- عربي - نصوص الآيات عثماني : إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِى كِتَٰبِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَٰتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَٰتِلُونَكُمْ كَآفَّةً ۚ وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ
- عربى - نصوص الآيات : إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ۚ ذلك الدين القيم ۚ فلا تظلموا فيهن أنفسكم ۚ وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ۚ واعلموا أن الله مع المتقين
- عربى - التفسير الميسر : إنّ عدة الشهور في حكم الله وفيما كُتب في اللوح المحفوظ اثنا عشر شهرًا، يوم خلق السموات والأرض، منها أربعة حُرُم؛ حرَّم الله فيهنَّ القتال (هي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب) ذلك هو الدين المستقيم، فلا تظلموا فيهن أنفسكم؛ لزيادة تحريمها، وكون الظلم فيها أشد منه في غيرها، لا أنَّ الظلم في غيرها جائز. وقاتلوا المشركين جميعًا كما يقاتلونكم جميعًا، واعلموا أن الله مع أهل التقوى بتأييده ونصره.
- السعدى : إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ
يقول تعالى {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ} أي: في قضائه وقدره. {اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} وهي هذه الشهور المعروفة {فِي كِتَابِ اللَّهِ} أي في حكمه القدري، {يَوْمَ خَلَقَ السموات وَالْأَرْضَ} وأجرى ليلها ونهارها، وقدر أوقاتها فقسمها على هذه الشهور الاثني عشر [شهرًا].
{مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} وهي: رجب الفرد، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وسميت حرما لزيادة حرمتها، وتحريم القتال فيها.
{فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} يحتمل أن الضمير يعود إلى الاثنى عشر شهرا، وأن اللّه تعالى بين أنه جعلها مقادير للعباد، وأن تعمر بطاعته، ويشكر اللّه تعالى على مِنَّتِهِ بها، وتقييضها لمصالح العباد، فلتحذروا من ظلم أنفسكم فيها.
ويحتمل أن الضمير يعود إلى الأربعة الحرم، وأن هذا نهي لهم عن الظلم فيها، خصوصا مع النهي عن الظلم كل وقت، لزيادة تحريمها، وكون الظلم فيها أشد منه في غيرها.
ومن ذلك النهي عن القتال فيها، على قول من قال: إن القتال في الأشهر الحرام لم ينسخ تحريمه عملا بالنصوص العامة في تحريم القتال فيها.
ومنهم من قال: إن تحريم القتال فيها منسوخ، أخذا بعموم نحو قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} أي: قاتلوا جميع أنواع المشركين والكافرين برب العالمين.
ولا تخصوا أحدًا منهم بالقتال دون أحد، بل اجعلوهم كلهم لكم أعداء كما كانوا هم معكم كذلك، قد اتخذوا أهل الإيمان أعداء لهم، لا يألونهم من الشر شيئًا.
ويحتمل أن {كَافَّةً} حال من الواو فيكون معنى هذا: وقاتلوا جميعكم المشركين، فيكون فيها وجوب النفير على جميع المؤمنين.
وقد نسخت على هذا الاحتمال بقوله: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} الآية. {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} بعونه ونصره وتأييده، فلتحرصوا على استعمال تقوى اللّه في سركم وعلنكم والقيام بطاعته، خصوصا عند قتال الكفار، فإنه في هذه الحال، ربما ترك المؤمن العمل بالتقوى في معاملة الكفار الأعداء المحاربين.
- الوسيط لطنطاوي : إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ
ثم عادت السورة بعد ذلك إلى تكملة الحديث عن أحوال المشركين السيئة ، وعن وجوب مقاتلتهم ، فقال تعالى . ( إِنَّ عِدَّةَ الشهور . . . . القوم الكافرين ) .
قال صحاب المنار ، هاتان الآيتان عود إلى الكلام فى أحوال المشركين ، وما يشرع من معاملاتهم بعد الفتح ، وسقوط عصبية الشرك ، وكان الكلام قبل هاتين الآيتين - فى قتال أهل الكتاب وما يجب أن ينتهى به من إعطاء الجزية من قبيل الاستطراد ، اقتضاه ما ذكر قبله من أحكام قتال المشركين ومعاملتهم ، وقد ختم الكلام فى أهل الكتاب ببيان حال كثير من رجال الدين الذين أفسدت عليهم دينهم المطامع المالية ، التى هى وسيلة العظمة الدنيوية والشهوات الحيوانية ، وإنذار من كانت هذه حالهم بالعذاب الشديد يوم القيامة وجعل هذا الإِنذار موجهاً إلينا وإليهم جميعاً . .
والعدة - فى قوله . إن عدة الشهور - : على وزن فعله من العدد وهى بمعنى المعدود . قال الراغب : العدة : هى الشئ المعدود ، قال - تعالى ( وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ النار إِلاَّ مَلاَئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ) أى : وما جعلنا عددهم إلا قتنة للذين كفروا . .
والشهور : جمع شهر . والمراد بها هنا : الشهور التى تتألف منها السنة القمرية وهى شهور . المحرم . وصفر . وربيع الأول . . الخ .
وهذه الشهور عليها مدار الأحكام الشرعية ، وبها يعتد المسلمون فى عبادتهم وأعيادهم وسائر أمورهم .
والمراد بقوله : ( يَوْمَ خَلَقَ السماوات والأرض ) : الوقت الذى خلقهما فيه ، وهو ستة أيام كما جاء فى كثير من الآيات ، ومن ذلك قوله - تعالى - ( إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوى عَلَى العرش ) والمعنى : إن عدد الشهور ( عِندَ الله ) أى : فى حكمه وقضائه ( اثنا عَشَرَ شَهْراً ) هى الشهور القمرية التى عليها يدور فلك الأحكام الشرعية .
وقوله ( فِي كِتَابِ الله ) ، أى : فى اللوح المحفوظ .
قال القرطبى : وأعاده بعد أن قال ( عِندَ الله ) لأن كثيراً من الأشياء يوصف بأنه عند الله ، ولا يقال إنه مكتوب فى كتاب الله ، كقوله ( إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة ) وقيل معنى ( فِي كِتَابِ الله ) أى فيما كتبه - سبحانه - وأثبته وأوجب على عباده العمل به منذ خلق السماوات والأرض .
قال الجمل : وقوله . ( فِي كِتَابِ الله ) صفة لاثنى عشر ، وقوله : ( يَوْمَ خَلَقَ السماوات والأرض ) متعلق بما تعلق به الظرف قبله من معنى الثبوت والاستقرار ، أو بالكتاب ، إن جعل مصدرا .
والمعنى : أن هذا أمر ثابت فى نفس الأمر منذ خلق الله الأجرام والأزمنة أى : أن المقصود من هذه الآية الكريمة ، بيان أن كون الشهور كذلك حكم أثبته - سبحانه فى اللوح المحفوظ منذ أوجد هذا العالم ، وبينه لأنبيائه على هذا الوضع . . فمن الواجب اتباع ترتيب الله لهذه الشهور ، والتزام أحكامها ونبذ ما كان يفعله أهل الجاهلية من تقديم بعض الشهور أو تأخيرها أو الزيادة عليها ، أو انتهاك حرمة المحرم منها .
وقوله : ( حُرُمٌ ) جمع حرام - كسحب جمع سحاب - مأخوذ من الحرمة وذلك لأن الله تعالى - أوجب على الناس احترام هذه الشهور ، ونهى عن القتال فيها :
وقد أجمع العلماء على أن المراد بها ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب ، وبذلك تظاهرت الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم .
فقد أخرج البخارى عن أبى بكر عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال فى خطبة حجة الوداع : " إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض ، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم . ثلاث متواليات : ذو القعدة وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب مضر الذى بين جمادى وشعبان " .
وسماه - صلى الله عليه وسلم - رجب مبضر ، لأن بنى ربيعة بن نزار كانوا يحرمون شهر رمضان ويسمونه رجباً وكانت قبيلة مضر تحرم رجباً نفسه ، لذا قال - صلى الله عليه وسلم - فيه " ورجب مضر الذى بين جمادى وشعبان " .
قال ابن كثير . وإنما كانت الأشهر المحرمة أربعة : ثلاث سرد . وواحد فرد لأجل أداء مناسك الحج والعمرة فحرم قبل الحج شهراً وهو ذو القعدة يقعدون فيه عن القتال وحرم شهر ذى الحجة لأنهم يوقعون فيه الحج ، ويشتغلون بأداء المناسك ، وحرم بعده شهرا آخر هو المحرم ، ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين ، وحرم رجب فى وسط الحول لأجل زيارة البيت والاعمار به لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب ، فيزوره ثم يعود إلى وطنه آمنا .
واسم الإِشارة فى قوله : ( ذلك الدين القيم ) يعود إلى ما شعره الله - تعالى - من أن عدة الشهور أئنا عشر شهراً ، ومن أن منها أربعة حرم .
والقيم : القائم الثابت المستقيم الذى لا التواء فيه ولا اعوجاج أى : ذلك الذى شرعناه لكم من كون عدة الشهور كذلك ، ومن كون منها أربعة حرم : هو الدين القويم ، والشرع الثابت الحكيم ، الذى لا يقبل التغيير أو التبديل . . لا ما شرعه أهل الجاهلية لأنفسهم من تقديم بعض الشهور وتأخير بعضها استجابة لأهوائهم وشهواتهم ، وإرضاء لزعمائهم وسادتهم .
والضمير المؤنث فى قوله ( فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ) يرى ابن عباس أنه يعود على جميع الشهور أى : فلا تظلموا فى الشهور الاثنى عشر أنفسهم ، بأن تفعلوا فيها شيئاً مما نهى الله عن فعله ، ويدخل فى هذا النهى هتك حرمة الأشهر الأربعة الحرم دخولا أوليا .
ويرى جمهور العلماء أن الضمير يعود إلى الأشهر الأربعة الحرم ، لأنه إليها أقرب؛ لأن الله تعالى قد خص هذه الأربعة بمزيد من الاحترام تشريفا لها .
وقد رجح ابن جرير ما ذهب إليه الجمهور فقال ما ملخصه : وأولى الأقوال فى ذلك عندى بالصواب قول من قال : فلا تظلموا فى الأشهر الأربعة أنفسكم باستحلال حرامها ، فإن الله عظمها وعظم حرمتها .
وعن قتادة : إن الله اصطفى صفيا من خلقه ، اصطفى من الملائكة رسلا ، ومن الناس رسلا ، واصطفى من الكلام ذكره ، واطفى من الأرض المساجد واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم ، واصطفى من الأيام يوم الجمعة واصطفى من الليالى ليلة القدر ، فعظموا ما عظم الله ، فإنما تعظم الأمور بما عظمها الله عند أهل الفهم . . فإن قال قائل : فإن كان الأمر على ما وصفت ، فقد يكون مباحا لنا ظلم أنفسنا فى غيرهن من سائر شهور السنة .
قيل : ليس ذلك كذلك ، بلذلك حرام علينا فى كل وقت ولكن الله عظم حرمة هؤلاء الأشهر وشرفهم على سائر شهور لاسنة : فخص الذنب فيهن ، بالتعظيم كما خصهن بالتشريف ، وذلك نظير قوله - تعالى - ( حَافِظُواْ عَلَى الصلوات والصلاة الوسطى ) ولا شك أن الله قد أمرنا بالمحافظة على الصلوات المفروضات كلها بقوله : ( حَافِظُواْ عَلَى الصلوات ) ولم يبح ترك المحافظة عليهن بأمره بالمحافظة على الصلاة الوسطى ، ولكنه تعالى - زادها تعظيما ، وعلى المحافظة عليها توكيداً ، وفى تضييعها تشديداً ، فكذلك فى قوله ( مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلك الدين القيم فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ) .
وقد كانت الجاهلية تعظم هذه الأشهر الحرم وتحرم القتال فيهن ، حتى لو لقى الرجل منهم فيهن قاتل أبيه لم يهجه .
وقال القرطبى : لا يقال كيف جعلت بعض الأزمنة أعظم حرمة من بعض فإنا نقول : للبارى - تعالى - أن يفعل ما شاء ، ويخص بالفضيلة ما يشاء ليس لعمله علة ، ولا عليه حجر ، بل يفعل ما ريد بحكمته ، وقد تظهر فيه الحكمة وقد تخفى .
وقوله : ( وَقَاتِلُواْ المشركين كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً ) تحريض للمؤمنين على قتال المشركين بقلوب مجتمعه ، وعزيمة صادقة .
وكلمة ( كَآفَّةً ) مصدر فى موضع الحال من ضمير الفاعل فى ( قَاتِلُواْ ) أو من المفعول وهو لفظ المشركين . ومعناها : جميعا .
وقالوا : وهذه الكلمة من الكلمات التى لا تثنى ولا تجمع ولا تدخلها أل ولا تعرب إلا حالا فهى ملزمة للإفراد والتأنيث مثل : عامة وخاصة .
أى : قاتلوا - أيها المؤمنون - المشركين جميعا ، كما يقاتلونكم هم جيمعا ، بأن تكونوا فى قتالكم لهم مجتمعين متعاونين متناصرين . لا مختلفين ولا متخاذيلن .
وقوله : ( واعلموا أَنَّ الله مَعَ المتقين ) تذييل قصد به إرشادهم إلى ما ينفعهم فى قتالهم لأعدائهم بعد أمرهم به .
أى : واعلموا - أيها المؤمنون أن الله تعالى - مع عباده المتقين بالعون ولانصر والتأييد ، ومن كان الله معه فلن يغلبه شئ فكونوا - أيها المؤمنين من عباد الله المتقين الذين صانوا أنفسهم عن كل ما نهى عنه؛ لتنالوا عونه وتأدييده .
- البغوى : إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ
قوله تعالى : ( إن عدة الشهور ) أي : عدد الشهور ، ( عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله ) وهي المحرم وصفر وربيع الأول وشهر ربيع الثاني وجمادى الأولى وجمادى الآخرة ورجب وشعبان وشهر رمضان وشوال وذو القعدة وذو الحجة . وقوله : ( في كتاب الله ) أي : في حكم الله . وقيل : في اللوح المحفوظ . قرأ أبو جعفر : اثنا عشر ، وتسعة عشر ، وأحد عشر ، بسكون الشين ، وقرأ العامة بفتحها ، ( يوم خلق السماوات والأرض ) والمراد منه : الشهور الهلالية ، وهي الشهور التي يعتد بها المسلمون في صيامهم وحجهم وأعيادهم وسائر أمورهم ، وبالشهور الشمسية تكون السنة ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وربع يوم ، والهلالية تنقص عن ثلاثمائة وستين يوما بنقصان الأهلة . والغالب أنها تكون ثلاثمائة وأربعة وخمسين يوما ، ( منها أربعة حرم ) من الشهور أربعة حرم وهي : رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، واحد فرد وثلاثة سرد ، ( ذلك الدين القيم ) أي : الحساب المستقيم .
( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) قيل : قوله " فيهن " ينصرف إلى جميع شهور السنة ، أي : فلا تظلموا فيهن أنفسكم بفعل المعاصي وترك الطاعة . وقيل : " فيهن " أي : في الأشهر الحرم . قال قتادة : العمل الصالح أعظم أجرا في الأشهر الحرم ، والظلم فيهن أعظم من الظلم فيما سواهن ، وإن كان الظلم على كل حال عظيما . وقال ابن عباس : فلا تظلموا فيهن أنفسكم يريد استحلال الحرام والغارة فيهن . قال محمد بن إسحاق بن يسار : لا تجعلوا حلالها حراما ، ولا حرامها حلالا كفعل أهل الشرك وهو النسيء .
( وقاتلوا المشركين كافة ) جميعا عامة ، ( كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين ) واختلف العلماء في تحريم القتال في الأشهر الحرم . فقال قوم : كان كبيرا ثم نسخ بقوله : ( وقاتلوا المشركين كافة ) كأنه يقول فيهن وفي غيرهن . وهو قول قتادة ، وعطاء الخراساني ، والزهري ، وسفيان الثوري ، وقالوا : إن النبي صلى الله عليه وسلم غزا هوازن بحنين ، وثقيفا بالطائف ، وحاصرهم في شوال وبعض ذي القعدة . وقال آخرون : إنه غير منسوخ : قال ابن جريج : حلف بالله عطاء بن أبي رباح : ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ، ولا في الأشهر الحرم ، إلا أن يقاتلوا فيها وما نسخت .
- ابن كثير : إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ
قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، أخبرنا أيوب ، أخبرنا محمد بن سيرين ، عن أبي بكرة ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب في حجته ، فقال : ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، السنة اثنا عشر شهرا ، منها أربعة [ حرم ، ثلاثة ] متواليات : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان . ثم قال : أي يوم هذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : أليس يوم النحر ؟ قلنا : بلى . ثم قال : أي شهر هذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : أليس ذا الحجة ؟ قلنا : بلى . ثم قال : أي بلد هذا ؟ . قلنا : الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : أليست البلدة ؟ قلنا : بلى . قال : فإن دماءكم وأموالكم - قال : وأحسبه قال : وأعراضكم - عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ، ألا لا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض ، ألا هل بلغت ؟ ألا ليبلغ الشاهد الغائب منكم ، فلعل من يبلغه يكون أوعى له من بعض من يسمعه .
ورواه البخاري في التفسير وغيره ، ومسلم من حديث أيوب ، عن محمد - وهو ابن سيرين - عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه ، به .
وقد قال ابن جرير : حدثنا محمد بن معمر ، حدثنا روح ، حدثنا أشعث ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ، ثلاثة متواليات ، ورجب مضر بين جمادى وشعبان .
ورواه البزار ، عن محمد بن معمر به ، ثم قال : لا يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه ، وقد رواه ابن عون وقرة ، عن ابن سيرين ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه ، به .
وقال ابن جرير أيضا : حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، حدثنا زيد بن حباب ، حدثنا موسى بن عبيدة الربذي ، حدثني صدقة بن يسار ، عن ابن عمر قال : خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع بمنى في أوسط أيام التشريق فقال : أيها الناس ، إن الزمان قد استدار ، فهو اليوم كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ، أولهن رجب مضر بين جمادى وشعبان ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم .
وروى ابن مردويه من حديث موسى بن عبيدة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، مثله أو نحوه .
وقال حماد بن سلمة : حدثني علي بن زيد ، عن أبي حرة حدثني الرقاشي ، عن عمه - وكانت له صحبة - قال : كنت آخذا بزمام ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أوسط أيام التشريق ؛ أذود الناس عنه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض ، منها أربعة حرم فلا تظلموا فيهن أنفسكم .
وقال سعيد بن منصور : حدثنا أبو معاوية ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله : ( منها أربعة حرم ) قال : محرم ، ورجب ، وذو القعدة ، وذو الحجة .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض - تقرير منه صلوات الله وسلامه عليه ، وتثبيت للأمر على ما جعله الله تعالى في أول الأمر من غير تقديم ولا تأخير ، ولا زيادة ولا نقص ، ولا نسيء ولا تبديل ، كما قال في تحريم مكة : إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، وهكذا قال هاهنا : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض أي : الأمر اليوم شرعا كما ابتدأ الله ذلك في كتابه يوم خلق السماوات والأرض .
وقد قال بعض المفسرين والمتكلمين على هذا الحديث : إن المراد بقوله : قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، أنه اتفق أن حج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك السنة في ذي الحجة ، وأن العرب قد كانت نسأت النسيء ، يحجون في كثير من السنين ، بل أكثرها ، في غير ذي الحجة ، وزعموا أن حجة الصديق في سنة تسع كانت في ذي القعدة ، وفي هذا نظر ، كما سنبينه إذا تكلمنا على النسيء .
وأغرب منه ما رواه الطبراني ، عن بعض السلف ، في جملة حديث : أنه اتفق حج المسلمين واليهود والنصارى في يوم واحد ، وهو يوم النحر ، عام حجة الوداع ، والله أعلم .
[ حاشية فصل ] .
ذكر الشيخ علم الدين السخاوي في جزء جمعه سماه " المشهور في أسماء الأيام والشهور " : أن المحرم سمي بذلك لكونه شهرا محرما ، وعندي أنه سمي بذلك تأكيدا لتحريمه ؛ لأن العرب كانت تتقلب به ، فتحله عاما وتحرمه عاما ، قال : ويجمع على محرمات ، ومحارم ، ومحاريم .
صفر : سمي بذلك لخلو بيوتهم منه ، حين يخرجون للقتال والأسفار ، يقال : " صفر المكان " : إذا خلا ويجمع على أصفار كجمل وأجمال .
شهر ربيع الأول : سمي بذلك لارتباعهم فيه . والارتباع الإقامة في عمارة الربع ، ويجمع على أربعاء كنصيب وأنصباء ، وعلى أربعة ، كرغيف وأرغفة .
ربيع الآخر : كالأول .
جمادى : سمي بذلك لجمود الماء فيه . قال : وكانت الشهور في حسابهم لا تدور . وفي هذا نظر ؛ إذ كانت شهورهم منوطة بالأهلة ، ولا بد من دورانها ، فلعلهم سموه بذلك ، أول ما سمي عند جمود الماء في البرد ، كما قال الشاعر :
وليلة من جمادى ذات أندية لا يبصر العبد في ظلماتها الطنبا لا ينبح الكلب فيها غير واحدة
حتى يلف على خرطومه الذنبا
ويجمع على جماديات ، كحبارى وحباريات ، وقد يذكر ويؤنث ، فيقال : جمادى الأولى والأول ، وجمادى الآخر والآخرة .
رجب : من الترجيب ، وهو التعظيم ، ويجمع على أرجاب ، ورجاب ، ورجبات .
شعبان : من تشعب القبائل وتفرقها للغارة ويجمع على شعابين وشعبانات .
ورمضان : من شدة الرمضاء ، وهو الحر ، يقال : " رمضت الفصال " : إذا عطشت ، ويجمع على رمضانات ورماضين وأرمضة قال : وقول من قال : " إنه اسم من أسماء الله " ، خطأ لا يعرج عليه ، ولا يلتفت إليه .
قلت : قد ورد فيه حديث ؛ ولكنه ضعيف ، وبينته في أول كتاب الصيام .
شوال : من شالت الإبل بأذنابها للطراق ، قال : ويجمع على شواول وشواويل وشوالات .
القعدة : بفتح القاف - قلت : وكسرها - لقعودهم فيه عن القتال والترحال ، ويجمع على ذوات القعدة .
الحجة : بكسر الحاء - قلت : وفتحها - سمي بذلك لإيقاعهم الحج فيه ، ويجمع على ذوات الحجة .
أسماء الأيام : أولها الأحد ، ويجمع على آحاد ، وأحاد ووحود . ثم يوم الاثنين ، ويجمع على أثانين . الثلاثاء : يمد ، ويذكر ويؤنث ، ويجمع على ثلاثاوات وأثالث . ثم الأربعاء بالمد ، ويجمع على أربعاوات وأرابيع . والخميس : يجمع على أخمسة وأخامس ، ثم الجمعة - بضم الميم ، وإسكانها ، وفتحها أيضا - ويجمع على جمع وجمعات .
السبت : مأخوذ من السبت ، وهو القطع ؛ لانتهاء العدد عنده . وكانت العرب تسمي الأيام أول ، ثم أهون ، ثم جبار ، ثم دبار ، ثم مؤنس ، ثم العروبة ، ثم شيار ، قال الشاعر - من العرب العرباء العاربة المتقدمين - :
أرجي أن أعيش وأن يومي بأول أو بأهون أو جبار
أو التالي دبار فإن أفته فمؤنس أو عروبة أو شيار
وقوله تعالى : ( منها أربعة حرم ) فهذا مما كانت العرب أيضا في الجاهلية تحرمه ، وهو الذي كان عليه جمهورهم ، إلا طائفة منهم يقال لهم : " البسل " ، كانوا يحرمون من السنة ثمانية أشهر ، تعمقا وتشديدا .
وأما قوله : " ثلاث متواليات : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ، [ فإنما أضافه إلى مضر ، ليبين صحة قولهم في رجب أنه الشهر الذي بين جمادى وشعبان ] لا كما كانت تظنه ربيعة من أن رجب المحرم هو الشهر الذي بين شعبان وشوال ، وهو رمضان اليوم ، فبين عليه [ الصلاة و ] السلام أنه رجب مضر لا رجب ربيعة . وإنما كانت الأشهر المحرمة أربعة ، ثلاثة سرد وواحد فرد ؛ لأجل أداء مناسك الحج والعمرة ، فحرم قبل شهر الحج شهر ، وهو ذو القعدة ؛ لأنهم يقعدون فيه عن القتال ، وحرم شهر ذي الحجة لأنهم يوقعون فيه الحج ويشتغلون فيه بأداء المناسك ، وحرم بعده شهر آخر ، وهو المحرم ؛ ليرجعوا فيه إلى نائي أقصى بلادهم آمنين ، وحرم رجب في وسط الحول ، لأجل زيارة البيت والاعتمار به ، لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب ، فيزوره ثم يعود إلى وطنه فيه آمنا .
وقوله تعالى : ( ذلك الدين القيم ) أي : هذا هو الشرع المستقيم ، من امتثال أمر الله فيما جعل من الأشهر الحرم ، والحذو بها على ما سبق في كتاب الله الأول .
وقال تعالى : ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) أي : في هذه الأشهر المحرمة ؛ لأنه آكد وأبلغ في الإثم من غيرها ، كما أن المعاصي في البلد الحرام تضاعف ، لقوله تعالى : ( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ) [ الحج : 25 ] وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام ؛ ولهذا تغلظ فيه الدية في مذهب الشافعي ، وطائفة كثيرة من العلماء ، وكذا في حق من قتل في الحرم أو قتل ذا محرم .
وقال حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، في قوله : ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) قال : في الشهور كلها .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا ) الآية ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) في كلهن ، ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراما ، وعظم حرماتهن ، وجعل الذنب فيهن أعظم ، والعمل الصالح والأجر أعظم .
وقال قتادة في قوله : ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا ، من الظلم فيما سواها ، وإن كان الظلم على كل حال عظيما ، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء . قال : إن الله اصطفى صفايا من خلقه ، اصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس رسلا واصطفى من الكلام ذكره ، واصطفى من الأرض المساجد ، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم ، واصطفى من الأيام يوم الجمعة ، واصطفى من الليالي ليلة القدر ، فعظموا ما عظم الله ، فإنما تعظم الأمور بما عظمها الله به عند أهل الفهم وأهل العقل .
وقال الثوري ، عن قيس بن مسلم ، عن الحسن بن محمد بن الحنفية : بألا تحرموهن كحرمتهن .
وقال محمد بن إسحاق : ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) أي : لا تجعلوا حرامها حلالا ولا حلالها حراما ، كما فعل أهل الشرك ، فإنما النسيء الذي كانوا يصنعون من ذلك زيادة في الكفر ( يضل به الذين كفروا ) الآية [ التوبة : 37 ] . .
وهذا القول اختيار ابن جرير .
وقوله : ( وقاتلوا المشركين كافة ) أي : جميعكم ( كما يقاتلونكم كافة ) أي : جميعهم ، ( واعلموا أن الله مع المتقين )
وقد اختلف العلماء في تحريم ابتداء القتال في الشهر الحرام : هل هو منسوخ أو محكم ؟ على قولين :
أحدهما - وهو الأشهر : أنه منسوخ ؛ لأنه تعالى قال هاهنا : ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) وأمر بقتال المشركين ، وظاهر السياق مشعر بأنه أمر بذلك أمرا عاما ، فلو كان محرما في الشهر الحرام لأوشك أن يقيده بانسلاخها ؛ ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاصر أهل الطائف في شهر حرام - وهو ذو القعدة - كما ثبت في الصحيحين : أنه خرج إلى هوازن في شوال ، فلما كسرهم واستفاء أموالهم ، ورجع فلهم ، فلجئوا إلى الطائف - عمد إلى الطائف فحاصرها أربعين يوما ، وانصرف ولم يفتتحها فثبت أنه حاصر في الشهر الحرام .
والقول الآخر : أن ابتداء القتال في الشهر الحرام حرام ، وأنه لم ينسخ تحريم الحرام ، لقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ) [ الآية ] [ المائدة : 2 ] وقال : ( الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) الآية [ البقرة : 194 ] وقال : ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين ) [ الآية ] [ التوبة : 50 ] .
وقد تقدم أنها الأربعة المقررة في كل سنة ، لا أشهر التسيير على أحد القولين .
وأما قوله تعالى : ( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ) فيحتمل أنه منقطع عما قبله ، وأنه حكم مستأنف ، ويكون من باب التهييج والتحضيض ، أي : كما يجتمعون لحربكم إذا حاربوكم فاجتمعوا أنتم أيضا لهم إذا حاربتموهم ، وقاتلوهم بنظير ما يفعلون ، ويحتمل أنه أذن للمؤمنين بقتال المشركين في الشهر الحرام إذا كانت البداءة منهم ، كما قال تعالى : ( الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص ) [ البقرة : 194 ] وقال تعالى : ( ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم ) الآية [ البقرة : 191 ] ، وهكذا الجواب عن حصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل الطائف ، واستصحابه الحصار إلى أن دخل الشهر الحرام ، فإنه من تتمة قتال هوازن وأحلافها من ثقيف ، فإنهم هم الذين ابتدءوا القتال ، وجمعوا الرجال ، ودعوا إلى الحرب والنزال ، فعندما قصدهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم ، فلما تحصنوا بالطائف ذهب إليهم لينزلهم من حصونهم ، فنالوا من المسلمين ، وقتلوا جماعة ، واستمر الحصار بالمجانيق وغيرها قريبا من أربعين يوما . وكان ابتداؤه في شهر حلال ، ودخل الشهر الحرام ، فاستمر فيه أياما ، ثم قفل عنهم لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء ، وهذا هو أمر مقرر ، وله نظائر كثيرة ، والله أعلم . ولنذكر الأحاديث الواردة في ذلك وقد حررنا ذلك في السيرة ، والله أعلم .
- القرطبى : إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ
قوله تعالى إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين
قوله تعالى إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم فيه ثمان مسائل :
الأولى : قوله تعالى إن عدة الشهور جمع شهر . فإذا قال الرجل لأخيه : لا أكلمك الشهور ، وحلف على ذلك فلا يكلمه حولا ، قاله بعض العلماء . وقيل : لا يكلمه أبدا . ابن العربي : وأرى إن لم تكن له نية أن يقتضي ذلك ثلاثة أشهر لأنه أقل الجمع الذي يقتضيه صيغة فعول في جمع فعل .
عند الله أي في حكم الله وفيما كتب في اللوح المحفوظ .
اثنا عشر شهرا أعربت اثنا عشر شهرا دون نظائرها ؛ لأن فيها حرف الإعراب ودليله . وقرأ العامة ( عشر ) بفتح العين والشين . وقرأ أبو جعفر ( عشر ) بجزم الشين .
في كتاب الله يريد اللوح المحفوظ . وأعاده بعد أن قال عند الله لأن كثيرا من الأشياء يوصف بأنه عند الله ، ولا يقال إنه مكتوب في كتاب الله ، كقوله : إن الله عنده علم الساعة .
الثانية : قوله تعالى يوم خلق السماوات والأرض إنما قال يوم خلق السماوات والأرض ليبين أن قضاءه وقدره كان قبل ذلك ، وأنه سبحانه وضع هذه الشهور وسماها بأسمائها على ما رتبها عليه يوم خلق السماوات والأرض ، وأنزل ذلك على أنبيائه في كتبه المنزلة . وهو معنى قوله تعالى : إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا . وحكمها باق على ما كانت عليه لم يزلها عن ترتيبها تغيير المشركين لأسمائها ، وتقديم المقدم في الاسم منها . والمقصود من ذلك اتباع أمر الله فيها ورفض ما كان عليه أهل الجاهلية من تأخير أسماء الشهور وتقديمها ، وتعليق الأحكام على الأسماء التي رتبوها عليه ، ولذلك قال عليه السلام في خطبته في حجة الوداع : أيها الناس إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض . . . على ما يأتي بيانه . وأن الذي فعل أهل الجاهلية من جعل المحرم صفرا وصفر محرما ليس يتغير به ما وصفه الله تعالى . والعامل في " يوم " المصدر الذي هو في كتاب الله وليس يعني به واحد الكتب ؛ لأن الأعيان لا تعمل في الظروف . والتقدير : فيما كتب الله يوم خلق السماوات والأرض . و ( عند ) متعلق بالمصدر الذي هو العدة ، وهو العامل فيه . و ( في ) من قوله : في كتاب الله متعلقة بمحذوف ، هو صفة لقوله : ( اثنا عشر ) . والتقدير : اثنا عشر شهرا معدودة أو مكتوبة في كتاب الله . ولا يجوز أن تتعلق ب " عدة " لما فيه من التفرقة بين الصلة والموصول بخبر ( إن ) .
الثالثة : هذه الآية تدل على أن الواجب تعليق الأحكام من العبادات وغيرها إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب ، دون الشهور التي تعتبرها العجم والروم والقبط وإن لم تزد على اثني عشر شهرا ؛ لأنها مختلفة الأعداد ، منها ما يزيد على ثلاثين ومنها ما ينقص ، وشهور العرب لا تزيد على ثلاثين وإن كان منها ما ينقص ، والذي ينقص ليس يتعين له شهر ، وإنما تفاوتها في النقصان والتمام على حسب اختلاف سير القمر في البروج .
الرابعة : قوله تعالى منها أربعة حرم الأشهر الحرم المذكورة في هذه الآية ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب الذي بين جمادى الآخرة وشعبان ، وهو رجب مضر ، وقيل له رجب مضر لأن ربيعة بن نزار كانوا يحرمون شهر رمضان ويسمونه رجبا . وكانت مضر تحرم رجبا نفسه ، فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه : الذي بين جمادى وشعبان ورفع ما وقع في اسمه من الاختلال بالبيان . وكانت العرب أيضا تسميه منصل الأسنة ، روى البخاري عن أبي رجاء العطاردي - واسمه عمران بن ملحان وقيل عمران بن تيم - قال : كنا نعبد الحجر ، فإذا وجدنا حجرا هو خير منه ألقيناه وأخذنا الآخر ، فإذا لم نجد حجرا جمعنا حثوة من تراب ثم جئنا بالشاء فحلبنا عليه ثم طفنا به فإذا دخل شهر رجب قلنا منصل الأسنة ، فلم ندع رمحا فيه حديدة ولا سهما فيه حديدة إلا نزعناها فألقيناه .
الخامسة : قوله تعالى ذلك الدين القيم أي الحساب الصحيح والعدد المستوفى . وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : " ذلك الدين " أي ذلك القضاء . مقاتل : الحق . ابن عطية : والأصوب عندي أن يكون الدين هاهنا على أشهر وجوهه ، أي ذلك الشرع والطاعة . " القيم " أي القائم المستقيم ، من قام يقوم . بمنزلة سيد ، من ساد يسود . أصله قيوم .
السادسة : قوله تعالى فلا تظلموا فيهن أنفسكم على قول ابن عباس راجع إلى جميع الشهور . وعلى قول بعضهم إلى الأشهر الحرم خاصة ؛ لأنه إليها أقرب ولها مزية في تعظيم الظلم ، لقوله تعالى : فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج لا أن الظلم في غير هذه الأيام جائز على ما نبينه . ثم قيل : في الظلم قولان : أحدهما لا تظلموا فيهن أنفسكم بالقتال ، ثم نسخ بإباحة القتال في جميع الشهور ، قاله قتادة وعطاء الخراساني والزهري وسفيان الثوري . وقال ابن جريج : حلف بالله عطاء بن أبي رباح أنه ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ولا في الأشهر الحرم إلا أن يقاتلوا فيها ، وما نسخت . والصحيح الأول ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم غزا هوازن بحنين وثقيفا بالطائف ، وحاصرهم في شوال وبعض ذي القعدة . وقد تقدم هذا المعنى في البقرة . الثاني : لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب ؛ لأن الله سبحانه إذا عظم شيئا من جهة واحدة صارت له حرمة واحدة وإذا عظمه من جهتين أو جهات صارت حرمته متعددة فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيئ كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح . فإن من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام . ومن أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في شهر حلال في بلد حلال . وقد أشار تعالى إلى هذا بقوله تعالى : يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين .
السابعة : وقد اختلف العلماء من هذا المعنى فيمن قتل في الشهر الحرام خطأ ، هل تغلظ عليه الدية أم لا ، فقال الأوزاعي : القتل في الشهر الحرام تغلظ فيه الدية فيما بلغنا وفي الحرم فتجعل دية وثلثا . ويزاد في شبه العمد في أسنان الإبل . قال الشافعي : تغلظ الدية في النفس وفي الجراح في الشهر الحرام وفي البلد الحرام وذوي الرحم . وروي عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وابن شهاب وأبان بن عثمان : من قتل في الشهر الحرام أو في الحرم زيد على ديته مثل ثلثها . وروي ذلك عن عثمان بن عفان أيضا . وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما وابن أبي ليلى : القتل في الحل والحرم سواء ، وفي الشهر الحرام وغيره سواء ، وهو قول جماعة من التابعين . وهو الصحيح ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سن الديات ولم يذكر فيها الحرم ولا الشهر الحرام . وأجمعوا أن الكفارة على من قتل خطأ في الشهر الحرام وغيره سواء . فالقياس أن تكون الدية كذلك . والله أعلم .
الثامنة : خص الله تعالى الأربعة الأشهر الحرم بالذكر ، ونهى عن الظلم فيها تشريفا لها وإن كان منهيا عنه في كل الزمان . كما قال : فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج على هذا أكثر أهل التأويل . أي لا تظلموا في الأربعة الأشهر أنفسكم . وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال : فلا تظلموا فيهن أنفسكم في الاثني عشر . وروى قيس بن مسلم عن الحسن عن محمد ابن الحنفية قال : فيهن كلهن . فإن قيل على القول الأول : لم قال فيهن ولم يقل فيها ؟ وذلك أن العرب يقولون لما بين الثلاثة إلى العشرة : هن وهؤلاء فإذا جاوزوا العشرة قالوا : هي وهذه ، إرادة أن تعرف تسمية القليل من الكثير . وروي عن الكسائي أنه قال : إني لأتعجب من فعل العرب هذا . وكذلك يقولون فيما دون العشرة من الليالي : خلون . وفيما فوقها خلت . لا يقال : كيف جعل بعض الأزمنة أعظم حرمة من بعض ، فإنا نقول : للبارئ تعالى أن يفعل ما يشاء ، ويخص بالفضيلة ما يشاء ، ليس لعمله علة ولا عليه حجر ، بل يفعل ما يريد بحكمته ، وقد تظهر فيه الحكمة وقد تخفى .
قوله تعالى وقاتلوا المشركين كافة فيه مسألة واحدة :
قوله تعالى قاتلوا أمر بالقتال . و ( كافة ) معناه جميعا ، وهو مصدر في موضع الحال . أي محيطين بهم ومجتمعين . قال الزجاج : مثل هذا من المصادر : عافاه الله عافية ، وعاقبه عاقبة . ولا يثنى ولا يجمع ، وكذا عامة وخاصة . قال بعض العلماء : كان الفرض بهذه الآية قد توجه على الأعيان ثم نسخ ذلك وجعل فرض كفاية . قال ابن عطية : وهذا الذي قاله لم يعلم قط من شرع النبي صلى الله عليه وسلم أنه ألزم الأمة جميعا النفر ، وإنما معنى هذه الآية الحض على قتالهم والتحزب عليهم وجمع الكلمة ثم قيدها بقوله : كما يقاتلونكم كافة فبحسب قتالهم واجتماعهم لنا يكون فرض اجتماعنا لهم . والله أعلم .
- الطبرى : إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ
القول في تأويل قوله : إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن عدة شهور السنة اثنا عشر شهرًا في كتاب الله، الذي كتبَ فيه كل ما هو كائن في قضائه الذي قضى =(يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم)، يقول: هذه الشهور الاثنا عشر منها أربعة أشهر حرم كانت الجاهلية تعظمهن، وتحرِّمهن، وتحرِّم القتال فيهن, حتى لو لقي الرجل منهم فيهن قاتل أبيه لم يَهِجْهُ، وهن: رجب مُضر وثلاثة متواليات، ذو القعدة, وذو الحجة, والمحرم. وبذلك تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
16684- حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا زيد بن حباب قال، حدثنا موسى بن عبيدة الربذي قال: حدثني صدقة بن يسار, عن ابن عمر قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنًى في أوسط أيام التشريق, فقال: " يا أيها الناس, إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض, وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا, منها أربعة حرم, أوّلهن رجبُ مُضَر بين جمادى وشعبان، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم ". (52)
16685- حدثنا محمد بن معمر قال، حدثنا روح قال، حدثنا أشعث عن محمد بن سيرين, عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض, وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم, ثلاثة متواليات، ورجبُ مُضَر بين جمادى وشعبان ". (53)
16686- حدثنا يعقوب قال، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال، حدثنا أيوب, عن محمد بن سيرين, عن أبي بكرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع فقال: " ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض, السنة اثنا عشر شهرًا, منها أربعة حرم ثلاثة متواليات: ذو القعدة, وذو الحجة, والمحرم, ورجبُ مضر الذي بين جمادى وشعبان ". (54)
16687- حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سليمان التيمي قال، حدثني رجل بالبحرين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجة الوداع: " ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض, وإن عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا, ثلاثة متواليات: ذو القعدة, وذو الحجة, والمحرم, ورجبُ الذي بين جمادى وشعبان ".
16688- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق, عن ابن أبي نجيح قوله: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم)، أن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: " ثلاثة متواليات: ذو القعدة, وذو الحجة, والمحرم, ورجب الذي بين جمادى وشعبان ".
16689- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم منًى: " ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض, وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا, منها أربعة حرم, ثلاثة متواليات: ذو القعدة, وذو الحجة, والمحرم, ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ".
* * *
وهو قول عامة أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16690- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم)، أما(أربعة حرم)، فذو القعدة, وذو الحجة, والمحرم, ورجب. وأما(كتاب الله)، فالذي عنده.
16691- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا)، قال: يعرف بها شأن النسيء ما نقص من السنة.
16692- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد في قول الله: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله)، قال: يذكر بها شأن النسيء.
* * *
وأما قوله: (ذلك الدين القيم)، فإن معناه: هذا الذي أخبرتكم به, من أن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله, وأن منها أربعة حرمًا: هو الدين المستقيم, كما:-
16693- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (ذلك الدين القيم)، يقول: المستقيم.
16694- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، ابن زيد في قوله: (ذلك الدين القيم)، قال: الأمر القيم. يقول: قال تعالى: واعلموا، أيها الناس، أن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله الذي كتب فيه كل ما هو كائن, وأن من هذه الاثنى عشر شهرًا أربعةُ أشهرٍ حرمًا، ذلك دين الله المستقيم, لا ما يفعله النسيء من تحليله ما يحلل من شهور السنة، وتحريمه ما يحرِّمه منها. (55)
وأما قوله: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم)، فإن معناه: فلا تعصوا الله فيها, ولا تحلُّوا فيهن ما حرَّم الله عليكم, فتكسبوا أنفسكم ما لا قِبَل لها به من سخط الله وعقابه. كما:-
16695- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم)، قال: الظلم العمل بمعاصي الله، والترك لطاعته.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في الذي عادت عليه " الهاء "، و " النون " في قوله: (فيهن).
فقال بعضهم: عاد ذلك على " الاثنى العشر الشهر ", (56) وقال: معناه: فلا تظلموا في الأشهر كلِّها أنفسكم.
* ذكر من قال ذلك:
16696- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم)، في كلِّهن. ثم خصَّ من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حُرُمًا، وعظّم حُرُماتهن، وجعل الذنبَ فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم.
16697- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سويد بن عمرو, عن حماد بن سلمة, عن علي بن زيد, عن يوسف بن مهران, عن ابن عباس: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم)، قال: في الشهور كلها.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فلا تظلموا في الأربعة الأشهر الحرُم أنفسكم = و " الهاء والنون " عائدة على " الأشهر الأربعة ".
* ذكر من قال ذلك:
16698- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: أما قوله: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم)، فإن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئةً ووِزْرًا، من الظلم فيما سواها, وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا، ولكن الله يعظِّم من أمره ما شاء. وقال: إن الله اصطفى صَفَايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رسُلا ومن الناس رسلا واصطفى من الكلام ذكرَه, واصطفى من الأرض المساجد, واصطفى من الشهور رمضانَ والأشهر الحرم, واصطفى من الأيام يوم الجمعة, واصطفى من الليالي ليلةَ القدر, فعظِّموا ما عظم الله, فإنما تعظم الأمور بما عظَّمها الله عند أهل الفهم وأهل العقل.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فلا تظلموا في تصييركم حرامَ الأشهر الأربعة حلالا وحلالها حرامًا = أنفسَكم.
* ذكر من قال ذلك:
16699- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا)، إلى قوله: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم)، : أي: لا تجعلوا حرامها حلالا ولا حلالها حرامًا, كما فعل أهل الشرك، فإنما النسيء، الذي كانوا يصنعون من ذلك، زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا ، الآية. (57)
166700- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن قيس بن مسلم, عن الحسن: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم)، قال: " ظلم أنفسكم "، أن لا تحرِّموهن كحرمتهن.
16701- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان, عن قيس بن مسلم, عن الحسن بن محمد بن علي: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم)، قال: " ظلم أنفسكم "، أن لا تحرِّموهن كحرمتهن.
16702- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان, عن قيس بن مسلم, عن الحسن بن محمد, بنحوه.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب, قولُ من قال: فلا تظلموا في الأشهر الأربعة أنفسَكم، باستحلال حرامها, فإن الله عظمها وعظَّم حرمتها.
وإنما قلنا: ذلك أولى بالصواب في تأويله، لقوله: (فلا تظلموا فيهن)، فأخرج الكناية عنه مُخْرَج الكناية عن جمع ما بين الثلاثة إلى العشرة. وذلك أن العرب تقول فيما بين الثلاثة إلى العشرة، إذا كَنَتْ عنه: " فعلنا ذلك لثلاث ليال خلون, ولأربعة أيام بقين " وإذا أخبرت عما فوق العشرة إلى العشرين قالت: " فعلنا ذلك لثلاث عشرة خلت, ولأربع عشرة مضت " = فكان في قوله جل ثناؤه: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم)، وإخراجِه كناية عدد الشهور التي نهى المؤمنين عن ظلم أنفسهم فيهن مخرج عدد الجمع القليل من الثلاثة إلى العشرة، الدليلُ الواضح على أن " الهاء والنون "، من ذكر الأشهر الأربعة، دون الاثنى العشر. لأن ذلك لو كان كناية عن " الاثنى عشر شهرًا "، لكان: فلا تظلموا فيها أنفُسكم. (58)
* * *
فإن قال قائل: فما أنكرت أن يكون ذلك كنايةً عن " الاثنى عشر ", وإن كان الذي ذكرت هو المعروف في كلام العرب؟ فقد علمت أن [من] المعروف من كلامها، (59) إخراجُ كناية ما بين الثلاث إلى العشر، بالهاء دون النون, وقد قال الشاعر: (60)
أَصْبَحْـنَ فِـي قُـرْحٍ وَفِـي دَارَاتِهـا
سَــبْعَ لَيَــالٍ غَــيْرَ مَعْلُوفَاتِهَــا (61)
ولم يقل: " معلوفاتهن ", وذلك كناية عن " السبع "؟
قيل: إن ذلك وإن كان جائزًا، فليس الأفصحَ الأعرفَ في كلامها. وتوجيهُ كلام الله إلى الأفصح الأعرف، أولى من توجيهه إلى الأنكر.
* * *
فإن قال قائل: فإن كان الأمر على ما وصفت, فقد يجب أن يكون مباحًا لنا ظُلْم أنفسنا في غيرهن من سائر شهور السنة؟
قيل: ليس ذلك كذلك, بل ذلك حرام علينا في كل وقتٍ وزمانٍ, ولكن الله عظَّم حرمة هؤلاء الأشهر وشرَّفهن على سائر شهور السنة, فخصّ الذنب فيهن بالتعظيم، كما خصّهن بالتشريف, وذلك نظير قوله: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [سورة البقرة: 238]، ولا شك أن الله قد أمرنا بالمحافظة على الصلوات المفروضات كلها بقوله: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ ، ولم يبح ترك المحافظة عليهن، بأمره بالمحافظة على الصلاة الوسطى, ولكنه تعالى ذكره زادَها تعظيمًا، وعلى المحافظة عليها توكيدًا وفي تضييعها تشديدًا. فكذلك ذلك في قوله: (منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم)،.
* * *
وأما قوله: (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة)، فإنه يقول جل ثناؤه: وقاتلوا المشركين بالله، أيها المؤمنون، جميعًا غير مختلفين, مؤتلفين غير مفترقين, كما يقاتلكم المشركون جميعًا، مجتمعين غير متفرقين، كما:-
16703- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة)، أما " كافة "، فجميع، وأمركم مجتمع.
16704- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (وقاتلوا المشركين كافة)، يقول: جميعًا.
* * *
16705- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (وقاتلوا المشركين كافة)، : أي: جميعا.
* * *
و " الكافة " في كل حال على صورة واحدة، لا تذكّر ولا تجمع, لأنها وإن كانت بلفظ " فاعلة "، فإنها في معنى المصدر، ك " العافية " و " العاقبة ", ولا تدخل العربُ فيها " الألف واللام "، لكونها آخر الكلام، مع الذي فيها من معنى المصدر, كما لم يدخلوها إذا قاتلوا: " قاموا معًا "، و " قاموا جميعا ". (62)
* * *
وأما قوله: (واعلموا أن الله مع المتقين)، فإن معناه: واعلموا، أيها المؤمنون بالله، أنكم إن قاتلتم المشركين كافة, واتقيتم الله فأطعتموه فيما أمركم ونهاكم، ولم تخالفوا أمره فتعصوه, كان الله معكم على عدوكم وعدوه من المشركين، ومن كان الله معه لم يغلبه شيء, (63) لأن الله مع من اتقاه فخافه وأطاعه فيما كلفه من أمره ونهيه.
------------------------
الهوامش:
(52) الأثر : 16684 - " موسى بن عبد الرحمن المسروقي " ، شيخ الطبري ، مضى مرارا ، آخرها رقم 8906 .
و " زيد بن حباب العكلي " ، مضى مرارا ، منها رقم : 11134 .
و " موسى بن عبيدة بن نشيط الربذي " ، ضعيف جدا ، منكر الحديث مضى مرارا ، منها رقم : 11134 .
و " صدقة بن يسار الجزري " ، مكي ثقة ، روى عن ابن عمر . مترجم في التهذيب والكبير 2 / 2/ 294 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 428 .
وهذا إسناد ضعيف ، لضعف موسى بن عبيدة الربذي .
(53) الأثر : 16685 - "محمد بن معمر بن ربعي البحراني"، شيخ الطبري، ثقة من شيوخ البخاري ومسلم، مضى برقم: 241 ، 3056 ، 5393 .
و "روح"، هو "روح بن عبادة القيسي"، ثقة، مضى مرارًا كثيرة .
و "أشعث"، هو "أشعث بن عبد الملك الحمراني"، ثقة مأمون، مترجم في التهذيب، والكبير 1 1 431 ، وابن أبي حاتم 1 1 275 .
وهذا الخبر ، نقله ابن كثير في تفسيره 4 : 160، عن هذا الوضع، ثم قال: "رواه البزار، عن محمد بن معمر، به، ثم قال: لا يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه".
(54) الأثر: 16686 - هذا خبر منقطع الإسناد، لأن محمد بن سيرين لم يسمع من أبي بكرة، ووصله البخاري في مواضع صحيحه، من طريق "أيوب، عن محمد بن سيرين، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبي بكرة" (الفتح 1: 145 ، 177 ، 178 3 : 459 6 : 210 ، 211 8 : 83 ، 244)، مطولا.
ووصله مسلم أيضًا في صحيحه 11 : 167.
ورواه أحمد في مسنده 5 : 37، منقطعا، كما رواه الطبري، وقد استوفى الحافظ ابن حجر، تفصيل القول في ذلك في الفتح، في المواضع التي ذكرتها آنفًا.
والحديث صحيح متفق عليه.
(55) "النسئ"، هكذا جاءت في المخطوطة أيضًا، بمعنى "الناسئ"، وهو الذي كان يحلل لهم الشهر ويحرمه. وأخشى أن يكون وهمًا من الناسخ، فإن "النسئ" على وزن "فعيل"، وهو بمعنى "مفعول"، أو مصدر "نسأ الشهر" ، ولم أرهم قالوا في الرجل إلا "ناسئ"، وجمعه "نسأة"، مثل "فاسق" و "فسقة".
وانظر ما سيأتي في تفسير "النسئ" ص : 343، والخبر رقم : 16708 ، 16709 ، والتعليق هناك.
(56) في المطبوعة: "على الاثنى عشر شهرًا"، وأثبت ما في المخطوطة.
(57) الأثر: 16699 - سيرة ابن هشام 4 : 193، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16615.
(58) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 435 .
(59) في المطبوعة والمخطوطة: "أن المعروف من كلامها"، والسياق يقتضي إثبات ما أثبت بين القوسين، لأن هذا القائل، أقر أولا بأن ما قاله الطبري هو "المعروف من كلامها"، أي المشهور المتفق عليه. فالجيد أن يعترض عليه بشيء آخر، هو "الجائز في كلامها" ، فمن أجل هذا المعنى زدت " من " بين القوسين ، ليستقيم منطق الكلام .
(60) هو عمر بن لجأ التيمي.
(61) حماسة أبي تمام 4 : 157 ، ومعاني القرآن للفراء 1 : 435 . واللسان ( قرح ) ، غير منسوبة ودل على أنها لعمر بن لجأ ، أبيات رواها الأصمعي في الأصمعيات ص : 25 ، 26 و " قرح " ( بضم القاف وسكون الراء ) ، هو سوق وادي القرى ، صلى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبنى به مسجدا ، ورواية الحماسة واللسان ، " حبسن في قرح " .
(62) انظر تفسير " كافة " فيما سلف 4 : 257 ، 258 ، وانظر معاني القرآن للفراء 1 : 436 .
(63) انظر تفسير " مع " فيما سلف 13 : 576 تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
- ابن عاشور : إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ
استئناف ابتدائي لإقامة نظام التوقيت للأمّة على الوجه الحق الصالح لجميع البشر ، والمناسب لما وضع الله عليه نظام العالم الأرضي ، وما يتّصل به من نظام العوالم السماوية ، بوجه محكم لا مدخل لتحكّمات الناس فيه ، وليوضّح تعيين الأشهر الحُرم من قوله : { فإذا انسلخ الأشهر الحرم } [ التوبة : 5 ] بعدما عَقِبَ ذلك من التفاضيل في أحكام الأمن والحرب مع فرق الكفار من المشركين وغيرهم .
والمقصود : ضبط الأشهر الحرم وإبطال مَا أدخله المشركون فيها من النسيء الذي أفسدَ أوقاتها ، وأفضى إلى اختلاطها ، وأزال حُرمة مالَهُ حرمة منها ، وأكسب حرمة لما لا حرمة له منها .
وإن ضبط التوقيت من أصول إقامة نظام الأمة ودفع الفوضى عن أحوالها .
وافتتاح الكلام بحرف التوكيد للاهتمام بمضمونه لتتوجّه أسماع الناس وألبابهم إلى وعْيِهِ .
والمراد بالشهور : الشهور القمرية بقرينة المقام ، لأنّها المعروفة عند العرب وعند أغلب الأمم ، وهي أقدم أشهر التوقيت في البشر وأضبطها لأنّ اختلاف أحوال القمر مساعد على اتّخاذ تلك الأحوال مواقيت للمواعيد والآجال ، وتاريخخِ الحوادث الماضية ، بمجرّد المشاهدة ، فإنّ القمر كرة تابعة لنظام الأرض . قال تعالى : { لتعلموا عدد السنين والحساب } [ يونس : 5 ] ولأنّ الاستناد إلى الأحوال السماوية أضبط وأبعد عن الخطأ ، لأنّها لا تتناولها أيدي الناس بالتغيير والتبديل ، وما حدثت الأشهر الشمسية وسَنتها إلاّ بعد ظهور علم الفلك والميقات ، فانتفع الناس بنظام سير الشمس في ضبط الفصول الأربعة ، وجعلوها حساباً لتوقيت الأعمال التي لا يصلح لها إلاّ بعض الفصول ، مثل الحرث والحصاد وأحوال الماشية ، وقد كان الحساب الشمسي معروفاً عند القبط والكلدانيين ، وجاءت التوراة بتعيين الأوقات القمرية للأشهر ، وتعيين الشمسية للأعياد ، ومعلوم أنّ الأعياد في الدرجة الثانية من أحوال البشر لأنّها راجعة إلى التحسين ، فأمّا ضبط الأشهر فيرجع إلى الحاجي . فألْهم الله البشر ، فيما ألهمهم من تأسيس أصول حضارتهم ، أن اتّخذوا نظاماً لتوقيت أعمالهم المحتاجة للتوقيت ، وأن جعلوه مستنداً إلى مشاهَدات بيّنة واضحة لسائر الناس ، لا تنحجب عنهم إلا قليلاً في قليل ، ثمّ لا تلبث أن تلوح لهم واضحة باهرة ، وألهمهم أن اهتدوا إلى ظواهر ممّا خلق الله له نظاماً مطرداً . وذلك كواكب السماء ومنازلها ، كما قال في بيان حكمة ذلك { هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً وقدّره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلاّ بالحق } [ يونس : 5 ] ، وإن جعلوا توقيتهم اليومي مستنداً إلى ظهور نور الشمس ومغيبه عنهم ، لأنّهم وجدوه على نظام لا يتغيّر ، ولاشتراك الناس في مشاهدة ذلك ، وبذلك تنظم اليومُ والليلة ، وجعلوا توقيتهم الشهري بابتداء ظهور أول أجزاء القمر وهو المسمّى هلالاً إلى انتهاء محاقه فإذا عاد إلى مثل الظهور الأول فذلك ابتداء شَهْر آخر ، وجعلوا مراتب أعداد أجزاء المدّة المسمّاةِ بالشهر مرتّبة بتزايد ضوء النصف المضيء من القمر كلّ ليلة ، وبإعانة منازل ظهور القمر كلّ ليلة حذوَ شكل من النجوم سَمَّوه بالمنازل .
وقد وجدوا ذلك على نظام مطّرد ، ثم ألهمهم فرقبوا المدّة التي عاد فيها الثمَر أو الكلأ الذي ابتدأوا في مثله العَدّ وهي أوقات الفصول الأربعة ، فوجدوها قد احتوت على اثني عشر شهراً فسمّوا تلك المدّة عاماً ، فكانت الأشهر لذلك اثني عشر شهراً ، لأنّ ما زاد على ذلك يعود إلى مثل الوقت الذي ابتدأوا فيه الحساب أوّل مرّة ، ودعوها بأسماء لتمييز بعضها عن بعض دفعاً للغلط ، وجعلوا لابتداء السنين بالحوادث على حسب اشتهارها عندهم ، إن أرادوا ذلك وذلك واسع عليهم ، فلمّا أراد الله أن يجعل للناس عبادات ومواسم وأعياداً دورية تكون مرّة في كلّ سنة ، أمرهم أن يجعلوا العبادة في الوقت المماثل لوقت أختها ففرض على إبراهيم وبَنِيه حجّ البيت كلّ سنة في الشهر الثاني عشر ، وجعل لهم زمناً محترماً بينهم يأمنون فيه على نفوسهم وأموالهم ويستطيعون فيه السفر البعيد وهي الأشهر الحرم ، فلمّا حصل ذلك كله بمجموع تكوين الله تعالى للكواكب ، وإيداعه الإلهام بالتفطّن لحكمتها ، والتمكّن من ضبط مطرد أحوالها ، وتعيينه ما عين من العبادات والأعمال بمواقيتها ، كان ذلك كلّه مراداً عنده فلذلك قال : { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض }.
فمعنى قوله : { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً } : أنّها كذلك في النظام الذي وضَع عليه هذه الأرض التي جعلها مقرَّ البشر باعتبار تمايز كلّ واحد فيها عن الآخر ، فإذا تجاوزت الاثني عشر صار ما زاد على الاثني عشر مماثلاً لنظير له في وقت حلوله فاعتبر شيئاً مكرّراً .
و { عند الله } معناه في حكمه وتقديره ، فالعندية مجاز في الاعتبار والاعتداد ، وهو ظرف معمول ل { عدّة } أو حال من { عدّة } و { في كتاب الله } صفة ل { اثنا عشر شهراً }.
ومعنى { في كتاب الله } في تقديره ، وهو التقدير الذي به وُجدت المقدورات ، أعني تعلقّ القدرة بها تعلّقاً تنجيزياً كقوله : { كتابا مؤجلا } [ آل عمران : 145 ] أي قدرا محدّداً ، فكتاب هنا مصدر .
بيان ذلك أنّه لمّا خلق القمر على ذلك النظام أراد من حكمته أن يكون طريقاً لحساب الزمان كما قال : { وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب } [ يونس : 5 ] ولذلك قال هنا { يوم خلق السماوات والأرض } ف { يومَ } ظرف ل { كتاب الله } بمعنى التقدير الخاصّ ، فإنّه لما خلق السماوات والأرض كان ممّا خلَق هذا النظامُ المنتسب بين القمر والأرض .
ولهذا الوجه ذُكرت الأرض مع السماوات دون الاقتصار على السماوات ، لأنّ تلك الظواهر التي للقمر ، وكان بها القمر مجزَّءاً أجزاء ، منذُ كونِه هلالاً ، إلى رُبعه الأول ، إلى البدر ، إلى الربُع الثالث ، إلى المحاق ، وهي مقادير الأسابيع ، إنّما هي مظاهر بحسب سمته من الأرض وانطباع ضوء الشمس على المقدار البادي منه للأرض .
ولأنّ المنازل التي يحلّ فيها بعدد ليالي الشهر هي منازل فرضية بمرأى العين على حسب مسامتته الأرض من ناحية إحدى تلك الكُتل من الكواكب ، التي تبدو للعين مجتمعة ، وهي في نفس الأمر لها أبعاد متفاوتة لا تآلف بينها ولا اجتماع ، ولأنّ طلوع الهلال في مثل الوقت الذي طلع فيه قبلَ أحد عشر طلوعاً من أي وقت ابتُدىءَ منه العد من أوقات الفصول ، إنّما هو باعتبار أحوال أرضية .
فلا جرم كان نظام الأشهر القمرية وسنَتُها حاصلاً من مجموع نظام خلق الأرض وخلق السماوات ، أي الأجرام السماوية وأحوالها في أفلاكها ، ولذلك ذكرت الأرض والسماوات معاً .
وهذه الأشهر معلومة بأسمائها عند العرب ، وقد اصطلحوا على أن جعلوا ابتداء حسابها بعد موسم الحجّ ، فمبدأ السنة عندهم هو ظهور الهلال الذي بعد انتهاء الحجّ وذلك هلال المحرّم ، فلذلك كان أول السنة العربية شهر المحرم بلا شكّ ، ألا ترى قول لبيد :
حتى إذا سَلَخَا جمادَى سِتةً ... جَزْءا فطَال صيامُه وصِيامها
أراد جمادى الثانية فوصفه بستّة لأنّه الشهر السادس من السنة العربية .
وقرأ الجمهور { اثنا عشر } بفتح شين { عشر } وقرأه أبو جعفر { اثنا عْشَرَ } بسكون عين { عشر } مع مدّ ألف اثنا مُشْبَعاً .
والأربعة الحرم هي المعروفة عندهم : ثلاثة منها متوالية لا اختلاف فيها بين العرب وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرّم ، والرابع فرد وهو رجب عند جمهور العرب ، إلاّ ربيعة فهم يجعلون الرابع رمضان ويسمّونه رَجَباً ، وأحسب أنّهم يصفونه بالثاني مثل ربيع وجمادى ، ولا اعتداد بهؤلاء لأنّهم شذّوا كما لم يعتدّ بالقبيلة التي كانت تُحلّ أشهر السنة كلَّها ، وهي قضاعة . وقد بيّن إجمال هذه الآية النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجّة الوداع بقوله : { منها أربعة حرم } « ذو القعدة وذو الحجّة والمحرم ورجب مُضر الذي بين جمادى وشعبان »
وتحريم هذه الأشهر الأربعة ممّا شرعه الله لإبراهيم عليه السلام لمصلحة الناس ، وإقامة الحجّ ، كما قال تعالى : { جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس والشهر الحرام } [ المائدة : 97 ].
واعلم أنّ تفضيل الأوقات والبقاع يشبه تفضيل الناس ، فتفضيل الناس بما يصدر عنهم من الأعمال الصالحة ، والأخلاق الكريمة ، وتفضيل غيرهم ممّا لا إرادة له بما يقارنه من الفضائل ، الواقعة فيه ، أو المقارِنة له . فتفضيل الأوقات والبقاع إنّما يكون بجعل الله تعالى بخبر منه ، أو بإطْلاع على مراده ، لأنّ الله إذا فضلها جعلها مظانّ لتطلّب رضاه ، مثل كونها مظانّ إجابة الدعوات ، أو مضاعفةِ الحسنات ، كما قال تعالى : { ليلة القدر خير من ألف شهر } [ القدر : 3 ] أي من عبادة ألف شهر لمَنْ قبلَنا من الأمم ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم
" صَلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلاّ المسجدَ الحَرام " والله العليم بالحكمة التي لأجلها فُضّل زمنٌ على زمَن ، وفُضّل مكانٌ على مكان والأمور المجعولة من الله تعالى هي شؤون وأحوال أرادها الله ، فقدَّرها ، فأشبهت الأمور الكونيه ، فلا يُبطلها إلاّ إبطال من الله تعالى ، كما أبطل تقديسَ السبت بالجمعة ، وليس للناس أن يجعلوا تفضيلاً في أوقات دينية : لأنّ الأمور التي يجعلها الناس تشبه المصنوعات اليدوية ، ولا يكون لها اعتبار إلاّ إذا أريدت بها مقاصد صالحة فليس للناس أن يغيّروا ما جعله الله تعالى من الفضل لأزمنةٍ أو أمكنةٍ أو ناس .
{ ذلك الدين القيم }.
الإشارة بقوله : { ذلك } إلى المذكور : من عدّةِ الشهور الاثني عشر ، وعدّة الأشهر الحرم . أي ذلك التقسيم هو الدين الكامل ، وما عداه لا يخلو من أن اعتراه التبديل أو التحكّمُ فيه لاختصاص بعض الناس بمعرفته على تفاوتهم في صحّة المعرفة .
والدين : النظام المنسوب إلى الخالق الذي يُدان الناس به ، أي يعامَلون بقوانينه . وتقدّم عند قوله تعالى : { إن الدين عند الله الإسلام } في سورة آل عمران ( 19 ) ، كما وصف بذلك في قوله تعالى : { فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم } [ الروم : 30 ].
فكون عدّة الشهور اثني عشر تحقّق بأصل الخلقة لقوله عقبه { في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض }.
وكون أربعةٍ من تلك الأشهر أشهراً حُرُما تحقّق بالجعل التشريعي للإشارة عقبه بقوله : { ذلك الدين القيم } ، فحصل من مجموع ذلك أنّ كون الشهور اثني عشر وأنّ منها أربعة حرماً اعتبر من دين الإسلام وبذلك نسخ ما كان في شريعة التوراة من ضبط مواقيت الأعياد الدينية بالتاريخ الشمسي ، وأبطل ما كان عليه أهل الجاهلية .
وجملة : { ذلك الدين القيم } معترضة بين جملة { إن عدة الشهور } وجملة { فلا تظلموا فيهن أنفسكم }.
{ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ }.
تفريع على { منها أربعة حرم } فإنّها ، لما كانت حرمتها ممّا شرعه الله ، أوجب الله على الناس تعظيم حرمتها بأن يتجنّبوا الأعمال السيئة فيها .
فالضمير المجرور ب { في } عائد إلى الأربعة الحرم : لأنّها أقرب مذكور ، ولأنّه أنسب بسياق التحذير من ارتكاب الظلم فيها ، وإلاّ لكان مجرّد اقتضاب بلا مناسبة ، ولأنّ الكسائي والفرّاء ادّعيا أنّ الاستعمال جرى أن يكون ضمير جمع القلّة من المؤنث مثل هُنّ كما قال هنا { فيهن } إن ضمير جمع الكثرة من المؤنث مثل ( ها ) يعاملان معاملة الواحد كما قال : { منها أربعة حرم } ومعلوم أنّ جموع غير العاقل تعامل معاملة التأنيث ، وقال الكسائي : إنّه من عجائب الاستعمال العربي ولذلك يقولون فيما دون العشر من الليالي «خلون» وفيما فوقها «خَلَت» . وعن ابن عبّاس أنّه فسرّ ضمير فيهنّ بالأشهر الاثني عشر فالمعنى عنده : فلا تظلموا أنفسكم بالمعاصي في جميع السنة يعني أنّ حرمة الدين أعظم من حرمة الأشهر الأربعة في الجاهلية ، وهذا يقتضي عدم التفرقة في ضمائر التأنيث بين { فيها } و { فيهن } وأنّ الاختلاف بينهما في الآيةِ تفنُّن وظلم النفس هو فعل ما نهى الله عنه وتوعّد عليه ، فإنّ فعله إلقاء بالنفس إلى العذاب ، فكان ظلماً للنفس قال تعالى :
{ ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله } [ النساء : 64 ] الآية وقال : { ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه } [ النساء : 110 ].
والأنفس تحتمل أنّها أنفس الظالمين في قوله : { فلا تظلموا } أي لا يظلم كلّ واحد نفسه . ووجه تخصيص المعاصي في هذه الأشهر بالنهي : أنّ الله جعلها مواقيت للعبادة ، فإن لم يكن أحد متلبّساً بالعبادة فيها فليكن غير متلبس بالمعاصي ، وليس النهي عن المعاصي فيها بمقتض أنّ المعاصي في غير هذه الأشهر ليست منهياً عنها ، بل المراد أنّ المعصية فيها أعظم وأنّ العمل الصالح فيها أكثر أجراً ، ونظيره قوله تعالى : { ولا فسوق ولا جدال في الحج } [ البقرة : 197 ] فإنّ الفسوق منهي عنه في الحجّ وفي غيره .
ويجوز أن يكون الظلم بمعنى الاعتداء ، ويكون المراد بالأنفس أنفس غير الظالمين ، وإضافتها إلى ضمير المخاطبين للتنبيه على أنّ الأمّة كالنفس من الجسد على حدّ قوله تعالى : { فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم } [ النور : 61 ] ، أي على الناس الذين فيها على أرجح التأويلين في تلك الآية ، وكقوله : { إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم } [ آل عمران : 164 ] والمراد على هذا تأكيد حكم الأمن في هذه الأشهر ، أي لا يعتدي أحد على آخر بالقتال كقوله تعالى : { جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس والشهر الحرام } [ المائدة : 97 ] وإنّما يستقيم هذا المعنى بالنسبة لمعاملة المسلمين مع المشركين فيكون هذا تأكيداً لمنطوق قوله : { فسيحوا في الأرض أربعة أشهر } [ التوبة : 2 ] ولمفهوم قوله : { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين } [ التوبة : 5 ] وهي مقيّدة بقوله : { فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم } [ التوبة : 7 ] وقوله : { الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } [ البقرة : 194 ]. ولذلك لا يشكل الأمر بمقاتلة الرسول عليه الصلاة والسلام هوازن أياماً من ذي القعدة لأنهم ابتدأوا بقتال المسلمين قبل دخول الأشهر الحرم ، فاستمرّت الحرب إلى أن دخلوا في شهر ذي القعدة ، وما كان ليكفّ القتال عند مشارفة هزيمة المشركين وهم بدأوهم أوّلَ مرّة ، وعلى هذا المحمل يكون حكم هذه الآية قد انتهى بانقراض المشركين من بلاد العرب بعد سنة الوفود .
والمحمل الأول للآية أخذ به الجمهور ، وأخذ بالمحمل الثاني جماعة : فقال ابن المسيّب ، وابن شهاب ، وقتادة ، وعطاء الخراساني حَرَّمت الآية القتالَ في الأشهر الحرم ثم نُسخت بإباحة الجهاد في جميع الأوقات ، فتكون هذه الآية مكمّلة لما بقي من مدّة حرمة الأشهر الحرم ، حتّى يعُمّ جميع بلاد العرب حكمُ الإسلام بإسلام جمهور القبائل وضَرببِ الجزية على بعض قبائل العرب وهم النصارى واليهود .
وقال عطاء بن أبي رباح : يحرم الغزو في الأشهر الحرم إلاّ أن يبدأ العدوّ فيها بالقتال ولا نسخ في الآية .
{ وَقَاتِلُواْ المشركين كَآفَّةً كَمَا يقاتلونكم كَآفَّةً واعلموا أَنَّ الله مَعَ المتقين }.
أحسب أنّ موقع هذه الآية موقعُ الاحتراس من ظنّ أنّ النهيِ عن انتهاء الأشهر الحرم يَقتضي النهي عن قتال المشركين فيها إذا بدأوا بقتال المسلمين ، وبهذا يؤذن التشبيه التعليلي في قوله : { كما يقاتلونكم كافة } فيكون المعنى فلا تنتهكوا حرمة الأشهر الحرم بالمعاصي ، أو باعتدائكم على أعدائكم ، فإن هم بَادَأوكم بالقتال فقاتلوهم على نحو قوله تعالى : { الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } [ البقرة : 194 ] فمقصود الكلام هو الأمر بقتال المشركين الذين يقاتلون المسلمين في الأشهر الحرم ، وتعليله بأنّهم يستحلون تلك الأشهر في قتالهم المسلمين .
و { كافّة } كلمة تدلّ على العموم والشمول بمنزلة ( كلّ ) لا يختلف لفظها باختلاف المؤكَّد من أفراد وتثنية وجمع ، ولا من تذكير وتأنيث ، وكأنّه مشتق من الكفّ عن استثناء بعض الأفراد ، ومحلّها نصب على الحال من المؤكَّد بها ، فهي في الأول تأكيد لقوله { المشركين } وفي الثاني تأكيد لضمير المخاطبين ، والمقصود من تعميم الذوات تعميم الأحوال لأنّه تبع لعموم الذوات ، أي كلّ فِرق المشركين ، فكلّ فريق وُجد في حالة مَّا ، وكان قد بادأ المسلمين بالقتال ، فالمسلمون مأمورون بقتاله ، فمن ذلك : كلّ فريق يكون كذلك في الأشهر الحُرُم ، وكلّ فريق يكون كذلك في الحَرَم .
والكاف في { كما يقاتلونكم } أصلها كاف التشبيه استعيرت للتعليل بتشبيه الشيء المعلول بعلّته ، لأنه يقع على مثالها ومنه قوله تعالى : { واذكروه كما هداكم } [ البقرة : 198 ].
وجملة { واعلموا أن الله مع المتقين } تأييد وضمان بالنصر عند قتالهم المشركين ، لأنّ المعية هنا معية تأييد على العمل ، وليست معية عِلم ، إذ لا تختصّ معيّة العلم بالمتّقين .
وابتدئت الجملةُ ب { اعلموا } للاهتمام بمضمونها كما تقدّم في قوله تعالى : { واعلموا أن ما غنمتم من شيء } [ الأنفال : 41 ] الآية ، بحيث يجب أن يعلموه ويَعوه .
والجملة بمنزلة التذييل لما قبلها من أجل ما فيها من العموم في المتّقين ، دون أن يقال واعلموا أنّ الله معكم ليحصل من ذكر الاسم الظاهر معنى العموم ، فيفيد أنّ المتّصفين بالحال المحكية في الكلام السابق معدودون من جملة المتقين ، لئلا يكون ذكر جملة { واعلموا أن الله مع المتقين } غريباً عن السياق ، فيحصل من ذلك كلام مستقلّ يجري مجرى المثل وإيجازٌ يفيد أنّهم حينئذٍ من المتّقين ، وأنّ الله يؤيّدهم لتقواهم ، وأنّ القتال في الأشهر الحرم في تلك الحالة طاعة لله وتقوى ، وأنّ المشركين حينئذٍ هم المعتدون على حرمة الأشهر ، وهم الحاملون على المقابلة بالمثل للدفاع عن النفس .
- إعراب القرآن : إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ
«إِنَّ» حرف مشبه بالفعل «عِدَّةَ» اسم إن. «الشُّهُورِ» مضاف إليه. «عِنْدَ» ظرف مكان متعلق بمحذوف حال من عدة. «اللَّهِ» لفظ الجلالة مضاف إليه. «اثْنا» خبر إن مرفوع وعلامة رفعه الألف لأنه مثنى.
«عَشَرَ» جزء مبني على الفتح لا محل له من الإعراب. «شَهْراً» تمييز. «فِي كِتابِ» متعلقان بمحذوف صفة اثنا عشر. «اللَّهِ» لفظ الجلالة مضاف إليه. «يَوْمَ» ظرف زمان متعلق بمحذوف صفة اثنا عشر أو بكتاب على أنه مصدر. «خَلَقَ» فعل ماض. «السَّماواتِ» مفعوله المنصوب بالكسرة جمع مؤنث سالم. «وَالْأَرْضَ» عطف. «مِنْها» متعلقان بمحذوف خبر. «أَرْبَعَةٌ» مبتدأ. «حُرُمٌ» صفة. والجملة الاسمية في محل رفع صفة لاثنا عشر ، وجملة خلق في محل جر بالإضافة. «ذلِكَ» اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. «الدِّينُ» خبر. «الْقَيِّمُ» صفة والجملة الاسمية مستأنفة. «فَلا» الفاء هي الفصيحة. و«لا» ناهية جازمة. «تَظْلِمُوا» مضارع مجزوم والواو فاعل. «فِيهِنَّ» متعلقان بالفعل. «أَنْفُسَكُمْ» مفعول به والجملة لا محل لها جواب شرط غير جازم. «وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ» فعل أمر وفاعل ومفعول به. «كَافَّةً» حال والجملة معطوفة. «كَما يُقاتِلُونَكُمْ» الكاف حرف جر. ما مصدرية ، وهي مؤولة مع الفعل المضارع يقاتلونكم بعدها بمصدر في محل جر بالكاف ، والجار والمجرور متعلقان
بمحذوف صفة لمصدر محذوف. أي قتالا كائنا مثل قتالهم .. «كَافَّةً» حال «وَاعْلَمُوا» الجملة معطوفة.
«أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ» مع ظرف تعلق بمحذوف خبر إن. وإن واسمها وخبرها سدت مسد مفعولي اعلموا المتقين مضاف إليه.
- English - Sahih International : Indeed the number of months with Allah is twelve [lunar] months in the register of Allah [from] the day He created the heavens and the earth; of these four are sacred That is the correct religion so do not wrong yourselves during them And fight against the disbelievers collectively as they fight against you collectively And know that Allah is with the righteous [who fear Him]
- English - Tafheem -Maududi : إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ(9:36) The fact is that the number of months ordained by Allah has been twelve since the time He created the heavens and the earth, *34 and out of these four are forbidden months: this is the right code of reckoning: therefore do not wrong yourselves by violating these months. *35 And fight against the mushriks all together even as they fight against you all together: *36 and note it well that Allah is with the Godfearing people.
- Français - Hamidullah : Le nombre de mois auprès d'Allah est de douze [mois] dans la prescription d'Allah le jour où Il créa les cieux et la terre Quatre d'entre eux sont sacrés telle est la religion droite [Durant ces mois] ne faites pas de tort à vous-mêmes Combattez les associateurs sans exception comme ils vous combattent sans exception Et sachez qu'Allah est avec les pieux
- Deutsch - Bubenheim & Elyas : Gewiß die Anzahl der Monate bei Allah ist zwölf Monate im Buch Allahs festgelegt am Tag da Er die Himmel und die Erde schuf Davon sind vier geschützt Das ist die richtige Religion So fügt euch selbst in ihnen kein Unrecht zu Und kämpft gegen die Götzendiener allesamt wie sie gegen euch allesamt kämpfen Und wißt daß Allah mit den Gottesfürchtigen ist
- Spanish - Cortes : El número de meses para Alá es de doce Fueron inscritos en la Escritura de Alá el día que creó los cielos y la tierra De ellos cuatro son sagrados ésa es la religión verdadera ¡No seáis injustos con vosotros mismos no respetándolos ¡Y combatid todos contra los asociadores como ellos también combaten todos contra vosotros Y sabed que Alá está con los que Le temen
- Português - El Hayek : Para Deus o número dos meses é de doze como reza o Livro Divino desde o dia em que Ele criou os céus e a terra Quatro deles são sagrados; tal é o cômputo exato Durante estes meses não vos condeneis e combatei unanimemente osidólatras tal como vos combatem; e sabei que Deus está com os tementes
- Россию - Кулиев : Воистину число месяцев у Аллаха - двенадцать Так было записано в Писании в тот день когда Аллах сотворил небеса и землю Четыре месяца из них - запретные Такова правая религия и посему не поступайте в них несправедливо по отношению к себе Сражайтесь с многобожниками всеми вместе или все вместе подобно тому как они сражаются с вами всеми вместе или все вместе Знайте что Аллах - с богобоязненными
- Кулиев -ас-Саади : إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ
Воистину, число месяцев у Аллаха - двенадцать. Так было записано в Писании в тот день, когда Аллах сотворил небеса и землю. Четыре месяца из них - запретные. Такова правая религия, и посему не поступайте в них несправедливо по отношению к себе. Сражайтесь с многобожниками всеми вместе (или все вместе), подобно тому, как они сражаются с вами всеми вместе (или все вместе). Знайте, что Аллах - с богобоязненными.Согласно божественному предопределению, в году должно быть двенадцать месяцев, о которых хорошо известно людям. Так предопределил Аллах, когда сотворил небеса и землю, установил ночь и день и разделил время на двенадцать месяцев. Четыре из этих месяцев считаются запретными: раджаб, зуль-када, зуль-хиджжа и мухаррам. Эти месяцы являются наиболее почитаемыми, и в них мусульманам запрещается вступать в боевые действия и причинять вред самим себе. Согласно одному толкованию, местоимение в этом откровении относится ко всем двенадцати месяцам. Всевышний разъяснил, что сделал эти месяцы временными промежутками для Своих рабов, дабы те повиновались Ему, благодарили Его за оказанную милость и остерегались несправедливых поступков. Согласно другому толкованию, это местоимение относится только к четырем запретным месяцам, и поэтому совершать грехи и поступать во вред себе запрещается в течение всего года, особенно, в течение запретных месяцев. Они считаются самыми почитаемыми месяцами, и совершение грехов в них - особо тяжкое преступление. Именно поэтому правоверным запрещено сражаться в эти месяцы. Одни богословы считали, что запрет на ведение боевых действий в запретные месяцы не был аннулирован. При этом они опирались на священные тексты о том, что нельзя сражаться в эти месяцы. Другие богословы считали, что запрет на ведение боевых действий в запретные месяцы был аннулирован. Они опирались на повеление сражаться со всеми многобожниками, которое также имеет широкий смысл, и другие, похожие коранические откровения. Всевышний повелел вести борьбу против всех многобожников, которые отказываются уверовать в Господа миров, не делая исключение для некоторых из них. Все они являются врагами правоверных и считают их своими врагами. Они видят неприятеля в каждом, кто исповедует правую веру, и делают все возможное, чтобы навредить им. Согласно другому толкованию, Всевышний Аллах повелел мусульманам сражаться с многобожниками всем вместе, подобно тому, как они сражаются с мусульманами все вместе. Такое толкование подразумевает, что повеление участвовать в военных походах распространяется на всех правоверных без исключения. Однако такое толкование было аннулировано следующим аятом: «Верующим не следует выступать в поход всем вместе» (9:122). И пусть правоверные знают, что Аллах помогает и поддерживает богобоязненных праведников. Пусть они исповедуют богобоязненность тайно и открыто, выполняют свои обязанности, сражаются против неверующих и не забывают о требованиях богобоязненности во взаимоотношениях с воинствующими и враждующими неверующими.
- Turkish - Diyanet Isleri : Allah'ın gökleri ve yeri yarattığı günkü yazısında Allah'a göre ayların sayısı onikidir Bunlardan dördü hürmetli aydır Bu dosdoğru bir nizamdır Öyleyse o aylar içinde kendinize yazık etmeyin topyekun sizinle savaşan putperestlerle siz de topyekun savaşın Allah'ın sakınanlarla beraber olduğunu bilin
- Italiano - Piccardo : Presso Allah il computo dei mesi è di dodici mesi [lunari] nel Suo Libro sin dal giorno in cui creò i cieli e la terra Quattro di loro sono sacri Questa è la religione retta In questi mesi non opprimete voi stessi ma combattete tutti assieme i politeisti come essi vi combattono tutti assieme Sappiate che Allah è con coloro che [Lo] temono
- كوردى - برهان محمد أمين : بێگومان ژمارهی مانگهکان لای خوا دوانزه مانگه لهکتێبی خوادا له لوح المحفوظ دا دیاریکراوه ههر لهو ڕۆژهوه که ئاسمانهکان و زهوی دروست کردووه چوار مانگی به حهرام داناوه واته جهنگ تیایدا نابێت بهرپا ببێت ههر ئهوهیه ئایین و بهرنامهی ڕاست و دروست کهوابوو لهو مانگانهدا ستهم له خۆتان مهکهن و جهنگ بهرپا مهکهن بهڵکو تهنها دژی موشریکانی شهڕهنگێز ههمووتان بجهنگن به گشتی ههروهکو ئهوان دژی ئێوه دهجهنگن بهگشتی ئینجا بشزانن که خوا یارو یاوهری ئهو کهسانهیه که لێی دهترسن و پارێزکارن
- اردو - جالندربرى : خدا کے نزدیک مہینے گنتی میں بارہ ہیں یعنی اس روز سے کہ اس نے اسمانوں اور زمین کو پیدا کیا۔ کتاب خدا میں برس کے بارہ مہینے لکھے ہوئے ہیں۔ ان میں سے چار مہینے ادب کے ہیں۔ یہی دین کا سیدھا راستہ ہے۔ تو ان مہینوں میں قتال ناحق سے اپنے اپ پر ظلم نہ کرنا۔ اور تم سب کے سب مشرکوں سے لڑو جیسے وہ سب کے سب تم سے لڑتے ہیں۔ اور جان رکھو کہ خدا پرہیز گاروں کے ساتھ ہے
- Bosanski - Korkut : Broj mjeseci u Allaha je dvanaest prema Allahovoj Knjizi od dana kada je nebesa i Zemlju stvorio a četiri su sveta; to je prava vjera U njima ne griješite A borite se protiv svih mnogobožaca kao što se oni svi bore protiv vas; i znajte da je Allah na strani onih koji se Allaha boje i grijeha klone
- Swedish - Bernström : ANTALET månader är tolv enligt Guds dekret vilket Han fastställde den dag då Han skapade himlarna och jorden Av dem är fyra helgade; detta är [Guds] evigt sanna lag Vanhelga därför inte dessa [månader] till skada för er själva Och var orubbliga i ert motstånd mot dem som sätter gudar vid Guds sida liksom de är orubbliga i sitt motstånd mot er och var förvissade om att Gud är med de gudfruktiga
- Indonesia - Bahasa Indonesia : Sesungguhnya bilangan bulan pada sisi Allah adalah dua belas bulan dalam ketetapan Allah di waktu Dia menciptakan langit dan bumi di antaranya empat bulan haram Itulah ketetapan agama yang lurus maka janganlah kamu menganiaya diri kamu dalam bulan yang empat itu dan perangilah kaum musyrikin itu semuanya sebagaimana merekapun memerangi kamu semuanya dan ketahuilah bahwasanya Allah beserta orangorang yang bertakwa
- Indonesia - Tafsir Jalalayn : إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ
(Sesungguhnya bilangan bulan) jumlah bulan pertahunnya (pada sisi Allah adalah dua belas bulan dalam Kitabullah) dalam Lohmahfuz (di waktu Dia menciptakan langit dan bumi, di antaranya) bulan-bulan tersebut (empat bulan suci) yang disucikan, yaitu Zulkaidah, Zulhijah, Muharam dan Rajab. (Itulah) penyucian bulan-bulan yang empat tersebut (agama yang lurus) artinya agama yang mustaqim (maka janganlah kalian menganiaya dalam bulan-bulan tersebut) dalam bulan-bulan yang empat itu (diri kalian sendiri) dengan melakukan kemaksiatan. Karena sesungguhnya perbuatan maksiat yang dilakukan dalam bulan-bulan tersebut dosanya lebih besar lagi. Menurut suatu penafsiran disebutkan bahwa dhamir fiihinna kembali kepada itsnaa `asyara, artinya dalam bulan-bulan yang dua belas itu (dan perangilah kaum musyrikin itu semuanya) seluruhnya dalam bulan-bulan yang dua belas itu (sebagaimana mereka pun memerangi kalian semuanya; dan ketahuilah bahwasanya Allah beserta orang-orang yang takwa) pertolongan dan bantuan-Nya selalu menyertai mereka.
- বাংলা ভাষা - মুহিউদ্দীন খান : নিশ্চয় আল্লাহর বিধান ও গননায় মাস বারটি আসমানসমূহ ও পৃথিবী সৃষ্টির দিন থেকে। তন্মধ্যে চারটি সম্মানিত। এটিই সুপ্রতিষ্ঠিত বিধান; সুতরাং এর মধ্যে তোমরা নিজেদের প্রতি অত্যাচার করো না। আর মুশরিকদের সাথে তোমরা যুদ্ধ কর সমবেতভাবে যেমন তারাও তোমাদের সাথে যুদ্ধ করে যাচ্ছে সমবেতভাবে। আর মনে রেখো আল্লাহ মুত্তাকীনদের সাথে রয়েছেন।
- தமிழ் - ஜான் டிரஸ்ட் : நிச்சயமாக அல்லாஹ்விடத்தில் அல்லாஹ்வுடைய பதிவுப் புத்தகத்தில் வானங்களையும் பூமியையும் படைத்த நாளிலிருந்தே மாதங்களின் எண்ணிக்கை பன்னிரண்டு ஆகும் அவற்றில் நான்கு மாதங்கள் புனிதமானவை இது தான் நேரான மார்க்கமாகும் ஆகவே அம்மாதங்களில் போர் செய்து உங்களுக்கு நீங்களே தீங்கிழைத்துக் கொள்ளாதீர்கள்; இணை வைப்பவர்கள் உங்கள் அனைவருடனும் போர் புரிவது போல் புரியுங்கள் நிச்சயமாக அல்லாஹ் பயபக்தியுடையோருடனேயே இருக்கின்றான் என்பதை அறிந்து கொள்ளுங்கள்
- ภาษาไทย - ภาษาไทย : “แท้จริงจำนวนเดือน ณ อัลลอฮ์นั้นมีสิบสองเดือน ในคัมภีร์ของอัลลอฮ์ตั้งแต่วันที่พระองค์ทรงสร้างบรรดาชั้นฟ้าและแผ่นดินจากเดือนเหล่านั้นมีสี่เดือน ซึ่งเป็นเดือนที่ต้องห้าม นั่นคือบัญญัติอันเที่ยงตรง ดังนั้นพวกเจ้าจงอย่าอธรรม แก่ตัวของพวกเจ้าเองในเดือนเหล่านั้นและจงต่อสู้บรรดามุชริกทั้งหมด เช่นเดียวกับที่พวกเขากำลังต่อสู้พวกเจ้าทั้งหมด และพึงรู้เถิดว่า แท้จริงอัลลอฮ์นั้นอยู่ร่วมกับบรรดาผู้ที่ยำเกรง”
- Uzbek - Мухаммад Содик : Албатта Аллоҳнинг ҳузурида ойларнинг сони Аллоҳнинг ҳузурида осмонлару ерни яратган куни ўн икки ой қилиб белгиланган Улардан тўрттаси уруш қилиш ҳаром ойлардир Мана шу тўғри диндир У ойларда ўзингизга зулм қилманг Мушрикларга қарши жам бўлиб улар сизга қарши жам бўлиб урушаётгандек уруш қилинг Ва билингки албатта Аллоҳ тақводорлар биландир Ушбу ояти карима ойларнинг ҳисоби табиий равишда Аллоҳ осмонлару ерни яратган пайтдаёқ уларнинг ҳаракатига боғлиқ қилиниб ўн икки этиб белгиланганлигини баён қилмоқда Бу доимий равишда бир хил турадиган собит ҳисобдир Унда инсоннинг ҳеч даҳли йўқ Инсон фақат Аллоҳ яратган нарсаларга қараб Аллоҳ берган ақл билан ойларни санайди холос
- 中国语文 - Ma Jian : 依真主的判断,月数确是十2个月,真主创造天地之日,已记录在天经中。其中有s四个禁月,这确是正教。故你们在禁月里不要自欺。以物配主的人群起而进攻你们,你们也就应当群起而抵抗他们。你们应当知道,真主是和敬畏者在一起的。
- Melayu - Basmeih : Sesungguhnya bilangan bulanbulan di sisi hukum Allah ialah dua belas bulan yang telah ditetapkan dalam Kitab Allah semasa Ia menciptakan langit dan bumi di antaranya empat bulan yang dihormati Ketetapan yang demikian itu ialah ugama yang betul lurus maka janganlah kamu menganiaya diri kamu dalam bulanbulan yang dihormati itu dengan melanggar laranganNya; dan perangilah kaum kafir musyrik seluruhnya sebagaimana mereka memerangi kamu seluruhnya; dan ketahuilah sesungguhnya Allah beserta orangorang yang bertaqwa
- Somali - Abduh : tirada bilaha Eebe agtiisa waa Labiyo toban kitaabka Eebe dhexdiisa taniyo maalintuu abuuray samooyinka iyo dhulka waxaana ka mid ah afar xurmo gaara leh waana taas diinta toosan ee ha dulmiyina dhexdooda naftiinna lana dagaalama gaalada dhammaantiin siday idiinla dagaalamayaan dhammaan ogaadana in Eebe la jiro kuwa dhawrsada
- Hausa - Gumi : Lallai ne ƙidãyayyun watanni a wurin Allah watã gõma shã biyu ne a cikin Littãfin Allah a Rãnar da Ya halicci sammai da ƙasa daga cikinsu akwai huɗu mãsu alfarma Wannan ne addini madaidaici Sabõda haka kada ku zãlunci kanku a cikinsu Kuma ku yãƙi mushirikai gabã ɗaya kamar yadda suke yãƙar ku gabã ɗaya Kuma ku sani cẽwa lallai ne Allah Yanã tãre da mãsu taƙawa
- Swahili - Al-Barwani : Hakika idadi ya miezi kwa Mwenyezi Mungu ni miezi kumi na mbili katika hukumu ya Mwenyezi Mungu tangu alipo umba mbingu na ardhi Katika hiyo iko mine mitakatifu Hiyo ndiyo Dini iliyo sawa Basi msidhulumu nafsi zenu humo Na piganeni na washirikina wote kama wao wnavyo pigana nanyi nyote Na jueni kuwa Mwenyezi Mungu yu pamoja na wachamngu
- Shqiptar - Efendi Nahi : Me të vërtetë numri i muajve te Perëndia është dymbëdhjetë sipas Librit të Perëndisë prej ditës që i ka krijuar qiejtë dhe Tokën Katër prej tyre janë të shenjtë; ky është besim i drejtë E në këta mos i bëni vetes zullum Por luftoni të gjithë kundër idhujtarëve ashtu si luftojnë ata të gjithë kundër jush Të dini se Perëndia është me ata që ruhen nga mëkatet
- فارسى - آیتی : شمار ماهها در نزد خدا، در كتاب خدا از آن روز كه آسمانها و زمين را بيافريده، دوازده است. چهار ماه، ماههاى حرامند. اين است شيوه درست. در آن ماهها بر خويشتن ستم مكنيد. و همچنان كه مشركان همگى به جنگ شما برخاستند، همگى به جنگ ايشان برخيزيد. و بدانيد كه خدا با پرهيزگاران است.
- tajeki - Оятӣ : Шумори моҳҳо дар назди Худо, дар китоби Худо аз он рӯз, ки осмонҳову заминро биёфарида, дувоздаҳ аст. Чаҳор моҳ моҳҳои ҳароманд. Ин аст дини дуруст. Дар он моҳҳо бар хештан ситам макунед. Ва ҳамчунон, ки мушрикон ҳамагӣ ба ҷанги шумо бархостанд, ҳамагӣ ба ҷанги онҳо бархезед. Ва бидонед, ки Худо бо парҳезгорон аст!
- Uyghur - محمد صالح : شۈبھىسىزكى، ئاسمان ۋە زېمىن يارىتىلغاندىن تارتىپ (قەمەرى) ئايلارنىڭ سانى اﷲ نىڭ دەرگاھىدا (يەنى لەۋھۇلمەھپۇزدا) 12 دۇر، ئۇلاردىن تۆتى (يەنى زۇلقەئدە، زۇلھەججە، مۇھەررەم، رەجەپ) ئۇرۇش قىلىش ھارام قىلىنغان ئايلاردۇر، بۇ توغرا دىندۇر (يەنى مەزكۇر تۆت ئايدا ئۇرۇشنىڭ ھارام قىلىنىشى اﷲ نىڭ توغرا دىنىدۇر)، بۇ ئايلاردا (ئۇلارنىڭ ھۆرمىتىنى ساقلىماسلىق بىلەن، اﷲ چەكلىگەن گۇناھ ئىشلارنى قىلىش بىلەن) ئۆزۈڭلارغا زىيان سالماڭلار، مۇشرىكلار سىلەرگە بىرلىكتە ھۇجۇم قىلغاندەك، سىلەرمۇ ئۇلارغا قارشى بىرلىكتە ئۇرۇش قىلىڭلار. بىلىڭلاركى، اﷲ تەقۋادارلار بىلەن بىللىدۇر (يەنى اﷲ نىڭ ئەمرىنى بەجا كەلتۈرۈش، مەنئى قىلغان ئىشلىرىدىن چەكلىنىش بىلەن اﷲ تىن قورققۇچىلارغا اﷲ نىڭ ياردەم بېرىدىغانلىقىغا ئىشەنچىدە بولۇڭلار)
- Malayalam - ശൈഖ് മുഹമ്മദ് കാരകുന്ന് : ആകാശഭൂമികളുടെ സൃഷ്ടി നടന്ന നാള് തൊട്ട് അല്ലാഹുവിന്റെ അടുക്കല് ദൈവിക പ്രമാണമനുസരിച്ച് മാസങ്ങളുടെ എണ്ണം പന്ത്രണ്ടാണ്. അവയില് നാലെണ്ണം യുദ്ധം വിലക്കപ്പെട്ടവയാണ്. ഇതാണ് യഥാര്ഥ നിയമക്രമം. അതിനാല് ആ നാലുമാസം നിങ്ങള് നിങ്ങളോടുതന്നെ അക്രമം കാണിക്കാതിരിക്കുക. ബഹുദൈവ വിശ്വാസികള് എവ്വിധം ഒറ്റക്കെട്ടായി നിങ്ങളോട് യുദ്ധം ചെയ്യുന്നുവോ അവ്വിധം നിങ്ങളും ഒന്നായി അവരോട് യുദ്ധം ചെയ്യുക. അറിയുക: അല്ലാഹു സൂക്ഷ്മതയുള്ളവരോടൊപ്പമാണ്.
- عربى - التفسير الميسر : ان عده الشهور في حكم الله وفيما كتب في اللوح المحفوظ اثنا عشر شهرا يوم خلق السموات والارض منها اربعه حرم حرم الله فيهن القتال هي ذو القعده وذو الحجه والمحرم ورجب ذلك هو الدين المستقيم فلا تظلموا فيهن انفسكم لزياده تحريمها وكون الظلم فيها اشد منه في غيرها لا ان الظلم في غيرها جائز وقاتلوا المشركين جميعا كما يقاتلونكم جميعا واعلموا ان الله مع اهل التقوى بتاييده ونصره
*34) This means that ever since Allah created the sun, the moon and the earth, the new moon takes place only once in a month; thus the year has always been of twelve months.
This has been mentioned to refute the practice of nasi (v. 37) whereby the pagan Arabs increased the number of the months of a year to 13 or 14 to enable them to interpose in the calendar the forbidden month which had been made lawful by them. (For fuller explanation see E.N. 37).
*35) "....do not wrong yourselves ....": "Do not let go waste the good things for which fighting has been made unlawful during these months by creating disorder in them that will ultimately be harmful to you also" . The four forbidden months are . . Zil-Q`adah, Zil-Hajjah and Muharram for Haj and Rajab for ' Umrah.
*36) That is, 'If the mushriks do not desist from fighting during these months, you should also fight them and present a united front against them, just as they put up a united front against you". This verse has been explained by v. 194 of Al-Baqarah.