- عربي - نصوص الآيات عثماني : فَفَهَّمْنَٰهَا سُلَيْمَٰنَ ۚ وَكُلًّا ءَاتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُۥدَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَٰعِلِينَ
- عربى - نصوص الآيات : ففهمناها سليمان ۚ وكلا آتينا حكما وعلما ۚ وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن والطير ۚ وكنا فاعلين
- عربى - التفسير الميسر : فَفَهَّمنا سليمان مراعاة مصلحة الطرفين مع العدل، فحكم على صاحب الغنم بإصلاح الزرع التالف في فترة يستفيد فيها صاحب الزرع بمنافع الغنم من لبن وصوف ونحوهما، ثم تعود الغنم إلى صاحبها والزرع إلى صاحبه؛ لمساواة قيمة ما تلف من الزرع لمنفعة الغنم، وكلا من داود وسليمان أعطيناه حكمًا وعلمًا، ومننَّا على داود بتطويع الجبال تسبِّح معه إذا سبَّح، وكذلك الطير تسبِّح، وكنا فاعلين ذلك.
- السعدى : فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ
{ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ } أي: فهمناه هذه القضية، ولا يدل ذلك، أن داود لم يفهمه الله في غيرها، ولهذا خصها بالذكر بدليل قوله: { وَكُلَا } من داود وسليمان { آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } وهذا دليل على أن الحاكم قد يصيب الحق والصواب وقد يخطئ ذلك، وليس بمعلوم إذا أخطأ مع بذل اجتهاده.
ثم ذكر ما خص به كلا منهما فقال: { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ } وذلك أنه كان من أعبد الناس وأكثرهم لله ذكرا وتسبيحا وتمجيدا، وكان قد أعطاه [الله] من حسن الصوت ورقته ورخامته، ما لم يؤته أحدا من الخلق، فكان إذا سبح وأثنى على الله، جاوبته الجبال الصم والطيور البهم، وهذا فضل الله عليه وإحسانه فلهذا قال: { وَكُنَّا فَاعِلِينَ }
- الوسيط لطنطاوي : فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ
والضمير المنصوب فى قوله - تعالى - : ( فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ) يعود إلى القضية أو المسألة التى عرضها الخصمان على داود وسليمان .
أى : ففهمنا سليمان الحكم النسب والأوفق فى هذه المسألة أو القضية ، وذلك لأن داود - كما يقول العلماء . قد اتجه فى حكمه إلى مجرد التعويض لصاحب الحرث . وهذا عدل فحسب . أما حكم سليمان فقد تضمن مع العدل البناء والتعمير ، وجعل العدل دافعا إلى البناء والتعمير ، وهذا هو العدل الحى الإيجابى فى صورته البانية الدافعة ، وهو فتح من الله وإلهام يهبه من يشاء " .
وقوله - سبحانه - : ( وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً ) ثناء من الله - تعالى - على داود وسليمان - عليهما السلام - والمقصود من هذا الثناء دفع ما قد يتبادر إلى بعض الأذهان من أن داود لم يكن مصيبا فى حكمه .
أى : وكلا من داود وسليمان قد أعطيناه من عندنا ( حُكْماً ) أى : نبوة وإصابة فى القول والعمل ( وَعِلْماً ) أى : فقها فى الدين ، وفهما سليما للأمور .
وقد توسع بعض المفسرين فى الحديث عن هذا الحكم الذى أصدره داود وسليمان فى قضية الحرث أكان بوحى من الله إليهما ، أم كان باجتهاد منهما ، وقد رجح بعض العلماء أنه كان باجتهاد منهما فقال : اعلم أن جماعة من العلماء قالوا : إن حكم داود وسليمان فى الحرث المذكور فى هذه الآية كان بوحى ، إلا أن ما أوحى إلى سليمان كان ناسخا لما أوحى إلى داود .
وفى الآية قرينتان على أن حكمهما كان باجتهاد لا بوحى ، وأن سليمان أصاب فاستحق الثناء باجتهاده وإصابته ، وأن داود لم يصب فاستحق الثناء باجتهاده ، ولم يستوجب لوما ولا ذما لعدم إصابته .
كما أثنى - سبحانه - على سليمان بالإصابة فى قوله ( فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ) وأثنى عليهما فى قوله : ( وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً ) .
فدل قوله ( إِذْ يَحْكُمَانِ ) على أنهما حكما فيها معا ، كل منهما بحكم مخالف لحكم الآخر ، ولو كان وحيا لما ساغ الخلاف . ثم قال : ( فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ) فدل ذلك على أنه لم يفهمها داود ، ولو كان حكمه فيها بوحى لكان مفهما إياها كما نرى .
فقوله : ( إِذْ يَحْكُمَانِ ) مع قوله ( فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ) قرينة على أن الحكم لم يكن بوحى بل باجتهاد ، وأصاب فيه سليمان دون داود بتفيهم الله إياه ذلك .
والقرينة الثانية : هى أن قوله - تعالى - ( فَفَهَّمْنَاهَا ) يدل على أنه فهمه إياها من نصوص ما كان عندهم من الشرع ، لا أنه - تعالى - أنزل عليه فيها وحياً جديدا ناسخاً ، لأن قوله - تعالى - : ( فَفَهَّمْنَاهَا ) أليق بالأول من الثانى كما ترى . . .
ثم بين - سبحانه - نماذج من النعم التى أنعم بها على داود - عليه السلام - فقال : ( وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الجبال يُسَبِّحْنَ والطير وَكُنَّا فَاعِلِينَ ) .
والتسخير : التذليل أى : وجعلنا الجبال والطير يسبحن الله - تعالى - ويقدسنه مع داود ، امتثالا لأمره - سبحانه - .
قال ابن كثير : وذلك لطيب صوته ، بتلاوة كتابه الزبور ، وكان إذا ترنم به تقف الطير فى الهواء فتجاوبه ، وترد عليه الجبال تأويبا . ولهذا لما مر النبى - صلى الله عليه وسلم - على أبى موسى الأشعرى ، وهو يتلو القرآن من الليل ، وكان له صوت طيب ، فوقف واستمع إليه وقال : "
لقد أوتى هذا من مزامير آل داود " .وقال صاحب الكشاف : "
فإن قلت : لم قدمت الجبال على الطير؟ قلت : لأن تسخيرها وتسبيحها أعجب ، وأدل على القدرة ، وأدخل فى الإعجاز ، لأنها جماد ، والطير حيوان ، إلا أنه غير ناطق ، روى أنه كان يمر بالجبال مسبحا وهى تجاوبه ، وقيل : كانت تسير معه حيث سار . . .وتسبيح الجبال والطير مع داود - عليه السلام - هو تسبيح حقيقى ، ولكن بكيفية يعلمها الله - تعالى - كما قال - سبحانه - ( تُسَبِّحُ لَهُ السماوات السبع والأرض وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ . . . ) وشبيه بالآية التى معنا قوله - تعالى - : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً ياجبال أَوِّبِي مَعَهُ والطير وَأَلَنَّا لَهُ الحديد ) وقوله - سبحانه - : ( اصبر على مَا يَقُولُونَ واذكر عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأيد إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الجبال مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بالعشي والإشراق والطير مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ ) ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله : ( وَكُنَّا فَاعِلِينَ ) أى : وكنا فاعلين ذلك لداود من تسخير الجبال والطير معه يسبحن الله وينزهنه عن كل سوء ، على سبيل التكريم له . والتأييد لنبوته ، إذ أن قدرتنا لا يعجزها شىء ، سواء أكان هذا الشىء مألوفا للناس أم غير مألوف .
- البغوى : فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ
قوله عز وجل : ( ففهمناها سليمان ) أي علمناه القضية وألهمناها سليمان ، ( وكلا ) يعني داود وسليمان ، ( آتينا حكما وعلما ) قال الحسن : لولا هذه الآية لرأيت الحكام قد هلكوا ولكن الله حمد هذا بصوابه وأثنى على هذا باجتهاده . واختلف العلماء في أن حكم داود كان بالاجتهاد أم بالنص وكذلك حكم سليمان .
فقال بعضهم فعلا بالاجتهاد وقالوا يجوز الاجتهاد للأنبياء ليدركوا ثواب المجتهدين إلا أن داود أخطأ وأصاب سليمان . وقالوا يجوز الخطأ على الأنبياء إلا أنهم لا يقرون عليه فأما العلماء فلهم الاجتهاد في الحوادث إذا لم يجدوا فيها نص كتاب أو سنة وإذا أخطأوا فلا إثم عليهم [ فإنه موضوع عنهم ] لما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أخبرنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد ، عن يزيد بن عبد الله بن الهادي ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن بشر ابن سعيد ، عن أبي عن قيس مولى عمرو بن العاص ، عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر " .
وقال قوم إن داود وسليمان حكما بالوحي وكان حكم سليمان ناسخا لحكم داود ، وهذا القائل يقول لا يجوز للأنبياء الحكم بالاجتهاد لأنهم مستغنون عن الاجتهاد بالوحي وقالوا لا يجوز الخطأ على الأنبياء واحتج من ذهب إلى أن كل مجتهد مصيب بظاهر الآية وبالخبر حيث وعد الثواب للمجتهد على الخطأ وهو قول أصحاب الرأي وذهب جماعة إلى أنه ليس كل مجتهد مصيبا بل إذا اختلف اجتهاد مجتهدين في حادثة كان الحق مع واحد لا بعينه ولو كان كل واحد مصيبا لم يكن للتقسيم معنى وقوله عليه السلام : " وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر " ، لم يرد به أنه يؤجر على الخطأ بل يؤجر على اجتهاده في طلب الحق لأن اجتهاده عبادة والإثم في الخطأ عنه موضوع إذا لم يأل جهده .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرنا أبو الزناد ، عن عبد الرحمن الأعرج أنه سمع أبا هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كانت امرأتان معهما ابناهما فجاء الذئب فذهب بابن إحداهما فقالت صاحبتها إنما ذهب بابنك وقالت الأخرى إنما ذهب بابنك فتحاكمتا إلى داود فقضى به للكبرى فخرجتا على سليمان وأخبرتاه فقال ائتوني بالسكين أشقه بينهما فقالت الصغرى لا تفعل يرحمك الله فهو ابنها فقضى به للصغرى " .
قوله عز وجل ( وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير ) أي وسخرنا الجبال والطير يسبحن مع داود إذا سبح قال ابن عباس : كان يفهم تسبيح الحجر والشجر قال وهب : كانت الجبال تجاوبه بالتسبيح وكذلك الطير وقال قتادة : يسبحن أي يصلين معه إذا صلى وقيل : كان داود إذا فتر يسمعه الله تسبيح الجبال والطير لينشط في التسبيح ويشتاق إليه ( وكنا فاعلين ) يعني ما ذكر من التفهيم وإيتاء الحكم والتسخير
- ابن كثير : فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ
وقوله : ( ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما ) قال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، عن حميد; أن إياس بن معاوية لما استقضى أتاه الحسن فبكى ، قال ما يبكيك؟ قال يا أبا سعيد ، بلغني أن القضاة : رجل اجتهد فأخطأ ، فهو في النار ، ورجل مال به الهوى فهو في النار ، ورجل اجتهد فأصاب فهو في الجنة . فقال الحسن البصري : إن فيما قص الله من نبأ داود وسليمان - عليهما السلام - والأنبياء حكما يرد قول هؤلاء الناس عن قولهم ، قال الله تعالى : ( وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ) فأثنى الله على سليمان ولم يذم داود . ثم قال - يعني : الحسن - : إن الله اتخذ على الحكماء ثلاثا : لا يشترون به ثمنا قليلا ولا يتبعون فيه الهوى ، ولا يخشون فيه أحدا ، ثم تلا ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ] ) وقال : ( فلا تخشوا الناس واخشون ) [ المائدة : 44 ] ، وقال ( ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ) [ المائدة : 44 ] .
قلت : أما الأنبياء ، عليهم السلام ، فكلهم معصومون مؤيدون من الله عز وجل . وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء المحققين من السلف والخلف ، وأما من سواهم فقد ثبت في صحيح البخاري ، عن عمرو بن العاص أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر " فهذا الحديث يرد نصا ما توهمه " إياس " من أن القاضي إذا اجتهد فأخطأ فهو في النار ، والله أعلم .
وفي السنن : " القضاة ثلاثة : قاض في الجنة ، وقاضيان في النار : رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة ، ورجل حكم بين الناس على جهل فهو في النار ، ورجل علم الحق وقضى بخلافه ، فهو في النار .
وقريب من هذه القصة المذكورة في القرآن ما رواه الإمام أحمد في مسنده ، حيث قال : حدثنا علي بن حفص ، أخبرنا ورقاء عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
بينما امرأتان معهما ابنان لهما ، جاء الذئب فأخذ أحد الابنين ، فتحاكمتا إلى داود ، فقضى به للكبرى ، فخرجتا . فدعاهما سليمان فقال : هاتوا السكين أشقه بينهما ، فقالت الصغرى : يرحمك الله هو ابنها ، لا تشقه ، فقضى به للصغرى " .وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما وبوب عليه النسائي في كتاب القضاء : ( باب الحاكم يوهم خلاف الحكم ليستعلم الحق ) .
وهكذا القصة التي أوردها الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في ترجمة "
سليمان عليه السلام " من تاريخه ، من طريق الحسن بن سفيان ، عن صفوان بن صالح ، عن الوليد بن مسلم ، عن سعيد بن بشر ، عن قتادة ، عن مجاهد ، عن ابن عباس - فذكر قصة مطولة ملخصها - : أن امرأة حسناء في زمان بني إسرائيل ، راودها عن نفسها أربعة من رؤسائهم ، فامتنعت على كل منهم ، فاتفقوا فيما بينهم عليها ، فشهدوا عليها عند داود ، عليه السلام ، أنها مكنت من نفسها كلبا لها ، قد عودته ذلك منها ، فأمر برجمها . فلما كان عشية ذلك اليوم ، جلس سليمان ، واجتمع معه ولدان مثله ، فانتصب حاكما وتزيا أربعة منهم بزي أولئك ، وآخر بزي المرأة ، وشهدوا عليها بأنها مكنت من نفسها كلبا ، فقال سليمان : فرقوا بينهم . فقال لأولهم : ما كان لون الكلب؟ فقال : أسود . فعزله ، واستدعى الآخر فسأله عن لونه ، فقال : أحمر . وقال الآخر : أغبش . وقال الآخر : أبيض . فأمر بقتلهم ، فحكي ذلك لداود ، فاستدعى من فوره بأولئك الأربعة ، فسألهم متفرقين عن لون ذلك الكلب ، فاختلفوا عليه ، فأمر بقتلهم .وقوله : ( وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين ) : وذلك لطيب صوته بتلاوة كتابه الزبور ، وكان إذا ترنم به تقف الطير في الهواء ، فتجاوبه ، وترد عليه الجبال تأويبا; ولهذا لما مر النبي صلى الله عليه وسلم على أبي موسى الأشعري ، وهو يتلو القرآن من الليل ، وكان له صوت طيب [ جدا ] . فوقف واستمع لقراءته ، وقال : "
لقد أوتي هذا مزامير آل داود " . قال يا رسول الله ، لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا .وقال أبو عثمان النهدي : ما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا مزمار مثل صوت أبي موسى رضي الله عنه ، ومع هذا قال : لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود .
- القرطبى : فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ
قوله تعالى : ففهمناها سليمان أي فهمناه القضية والحكومة ، فكنى عنها إذ سبق ما يدل عليها . وفضل حكم سليمان حكم أبيه في أنه أحرز أن يبقي كل واحد منهما على متاعه ، وتبقى نفسه طيبة بذلك ؛ وذلك أن داود - عليه السلام - رأى أن يدفع الغنم إلى صاحب الحرث . وقالت فرقة : بل دفع الغنم إلى صاحب الحرث ، والحرث إلى صاحب الغنم . قال ابن عطية : فيشبه على القول الواحد أنه رأى الغنم تقاوم الغلة التي أفسدت . وعلى القول الثاني رآها تقاوم الحرث والغلة ؛ فلما خرج الخصمان على سليمان وكان يجلس على الباب الذي يخرج منه الخصوم ، وكانوا يدخلون إلى داود من باب آخر فقال : بم قضى بينكما نبي الله داود ؟ فقالا : قضى بالغنم لصاحب الحرث . فقال لعل الحكم غير هذا انصرفا معي . فأتى أباه فقال : يا نبي الله إنك حكمت بكذا وكذا وإني رأيت ما هو أرفق بالجميع . قال : وما هو ؟ قال : ينبغي أن تدفع الغنم إلى صاحب الحرث فينتفع بألبانها وسمونها وأصوافها ، وتدفع الحرث إلى صاحب الغنم ليقوم عليه ، فإذا عاد الزرع إلى حاله التي أصابته الغنم في السنة المقبلة ، رد كل واحد منهما ماله إلى صاحبه . فقال داود : وفقت يا بني لا يقطع الله فهمك . وقضى بما قضى به سليمان ؛ قال معناه ابن مسعود ومجاهد وغيرهما . قال الكلبي : قوم داود الغنم والكرم الذي أفسدته الغنم فكانت القيمتان سواء ، فدفع الغنم إلى صاحب الكرم . وهكذا قال النحاس ؛ قال : إنما قضى بالغنم لصاحب الحرث ؛ لأن ثمنها كان قريبا منه . وأما في حكم سليمان فقد قيل : كانت قيمة ما نال من الغنم وقيمة ما أفسدت الغنم سواء أيضا .
وكلا آتينا حكما وعلما تأول قوم أن داود - عليه السلام - لم يخطئ في هذه النازلة ، بل فيها أوتي الحكم والعلم . وحملوا قوله : ففهمناها سليمان على أنه فضيلة له على داود وفضيلته راجعة إلى داود ، والوالد تسره زيادة ولده عليه . وقالت فرقة : بل لأنه لم يصب العين المطلوبة في هذه النازلة ، وإنما مدحه الله بأن له حكما وعلما يرجع إليه في غير هذه النازلة . وأما في هذه فأصاب سليمان وأخطأ داود عليهما الصلاة والسلام ، ولا يمتنع وجود الغلط والخطأ من الأنبياء كوجوده من غيرهم ، لكن لا يقرون عليه ، وإن أقر عليه غيرهم . ولما هدم الوليد كنيسة دمشق كتب إليه ملك الروم : إنك هدمت الكنيسة التي رأى أبوك تركها ، فإن كنت مصيبا فقد أخطأ أبوك ، وإن كان أبوك مصيبا فقد أخطأت أنت ؛ فأجابه الوليد وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما . وقال قوم : كان داود وسليمان - عليهما السلام - نبيين يقضيان بما يوحى إليهما ، فحكم داود بوحي ، وحكم سليمان بوحي نسخ الله به حكم داود ، وعلى هذا ففهمناها سليمان أي بطريق الوحي الناسخ لما أوحى إلى داود ، وأمر سليمان أن يبلغ ذلك داود ؛ ولهذا قال : وكلا آتينا حكما وعلما . هذا قول جماعة من العلماء ومنها ابن فورك . وقال الجمهور : إن حكمهما كان باجتهاد وهي :
واختلف العلماء في جواز الاجتهاد على الأنبياء فمنعه قوم ، وجوزه المحققون ؛ لأنه ليس فيه استحالة عقلية ؛ لأنه دليل شرعي فلا إحالة أن يستدل به الأنبياء ، كما لو قال له الله سبحانه وتعالى : إذا غلب على ظنك كذا فاقطع بأن ما غلب على ظنك هو حكمي فبلغه الأمة ؛ فهذا غير مستحيل في العقل . فإن قيل : إنما يكون دليلا إذا عدم النص وهم لا يعدمونه . قلنا : إذا لم ينزل الملك فقد عدم النص عندهم ، وصاروا في البحث كغيرهم من المجتهدين عن معاني النصوص التي عندهم . والفرق بينهم وبين غيرهم من المجتهدين أنهم معصومون عن الخطأ ، وعن الغلط ، وعن التقصير في اجتهادهم ، وغيرهم ليس كذلك . كما ذهب الجمهور في أن جميع الأنبياء صلوات الله عليهم معصومون عن الخطأ والغلط في اجتهادهم . وذهب أبو علي بن أبي هريرة من أصحاب الشافعي إلى أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - مخصوص منهم في جواز الخطأ عليهم ، وفرق بينه وبين غيره من الأنبياء أنه لم يكن بعده يستدرك غلطه ، ولذلك عصمه الله تعالى منه ، وقد بعث بعد غيره من الأنبياء من يستدرك غلطه . وقد قيل : إنه على العموم في جميع الأنبياء ، وأن نبينا وغيره من الأنبياء صلوات الله عليهم في تجويز الخطأ على سواء إلا أنهم لا يقرون على إمضائه ، فلم يعتبر فيه استدراك من بعدهم من الأنبياء . هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد سألته امرأة عن العدة فقال لها : اعتدي حيث شئت ثم قال لها : امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله . وقال له رجل : أرأيت إن قتلت صبرا محتسبا أيحجزني عن الجنة شيء ؟ فقال : لا ثم دعاه فقال : إلا الدين كذا أخبرني جبريل - عليه السلام - .
قال الحسن : لولا هذه الآية لرأيت القضاة هلكوا ، ولكنه تعالى أثنى على سليمان بصوابه ، وعذر داود باجتهاده . وقد اختلف الناس في المجتهدين في الفروع إذا اختلفوا ؛ فقالت فرقة : الحق في طرف واحد عند الله ، قد نصب على ذلك أدلة ، وحمل المجتهدين على البحث عنها ، والنظر فيها ، فمن صادف العين المطلوبة في المسألة فهو المصيب على الإطلاق ، وله أجران في الاجتهاد وأجر في الإصابة ، ومن لم يصادفها فهو مصيب في اجتهاده مخطئ في أنه لم يصب العين فله أجر وهو غير معذور . وهذا سليمان قد صادف العين المطلوبة ، وهي التي فهم . ورأت فرقة أن العالم المخطئ لا إثم عليه في خطئه وإن كان غير معذور . وقالت فرقة : الحق في طرف واحد ولم ينصب الله تعالى عليه دلائل بل وكل الأمر إلى نظر المجتهدين فمن أصابه أصاب ومن أخطأ فهو معذور مأجور ، ولم يتعبد بإصابته العين بل تعبدنا بالاجتهاد فقط . وقال جمهور أهل السنة وهو المحفوظ عن مالك وأصحابه - رضي الله عنهم - : إن الحق في مسائل الفروع في الطرفين ، وكل مجتهد مصيب ، والمطلوب إنما هو الأفضل في ظنه ، وكل مجتهد قد أداه نظره إلى الأفضل في ظنه ؛ والدليل على هذه المقالة أن الصحابة فمن بعدهم قرر بعضهم خلاف بعض ، ولم ير أحد منهم أن يقع الانحمال على قوله دون قول مخالفه . ومنه ردمالك رحمه الله للمنصور أبي جعفر عن حمل الناس على ( الموطأ ) ؛ فإذا قال عالم في أمر حلال فذلك هو الحق فيما يختص بذلك العالم عند الله تعالى وبكل من أخذ بقوله ، وكذا في العكس . قالوا : وإن كان سليمان - عليه السلام - فهم القضية المثلى والتي هي أرجح فالأولى ليست بخطأ ، وعلى هذا يحملون قوله - عليه السلام - : ( إذا اجتهد العالم فأخطأ ) أي فأخطأ الأفضل .
الثامنة : روى مسلم وغيره عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر هكذا لفظ الحديث في كتاب مسلم إذا حكم فاجتهد فبدأ بالحكم قبل الاجتهاد ، والأمر بالعكس ؛ فإن الاجتهاد مقدم على الحكم ، فلا يجوز الحكم قبل الاجتهاد بالإجماع . وإنما معنى هذا الحديث : إذا أراد أن يحكم ، كما قال : فإذا قرأت القرآن فاستعذ فعند ذلك أراد أن يجتهد في النازلة . ويفيد هذا صحة ما قاله الأصوليون : إن المجتهد يجب عليه أن يجدد نظرا عند وقوع النازلة ، ولا يعتمد على اجتهاده المتقدم لإمكان أن يظهر له ثانيا خلاف ما ظهر له أولا ، اللهم إلا أن يكون ذاكرا لأركان اجتهاده ، مائلا إليه ، فلا يحتاج إلى استئناف نظر في أمارة أخرى .
إنما يكون الأجر للحاكم المخطئ إذا كان عالما بالاجتهاد والسنن والقياس ، وقضاء من مضى ؛ لأن اجتهاده عبادة ولا يؤجر على الخطأ بل يوضع عنه الإثم فقط ، فأما من لم يكن محلا للاجتهاد فهو متكلف لا يعذر بالخطأ في الحكم ، بل يخاف عليه أعظم الوزر . يدل على ذلك حديثه الآخر ؛ رواه أبو داود : القضاة ثلاثة الحديث . قال ابن المنذر : إنما يؤجر على اجتهاده في طلب الصواب لا على الخطأ ، ومما يؤيد هذا قوله تعالى : ففهمناها سليمان الآية . قال الحسن : أثنى على سليمان ولم يذم داود .
ذكر أبو التمام المالكي أن مذهب مالك أن الحق في واحد من أقاويل المجتهدين ، وليس ذلك في أقاويل المختلفين ، وبه قال أكثر الفقهاء . قال : وحكى ابن القاسم أنه سأل مالكا عن اختلاف الصحابة ، فقال : مخطئ ومصيب ، وليس الحق في جميع أقاويلهم . وهذا القول قيل : هو المشهور عن مالك وإليه ذهب محمد بن الحسين . واحتج من قال هذا بحديث عبد الله بن عمرو ؛ قالوا : وهو نص على أن في المجتهدين وفي الحاكمين مخطئا ومصيبا ؛ قالوا : والقول بأن كل مجتهد مصيب يؤدي إلى كون الشيء حلالا حراما ، وواجبا ندبا . واحتج أهل المقالة الأولى بحديث ابن عمر .
قال : نادى فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم انصرف من الأحزاب ألا لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا دون بني قريظة ، وقال الآخرون : لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن فاتنا الوقت ، قال : فما عنف واحدا من الفريقين ؛ قالوا : فلو كان أحد الفريقين مخطئا لعينه النبي - صلى الله عليه وسلم - . ويمكن أن يقال : لعله إنما سكت عن تعيين المخطئين لأنه غير آثم بل مأجور ، فاستغنى عن تعيينه . والله أعلم . ومسألة الاجتهاد طويلة متشعبة ؛ وهذه النبذة التي ذكرناها كافية في معنى الآية ، والله الموفق للهداية .
ويتعلق بالآية فصل آخر : وهو رجوع الحاكم بعد قضائه من اجتهاده إلى اجتهاد آخر أرجح من الأول ؛ فإن داود - عليه السلام - فعل ذلك . وقد اختلف في ذلك علماؤنا رحمهم الله تعالى ؛ فقال عبد الملك ومطرف في ( الواضحة ) : ذلك له ما دام في ولايته ؛ فأما إن كانت ولاية أخرى فليس له ذلك ، وهو بمنزلة غيره من القضاة . وهذا هو ظاهر قول مالك رحمه الله في ( المدونة ) . وقال سحنون في رجوعه من اجتهاد فيه قول إلى غيره مما رآه أصوب : ليس له ذلك ؛ وقاله ابن عبد الحكم . قالا : ويستأنف الحكم بما قوي عنده . قال سحنون : إلا أن يكون نسي الأقوى عنده في ذلك الوقت ، أو وهم فحكم بغيره فله نقضه ؛ وأما وإن حكم بحكم هو الأقوى عنده في ذلك الوقت ثم قوي عنده غيره بعد ذلك فلا سبيل إلى نقض الأول ؛ قاله سحنون في كتاب ابنه . وقال أشهب في كتاب ابن المواز : إن كان رجوعه إلى الأصوب في مال فله نقض الأول ، وإن كان في طلاق أو نكاح أو عتق فليس له نقضه .
قلت : رجوع القاضي عما حكم به إذا تبين له أن الحق في غيره ما دام في ولايته أولى . وهكذا في رسالة عمر إلى أبي موسى - رضي الله عنهما - ؛ رواها الدارقطني ، وقد ذكرناها في ( الأعراف ) ولم يفصل ؛ وهي الحجة لظاهر قول مالك . ولم يختلف العلماء أن القاضي إذا قضى تجوزا وبخلاف أهل العلم فهو مردود ، إن كان على وجه الاجتهاد ؛ فأما أن يتعقب قاض حكم قاض آخر فلا يجوز ذلك له لأن فيه مضرة عظمى من جهة نقض الأحكام ، وتبديل الحلال بالحرام ، وعدم ضبط قوانين الإسلام ، ولم يتعرض أحد من العلماء لنقض ما رواه الآخر ، وإنما كان يحكم بما ظهر له .
قال بعض الناس : إن داود - عليه السلام - لم يكن أنفذ الحكم وظهر له ما قال غيره . وقال آخرون لم يكن حكما وإنما كانت فتيا .
قلت : وهكذا تئول فيما رواه أبو هريرة عنه - عليه السلام - أنه قال : بينما امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب فذهب بابن إحداهما ، فقالت هذه لصاحبتها : إنما ذهب بابنك أنت . وقالت الأخرى : إنما ذهب بابنك ؛ فتحاكمتا إلى داود ، فقضى به للكبرى ؛ فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السلام فأخبرتاه ؛ فقال : ائتوني بالسكين أشقه بينكما ؛ فقالت الصغرى : لا - يرحمك الله - هو ابنها ؛ فقضى به للصغرى ؛ قال أبو هريرة : إن سمعت بالسكين قط إلا يومئذ ، ما كنا نقول إلا المدية ؛ أخرجه مسلم . فأما القول بأن ذلك من داود فتيا فهو ضعيف ؛ لأنه كان النبي - - صلى الله عليه وسلم - - وفتياه حكم . وأما القول الآخر فيبعد ؛ لأنه تعالى قال : إذ يحكمان في الحرث فبين أن كل واحد منهما كان قد حكم . وكذا قوله في الحديث : فقضى به للكبرى ؛ يدل على إنفاذ القضاء وإنجازه . ولقد أبعد من قال : إنه كان من شرع داود أن يحكم به للكبرى من حيث هي كبرى ؛ لأن الكبر والصغر طرد محض عند الدعاوى كالطول والقصر والسواد والبياض وذلك لا يوجب ترجيح أحد المتداعيين حتى يحكم له أو عليه لأجل ذلك . وهو مما يقطع به من فهم ما جاءت به الشرائع . والذي ينبغي أن يقال : إن داود - عليه السلام - إنما قضى به للكبرى لسبب اقتضى عنده ترجيح قولها . ولم يذكر في الحديث تعيينه إذ لم تدع حاجة إليه ، فيمكن أن الولد كان بيدها ، وعلم عجز الأخرى عن إقامة البينة ، فقضى به لها إبقاء لما كان على ما كان . وهذا التأويل أحسن ما قيل في هذا الحديث . وهو الذي تشهد له قاعدة الدعاوى الشرعية التي يبعد اختلاف الشرائع فيها . لا يقال : فإن كان داود قضى بسبب شرعي فكيف ساغ لسليمان نقض حكمه ؛ فالجواب : أن سليمان - عليه السلام - لم يتعرض لحكم أبيه بالنقض ، وإنما احتال حيلة لطيفة ظهر له بسببها صدق الصغرى ؛ وهي أنه لما قال : هات السكين أشقه بينكما ، قالت الصغرى : لا ؛ فظهر له من قرينة الشفقة في الصغرى ، وعدم ذلك في الكبرى ، مع ما عساه انضاف إلى ذلك من القرائن ما حصل له العلم بصدقها فحكم لها . ولعله كان ممن سوغ له أن يحكم بعلمه . وقد ترجم النسائي على هذا الحديث حكم الحاكم بعلمه . وترجم له أيضا ( السعة للحاكم أن يقول للشيء الذي لا يفعله أفعل ليستبين الحق ) . وترجم له أيضا ( نقض الحاكم لا يحكم به غيره ممن هو مثله أو أجل منه ) . ولعل الكبرى اعترفت بأن الولد للصغرى عندما رأت من سليمان الحزم والجد في ذلك ، فقضى بالولد للصغرى ؛ ويكون هذا كما إذا حكم الحاكم باليمين ، فلما مضى ليحلف حضر من استخرج من المنكر ما أوجب إقراره ، فإنه يحكم عليه بذلك الإقرار قبل اليمين وبعدها ، ولا يكون ذلك من باب نقض الحكم الأول ، لكن من باب تبدل الأحكام بحسب تبدل الأسباب . والله أعلم . وفي هذا الحديث من الفقه أن الأنبياء سوغ لهم الحكم بالاجتهاد ؛ وقد ذكرناه . وفيه من الفقه استعمال الحكام الحيل التي تستخرج بها الحقوق ، وذلك يكون عن قوة الذكاء والفطنة ، وممارسة أحوال الخلق ؛ وقد يكون في أهل التقوى فراسة دينية ، وتوسمات نورية ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء . وفيه الحجة لمن يقول : إن الأم تستلحق ؛ وليس مشهور مذهب مالك ، وليس هذا موضع ذكره . وعلى الجملة فقضاء سليمان في هذه القصة تضمنها مدحه تعالى له بقوله : ففهمناها سليمان .
قد تقدم القول في الحرث والحكم في هذه الواقعة في شرعنا : أن على أصحاب الحوائط حفظ حيطانهم وزروعهم بالنهار ، ثم الضمان في المثل بالمثليات ، وبالقيمة في ذوات القيم . والأصل في هذه المسألة في شرعنا ما حكم به نبينا - صلى الله عليه وسلم - في ناقة البراء بن عازب . رواه مالك عن ابن شهاب عن حرام بن سعد بن محيصة : أن ناقة للبراء دخلت حائط رجل فأفسدت فيه ، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن على أهل الحوائط حفظها بالليل ، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها . هكذا رواه جميع الرواة مرسلا . وكذلك رواه أصحاب ابن شهاب عن ابن شهاب ، إلا ابن عيينة فإنه رواه عن الزهري عن سعيد وحرام بن سعد بن محيصة : أن ناقة ؛ فذكر مثله بمعناه . ورواه ابن أبي ذئب عن ابن شهاب أنه بلغه أن ناقة البراء دخلت حائط قوم ؛ مثل حديث مالك سواء ، إلا أنه لم يذكر حرام بن سعد بن محيصة ولا غيره . قال أبو عمر : لم يصنع ابن أبي ذئب شيئا ؛ إلا أنه أفسد إسناده . ورواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن حرام بن محيصة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يتابع عبد الرزاق على ذلك وأنكروا عليه قوله عن أبيه . ورواه ابن جريج عن ابن شهاب قال : حدثني أبو أمامة بن سهل بن حنيف أن ناقة دخلت في حائط قوم فأفسدت ؛ فجعل الحديث لابن شهاب عن أبي أمامة ، ولم يذكر أن الناقة كانت للبراء . وجائز أن يكون الحديث عن ابن شهاب عن ابن محيصة ، وعن سعيد بن المسيب ، وعن أبي أمامة - والله أعلم - فحدث به عمن شاء منهم على ما حضره وكلهم ثقات . قال أبو عمر : وهذا الحديث وإن كان مرسلا فهو حديث مشهور أرسله الأئمة ، وحدث به الثقات ، واستعمله فقهاء الحجاز وتلقوه بالقبول ، وجرى في المدينة العمل به ، وحسبك باستعمال أهل المدينة وسائر أهل الحجاز لهذا الحديث .
ذهب مالك وجمهور الأئمة إلى القول بحديث البراء ، وذهب أبو حنيفة وأصحابه وجماعة من الكوفيين إلى أن هذا الحكم منسوخ ، وأن البهائم إذا أفسدت زرعا في ليل أو نهار أنه لا يلزم صاحبها شيء ، وأدخل فسادها في عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - : جرح العجماء جبار فقاس جميع أعمالها على جرحها . ويقال : إنه ما تقدم أبا حنيفة أحد بهذا القول ، ولا حجة له ولا لمن اتبعه في حديث العجماء ، وكونه ناسخا لحديث البراء ومعارضا له ؛ فإن النسخ شروطه معدومة ، والتعارض إنما يصح إذا لم يمكن استعمال أحدهما إلا بنفي الآخر ، وحديث العجماء جرحها جبار عموم متفق عليه ، ثم خص منه الزرع والحوائط بحديث البراء ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لو جاء عنه في حديث واحد : العجماء جرحها جبار نهارا لا ليلا وفي الزرع والحوائط والحرث ، لم يكن هذا مستحيلا من القول ؛ فكيف يجوز أن يقال في هذا : متعارض ؟ ! وإنما هذا من باب العموم والخصوص على ما هو مذكور في الأصول .
إن قيل : ما الحكمة في تفريق الشارع بين الليل والنهار ، وقد قال الليث بن سعد : يضمن أرباب المواشي بالليل والنهار كل ما أفسدت ، ولا يضمن أكثر من قيمة الماشية ؟ قلنا : الفرق بينهما واضح ، وذلك أن أهل المواشي لهم ضرورة إلى إرسال مواشيهم ترعى بالنهار ، والأغلب عندهم أن من عنده زرع يتعاهده بالنهار ويحفظه عمن أراده ، فجعل حفظ ذلك بالنهار على أهل الزروع ؛ لأنه وقت التصرف في المعاش ، كما قال الله سبحانه وتعالى : وجعلنا النهار معاشا فإذا جاء الليل فقد جاء الوقت الذي يرجع كل شيء إلى موضعه وسكنه ؛ كما قال الله تعالى : من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه وقال : وجعل الليل سكنا ويرد أهل المواشي مواشيهم إلى مواضعهم ليحفظوها ، فإذا فرط صاحب الماشية في ردها إلى منزله ، أو فرط في ضبطها وحبسها عن الانتشار بالليل حتى أتلفت شيئا فعليه ضمان ذلك ، فجرى الحكم على الأوفق الأسمح ، وكان ذلك أرفق بالفريقين ، وأسهل على الطائفتين ، وأحفظ للمالين ، وقد وضح الصبح لذي عينين ، ولكن لسليم الحاستين ؛ وأما قول الليث : لا يضمن أكثر من قيمة الماشية فقد قال أبو عمر : لا أعلم من أين قال هذا الليث بن سعد ، إلا أن يجعله قياسا على العبد الجاني لا يفتك بأكثر من قيمته ولا يلزم سيده في جنايته أكثر من قيمته ، وهذا ضعيف الوجه ؛ كما قال في ( التمهيد ) وفي ( الاستذكار ) فخالف الحديث في العجماء جرحها جبار وخالف ناقة البراء ، وقد تقدمه إلى ذلك طائفة من العلماء منهم عطاء . قال ابن جريج قلت لعطاء : الحرث تصيبه الماشية ليلا أو نهارا ؟ قال : يضمن صاحبها ويغرم . قلت : كان عليه حظرا أو لم يكن ؟ قال نعم ! يغرم . قلت : ما يغرم ؟ قال : قيمة ما أكل حماره ودابته وماشيته . وقال معمر عن ابن شبرمة : يقوم الزرع على حاله التي أصيب عليها دراهم . وروي عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز - رضي الله عنهما - : يضمن رب الماشية ليلا أو نهارا ، من طرق لا تصح .
قال مالك : ويقوم الزرع الذي أفسدت المواشي بالليل على الرجاء والخوف . قال : والحوائط التي تحرس والتي لا تحرس ، والمحظر عليها وغير المحظر سواء ، يغرم أهلها ما أصابت بالليل بالغا ما بلغ ، وإن كان أكثر من قيمتها . قال : وإن انفلتت دابة بالليل فوطئت على رجل نائم لم يغرم صاحبها شيئا ، وإنما هذا في الحائط والزرع والحرث ؛ ذكره عنه ابن عبد الحكم . وقال ابن القاسم : ما أفسدت الماشية بالليل فهو في مال ربها ، وإن كان أضعاف ثمنها ؛ لأن الجناية من قبله إذ لم يربطها ، وليست الماشية كالعبيد ؛ حكاه سحنون وأصبغ وأبو زيد عن ابن القاسم .
ولا يستأنى بالزرع أن ينبت أو لا ينبت كما يفعل في سن الصغير . وقال عيسى عن ابن القاسم : قيمته لو حل بيعه . وقال أشهب وابن نافع في المجموعة عنه : وإن لم يبد صلاحه . ابن العربي : والأول أقوى لأنها صفته فتقوم كما يقوم كل متلف على صفته .
لو لم يقض للمفسد له بشيء حتى نبت وانجبر فإن كان فيه قبل ذلك منفعة رعي أو شيء ضمن تلك المنفعة ، وإن لم تكن فيه منفعة فلا ضمان . وقال أصبغ : يضمن ؛ لأن التلف قد تحقق والجبر ليس من جهته فلا يعتد له به .
وقع في كتاب ابن سحنون أن الحديث إنما جاء في أمثال المدينة التي هي حيطان محدقة ، وأما البلاد التي هي زروع متصلة غير محظرة ، وبساتين كذلك ، فيضمن أرباب النعم ما أفسدت من ليل أو نهار ؛ كأنه ذهب إلى أن ترك تثقيف الحيوان في مثل هذه البلاد تعد ؛ لأنها ولا بد تفسد . وهذا جنوح إلى قول الليث .
قال أصبغ في المدينة : ليس لأهل المواشي أن يخرجوا مواشيهم إلى قرى الزرع بغير ذواد ؛ فركب العلماء على هذا أن البقعة لا تخلو أن تكون بقعة زرع ، أو بقعة سرح ، فإن كانت بقعة زرع فلا تدخلها ماشية إلا ماشية تجتاح ، وعلى أربابها حفظها ، وما أفسدت فصاحبها ضامن ليلا أو نهارا ؛ وإن كانت بقعة سرح فعلى صاحب الذي حرثه فيها حفظه ، ولا شيء على أرباب المواشي .
المواشي على قسمين : ضواري وحريسة وعليهما قسمها مالك . فالضواري هي المعتادة للزرع والثمار ، فقال مالك : تغرب وتباع في بلد لا زرع فيه ؛ رواه ابن القاسم في الكتاب وغيره . قال ابن حبيب : وإن كره ذلك ربها ، وكذلك قال مالك في الدابة التي ضريت في إفساد الزرع : تغرب وتباع . وأما ما يستطاع الاحتراس منه فلا يؤمر صاحبه بإخراجه .
قال أصبغ : النحل والحمام والإوز والدجاج كالماشية ، لا يمنع صاحبها من اتخاذها وإن ضريت ، وعلى أهل القرية حفظ زروعهم . قال ابن العربي : وهذه رواية ضعيفة لا يلتفت إليها من أراد أن يجد ما ينتفع به مما لا يضر بغيره مكن منه ، وأما انتفاعه بما يتخذه بإضراره بأحد فلا سبيل إليه . قال - عليه السلام - : لا ضرر ولا ضرار وهذه الضواري عن ابن القاسم في المدينة لا ضمان على أربابها إلا بعد التقدم . ابن العربي : وأرى الضمان عليهم قبل التقدم إذا كانت ضواري .
ذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الشعبي أن شاة وقعت في غزل حائك فاختصموا إلى شريح ، فقال الشعبي : انظروه فإنه سيسألهم ليلا وقعت فيه أو نهارا ؛ ففعل . ثم قال : إن كان بالليل ضمن ، وإن كان بالنهار لم يضمن ، ثم قرأ شريح إذ نفشت فيه غنم القوم قال : والنفش بالليل والهمل بالنهار .
قلت : ومن هذا الباب قوله - صلى الله عليه وسلم - : العجماء جرحها جبار الحديث . وقال ابن شهاب : والجبار الهدر ، والعجماء البهيمة ، قال علماؤنا : ظاهر قوله : العجماء جرحها جبار أن ما انفردت البهيمة بإتلافه لم يكن فيه شيء ، وهذا مجمع عليه . فلو كان معها قائد أو سائق أو راكب فحملها أحدهم على شيء فأتلفته لزمه حكم المتلف ؛ فإن كانت جناية مضمونة بالقصاص وكان الحمل عمدا كان فيه القصاص ولا يختلف فيه ؛ لأن الدابة كالآلة . وإن كان عن غير قصد كانت فيه الدية على العاقلة . وفي الأموال الغرامة في مال الجاني .
واختلفوا فيمن أصابته برجلها أو ذنبها ، فلم يضمن مالك والليث والأوزاعي صاحبها ، وضمنه الشافعي وابن أبي ليلى وابن شبرمة . واختلفوا في الضارية فجمهورهم أنها كغيرها ، ومالك وبعض أصحابه يضمنونه .
روى سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( الرجل جبار ) قال الدارقطني : لم يروه غير سفيان بن حسين ولم يتابع عليه ، وخالفه الحفاظ عن الزهري منهم مالك وابن عيينة ويونس ومعمر وابن جريج والزبيدي وعقيل وليث بن سعد ، وغيرهم كلهم رووه عن الزهري فقالوا : العجماء جبار والبئر جبار والمعدن جبار ولم يذكروا الرجل وهو الصواب . وكذلك روى أبو صالح السمان ، وعبد الرحمن الأعرج ، ومحمد بن سيرين ، ومحمد بن زياد وغيرهم عن أبي هريرة ، ولم يذكروا فيه والرجل جبار وهو المحفوظ عن أبي هريرة .
قوله : والبئر جبار قد روي موضعه ( والنار ) قال الدارقطني : حدثنا حمزة بن القاسم الهاشمي حدثنا حنبل بن إسحاق قال سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول في حديث عبد الرزاق : حديث أبي هريرة والنار جبار ليس بشيء لم يكن في الكتاب باطل ليس هو بصحيح . حدثنا محمد بن مخلد حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن هانئ قال سمعت أحمد بن حنبل يقول : أهل اليمن يكتبون النار النير ويكتبون البير ؛ يعني مثل ذلك . وإنما لقن عبد الرزاق النار جبار . وقال الرمادي : قال عبد الرزاق قال معمر لا أراه إلا وهما . قال أبو عمر : روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : النار جبار وقال يحيى بن معين : أصله البئر ولكن معمرا صحفه . قال أبو عمر : لم يأت ابن معين على قوله هذا بدليل ، وليس هكذا ترد أحاديث الثقات . ذكر وكيع عن عبد العزيز بن حصين عن يحيى بن يحيى الغساني قال : أحرق رجل سافي قراح له فخرجت شرارة من نار حتى أحرقت شيئا لجاره . قال : فكتب فيه إلى عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - ابن حصين فكتب إلي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : العجماء جبار ، وأرى أن النار جبار . وقد روي والسائمة جبار بدل العجماء فهذا ما ورد في ألفاظ هذا الحديث ولكل معنى لفظ صحيح مذكور في شرح الحديث وكتب الفقه .
قوله تعالى : وسخرنا مع داود الجبال يسبحن قال وهب : كان داود يمر بالجبال مسبحا والجبال تجاوبه بالتسبيح ، وكذلك الطير . وقيل كان داود إذا وجد فترة أمر الجبال فسبحت حتى يشتاق ؛ ولهذا قال : وسخرنا أي جعلناها بحيث تطيعه إذا أمرها بالتسبيح . وقيل : إن سيرها معه تسبيحها ، والتسبيح مأخوذ من السباحة ؛ دليله قوله تعالى : يا جبال أوبي معه . وقال قتادة : يسبحن يصلين معه إذا صلى ، والتسبيح الصلاة . وكل محتمل . وذلك فعل الله تعالى بها ؛ ذلك لأن الجبال لا تعقل فتسبيحها دلالة على تنزيه الله تعالى عن صفات العاجزين والمحدثين .
- الطبرى : فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ
وقوله (فَفهَّمْناها) يقول: ففهَّمنا القضية في ذلك (سُلَيْمانَ) دون داود ، ( وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ) يقول: وكلهم من داود وسليمان والرسل الذين ذكرهم في أوّل هذه السورة آتينا حكما وهو النبوة، وعلما: يعني وعلما بأحكام الله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب وهارون بن إدريس الأصمّ قالا ثنا المحاربيّ، عن أشعث، عن أبي إسحاق، عن مرّة، عن ابن مسعود، في قوله ( وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ) قال: كرم قد أنبت عناقيده فأفسدته، قال: فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم، فقال سليمان غير هذا يا نبيّ الله، قال: وما ذاك؟ قال: يدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها، حتى إذا كان الكرم كما كان دَفعت الكرم إلى صاحبه، ودَفعت الغنم إلى صاحبها، فذلك قوله ( فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ).
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ )... إلى قوله ( وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ) يقول: كنا لما حكما شاهدين، وذلك أن رجلين دخلا على داود، أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الحرث: إن هذا أرسل غنمه في حرثي، فلم يُبق من حرثي شيئا، فقال له داود: اذهب فإن الغنم كلها لك، فقضى بذلك داود، ومرّ صاحب الغنم بسليمان، فأخبره بالذي قضى به داود، فدخل سليمان على داود فقالا يا نبيّ الله إن القضاء سوى الذي قضيت، فقال: كيف؟ قال سليمان: إن الحرث لا يخفى على صاحبه ما يخرج منه في كل عام، فله من صاحب الغنم أن يبيع من أولادها وأصوافها وأشعارها حتى يستوفي ثمن الحرث، فإن الغنم لها نسل في كلّ عام، فقال داود: قد أصبت، القضاء كما قضيت، ففهَّمها الله سليمان.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن علي بن زيد، قال: ثني خليفة، عن ابن عباس قال: قضى داود بالغنم لأصحاب الحرث، فخرج الرُّعاة معهم الكلاب، فقال سليمان: كيف قضى بينكم؟ فأخبروه، فقال: لو وافيت أمركم لقضيت بغير هذا، فأُخبر بذلك داود، فدعاه فقال: كيف تقضي بينهم؟ قال: أدفع الغنم إلى أصحاب الحرث، فيكون لهم أولادها وألبانها وسلاؤها ومنافعها، ويبذر أصحاب الغنم لأهل الحرث مثل حرثهم، فإذا بلغ الحرث الذي كان عليه، أخذ أصحاب الحرث الحرث، وردّوا الغنم إلى أصحابها.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، قال: ثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله ( إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ) قال: أعطاهم داود رقاب الغنم بالحرث، وحكم سليمان بجزة الغنم وألبانها لأهل الحرث، وعليهم رعايتها على أهل الحرث، ويحرث لهم أهل الغنم حتى يكون الحرث كهيئته يوم أُكل، ثم يدفعونه إلى أهله ويأخذون غنمهم.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثني ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجاج بنحوه، إلا أنه قال: وعليهم رعيها.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن إسحاق، عن مرّة في قوله ( إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ) قال: كان الحرث نبتا، فنفشت فيه ليلا فاختصموا فيه إلى داود، فقضى بالغنم لأصحاب الحرث. فمرّوا على سليمان، فذكروا ذلك له، فقال: لا تُدفع الغنم فيصيبون منها، يعني أصحاب الحرث ويقوم هؤلاء على حرثهم، فإذا كان كما كان ردوا عليهم. فنـزلت ( فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ).
حدثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن مسروق، عن شريح، في قوله ( إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ) قال: كان النفْش ليلا وكان الحرث كرما، قال: فجعل داود الغنم لصاحب الكرم، قال: فقال سليمان: إن صاحب الكرم قد بقي له أصل أرضه وأصل كرمه، فاجعل له أصوافها وألبانها! قال: فهو قول الله ( فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ).
حدثنا ابن أبي زياد، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا إسماعيل، عن عامر، قال: جاء رجلان إلى شُرَيح، فقال أحدهما: إن شياه هذا قطعت غَزْلا لي، فقال شريح: نهارا أم ليلا؟ قال: إن كان نهارا فقد برئ صاحب الشياه، وإن كان ليلا فقد ضمن، ثم قرأ ( وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ) قال: كان النفش ليلا.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر، عن شريح بنحوه.
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي، عن شريح، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله ( وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ )... الآية، النفْش بالليل، والهَمَل بالنهار.
وذُكر لنا أن غنم القوم وقعت في زرع ليلا فُرفع ذلك إلى داود، فقضى بالغنم لأصحاب الزرع، فقال سليمان: ليس كذلك، ولكن له نسلها ورَسْلها وعوارضها وجُزازها، حتى إذا كان من العام المقبل كهيئته يوم أكل، دفعت الغنم إلى ربها وقبض صاحب الزرع زرعه، فقال الله ( فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ).
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قَتَادة والزهري ( إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ) قال: نفشت غنم في حرث قوم، قال الزهري: والنفش لا يكون إلا ليلا فقضى داود أن يأخذ الغنم، ففهمها الله سليمان، قال: فلما أخبر بقضاء داود، قال: لا ولكن خذوا الغنم، ولكم ما خرج من رسلها وأولادها وأصوافها إلى الحول.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، في قوله ( إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ) قال: في حرث قوم، قال معمر: قال الزهري: النفش لا يكون إلا بالليل، والهمل بالنهار، قال قَتادة: فقضى أن يأخذوا الغنم، ففهمها الله سليمان، ثم ذكر باقي الحديث نحو حديث عبد الأعلى.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ )... الآيتين، قال: انفلت غنم رجل على حرث رجل فأكلته، فجاء إلى داود، فقضى فيها بالغنم لصاحب الحرث بما أكلت، وكأنه رأى أنه وجه ذلك، فمرّوا بسليمان، فقال: ما قضى بينكم نبيّ الله؟ فأخبروه، فقال: ألا أقضي بينكما عسى أن ترضيا به؟ فقالا نعم. فقال: أما أنت يا صاحب الحرث، فخذ غنم هذا الرجل فكن فيها كما كان صاحبها، أصب من لبنها وعارضتها وكذا وكذا ما كان يصيب، وأحرث أنت يا صاحب الغنم حرث هذا الرجل، حتى إذا كان حرثه مثله ليلة نفشت فيه غنمك، فأعطه حرثه، وخذ غنمك، فذلك قول الله تبارك وتعالى ( وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ) وقرأ حتى بلغ قوله ( وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ).
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، في قوله ( إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ) قال: رعت.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: النفش: الرعية تحت الليل.
قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن حرام بن محيصة بن مسعود، قال: " دخلت ناقة للبراء بن عازب حائطا لبعض الأنصار فأفسدته، فرُفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ( إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ) فقضى على البراء بما أفسدته الناقة، وقال عَلى أصحَابِ المَاشِيةِ حِفْظُ المَاشِيَةِ باللَّيْلِ، وَعَلى أصحَابِ الحَوَائِطِ حِفْظُ حِيطانِهِمْ بالنَّهارِ".
قال الزهري: وكان قضاء داود وسليمان في ذلك أن رجلا دخلت ماشيته زرعا لرجل فأفسدته، ولا يكون النفوش إلا بالليل، فارتفعا إلى داود، فقضى بغنم صاحب الغنم لصاحب الزرع، فانصرفا فمرا بسليمان، فقال: بماذا قضى بينكما نبيّ الله؟ فقالا قضى بالغنم لصاحب الزرع، فقال: إن الحكم لعلى غير هذا، انصرفا معي! فأتى أباه داود، فقال: يا نبيّ الله، قضيت على هذا بغنمه لصاحب الزرع؟ قال نعم. قال: يا نبيّ الله، إن الحكم لعلى غير هذا، قال: وكيف يا بنيّ؟ قال: تدفع الغنم إلى صاحب الزرع، فيصيب من ألبانها وسمونها وأصوافها، وتدفع الزرع إلى صاحب الغنم يقوم عليه، فإذا عاد الزرع إلى حاله التي أصابته الغنم عليها، ردّت الغنم على صاحب الغنم، وردّ الزرع إلى صاحب الزرع، فقال داود: لا يقطع الله فمك، فقضى بما قضى سليمان، قال الزهري: فذلك قوله ( وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ )... إلى قوله ( حُكْمًا وَعِلْمًا ).
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، وعليّ بن مجاهد، عن محمد بن إسحاق، قال: فحدثني من سمع الحسن يقول: كان الحكم بما قضى به سليمان، ولم يعنف الله داود في حكمه.
وقوله ( وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ) يقول تعالى ذكره: وسخرنا مع داود الجبال، والطير يسبحن معه إذا سبح.
وكان قَتادة يقول في معنى قوله ( يُسَبِّحْنَ ) في هذا الموضع ما حدثنا به بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ) : أي يصلين مع داود إذا صلى.
وقوله ( وَكُنَّا فَاعِلِينَ ) يقول: وكنا قد قضينا أنا فاعلو ذلك، ومسخرو الجبال والطير في أمّ الكتاب مع داود عليه الصلاة والسلام.
- ابن عاشور : فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ
فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)
وقوله تعالى : { وكلاً آتينا حكماً وعلماً } ومقتضى وقوع الحُكمين في قضية واحدة وفي وقت واحد ، إذ أن الحُكمين لم يكونا عن وحي من الله وأنهما إنما كانا عن علم أُوتيه داوود وسليمان ، فذلك من القضاء بالاجتهاد . وهو جار على القول الصحيح من جواز الاجتهاد للأنبياء ولنبينا عليهم الصلاة والسلام ووقوعِه في مختلف المسائل .
وقد كان قضاء داوود حقاً لأنه مستند إلى غرْم الأضرار على المتسببين في إهمال الغنم ، وأصل الغرْم أن يكون تعويضاً ناجزاً فكان ذلك القضاء حقاً . وحسبك أنه موافق لما جاءت به السنة في إفساد المواشي .
وكان حكم سليمان حقاً لأنه مستند إلى إعطاء الحق لذويه مع إرفاق المحقوقين باستيفاء مالهم إلى حين فهو يشبه الصلح . ولعل أصحاب الغنم لم يكن لهم سواها كما هو الغالب ، وقَد رضي الخصمان بحكم سليمان لأن الخصمين كانا من أهل الإنصاف لا من أهل الاعتساف ، ولو لم يرضيا لكان المصير إلى حكم داوود إذ ليس الإرفاق بواجب .
ونظير ذلك قضاء عمر بن الخطاب على محمد بن مسلمة بأن يمر الماء من ( العُرَيض ) على أرضه إلى أرض الضحاك بن خليفة وقال لمحمد بن مسلمة : لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع؟ فقال محمد : لا والله ، فقال عمر : والله ليَمرنّ به ولو على بَطنك ، ففعل الضحاك .
وذلك أن عمر علم أنهما من أهل الفضل وأنهما يرضيان لما عزم عليهما ، فكان قضاء سليمان أرجح .
وتشبه هذه القضية قضاءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الزبير والأنصاري في السقي من ماء شراج الحَرّة إذ قضى أول مرة بأن يُمسك الزبيرُ الماء حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل الماء إلى جاره ، فلما لم يرض الأنصاري قضى رسول الله بأن يمسك الزبير الماء حتى يبلغ الجَدر ثم يُرسل ، فاستوفى للزبير حقه .
وإنما ابتدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالأرفق ثم لما لم يرض أحد الخصمين قضى بينهما بالفصل ، فكان قضاء النبي مبتدأ بأفضل الوجهين على نحو قضاء سليمان .
فمعنى قوله تعالى : { ففهمناها سليمان } أنه ألهمهُ وجهاً آخر في القضاء هو أرجح لما تقتضيه صيغة التفهيم من شدة حصول الفعل أكثر من صيغة الإفهام ، فدل على أن فهم سليمان في القضية كان أعمق . وذلك أنه أرفقُ بهما فكانت المسألة مما يتجاذبه دليلان فيصار إلى الترجيح ، والمرجحات لا تنحصر ، وقد لا تبدو للمجتهد ، والله تعالى أراد أن يظهر علم سليمان عند أبيه ليزداد سروره به ، وليتعزى على مَن فقده من أبنائه قبل ميلاد سليمان . وحسبك أنّه الموافق لقضاء النبي في قضية الزبير ، وللاجتهادات مجال في تعارض الأدلة .
وهذه الآية أصل في اختلاف الاجتهاد ، وفي العمل بالراجح ، وفي مراتب الترجيح ، وفي عذر المجتهد إذا أخطأ الاجتهاد أو لم يهتد إلى المُعارض لقوله تعالى : { وكلاً آتينا حكماً وعلماً } في معرض الثناء عليهما .
وفي بقية القصة ما يصلح لأن يكون أصلاً في رجوع الحاكم عن حكمه ، كما قال ابن عطية وابن العربي؛ إلا أن ذلك لم تتضمنه الآية ولا جاءت به السنّة الصحيحة ، فلا ينبغي أن يكون تأصيلاً وأن ما حَاولاه من ذلك غفلة .
وإضافة ( حكم ) إلى ضمير الجمع باعتبار اجتماع الحاكمين والمتحاكمين .
وتأنيث الضمير في قوله { ففهمناها ، } ولم يتقدم لفظ معاد مؤنث اللفظ ، على تأويل الحكم في قوله تعالى : { لحكمهم } بمعنى الحكومة أو الخصومة .
وجملة { وكلاً آتينا حكماً وعلماً } تذييل للاحتراس لدفع توهم أن حكم داوود كان خطأ أو جوراً وإنما كان حكم سليمان أصوب .
وتقدمت ترجمة داوود عليه السلام عند قوله تعالى : { وآتينا داوود زبورا } في [ سورة النساء : 163 ] ، وقوله تعالى : { ومن ذريته داوود } في [ سورة الأنعام : 84 ].
وتقدمت ترجمة سليمان عليه السلام عند قوله تعالى : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان } في [ سورة البقرة : 102 ]. >> { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الجبال يُسَبِّحْنَ والطير وَكُنَّا فاعلين } هذه مزية اختصّ بها داوود وهي تسخير الجبال له وهو الذي بينته جملة { يُسَبّحنْ } فهي إما بيان لجملة { سخرنا } أو حال مبينة . وذكرها هنا استطراد وإدماج .
{ والطير } عطف على { الجبال } أو مفعول معه ، أي مع الطير يعني طير الجبال .
و { مع } ظرف متعلق بفعل { يسبحن ، } وقُدم على متعلّقه للاهتمام به لإظهار كرامة داوود ، فيكون المعنى : أن داوود كان إذا سبح بين الجبال سمع الجبالَ تسبّح مثل تسبيحه . وهذا معنى التأويب في قوله في الآية الأخرى : { يا جبال أوبي معه } [ سبأ : 10 ] إذ التأويب الترجيع ، مشتق من الأوب وهو الرجوع . وكذلك الطير إذا سمعت تسبيحه تغرّد تغريداً مثل تسبيحه وتلك كلها معجزة له .
ويتعين أن يكون هذا التسخير حاصلاً له بعد أن أُوتي النبوءة كما يقتضيه سياق تعداده في عداد ما أوتيه الأنبياء من دلائل الكرامة على الله ، ولا يعرف لداوود بعد أن أُوتي النبوءة مزاولة صعود الجبال ولا الرعي فيها وقد كان من قبل النبوءة راعياً . فلعل هذا التسخير كان أيام سياحته في جبل برية ( زيف ) الذي به كهف كان يأوي إليه داوود مع أصحابه الملتفّين حوله في تلك السياحة أيام خروجه فاراً من الملك شاول ( طالوت ) حين تنكر له شاول بوشاية بعض حُساد داوود ، كما حكي في الإصحاحين 23 24 من سفر صمويل الأول . وهذا سرّ التعبير ب ( مع ) متعلقةً بفعل { سخرنا } هنا . وفي آية سورة ص إشارة إلى أنه تسخير متابعة لا تسخير خدمة بخلاف قوله الآتي { ولسليمان الريح } [ الأنبياء : 81 ] إذ عدي فعل التسخير الذي نابَت عنه واو العطف بلام الملك . وكذلك جاء لفظ ( مع ) في آية [ سورة سبأ : 10 ] { يا جبال أوبي معه } وفي هذا التسخير للجبال والطير مع كونه معجزة له كرامة وعناية من الله به إذ آنسه بتلك الأصوات في وحدته في الجبال وبعده عن أهله وبلده .
وجملة وكنا فاعلين } معترضة بين الإخبار عما أوتيه داوود . وفاعل هنا بمعنى قادر ، لإزالة استبعاد تسبيح الجبال والطير معه . وفي اجتلاب فعل الكون إشارة إلى أن ذلك شأن ثابت لله من قبل ، أي وكنا قادرين على ذلك .
- إعراب القرآن : فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ
«فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ» الفاء عاطفة وماض وفاعله ومفعولاه والجملة معطوفة على ما سبق «وَكُلًّا» الواو عاطفة ومفعول به أول لآتينا «آتَيْنا» فعل ماض وفاعله «حُكْماً» مفعول به ثان لآتينا «وَعِلْماً» معطوف على حكما والجملة معطوفة على ما سبق «وَسَخَّرْنا» الواو استئنافية وماض وفاعله والجملة مستأنفة «مَعَ» ظرف متعلق بسخرنا «داوُدَ» مضاف إليه ممنوع من الصرف «الْجِبالَ» مفعول به لسخرنا «يُسَبِّحْنَ» مضارع مبني على السكون لا تصاله بنون النسوة والنون فاعل والجملة حال من الجبال «وَالطَّيْرَ» معطوف على الجبال أو مفعول معه «وَكُنَّا» كان واسمها «فاعِلِينَ» خبر والجملة معطوفة.
- English - Sahih International : And We gave understanding of the case to Solomon and to each [of them] We gave judgement and knowledge And We subjected the mountains to exalt [Us] along with David and [also] the birds And We were doing [that]
- English - Tafheem -Maududi : فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ(21:79) At that time We guided Solomon to the right decision, though We had bestowed wisdom and knowledge upon both of them. *70
- Français - Hamidullah : Nous la fîmes comprendre à Salomon Et à chacun Nous donnâmes la faculté de juger et le savoir Et Nous asservîmes les montagnes à exalter Notre Gloire en compagnie de David ainsi que les oiseaux Et c'est Nous qui sommes le Faiseur
- Deutsch - Bubenheim & Elyas : Und Wir ließen Sulaiman es begreifen Und allen gaben Wir Urteilskraft und Wissen Und Wir machten die Berge zusammen mit Dawud dienstbar daß sie Uns preisen und auch die Vögel Wir taten es wirklich
- Spanish - Cortes : Hicimos comprender a Salomón de qué se trataba Dimos a cada uno juicio y ciencia Sujetamos junto con David las montañas y las aves para que glorificaran Nosotros hicimos eso
- Português - El Hayek : E fizemos Salomão compreender a causa E dotamos ambos de prudência e sabedoria E submetemos a ele e a Davi asmontanhas e os pássaros para que Nos glorificassem E fomos Nós o Autor
- Россию - Кулиев : Мы помогли Сулейману Соломону разобраться в этом и даровали им обоим власть мудрость или пророчество и знание Мы подчинили горы и птиц для того чтобы они славили Нас вместе с Давудом Давидом Мы это сделали
- Кулиев -ас-Саади : فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ
Мы помогли Сулейману (Соломону) разобраться в этом и даровали им обоим власть (мудрость или пророчество) и знание. Мы подчинили горы и птиц для того, чтобы они славили Нас вместе с Давудом (Давидом). Мы это сделали.Аллах помог Сулейману правильно разобраться именно в этом вопросе, однако это никоим образом не свидетельствует о том, что все остальные решения пророка Давуда были несовершенными. Именно поэтому Аллах поведал о том, что каждому из них были дарованы знание и умение выносить правильные решения. Все это свидетельствует о том, что правитель может принимать правильные решения, но может ошибаться. Однако он не заслуживает порицания за допущенные ошибки, если старался найти истину. Затем Всевышний Аллах более подробно поведал о достоинствах, которыми обладал каждый из двух пророков. Давуд был одним из самых набожных рабов Аллаха и часто поминал, восхвалял и возвеличивал своего Господа. Аллах одарил его прекрасным и нежным голосом, которого не удостаивался ни один другой человек. И когда он восхвалял или возвеличивал Аллаха, даже горы, птицы и животные вторили ему. Воистину, это было проявлением Божьей милости по отношению к этому пророку.
- Turkish - Diyanet Isleri : Süleyman'a bu meselenin hükmünü bildirmiştik; her birine hüküm ve ilim verdik Davud ile beraber tesbih etsinler diye dağları ve kuşları buyruk altına aldık Bunları Biz yapmıştık
- Italiano - Piccardo : Facemmo sì che Salomone comprendesse [correttamente] Demmo ad entrambi saggezza e scienza Costringemmo le montagne a rendere gloria insieme con Davide e gli uccelli insieme Siamo Noi che lo abbiamo fatto
- كوردى - برهان محمد أمين : جا ئێمه چارهسهری کێشهکهمان له سولهیمان گهیاند بهڵام ههریهکه لهم باوک و کوڕه بههرهوهرمان کردبوو له حیکمهت و دانایی وعیلم و زانستی ههروهها باڵندهو چیاکانیشمان لهگهڵ داودا ملکهچ وفهرمانبهردار کردبوو ههمووان پێکهوه تهسبیحات و ستایشی ئێمهیان دهکرد ئێمهش ئهوهمان کرد
- اردو - جالندربرى : تو ہم نے فیصلہ کرنے کا طریق سلیمان کو سمجھا دیا۔ اور ہم نے دونوں کو حکم یعنی حکمت ونبوت اور علم بخشا تھا۔ اور ہم نے پہاڑوں کو داود کا مسخر کردیا تھا کہ ان کے ساتھ تسبیح کرتے تھے اور جانوروں کو بھی مسخر کردیا تھا اور ہم ہی ایسا کرنے والے تھے
- Bosanski - Korkut : i učinismo da Sulejman pronikne u to a obojici smo mudrost i znanje dali I potčinismo planine i ptice da s Davudom Allaha hvale; to smo Mi bili kadri učiniti
- Swedish - Bernström : Fastän Vi hade gett Salomo en djupare förståelse av saken hade Vi gett båda visdom och kunskap Och Vi befallde bergen och fåglarna att tillsammans med David lovprisa Oss Vi har makt att göra detta
- Indonesia - Bahasa Indonesia : maka Kami telah memberikan pengertian kepada Sulaiman tentang hukum yang lebih tepat; dan kepada masingmasing mereka telah Kami berikan hikmah dan ilmu dan telah Kami tundukkan gununggunung dan burungburung semua bertasbih bersama Daud Dan kamilah yang melakukannya
- Indonesia - Tafsir Jalalayn : فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ
(Maka Kami telah memberikan pengertian tentang hukum) yakni keputusan yang adil dan tepat (kepada Sulaiman) keputusan yang dilakukan oleh keduanya itu berdasarkan ijtihad masing-masing, kemudian Nabi Daud mentarjihkan atau menguatkan keputusan yang diambil oleh Nabi Sulaiman. Menurut suatu pendapat dikatakan, bahwa keputusan keduanya itu berdasarkan wahyu dari Allah dan keputusan yang kedua yaitu yang telah diambil oleh Nabi Sulaiman berfungsi memansukh hukum yang pertama, yakni hukum Nabi Daud (dan kepada masing-masing) daripada keduanya (Kami berikan) kepadanya (hikmah) kenabian (dan ilmu) tentang masalah-masalah agama (dan telah Kami tundukkan gunung-gunung dan burung-burung, semua bertasbih bersama Daud) demikianlah gunung-gunung dan burung-burung itu ditundukkan untuk bertasbih bersama Nabi Daud. Nabi Daud memerintahkan gunung-gunung dan burung-burung untuk ikut bertasbih bersamanya bila ia mengalami kelesuan, hingga ia menjadi semangat lagi dalam bertasbih. (Dan Kamilah yang melakukannya) yakni Kamilah yang menundukkan keduanya dapat bertasbih bersama Daud, sekalipun hal ini menurut kalian merupakan hal yang ajaib dan aneh yaitu tunduk dan patuhnya gunung-gunung dan burung-burung kepada perintah Nabi Daud.
- বাংলা ভাষা - মুহিউদ্দীন খান : অতঃপর আমি সুলায়মানকে সে ফায়সালা বুঝিয়ে দিয়েছিলাম এবং আমি উভয়কে প্রজ্ঞা ও জ্ঞান দিয়েছিলাম। আমি পর্বত ও পক্ষীসমূহকে দাউদের অনুগত করে দিয়েছিলাম; তারা আমার পবিত্রতা ও মহিমা ঘোষণা করত। এই সমস্ত আমিই করেছিলাম।
- தமிழ் - ஜான் டிரஸ்ட் : அப்போது நாம் ஸுலைமானுக்கு அதை தீர்ப்பின் நியாயத்தை விளங்க வைத்தோம்; மேலும் அவ்விருவருக்கும் ஞானத்தையும் நற்கல்வியையும் கொடுத்தோம்; இன்னும் நாம் தாவூதுக்கு மலைகளையும் பறவைகளையும் வசப்படுத்திக் கொடுத்தோம்; அவை தாவூதுடன் தஸ்பீஹ் செய்து கொண்டிருந்தன இவற்றை யெல்லாம் நாமே செய்தோம்
- ภาษาไทย - ภาษาไทย : ดังนั้น เราได้ดลใจให้สุลัยมานเข้าใจการตัดสินนั้น และเราได้ให้ความเฉลียวฉลาดและวิชาความรู้ที่หลักแหลมแก่แต่ละคน และเราได้ทำให้ภูเขาและนกแซ่ซร้องสดุดีร่วมกับดาวูด และเราเป็นผู้กระทำสิ่งเหล่านี้
- Uzbek - Мухаммад Содик : Бас Биз уни Сулаймонга фаҳмлатдик Уларнинг ҳар бирига ҳукмни ва илмни берган эдик Довуд билан бирга тасбиҳ айтсин деб тоғларни ва қушларни бўйинсундириб қўйдик Шуларни қилгувчи бўлган Бизмиз
- 中国语文 - Ma Jian : 我使素莱曼知道怎样判决。每一个我都赏赐了智慧和学识。 我使群山和众鸟随从达五德一道赞颂我。我曾经做过那件事了。
- Melayu - Basmeih : Maka Kami beri Nabi Sulaiman memahami hukum yang lebih tepat bagi masalah itu; dan masingmasing dari mereka berdua Kami berikan hikmat kebijaksanaan dan ilmu yang banyak; dan Kami mudahkan gunungganang dan unggas memuji Kami bersamasama dengan Nabi Daud; dan adalah Kami berkuasa melakukan semuanya itu
- Somali - Abduh : Waxaana Fahansiinay Sulaymaan Dhammaanna waxaan Siinay Xukun iyo Cilmi waxaana u Sakhirray Daawuud Buuraha iyagoo la Tasbiixsan iyo Shimbiraha waana Fallaa karraa
- Hausa - Gumi : Sai Muka fahimtar da ita mats'alar ga Sulaiman Kuma dukansu Mun bã su hukunci da ilmi kuma Muka hõre duwatsu tãre da Dãwũda sunã tasbĩhi da tsuntsãye Kuma Mun kasance Mãsu aikatãwa
- Swahili - Al-Barwani : Tukamfahamisha Suleiman Na kila mmoja wao tulimpa hukumu na ilimu Na tuliifanya milima na ndege kuwa pamoja na Daud imnyenyekee na imtakase Mwenyezi Mungu Na Sisi ndio tulio fanya hayo
- Shqiptar - Efendi Nahi : E Na ia mësuam Sulejmanit gjykimin dhe dyve u dhamë mençuri e dijeni Na kemi nënshtruar malet dhe shpendët që bashkë me Dautin ta lavdërojnë Perëndinë këtë Ne kemi fuqi ta bëjmë
- فارسى - آیتی : و اين شيوه داورى را به سليمان آموختيم و همه را حكم و علم داديم و كوهها را مسخّر داود گردانيديم كه آنها و پرندگان با او تسبيح مىگفتند و اين همه ما كرديم.
- tajeki - Оятӣ : Ва ин шеваи довариро ба Сулаймон омӯхтем ва ҳамаро ҳукму илм додем ва кӯҳҳоро мутеъи Довуд гардонидем, ки онҳо ва паррандагон бо ӯ тасбеҳ мегуфтанд ва ин ҳама Мо кардем.
- Uyghur - محمد صالح : قانداق ھۆكۈم قىلىشنى بىز سۇلايمانغا بىلدۈردۇق، تەسبىھ ئېيتىشقا مۇسەخخەر قىلدۇق، (شۇنداق قىلىشقا) بىز قادىر ئىدۇق
- Malayalam - ശൈഖ് മുഹമ്മദ് കാരകുന്ന് : അന്നേരം സുലൈമാന്ന് നാം കാര്യത്തിന്റെ നിജസ്ഥിതി മനസ്സിലാക്കിക്കൊടുത്തു. അവരിരുവര്ക്കും നാം തത്ത്വബോധവും അറിവും നല്കി. ദാവൂദിനോടൊപ്പം, ദൈവത്തെ കീര്ത്തനം ചെയ്യുന്ന പര്വതങ്ങളെയും പറവകളെയും നാം അധീനപ്പെടുത്തിക്കൊടുത്തു. നാമാണിതൊക്കെ ചെയ്തുകൊണ്ടിരുന്നത്.
- عربى - التفسير الميسر : ففهمنا سليمان مراعاه مصلحه الطرفين مع العدل فحكم على صاحب الغنم باصلاح الزرع التالف في فتره يستفيد فيها صاحب الزرع بمنافع الغنم من لبن وصوف ونحوهما ثم تعود الغنم الى صاحبها والزرع الى صاحبه لمساواه قيمه ما تلف من الزرع لمنفعه الغنم وكلا من داود وسليمان اعطيناه حكما وعلما ومننا على داود بتطويع الجبال تسبح معه اذا سبح وكذلك الطير تسبح وكنا فاعلين ذلك
*70) There is no mention of this event in the Bible nor in the Jewish literature. According to the Muslim commentators, it happened like this: The goats of one person entered into the field of another person at night. The latter brought his complaint to Prophet David who decided that the strayed goats should be given to the owner of the field. Prophet Solomon, however, differed with this and opined that the goats should remain with the owner of the field up to the time that the former tilled and prepared the field as before. In regard to this Allah says, "We led Solomon to the right decision". As regards the legal aspect of the matter we cannot say with certainty what is the Islamic law in such a case nor is there any Tradition of the Holy Prophet to explain or support it. That is why the jurists have differed about it.
It should, however, be noted that in this context, the incident has been cited to show that the Prophets were after all human beings in spite of their Godgiven powers and abilities. In this case, Prophet David committed an error of judgment because he was not guided by AIIah as was Prophet Solomon, though both of them were Prophets. In the succeeding passage the wonderful powers of both have been mentioned to show that they were God-given and did not snake anyone a god.
Incidentally, we learn froth this verse that if two judges give different decisions about one and the same case, both of them will be regarded as righteous, though the decision of only one of them will be correct, provided that both are duly qualified for sitting in judgement on the case. The Holy Prophet has stated the same principle more elaborately. In a Tradition of Bukhari, he is reported by 'Amar bin 'As to have said, "If a judge does his very best to arrive at the right decision, he will get a double reward in case of a right judgment and a single reward if his judgment is wrong." According to another Tradition, cited by Abu Da'ud and Ibn Majah, on the authority of Buraidah, he is reported to have said, "Judges are of three kinds and only one of them will go to Paradise: the one who recognizes the Truth and decides according to it. On the other hand, the one who recognizes the Truth but gives his decision against it, will go to Hell, and he too, who sits in judgment on a case without the necessary knowledge (and competence). "