- عربي - نصوص الآيات عثماني : وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا
- عربى - نصوص الآيات : واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا
- عربى - التفسير الميسر : وكُنْ لأمك وأبيك ذليلا متواضعًا رحمة بهما، واطلب من ربك أن يرحمهما برحمته الواسعة أحياءً وأمواتًا، كما صبرا على تربيتك طفلا ضعيف الحول والقوة.
- السعدى : وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا
{ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ } أي: تواضع لهما ذلا لهما ورحمة واحتسابا للأجر لا لأجل الخوف منهما أو الرجاء لما لهما، ونحو ذلك من المقاصد التي لا يؤجر عليها العبد.
{ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا } أي: ادع لهما بالرحمة أحياء وأمواتا، جزاء على تربيتهما إياك صغيرا.
وفهم من هذا أنه كلما ازدادت التربية ازداد الحق، وكذلك من تولى تربية الإنسان في دينه ودنياه تربية صالحة غير الأبوين فإن له على من رباه حق التربية.
- الوسيط لطنطاوي : وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا
وقوله : ( واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل مِنَ الرحمة . . ) زيادة فى تبجيلهما والتلطف معهما فى القول والفعل والمعاملة على اختلاف ألوانها .
أى : وبجانب القول الكريم الذى يجب أن تقوله لهما ، عليك أن تكون متواضعا معهما ، متلطفا فى معاشرتهما ، لا ترفع فيهما عينا ، ولا ترفض لهما قولا ، مع الرحمة التامة بهما ، والشفقة التى لا نهاية لها عليهما .
قال الإِمام الرازى ما ملخصه : وقوله : ( واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل مِنَ الرحمة ) المقصود منه المبالغة فى التواضع .
وذكر القفال فى تقريره وجهين : الأول : أن الطائر إذا أراد ضم فرخه إليه للتربية خفض له جناحه ، ولهذا السبب صار خفض الجناح كناية عن حسن التربية . فكأنه قال للولد : اكفل والديك بأن تضمهما إلى نفسك كما فعلا ذلك بك فى حال صغرك .
والثانى : أن الطائر إذا أراد الطيران والارتفاع نشر جناحه ، وإذا أراد ترك الطيران وترك الارتفاع خفض جناحه . فصار خفض الجناح كناية عن التواضع .
وإضافة الجناح إلى الذل إضافة بيانية ، أى : اخفض لهما جناحك الذليل و ( من ) فى قوله ( من الرحمة ) ابتدائية . أى تواضع لهما تواضعا ناشئا من فرط رحمتك عليهما .
قال الآلوسى : وإنما احتاجا إلى ذلك ، لافتقارهما إلى من كان أفقر الخلق إليهما ، واحتياج المرء إلى من كان محتاجا إليه أدعى إلى الرحمة ، كما قال الشاعر :
يامن أتى يسألنى عن فاقتى ... ما حال من يسأل من سائله؟
ماذلة السلطان إلا إذا ... أصبح محتاجا إلى عامله
وقوله : ( وَقُل رَّبِّ ارحمهما كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ) تذكير للإنسان بحال ضعفه وطفولته ، وحاجته إلى الرعاية والحنان .
أى : وقل فى الدعاء لهما : يارب ارحمهما برحمتك الواسعة ، واشملهما بمغفرتك الغامرة ، جزاء ما بذلا من رعاية لى فى صغرى ، فأنت القادر على مثوبتهما ومكافأتهما .
قال الجمل : والكاف فى قوله ( كما ربيانى . . ) فيها قولان : أحدهما أنها نعت لمصدر محذوف .
أى : ارحمهما رحمة مثل رحمتهما لى ، والثانى أنها للتعليل . أى : ارحمهما لأجل تربيتهما لى ، كما فى قوله ( واذكروه كَمَا هَدَاكُمْ ).
- البغوى : وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا
( واخفض لهما جناح الذل ( أي : ألن جانبك لهما واخضع . قال عروة بن الزبير : لن لهما حتى لا تمتنع عن شيء أحباه ( من الرحمة ( من الشفقة ( وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا ( أراد : إذا كانا مسلمين .
قال ابن عباس : هذا منسوخ بقوله : " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين " ( التوبة - 13 ) .
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني حدثنا حميد بن زنجويه حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن يزيد عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن - يعني السلمي - عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الوالد أوسط أبواب الجنة فحافظ إن شئت أو ضيع " .
أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي الزراد أخبرنا أبو بكر محمد بن إدريس الجرجاني أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين الماليني أخبرنا حسن بن سفيان حدثنا يحيى بن حبيب بن عدي حدثنا خالد بن الحارث عن شعبة عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رضا الله في رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد " .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار حدثنا أبو جعفر محمد بن غالب بن تمتام الضبي حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد العزيز بن مسلم عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة منان ولا عاق ولا مدمن خمر " .
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد بن بامويه الأصفهاني أخبرنا أبو سعيد أحمد بن زياد البصري أخبرنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا ربعي بن علية عن عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي ورغم أنف رجل أتى عليه شهر رمضان فلم يغفر له ورغم أنف رجل أدرك أبويه الكبر فلم يدخلاه الجنة " .
- ابن كثير : وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا
( واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ) أي تواضع لهما بفعلك ) وقل رب ارحمهما ) أي في كبرهما وعند وفاتهما ( كما ربياني صغيرا )
قال ابن عباس ثم أنزل الله [ تعالى : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى ) [ التوبة 113 .
وقد جاء في بر الوالدين أحاديث كثيرة منها الحديث المروي من طرق عن أنس وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صعد المنبر قال آمين آمين آمين فقالوا يا رسول الله علام أمنت قال أتاني جبريل فقال يا محمد رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك فقل آمين فقلت : آمين ثم قال رغم أنف امرئ دخل عليه شهر رمضان ثم خرج ولم يغفر له قل آمين فقلت : آمين ثم قال رغم أنف امرئ أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة قل آمين فقلت : آمين .
حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا هشيم حدثنا علي بن زيد أخبرنا زرارة بن أوفى عن مالك بن الحارث رجل منهم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول من ضم يتيما بين أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يستغني عنه وجبت له الجنة البتة ومن أعتق امرأ مسلما كان فكاكه من النار يجزى بكل عضو منه عضوا منه
ثم قال حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت علي بن زيد فذكر معناه إلا أنه قال عن رجل من قومه يقال له مالك أو ابن مالك وزاد ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فأبعده الله .
حديث آخر وقال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا علي بن زيد عن زرارة بن أوفى عن مالك بن عمرو القشيري سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أعتق رقبة مسلمة فهي فداؤه من النار مكان كل عظم من عظامه محررة بعظم من عظامه ومن أدرك أحد والديه ثم لم يغفر له فأبعده الله عز وجل ومن ضم يتيما بين أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يغنيه الله وجبت له الجنة "
حديث آخر وقال الإمام أحمد حدثنا حجاج ومحمد بن جعفر قالا حدثنا شعبة عن قتادة سمعت زرارة بن أوفى يحدث عن أبي بن مالك القشيري قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من أدرك والديه أو أحدهما ثم دخل النار من بعد ذلك فأبعده الله وأسحقه
ورواه أبو داود الطيالسي عن شعبة به وفيه زيادات أخر
حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا أبو عوانة حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف رجل أدرك والديه أحدهما أو كلاهما عند الكبر ولم يدخل الجنة
صحيح من هذا الوجه ولم يخرجه سوى مسلم من حديث أبي عوانة وجرير وسليمان بن بلال عن سهيل به .
حديث آخر وقال الإمام أحمد حدثنا ربعي بن إبراهيم قال أحمد وهو أخو إسماعيل ابن علية وكان يفضل على أخيه عن عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي ! ورغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان فانسلخ قبل أن يغفر له! ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة قال ربعي لا أعلمه إلا قال أحدهما
ورواه الترمذي عن أحمد بن إبراهيم الدورقي عن ربعي بن إبراهيم ثم قال غريب من هذا الوجه .
حديث آخر وقال الإمام أحمد حدثنا يونس بن محمد حدثنا عبد الرحمن بن الغسيل حدثنا أسيد بن علي عن أبيه علي بن عبيد عن أبي أسيد وهو مالك بن ربيعة الساعدي ، قال بينما أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من الأنصار فقال يا رسول الله هل بقي علي من بر أبوي شيء بعد موتهما أبرهما به قال : نعم خصال أربع الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما فهو الذي بقي عليك بعد موتهما من برهما "
ورواه أبو داود وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن سليمان وهو ابن الغسيل به .
حديث آخر وقال الإمام أحمد حدثنا روح حدثنا ابن جريج أخبرني محمد بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبيه ، عن معاوية بن جاهمة السلمي أن جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أردت الغزو وجئتك أستشيرك ؟ فقال فهل لك من أم قال . نعم فقال : الزمها فإن الجنة عند رجليها ثم الثانية ثم الثالثة في مقاعد شتى كمثل هذا القول
ورواه النسائي وابن ماجه من حديث ابن جريج به .
حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا خلف بن الوليد حدثنا ابن عياش عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن المقدام بن معد يكرب الكندي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله يوصيكم بآبائكم إن الله يوصيكم بأمهاتكم إن الله يوصيكم بأمهاتكم إن الله يوصيكم بأمهاتكم إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب
وقد أخرجه ابن ماجه من حديث عبد الله بن عياش به .
حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا يونس حدثنا أبو عوانة عن الأشعث بن سليم عن أبيه ، عن رجل من بني يربوع قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته وهو يكلم الناس يقول يد المعطي [ العليا أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك .
حديث آخر : قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار في مسنده حدثنا إبراهيم بن المستمر العروقي حدثنا عمرو بن سفيان حدثنا الحسن بن أبي جعفر عن ليث بن أبي سليم عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رجلا كان في الطواف حاملا أمه يطوف بها فسأل النبي صلى الله عليه وسلم هل أديت حقها ؟ قال لا ولا بزفرة واحدة أو كما قال ثم قال البزار لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه .
قلت والحسن بن أبي جعفر ضعيف والله أعلم
- القرطبى : وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا
قوله تعالى : واخفض لهما جناح الذل من الرحمة هذه استعارة في الشفقة والرحمة بهما ، والتذلل لهما تذلل الرعية للأمير والعبيد للسادة ; كما أشار إليه سعيد بن المسيب . وضرب خفض الجناح ونصبه مثلا لجناح الطائر حين ينتصب بجناحه لولده . والذل : هو اللين . وقراءة الجمهور بضم الذال ، من ذل يذل ذلا وذلة ومذلة فهو ذال وذليل . وقرأ سعيد بن جبير وابن عباس وعروة بن الزبير " الذل " بكسر الذال ، ورويت عن عاصم ; من قولهم : دابة ذلول بينة الذل . والذل في الدواب المنقاد السهل دون الصعب . فينبغي بحكم هذه الآية أن يجعل الإنسان نفسه مع أبويه في خير ذلة ، في أقواله وسكناته ونظره ، ولا يحد إليهما بصره فإن تلك هي نظرة الغاضب .
قوله تعالى : الخطاب في هذه الآية للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد به أمته ; إذ لم يكن له - عليه السلام - في ذلك الوقت أبوان . ولم يذكر الذل في قوله - تعالى - : واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين وذكره هنا بحسب عظم الحق وتأكيده . ومن في قوله : من الرحمة لبيان الجنس ، أي إن هذا الخفض يكون من الرحمة المستكنة في النفس ، لا بأن يكون ذلك استعمالا . ويصح أن يكون لانتهاء الغاية .
ثم أمر - تعالى - عباده بالترحم على آبائهم والدعاء لهم ، وأن ترحمهما كما رحماك وترفق بهما كما رفقا بك ; إذ ولياك صغيرا جاهلا محتاجا فآثراك على أنفسهما ، وأسهرا ليلهما ، وجاعا وأشبعاك ، وتعريا وكسواك ، فلا تجزيهما إلا أن يبلغا من الكبر الحد الذي كنت فيه من الصغر ، فتلي منهما ما وليا منك ، ويكون لهما حينئذ فضل التقدم . قال - صلى الله عليه وسلم - : لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه . وسيأتي في سورة [ مريم ] الكلام على هذا الحديث .
قوله تعالى : كما ربياني خص التربية بالذكر ليتذكر العبد شفقة الأبوين وتعبهما في التربية ، فيزيده ذلك إشفاقا لهما وحنانا عليهما ، وهذا كله في الأبوين المؤمنين . وقد نهى القرآن عن الاستغفار للمشركين الأموات ولو كانوا أولي قربى ، كما تقدم . وذكر عن ابن عباس وقتادة أن هذا كله منسوخ بقوله : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين - إلى قوله - أصحاب الجحيم فإذا كان والدا المسلم ذميين استعمل معهما ما أمره الله به هاهنا ; إلا الترحم لهما بعد موتهما على الكفر ; لأن هذا وحده نسخ بالآية المذكورة . وقيل : ليس هذا موضع نسخ ، فهو دعاء بالرحمة الدنيوية للأبوين المشركين ما داما حيين ، كما تقدم . أو يكون عموم هذه الآية خص بتلك ، لا رحمة الآخرة ، لا سيما وقد قيل إن قوله : وقل رب ارحمهما نزلت في سعد بن أبي وقاص ، فإنه أسلم ، فألقت أمه نفسها في الرمضاء متجردة ، فذكر ذلك لسعد فقال : لتمت ، فنزلت الآية . وقيل : الآية خاصة في الدعاء للأبوين المسلمين . والصواب أن ذلك عموم كما ذكرنا ، وقال ابن عباس قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : من أمسى مرضيا لوالديه وأصبح أمسى وأصبح وله بابان مفتوحان من الجنة وإن واحدا فواحدا . ومن أمسى وأصبح مسخطا لوالديه أمسى وأصبح وله بابان مفتوحان إلى النار وإن واحدا فواحدا فقال رجل : يا رسول الله ، وإن ظلماه ؟ قال : وإن ظلماه وإن ظلماه وإن ظلماه . وقد روينا بالإسناد المتصل عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنه - قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إن أبي أخذ مالي . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للرجل : فأتني بأبيك فنزل جبريل - عليه السلام - على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن الله - عز وجل - يقرئك السلام ويقول لك إذا جاءك الشيخ فاسأله عن شيء قاله في نفسه ما سمعته أذناه فلما جاء الشيخ قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما بال ابنك يشكوك أتريد أن تأخذ ماله ؟ فقال : سله يا رسول الله ، هل أنفقه إلا على إحدى عماته أو خالاته أو على نفسي ! فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إيه ، دعنا من هذا أخبرني عن شيء قلته في نفسك ما سمعته أذناك ؟ فقال الشيخ : والله يا رسول الله ، ما زال الله - عز وجل - يزيدنا بك يقينا ، لقد قلت في نفسي شيئا ما سمعته أذناي . قال : قل وأنا أسمع قال قلت :
غذوتك مولودا ومنتك يافعا تعل بما أجني عليك وتنهل إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت
لسقمك إلا ساهرا أتململ كأني أنا المطروق دونك بالذي
طرقت به دوني فعيني تهمل تخاف الردى نفسي عليك وإنها
لتعلم أن الموت وقت مؤجل فلما بلغت السن والغاية التي
إليها مدى ما كنت فيك أؤمل جعلت جزائي غلظة وفظاظة
كأنك أنت المنعم المتفضل فليتك إذ لم ترع حق أبوتي
فعلت كما الجار المصاقب يفعل أوليتني حق الجوار ولم تكن
علي بمال دون مالك تبخل
قال : فحينئذ أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بتلابيب ابنه وقال : ( أنت ومالك لأبيك ) . قال الطبراني : اللخمي لا يروي - يعني هذا الحديث - عن ابن المنكدر بهذا التمام والشعر إلا بهذا الإسناد ; وتفرد به عبيد الله بن خلصة . والله أعلم .
- الطبرى : وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا
يقول تعالى ذكره: وكن لهما ذليلا رحمة منك بهما تطيعهما فيما أمراك به مما لم يكن لله معصية، ولا تخالفهما فيما أحبَّا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، في قوله: ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) قال: لا تمتنع من شيء يُحبانه.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا الأشجعي ، قال: سمعت هشام بن عروة، عن أبيه، في قوله ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) قال: هو أن تلين لهما حتى لا تمتنع من شيء أحبَّاه.
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا أيوب بن سويد، قال: ثنا الثوري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، في قوله ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) قال: لا تمتنع من شيء أحباه.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُليَة، عن عبد الله بن المختار، عن هشام بن عروة، عن أبيه، في قوله ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) قال: هو أن لا تمتنع من شيء يريدانه.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا المقرئ أبو عبد الرحمن، عن حرملة بن عمران، عن أبي الهداج، قال: قلت لسعيد بن المسيب: ما قوله ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) قال: ألم تر إلى قول العبد المذنب للسيد الفظّ الغليظ. والذُّلّ بضم الذال والذّلَّة مصدران من الذليل، وذلك أن يتذلل، وليس بذليل في الخلقة من قول القائل: قد ذَلَلت لك أذلّ ذلة وذلا وذلك نظير القلّ والقلة، إذا أسقطت الهاء ضمت الذال من الذُّلّ، والقاف من القُلّ، وإذا أثبتت الهاء كُسِرت الذال من الذِّلة، والقاف من القِلَّة، لما قال الأعشى:
وَمَا كُنْتُ قُلا قبلَ ذلكَ أزْيَبَا (3)
يريد: القلة، وأما الذِّل بكسر الذال وإسقاط الهاء فإنه مصدر من الذَّلول من قولهم: دابة ذَلول: بينة الذلّ، وذلك إذا كانت لينة غير صعبة.
ومنه قول الله جلّ ثناؤه هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا يُجمع ذلك ذُلُلا كما قال جلّ ثناؤه فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا . وكان مجاهد يتأوّل ذلك أنه لا يتوعَّر عليها مكان سلكته.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامَّة قرّاء الحجاز والعراق والشام ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ ) بضمّ الذال على أنه مصدر من الذليل. وقرأ ذلك سعيد بن جبير وعاصم الجَحْدَرِيّ: (جَناحَ الذِّلّ) بكسر الذال.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا بهز بن أسد، قال: ثنا أبو عَوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير أنه قرأ (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذِّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) قال: كن لهما ذليلا ولا تكن لهما ذلولا.
حدثنا نصر بن عليّ، قال: أخبرني عمر بن شقيق، قال: سمعت عاصما الجحدري يقرأ (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذِّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) قال: كن لهما ذليلا ولا تكن لهما ذَلولا.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عمر بن شقيق، عن عاصم، مثله.
قال أبو جعفر: وعلى هذا التأويل الذي تأوّله عاصم كان ينبغي أن تكون قراءته بضم الذال لا بكسرها وبكسرها.
حدثنا نصر وابن بشار؛ وحُدثت عن الفراء، قال: ثني هشيم، عن أبي بشر جعفر بن إياس. عن سعيد بن جبير، أنه قرأ (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذِّلِّ) قال الفرّاء: وأخبرني الحكم بن ظهير، عن عاصم بن أبى النَّجود، أنه قرأها الذِّلّ أيضا، فسألت أبا بكر فقال: الذِّل قرأها عاصم.
وأما قوله ( وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) فإنه يقول: ادع الله لوالديك بالرحمة، وقل ربّ ارحمهما، وتعطف عليهما بمغفرتك ورحمتك، كما تعطفا عليّ في صغري، فرحماني وربياني صغيرا، حتى استقللت بنفسي، واستغنيت عنهما.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) هكذا عُلِّمتم، وبهذا أمرتم، خذوا تعليم الله وأدبه، ذُكر لنا " أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم وهو مادّ يديه رافع صوته يقول: مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيهِ أوْ أحَدَهُما ثُمَّ دَخَلَ النَّارَ بَعْدَ ذلكَ فأبْعَدَهُ الله وأسْحَقَهُ". ولكن كانوا يرون أنه من بَرّ والديه، وكان فيه أدنى تُقى، فإن ذلك مُبْلِغه جسيم الخير، وقال جماعة من أهل العلم: إن قول الله جلّ ثناؤه ( وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) منسوخ بقوله مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ .
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ بن داود، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) ثم أنـزل الله عزّ وجلّ بعد هذا مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، قال في سورة بني إسرائيل (إمَّا يَبْلُغانّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أحَدهُمُا أو كِلاهُما).... إلى قوله ( وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) فنسختها الآية التي في براءة مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى ... الآية.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال ابن عباس ( وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا ).... الآية، قال: نسختها الآية التي في براءة مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ . .. الآية.
وقد تحتمل هذه الآية أن تكون وإن كان ظاهرها عامًّا في كلّ الآباء بغير معنى النسخ، بأن يكون تأويلها على الخصوص، فيكون معنى الكلام: وقل ربّ ارحمهما إذا كانا مؤمنين، كما رَبياني صغيرا، فتكون مرادا بها الخصوص على ما قلنا غير منسوخ منها شيء. وعَنَى بقوله ربياني: نَمَّياني .
------------------
الهوامش :
(3) هذا عجز بيت للأعشى ميمون بن قيس ( ديوان طبع القاهرة ، بشرح الدكتور محمد حسين ص 115) من قصيدة يهجو بها عمرو بن المنذر بن عبدان ، ويعاتب بني سعد بن قيس : وصدره : "فأرضوه أن أعطوه مني ظلامة" . وقال في (لسان العرب: زيب) الأزيب: الدعي ؛ قال الأعشى يذكر رجلا من قيس عيلان ، كان جارا لعمرو بن المنذر ، وكان اتهم هداجا قائد الأعشى بأنه سرق راحلة له ، لأنه وجد بعض لحمها في بيته ، فأخذ هداج وضرب والأعشى جالس ؛ فقام ناس منهم فأخذوا من الأعشى قيمة الراحلة ، فقال الأعشى :
دَعـا رَهْطَـهُ حَـوْلِي فَجَاءُوا لِنَصْرِهِ
وَنَــادَيْتُ حَــيًّ بالمُسَــانَّاهِ غُيَّبًـا
فَـأَعْطَوْهُ مِنِّـيَ النِّصْفَ أَوْ ضَعْفُوا لَهُ
وَمـا كُـنْتُ قُـلاّ قَبْـلَ ذَلِـكَ أَزْيَبَــا
أي كنت غريبا في ذلك الموضع ، لا ناصر لي . والنصف : النصفة . يقول : أرضوه وأعطوه النصف أو فوقه . والقل من الرجال الخسيس ، ومنه قول الأعشى . أ هـ .
- ابن عاشور : وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا
ثم ارتقى في الوصاية بالوالدين إلى أمر الولد بالتواضع لهما تواضعاً يبلغ حد الذل لهما لإزالة و حشة نفوسهما إن صارا في حاجة إلى معونة الولد ، لأن الأبوين يبغيان أن يكونا هما النافعين لولدهما . والقصد من ذلك التخلق بشكره على أنعامهما السابقة عليه .
وصيغ التعبير عن التواضع بتصويره في هيئة تذلل الطائر عندما يعتريه خوف من طائر أشد منه إذ يخفض جناحه متذللاً . ففي التركيب استعارة مكنية والجناح تخييل بمنزلة تخييل الأظفار للمنية في قول أبي ذُؤْيبَ :
وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيتَ كل تميمة لا تنفع
وبمنزلة تخييل اليد للشمال بفتح الشين والزمام للقرة في قول لبيد :
وغداة ريح قد كشفت وقِرةٍ ... إذْ أصبحت بيد الشمال زِمامها
ومجموع هذه الاستعارة تمثيل . وقد تقدم في قوله : { واخفض جناحك للمؤمنين } في سورة [ الحجر : 88 ].
والتعريف في { الرحمة } عوض عن المضاف إليه ، أي من رحمتك إياهما . و ( من ) ابتدائية ، أي الذل الناشىء عن الرحمة لا عن الخوف أو عن المداهنة . والمقصود اعتياد النفس على التخلق بالرحمة باستحضار وجوب معاملته إياهما بها حتى يصير له خلقاً ، كما قيل :
إن التخلق يأتي دونه الخلق ... وهذه أحكام عامة في الوالدين وإن كانا مشركين ، ولا يُطاعان في معصية ولا كفر كما في آية سورة العنكبوت .
ومقتضى الآية التسوية بين الوالدين في البر وإرضاؤهما معاً في ذلك ، لأن موردها لفعل يصدر من الولد نحو والديه وذلك قابل للتسوية . ولم تتعرض لما عدا ذلك مما يختلف فيه الأبوان ويتشاحان في طلب فعل الولد إذا لم يمكن الجمع بين رغبتيهما بأن يأمره أحد الأبوين بضد ما يأمره به الآخر . ويظهر أن ذلك يجري على أحوال تعارض الأدلة بأن يسعى إلى العمل بطلبيهما إن استطاع .
وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة : « أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم مَن أحقّ الناس بحسن صحابتي؟ قال : أمك . قال : ثم مَن؟ قال : ثم أمُّك . قال : ثم مَن؟ قال : ثم أمُّك . قال : ثمّ من؟ قال : ثم أبوك «
وهو ظاهر في ترجيح جانب الأم لأن سؤال السائل دل على أنه يسأل عن حسن معاملته لأبويه .
وللعلماء أقوال :
أحدها : ترجيح الأم على الأب وإلى هذا ذهب الليث بن سعد ، والمحاسبي ، وأبو حنيفة . وهو ظاهر قول مالك ، فقد حكى القرافي في الفرق 23 عن مختصر الجامع أن رجلاً سأل مالكاً فقال : إن أبي في بلد السودان وقد كتب إليّ أن أقدم عليه وأمي تمنعني من ذلك؟ فقال مالك : أَطِعْ أباك ولا تعْص أمك .
وذكر القرافي في المسألة السابعة من ذلك الفرق أن مالكاً أراد منع الابن من الخروج إلى السودان بغير إذن الأم .
الثاني : قول الشافعية أن الأبوين سواء في البر . وهذا القول يقتضي وجوب طلب الترجيح إذا أمرا ابنهما بأمرين متضادين .
وحكى القرطبي عن المحاسبي في كتاب «الرعاية» أنه قال : لا خلاف بين العلماء في أن للأم ثلاثة أرباع البر وللأب الربع . وحكى القرطبي عن الليث أن للأم ثلثي البر وللأب الثلث ، بناء على اختلاف رواية الحديث المذكور أنه قال : ثم أبوك بعد المرة الثانية أو بعد المرة الثالثة .
والوجه أن تحديد ذلك بالمقدار حوالة على ما لا ينضبط وأن محمل الحديث مع اختلاف روايتيه على أن الأم أرجح على الإجمال .
ثم أمر بالدعاء لهما برحمة الله إياهما وهي الرحمة التي لا يستطيع الولد إيصالها إلى أبويه إلا بالابتهال إلى الله تعالى .
وهذا قد انتُقل إليه انتقالاً بديعاً من قوله : { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } فكان ذكر رحمة العبد مناسبة للانتقال إلى رحمة الله ، وتنبيهاً على أن التخلق بمحبة الولد الخير لأبويه يدفعه إلى معاملته إياهما به فيما يعلمانه وفيما يخفى عنهما حتى فيما يصل إليهما بعد مماتهما . وفي الحديث " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، وعلم بثه في صدور الرجال ، وولد صالح يدعو له بخير "
وفي الآية إيماء إلى أن الدعاء لهما مستجاب لأن الله أذن فيه . والحديث المذكور مؤيد ذلك إذ جعل دعاء الولد عملاً لأبويه .
وحكم هذا الدعاء خاص بالأبوين المؤمنين بأدلة أخرى دلت على التخصيص كقوله : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } [ التوبة : 113 ] الآية .
والكاف في قوله : كما ربياني صغيراً } للتشبيه المجازي يعبر عنه النحاة بمعنى التعليل في الكاف ، ومثاله قوله تعالى : { واذكروه كما هداكم } [ البقرة : 198 ] ، أي ارحمهما رحمة تكافىء ما ربياني صغيرا .
وصغيراً } حال من ياء المتكلم .
والمقصود منه تمثيل حالة خاصة فيها الإشارة إلى تربية مكيفة برحمة كاملة فإن الأبوة تقتضي رحمة الولد ، وصغرالولد يقتضي الرحمة به ولو لم يكن ولداً فصار قوله : { كما ربياني صغيراً } قائماً مقام قوله كما ربياني ورحماني بتربيتهما . فالتربية تكملة للوجود ، وهي وحدها تقتضي الشكر عليها . والرحمة حفظ للوجود من اجتناب انتهاكه وهو مقتضى الشكر ، فجمع الشكر على ذلك كله بالدعاء لهما بالرحمة .
والأمر يقتضي الوجوب . وأما مواقع الدعاء لهما فلا تنضبط وهو بحسب حال كل امرىء في أوقات ابتهاله . وعن سفيان بن عيينة إذا دعا لهما في كل تشهد فقد امتثل .
ومقصد الإسلام من الأمر ببر الوالدين وبصلة الرحم ينحل إلى مقصدين :
أحدهما : نفساني وهو تربية نفوس الأمة على الاعتراف بالجميل لصانعه ، وهو الشكر ، تخلقاً بأخلاق الباري تعالى في اسمه الشكور ، فكما أمر بشكر الله على نعمة الخلق والرزق أمر بشكر الوالدين على نعمة الإيجاد الصوري ونعمة التربية والرحمة .
وفي الأمر بشكر الفضائل تنويه بها وتنبيه على المنافسة في إسدائها .
والمقصد الثاني عمراني ، وهو أن تكون أواصر العائلة قوية العُرى مشدودة الوثوق فأمر بما يحقق ذلك الوثوق بين أفراد العائلة ، وهو حسن المعاشرة ليربي في نفوسهم من التحاب والتواد ما يقوم مقام عاطفة الأمومة الغريزية في الأم ، ثم عاطفة الأبوة المنبعثة عن إحساسسٍ بعضه غريزي ضعيف وبعضه عقلي قوي حتى أن أثر ذلك الإحساس ليساوي بمجموعه أثر عاطفة الأم الغريزية أو يفوقها في حالة كبر الابن . ثم وزع الإسلام ما دعا إليه من ذلك بين بقية مراتب القرابة على حسب الدنو في القرب النسبي بما شرعه من صلة الرحم ، وقد عزز الله قابلية الانسياق إلى تلك الشرعة في النفوس .
جاء في الحديث : « أن الله لما خلق الرحم أخذت بقائمة من قوائم العرش وقالت : هذا مقام العائذ بكَ من القطيعة . فقال الله : أما تَرْضَيْنَ أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك » وفي الحديث : « إن الله جعل الرحم من اسمه الرحيم » .
وفي هذا التكوين لأواصر القرابة صلاح عظيم للأمة تظهر آثاره في مواساة بعضهم بعضاً ، وفي اتحاد بعضهم مع بعض ، قال تعالى : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا } [ الحجرات : 13 ].
وزاده الإسلام توثيقاً بما في تضاعيف الشريعة من تأكيد شد أواصر القرابة أكثر مما حاوله كل دين سلف . وقد بينا ذلك في بابه من كتاب مقاصد الشريعة الإسلامية }.
- إعراب القرآن : وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا
«وَاخْفِضْ» الواو عاطفة وأمر فاعله مستتر والجملة معطوفة «لَهُما» متعلقان بأخفض «جَناحَ» مفعول به «الذُّلِّ» مضاف إليه «مِنَ الرَّحْمَةِ» متعلقان بأخفض «وَقُلْ» الواو عاطفة وأمر فاعله مستتر والجملة معطوفة «رَبِّ» منادى بأداة نداء محذوفة وهو منصوب على النداء وياء المتكلم المحذوفة مضاف إليه «ارْحَمْهُما» فعل دعاء ومفعوله وفاعله مستتر وجملة النداء وارحمهما مقول القول «كَما» الكاف حرف جر وما مصدرية «رَبَّيانِي» ماض وفاعله ومفعوله والجملة في تأويل مصدر في محل جر ومتعلقان بصفة مفعول مطلق محذوفة تقديره ارحمهما رحمة مثل إلخ «صَغِيراً» حال
- English - Sahih International : And lower to them the wing of humility out of mercy and say "My Lord have mercy upon them as they brought me up [when I was] small"
- English - Tafheem -Maududi : وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا(17:24) 2. Treat your parents with great consideration; if either or both of them live with you in their old age, do not say even "fie" to them: nor rebuke them, but speak kind words to them; treat them with humility and tenderness and pray: "Lord, be merciful to them just as they brought me up with kindness and affection."
- Français - Hamidullah : et par miséricorde abaisse pour eux l'aile de l'humilité et dis O mon Seigneur fais-leur à tous deux miséricorde comme ils m'ont élevé tout petit
- Deutsch - Bubenheim & Elyas : Und senke für sie aus Barmherzigkeit den Flügel der Demut und sag "Mein Herr erbarme Dich ihrer wie sie mich aufgezogen haben als ich klein war"
- Spanish - Cortes : Por piedad muéstrate deferente con ellos y di ¡Señor ten misericordia de ellos como ellos la tuvieron cuando me educaron siendo niño
- Português - El Hayek : E estende sobre eles a asa da humildade e dize Ó Senhor meu tem misericórdia de ambos como eles tiverammisericórdia de mim criandome desde pequenino
- Россию - Кулиев : Склони пред ними крыло смирения по милосердию своему и говори Господи Помилуй их ведь они растили меня ребенком
- Кулиев -ас-Саади : وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا
Склони пред ними крыло смирения по милосердию своему и говори: «Господи! Помилуй их, ведь они растили меня ребенком».Будь с родителями кроток и обходителен, проявляя смирение и милосердие. Но поступай так не из-за страха перед ними и не ради обретения части их имущества или других корыстных целей, а в надежде получить вознаграждение Аллаха. Но если ты будешь обходителен с родителями ради корыстных целей, то лишишься Его награды. Моли Аллаха смилостивиться над твоими родителями, независимо от того, живи они или скончались. Такой должна быть благодарность ребенка за то, что родители воспитывали его, когда он был младенцем. Из этого предписания следует, что чем лучше родители воспитывали ребенка, тем больше его обязанности перед ними. И если кто-либо, помимо родителей, воспитывал человека или учил его духовным и мирским истинам, то он также оказывается в долгу перед ним.
- Turkish - Diyanet Isleri : Onlara acıyarak alçak gönüllülük kanatlarını ger ve "Rabbim Küçükken beni yetiştirdikleri gibi sen de onlara merhamet et" de
- Italiano - Piccardo : e inclina con bontà verso di loro l'ala della tenerezza; e di' “O Signore sii misericordioso nei loro confronti come essi lo sono stati nei miei allevandomi quando ero piccolo”
- كوردى - برهان محمد أمين : باڵی میهرهبانی خۆتیان بۆ ڕاخهو ملکهچ به بۆیان نزا بکهو بڵێ پهروهردگارا ڕهحمیان پێ بکهو میهرهبان به بۆیان ههروهکو چۆن ئهوان ڕهحمیان به من کردوو و منیان پهروهرده کردووه به بچووکی و منداڵی
- اردو - جالندربرى : اور عجزو نیاز سے ان کے اگے جھکے رہو اور ان کے حق میں دعا کرو کہ اے پروردگار جیسا انہوں نے مجھے بچپن میں شفقت سے پرورش کیا ہے تو بھی ان کے حال پر رحمت فرما
- Bosanski - Korkut : Budi prema njima pažljiv i ponizan i reci "Gospodaru moj smiluj im se oni su mene kad sam bio dijete njegovali"
- Swedish - Bernström : Och sänk ödmjukt [ömhetens] vinge över dem och be "Herre När jag var liten vårdade och fostrade de mig [med kärlek]; förbarma Dig [nu] i Din nåd över dem"
- Indonesia - Bahasa Indonesia : Dan rendahkanlah dirimu terhadap mereka berdua dengan penuh kesayangan dan ucapkanlah "Wahai Tuhanku kasihilah mereka keduanya sebagaimana mereka berdua telah mendidik aku waktu kecil"
- Indonesia - Tafsir Jalalayn : وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا
(Dan rendahkanlah dirimu terhadap mereka berdua) artinya berlaku sopanlah kamu terhadap keduanya (dengan penuh kesayangan) dengan sikap lemah lembutmu kepada keduanya (dan ucapkanlah, "Wahai Rabbku! Kasihanilah mereka keduanya, sebagaimana) keduanya mengasihaniku sewaktu (mereka berdua mendidik aku waktu kecil.").
- বাংলা ভাষা - মুহিউদ্দীন খান : তাদের সামনে ভালবাসার সাথে নম্রভাবে মাথা নত করে দাও এবং বলঃ হে পালনকর্তা তাদের উভয়ের প্রতি রহম কর যেমন তারা আমাকে শৈশবকালে লালনপালন করেছেন।
- தமிழ் - ஜான் டிரஸ்ட் : இன்னும் இரக்கம் கொண்டு பணிவு என்னும் இறக்கையை அவ்விருவருக்காகவும் நீர் தாழ்த்துவீராக மேலும் "என் இறைவனே நான் சிறு பிள்ளையாக இருந்த போது என்னைப்பரிவோடு அவ்விருவரும் வளர்த்தது போல் நீயும் அவர்களிருவருக்கும் கிருபை செய்வாயாக" என்று கூறிப் பிரார்த்திப்பீராக
- ภาษาไทย - ภาษาไทย : และจงนอบน้อมแก่ท่านทั้งสอง ซึ่งการถ่อมตนเนื่องจากความเมตตา และจงกล่าวว่า “ข่าแต่พระเจ้าของฉัน ทรงโปรดเมตตาแก่ท่านทั้งสองเช่นที่ทั้งสองได้เลี้ยงดูฉันเมื่อเยาว์วัย”
- Uzbek - Мухаммад Содик : Икковларига меҳрибонлик ила хокисорлик қанотингни паслат ва Роббим алар мени кичикликда тарбия қилганларидек уларга раҳм қилгин деб айт
- 中国语文 - Ma Jian : 你应当必恭必敬地服侍他俩,你应当说:我的主啊!求你怜悯他俩,就像我年幼时他俩养育我那样。
- Melayu - Basmeih : Dan hendaklah engkau merendah diri kepada keduanya kerana belas kasihan dan kasih sayangmu dan doakanlah untuk mereka dengan berkata "Wahai Tuhanku Cucurilah rahmat kepada mereka berdua sebagaimana mereka telah mencurahkan kasih sayangnya memelihara dan mendidikku semasa kecil"
- Somali - Abduh : Una Raarici Jilci Garab Naxariiseed u Naxariiso dhehna Eebow ugu Naxariiso siday ii Koriyeen anoo Yar
- Hausa - Gumi : Kuma ka sassauta musu fikãfikan tausasãwa na rahama Kuma ka ce "Ya Ubangijina Ka yi musu rahama kamar yadda suka yi rẽnõna ina ƙarami"
- Swahili - Al-Barwani : Na uwainamishie bawa la unyenyekevu kwa kuwaonea huruma Na useme Mola wangu Mlezi Warehemu kama walivyo nilea utotoni
- Shqiptar - Efendi Nahi : Lëshoj para tyre krahët tuaj të përuljes prej mëshirës dhe thuaj “O Zoti im mëshiroji ata ashtu siç më kanë edukuar kur isha unë i vogël”
- فارسى - آیتی : در برابرشان از روى مهربانى سر تواضع فرود آور و بگو: اى پروردگار من، همچنان كه مرا در خُردى پرورش دادند، بر آنها رحمت آور.
- tajeki - Оятӣ : Дар баробарашон аз рӯи меҳрубони сари хоксорӣ хам бикун ва бигӯ: «Эй Парвардигори ман, ҳамчунон ки маро дар хурдӣ парвариш доданд, бар онҳо раҳмат овар».
- Uyghur - محمد صالح : ئۇلارغا كامالىي مېھرىبانلىقتىن ناھايىتى كەمتەر مۇئامىلىدە بولغىن ۋە: «ئى پەرۋەردىگارىم! ئۇلار مېنى كىچىكلىكىمدە تەربىيىلىگىنىدەك ئۇلارغا مەرھەمەت قىلغىن» دېگىن
- Malayalam - ശൈഖ് മുഹമ്മദ് കാരകുന്ന് : കാരുണ്യപൂര്വം വിനയത്തിന്റെ ചിറക് ഇരുവര്ക്കും താഴ്ത്തിക്കൊടുക്കുക. അതോടൊപ്പം ഇങ്ങനെ പ്രാര്ഥിക്കുക: "എന്റെ നാഥാ! കുട്ടിക്കാലത്ത് അവരിരുവരും എന്നെ പോറ്റിവളര്ത്തിയപോലെ നീ അവരോട് കരുണ കാണിക്കേണമേ.”
- عربى - التفسير الميسر : وكن لامك وابيك ذليلا متواضعا رحمه بهما واطلب من ربك ان يرحمهما برحمته الواسعه احياء وامواتا كما صبرا على تربيتك طفلا ضعيف الحول والقوه