- عربي - نصوص الآيات عثماني : مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِنۢ بَعْدِ إِيمَٰنِهِۦٓ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُۥ مُطْمَئِنٌّۢ بِٱلْإِيمَٰنِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
- عربى - نصوص الآيات : من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم
- عربى - التفسير الميسر : إنما يفتري الكذب مَن نطق بكلمة الكفر وارتدَّ بعد إيمانه، فعليهم غضب من الله، إلا مَن أُرغم على النطق بالكفر، فنطق به خوفًا من الهلاك وقلبه ثابت على الإيمان، فلا لوم عليه، لكن من نطق بالكفر واطمأن قلبه إليه، فعليهم غضب شديد من الله، ولهم عذاب عظيم؛ وذلك بسبب إيثارهم الدنيا وزينتها، وتفضيلهم إياها على الآخرة وثوابها، وأن الله لا يهدي الكافرين، ولا يوفقهم للحق والصواب.
- السعدى : مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
يخبر تعالى عن شناعة حال { مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ } فعمى بعد ما أبصر ورجع إلى الضلال بعد ما اهتدى، وشرح صدره بالكفر راضيا به مطمئنا أن لهم الغضب الشديد من الرب الرحيم الذي إذا غضب لم يقم لغضبه شيء وغضب عليهم كل شيء، { وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } أي: في غاية الشدة مع أنه دائم أبدا.
- الوسيط لطنطاوي : مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
ذكر المفسرون فى سبب نزول قوله - تعالى - : ( مَن كَفَرَ بالله مِن بَعْدِ إيمَانِهِ . . . ) روايات منها قول الآلوسى : " روى أن قريشا أكرهوا عمارا وأبويه : ياسرا ، وسمية ، على الارتداد فأبوا ، فربطوا سمية بين بعيرين . . . ثم قتلوها وقتلوا ياسرا ، وهما أول شهيدين فى الإِسلام . وأما عمار فأعطاهم بلسانه ما أكرهوه عليه ، فقيل يارسول الله : إن عمارا قد كفر . فقال صلى الله عليه وسلم : " كلا ، إن عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه ، واختلط الإِيمان بلحمه ودمه " .
فأتى عمار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكى ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عينيه وقال له : "
مالك ، إن عادوا فعد لهم بما قلت " . وفى رواية أنه قال له : " كيف تجد قلبك؟ قال مطمئن بالإِيمان قال صلى الله عليه وسلم إن عادوا فعد " . فنزلت هذه الآية " .ثم قال الآلوسى : والآية دليل على جواز التكلم بكلمة الكفر عند الإِكراه ، وإن كان الأفضل أن يتجنب عن ذلك إعزازا للدين ولو تيقن القتل ، كما فعل ياسر وسمية ، وليس ذلك من إلقاء النفس إلى التهلكة ، بل هو كالقتل فى الغزو كما صرحوا به .
و " من " فى قوله ( مَن كَفَرَ بالله ) مبتدأ أو شرطية ، والخبر أو جواب الشرط محذوف والتقدير : فعليه غضب من الله ، أو فله عذاب شديد ، ويدل عليهما قوله - تعالى - بعد ذلك : ( ولكن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً ) .
والمعنى : من كفر بالله - تعالى - من بعد إيمانه بوحدانيته - سبحانه - وبصدق رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه بسبب هذا الكفر يكون قد ضل ضلالا بعيدا ، يستحق من أجله العذاب المهين .
وقوله : ( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان ) استثناء متصل من الجملة السابقة أى : إلا من أكره على النطق بكلمة الكفر ، والحال أن قلبه مطمئن بالإِيمان ، ثابت عليه ، متمكن منه . . فإنه فى هذه الحالة لا يكون ممن يستحقون عقوبة المرتد .
قال بعض العلماء : وأما قوله : ( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان ) فهو استثناء متصل من " مَنْ " لأن الكفر أعم من أن يكون اعتقادا فقط ، أو قولا فقط ، أو اعتقادا وقولا . . . وأصل الاطمئنان سكون بعد انزعاج ، والمراد به هنا : السكون والثبات على الإِيمان بعد الانزعاج الحاصل بسبب الإِكراه . . .
وقوله : ( ولكن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) بيان لسوء مصير من استحب الكفر على الإِيمان باختياره ورضاه .
و " من " فى قوله ( من شرح ) شرطية ، وجوابها ( فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ الله ) .
أى : حكم من تلفظ بكلمة الكفر مكرها أنه لا يعتبر مرتدا ، ولكن حكم من طابت نفوسهم بالكفر ، وانشرحت له صدورهم ، واعتقدوا صحته ، أنهم عليهم من الله - تعالى - غضب شديد لا يعلم مقداره إلا هو ، ولهم يوم القيامة عذاب عظيم الهول ، يتناسب مع عظيم جرمهم .
هذا ، وقد ذكر الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية جملة من الأخبار التى حكت ما تعرض له المسلمون الأولون من فتن وآلام . فقال ما ملخصه : ولهذا اتفق العلماء على أن المكره على الكفر يجوز له أن يوالى إبقاء لمهجته ، ويجوز له أن يأبى كما كان بلال - رضى الله عنه - يأبى عليهم ذلك ، وهم يفعلون به الأفاعيل ، حتى إنهم ليضعون الصخرة العظيمة على صدره فى شدة الحر ويأمرونه بالشرك بالله ، فيأبى عليهم وهو يقول : أحد ، أحد ، ويقول : والله لو أعلم كلمة هى أغيظ لكم منها لقلتها .
- البغوى : مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره )
قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في عمار ، وذلك أن المشركين أخذوه ، وأباه ياسرا ، وأمه سمية ، وصهيبا ، وبلالا وخبابا ، وسالما ، فعذبوهم ، فأما سمية : فإنها ربطت بين بعيرين ووجئ قبلها بحربة فقتلت ، وقتل زوجها ياسر ، وهما أول قتيلين قتلا في الإسلام ، وأما عمار : فإنه أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها .
قال قتادة : أخذ بنو المغيرة عمارا وغطوه في بئر ميمون ، وقالوا له : اكفر بمحمد ، فتابعهم على ذلك ، وقلبه كاره ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن عمارا كفر فقال : كلا إن عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه ، واختلط الإيمان بلحمه ودمه ، فأتى عمار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما وراءك؟ قال : شر يا رسول الله ، نلت منك وذكرت آلهتهم قال : كيف وجدت قلبك ، قال مطمئنا بالإيمان ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يمسح عينيه وقال : إن عادوا لك فعد لهم بما قلت ، فنزلت هذه الآية .
قال مجاهد : نزلت في ناس من أهل مكة ، آمنوا فكتب إليهم بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن هاجروا ، فإنا لا نراكم منا حتى تهاجروا إلينا ، فخرجوا يريدون المدينة ، فأدركتهم قريش في الطريق فكفروا كارهين .
وقال مقاتل : نزلت في جبر ، مولى عامر بن الحضرمي ، أكرهه سيده على الكفر فكفر مكرها . ( وقلبه مطمئن بالإيمان ) ثم أسلم مولى جبر وحسن إسلامه وهاجر جبر مع سيده ، ( ولكن من شرح بالكفر صدرا ) أي : فتح صدره للكفر بالقبول واختاره ، ( فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم )
وأجمع العلماء على : أن من أكره على كلمة الكفر ، يجوز له أن يقول بلسانه ، وإذا قال بلسانه غير معتقد لا يكون كفرا ، وإن أبى أن يقول حتى يقتل كان أفضل .
واختلف أهل العلم في طلاق المكره . فذهب أكثرهم إلى أنه لا يقع .
- ابن كثير : مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
أخبر تعالى عمن كفر به بعد الإيمان والتبصر ، وشرح صدره بالكفر واطمأن به : أنه قد غضب عليه ؛ لعلمهم بالإيمان ثم عدولهم عنه ، وأن لهم عذابا عظيما في الدار الآخرة ; لأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة ، فأقدموا على ما أقدموا عليه من الردة لأجل الدنيا ، ولم يهد الله قلوبهم ويثبتهم على الدين الحق ، فطبع على قلوبهم فلا يعقلون بها شيئا ينفعهم وختم على سمعهم وأبصارهم فلا ينتفعون بها ، ولا أغنت عنهم شيئا ، فهم غافلون عما يراد بهم .
( لا جرم ) أي : لا بد ولا عجب أن من هذه صفته ، ( أنهم في الآخرة هم الخاسرون ) أي : الذين خسروا أنفسهم وأهاليهم يوم القيامة .
وأما قوله : ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) فهو استثناء ممن كفر بلسانه ووافق المشركين بلفظه مكرها لما ناله من ضرب وأذى ، وقلبه يأبى ما يقول ، وهو مطمئن بالإيمان بالله ورسوله .
وقد روى العوفي عن ابن عباس : أن هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر حين عذبه المشركون حتى يكفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فوافقهم على ذلك مكرها وجاء معتذرا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله هذه الآية . وهكذا قال الشعبي ، وأبو مالك وقتادة .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن أبي عبيدة [ بن ] محمد بن عمار بن ياسر قال : أخذ المشركون عمار بن ياسر فعذبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا ، فشكا ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " كيف تجد قلبك ؟ " قال : مطمئنا بالإيمان قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن عادوا فعد " .
ورواه البيهقي بأبسط من ذلك ، وفيه أنه سب النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر آلهتهم بخير ، وأنه قال : يا رسول الله ، ما تركت حتى سببتك وذكرت آلهتهم بخير . قال : " كيف تجد قلبك ؟ " قال : مطمئنا بالإيمان . فقال : " إن عادوا فعد " . وفي ذلك أنزل الله : ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) .
ولهذا اتفق العلماء على أنه يجوز أن يوالي المكره على الكفر ؛ إبقاء لمهجته ، ويجوز له أن يستقتل ، كما كان بلال - رضي الله عنه - يأبى عليهم ذلك وهم يفعلون به الأفاعيل ، حتى أنهم ليضعون الصخرة العظيمة على صدره في شدة الحر ، ويأمرونه أن يشرك بالله فيأبى عليهم وهو يقول : أحد ، أحد . ويقول : والله لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها - رضي الله عنه وأرضاه - . وكذلك حبيب بن زيد الأنصاري لما قال له مسيلمة الكذاب : أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ فيقول : نعم . فيقول : أتشهد أني رسول الله ؟ فيقول : لا أسمع . فلم يزل يقطعه إربا إربا وهو ثابت على ذلك .
وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا أيوب ، عن عكرمة ، أن عليا - رضي الله عنه - حرق ناسا ارتدوا عن الإسلام ، فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لم أكن لأحرقهم بالنار ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تعذبوا بعذاب الله " . وكنت قاتلهم بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من بدل دينه فاقتلوه " فبلغ ذلك عليا فقال : ويح أم ابن عباس . رواه البخاري .
وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن أيوب ، عن حميد بن هلال العدوي ، عن أبي بردة قال : قدم على أبي موسى معاذ بن جبل باليمن ، فإذا رجل عنده ، قال : ما هذا ؟ قال رجل كان يهوديا فأسلم ، ثم تهود ، ونحن نريده على الإسلام منذ - قال : أحسب - شهرين فقال : والله لا أقعد حتى تضربوا عنقه ، فضربت عنقه . فقال : قضى الله ورسوله أن من رجع عن دينه فاقتلوه - أو قال : من بدل دينه فاقتلوه .
وهذه القصة في الصحيحين بلفظ آخر .
والأفضل والأولى أن يثبت المسلم على دينه ، ولو أفضى إلى قتله ، كما قال الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن حذافة السهمي أحد الصحابة : أنه أسرته الروم ، فجاءوا به إلى ملكهم ، فقال له : تنصر وأنا أشركك في ملكي وأزوجك ابنتي ، فقال له : لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما تملكه العرب ، على أن أرجع عن دين محمد طرفة عين ما فعلت ! فقال : إذا أقتلك ، قال : أنت وذاك ، فأمر به فصلب ، وأمر الرماة فرموه قريبا من يديه ورجليه ، وهو يعرض عليه دين النصرانية ، فيأبى ثم أمر به فأنزل ، ثم أمر بقدر - وفي رواية ببقرة من نحاس - فأحميت ، وجاء بأسير من المسلمين فألقاه وهو ينظر ، فإذا هو عظام تلوح ، وعرض عليه فأبى ، فأمر به أن يلقى فيها ، فرفع في البكرة ليلقى فيها ، فبكى فطمع فيه ودعاه فقال له : إني إنما بكيت لأن نفسي إنما هي نفس واحدة ، تلقى في هذه القدر الساعة في الله ، فأحببت أن يكون لي بعدد كل شعرة في جسدي نفس تعذب هذا العذاب في الله . وفي بعض الروايات : أنه سجنه ومنع عنه الطعام والشراب أياما ، ثم أرسل إليه بخمر ولحم خنزير ، فلم يقربه ، ثم استدعاه فقال : ما منعك أن تأكل ؟ فقال : أما إنه قد حل لي ، ولكن لم أكن لأشمتك في ، فقال له الملك : فقبل رأسي وأنا أطلقك ، فقال : وتطلق معي جميع أسارى المسلمين ؟ قال : نعم . فقبل رأسه ، فأطلقه وأطلق معه جميع أسارى المسلمين عنده ، فلما رجع قال عمر بن الخطاب : حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة ، وأنا أبدأ ، فقام فقبل رأسه .
- القرطبى : مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
قوله تعالى : من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم
فيه إحدى عشر مسألة :
الأولى : قوله تعالى : من كفر بالله هذا متصل بقوله - تعالى - : ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها فكان مبالغة في الوصف بالكذب ; لأن معناه لا ترتدوا عن بيعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - . أي من كفر من بعد إيمانه وارتد فعليه غضب الله . قال الكلبي : نزلت في عبد الله بن أبي سرح ومقيس بن صبابة وعبد الله بن خطل ، وقيس بن الوليد بن المغيرة ، كفروا بعد إيمانهم . وقال الزجاج : من كفر بالله من بعد إيمانه بدل ممن يفتري الكذب ; أي إنما يفتري الكذب من كفر بالله من بعد إيمانه ; لأنه رأى الكلام إلى آخر الاستثناء غير تام فعلقه بما قبله . وقال الأخفش : " من " ابتداء وخبره محذوف ، اكتفي منه بخبر من الثانية ; كقولك : من يأتنا من يحسن نكرمه .
الثانية : قوله تعالى : إلا من أكره هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر ، في قول أهل التفسير ; لأنه قارب بعض ما ندبوه إليه . قال ابن عباس : أخذه المشركون وأخذوا أباه وأمه سمية وصهيبا وبلالا وخبابا وسالما فعذبوهم ، وربطت سمية بين بعيرين ووجئ قبلها بحربة ، وقيل لها إنك أسلمت من أجل الرجال ; فقتلت وقتل زوجها ياسر ، وهما أول قتيلين في الإسلام . وأما عمار فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها ، فشكا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كيف تجد قلبك ؟ قال : مطمئن بالإيمان . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فإن عادوا فعد . وروى منصور بن المعتمر عن مجاهد قال : أول شهيدة في الإسلام أم عمار ، قتلها أبو جهل ، وأول شهيد من الرجال مهجع مولى عمر . وروى منصور أيضا عن مجاهد قال : أول من أظهر الإسلام سبعة : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر ، وبلال ، وخباب ، وصهيب ، وعمار ، وسمية أم عمار . فأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنعه أبو طالب ، وأما أبو بكر فمنعه قومه ، وأخذوا الآخرين فألبسوهم أدرع الحديد ، ثم صهروهم في الشمس حتى بلغ منهم الجهد كل مبلغ من حر الحديد والشمس ، فلما كان من العشي أتاهم أبو جهل ومعه حربة ، فجعل يسبهم ويوبخهم ، وأتى سمية فجعل يسبها ويرفث ، ثم طعن فرجها حتى خرجت الحربة من فمها فقتلها ; - رضي الله عنها - . قال : وقال الآخرون ما سئلوا إلا بلالا فإنه هانت عليه نفسه في الله ، فجعلوا يعذبونه ويقولون له : ارجع عن دينك ، وهو يقول أحد أحد ; حتى ملوه ، ثم كتفوه وجعلوا في عنقه حبلا من ليف ، ودفعوه إلى صبيانهم يلعبون به بين أخشبي مكة حتى ملوه وتركوه ، قال فقال عمار : كلنا تكلم بالذي قالوا - لولا أن الله تداركنا - غير بلال فإنه هانت عليه نفسه في الله ، فهان على قومه حتى ملوه وتركوه . والصحيح أن أبا بكر اشترى بلالا فأعتقه . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد أن ناسا من أهل مكة آمنوا ، فكتب إليهم بعض أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة : أن هاجروا إلينا ، فإنا لا نراكم منا حتى تهاجروا إلينا ، فخرجوا يريدون المدينة حتى أدركتهم قريش بالطريق ، ففتنوهم فكفروا مكرهين ، ففيهم نزلت هذه الآية . ذكر الروايتين عن مجاهد إسماعيل بن إسحاق . وروى الترمذي عن عائشة قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما هذا حديث حسن غريب . وروي عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة علي وعمار وسليمان بن ربيعة . قال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن صالح .
الثالثة : لما سمح الله - عز وجل - بالكفر به وهو أصل الشريعة عند الإكراه ولم يؤاخذ به ، حمل العلماء عليه فروع الشريعة كلها ، فإذا وقع الإكراه عليها لم يؤاخذ به ولم يترتب عليه حكم ; وبه جاء الأثر المشهور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه الحديث . والخبر وإن لم يصح سنده فإن معناه صحيح باتفاق من العلماء ; قاله القاضي أبو بكر بن العربي . وذكر أبو محمد عبد الحق أن إسناده صحيح قال : وقد ذكره أبو بكر الأصيلي في الفوائد وابن المنذر في كتاب الإقناع .
الرابعة : أجمع أهل العلم على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل ، أنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان ، ولا تبين منه زوجته ولا يحكم عليه بحكم الكفر ; هذا قول مالك والكوفيين والشافعي ; غير محمد بن الحسن فإنه قال : إذا أظهر الشرك كان مرتدا في الظاهر ، وفيما بينه وبين الله - تعالى - على الإسلام ، وتبين منه امرأته ولا يصلى عليه إن مات ، ولا يرث أباه إن مات مسلما . وهذا قول يرده الكتاب والسنة ، قال الله - تعالى - : إلا من أكره الآية . وقال : إلا أن تتقوا منهم تقاة وقال : إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض الآية . وقال : إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الآية . فعذر الله المستضعفين الذين يمتنعون من ترك ما أمر الله به ، والمكره لا يكون إلا مستضعفا غير ممتنع من فعل ما أمر به ; قاله البخاري .
الخامسة : ذهبت طائفة من العلماء إلى أن الرخصة إنما جاءت في القول ، وأما في الفعل فلا رخصة فيه ، مثل أن يكرهوا على السجود لغير الله أو الصلاة لغير القبلة ، أو قتل مسلم أو ضربه أو أكل ماله ، أو الزنا وشرب الخمر وأكل الربا ; يروى هذا عن الحسن البصري ، - رضي الله عنه - . وهو قول الأوزاعي وسحنون من علمائنا . وقال محمد بن الحسن : إذا قيل للأسير : اسجد لهذا الصنم وإلا قتلتك . فقال : إن كان الصنم مقابل القبلة فليسجد ويكون نيته لله - تعالى - ، وإن كان لغير القبلة فلا يسجد وإن قتلوه . والصحيح أنه يسجد وإن كان لغير القبلة ، وما أحراه بالسجود حينئذ ; ففي الصحيح عن ابن عمر قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان وجهه ، قال : وفيه نزلت فأينما تولوا فثم وجه الله في رواية : ويوتر عليها ، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة . فإذا كان هذا مباحا في السفر في حالة الأمن لتعب النزول عن الدابة للتنفل فكيف بهذا . واحتج من قصر الرخصة على القول بقول ابن مسعود : ما من كلام يدرأ عني سوطين من ذي سلطان إلا كنت متكلما به . فقصر الرخصة على القول ولم يذكر الفعل ، وهذا لا حجة فيه ; لأنه يحتمل أن يجعل للكلام مثالا وهو يريد أن الفعل في حكمه . وقالت طائفة : الإكراه في الفعل والقول سواء إذا أسر الإيمان . روي ذلك عن عمر بن الخطاب ومكحول ، وهو قول مالك وطائفة من أهل العراق . روى ابن القاسم عن مالك أن من أكره على شرب الخمر وترك الصلاة أو الإفطار في رمضان ، أن الإثم عنه مرفوع .
السادسة : أجمع العلماء على أن من أكره على قتل غيره أنه لا يجوز له الإقدام على قتله ولا انتهاك حرمته بجلد أو غيره ، ويصبر على البلاء الذي نزل به ، ولا يحل له أن يفدي نفسه بغيره ، ويسأل الله العافية في الدنيا والآخرة .
واختلف في الزنا ، فقال مطرف وأصبغ وابن عبد الحكم وابن الماجشون : لا يفعل أحد ذلك ، وإن قتل لم يفعله ، فإن فعله فهو آثم ويلزمه الحد ; وبه قال أبو ثور والحسن . قال ابن العربي : الصحيح أنه يجوز الإقدام على الزنا ولا حد عليه ، خلافا لمن ألزمه ذلك ; لأنه رأى أنها شهوة خلقية لا يتصور الإكراه عليها ، وغفل عن السبب في باعث الشهوة وهو الإلجاء إلى ذلك ، وهو الذي أسقط حكمه ، وإنما يجب الحد على شهوة بعث عليها سبب اختياري ، فقاس الشيء على ضده ، فلم يحل بصواب من عنده . وقال ابن خويز منداد في أحكامه : اختلف أصحابنا متى أكره الرجل على الزنا ; فقال بعضهم : عليه الحد ; لأنه إنما يفعل ذلك باختياره . وقال بعضهم : لا حد عليه . قال ابن خويز منداد : وهو الصحيح . وقال أبو حنيفة : إن أكرهه غير السلطان حد ، وإن أكرهه السلطان فالقياس أن يحد ، ولكن أستحسن ألا يحد . وخالفه صاحباه فقالا : لا حد عليه في الوجهين ، ولم يراعوا الانتشار ، وقالوا : متى علم أنه يتخلص من القتل بفعل الزنا جاز أن ينتشر . قال ابن المنذر : لا حد عليه ، ولا فرق بين السلطان في ذلك وغير السلطان .
السابعة : اختلف العلماء في طلاق المكره وعتاقه ; فقال الشافعي وأصحابه : لا يلزمه شيء . وذكر ابن وهب عن عمر وعلي وابن عباس أنهم كانوا لا يرون طلاقه شيئا . وذكره ابن المنذر عن ابن الزبير وابن عمر وابن عباس وعطاء وطاوس والحسن وشريح والقاسم وسالم ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور . وأجازت طائفة طلاقه ; روي ذلك عن الشعبي والنخعي وأبي قلابة والزهري وقتادة ، وهو قول الكوفيين . قال أبو حنيفة : طلاق المكره يلزم ; لأنه لم يعدم فيه أكثر من الرضا ، وليس وجوده بشرط في الطلاق كالهازل . وهذا قياس باطل ; فإن الهازل قاصد إلى إيقاع الطلاق راض به ، والمكره غير راض ولا نية له في الطلاق ، وقد قال - عليه السلام - : إنما الأعمال بالنيات . وفي البخاري : وقال ابن عباس فيمن يكرهه اللصوص فيطلق : ليس بشيء ; وبه قال ابن عمر وابن الزبير والشعبي والحسن . وقال الشعبي : إن أكرهه اللصوص فليس بطلاق ، وإن أكرهه السلطان فهو طلاق . وفسره ابن عيينة فقال : إن اللص يقدم على قتله والسلطان لا يقتله .
الثامنة : وأما بيع المكره والمضغوط فله حالتان . الأولى : أن يبيع ماله في حق وجب عليه ; فذلك ماض سائغ لا رجوع فيه عند الفقهاء ; لأنه يلزمه أداء الحق إلى ربه من غير المبيع ، فلما لم يفعل ذلك كان بيعه اختيارا منه فلزمه . وأما بيع المكره ظلما أو قهرا فذلك بيع لا يجوز عليه . وهو أولى بمتاعه يأخذه بلا ثمن ، ويتبع المشتري بالثمن ذلك الظالم ; فإن فات المتاع رجع بثمنه أو بقيمته بالأكثر من ذلك على الظالم إذا كان المشتري غير عالم بظلمه . قال مطرف : ومن كان من المشترين يعلم حال المكره فإنه ضامن لما ابتاع من رقيقه وعروضه كالغاصب ، وكلما أحدث المبتاع في ذلك من عتق أو تدبير أو تحبيس فلا يلزم المكره ، وله أخذ متاعه . قالسحنون : أجمع أصحابنا وأهل العراق على أن بيع المكره على الظلم والجور لا يجوز . وقال الأبهري : إنه إجماع .
التاسعة : وأما نكاح المكره ; فقال سحنون : أجمع أصحابنا على إبطال نكاح المكره والمكرهة ، وقالوا : لا يجوز المقام عليه ، لأنه لم ينعقد . قال محمد بن سحنون : وأجاز أهل العراق نكاح المكره ، وقالوا : لو أكره على أن ينكح امرأة بعشرة آلاف درهم ، وصداق مثلها ألف درهم ، أن النكاح جائز وتلزمه الألف ويبطل الفضل . قال محمد : فكما أبطلوا الزائد على الألف فكذلك يلزمهم إبطال النكاح بالإكراه . وقولهم خلاف السنة الثابتة في حديث خنساء بنت خذام الأنصارية ، ولأمره - صلى الله عليه وسلم - بالاستئمار في أبضاعهن ، وقد تقدم ، فلا معنى لقولهم .
العاشرة : فإن وطئها المكره على النكاح غير مكره على الوطء والرضا بالنكاح لزمه النكاح عندنا على المسمى من الصداق ودرئ عنه الحد . وإن قال : وطئتها على غير رضا مني بالنكاح فعليه الحد والصداق المسمى ; لأنه مدع لإبطال الصداق المسمى ، وتحد المرأة إن أقدمت وهي عالمة أنه مكره على النكاح . وأما المكرهة على النكاح وعلى الوطء فلا حد عليها ولها الصداق ، ويحد الواطئ ; فاعلمه . قاله سحنون .
الحادية عشرة : إذا استكرهت المرأة على الزنا فلا حد عليها ; لقوله إلا من أكره وقوله - عليه السلام - : إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه . ولقول الله - تعالى - : فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم يريد الفتيات . وبهذا المعنى حكم عمر في الوليدة التي استكرهها العبد فلم يحدها . والعلماء متفقون على أنه لا حد على امرأة مستكرهة . وقال مالك : إذا وجدت المرأة حاملا وليس لها زوج فقالت استكرهت فلا يقبل ذلك منها وعليها الحد ، إلا أن تكون لها بينة أو جاءت تدمي على أنها أوتيت ، أو ما أشبه ذلك . واحتج بحديث عمر بن الخطاب أنه قال : الرجم في كتاب الله حق على من زنى من الرجال والنساء إذا أحصن إذا قامت البينة ، أو كان الحبل أو الاعتراف . قال ابن المنذر : وبالقول الأول أقول .
الثانية عشرة : واختلفوا في وجوب الصداق للمستكرهة ; فقال عطاء والزهري : لها صداق مثلها ; وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور . وقال الثوري : إذا أقيم الحد على الذي زنى بها بطل الصداق . وروي ذلك عن الشعبي ، وبه قال أصحاب مالك وأصحاب الرأي . قال ابن المنذر : القول الأول صحيح .
الثالثة عشرة : إذا أكره الإنسان على إسلام أهله لما لم يحل أسلمها ، ولم يقتل نفسه دونها ولا احتمل أذية في تخليصها . والأصل في ذلك ما خرجه البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هاجر إبراهيم - عليه السلام - بسارة ودخل بها قرية فيها ملك من الملوك أو جبار من الجبابرة فأرسل إليه أن أرسل بها إلي فأرسل بها فقام إليها فقامت تتوضأ وتصلي فقالت اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك فلا تسلط علي هذا الكافر فغط حتى ركض برجله . ودل هذا الحديث أيضا على أن سارة لما لم يكن عليها ملامة ، فكذلك لا يكون على المستكرهة ملامة ، ولا حد فيما هو أكبر من الخلوة . والله أعلم .
الرابعة عشرة : وأما يمين المكره فغير لازمة . عند مالك والشافعي وأبي ثور وأكثر العلماء . قال ابن الماجشون : وسواء حلف فيما هو طاعة لله أو فيما هو معصية إذ أكره على اليمين ; وقاله أصبغ . وقال مطرف : إن أكره على اليمين فيما هو لله معصية أو ليس في فعله طاعة ولا معصية فاليمين فيه ساقطة ، وإن أكره على اليمين فيما هو طاعة مثل أن يأخذ الوالي رجلا فاسقا فيكرهه أن يحلف بالطلاق لا يشرب خمرا ، أو لا يفسق ولا يغش في عمله ، أو الوالد يحلف ولده تأديبا له فإن اليمين تلزم ; وإن كان المكره قد أخطأ فيما يكلف من ذلك . وقال به ابن حبيب . وقال أبو حنيفة ومن اتبعه من الكوفيين : إنه إن حلف ألا يفعل ففعل حنث ، قالوا : لأن المكره له أن يوري في يمينه كلها ، فلما لم يور ولا ذهبت نيته إلى خلاف ما أكره عليه فقد قصد إلى اليمين . احتج الأولون بأن قالوا : إذا أكره عليها فنيته مخالفة لقوله ; لأنه كاره لما حلف عليه .
الخامسة عشرة : قال ابن العربي : ومن غريب الأمر أن علماءنا اختلفوا في الإكراه على الحنث هل يقع به أم لا ; وهذه مسألة عراقية سرت لنا منهم ، لا كانت هذه المسألة ولا كانوا ! وأي فرق يا معشر أصحابنا بين الإكراه على اليمين في أنها لا تلزم وبين الحنث في أنه لا يقع ! فاتقوا الله وراجعوا بصائركم ، ولا تغتروا بهذه الرواية فإنها وصمة في الدراية .
السادسة عشرة : إذا أكره الرجل على أن يحلف وإلا أخذ له مال كأصحاب المكس وظلمة السعاة وأهل الاعتداء ; فقال مالك : لا تقية له في ذلك ، وإنما يدرأ المرء بيمينه عن بدنه لا ماله . وقال ابن الماجشون : لا يحنث وإن درأ عن ماله ولم يخف على بدنه . وقال ابن القاسم بقول مطرف ، ورواه عن مالك ، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ .
قلت : قول ابن الماجشون صحيح ; لأن المدافعة عن المال كالمدافعة عن النفس ; وهو قول الحسن وقتادة وسيأتي . وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام وقال : كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه . وروى أبو هريرة قال : جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي ؟ قال : فلا تعطه مالك . قال : أرأيت إن قاتلني ؟ قال : قاتله قال : أرأيت إن قتلني ؟ قال : فأنت شهيد قال : أرأيت إن قتلته ؟ قال : هو في النار خرجه مسلم . وقد مضى الكلام فيه . وقال مطرف وابن الماجشون : وإن بدر الحالف بيمينه للوالي الظالم قبل أن يسألها ليذب بها عما خاف عليه من ماله وبدنه فحلف له فإنها تلزمه . وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ . وقال أيضا ابن الماجشون فيمن أخذه ظالم فحلف له بالطلاق ألبتة من غير أن يحلفه وتركه وهو كاذب ، وإنما حلف خوفا من ضربه وقتله وأخذ ماله : فإن كان إنما تبرع باليمين غلبة خوف ورجاء النجاة من ظلمه فقد دخل في الإكراه ولا شيء عليه ، وإن لم يحلف على رجاء النجاة فهو حانث .
السابعة عشرة : قال المحققون من العلماء : إذا تلفظ المكره بالكفر فلا يجوز له أن يجريه على لسانه إلا مجرى المعاريض ; فإن في المعاريض لمندوحة عن الكذب . ومتى لم يكن كذلك كان كافرا ; لأن المعاريض لا سلطان للإكراه عليها . مثاله - أن يقال له : اكفر بالله فيقول باللاهي ; فيزيد الياء . وكذلك إذا قيل له : اكفر بالنبي فيقول هو كافر بالنبي ، مشددا وهو المكان المرتفع من الأرض . ويطلق على ما يعمل من الخوص شبه المائدة فيقصد أحدهما بقلبه ويبرأ من الكفر ويبرأ من إثمه . فإن قيل له : اكفر بالنبيء ( مهموزا ) فيقول هو كافر بالنبيء يريد بالمخبر ، أي مخبر كان كطليحة ومسيلمة الكذاب . أو يريد به النبيء الذي قال فيه الشاعر :
فأصبح رتما دقاق الحصى مكان النبيء من الكاثب
الثامنة عشرة : أجمع العلماء على أن من أكره على الكفر فاختار القتل أنه أعظم أجرا عند الله ممن اختار الرخصة . واختلفوا فيمن أكره على غير القتل من فعل ما لا يحل له ; فقال أصحاب مالك : الأخذ بالشدة في ذلك واختيار القتل والضرب أفضل عند الله من الأخذ بالرخصة ، ذكره ابن حبيب وسحنون . وذكر ابن سحنون عن أهل العراق أنه إذا تهدد بقتل أو قطع أو ضرب يخاف منه التلف فله أن يفعل ما أكره عليه من شرب خمر أو أكل خنزير ; فإن لم يفعل حتى قتل خفنا أن يكون آثما لأنه كالمضطر . وروى خباب بن الأرت قال : شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلت : ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا ؟ فقال : قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون . فوصفه - صلى الله عليه وسلم - هذا عن الأمم السالفة على جهة المدح لهم والصبر على المكروه في ذات الله ، وأنهم لم يكفروا في الظاهر وتبطنوا الإيمان ليدفعوا العذاب عن أنفسهم . وهذه حجة من آثر الضرب والقتل والهوان على الرخصة والمقام بدار الجنان . وسيأتي لهذا مزيد بيان في سورة [ الأخدود ] إن شاء الله - تعالى - . وذكر أبو بكر محمد بن محمد بن الفرج البغدادي قال : حدثنا شريح بن يونس عن إسماعيل بن إبراهيم عن يونس بن عبيد عن الحسن أن عيونا لمسيلمة أخذوا رجلين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فذهبوا بهما إلى مسيلمة ، فقال لأحدهما : أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال نعم . قال . : أتشهد أني رسول الله ؟ قال نعم . فخلى عنه . وقال للآخر : أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال نعم . قال : وتشهد أني رسول الله ؟ قال : أنا أصم لا أسمع ; فقدمه وضرب عنقه . فجاء هذا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : هلكت ، قال : وما أهلكك ؟ فذكر الحديث ، قال : أما صاحبك فأخذ بالثقة وأما أنت فأخذت بالرخصة على ما أنت عليه الساعة قال : أشهد أنك رسول الله . قال أنت على ما أنت عليه . الرخصة فيمن حلفه سلطان ظالم على نفسه أو على أن يدله على رجل أو مال رجل ; فقال الحسن : إذا خاف عليه وعلى ماله فليحلف ولا يكفر يمينه ; وهو قول قتادة إذا حلف على نفسه أو مال نفسه . وقد تقدم ما للعلماء في هذا . وذكر موسى بن معاوية أن أبا سعيد بن أشرس صاحب مالك استحلفه السلطان بتونس على رجل أراد السلطان قتله أنه ما آواه ، ولا يعلم له موضعا ; قال : فحلف له ابن أشرس ; وابن أشرس يومئذ قد علم موضعه وآواه ، فحلفه بالطلاق ثلاثا ، فحلف له ابن أشرس ، ثم قال لامرأته : اعتزلي فاعتزلته ; ثم ركب ابن أشرس حتى قدم على البهلول بن راشد القيروان ، فأخبره بالخبر ; فقال له البهلول : قال مالك إنك حانث . فقال ابن أشرس : وأنا سمعت مالكا يقول ذلك ، وإنما أردت الرخصة أو كلاما هذا معناه ; فقال له البهلول بن راشد : قال الحسن البصري إنه لا حنث عليك . قال : فرجع ابن أشرس إلى زوجته وأخذ بقول الحسن . وذكر عبد الملك بن حبيب قال : حدثني معبد عن المسيب بن شريك عن أبي شيبة قال : سألت أنس بن مالك عن الرجل يؤخذ بالرجل ، هل ترى أن يحلف ليقيه بيمينه ؟ فقال نعم ; ولأن أحلف سبعين يمينا وأحنث أحب إلي أن أدل على مسلم . وقال إدريس بن يحيى كان الوليد بن عبد الملك يأمر جواسيس يتجسسون الخلق يأتونه بالأخبار ، قال : فجلس رجل منهم في حلقة رجاء بن حيوة فسمع بعضهم يقع في الوليد ، فرفع ذلك إليه فقال : يا رجاء ! أذكر بالسوء في مجلسك ولم تغير ! فقال : ما كان ذلك يا أمير المؤمنين ; فقال له الوليد : قل آلله الذي لا إله إلا هو ، قال : آلله الذي لا إله إلا هو ، فأمر الوليد بالجاسوس فضربه سبعين سوطا ، فكان يلقى رجاء فيقول : يا رجاء ، بك يستقى المطر ، وسبعون سوطا في ظهري ! فيقول رجاء : سبعون سوطا في ظهرك خير لك من أن يقتل رجل مسلم .
التاسعة عشرة : واختلف العلماء في حد الإكراه ; فروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال : ليس الرجل آمن على نفسه إذا أخفته أو أوثقته أو ضربته . وقال ابن مسعود : ما كلام يدرأ عني سوطين إلا كنت متكلما به . وقال الحسن : التقية جائزة للمؤمن إلى يوم القيامة ، إلا أن الله - تبارك وتعالى - ليس يجعل في القتل تقية . وقال النخعي : القيد إكراه ، والسجن إكراه . وهذا قول مالك ، إلا أنه قال : والوعيد المخوف إكراه وإن لم يقع إذا تحقق ظلم ذلك المعتدي وإنفاذه لما يتوعد به ، وليس عند مالك وأصحابه في الضرب والسجن توقيت ، إنما هو ما كان يؤلم من الضرب ، وما كان من سجن يدخل منه الضيق على المكره . وإكراه السلطان وغيره عند مالك إكراه . وتناقض الكوفيون فلم يجعلوا السجن والقيد إكراها ما يدل على أن الإكراه يكون من غير تلف نفس . وذهب مالك إلى أن من أكره على يمين بوعيد أو سجن أو ضرب أنه يحلف ، ولا حنث عليه ; وهو قول الشافعي وأحمد وأبي ثور وأكثر العلماء .
الموفية عشرين : ومن هذا الباب ما ثبت إن من المعاريض لمندوحة عن الكذب . وروى الأعمش عن إبراهيم النخعي أنه قال : لا بأس إذا بلغ الرجل عنك شيء أن تقول : والله ، إن الله يعلم ما قلت فيك من ذلك من شيء . قال عبد الملك بن حبيب : معناه أن الله يعلم أن الذي قلت ، وهو في ظاهره انتفاء من القول ، ولا حنث على من قال ذلك في يمينه ولا كذب عليه في كلامه . وقال النخعي : كان لهم كلام من ألغاز الأيمان يدرءون به عن أنفسهم ، لا يرون ذلك من الكذب ولا يخشون فيه الحنث . قالعبد الملك : وكانوا يسمون ذلك المعاريض من الكلام ، إذا كان ذلك في غير مكر ولا خديعة في حق . وقال الأعمش : كان إبراهيم النخعي إذا أتاه أحد يكره الخروج إليه جلس في مسجد بيته وقال لجاريته : قولي له هو والله في المسجد . وروى مغيرة عن إبراهيم أنه كان يجيز للرجل من البعث إذا عرضوا على أميرهم أن يقول : والله ما أهتدي إلا ما سدد لي غيري ، ولا أركب إلا ما حملني غيري ; ونحو هذا من الكلام . قال عبد الملك : يعني بقوله ( غيري ) الله - تعالى - ، هو مسدده وهو يحمله ; فلم يكونوا يرون على الرجل في هذا حنثا في يمينه ، ولا كذبا في كلامه ، وكانوا يكرهون أن يقال هذا في خديعة وظلم وجحدان حق فمن اجترأ وفعل أثم في خديعته ولم تجب عليه كفارة في يمينه .
الحادية والعشرون : قوله تعالى : ولكن من شرح بالكفر صدرا أي وسعه لقبول الكفر ، ولا يقدر أحد على ذلك إلا الله ; فهو يرد على القدرية . وصدرا نصب على المفعول .
فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم وهو عذاب جهنم .
ذلك
- الطبرى : مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
اختلف أهل العربية في العامل في " مَنْ" من قوله ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ ) ومن قوله ( وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا ) ، فقال بعض نحويي البصرة: صار قوله ( فَعَلَيْهِمْ) خبرًا لقوله ( وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا ) ، وقوله ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ ) فأخبر لهم بخبر واحد، وكان ذلك يدلّ على المعنى. وقال بعض نحويي الكوفة: إنما هذان جزءان اجتمعا، أحدهما منعقد بالآخر، فجوابهما واحد كقول القائل: من يأتنا فمن يحسن نكرمه، بمعنى: من يحسن ممن يأتنا نكرمه. قال : وكذلك كلّ جزاءين اجتمعا الثاني منعقد بالأوّل، فالجواب لهما واحد . وقال آخر من أهل البصرة: بل قوله ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ ) مرفوع بالردّ على الذين في قوله إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ومعنى الكلام عنده: إنما يفتري الكذب من كفر بالله من بعد إيمانه، إلا من أكره من هؤلاء وقلبه مطمئنّ بالإيمان ، وهذا قول لا وجه له . وذلك أن معنى الكلام لو كان كما قال قائل هذا القول، لكان الله تعالى ذكره قد أخرج ممن افترى الكذب في هذه الآية الذين وُلدوا على الكفر وأقاموا عليه ، ولم يؤمنوا قطّ، وخصّ به الذين قد كانوا آمنوا في حال، ثم راجعوا الكفر بعد الإيمان ، والتنـزيل يدلّ على أنه لم يخصص بذلك هؤلاء دون سائر المشركين الذين كانوا على الشرك مقيمين، وذلك أنه تعالى أخبر خبر قوم منهم أضافوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم افتراء الكذب، فقال: وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَـزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ وكذّب جميع المشركين بافترائهم على الله وأخبر أنهم أحق بهذه الصفة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ، ولو كان الذين عنوا بهذه الآية هم الذين كفروا بالله من بعد إيمانهم، وجب أن يكون القائلون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنما أنت مفتر حين بدّل الله آية مكان آية، كانوا هم الذين كفروا بالله بعد الإيمان خاصة دون غيرهم من سائر المشركين ، لأن هذه في سياق الخبر عنهم، وذلك قول إن قاله قائل ، فبين فساده مع خروجه عن تأويل جميع أهل العلم بالتأويل.
والصواب من القول في ذلك عندي أن الرافع لمن الأولى والثانية، قوله ( فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ ) والعرب تفعل ذلك في حروف الجزاء إذا استأنفت أحدهما على آخر.
وذكر أن هذه الآية نـزلت في عمار بن ياسر وقوم كانوا أسلموا ففتنهم المشركون عن دينهم، فثبت على الإسلام بعضهم ، وافتتن بعض.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمى، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ ) ... إلى آخر الآية ، وذلك أن المشركين أصابوا عمار بن ياسر فعذّبوه، ثم تركوه، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدّثه بالذي لقي من قريش ، والذي قال: فأنـزل الله تعالى ذكره عذره ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ ) ... إلى قوله ( وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ ) قال: ذُكِر لنا أنها نـزلت في عمار بن ياسر، أخذه بنو المغيرة فغطوه في بئر ميمون وقالوا: اكفر بمحمد ، فتابعهم على ذلك وقلبه كاره، فأنـزل لله تعالى ذكره ( إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا ) : أي من أتى الكفر على اختيار واستحباب، ( فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) .
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن عبد الكريم الجزري ، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر، فعذّبوه حتى باراهم في بعض ما أرادوا فشكا ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ تَجدُ قَلْبَكَ؟ قال: مطمئنا بالإيمان. قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " فإنْ عادُوا فَعُدْ".
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن حصين، عن أبي مالك، في قوله ( إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ ) قال: نـزلت في عمار بن ياسر.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي ، قال: لما عذّب الأعبد أعطوهم ما سألوا إلا خباب بن الأرت، كانوا يضجعونه على الرضف فلم يستقلوا منه شيئا.
فتأويل الكلام إذن: من كفر بالله من بعد إيمانه، إلا من أكره على الكفر ، فنطق بكلمة الكفر بلسانه وقلبه مطمئنّ بالإيمان، موقن بحقيقته ، صحيح عليه عزمه ، غير مفسوح الصدر بالكفر ، لكن من شرح بالكفر صدرا فاختاره وآثره على الإيمان ، وباح به طائعا، فعليهم غضب من الله ، ولهم عذاب عظيم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ورد الخبر ، عن ابن عباس.
حدثني عليّ بن داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس قوله ( إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ ) فأخبر الله سبحانه أنه من كفر من بعد إيمانه، فعليه غضب من الله وله عذاب عظيم ، فأما من أكره فتكلم به لسانه وخالفه قلبه بالإيمان لينجو بذلك من عدوّه، فلا حرج عليه، لأن الله سبحانه إنما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم.
- ابن عاشور : مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
لما سبق التّحذير من نقض عهد الله الذي عاهدوه ، وأن لا يغرّهم ما لأمّة المشركين من السّعة والرُبُو ، والتحذير من زَلل القدم بعد ثبوتها ، وبشروا بالوعد بحياة طيبة ، وجزاء أعمالهم الصالحة من الإشارة إلى التّمسك بالقرآن والاهتداء به ، وأن لا تغرّهم شُبه المشركين وفتونهم في تكذيب القرآن ، عقب ذلك بالوعيد على الكفر بعد الإيمان ، فالكلام استئناف ابتدائي .
ومناسبة الانتقال أن المشركين كانوا يحاولون فتنة الراغبين في الإسلام والذين أسلموا ، فلذلك ردّ عليهم بقوله : { قل نزّله روح القدس } إلى قوله : { ليثبّت الذين آمنوا } [ سورة النحل : 102 ] ، وكانوا يقولون : { إنما يعلمه بشر } [ سورة النحل : 103 ] فردّ عليهم بقوله : { لسان الذي يلحدون إليه أعجمي } [ سورة النحل : 103 ]. وكان الغلام الذي عنوه بقولهم إنما يعلمه بشر } قد أسلم ثم فتنهُ المشركون فكفر ، وهو جَبر مولى عامر بن الحَضرمي . وكانوا راودوا نفراً من المسلمين على الارتداد ، منهم : بلال ، وخَبّاب بن الأرتّ ، وياسر ، وسُميّةُ أبَوَا عمار بن ياسر ، وعمّارٌ ابنهما ، فثبتوا على الإسلام . وفتنوا عماراً فأظهر لهم الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان . وفتنوا نفراً آخرين فكفروا ، وذُكر منهم الحارث بن ربيعة بن الأسود ، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة ، وعلي بن أمية بن خلف ، والعاصي بن منبّه بن الحجّاج ، وأحسب أن هؤلاء هم الذين نزل فيهم قوله تعالى : { ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله في سورة العنكبوت ( 10 ) ، فكان مِن هذه المناسبة ردّ لعجز الكلام على صدره .
على أن مضمون { من كفر بالله من بعد إيمانه } مقابل لمضمون { من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن } [ سورة النحل : 97 ] ، فحصل الترهيب بعد الترغيب ، كما ابتدىء بالتحذير تحفّظاً على الصالح من الفساد ، ثم أعيد الكلام بإصلاح الذين اعتراهم الفساد ، وفُتح باب الرخصة للمحَافظين على صلاحهم بقدر الإمكان .
واعلم أن الآية إن كانت تشير إلى نفَر كفروا بعد إسلامهم كانت { مَن } موصولة وهي مبتدأ والخبر { فعليهم غضب من الله }. وقرن الخبر بالفاء لأن في المبتدإ شبهاً بأداة الشرط . وقد يعامل الموصول معاملة الشرط ، ووقع في القرآن في غير موضع . ومنه قوله تعالى : { إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنّم } [ سورة البروج : 10 ] ، وقوله تعالى : { والذين يكنزون الذهب والفضة } إلى قوله { فبشّرهم بعذاب أليم } في سورة براءة ( 34 ). وقيل إن فريقاً كفروا بعد إسلامهم ، كما رُوي في شأن جبر غلام ابن الحَضرمي . وهذا الوجه أليق بقوله تعالى : { أولئك الذين طبع الله على قلوبهم } [ سورة النحل : 108 ] الآية .
وإن كان ذلك لم يقع فالآية مجرّد تحذير للمسلمين من العود إلى الكفر ، ولذلك تكون { مَن } شرطية ، والشرط غير مراد به معيّن بل هو تحذير ، أي مَن يَكْفروا بالله ، لأن الماضي في الشرط ينقلب إلى معنى المضارع ، ويكون قوله : { فعليهم غضب من الله } جواباً .
والتّحذير حاصل على كلا المعنيين .
وأما قوله : { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } فهو ترخيص ومعذرة لِمَا صدر من عمار بن ياسر وأمثالِه إذا اشتدّ عليهم عذاب من فتنوهم .
وقوله : { إلا من أكره } استثناء من عموم { من كفر } لئلا يقع حكم الشرط عليه ، أي إلا مَن أكرهه المشركون على الكفر ، أي على إظهاره فأظهره بالقول لكنه لم يتغير اعتقاده . وهذا فريق رخّص الله لهم ذلك كما سيأتي .
ومصحّح الاستثناء هو أن الذي قال قول الكفّار قد كفر بلفظه .
والاستدراك بقوله : { ولكن من شرح بالكفر صدراً } استدراك على الاستثناء ، وهو احتراس من أن يفهم من الاستثناء أن المكره مرخّص له أن ينسلخ عن الإيمان من قلبه .
و { من شرح } معطوف ب { لكن } على { من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } ، لأنه في معنى المنفي لوقوعه عقب الاستثناء من المثبت ، فحرف { لكن عاطف ولا عبرة بوجود الواو على التحقيق .
واختير { فعليهم غضب }
دون نحو : فقد غضب الله عليهم ، لما تدلّ عليه الجملة الاسمية من الدوام والثبات ، أي غضب لا مغفرة معه .وتقديم الخبر المجرور على المبتدإ للاهتمام بأمرهم ، فقدّم ما يدلّ عليهم ، ولتصحيح الإتيان بالمبتدإ نكرة حين قصد بالتّنكير التعظيم ، أي غضب عظيم ، فاكتفي بالتنكير عن الصفة .
وأما تقديم { لهم } على { عذاب عظيم } فللاهتمام .
والإكراه : الإلجاء إلى فعل ما يُكْرَه فِعلُه . وإنما يكون ذلك بفعل شيء تضيق عن تحمّله طاقة الإنسان من إيلام بالغ أو سجن أو قيد أو نحوه .
وقد رخّصت هذه الآية للمكره على إظهار الكفر أن يظهره بشيء من مظاهره التي يطلق عليها أنها كفر في عرف الناس من قول أو فعل .
وقد أجمع علماء الإسلام على الأخذ بذلك في أقوال الكفر ، فقالوا : فمن أكره على الكفر غير جارية عليه أحكام الكفر ، لأن الإكراه قرينة على أن كفره تقية ومصانعة بعد أن كان مسلماً . وقد رخّص الله ذلك رفقاً بعباده واعتباراً للأشياء بغاياتها ومقاصدها .
وفي الحديث : أن ذلك وقع لعمار بن ياسر ، وأنه ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فصوّبه وقال له : « وإن عادوا لك فعُد » . وأجمع على ذلك العلماء . وشذّ محمد بن الحسن فأجرى على هذا التظاهر بالكفر حكمَ الكفّار في الظاهر كالمرتدّ فيستتاب عن المِكنة منه .
وسوّى جمهور العلماء بين أقوال الكفر وأفعاله كالسجود للصنم . وقالت طائفة : إن الإكراه على أفعال الكفر لا يبيحها . ونُسب إلى الأوزاعي وسحنون والحسن البصري ، وهي تفرقة غير واضحة . وقد ناط الله الرخصة باطمئنان القلب بالإيمان وغفر ما سوّل القلب .
وإذا كان الإكراه موجب الرخصة في إظهار الكفر فهو في غير الكفر من المعاصي أولى كشرب الخمر والزنا ، وفي رفع أسباب المؤاخذة في غير الاعتداء على الغير كالإكراه على الطلاق أو البيع .
وأما في الاهتداء على الناس من ترتّب الغُرْم فبين مراتب الإكراه ومراتب الاعتداء المكره عليه تفاوت ، وأعلاها الإكراه على قتل نفس . وهذا يظهر أنه لا يبيح الإقدام على القتل لأن التوعّد قد لا يتحقق وتفوت نفس القتيل .
على أن أنواعاً من الاعتداء قد يُجعل الإكراه ذريعة إلى ارتكابها بتواطوء بين المكرِه والمكرَه . ولهذا كان للمكره بالكسر جانب من النظر في حمل التبعة عليه .
وهذه الآية لم تتعرّض لغير مؤاخذة الله تعالى في حقّه المحض وما دون ذلك فهو مجال الاجتهاد .
والخلاف في طلاق المكره معلوم ، والتفاصيل والتفاريع مذكورة في كتب الفروع وبعض التفاسير .
- إعراب القرآن : مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
«مَنْ» اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ «كَفَرَ» ماض فاعله مستتر «بِاللَّهِ» لفظ الجلالة مجرور بالباء متعلقان بكفر «مِنْ بَعْدِ» متعلقان بكفر «إِيمانِهِ» مضاف إليه والهاء مضاف إليه «إِلَّا» أداة استثناء «مَنْ» اسم موصول في محل نصب على الاستثناء «أُكْرِهَ» ماض مبني للمجهول ونائب فاعله مستتر والجملة صلة «وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ» مبتدأ وخبر والجملة حالية «وَلكِنْ» الواو استئنافية ولكن حرف استدراك «مَنْ» موصولية مبتدأ «شَرَحَ» ماض فاعله مستتر والجملة خبر «بِالْكُفْرِ» متعلقان بشرح «صَدْراً» تمييز «فَعَلَيْهِمْ» الفاء رابطة للجواب عليهم متعلقان بخبر مقدم «غَضَبٌ» مبتدأ مؤخر وجملتا الشرط والجواب خبر المبتدأ «مِنَ اللَّهِ» لفظ الجلالة مجرور بمن متعلقان بمحذوف صفة لغضب وجملة جواب الشرط في محل جزم «وَلَهُمْ» الواو عاطفة والجار والمجرور متعلقان بخبر مقدم «عَذابٌ» مبتدأ مؤخر والجملة معطوفة «عَظِيمٌ» صفة والجملة معطوفة.
- English - Sahih International : Whoever disbelieves in Allah after his belief except for one who is forced [to renounce his religion] while his heart is secure in faith But those who [willingly] open their breasts to disbelief upon them is wrath from Allah and for them is a great punishment;
- English - Tafheem -Maududi : مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(16:106) Whoso is forced to disbelieve after believing, while his heart is convinced of the Faith, (he shall be absolved) but whosoever accepts disbelief willingly, he incurs Allah's wrath, and there is severe torment for all such people. *109
- Français - Hamidullah : Quiconque a renié Allah après avoir cru - sauf celui qui y a été contraint alors que son cœur demeure plein de la sérénité de la foi - mais ceux qui ouvrent délibérément leur cœur à la mécréance ceux-là ont sur eux une colère d'Allah et ils ont un châtiment terrible
- Deutsch - Bubenheim & Elyas : Wer Allah verleugnet nachdem er den Glauben angenommen hatte - außer demjenigen der gezwungen wird während sein Herz im Glauben Ruhe gefunden hat - doch wer aber seine Brust dem Unglauben auftut über diejenigen kommt Zorn von Allah und für sie wird es gewaltige Strafe geben
- Spanish - Cortes : Quien no crea en Alá luego de haber creído -no quien sufra coacción mientras su corazón permanece tranquilo en la fe sino quien abra su pecho a la incredulidad- ese tal incurrirá en la ira de Alá y tendrá un castigo terrible
- Português - El Hayek : Aquele que renegar Deus depois de ter crido salvo quem houver sido obrigado a isso e cujo coração se mantenhafirme na fé e aquele que abre seu coração à incredulidade esses serão abominados por Deus e sofrerão um severo castigo
- Россию - Кулиев : Гнев Аллаха падет на тех кто отрекся от Аллаха после того как уверовал - не на тех кто был принужден к этому тогда как в его сердце покоилась твердая вера а на тех кто сам раскрыл грудь для неверия Им уготованы великие мучения
- Кулиев -ас-Саади : مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
Гнев Аллаха падет на тех, кто отрекся от Аллаха после того, как уверовал, - не на тех, кто был принужден к этому, тогда как в его сердце покоилась твердая вера, а на тех, кто сам раскрыл грудь для неверия. Им уготованы великие мучения.Всевышний поведал об ужасной участи, которая уготована нечестивцам, отступившим от веры после обращения в ислам. Такие люди ослепли после того, как прозрели, и свернули с прямого пути после того, как встали на него. Они раскрыли свое сердце перед неверием, удовлетворились этим и почувствовали себя спокойно. А ведь они сильно разгневали Милосердного Господа, и когда Господь гневается, никто не способен воспротивиться Ему. Напротив, все сущее начинает негодовать на ослушников. А наряду с этим они будут удостоены мучительного наказания, которому не будет конца.
- Turkish - Diyanet Isleri : Gönlü imanla dolu olduğu halde zor altında olan kimse müstesna inandıktan sonra Allah'ı inkar edip gönlünü kafirliğe açanlara Allah katından bir gazap vardır; büyük azap da onlar içindir
- Italiano - Piccardo : Quanto a chi rinnega Allah dopo aver creduto eccetto colui che ne sia costretto mantenendo serenamente la fede in cuore e a chi si lascia entrare in petto la miscredenza; su di loro è la collera di Allah e avranno un castigo terribile
- كوردى - برهان محمد أمين : ئهوهی پاشگهز بێتهوه له خوا ناسی دوای باوهڕهێنانی جگه لهوانهی که ناچار دهکرێن وشهی کوفر بێت بهسهر زاریاندا له کاتێکدا دڵیان پڕه له ئیمان بهڵام ئهو کهسهی دڵی به کوفرو بێ دینی خۆش کردبێت ئهوانه خهشم و قینی خوایان لهسهرهو سزای گهورهو سهخت و دژواریان بۆ ههیه
- اردو - جالندربرى : جو شخص ایمان لانے کے بعد خدا کے ساتھ کفر کرے وہ نہیں جو کفر پر زبردستی مجبور کیا جائے اور اس کا دل ایمان کے ساتھ مطمئن ہو۔ بلکہ وہ جو دل سے اور دل کھول کر کفر کرے۔ تو ایسوں پر الله کا غضب ہے۔ اور ان کو بڑا سخت عذاب ہوگا
- Bosanski - Korkut : Onoga koji zaniječe Allaha nakon što je u Njega vjerovao – osim ako bude na to primoran a srce mu ostane čvrsto u vjeri – čeka Allahova kazna One kojima se nevjerstvo bude mililo stići će srdžba Allahova i njih čeka patnja velika
- Swedish - Bernström : Den som förnekar Gud efter att ha antagit tron inte den som är utsatt för tvång fastän hans hjärta förblir tryggt i sin övertygelse utan den som frivilligt öppnar sig för otron sådana [människor] ådrar sig Guds vrede och ett hårt straff väntar dem
- Indonesia - Bahasa Indonesia : Barangsiapa yang kafir kepada Allah sesudah dia beriman dia mendapat kemurkaan Allah kecuali orang yang dipaksa kafir padahal hatinya tetap tenang dalam beriman dia tidak berdosa akan tetapi orang yang melapangkan dadanya untuk kekafiran maka kemurkaan Allah menimpanya dan baginya azab yang besar
- Indonesia - Tafsir Jalalayn : مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
(Barang siapa yang kafir kepada Allah sesudah dia beriman, kecuali orang yang dipaksa) untuk mengucapkan kalimat kekafiran kemudian ia terpaksa mengucapkannya (padahal hatinya tetap tenang dalam beriman) lafal man dianggap sebagai mubtada, atau syarthiyah sedangkan khabar atau jawabnya ialah: maka bagi mereka ancaman yang keras. Pengertian ini ditunjukkan oleh firman selanjutnya, yaitu: (akan tetapi orang yang melapangkan dadanya untuk kekafiran) yakni hatinya menerima kekafiran dengan lapang (maka kemurkaan Allah menimpanya dan baginya azab yang besar).
- বাংলা ভাষা - মুহিউদ্দীন খান : যার উপর জবরদস্তি করা হয় এবং তার অন্তর বিশ্বাসে অটল থাকে সে ব্যতীত যে কেউ বিশ্বাসী হওয়ার পর আল্লাহতে অবিশ্বাসী হয় এবং কুফরীর জন্য মন উম্মুক্ত করে দেয় তাদের উপর আপতিত হবে আল্লাহর গযব এবং তাদের জন্যে রয়েছে শাস্তি।
- தமிழ் - ஜான் டிரஸ்ட் : எவர் ஈமான் கொண்டபின் அல்லாஹ்வை நிராகரிக்கிறாரோ அவர் மீது அல்லாஹ்வின் கோபம் இருக்கிறது அவருடைய உள்ளம் ஈமானைக் கொண்டு அமைதி கொண்டிருக்கும் நிலையில் யார் நிர்ப்பந்திக்கப்படுகிறாரோ அவரைத் தவிர எனவே அவர் மீது குற்றமில்லை ஆனால் நிர்ப்பந்தம் யாதும் இல்லாமல் எவருடைய நெஞ்சம் குஃப்ரைக்கொண்டு விரிவாகி இருக்கிறதோ இத்தகையோர் மீது அல்லாஹ்வின் கோபம் உண்டாகும்; இன்னும் அவர்களுக்குக் கொடிய வேதனையும் உண்டு
- ภาษาไทย - ภาษาไทย : ผู้ใดปฏิเสธศรัทธาต่ออัลลอฮ์หลังจากที่เขาได้รับศรัทธาแล้วเขาจะได้รับความกริ้วจากอัลลอฮ์ เว้นแต่ผู้ที่ถูกบังคับทั้งๆ ที่หัวใจของเขาเปี่ยมไปด้วยศรัทธา แต่ผู้ใดเปิดหัวอกของเขาด้วยการปฏิเสธศรัทธา พวกเขาก็จะได้รับความกริ้วจากอัลลอฮ์และสำหรับพวกเขาจะได้รับการลงโทษอย่างมหันต์
- Uzbek - Мухаммад Содик : Ким иймондан сўнг Аллоҳга куфр келтирса қалби иймон ила ором топа туриб зўрланганлар бундан мустасно ким кўксини куфрга очса бас уларга Аллоҳдан ғазаб бор Уларга улкан азоб бор Мушриклар саҳобалардан Аммор ибн Ёсир р а ва у кишининг оталари Ёсир р а ҳамда оналари Сумаййаларни р а ҳам тутиб келиб диндан қайтариш учун қаттиқ азобладилар Улар азобларга чидам билан сабр қилиб иймонларидан қайтишга кўнмадилар Сумаййанинг р а икки оёқларини қозиққа боғлаб аврат жойларига найза санчдилар Сўнгра Амморнинг отаси Ёсирни р а ҳам ўлдирдилар Бу икки улуғ инсон–эру хотин Ислом йўлида иймон учун биринчи шаҳидлар бўлиш шарафига эришдилар Амморнинг кўз ўнгида ҳам онасини ҳам отасини ўлдирган мушриклар уни ҳам ўлдиришга қасд қилганларида унинг оғзидан кофирларни рози этадиган гап чиқди Шунда мушриклар уни ўлдирмадилар Одамлар Пайғамбаримизнинг с а в ҳузурларига келиб Эй Аллоҳнинг Расули Аммор муртад бўлди дедилар Бунга жавобан Расулуллоҳ с а в Йўқ Аммор бошидан товонигача иймонга тўлиқдир Иймон унинг этига ҳам қонига ҳам сингиб кетгандир дедилар Сўнг ушбу оят нозил бўлди
- 中国语文 - Ma Jian : 既信真主之后,又表示不信者除非被迫宣称不信、内心却为信仰而坚定者为不信而心情舒畅者将遭天谴,并受重大的刑罚。
- Melayu - Basmeih : Sesiapa yang kufur kepada Allah sesudah ia beriman maka baginya kemurkaan dan azab dari Allah kecuali orang yang dipaksa melakukan kufur sedang hatinya tenang tenteram dengan iman; akan tetapi sesiapa yang terbuka hatinya menerima kufur maka atas mereka tertimpa kemurkaan dari Allah dan mereka pula beroleh azab yang besar
- Somali - Abduh : Oo ah kuwa Eebe ka gaaloobay rumayn ka dib ee mudan halaag Ruux lagu Qasbay qalbigiisuna ku Xasillanyahay iimaanka mooyee ruuxiise laabtiissu u Waasac noqoto rumayso Gaalnimo Waxaa korkooda ah Cadho Eebe Waxayna Mudan Cadaab wayn
- Hausa - Gumi : Wanda ya kãfirta da Allah daga bãyan ĩmãninsa fãce wanda aka tĩlasta alhãli kuwa zũciyarsa tanã natse da ĩmãni kuma wanda ya yi farin ciki da kãfirci to akwai fushi a kansa daga Allah kuma sunã da wata azãba mai girma
- Swahili - Al-Barwani : Anaye mkataa Mwenyezi Mungu baada ya kuamini kwake isipo kuwa aliye lazimishwa na hali ya kuwa moyo wake umetua juu ya Imani lakini aliye kifungulia kifua chake kukataa basi hao ghadhabu ya Mwenyezi Mungu ipo juu yao na wao watapata adhabu kubwa
- Shqiptar - Efendi Nahi : Ai që mohon Perëndinë pasi që pat besuar – përpos atij që është i detyruar me forcë që të mohojë por që zemra e tij është plot besim për të nuk ka mëkat – por për ata që e hapin zemrën për mohim për ta ka zemrim nga Perëndia dhe për ata ka dënim të madh
- فارسى - آیتی : كسى كه پس از ايمان به خدا كافر مىشود نه آنكه او را به زور واداشتهاند تا اظهار كفر كند و حال آنكه دلش به ايمان خويش مطمئن است بل آنان كه درِ دل را به روى كفر مىگشايند، مورد خشم خدايند و عذابى بزرگ برايشان مهياست.
- tajeki - Оятӣ : Касе, ки пас аз имон ба Худо кофир мешавад, на он ки ӯро ба зур водоштаанд, то изҳори куфр кунад ва ҳол он, кн дилаш ба имони худ оромгирандаву осуда аст, бар онон, ки дари дилро ба рӯи куфр мекушоянд, мавриди хашми Худоянд ва азобе бузург барояшон муҳайёст.
- Uyghur - محمد صالح : كىمكى اﷲ قا ئىمان ئېيتقاندىن كېيىن ئىمانىدىن يېنىۋالسا، - قەلبى ئىمان بىلەن مۇستەھكەم تۇرسىمۇ مەجبۇرلاش ئاستىدا (ئاغزىدىلا) ئىماندىن يانغانلىقىنى بىلدۈرگەنلەر بۇنىڭدىن مۇستەسنا - كۇفرى بىلەن كۆڭلى ئازادە بولسا (يەنى ئىختىيارىي يوسۇندا مۇرتەد بولغان بولسا)، ئۇ اﷲ نىڭ غەزىپىگە دۇچار بولىدۇ ۋە چوڭ ئازابقا قالىدۇ
- Malayalam - ശൈഖ് മുഹമ്മദ് കാരകുന്ന് : അല്ലാഹുവില് വിശ്വസിച്ചശേഷം അവിശ്വസിച്ചവന്, തുറന്ന മനസ്സോടെ സത്യനിഷേധം അംഗീകരിച്ചവരാണെങ്കില് അവരുടെ മേല് ദൈവകോപമുണ്ട്. കടുത്ത ശിക്ഷയും. എന്നാല് തങ്ങളുടെ മനസ്സ് സത്യവിശ്വാസത്തില് ശാന്തി നേടിയതായിരിക്കെ നിര്ബന്ധിതരായി അങ്ങനെ ചെയ്യുന്നവര്ക്കിതു ബാധകമല്ല.
- عربى - التفسير الميسر : انما يفتري الكذب من نطق بكلمه الكفر وارتد بعد ايمانه فعليهم غضب من الله الا من ارغم على النطق بالكفر فنطق به خوفا من الهلاك وقلبه ثابت على الايمان فلا لوم عليه لكن من نطق بالكفر واطمان قلبه اليه فعليهم غضب شديد من الله ولهم عذاب عظيم وذلك بسبب ايثارهم الدنيا وزينتها وتفضيلهم اياها على الاخره وثوابها وان الله لا يهدي الكافرين ولا يوفقهم للحق والصواب
*109) This verse deals with the case of those Muslims who were being persecuted with cruelty and were being-subjected to unbearable torments to force them to give up their Faith. They are being told that if at any time they are forced to utter words of disbelief to save their lives, when in fact in their hearts they are secure against disbelief, they will be pardoned. On the other hand, if they accepted unbelief from the core of their hearts, they shall not escape the torment of Allah even if they succeed in saving their lives.
It does not, however, mean that one should utter words of disbelief to save one's life. This is merely a permission but not the ideal thing for a Believer. According to this permission if one utters such a thing, he shall not be taken to account. In fact, the ideal for a Believer is to utter words of truth in any case whether his body is cut into pieces. There are instances which show that during the period of the Holy Prophet some acted upon the ideal while others took advantage of the permission. There was Khabbab bin Art (May Allah be pleased with him) who was made to lie on embers of fire until the fire was extinguished by the melting of his fat, but he remained firm in his Faith. Then there was Bilal Habashi (May Allah be pleased with him) who was made to put on an armour and stand in the scorching heat. Then he was dragged on the burning sand but he went on saying, "Allah is one." There was another Believer, Habib Gin Zaid bin `Asim, whose limbs were cut one by one by the order of Musailimah, the Liar. Each time his limb was severed it was demanded of him that he should acknowledge the Liar as a prophet but each time he refused to bear witness to his claim of prophethood until he breathed his last. On the other hand, there was the instance of Ammar bin Yasir (May Allah be pleased with him) whose parents were mercilessly butchered before his eyes. After this he himself was put to such unbearable torture that, in order to save his life, he had to utter the same words of unbelief that were demanded of him. Afterwards when he came crying to the Holy Prophet, he said, "O Messenger of Allah, they did not let me go until I spoke evil of you and praised their deities" . The Holy Prophet asked him, "How do you feel about this, in your heart?" He replied humbly, "My heart is fully convinced of the Faith." At this the Holy Prophet replied, "If they put you to the same torture again, you may utter the same words" .