- عربي - نصوص الآيات عثماني : يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ
- عربى - نصوص الآيات : يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ۖ هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون
- عربى - التفسير الميسر : يوم القيامة توضع قطع الذهب والفضة في النار، فإذا اشتدت حرارتها أُحرقت بها جباه أصحابها وجنوبهم وظهورهم. وقيل لهم توبيخًا: هذا مالكم الذي أمسكتموه ومنعتم منه حقوق الله، فذوقوا العذاب الموجع؛ بسبب كنزكم وإمساككم.
- السعدى : يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ
{يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا} أي: على أموالهم، {فِي نَارِ جَهَنَّمَ} فيحمى كل دينار أو درهم على حدته.
{فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} في يوم القيامة كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ويقال لهم توبيخا ولوما: {هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} فما ظلمكم ولكنكم ظلمتم أنفسكم وعذبتموها بهذا الكنز.
وذكر اللّه في هاتين الآيتين، انحراف الإنسان في ماله، وذلك بأحد أمرين:
إما أن ينفقه في الباطل الذي لا يجدي عليه نفعا، بل لا يناله منه إلا الضرر المحض، وذلك كإخراج الأموال في المعاصي والشهوات التي لا تعين على طاعة اللّه، وإخراجها للصد عن سبيل اللّه.
وإما أن يمسك ماله عن إخراجه في الواجبات، و (النهي عن الشيء، أمر بضده)
- الوسيط لطنطاوي : يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ
وقوله : ( يَوْمَ يحمى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فتكوى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ . . ) تفصيل لهذا العذاب الأليم ، وبيان لميقاته ، حتى يقلع البخلاء عن بخلهم ، والأشحاء عن شحهم . .
والظرف ( يَوْمَ ) منصوب بقوله : ( عَذَابٍ أَلِيمٍ ) ؛ أو بفعل محذوف يدل عليه هذا القول .
أى : يعذبون يوم يحمى عليها ، أو بفعل مقدر؛ أى : اذكر يوم يحمى عليها .
وقوله : ( يحمى ) يجوز أن يكون من حميت وأحميت - ثلاثيا ورباعيا - يقال : حميت الحديدة وأحميتها ، أى : أوقدت عليها لتحمى .
وقوله : ( عَلَيْهَا ) جار مجرور فى موضع رفع لقيامه مقام الفاعل . ويجوز أن يكون القائم مقام الفاعل مضمرا ، أى : يحمى الوقود أو الجمر عليها .
قال الآلوسى : وأصله تحمى بالنار من قولك : حميت الميسم وحميته فجعل الإِحماء للنار مبالغة؛ لأن النار فى ذاتها ذات حمى ، فإذا وصفت بأنها تحمى دل على شدة توقدها . ثم حذفت النار ، وحول الإِسناد إلى الجار والمجرور تنبيها على المقصود بأتم وجه فانتقل من صيغة التأنيث إلى التذكير كما تقول : رفعت القصة إلى الأمير . فإذا طرحت القصة وأنسد الفعل إلى الجار والمجرور وقتل : رفع إلى الأمير ، وقرأ ابن عامر ( تحمي ) بالتاء بإسناده إلى النار كأصله . والمعنى : بشر - يا محمد - أولئك الذين يكنزون الأموال فى الدنيا ولا ينفوقنها فى سبيل الله ، بالعذاب الأليم يوم الحساب يوم تحمى النار المشتعلة على تلك الأموال التى لم يؤدوا حق الله فيها ( فتكوى بِهَا جِبَاهُهُمْ ) أى : فتحرق بها جباههم التى كانوا يستقبلون بها الناس ، والتى طالما ارتفعت غرورا بالمال المكنوز ، وتحرق بها - ايضا - " جنوبهم " التى كثيرا ما انتفتحت من شدة الشبع وغيرها جائع ، وتحرق بها كذلك " ظهورهم " التى نبذت وراءها حقوق الله بجحود وبطر . .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم خصت هذه الأعضاء بالكى؟
قلت : لأنهم لم يطلبوا بأموالهم - حيث لم ينفقوها فى سبيل الله - إلا الأغراض الدنيوية من وجاهة عند الناس ، وتقدم ، وأن يكون ماء وجوههم مصونا عندهم ، يتلقون بالجميل ويحيون بالإِكرام ، ويجبلون ويحتمشون ، ومن أكل طيبات يتضلعون منها وينفخون جنوبهم ، ومن لبس عامة من الثياب يطرحونها على ظهورهم ، كما ترى أغنياء زمانك ، هذا أغراضهم وطلباتهم من أموالهم ، لا يخطر ببالهم قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ذهب أهل الدثور بالأجر كله " .
وقيل : لأنهم كانوا إذا أبصروا الفقير عبسوا ، وإذا ضمهم وإياه مجلس ازوروا عنه ، وتولوا بأركانهم ، وولوه ظهورهم .
وقوله : ( هذا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ) مقول لقول محذوف .
والتفسير : تقول لهم ملائكة العذاب على سبيل التبكيت والتوبيخ ، وهى تتولى حرق جباههم وجنوبهم وظهورهم : هذا العذاب الأليم النازل بكم فى الآخرة هو جزاء ما كنتم تكنزونه فى الدنيا من مال لمنفعة أنفسكم دون أن تؤدوا حق الله فيه .
فذوقوا وحدكم وبال كنزكم . وتجرعوا غصصه ، وتحملوا سوء عاقبته فأنتم الذين جنيتم على أنفسكم ، لأنكم لم تشكروا الله على هذه الأموال ، بل استعملتوها فى غير ما خلقت له .
هذا ، ومن الأحكام والآداب التى أخذها العلماء من هاتين الآيتين ما يأتى .
1- التحذير من الانقياد لدعاة السوء ، ومن تقليدهم فى رذائلهم وقبائحهم ووجوب السير على حسب ما جاء به الإِسلام من تعاليم وتشريعات . .
ولذا قال ابن كثير عند تفسيره للآية الأولى : والمقصود التحذير من علماء السوء ، وعباد الضلال ، كما قال سفيان بن عيينه : من فسد من علمائنا كان فيه شبه من أحبار اليهود ، ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من رهبان النصارى .
وفى الحديث الصحيح : " لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة " قالوا : اليهود والنصارى؟ قال : " فمن "؟ وفى رواية : فارس والروم؟ قال : " فمن الناس إلا هؤلاء " والحاصل التحذير من التشبه بهم فى أقوالهم وأحوالهم .
هذا ، ونص الحديث الصحيح الذى ذكره الإِمام ابن كثير - كما رواه الشيخان - هكذا عن أبى سعيد الخدرى أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال : " لتتبعن سنن من قبلكم شبرا يشبر وذارعا بذراع ، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه ، قلنا : يا رسول الله ، اليهود والنصارى؟ قال : فمن " .
أما الحديث الذى جاء فيه حذو القذة بالقذة ، فقد أخرجه الإِمام أحمد عن شداد بن أوس ونصه : " ليحملن شرار هذه الأمة على سنن الذين خلوا من قبلهم . أهل الكتاب ، حذو القذة بالقذة " .
2- يرى جمهور العلماء أن المقصود بالكنز فى قوله ، تعالى ، ( والذين يَكْنِزُونَ الذهب والفضة وَلاَ يُنفِقُونَهَا ) . . . ألخ المال الذى لم تؤد زكاته ، أما إذا أديت زكاته فى يسمى كنزا ، ولا يدخل صاحبه تحت الوعيد الذى اشتملت عليه الآية .
وقد وضح الإِمام القرطبى هذه المسألة فقال : واختلف العلماء فى المال الذى أديت زكاته هل يسمى كنزا أولا؟ .
فقال قوم : نعم . رواه أبو الضحا عن جعدة بين هبيرة عن على قال : أربعة آلاف فما دونها نفقة ، وما كثر فهو كنز وإن أديت زكاته . . ولا يصح .
وقال قوم : ما أديت زكاته مئة أو من غيره عنه فليس بكنز ، قال ابن عمر : ما أديت زكاته فليس بكنز وإن كانت تحت سبع أرضين ، وكل ما لم تؤد زكاته فهو كنز وإن كان فوق الأرض . ومثله عن جابر ، وهو الصحيح .
وروى البخارى عن أبى هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من آتاه الله ما لا فلم يؤد زكاته ، مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ، ثم يأخذ بلهمزميته - يعنى شدقيه - ثم يقول : أنا مالك أنا كنزك . . " .
وفيه أيضا عن أبى ذر قال : انتهيت إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - قال : " والذى نفسى بيده ، ما من رجل تكون له إبل أو بقر أو غنم ، لا يؤدى حقها ، إلا أتى بها يوم القيامة أعظم ما تكون وأسمنه ، تطؤه بأخفافها ، وتنطحه بقرونها ، كلما جازت أخراها ردت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس " .
فدل دليل خطاب هذين الحديثين على صحة ما ذكرنا . وقد بين ابن عمر فى صحيح البخارى هذا المعنى . قال له أعرابى : أخبرنى عن قول الله - تعالى - ( والذين يَكْنِزُونَ الذهب والفضة . . ) الآية فقال ابن عمر : من كنزها فلم يؤد زكاتها فويل له ، إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة ، فلما أنزلت جعلها الله طهراً للأموال .
وروى أبو داود " عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية ( والذين يَكْنِزُونَ الذهب والفضة . . ) كبر ذلك على المسلمين ، فقال عمر : أنا أفرج عنكم ، فانطلق فقال : يا نبى الله ، إنه كبر على أصحابك هذه الآية . فقال - صلى الله عليه وسلم - " إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقى من أموالكم ، وإنما فرض المواريث لتكون لمن بعدكم " قال : فكبر عمر . ثم قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة ، إذا نظر إليها سرته ، وإذا أمرها أطاعته ، وإذا غاب عنها حفظته " " .
3- أخذ بعض الصحابة من هذه الآية تحريم اكتناز الأموال التى تفيض عن حاجات الإِنسان الضرورية .
قال ابن كثير : كان من مذهب أبى ذر - رضى الله عنه - تحريم إدخار ما زاد على نفقة العيال ، وكن يفتى بذلك ، ويحثهم عليه ويأمرهم به ، ويغلظ فى خلافه ، فنهاه معاوية فلم ينته ، فخشى أن يضر بالناس فى هذا ، فكتب يشكوه إلى أمير المؤمنين عثمان ، وأن يأخذه إليه ، فاستقدمه عثمان إلى المدينة وأزله بالربذة - وهى بلدة قريبة من المدينة - وبها مات - رضى الله عنه - فى خلافة عثمان .
وروى البخارى فى تفسير هذه الآية عن زيد بن وهب قال : مررت بالربذة ، فإذا بأبى ذر ، فقلت له : ما أنزلك بهذه الأرض؟ قال : كنا بالشام فقرأت ( والذين يَكْنِزُونَ الذهب والفضة وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) . فقال معاوية : ما هذه فينا ما هذه إلا فى أهل الكتاب . قال : قلت : إنها لفينا وفيهم .
ثم قال ابن كثير : وفى الصحيح " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبى ذر : " ما يسرنى أن عندى مثل أحد ذهباً يمر على ثلاثة أيام وعندى منه شئ إلا دينار أرصده لدين " فهذا - والله أعلم - هو الذى حدا أباذر على القول بهذا " " .
وقال الشيخ القاسمى : قال ابن عبد البر : وردت عن أبى ذر آثار كثيرة تدل على أنه كان يذهب إلى أن كل مال مجموع يفضل عن القوت وسداد العيش ، فهو كنز يذم فاعله ، وأن آية الوعيد نزلت فى ذلك .
وخالفه جمهور الصحابة ومن بعدهم ، وحملوا الوعيد على ما نعى الزكاة ، وأصح ما تمسكوا به حديث طلحة وغيره فى قصة الأعرابى حيث قال : هل على غيرها؟ قال : لا إلا أن تطوع .
وحديث طلحة الذى أشار إليه ابن عبد البر ، قد جاء فى صحيح البخارى ونصه : "
عن طلحة بن عبيد الله قال : جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوى صوته ولا يفقه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإِسلام .فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " خمس صلوات فى اليوم والليلة ، فقال : هل على غيرها؟ .
قال : " لا . . إلا أن تطوع ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وصيام رمضان " قال : هل على غيره؟ قال : " لا إلا أن تطوع " ، قال . وذكر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزكاة ، قال . هل على غيرها؟ قال " لا إلا أن تطوع " .
قال ، فأدبر الرجل وهو يقول . والله لا أزيد على ذلك ولا أنقص . فقال ، رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أفلح إن صدق " " .
هذا؛ ومما استدل به جمهور الصحابة ومن بعدهم من العلماء ، على عدم حرمة اقتناء الأموال التى تفيض عن الحاجة - ما دام قد أدى حق الله فيها - ما يأتى :
( أ ) أن قواعد الشرع لا تحرم ذلك ، وإلا لما شرع الله المواريث لأنه لو وجب إنفاق كل ما زاد عن الحاجة ، لما كان لمشروعية المواريث فائدة .
( ب ) تثبت فى الحديث الصحيح " أن سعد بن أبى وقاص عندما كان مريضاً ، وزاره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له : يا رسول الله : أأوصى بمالى كله؟ قال : " لا . قال سعد : فالشطر؟ قال : لا . قال سعد : فالثلث؟ فقال له - صلى الله عليه وسلم - فالثلث والثلثَ كثير . إنك لإن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس . . " " .
ولو كان جمع المال واقتناؤه محرما ، لأقر النبى - صلى الله عليه وسلم - سعدا على التصدق بجميع ماله ، ولأمر المسلمين أن يحذوا حذو سعد ، ولكنه صلى الله عليه وسلم - لم يفعل ذلك ، بل قال لسعد :
" إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس . . " .
وقد كان فى عهده - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة من يملكون الكثير من الأموال - كعثمان بن عفان ، وعبد الرحمن بن عوف وغيرهما - ومع هذا فلم يأمرهم بإنفاق كل ما زاد عن حاجتهم الضرورية .
قال القرطبى : قرر الشرع ضبط الأموال وأداء حقها ، ولو كان ضبط المال ممنوعا ، لكان حقه أن يخرج كله ، وليس فى الأمة من يلزم هذا . وحسبك حال الصحابة وأموالهم - رضوان الله عليهم - وأما ما ذكر عن أبى ذر فهو مذهب له .
( ج ) ما ورد من آثام فى ذم الكنز و الكانزين كان قبل أن تفرض الزكاة أو هو فى حق من امتنع عن أداء حق الله فى ماله .
قال صاحب الكشاف . فإن قلت فما تصنع فى قوله - صلى الله عليه وسلم - " من ترك صفراء أو بيضاء كوى بها " .
قلت : كان هذا قبل أن تفرض الزكاة ، فأما بعد فرضيتها ، فالله أعدل وأكرم من أن يجمع عبده مالا من حيث أذن له فيه ، ويؤدى عنه ما أوجب عليه فيه ، ثم يعاقبه .
ولقد كان كثير من الصحابة كعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبدي الله يقتنون الأموال ويتصرفون فيها ، وما عابهم أحد ممن أعرض عن القنية لأن الإِعراض اختيار للأفضل ، والاقتناء مباح موسع لا يذم صاحبه ، ولك شئ حد .
4- أن الإِسلام وإن كان قد أباح للمسلم اقتناء المال - بعد أداء حق الله فيه - إلا أنه أمر أتباعه أن يكونوا متوسطين فى حبهم لهذا الاقتناء ، حتى يشغلهم حب المال عن طاعة الله .
ورحم الله الإِمام الرازى ، فقد قال عند تفسيره لهذه الآيات ما ملخصه ، اعلم أن الطريق الحق أن يقال ، الأولى أن لا يجمع الرجل الطالب للدين المال الكثير ، إلا أنه لم يمنع عنه فى ظاهر الشرع ، فالأول محمول على التقوى والثانى على ظاهر الفتوى .
أما بيان أن الأولى الاحتراز عن طلب المال الكثير فلوجوه منها :
أن كثرة المال سبب لكثرة الحرص فى الطلب ، والحرص متعب للروح والنفس والقلب . . والعاقل هو الذى يحترز عما يتعب روحه ونفسه وقلبه . وأن كسب المال شاق شديد؛ وحفظه بعد حصوله أشد وأشق وأصعب ، فيبقى الإِنسان طول عمره تارة فى طلب التحصيل؛ وأخرى فى تعب الحفظ وأن كثرة الجاه والمال تورث الطغيان ، كما قال - تعالى - ( كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى أَن رَّآهُ استغنى ) هذا ، وقد ساق الإِمام ابن كثير جملة من الأحاديث فى ذم التكثر من الذهب والفضة ، ومن ذلك ما رواه الإِمام أحمد عن حسان بن عطية قال :
كان شداد بن أوس - رضى الله عنه - فى سفر ، فنزل منزلا فقال لغلامه : ائتنا بالسفرة نعبث بها ، فأنكرت عليه ذلك .
فقال ما تكلمت بكلمة منذ أسلمت لا وأنا أخطمها وأزمها غير كلمتى هذه فلا تحفظوها عنى واحفظوا ما أقول لكم : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إذا كنز الناس الذهب والفضلة ، فاكنزوا هؤلاء الكلمات : اللهم إنى أسألك الثبات فى الأمر ، والعزيمة على الرشد؛ وأسألك شكر نعمتك ، وأسألك حسن عبادتك ، وأسألك قلبا سليما ، وأسألك لسانا صادقا ، واسألك من خير ما تعلم ، وأعوذ بك من شر ما تعلم ، وأستغفرك لما تعلم . إنك أنت علام الغيوب " .
وبعد : فهذه سبع آيات عن أهل الكتاب ، بدأت - بقوله تعالى ( قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله وَلاَ باليوم الآخر ) وانتهت بقوله تعالى : ( فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ) .
وقد بينت هذه الآيات ما يجب أن يكون عليه موقف المؤمنين منهم ، وكشفت عن أقوالهم الباطلة ، وعن جحود رؤسائهم للحق ، وعن انقياد : عامتهم للضلال ، وعن استحلال كثير من أحبارهم ورهبانهم لمحارم الله . .
- البغوى : يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ
( يوم يحمى عليها في نار جهنم ) أي : تدخل النار فيوقد عليها أي على الكنوز ، ( فتكوى بها ) فتحرق بها ، ( جباههم ) أي : جباه كانزيها ، ( وجنوبهم وظهورهم ) روي عن ابن مسعود قال : إنه لا يوضع دينار على دينار ولا درهم على درهم ، ولكن يوسع جلده حتى يوضع كل دينار ودرهم في موضع على حدة .
وسئل أبو بكر الوراق : لم خص الجباه والجنوب والظهور بالكي؟ قال : لأن الغني صاحب الكنز إذا رأى الفقير قبض وجهه ، وزوى ما بين عينيه ، وولاه ظهره ، وأعرض عنه بكشحه .
قوله تعالى : ( هذا ما كنزتم ) أي : يقال لهم : هذا ما كنزتم ، ( لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) أي : تمنعون حقوق الله تعالى في أموالكم . وقال بعض الصحابة : هذه الآية في أهل الكتاب . وقال الأكثرون : هي عامة في أهل الكتاب والمسلمين ، وبه قال أبو ذر رضي الله عنه .
- ابن كثير : يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ
وقوله تعالى : ( يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) أي : يقال لهم هذا الكلام تبكيتا وتقريعا وتهكما ، كما في قوله : ( ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ذق إنك أنت العزيز الكريم ) [ الدخان : 48 ، 49 ] أي : هذا بذاك ، وهو الذي كنتم تكنزون لأنفسكم ؛ ولهذا يقال : من أحب شيئا وقدمه على طاعة الله ، عذب به . وهؤلاء لما كان جمع هذه الأموال آثر عندهم من رضا الله عنهم ، عذبوا بها ، كما كان أبو لهب - لعنه الله - جاهدا في عداوة الرسول ، صلوات الله [ وسلامه ] عليه ، وامرأته تعينه في ذلك ، كانت يوم القيامة عونا على عذابه أيضا ( في جيدها ) أي : [ في ] عنقها ( حبل من مسد ) [ المسد : 5 ] أي : تجمع من الحطب في النار وتلقي عليه ، ليكون ذلك أبلغ في عذابه ممن هو أشفق عليه - كان - في الدنيا ، كما أن هذه الأموال لما كانت أعز الأشياء على أربابها ، كانت أضر الأشياء عليهم في الدار الآخرة ، فيحمى عليها في نار جهنم - وناهيك بحرها - فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم .
قال سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، عن عبد الله بن مسعود : والله الذي لا إله غيره ، لا يكوى عبد بكنز فيمس دينار دينارا ، ولا درهم درهما ، ولكن يوسع جلده ، فيوضع كل دينار ودرهم على حدته .
وقد رواه ابن مردويه ، عن أبي هريرة مرفوعا ، ولا يصح رفعه ، والله أعلم .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : بلغني أن الكنز يتحول يوم القيامة شجاعا يتبع صاحبه وهو يفر منه ، ويقول : أنا كنزك ! لا يدرك منه شيئا إلا أخذه .
وقال الإمام أبو جعفر بن جرير : حدثنا بشر ، حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة ، عن ثوبان أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : من ترك بعده كنزا مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان ، يتبعه ، يقول : ويلك ما أنت ؟ فيقول : أنا كنزك الذي تركته بعدك ! ولا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيقصقصها ثم يتبعها سائر جسده .
ورواه ابن حبان في صحيحه ، من حديث يزيد ، عن سعيد به وأصل هذا الحديث في الصحيحين من رواية أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه .
وفي صحيح مسلم ، من حديث سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل يوم القيامة صفائح من نار يكوى بها جنبه وجبهته وظهره ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين الناس ، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار وذكر تمام الحديث .
وقال البخاري في تفسير هذه الآية : حدثنا قتيبة ، حدثنا جرير ، عن حصين ، عن زيد بن وهب قال : مررت على أبي ذر بالربذة ، فقلت : ما أنزلك بهذه الأرض ؟ قال : كنا بالشام ، فقرأت : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ) فقال معاوية : ما هذه فينا ، ما هذه إلا في أهل الكتاب . قال : قلت : إنها لفينا وفيهم .
ورواه ابن جرير من حديث عبثر بن القاسم ، عن حصين ، عن زيد بن وهب ، عن أبي ذر - رضي الله عنه - فذكره ، وزاد : فارتفع في ذلك بيني وبينه القول ، فكتب إلى عثمان يشكوني ، فكتب إلي عثمان أن أقبل إليه ، قال : فأقبلت ، فلما قدمت المدينة ركبني الناس كأنهم لم يروني قبل يومئذ ، فشكوت ذلك إلى عثمان ، فقال لي : تنح قريبا . قلت : والله لن أدع ما كنت أقول .
قلت : كان من مذهب أبي ذر - رضي الله عنه - تحريم ادخار ما زاد على نفقة العيال ، وكان يفتي [ الناس ] بذلك ، ويحثهم عليه ، ويأمرهم به ، ويغلظ في خلافه ، فنهاه معاوية فلم ينته ، فخشي أن يضر بالناس في هذا ، فكتب يشكوه إلى أمير المؤمنين عثمان ، وأن يأخذه إليه ، فاستقدمه عثمان إلى المدينة ، وأنزله بالربذة وحده ، وبها مات - رضي الله عنه - في خلافة عثمان . وقد اختبره معاوية - رضي الله عنه - وهو عنده ، هل يوافق عمله قوله ؟ فبعث إليه بألف دينار ، ففرقها من يومه ، ثم بعث إليه الذي أتاه بها فقال : إن معاوية إنما بعثني إلى غيرك فأخطأت ، فهات الذهب ! فقال : ويحك ! إنها خرجت ، ولكن إذا جاء مالي حاسبناك به .
وهكذا روى علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس أنها عامة .
وقال السدي : هي في أهل القبلة .
وقال الأحنف بن قيس : قدمت المدينة ، فبينا أنا في حلقة فيها ملأ من قريش ، إذ جاء رجل أخشن الثياب ، أخشن الجسد ، أخشن الوجه ، فقام عليهم فقال : بشر الكانزين برضف يحمى عليه في نار جهنم ، فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه ، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه يتزلزل - قال : فوضع القوم رءوسهم ، فما رأيت أحدا منهم رجع إليه شيئا - قال : وأدبر فاتبعته حتى جلس إلى سارية ، فقلت : ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت لهم . فقال : إن هؤلاء لا يعلمون شيئا .
وفي الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي ذر : ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبا يمر عليه ثالثة وعندي منه شيء إلا دينار أرصده لدين
فهذا - والله أعلم - هو الذي حدا أبا ذر على القول بهذا .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، عن سعيد بن أبي الحسن ، عن عبد الله بن الصامت - رضي الله عنه - أنه كان مع أبي ذر ، فخرج عطاؤه ومعه جارية له ، فجعلت تقضي حوائجه ، ففضلت معها سبعة ، فأمرها أن تشتري به فلوسا . قال : قلت : لو ادخرته للحاجة تنوبك وللضيف ينزل بك ! قال : إن خليلي عهد إلي أن أيما ذهب أو فضة أوكي عليه ، فهو جمر على صاحبه ، حتى يفرغه في سبيل الله - عز وجل - .
ورواه عن يزيد ، عن همام ، به ، وزاد : إفراغا .
وقال الحافظ ابن عساكر بسنده إلى أبي بكر الشبلي في ترجمته ، عن محمد بن مهدي : حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن صدقة بن عبد الله ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي فروة الرهاوي ، عن عطاء ، عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الق الله فقيرا ولا تلقه غنيا . قال : يا رسول الله ، كيف لي بذلك ؟ قال : ما سئلت فلا تمنع ، وما رزقت فلا تخبأ ، قال : يا رسول الله ، كيف لي بذلك ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هو ذاك وإلا فالنار إسناده ضعيف .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا جعفر بن سليمان ، حدثنا عتيبة ، عن بريد بن أصرم قال : سمعت عليا - رضي الله عنه - يقول : مات رجل من أهل الصفة ، وترك دينارين - أو : درهمين - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كيتان ، صلوا على صاحبكم .
وقد روي هذا من طرق أخر .
وقال قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي أمامة صدي بن عجلان قال : مات رجل من أهل الصفة ، فوجد في مئزره دينار ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كية . ثم توفي رجل آخر فوجد في مئزره ديناران ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كيتان .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو النضر إسحاق بن إبراهيم الفراديسي ، حدثنا معاوية بن يحيى الأطرابلسي ، حدثني أرطاة ، حدثني أبو عامر الهوزني ، سمعت ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما من رجل يموت وعنده أحمر أو أبيض ، إلا جعل الله بكل قيراط صفحة من نار يكوى بها من قدمه إلى ذقنه .
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا محمد بن خداش ، حدثنا سيف بن محمد الثوري ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يوضع الدينار على الدينار ، ولا الدرهم على الدرهم ، ولكن يوسع جلده فيكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ، هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون سيف هذا كذاب متروك .
- القرطبى : يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ
قوله تعالى يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون
فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى يوم يحمى عليها في نار جهنم يوم ظرف ، والتقدير : يعذبون يوم يحمى . ولا يصح أن يكون على تقدير : فبشرهم يوم يحمى عليها ؛ لأن البشارة لا تكون حينئذ . يقال : أحميت الحديدة في النار ، أي أوقدت عليها . ويقال : أحميته ، ولا يقال : أحميت عليه . وهاهنا قال ( عليها ) لأنه جعل " على " من صلة معنى الإحماء ، ومعنى الإحماء الإيقاد . أي يوقد عليها فتكوى . الكي : إلصاق الحار من الحديد والنار بالعضو حتى يحترق الجلد . والجباه : جمع الجبهة ، وهو مستوى ما بين الحاجب إلى الناصية . وجبهت فلانا بكذا ، أي استقبلته به وضربت جبهته . والجنوب : جمع الجنب . والكي في الوجه أشهر وأشنع ، وفي الجنب والظهر آلم وأوجع ، فلذلك خصها بالذكر من بين سائر الأعضاء . وقال علماء الصوفية : لما طلبوا المال والجاه شان الله وجوههم ، ولما طووا كشحا عن الفقير إذا جالسهم كويت جنوبهم ، ولما أسندوا ظهورهم إلى أموالهم ثقة بها واعتمادا عليها كويت ظهورهم . وقال علماء الظاهر : إنما خص هذه الأعضاء لأن الغني إذا رأى الفقير زوى ما بين عينيه وقبض وجهه . كما قال :
يزيد يغض الطرف عني كأنما زوى بين عينيه علي المحاجم فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى
ولا تلقني إلا وأنفك راغم
وإذا سأله طوى كشحه ، وإذا زاده في السؤال وأكثر عليه ولاه ظهره . فرتب الله العقوبة على حال المعصية .
الثانية : واختلفت الآثار في كيفية الكي بذلك ، ففي صحيح مسلم من حديث أبي ذر ما ذكرنا من ذكر الرضف . وفيه من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار . . . . الحديث . وفي البخاري : أنه يمثل له كنزه شجاعا أقرع . وقد تقدم في غير الصحيح عن عبد الله بن مسعود أنه قال : من كان له مال فلم يؤد زكاته طوقه يوم القيامة شجاعا أقرع ينقر رأسه . . .
قلت : ولعل هذا يكون في مواطن : موطن يمثل المال فيه ثعبانا ، وموطن يكون صفائح ، وموطن يكون رضفا . فتتغير الصفات والجسمية واحدة ؛ فالشجاع جسم والمال جسم . وهذا التمثيل حقيقة ، بخلاف قوله : يؤتى بالموت كأنه كبش أملح فإن تلك طريقة أخرى ، ولله سبحانه وتعالى أن يفعل ما يشاء . وخص الشجاع بالذكر لأنه العدو الثاني للخلق . والشجاع من الحيات هو الحية الذكر الذي يواثب الفارس والراجل ، ويقوم على ذنبه وربما بلغ الفارس ، ويكون في الصحاري . وقيل : هو الثعبان . قال اللحياني : يقال للحية شجاع ، وثلاثة أشجعة ، ثم شجعان . والأقرع من الحيات هو الذي تمعط رأسه وابيض من السم . في الموطإ : له زبيبتان ، أي نقطتان منتفختان في شدقيه كالرغوتين . ويكون ذلك في شدقي الإنسان إذا غضب وأكثر من الكلام . قالت أم غيلان بنت جرير ربما أنشدت أبي حتى يتزبب شدقاي . ضرب مثلا للشجاع الذي كثر سمه فيمثل المال بهذا الحيوان فيلقى صاحبه غضبان . وقال ابن دريد : نقطتان سوداوان فوق عينيه . في رواية : مثل له شجاع يتبعه فيضطره فيعطيه يده فيقضمها كما يقضم الفحل . وقال ابن مسعود : والله لا يعذب الله أحدا بكنز فيمس درهم درهما ولا دينار دينارا ، ولكن يوسع جلده حتى يوضع كل درهم ودينار على حدته وهذا إنما يصح في الكافر - كما ورد في الحديث - لا في المؤمن . والله أعلم .
الثالثة : أسند الطبري إلى أبي أمامة الباهلي قال : مات رجل من أهل الصفة فوجد في بردته دينار . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كية " . ثم مات آخر فوجد له ديناران . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيتان . وهذا إما لأنهما كانا يعيشان من الصدقة وعندهما التبر ، وإما لأن هذا كان في صدر الإسلام ، ثم قرر الشرع ضبط المال وأداء حقه . ولو كان ضبط المال ممنوعا لكان حقه أن يخرج كله ، وليس في الأمة من يلزم هذا . وحسبك حال الصحابة وأموالهم رضوان الله عليهم . وأما ما ذكر عن أبي ذر فهو مذهب له ، رضي الله عنه . وقد روى موسى بن عبيدة عن عمران بن أبي أنس عن مالك بن أوس بن الحدثان عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من جمع دينارا أو درهما أو تبرا أو فضة ولا يعده لغريم ولا ينفقه في سبيل الله فهو كنز يكوى به يوم القيامة .
قلت : هذا الذي يليق بأبي ذر رضي الله عنه أن يقول به ، وأن ما فضل عن الحاجة فليس بكنز إذا كان معدا لسبيل الله . وقال أبو أمامة : من خلف بيضا أو صفرا كوي بها مغفورا له أو غير مغفور له ، ألا إن حلية السيف من ذلك . وروى ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما من رجل يموت وعنده أحمر أو أبيض إلا جعل الله له بكل قيراط صفيحة يكوى بها من فرقه إلى قدمه مغفورا له بعد ذلك أو معذبا .
قلت : وهذا محمول على ما لم تؤد زكاته بدليل ما ذكرنا في الآية قبل هذا . فيكون التقدير : وعنده أحمر أو أبيض لم يؤد زكاته . وكذلك ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه : من ترك عشرة آلاف جعلت صفائح يعذب بها صاحبها يوم القيامة . أي إن لم يؤد زكاتها ، لئلا تتناقض الأحاديث . والله أعلم .
الرابعة : قوله تعالى هذا ما كنزتم لأنفسكم أي يقال لهم هذا ما كنزتم ، فحذف . فذوقوا ما كنتم تكنزون أي عذاب ما كنتم تكنزون .
- الطبرى : يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ
القول في تأويل قوله : يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فبشر هؤلاء الذين يكنـزون الذهب والفضة, ولا يخرجون حقوق الله منها، يا محمد، بعذاب أليم =(يوم يحمى عليها في نار جهنم)، فـ " اليوم " من صلة " العذاب الأليم ", كأنه قيل: يبشرهم بعذاب أليم، يعذبهم الله به في يوم يحمى عليها.
ويعني بقوله: (يحمى عليها)، تدخل النار فيوقد عليها، أي: على الذهب والفضة التي كنـزوها =(في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم).
* * *
وكل شيء أدخل النار فقد أحمي إحماءً, يقال منه: " أحمَيت الحديدة في النار أحميها إحماءً".
* * *
وقوله: (فتكوى بها جباههم)، يعني بالذهب والفضة المكنوزة، يحمى عليها في نار جهنم، يكوي الله بها. يقول: يحرق الله جباهَ كانـزيها وجنوبَهم وظهورهم =(هذا ما كنـزتم)، ومعناه: ويقال لهم: هذا ما كنـزتم في الدنيا، أيها الكافرون الذين منعوا كنوزهم من فرائض الله الواجبة فيها لأنفسكم =(فذوقوا ما كنتم تكنـزون)، يقول: فيقال لهم: فاطعَمُوا عذاب الله بما كنتم تمنعون من أموالكم حقوقَ الله وتكنـزونها مكاثرةً ومباهاةً. (38)
وحذف من قوله: (هذا ما كنـزتم) و " يقال لهم "، لدلالة الكلام عليه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16675- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية, قال: أخبرنا أيوب, عن حميد بن هلال قال: كان أبو ذر يقول: بشّر الكنّازين بكيّ في الجباه، وكيّ في الجنوب، وكيٍّ في الظهور, حتى يلتقي الحرُّ في أجوافهم. (39)
16676-...... قال: حدثنا ابن علية, عن الجريري, عن أبي العلاء بن الشخير, عن الأحنف بن قيس قال: قدمت المدينة, فبينا أنا في حَلْقَة فيها ملأ من قريش، إذ جاء رجل أخشن الثياب, أخشن الجسد, أخشن الوجه, (40) فقام عليهم فقال: بشِّر الكنازين برضْفٍ يحمى عليه في نار جهنم، (41) فيوضع على حَلَمة ثدْي أحدهم حتى يخرج من نُغْضِ كتفه, ويوضع على نُغْضِ كتفه، (42) حتى يخرج من حَلَمة ثدييه، يتزلزل، (43) قال: فوضع القوم رءوسهم, فما رأيت أحدًا منهم رجع إليه شيئًا. قال: وأدبر، فاتبعته, حتى جلس إلى ساريةٍ, فقلت: ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قُلْت ! فقال: إن هؤلاء لا يعقلون شيئًا. (44)
16677- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا الحكم قال، حدثني عمرو بن قيس, عن عمرو بن مرة الجملي, عن أبي نصر، عن الأحنف بن قيس, قال: رأيت في مسجد المدينة رجلا غليظ الثياب، رثَّ الهيئة, يطوف في الحِلَق وهو يقول: بشر أصحاب الكنوز بكيٍّ في جنوبهم, وكي في جباههم, وكيٍّ في ظهورهم ! ثم انطلق وهو يتذمَّر يقول (45) ما عسى تصنعُ بي قريش!! (46)
16678- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة قال: قال أبو ذر: بشر أصحاب الكنوز بكيٍّ في الجباه, وكيٍّ في الجنوب, وكيٍّ في الظهور.
16679- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن قابوس, عن أبيه, عن ابن عباس: (يوم يحمى عليها في نار جهنم)، قال: حية تنطوي على جبينه وجبهته تقول: أنا مالُك الذي بخلت به! (47)
16680- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة, عن سالم بن أبي الجعد, عن معدان بن أبي طلحة, عن ثوبان: أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: من ترك بعدَه كنـزا مثَلَ له يوم القيامة شُجَاعًا أقرعَ له زبيبتان, (48) يتبعه يقول: ويلك ما أنت؟ فيقول: أنا كنـزك الذي تركته بعدك! فلا يزال يتبعه حتى يُلْقِمه يده فيقضمها، ثم يتبعه سائر جسده. (49)
16681- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن ابن طاوس, عن أبيه قال: بلغني أن الكنوز تتحوَّل يوم القيامة شجاعًا يتبع صاحبه وهو يفرُّ منه، ويقول: أنا كنـزك ! لا يدرك منه شيئًا إلا أخذه.
16682- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير, عن الأعمش, عن عبد الله بن مرة, عن مسروق, عن عبد الله قال: والذي لا إله غيره, لا يكوى عبد بكنـز فيمسُّ دينارٌ دينارًا ولا درهم درهمًا, ولكن يوسع جلده، فيوضع كل دينار ودرهم على حِدَته. (50)
16683-...... قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن الأعمش, عن عبد الله بن مرة, عن مسروق, عن عبد الله قال: ما من رجل يكوَى بكنـز فيوضع دينار على دينارٍ ولا درهم على درهم, ولكن يوسَّع جلده. (51)
--------------------------
الهوامش :
(38) انظر تفسير " ذاق " فيما سلف ص : 15 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .
(39) الأثر : 16675 - " حميد بن هلال العدوي " ، ثقة ، متكلم فيه ، لأنه دخل في عمل السلطان . وقال البزار في مسنده : لم يسمع من أبي ذر . ومات حميد في ولاية خالد بن عبد الله القسري على العراق . مضى برقم : 13768 .
(40) في المطبوعة " خشن " في المواضع الثلاث . وأثبت ما في المخطوطة . وهو المطابق لرواية مسلم . " الخشن " و " الأخشن " ، والأنثى " خشنة " و " خشناء " . من الخشونة . وهو الأحرش من كل شيء . ويقال . " رجل أخشن ، خشن " .
(41) " الرضف " ( بفتح فسكون ) : الحجارة المحماة على النار ، والعرب يوغرون بها اللبن ، ويشوون عليها اللحم .
(42) " نغض الكتف " ( بضم فسكون ، أو فتح فسكون ) و " ناغض الكتف " ، هو عند أعلى الكتف ، عظم رقيق على طرفه ، ينغض إذا مشى الماشي ، أي يتحرك .
(43) " يتزلزل " ، أي يتحرك ويضطرب ، كأنه يزل مرة بعد أخرى ، يقول : يضطرب الرضف المحمي نازلا من نغض الكتف حتى يخرج من حلمة الثدي .
(44) الأثر 16676 - " الجريري " ، هو " سعيد بن إياس الجريري " الحافظ المشهور ، روى له الجماعة ، مضى برقم : 196 ، 12274 .
و " أبو العلاء بن الشخير " ، هو " يزيد بن عبد الله بن الشخير " ثقة وروى له الجماعة . مضى برقم 15514 ، 15515 .
وهذا الخبر رواه البخاري بنحوه مطولا في صحيحه ( الفتح 3 : 128 ) - ورواه مسلم في صحيحه 7 / 77 بلفظه من هذا الطريق مطولا أيضا .
(45) " يتذمر " ، أي : يصخب من الغضب ، كأنه يعاتب نفسه .
(46) الأثر : 16677 - " عمرو بن قيس الملائي ، ثقة ، مضى مرارا .
و "
عمرو بن مرة الجملي " ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى مرارا .و "
أبو نصر " ، لم أعرف من هو ؟(47) الأثر : 16679 - "
قابوس بن أبي ظبيان الجنبي " ، ضعيف ، لا يحتج به ، مضى برقم : 9745 ، 10683 .وأبوه : "
أبو ظبيان الجنبي " ، هو " حصين بن جندب " ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى أيضا برقم : 9745 ، 10683 .وانظر ما سلف في حديث ابن مسعود رقم : 8285 - 8289 .
(48) "
الشجاع " ، ضرب من الحيات مارد خبيث . " والأقرع " ، هو الذي لا شعر له على رأسه ، قد تمعط عليه رأسه لكثرة سمه ، وطول عمره . و " الزبيبتان " : نكتتان سوداوان تكونان فوق عينيه ، وهو أوحش ما يكون من الحيات وأخبثه .(49) الأثر : 16680 - "
سالم بن أبي الجعد الأشجعي " ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى برقم : 4244 ، 11546 ، 16661 - 16666 .و "
معدان بن أبي طلحة الكناني " ، تابعي ثقة ، مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 2 / 38 ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 404 .وهذا الخبر ، ذكره ابن كثير في تفسيره 4 : 157 ، وقال : "
رواه ابن حبان في صحيحه من حديث يزيد بن سعيد ، به . وأصل هذا الحديث في الصحيحين ، من رواية أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه = وفي صحيح مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه ، عن أبي هريرة " ، وذكر الخبر .(50) الأثر : 16682 - هذا الخبر ، ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد 7 : 29 ، 30 ، وقال : "
رواه الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح " .وذكره ابن كثير في تفسيره 4 : 156 ، وقال : "
وقد رواه ابن مردويه ، عن أبي هريرة مرفوعا ، ولا يصح رفعه ، والله أعلم " .وذكره السيوطي في الدر المنثور 3 : 233 ، ونسبه إلى ابن أبي حاتم ، والطبراني ، وأبي الشيخ ، لم يذكر ابن جرير .
(51) الأثر : 16683 - هو مكرر الأثر السالف ، بإسناد آخر ، مختصرا .
- ابن عاشور : يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ
انتصب { يوم يحمى } على الظرفية لِ { عذاب } [ التوبة : 34 ] ، لما في لفظ عَذاب من معنى يُعذّبون . وضمير { عليها عائد إلى الذهب والفضة } [ التوبة : 34 ] بتأويلهما بالدنانير والدراهم ، أو عائد إلى { أمْوالَ الناس } [ التوبة : 34 ] و { الذهبَ والفضةَ } [ التوبة : 34 ] ، إن كان الضمير في قوله : { فبشرهم } [ التوبة : 34 ] عائداً إلى { الأحبار والرهبان والذين يكنزون } [ التوبة : 34 ].
والحَمْيُ شدّة الحرارة . يقال : حَمِيَ الشيء إذا اشتدّ حرّه .
والضمير المجرور بعلَى عائد إلى { الذهب والفضة } [ التوبة : 34 ] باعتبار أنّها دنانير أو دراهم ، وهي متعدّدة وبني الفعل للمجهول لعدم تعلّق الغرض بالفاعل ، فكأنّه قيل : يوم يحمي الحَامون عليها ، وأسند الفعل المبني للمجهول إلى المجرور لعدم تعلّق الغرض بذكر المفعول المحمي لظهوره : إذ هو النار التي تُحمى ، ولذلك لم يقرن بعلامة التأنيث ، عُدّي بعلَى الدالّة على الاستعلاء المجازي لإفادة أنّ الحَمْي تمكّن من الأموال بحيث تكتسب حرارة المحمي كلها ، ثم أكّد معنى التمكّن بمعنى الظرفية التي في قوله : { في نار جهنم } فصارت الأموال محمية عليها النارُ وموضوعة في النار . وبإضافة النار إلى جهنّم علم أنّ المحمي هو نار جهنّم التي هي أشدّ نار في الحرارة فجاء تركيباً بديعاً من البلاغة والمبالغةِ في إيجاز .
والكَيُّ : أن يوضع على الجلد جمرٌ أو شيء مشتعل .
والجِباه : جمع جَبْهَة وهي أعلى الوجه ممّا يلي الرأس .
والجنُوب : جمع جَنْب وهو جانب الجسد من اليمين واليسار .
والظُّهور : جمع ظَهْر وهو ما بين العنفقة إلى منتهى فقار العظم .
والمعنى : تعميم جهات الأجساد بالكَي فإنّ تلك الجهات متفاوتة ومختلفة في الإحساس بألَم الكي ، فيحصل مع تعميم الكي إذاقة لأصناففٍ من الآلام .
وسُلك في التعبير عن التعميم مسلكُ الإطناب بالتعداد لاستحضار حالة ذلك العقاب الأليم ، تهويلاً لشأنه ، فلذلك لم يقل : فتكوى بها أجسادهم .
وكيفيةُ إحضار تلك الدراهم والدنانير لتُحمى من شؤون الآخرة الخارقة للعادات المألوفة فبقدرة الله تحضر تلك الدنانير والدراهم أو أمثالها كما ورد في حديث مانع الزكاة في «الموطأ» و«الصحيحين» أنّه يمثّل له ماله شُجاعاً أقرَع يأخذ بلهزمتيه يقول : «أنا مالك أنا كنزلك» وبقدرة الله يكوى الممتنعون من إنفاقها في سبيل الله ، وإن كانت قد تداول أعيانَها خلقٌ كثير في الدنيا بانتقالها من يد إلى يد ، ومن بلد إلى بلد ، ومن عصَر إلى عصر .
وجملة { هذا ما كنزتم لأنفسكم } مقول قول محذوف ، وحَذْف القول في مثله كثير في القرآن ، والإشارة إلى المحمي ، وزيادة قوله : { لأنفسكم } للتنديم والتغليظ ولام التعليل مؤذنة بقصد الانتفاع لأنّ الفعل الذي علّل بها هو من فعل المخاطب ، وهو لا يفعل شيئاً لأجل نفسه إلاّ لأنّه يريد به راحتها ونفعها ، فلمّا آل بهم الكنز إلى العذاب الأليم كانوا قد خابوا وخسروا فيما انتفعوا به من الذهب والفضة ، بما كان أضعافاً مضاعفة من ألم العذاب وجملة { فذوقوا ما كنتم تكنزون } توبيخ وتنديم .
والفاء في { فذوقوا } لتفريع مضمون جملة التوبيخ على جملة التنديم الأولى .
والذوْق مجاز في الحسّ بعلاقة الإطلاق ، وتقدم عند قوله تعالى : { ليذوق وبال أمره } في سورة العقود ( 95 ).
وما كنتم تكنزون } مفعول لفعل الذوق على تقدير مضاف يعلم من المقام : أي ذوقوا عذابَ ما كنتم تكنزون .
وعُبِّر بالموصولية في قوله : { ما كنتم تكنزون } للتنبيه على غلطهم فيما كنزوا لقصد التنديم .
- إعراب القرآن : يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ
«يَوْمَ» ظرف مكان متعلق ب «عذاب أليم» أو بفعل اذكر المحذوف. «يُحْمى » مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. «عَلَيْها» متعلقان بنائب الفاعل أي يوم تحمى النار عليهم ، والجملة في محل جر بالإضافة. «فِي نارِ» متعلقان بالفعل. «جَهَنَّمَ» مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة. «فَتُكْوى » مضارع مبني للمجهول تعلق به الجار والمجرور ، والفاء عاطفة. «جِباهُهُمْ» نائب فاعل. «وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ» أسماء معطوفة. «هذا ما» اسم إشارة في محل رفع مبتدأ واسم الموصول في محل رفع خبره والجملة الاسمية مقول القول المقدر. «كَنَزْتُمْ» فعل ماض والتاء فاعل والميم لجمع الذكور والجملة صلة الموصول لا محل لها. «لِأَنْفُسِكُمْ» متعلقان بالفعل. «فَذُوقُوا» فعل أمر مبني على حذف النون وفاعله ، والفاء هي الفصيحة. «ما» اسم موصول في محل نصب مفعول به. «كُنْتُمْ» فعل ماض ناقص والتاء اسمها والجملة صلة الموصول وجملة «تَكْنِزُونَ» خبرها.
- English - Sahih International : The Day when it will be heated in the fire of Hell and seared therewith will be their foreheads their flanks and their backs [it will be said] "This is what you hoarded for yourselves so taste what you used to hoard"
- English - Tafheem -Maududi : يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ(9:35) The Day shall surely come when the same gold and silver shall be heated in the fire of Hell, and therewith their foreheads, their bodies and their backs shall be .branded, (saying), "Here is that treasure you had hoarded up for yourselves: now taste the evil of your hoarded treasure"
- Français - Hamidullah : le jour où ces trésors seront portés à l'incandescence dans le feu de l'Enfer et qu'ils en seront cautérisés front flancs et dos voici ce que vous avez thésaurisé pour vous-mêmes Goûtez de ce que vous thésaurisiez
- Deutsch - Bubenheim & Elyas : am Tag da im Feuer der Hölle darüber heiß gemacht wird und damit ihre Stirnen ihre Seiten und ihre Rücken gebrandmarkt werden Dies ist was ihr für euch selbst gehortet habt Nun kostet was ihr zu horten pflegtet
- Spanish - Cortes : el día que esos metales se pongan candentes en el fuego de la gehena y sus frentes costados y espaldas sean marcados con ellos Esto es lo que atesorabais para vosotros ¡Gustad pues lo que atesorabais
- Português - El Hayek : No dia em que tudo for fundido no fogo infernal e com isso forem estigmatizadas as suas frontes os seus flancos e assuas espáduas serlhesá dito eis o que entesourastes Experimentaio pois
- Россию - Кулиев : В тот день они накопленные ими сокровища будут раскалены в огне Геенны и ими будут заклеймены их лбы бока и спины Им будет сказано Вот то что вы копили для себя Вкусите же то что вы копили
- Кулиев -ас-Саади : يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ
В тот день они (накопленные ими сокровища) будут раскалены в огне Геенны, и ими будут заклеймены их лбы, бока и спины. Им будет сказано: «Вот то, что вы копили для себя. Вкусите же то, что вы копили!»Когда наступит День воскресения, накопленное грешниками богатство будет раскалено в Адском Пламени. Каждый динар и дирхем будет раскален до высшей точки накаливания, а затем ими будут прижигать лбы, бока и спины грешников. Как только они остынут, их начнут раскалять заново, чтобы такое наказание продолжалось в течение пятидесяти тысячи лет. Наряду с этим грешников будут упрекать и порицать, говоря им: «Вот то, что вы накопили для себя. Вкусите же то, что вы накопили! Аллах не поступает с вами несправедливо - вы сами были несправедливы по отношению к себе. И теперь ваши сокровища причиняют вам невыносимые страдания». В этом и предыдущем аятах Аллах упомянул о том, как человек может несправедливо распорядиться своим имуществом. Во-первых, такое возможно, если человек расходует его на порочные цели, которые приносят ему не пользу, а один только вред. Примером этого является расходование имущества на совершение грехов или ради удовлетворения низменных желаний, не имеющих отношения к выполнению обязанностей перед Аллахом, или расходование материальных средств для того, чтобы помешать людям встать на прямой путь. Во-вторых, такое возможно, если человек отказывается от выплаты обязательных пожертвований. И если поступать так запрещено, то этот запрет подразумевает повеление поступать противоположным образом.
- Turkish - Diyanet Isleri : Bunlar cehennem ateşinde kızdırıldığı gün alınları böğürleri ve sırtları onlarla dağlanacak "Bu kendiniz için biriktirdiğinizdir; biriktirdiğinizi tadın" denecek
- Italiano - Piccardo : nel Giorno in cui queste ricchezze saranno rese incandescenti dal fuoco dell'Inferno e ne saranno marchiate le loro fronti i loro fianchi e le loro spalle “Questo è ciò che accumulavate Gustate dunque quello che avete accumulato”
- كوردى - برهان محمد أمين : ئهو سزا سهخته له ڕۆژێکدا دهبێت ئهو پاره و سامانهی کۆیان کردۆتهوه له دۆزهخدا سوور دهکرێتهوه ناوچاو و لاتهنیشت و پشتیانی پێ داخ دهکرێت ئینجا پێیان دهوترێت ئهمه ئهو سامانهیه که کۆتان دهکردهوه بۆ خۆتان ده بچێژن سزای ئهوهی که بۆ خۆتان کۆدهکردهوه
- اردو - جالندربرى : جس دن وہ مال دوزخ کی اگ میں خوب گرم کیا جائے گا۔ پھر اس سے ان بخیلوں کی پیشانیاں اور پہلو اور پیٹھیں داغی جائیں گی اور کہا جائے گا کہ یہ وہی ہے جو تم نے اپنے لیے جمع کیا تھا سو جو تم جمع کرتے تھے اب اس کا مزہ چکھو
- Bosanski - Korkut : na Dan kad se ono u vatri džehennemskoj bude usijalo pa se njime čela njihova i slabine njihove i leđa njihova budu žigosala "Ovo je ono što ste za sebe zgrtali; iskusite zato kaznu za ono što ste gomilali"
- Swedish - Bernström : den dag då dessa [skatter] skall glödgas i helvetets eld och deras pannor sidor och ryggar brännmärkas med detta [och en röst säger] "Detta är de skatter ni samlade för att i ensamhet [ruva över dem]; smaka nu det som ni lade på hög
- Indonesia - Bahasa Indonesia : pada hari dipanaskan emas perak itu dalam neraka jahannam lalu dibakar dengannya dahi mereka lambung dan punggung mereka lalu dikatakan kepada mereka "Inilah harta bendamu yang kamu simpan untuk dirimu sendiri maka rasakanlah sekarang akibat dari apa yang kamu simpan itu"
- Indonesia - Tafsir Jalalayn : يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ
(Pada hari dipanaskan emas dan perak itu dalam neraka Jahanam lalu disetrika) dibakar (dengannya dahi, lambung dan punggung mereka) bakaran emas-perak itu merata mengenai seluruh kulit tubuh mereka lalu dikatakan kepada mereka ("Inilah harta benda kalian yang kalian simpan untuk diri kalian sendiri, maka rasakanlah sekarang akibat dari apa yang kalian simpan itu") sebagai pembalasannya.
- বাংলা ভাষা - মুহিউদ্দীন খান : সে দিন জাহান্নামের আগুনে তা উত্তপ্ত করা হবে এবং তার দ্বারা তাদের ললাট পার্শ্ব ও পৃষ্ঠদেশকে দগ্ধ করা হবে সেদিন বলা হবে এগুলো যা তোমরা নিজেদের জন্যে জমা রেখেছিলে সুতরাং এক্ষণে আস্বাদ গ্রহণ কর জমা করে রাখার।
- தமிழ் - ஜான் டிரஸ்ட் : நபியே அவர்களுக்கு நீர் அந்த நாளை நினைவூட்டுவீராக அந்த நாளில் அவர்கள் சேமித்து வைத்த செல்வத்தை நரக நெருப்பிலிட்டுக் காய்ச்சி அதைக் கொண்டு அவர்களுடைய நெற்றிகளிலும் விலாப்புறங்களிலும் முதுகுகளிலும் சூடு போடப்படும் இன்னும் "இது தான் நீங்கள் உங்களுக்காகச் சேமித்து வைத்தது ஆகவே நீங்கள் சேமித்து வைத்ததைச் சுவைத்துப் பாருங்கள்" என்று கூறப்படும்
- ภาษาไทย - ภาษาไทย : “วันที่มัน จะถูกเผาไฟนรกแห่งญะฮันนัม แล้วหน้าผากของพวกเขา และสีข้างของพวกเขา และหลังของพวกเขาจะถูกนาบด้วยมัน นี้แหละ คือสิ่งที่พวกเจ้าได้สะสมไว้ เพื่อ ตัวของพวกเจ้าเอง ดังนั้นจงลิ้มรสสิ่งที่พวกเจ้าสะสมไว้เถิด”
- Uzbek - Мухаммад Содик : Бир куни ўшаолтинкумушларни жаҳаннам ўтида қизитилади ва пешоналари ёнбошлари ҳамда орқаларига босилиб Мана бу ўзингиз учун тўплаган нарсангиз бас энди тўплаб юрган нарсангизни татиб кўринг дейилур
- 中国语文 - Ma Jian : 在那日,要把那些金银放在火狱的火里烧红,然后用来烙他们的前额、肋下和背脊。这是你们为自己而窖藏的金银。你们尝尝藏在窖里的东西的滋味吧!
- Melayu - Basmeih : Iaitu pada hari dibakar emas perak dan harta benda itu dalam neraka jahanam lalu diselar dengannya dahi mereka dan rusuk mereka serta belakang mereka sambil dikatakan kepada mereka "Inilah apa yang telah kamu simpan untuk diri kamu sendiri oleh itu rasalah azab dari apa yang kamu simpan itu
- Somali - Abduh : maalinta lagu gubi xoolahaas dartood naarta jahannamo ay ku guban wajiyadoodu iyo dhinacyadoodu iyo dhabarkoodu oo lagu odhan kani waa waxaad u kaydsanayseen Naftiinna ee dhadhamiya waxaad kaydsanayseen ciqaabtiisa
- Hausa - Gumi : A Rãnar da ake ƙõna shi a kanta a cikin wutar Jahannama sai a yi lalas da ita ga gõshinansu da sãshinansu da bãyayyakinsu a ce musu "Wannan ne abin da kuka taskace dõmin rãyukanku To ku ɗanɗani abin da kuka kasance kunã sanyãwa a taska"
- Swahili - Al-Barwani : Siku zitapo tiwa moto katika Moto wa Jahannamu na kwazo vikachomwa vipaji vya nyuso zao na mbavu zao na migongo yao wakaambiwa Haya ndiyo mlio jilimbikia nafsi zenu basi onjeni mliyo kuwa mkilimbika
- Shqiptar - Efendi Nahi : që do t’i goditë në Ditën kur do të digjen në zjarrin e xhehennemit e me të do të damkoset balli i tyre anët ijet e tyre dhe shpina e tyre U thuhet atyre “Këtë e keni mbledhur për vete; andaj shijoni atë që e grumbulluat”
- فارسى - آیتی : روزى كه در آتش جهنم گداخته شود و پيشانى و پهلو و پشتشان را با آن داغ كنند. اين است آن چيزى كه براى خود اندوخته بوديد. حال طعم اندوخته خويش را بچشيد.
- tajeki - Оятӣ : рӯзе, ки дар оташи ҷаҳаннам гудохта шаванд ва пешониву паҳлӯ ва пушташонро бо он доғ кунанд. Ин аст он чизе, ки барои худ ҷамъ карда будед. Ҳоло таъми захираи хешро бичашед!
- Uyghur - محمد صالح : ئۇ كۈندە (يەنى قىيامەت كۈنىدە) ئۇ ئالتۇن - كۈمۈشلەر جەھەننەمنىڭ ئوتىدا قىزىتىلىپ، ئۇنىڭ بىلەن ئۇلارنىڭ پېشانىلىرى، يانلىرى ۋە دۈمبىلىرى داغلىنىدۇ. ئۇلارغا: «بۇ سىلەرنىڭ ئۆزۈڭلار ئۈچۈن يىغقان ئالتۇن - كۈمۈشۈڭلار (سىلەر بۇ دۇنيايىڭلاردىكى اﷲ نىڭ ھەققىنى ئادا قىلمىدىڭلار). يىغقان ئالتۇن - كۈمۈشۈڭلارنىڭ ۋابالىنى تېتىڭلار» دېيىلىدۇ
- Malayalam - ശൈഖ് മുഹമ്മദ് കാരകുന്ന് : നരകത്തീയിലിട്ട് ചുട്ടുപഴുപ്പിച്ച് അവകൊണ്ട് അവരുടെ നെറ്റികളും പാര്ശ്വയഭാഗങ്ങളും മുതുകുകളും ചൂടുവെക്കും ദിനം! അന്ന് അവരോടു പറയും: "ഇതാണ് നിങ്ങള് നിങ്ങള്ക്കാ യി സമ്പാദിച്ചുവെച്ചത്. അതിനാല് നിങ്ങള് സമ്പാദിച്ചുവെച്ചതിന്റെ രുചി ആസ്വദിച്ചുകൊള്ളുക.”
- عربى - التفسير الميسر : يوم القيامه توضع قطع الذهب والفضه في النار فاذا اشتدت حرارتها احرقت بها جباه اصحابها وجنوبهم وظهورهم وقيل لهم توبيخا هذا مالكم الذي امسكتموه ومنعتم منه حقوق الله فذوقوا العذاب الموجع بسبب كنزكم وامساككم