، وقال : ( إني أرى ما لا ترون ) الآية .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين ، معه رايته ، في صورة رجل من بني مدلج ، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، فقال الشيطان للمشركين : ( لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ) فلما اصطف الناس أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبضة من التراب فرمى بها في وجوه المشركين ، فولوا مدبرين وأقبل جبريل ، عليه السلام ، إلى إبليس ، فلما رآه - وكانت يده في يد رجل من المشركين - انتزع يده ثم ولى مدبرا هو وشيعته ، فقال الرجل : يا سراقة ، أتزعم أنك لنا جار ؟ فقال : ( إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب ) وذلك حين رأى الملائكة .
وقال محمد بن إسحاق : حدثني الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ؛ أن إبليس خرج مع قريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، فلما حضر القتال ورأى الملائكة ، نكص على عقبيه ، وقال : ( إني بريء منكم ) فتشبث الحارث بن هشام فنخر في وجهه ، فخر صعقا ، فقيل له : ويلك يا سراقة ، على هذه الحال تخذلنا وتبرأ منا . فقال : ( إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب )
وقال محمد بن عمر الواقدي : أخبرني عمر بن عقبة ، عن شعبة - مولى ابن عباس - عن ابن عباس قال : لما تواقف الناس أغمي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساعة ثم كشف عنه ، فبشر الناس بجبريل في جند من الملائكة ميمنة الناس ، وميكائيل في جند آخر ميسرة الناس ، وإسرافيل في جند آخر ألف . وإبليس قد تصور في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي ، يدبر المشركين ويخبرهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس . فلما أبصر عدو الله الملائكة ، نكص على عقبيه ، وقال : ( إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون ) فتشبث به الحارث بن هشام ، وهو يرى أنه سراقة لما سمع من كلامه ، فضرب في صدر الحارث ، فسقط الحارث ، وانطلق إبليس لا يرى حتى سقط في البحر ، ورفع ثوبه وقال : يا رب ، موعدك الذي وعدتني .
وفي الطبراني عن رفاعة بن رافع قريب من هذا السياق وأبسط منه ذكرناه في السيرة .
وقال محمد بن إسحاق : حدثني يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير قال : لما أجمعت قريش المسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر من الحرب ، فكاد ذلك أن يثنيهم ، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي - وكان من أشراف بني كنانة - فقال : أنا جار لكم أن تأتيكم كنانة بشيء تكرهونه ، فخرجوا سراعا .
قال محمد بن إسحاق : فذكر لي أنهم كانوا يرونه في كل منزل في صورة سراقة بن مالك لا ينكرونه ، حتى إذا كان يوم بدر والتقى الجمعان ، كان الذي رآه حين نكص الحارث بن هشام - أو : عمير بن وهب - فقال : أين ، أي سراق ؟ ومثل عدو الله فذهب - قال : فأوردهم ثم أسلمهم - قال : ونظر عدو الله إلى جنود الله ، قد أيد الله بهم رسوله والمؤمنين فانتكص على عقبيه ، وقال : ( إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون ) وصدق عدو الله ، وقال : ( إني أخاف الله والله شديد العقاب ) وهكذا روي عن السدي ، والضحاك ، والحسن البصري ، ومحمد بن كعب القرظي ، وغيرهم ، رحمهم الله .
وقال قتادة : وذكر لنا أنه رأى جبريل ، عليه السلام ، تنزل معه الملائكة ، فعلم عدو الله أنه لا يدان له بالملائكة فقال : ( إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله ) وكذب عدو الله ، والله ما به مخافة الله ، ولكن علم أنه لا قوة له ولا منعة ، وتلك عادة عدو الله لمن أطاعه واستقاد له ، حتى إذا التقى الحق والباطل أسلمهم شر مسلم ، وتبرأ منهم عند ذلك .
قلت : يعني بعادته لمن أطاعه قوله تعالى : ( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله ) [ الحشر : 16 ] ، وقوله تعالى : ( وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم 4 75 وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم ) [ إبراهيم : 22 ] .
وقال يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ، عن بعض بني ساعدة قال : سمعت أبا أسيد مالك بن ربيعة بعدما أصيب بصره يقول : لو كنت معكم الآن ببدر ومعي بصري ، لأخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك ولا أتمارى .
فلما نزلت الملائكة ورآها إبليس ، وأوحى الله إليهم : أني معكم فثبتوا الذين آمنوا ، وتثبيتهم أن الملائكة كانت تأتي الرجل في صورة الرجل يعرفه ، فيقول له : أبشر فإنهم ليسوا بشيء ، والله معكم ، كروا عليهم . فلما رأى إبليس الملائكة نكص على عقبيه ، وقال : ( إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون ) وهو في صورة سراقة ، وأقبل أبو جهل يحضض أصحابه ويقول : لا يهولنكم خذلان سراقة إياكم ، فإنه كان على موعد من محمد وأصحابه . ثم قال : واللات والعزى لا نرجع حتى نقرن محمدا وأصحابه في الحبال ، فلا تقتلوهم وخذوهم أخذا . وهذا من أبي جهل لعنه الله كقول فرعون للسحرة لما أسلموا : ( إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها ) [ الأعراف : 123 ] ، وكقوله ( إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ) [ طه : 71 ] ، وهو من باب البهت والافتراء ، ولهذا كان أبو جهل فرعون هذه الأمة .
وقال مالك بن أنس ، عن إبراهيم بن أبي عبلة عن طلحة بن عبيد الله بن كريز ؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما رئي إبليس في يوم هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وذلك مما يرى من تنزل الرحمة والعفو عن الذنوب إلا ما رأى يوم بدر . قالوا : يا رسول الله ، وما رأى يوم بدر ؟ قال : أما إنه رأى جبريل ، عليه السلام ، يزع الملائكة .
هذا مرسل من هذا الوجه .
- القرطبى : وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ
قوله تعالى وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب روي أن الشيطان تمثل لهم يومئذ في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، وهو من بني بكر بن كنانة ، وكانت قريش تخاف من بني بكر أن يأتوهم من ورائهم ، لأنهم قتلوا رجلا منهم . فلما تمثل لهم قال ما أخبر الله به عنه . وقال الضحاك : جاءهم إبليس يوم بدر برايته وجنوده ، وألقى في قلوبهم أنهم لن يهزموا وهم يقاتلون على دين آبائهم . وعن ابن عباس قال : أمد الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بألف من الملائكة ، فكان جبريل عليه السلام في خمسمائة من الملائكة مجنبة ، وميكائيل في خمسمائة من الملائكة مجنبة . وجاء إبليس في جند من الشياطين ومعه راية في صورة رجال من بني مدلج ، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم . فقال الشيطان للمشركين : لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ، فلما اصطف القوم قال أبو جهل : اللهم أولانا بالحق فانصره . ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقال : يا رب إنك إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا . فقال جبريل : خذ قبضة من التراب فأخذ قبضة من التراب فرمى بها وجوههم ، فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه . فولوا مدبرين ، وأقبل جبريل عليه السلام إلى إبليس فلما رآه كانت يده في يد رجل من المشركين انتزع إبليس يده ثم ولى مدبرا وشيعته ، فقال له الرجل : يا سراقة ، ألم تزعم أنك لنا جار ، قال : إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون . ذكره البيهقي وغيره . وفي موطأ مالك عن إبراهيم بن أبي عبلة عن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما رأى الشيطان نفسه يوما هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما رأى يوم بدر . قيل : وما رأى يوم بدر يا رسول الله ؟ قال : أما إنه رأى جبريل يزع الملائكة . ومعنى نكص : رجع بلغة سليم ، عن مؤرج وغيره . وقال الشاعر :
ليس النكوص على الأدبار مكرمة إن المكارم إقدام على الأسل
وقال آخر :
وما ينفع المستأخرين نكوصهم ولا ضر أهل السابقات التقدم
وليس هاهنا قهقرى بل هو فرار ، كما قال : إذا سمع الأذان أدبر وله ضراط .
إني أخاف الله قيل : خاف إبليس أن يكون يوم بدر اليوم الذي أنظر إليه . وقيل : كذب إبليس في قوله : إني أخاف الله ولكن علم أنه لا قوة له .
ويجمع جار على أجوار وجيران ، وفي القليل جيرة .
- الطبرى : وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ
القول في تأويل قوله : وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48)
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم)، وحين زين لهم الشيطان أعمالهم، وكان تزيينه ذلك لهم، (21) كما:-
16183- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قال: جاء إبليس يوم بدر في جُنْد من الشياطين، معه رايته، في صورة رجل من بني مُدلج، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم, (22) فقال الشيطان للمشركين: ( لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ). فلما اصطف الناس, أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضةً من التراب فرمى بها في وجوه المشركين, فولَّوا مدبرين. وأقبل جبريل إلى إبليس, فلما رآه, وكانت يده في يد رجل من المشركين, انتزع. إبليس يده فولَّى مدبرًا هو وشيعته, فقال الرجل: يا سراقة، تزعم أنك لنا جار؟ قال: ( إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب)، وذلك حين رأى الملائكة.
16184- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا، أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط, عن السدي قال: أتى المشركين إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الكنانيّ الشاعر، ثم المدلجي, فجاء على فرس، فقال للمشركين: (لا غالب لكم اليوم من الناس) ! فقالوا: ومن أنت؟ قال: أنا جاركم سراقة, وهؤلاء كنانة قد أتوكم!
16185- حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلمة قال، قال ابن إسحاق, حدثني يزيد بن رومان, عن عروة بن الزبير قال: لما أجمعت قريش المسير، ذكرت الذي بينها وبين بني بكر =يعني من الحرب= فكاد ذلك أن يثنيهم, (23) فتبدّى لهم إبليس في صورة سراقة [بن مالك] بن جعشم المدلجيّ, وكان من أشراف بني كنانة, فقال: " أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة [من خلفكم بشيء] تكرهونه "! فخرجوا سراعا. (24)
16186- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة قال، قال ابن إسحاق في قوله: (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم)، فذكر استدراج إبليس إياهم، وتشبهه بسراقة بن مالك بن جعشم لهم، (25) حين ذكروا ما بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة في الحرب التي كانت بينهم، (26) يقول الله: (فلما تراءت الفئتان)، ونظر عدوّ الله إلى جنود الله من الملائكة قد أيَّد الله بهم رسوله والمؤمنين على عدوهم =(نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون)، وصدق عدوّ الله، إنه رأى ما لا يرون= وقال: (إني أخاف الله والله شديد العقاب) , فأوردهم ثم أسلمهم. قال: فذكر لي أنهم كانوا يرونه في كل منـزل في صورة سراقة بن مالك بن جعشم لا ينكرونه. حتى إذا كان يوم بدر والتقى الجمعان, كان الذي رآه حين نكص: " الحارث بن هشام " أو: " عمير بن وهب الجمحي", فذُكر أحدهما، فقال: أينَ، أيْ سُرَاقَ! ، (27) ومثَل عدوُّ الله فذهب. (28)
16187- حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم)، إلى قوله: (شديد العقاب)، قال: ذُكر لنا أنه رأى جبريل تنـزل معه الملائكة, فزعم عدو الله أنه لا يَدَيْ له بالملائكة, وقال: (إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله)، وكذب والله عدو الله, ما به مخافة الله, ولكن علم أن لا قوة له ولا منعة له, وتلك عادة عدو الله لمن أطاعه واستقاد له, (29) حتى إذا التقى الحق والباطل أسلمهم شر مُسْلَم، (30) وتبرأ منهم عند ذلك.
16188- حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم) الآية, قال: لما كان يوم بدر, سار إبليس برايته وجنوده مع المشركين, وألقى في قلوب المشركين: أنّ أحدًا لن يغلبكم، وإني جار لكم! فلما التقوا، ونظر الشيطان إلى أمداد الملائكة، نكص على عقبيه =قال: رجع مدبرًا= وقال: (إني أرى ما لا ترون)، الآية.
16189- حدثنا أحمد بن الفرج قال، حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون قال، حدثنا مالك, عن إبراهيم بن أبي عبلة, عن طلحة بن عبيد الله بن كريز: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما رؤي إبليس يومًا هو فيه أصغرُ، ولا أحقرُ، ولا أدحرُ، ولا أغيظُ من يوم عرفة, وذلك مما يرى من تنـزيل الرحمة والعفو عن الذنوب, إلا ما رأى يوم بدر! قالوا: يا رسول الله، وما رأى يوم بدر؟ قال: " أما إنه رأى جبريل يَزَعُ الملائكة ". (31)
16190- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سليمان بن المغيرة, عن حميد بن هلال, عن الحسن في قوله: (إني أرى ما لا ترون) قال: رأى جبريل معتجرًا ببُرْدٍ، (32) يمشي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم , وفي يده اللجام, ما رَكبَ.
16191- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا هاشم بن القاسم قال، حدثنا سليمان بن المغيرة, عن حميد بن هلال قال: قال الحسن، وتلا هذه الآية: (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم) الآية, قال: سار إبليس مع المشركين ببدر برايته وجنوده, وألقى في قلوب المشركين أن أحدًا لن يغلبكم وأنتم تقاتلون على دين آبائكم, (33) ولن تغلبوا كثرةً! فلما التقوا نكص على عقبيه =يقول: رجع مدبرًا= وقال: (إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون)، يعني الملائكة.
16192- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر, عن محمد بن كعب قال: لما أجمعت قريش على السير قالوا: إنما نتخوف من بني بكر! فقال لهم إبليس، في صورة سراقة بن مالك بن جعشم: أنا جار لكم من بني بكر, ولا غالب لكم اليوم من الناس.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: ( وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ) في هذه الأحوال =وحين زين لهم الشيطان خروجهم إليكم، أيها المؤمنون، لحربكم وقتالكم وحسَّن ذلك لهم وحثهم عليكم، وقال لهم: لا غالب لكم اليوم من بني آدم, فاطمئنوا وأبشروا =(وإني جار لكم) ، من كنانة أن تأتيكم من ورائكم فمعيذكم، (34) أجيركم وأمنعكم منهم, فلا تخافوهم, واجعلوا حدَّكم وبأسكم على محمد وأصحابه (35) =(فلما تراءت الفئتان)، يقول: فلما تزاحفت جنود الله من المؤمنين وجنود الشيطان من المشركين, ونظر بعضهم إلى بعض=(نكص على عقبيه)، يقول: رجع القهقري على قفاه هاربًا. (36)
* * *
يقال منه: " نكص ينكُص وينكِص نكوصًا ", ومنه قول زهير:
هُـمْ يَضْرِبُـونَ حَبِيكَ البَيْضِ إِذْ لَحِقُوا
لا يَنْكُصُـون, إِذَا مَـا اسْتُلْحِمُوا وَحَمُوا (37)
وقال للمشركين: (إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون)، يعني أنه يرى الملائكة الذين بعثهم الله مددًا للمؤمنين, والمشركون لا يرونهم (38) = إني أخاف عقاب الله، وكذب عدوُّ الله=(والله شديد العقاب) . (39)
----------------------
الهوامش :
(21) انظر تفسير " زين " فيما سلف 12 : 136 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(22) في المطبوعة ، حذف قوله : " والشيطان " ، وساق الكلام سياقًا واحدًا .
(23) في المطبوعة : " أن يثبطهم " ، غير ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما في السيرة .
(24) الأثر : 16185 - سيرة ابن هشام 2 : 263 ، والزيادة بين الأقواس منها .
(25) في المطبوعة ، حذف " لهم " ، وهي ثابتة في المخطوطة وسيرة ابن هشام .
(26) في المطبوعة : " من الحرب " ، غير ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما في سيرة ابن هشام . والناشر كما تعلم وترى ، كثير العبث بكلام أهل العلم .
(27) هذه الجملة والتي تليها غيرها الناشر كل التغير ، فكتب : " فقال : أين سراقة ! أسلمنا عدو الله وذهب " . والذي في المخطوطة مطابق لما في سيرة ابن هشام " . وقوله : " مثل " ، أي : انتصب ونهض .
(28) الأثر : 16186 - سيرة ابن هشام 2 : 318 ، 319 ، وأخر صدر الخبر فجعله في آخره . وهذا الخبر لم يروه ابن هشام في سياق تفسير هذه الآيات في سيرته 2 : 329 ، تابعًا للأثر السالف رقم : 16173 ، بل ذكر الآية ثم قال : "
وقد مضى تفسير هذه الآية " .(29) في المطبوعة : "
واستعاذ به " ، غير ما في المخطوطة بسوء أمانته ورأيه . و " استقاد له " ، انقاد له وأطاعه .(30) "
مسلم " ( بضم فسكون ففتح ) مصدر ميمي ، بمعنى " الإسلام " .(31) الأثر : 16189 - رواه مالك في الموطأ : 422 ، بنحو هذا اللفظ ، وانظر التقصي لابن عبد البر : 12 ، 13 .
"
أحمد بن الفرج بن سليمان الحمصي " ، شيخ الطبري ، مضى برقم : 6899 ، 15377 . و " عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون التيمي " ، فقيه المدينة ومفتيها في زمانه ، وهو فقيه ابن فقيه ، وهو ضعيف الحديث . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 2 358 .و "
إبراهيم بن أبي عبلة الرملي " ، مضى برقم : 11014 .و "
طلحة بن عبيد الله بن كريز بن جابر الكعبي " ، كان قليل الحديث ، مضى برقم : 15585 .هذا خبر مرسل .
وقوله : "
يزع الملائكة " ، أي : يرتبهم ويسويهم ، ويصفهم للحرب ، فكأنه يكفهم عن التفرق والانتشار ، و " الوازع " ، هو المقدم على الجيش ، الموكل بالصفوف وتدبير أمرهم ، وترتيبهم في قتال العدو . من قولهم : " وزعه " ، أي : كفه وحبسه عن فعل أو غيره .(32) "
الاعتجار " ، هو لف العمامة على استدارة الرأس ، من غير إدارة تحت الحنك . وإدارتها تحت الحنك هو " التلحي " ( بتشديد الحاء ) .(33) في المطبوعة : "
لن يغلبكم " ، وأثبت ما في المخطوطة .(34) في المطبوعة : "
فيغيركم " ، ومثلها في المخطوطة غير منقوطة ، وهذا صواب قراءتها بعد إصلاح فسادها .(35) في المطبوعة : "
جدكم " بالجيم ، وانظر ما سلف ج 13 ص : 577 ، تعليق : 1 .(36) انظر تفسير "
العقب " فيما سلف 3 : 163 11 : 450 .(37) ديوانه : 159 ، من قصيدته في هرم بن سنان ، وهي من جياد شعره . و "
حبيك البيض " ، طرائق حديده . و " البيض " جمع " بيضة " ، هي الخوذة من سلاح المحارب ، على شكل بيضة النعام ، يلبسها الفارس على رأسه لتقيه ضرب السيوف والرماح . و " استلحم الرجل " ( بالبناء للمجهول ) : إذا نشب في ملحمة القتال ، فلم يجد مخلصًا . وقوله : " وحموا " ، من قولهم : " حمى من الشيء حمية ومحمية " ، إذا فارت نفسه وغلت ، وأنف أن يقبل ما يراد به من ضيم ، ومنه : " أنف حمى " .(38) انظر تفسير "
بريء " فيما سلف من فهارس اللغة ( برأ ) .(39) انظر تفسير "
شديد العقاب " فيما سلف من فهارس اللغة ( عقب ) . - ابن عاشور : وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ
{ وإذ زين } عطف على { وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً } [ الأنفال : 44 ] الآية . وما بينهما اعتراض ، رُتّب نظمه على أسلوبه العجيب؛ ليقع هذا الظرف عقب تلك الجمل المعتَرضة ، فيكون له إتمام المناسبة بحكاية خروجهم وأحوالِه ، فإنّه من عجيب صنع الله فيما عرض للمشركين من الأحوال في خروجهم إلى بدر ، ممّا كان فيه سبب نصر المسلمين ، وليقع قوله : { ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم } [ الأنفال : 47 ] عَقِب أمر المسلمين بما ينبغي لهم عند اللقاء ، ليجمع لهم بين الأمر بما ينبغي والتحذير ممّا لا ينبغي ، وترك التشبه بمن لا يرتضَى ، فيتمّ هذا الأسلوب البديع المحكمُ الانتظاممِ .
وأشارت هاته الآية إلى أمر عجيب كان من أسباب خِذلان المشركين إذ صرف الله عن المسلمين كيداً لهم حين وسوس الشيطان لسراقَةَ بننِ مالك بن جعْشُم الكناني أن يجيء في جيش من قومه بني كنانة لنصر المشركين حين خرجوا للدفاع عن عِيرهم ، فألقى الله في رُوع سراقة من الخوف ، ما أوجب انخزاله وجيشه عن نصر المشركين ، وأفسد الله كيد الشيطان بما قذفه الله في نفس سُراقة من الخوف وذلك أنّ قريشاً لمّا أجمعوا أمرهم على السير إلى إنقاذ العِير ذكروا ما كان بينهم وبين كنانة من الحرب فكاد أن يثبّطهم عن الخروج ، فلقيهم في مسيرهم سُراقة بن مالك في جند معه راية وقال لهم : لا غالب لكم اليوم ، وإنّي مجيركم من كنانة ، فقوي عزم قريش على المسير ، فلمّا أمعنوا السير وتقارَبَ المشركون من منازل جيش المسلمين ، ورأى سُراقة الجيشين ، نكص سُراقة بمن معه وانطلقوا ، فقال له الحارث بن هشام ، أخُو أبي جهل : «إلى أينَ أتخذلنا في هذه الحال» فقال سراقة «إني أرى ما لا ترون» فكان ذلك من أسباب عزم قريش على الخروج والمسير ، حتّى لقوا هزيمتهم التي كتب الله لهم في بدر ، وكان خروج سُراقة ومن معه بوسوسة من الشيطان ، لئلا ينثني قريش عن الخروج ، وكان انخزال سراقة بتقدير من الله ليتمّ نصر المسلمين ، وكان خاطر رجوع سراقة خاطراً ملَكياً ساقه الله إليه؛ لأنّ سراقة لم يزل يتردّد في أن يسلم منذ يوم لقائه رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة ، حين شاهد معجزة سَوْخ قوائم فرسه في الأرض ، وأخذِه الأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورويت له أبيات خاطب بها أبا جهل في قضيته في يوم الهجرة ، وما زال به ذلك حتى أسلم يوم الفتح .
وتزيين الشيطان للمشركين أعمالهم ، يجوز أن يكون إسناداً مجازياً ، وإنّما المزيّن لهم سُراقة بإغراء الشيطان ، بما سوّل إلى سراقة بن مالك من تثبيته المشركين على المضي في طريقهم لإنقاذ عيرهم ، وأن لا يخشوا غَدْر كنانة بهم ، وقيل تمثّل الشّيطان للمشركين في صورة سراقة ، وليس تمثّل الشيطان وجنده بصورة سراقة وجيشه بمروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنّما روي ذلك عن قول ابن عبّاس ، وتأويلُ ذلك : أنّ ما صدر من سراقة كان بوسوسة من الشيطان ، ويجوز أن يكون اسم الشيطان أطلق على سراقة لأنّه فعل فعل الشيطان كما يقولون : فلان من شياطين العرب ويجوز أن يكون إسناداً حقيقاً أي زيّن لهم في نفوسهم بخواطر وسوسته ، وكذلك إسناد قوله : { لا غالب لكم } إليه مجاز عقلي باعتبار صدور القول والنكوص من سُراقة المتأثر بوسوسة الشيطان .
وكذلك قوله : { إني أرى ما لا ترون }.
وقوله : { إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون } إن كان من الشيطان فهو قول في نفسه ، وضمير الخطاب التفات استحضرهم كأنّهم يسمعونه ، فقال قوله هذا ، وتكون الرؤية بصرية يعني رأى نزول الملائكة وخاف أن يضرّوه بإذن الله وقوله : { إني أخاف الله } بيان لقوله : { إني أرى ما لا ترون } أي أخاف عقاب الله فيما رأيت من جنود الله . وإن كان ذلك كلّه من قول سراقة فهو إعلان لهم بردّ جواره إيّاهم لئلا يكون خائناً لهم ، لأنّ العرب كانوا إذا أرادوا نقض جوار أعلنوا ذلك لمن أجاروه ، كما فعل ابن الدغنة حين أجار أبا بكر من أذى قريش ثم ردّ جواره من أبي بكر ، ومنه قوله تعالى : { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سوآءٍ إن الله لا يحب الخائنين } [ الأنفال : 58 ] فالمعنى : إنّي بريء من جواركم ، ولذلك قال له الحارث بن هشام : «إلى أين أتخذلنا» فيكون قد اقتصر على تأمينهم من غدر قومه بني كنانة . وتكون الرؤية علمية ومفعولها الثاني محذوفاً اقتصاراً .
وأمّا قوله : { إني أخاف الله والله شديد العقاب } فعلى احتمال أن يكون الإسناد إلى الشيطان حقيقة فالمراد من خوف الله توقع أن يصيبه الله بضرّ ، من نحوِ الرجم بالشهب ، وإن كان مجازاً عقلياً وأنّ حقيقته قول سُراقة فلعلّ سراقة قال قولاً في نفسه ، لأنّه كان عاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يدلّ عليه المشركين ، فلعلّه تذكّر ذلك ورأى أنّ فيما وعد المشركين من الإعانة ضرباً من خيانة العهد فخاف سوء عاقبة الخيانة .
و«التزيين» إظهار الشيء زيْناً ، أي حسناٍ ، وقد تقدّم عند قوله تعالى : { كذلك زينا لكل أمة عملهم } في سورة [ الأنعام : 108 ] ، وفي قوله : { زين للذين كفروا الحياة الدنيا } في سورة [ البقرة : 212 ]. والمعنى : أنّه أراهم حسناً ما يعملونه من الخروج إلى إنقاذ العير ، ثم من إزماع السير إلى بدر .
وتراءت } مفاعلة من الرؤية ، أي رأت كلتا الفئتين الأخرى .
و { نكص على عقبيه } رجع من حيث جاء . وعن مؤرج السدوسي : أنّ نكص رجع بلغة سُليم ، ومصدره النكوص وهو من باب رجع .
وقوله : { على عقبيه } مؤكّد لمعنى نكص إذ النكوص لا يكون إلاّ على العقبين ، لأنّه الرجوع إلى الوراء كقولهم : رجع القهقرى ، ونظيره قوله تعالى في سورة [ المؤمنين : 66 ] : { فكنتم على أعقابكم تنكصون }
و { على } مفيدة للتمكّن من السير بالعقبين . والعقبان : تثنية العقب ، وهو مؤخّر الرجل ، وقد تقدّم في قوله : { ونرد على أعقابنا } في سورة [ الأنعام : 71 ].
والمقصود من ذكر العقبين تفظيع التقهقر لأنّ عقب الرجل أخسّ القوائم لملاقاته الغبار والأوساخ .
- إعراب القرآن : وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ
«وَإِذْ» ظرف متعلق بالفعل المحذوف اذكر. «زَيَّنَ لَهُمُ» فعل ماض تعلق به الجار والمجرور. «الشَّيْطانُ» فاعل «أَعْمالَهُمْ» مفعول به ، والجار والمجرور متعلقان بزين والجملة في محل جر بالإضافة. «وَقالَ» الجملة معطوفة. «لا غالِبَ» لا نافية للجنس. «غالِبَ» اسمها مبني على الفتح. «لَكُمُ» متعلقان بمحذوف خبر لا.
«الْيَوْمَ» متعلقان بمحذوف خبر. «مِنَ النَّاسِ» متعلقان بمحذوف حال. «وَإِنِّي جارٌ» إن والياء اسمها و«جارٌ» خبرها و«لَكُمُ» متعلقان بجار ، والجملة معطوفة. «فَلَمَّا» ظرفية حينية والفاء استئنافية. «تَراءَتِ» فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف المحذوفة لالتقائها ساكنة مع تاء التأنيث. «الْفِئَتانِ» فاعل مرفوع وعلامة رفعه الألف لأنه مثنى والجملة في محل جر بالإضافة. «نَكَصَ» فعل ماض والفاعل ضمير مستتر تقديره هو. «عَلى عَقِبَيْهِ» اسم مجرور وعلامة جره الياء لأنه مثنى ، وحذفت النون للإضافة ، والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. الجملة لا محل لها جواب شرط غير جازم. «وَقالَ» الجملة معطوفة «إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ» مثل إني جار لكم ، والجملة مقول القول. «إِنِّي أَرى » إن والباء اسمها والجملة الفعلية خبرها والجملة الاسمية مقول القول. «ما لا تَرَوْنَ» فعل مضارع والواو فاعل. وما اسم موصول في محل نصب مفعول به والجملة صلة الموصول. «إِنِّي أَخافُ اللَّهَ» جملة أخاف خبر إن. «وَاللَّهُ شَدِيدُ» لفظ الجلالة مبتدأ وشديد خبر. و«الْعِقابِ» الجملة مستأنفة في مجال القول.
- English - Sahih International : And [remember] when Satan made their deeds pleasing to them and said "No one can overcome you today from among the people and indeed I am your protector" But when the two armies sighted each other he turned on his heels and said "Indeed I am disassociated from you Indeed I see what you do not see; indeed I fear Allah And Allah is severe in penalty"
- English - Tafheem -Maududi : وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ(8:48) And recall when Satan made their works seem fair to them and said: 'None shall overcome you today. and I am your supporter.' But when the two armies faced each other, he turned on his heels, and said: 'Surely I am quit of you for I behold that which you do not. Indeed I fear Allah, and Allah is stern in punishment.'
- Français - Hamidullah : Et quand le Diable leur eut embelli leurs actions et dit Nul parmi les humains ne peut vous dominer aujourd'hui et je suis votre soutien Mais lorsque les deux groupes furent en vue l'un de l'autre il tourna les deux talons et dit Je vous désavoue Je vois ce que vous ne voyez pas; je crains Allah et Allah est dur en punition
- Deutsch - Bubenheim & Elyas : Und als der Satan ihnen ihre Werke ausschmückte und sagte "Es gibt heute keinen unter den Menschen der euch besiegen könnte Und ich bin euch ein Beschützer Als aber die beiden Scharen einander sahen machte er auf seinen Fersen kehrt und sagte "Gewiß ich sage mich von euch los Ich sehe was ihr nicht seht Ich fürchte Allah Und Allah ist streng im Bestrafen"
- Spanish - Cortes : Y cuando el Demonio engalanó sus obras y dijo ¡Nadie podrá venceros hoy yo os protejo Pero cuando las dos tropas se divisaron dio media vuelta y dijo Yo no soy responsable de vosotros Veo lo que vosotros no veis Temo a Alá Alá castiga severamente
- Português - El Hayek : E de quando Satanás lhes abrilhantou as ações e lhes disse hoje ninguém poderá vencernos porque estou do vossolado; porém quanto os dois grupos se enfrentaram girou sobre seus calcanhares e disse Estou isento de tudo quanto vossuceda porque eu vejo o que vós não vedes Temo a Deus porque é Severíssimo no castigo
- Россию - Кулиев : Вот дьявол приукрасил для них их деяния и сказал Сегодня никто из людей не одолеет вас Воистину я буду по соседству Но когда два отряда увидели друг друга он повернул вспять и сказал Я не причастен к вам Воистину я вижу то чего вы не видите Я боюсь Аллаха ведь Аллах суров в наказании
- Кулиев -ас-Саади : وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ
Вот дьявол приукрасил для них их деяния и сказал: «Сегодня никто из людей не одолеет вас. Воистину, я буду по соседству». Но когда два отряда увидели друг друга, он повернул вспять и сказал: «Я не причастен к вам. Воистину, я вижу то, чего вы не видите. Я боюсь Аллаха, ведь Аллах суров в наказании».Сатана приукрасил скверные деяния в сердцах многобожников и сказал: «Сегодня никто из людей не сможет одержать над вами верх. Вы многочисленны и хорошо подготовлены к сражению. Мухаммад и его сподвижники не смогут оказать вам сопротивления. Я буду рядом с вами и позабочусь о том, чтобы против вас не сражался никто из тех, кого вы опасаетесь». Иблис явился к курейшитам в облике Сураки б. Малика б. Джушума. Он был выходцем из рода Мудладж, который издавна враждовал с курейшитами. Они опасались, что род Мудладж тоже выступит против них на стороне мусульман, и тогда сатана сказал им: «Я буду рядом с вами. Будьте спокойны и уверены в своей победе». Когда же мусульмане и неверующие завидели друг друга, сатана узрел, как Джибрил выстраивает ангелов. Он сильно перепугался, повернул вспять и сказал обманутым курейшитам: «Я не имею никакого отношения к вам. Я вижу ангелов, которым нельзя оказать сопротивления. Я боюсь того, что Аллах подвергнет меня скорому наказанию в мирской жизни, ведь Он суров в наказании». Возможно, сатана обольщал курейшитов и внушал им дурные мысли о том, что никто не сможет одолеть их и что по соседству у них есть союзники, пока те не дошли до поля битвы. Затем он повернул вспять и отрекся от них. По этому поводу Всевышний сказал: «Они подобны дьяволу, который говорит человеку: “Не веруй!” Когда же тот становится неверующим, он говорит: “Я не причастен к тебе! Я боюсь Аллаха, Господа миров”. Концом тех и других станет попадание в Огонь, в котором они пребудут вечно. Таково воздаяние беззаконникам!» (59:16–17).
- Turkish - Diyanet Isleri : Şeytan onlara işlediklerini güzel gösterdi ve "Bugün insanlardan sizi yenecek kimse yoktur; doğrusu ben de size yardımcıyım" dedi İki ordu karşılaşınca da geri dönüp "Benim sizinle ilgim yok; doğrusu sizin görmediğinizi ben görüyorum ve şüphesiz Allah'tan korkuyorum Allah'ın azabı şiddetlidir" dedi
- Italiano - Piccardo : Satana rese belle [ai loro occhi] le azioni loro e disse “Oggi nessuno può sconfiggervi Sono io il vostro patrono” Quando poi le due schiere si trovarono di fronte voltò le spalle e disse “Io vi sconfesso Vedo cose che voi non vedete; io temo Allah Allah è severo nel castigo”
- كوردى - برهان محمد أمين : کاتێکیش شهیتان بهوهسوهسه و خهیاڵ ههموو کردهوه ناپهسهندو ناڕهواکانی بۆ ڕازاندنهوه وتی ئهمڕۆ هیچ کهس دهرهقهتی ئێوه نایهت و دڵنیابن منیش پشت و پهنام بۆ ئێوه جا کاتێک ئهو دوو لهشکره یهکتریان بینی دهستبهجێ شهیتان پاشهو پاش گهڕایهوهو وتی بهڕاستی من بهریم له ئێوه چونکه بهڕاستی ئهوهی من دهیبینم ئێوه نایبینن دیاره که شهیتان بینیوویهتی چۆن فریشته دهسته دهسته دادهبهزن بۆ یارمهتی ئیمانداران بۆیه له ترسا وتی بێگومان من له خوا دهترسم خوایش زۆر سهخت و به زهبره له تۆڵهدا
- اردو - جالندربرى : اور جب شیطانوں نے ان کے اعمال ان کو اراستہ کر کے دکھائے اور کہا کہ اج کے دن لوگوں میں کوئی تم پر غالب نہ ہوگا اور میں تمہارا رفیق ہوں لیکن جب دونوں فوجیں ایک دوسرے کے مقابل صف اراء ہوئیں تو پسپا ہو کر چل دیا اور کہنے لگا کہ مجھے تم سے کوئی واسطہ نہیں۔ میں تو ایسی چیزیں دیکھ رہا ہوں جو تم نہیں دیکھ سکتے۔ مجھے تو خدا سے ڈر لگتا ہے۔ اور خدا سخت عذاب کرنے والا ہے
- Bosanski - Korkut : I kada im je šejtan kao lijepe njihove postupke predstavio i rekao "Niko vas danas ne može pobijediti i ja sam vaš zaštitnik" – onda je on kada su se dva protivnička tabora sukobila natrag uzmaknuo i rekao "Ja nemam ništa s vama ja vidim ono što vi ne vidite i ja se bojim Allaha jer Allah strašno kažnjava"
- Swedish - Bernström : Och Djävulen som visade dem deras [onda] handlingar i ett fördelaktigt ljus sade "Ingen kan i dag besegra er eftersom jag står vid er sida" Men när de två härarna kom inom synhåll för varandra vände han sig bort och sade "Jag avsäger mig allt ansvar för [vad som kommer att hända] er; jag ser vad ni inte kan se och jag fruktar Gud Gud straffar med stränghet"
- Indonesia - Bahasa Indonesia : Dan ketika syaitan menjadikan mereka memandang baik pekerjaan mereka dan mengatakan "Tidak ada seorang manusiapun yang dapat menang terhadapmu pada hari ini dan sesungguhnya saya ini adalah pelindungmu" Maka tatkala kedua pasukan itu telah dapat saling lihat melihat berhadapan syaitan itu balik ke belakang seraya berkata "Sesungguhnya saya berlepas diri daripada kamu sesungguhnya saya dapat melihat apa yang kamu sekalian tidak dapat melihat; sesungguhnya saya takut kepada Allah" Dan Allah sangat keras siksaNya
- Indonesia - Tafsir Jalalayn : وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ
(Dan) ingatlah (ketika setan menjadikan mereka memandang baik) yakni iblis (pekerjaan mereka) iblis memberikan semangat kepada mereka untuk menghadapi kaum Muslimin, hal itu dilakukannya ketika mereka merasa takut untuk keluar berperang melawan musuh-musuh mereka Bani Bakar (dan mengatakan,) kepada mereka ("Tidak ada seorang manusia pun yang dapat menang terhadap kalian pada hari ini, dan sesungguhnya aku ini adalah pelindung kalian.") iblis mendatangi mereka dalam bentuk seseorang dari kalangan kabilah Kinanah, yaitu berupa Suraqah bin Malik pemimpin dari orang-orang Kinanah. (Maka tatkala saling lihat-melihat) saling berhadap-hadapan (kedua pasukan itu) pasukan kaum Muslimin dan pasukan kaum kafir dan iblis melihat malaikat berada pada pihak pasukan kaum Muslimin sedangkan pada saat itu tangannya diapit oleh tangan Harits bin Hisyam (setan itu berbalik) kembali (ke belakang) lari (seraya berkata,) tatkala mereka, yaitu pasukan kaum kafir berkata kepadanya, "Apakah engkau mau membuat kami terhina (kalah) dalam keadaan begini." ("Sesungguhnya saya berlepas diri dari kalian) dari melindungi kalian (sesungguhnya saya dapat melihat apa yang kamu sekalian tidak dapat melihat) yaitu para malaikat (sesungguhnya saya takut kepada Allah.") Dia akan membinasakan saya (Dan Allah sangat keras siksa-Nya).
- বাংলা ভাষা - মুহিউদ্দীন খান : আর যখন সুদৃশ্য করে দিল শয়তান তাদের দৃষ্টিতে তাদের কার্যকলাপকে এবং বলল যে আজকের দিনে কোন মানুষই তোমাদের উপর বিজয়ী হতে পারবে না আর আমি হলাম তোমাদের সমর্থক অতঃপর যখন সামনাসামনী হল উভয় বাহিনী তখন সে অতি দ্রুত পায়ে পেছনে দিকে পালিয়ে গেল এবং বলল আমি তোমাদের সাথে নাআমি দেখছি যা তোমরা দেখছ না; আমি ভয় করি আল্লাহকে। আর আল্লাহর আযাব অত্যন্ত কঠিন।
- தமிழ் - ஜான் டிரஸ்ட் : ஷைத்தான் அவர்களுடைய பாவச்செயல்களை அவர்களுக்கு அழகாகக் காண்பித்து "இன்று மனிதர்களில் உங்களை வெற்றி கொள்வோர் எவருமில்லை மெய்யாக நான் உங்களுக்கு துணையாக இருக்கின்றேன்" என்று கூறினான்; இரு படைகளும் நேருக்கு நேர் சந்தித்தபோது அவன் புறங்காட்டிப் பின்சென்று " மெய்யாக நான் உங்களை விட்டு விலகிக் கொண்டேன்; நீங்கள் பார்க்க முடியாததை நான் பார்க்கின்றேன்; நிச்சயமாக நான் அல்லாஹ்வுக்கு பயப்படுகிறேன்; அல்லாஹ் தண்டனை கொடுப்பதில் கடினமானவன்" என்று கூறினான்
- ภาษาไทย - ภาษาไทย : “และจงรำลึกขณะที่ชัยฏอน ได้ทำให้สวยงามแก่พวกเขา ซึ่งการงานของพวกเขา และมันได้กล่าวว่า วันนี้ไม่มีผู้ใดในหมู่มนุษย์ชนะพวกท่านได้ และแท้จริงนั้นฉันคือผู้ช่วยเหลือพวกท่านครั้นเมื่อทั้งสองฝ่าย ต่างมองเห็นกันแล้ว มันก็กลับส้นเท้าทั้งสองของมัน และกล่าวว่าแท้จริงฉันไม่เกี่ยวข้องกับพวกท่าน แท้จริงฉันกำลังเห็นสิ่ง ที่พวกท่านไม่เห็น แท้จริงฉันกลัวอัลลอฮฺ และอัลลอฮฺนั้นเป็นผู้ทรงรุนแรงในการลงโทษ”
- Uzbek - Мухаммад Содик : Ўшанда шайтон уларга амалларини зийнатлаб кўрсатди ва Бу кунда одамлардан сизга ғолиб кела оладиган ҳеч ким йўқ Мен сизнинг ҳомийингизман деди Икки жамоа бирбирини кўрганида эса орқасига қайтди ва Албатта мен сиз кўрмаётган нарсани кўрмоқдаман Мен Аллоҳдан қўрқаман Аллоҳ иқоби шиддатли зотдир деди Яъни мусулмонлар бир томондан мушриклар бошқа бир томондан жанг майдонига қараб юриб бирбирларига яқин келганда эса шайтон орқасига қараб қочди Мушрикларни васваса қилиш уларнинг ишини зийнатлаб кўрсатиш тўхтади Демак шайтон мушриклар мағлубиятга учрашлари шубҳасиз эканлигини кўрган шунинг учун қочган
- 中国语文 - Ma Jian : 当时,恶魔以他们的行为蛊惑他们,他说:今天,任何人不能战胜你们,我确是你们的保护者。当两军对垒的时候,他向后转,他说:我与你们确是无干的,我的确能看见你们所不能看见的,我的确畏惧真主。真主的刑罚是严厉的。
- Melayu - Basmeih : Dan ingatlah ketika Syaitan memperhiaskan kepada mereka perbuatan mereka yang salah itu untuk dipandang elok dan diteruskan serta menghasut mereka dengan berkata "Pada hari ini tidak ada sesiapa pun dari umat manusia yang dapat mengalahkan kamu dan sesungguhnya aku adalah pelindung dan penolong kamu" Maka apabila keduadua puak angkatan tentera Islam dan kafir musyrik masingmasing kelihatan berhadapan Syaitan itu berundur ke belakang sambil berkata "Aku berlepas diri dari kamu kerana aku dapat melihat apa yang kamu tidak dapat melihatnya; sesungguhnya aku takut kepada Allah dan Allah sangat berat azab seksaNya"
- Somali - Abduh : Markuu u Qurxiyey Shaydaanku Camalkooda kuna Yidhi wax idinka Adkaan oo Dada ma jiro Maanta anna kaalmeeyaan idiin ahay markay isarkeen Labadii Kooxoodna wuxuu u gurtay Cidhibtiisa wuxuuna yidhi anugu Bari baan idinka ahay waxaana arkaa waxaydaan Arkin waxaana ka Cabsan Eebe Ilaahayna waa Ciqaab darane
- Hausa - Gumi : Kuma a lõkacin da Shaiɗan ya ƙawãce musu ayyukansu kuma ya ce "Bãbu marinjayi a gareku a yau daga mutãne kuma nĩ maƙwabci ne gare ku" To a lõkacin da ƙungiya biyu suka haɗu ya kõma a kan digãdigansa kuma ya ce "Lalle ne nĩ barrantacce ne daga gare ku Nĩ inã ganin abin da bã ku gani; ni inã tsõron Allah Kuma Allah Mai tsananin uƙũba ne"
- Swahili - Al-Barwani : Na pale Shet'ani alipo wapambia vitendo vyao na akawaambia Hapana watu wa kukushindeni hii leo na hali mimi ni mlinzi wenu Yalipo onana majeshi mawili akarudi nyuma na akasema Mimi si pamoja nanyi Mimi naona msiyo yaona Mimi namwogopa Mwenyezi Mungu na Mwenyezi Mungu ni mkali wa kuadhibu
- Shqiptar - Efendi Nahi : Dhe kujtoje kur djalli ua zbukuroi veprat atyre e u tha “Nuk ka kush prej njerëzve sot që mund t’ju mundë dhe unë jam mbrojtësi juaj” E kur u ndeshën dy çetat u zmbraps ai djalli kah thembrat e tij dhe tha “Unë nuk kam asgjë me ju unë shoh atë që nuk e shihni ju dhe unë i frikësohem Perëndisë sepse Perëndia ndëshkon ashpër
- فارسى - آیتی : شيطان كردارشان را در نظرشان بياراست و گفت: امروز از مردم كسى بر شما پيروز نمىشود و من پناه شمايم. ولى چون دو فوج روبهرو شدند او باز گشت و گفت: من از شما بيزارم، كه چيزهايى مىبينم كه شما نمىبينيد، من از خدا مىترسم كه او به سختى عقوبت مىكند.
- tajeki - Оятӣ : Шайтон кирдорашонро дар пазарашон биёрост ва гуфт; «Имрӯз аз мардум касе бар шумо ғолиб намешавад ва ман паноҳи шумоям». Вале чун ду гурӯҳ рӯбарӯ шуданд, ӯ бозгашту гуфт: «Ман аз шу мо безорам, ки чизҳое мебинам, ки шумо намебинед, ман аз Худо метарсам, ки Ӯ ба сахтӣ уқубат мекунад!»
- Uyghur - محمد صالح : ئۆز ۋاقتىدا شەيتان ئۇلارغا (قەبىھ) ئەمەللىرىنى چىرايلىق كۆرسىتىپ: «ھېچقانداق كىشى سىلەرنى يېڭەلمەيدۇ، مەن ھەقىقەتەن سىلەرگە مەدەتكار» دېگەن ئىدى. ئىككى قوشۇن ئۇچراشقان چاغدا شەيتان ئارقىسىغا چېكىندى ۋە: «مەن سىلەردىن ئادا - جۇدامەن، سىلەر كۆرمەيۋاتقاننى ھەقىقەتەن كۆرۈپ تۇرۇۋاتىمەن، مەن راستلا اﷲ تىن قورقىمەن، اﷲ نىڭ ئازابى قاتتىقتۇر» دېدى
- Malayalam - ശൈഖ് മുഹമ്മദ് കാരകുന്ന് : ചെകുത്താന് അവര്ക്ക് അവരുടെ ചെയ്തികള് ചേതോഹരമായി തോന്നിപ്പിച്ച സന്ദര്ഭംം. അവന് പറഞ്ഞു: "ഇന്ന് നിങ്ങളെ ജയിക്കുന്നവരായി ജനങ്ങളിലാരുമില്ല. ഉറപ്പായും ഞാന് നിങ്ങളുടെ രക്ഷകനായിരിക്കും.” അങ്ങനെ ഇരുപക്ഷവും ഏറ്റുമുട്ടിയപ്പോള് അവന് പിന്മാറി. എന്നിട്ടിങ്ങനെ പറയുകയും ചെയ്തു: "എനിക്ക് നിങ്ങളുമായി ഒരു ബന്ധവുമില്ല. നിങ്ങള് കാണാത്തത് ഞാന് കാണുന്നുണ്ട്. ഞാന് അല്ലാഹുവെ ഭയപ്പെടുന്നു. അല്ലാഹു കഠിനമായി ശിക്ഷിക്കുന്നവനാണല്ലോ.”
- عربى - التفسير الميسر : واذكروا حين حسن الشيطان للمشركين ما جاووا له وما هموا به وقال لهم لن يغلبكم احد اليوم فاني ناصركم فلما تقابل الفريقان المشركون ومعهم الشيطان والمسلمون ومعهم الملائكه رجع الشيطان مدبرا وقال للمشركين اني بريء منكم اني ارى ما لا ترون من الملائكه الذين جاووا مددا للمسلمين اني اخاف الله فخذلهم وتبرا منهم والله شديد العقاب لمن عصاه ولم يتب توبه نصوحا