- عربي - نصوص الآيات عثماني : إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا
- عربى - نصوص الآيات : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان ۖ إنه كان ظلوما جهولا
- عربى - التفسير الميسر : إنا عرضنا الأمانة -التي ائتمن الله عليها المكلَّفين من امتثال الأوامر واجتناب النواهي- على السموات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها، وخفن أن لا يقمن بأدائها، وحملها الإنسان والتزم بها على ضعفه، إنه كان شديد الظلم والجهل لنفسه.
- السعدى : إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا
يعظم تعالى شأن الأمانة، التي ائتمن اللّه عليها المكلفين، التي هي امتثال الأوامر، واجتناب المحارم، في حال السر والخفية، كحال العلانية، وأنه تعالى عرضها على المخلوقات العظيمة، السماوات والأرض والجبال، عرض تخيير لا تحتيم، وأنك إن قمت بها وأدَّيتِهَا على وجهها، فلك الثواب، وإن لم تقومي بها، [ولم تؤديها] فعليك العقاب.
{ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا } أي: خوفًا أن لا يقمن بما حُمِّلْنَ، لا عصيانًا لربهن، ولا زهدًا في ثوابه، وعرضها اللّه على الإنسان، على ذلك الشرط المذكور، فقبلها، وحملها مع ظلمه وجهله، وحمل هذا الحمل الثقيل. فانقسم الناس -بحسب قيامهم بها وعدمه- إلى ثلاثة أقسام:
منافقون، أظهروا أنهم قاموا بها ظاهرًا لا باطنًا، ومشركون، تركوها ظاهرًا وباطنًا، ومؤمنون، قائمون بها ظاهرًا وباطنًا.
- الوسيط لطنطاوي : إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا
ثم بين - سبحانه - ضخامة التبعة التى حملها الإِنسان فقال : ( إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان . . ) .
وأرجح الأقوال وأجمعها فى المراد بالأمانة هنا : أنها التكاليف والفرائض الشرعية التى كلف الله - تعالى - بها عباده ، من إخلاص فى العبادة ، ومن أداء للطاعات ، ومن محافظة على آداب هذا الدين وشعائره وسننه .
وسمى - سبحانه - ما كلفنا به أمانة ، لأن هذه التكاليف حقوق أمرنا - سبحانه - بها ، وائتمننا عليها ، وأوجب علينا مراعاتها والمحافظة عليها ، وأداءها بدون إخلال بشئ منها .
والمراد بالإِنسان : آدم - عليه السلام - أو جنس الإِنسان .
والمراد بحمله إياها : تقبله لحمل هذه التكاليف والأوامر والنواهى مع ثقلتها وضخامتها .
وللعلماء فى تفسير هذه الآية اتجاهات ، فمنهم من يرى أن الكلام على حقيقته ، وأن الله - تعالى - قد عرض هذه التكاليف الشرعية المعبر عنها بالأمانة ، على السماوات والأرض والجبال ( فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا ) لثقلها وضخامتها ( وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ) أى : وخفن من عواقب حملها أن ينشأ لهن من ذلك ما يؤدى بهن إلى عذاب الله وسخطه بسبب التقصير فى أداء ما كلفن بأدائه .
( وَحَمَلَهَا الإنسان ) أى : وقبل الإِنسان حمل هذه الأمانة عند عرضها عليه ، بعد أن أبت السماوات والأرض والجبال حملها ، وأشفقن منها .
( إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) أى : إنه كان مفرطا فى ظلمه لنفسه ، ومبالغة فى الجهل ، لأن هذا الجنس من الناس لم يلتزموا جميعا بأداء ما كلفهم الله - تعالى - بأدائه . وإنما منهم من أداها على وجهها - وهم الأقلون - ، ومنهم من لم يؤدها وإنما عصى ما أمره به ربه ، وخان الأمانة التى التزم بأدائها .
فالضمير فى قوله ( إِنَّهُ ) يعود على بعض أفراد جنس الإِنسان ، وهم الذين لم يؤدوا حقوق هذه الأمانة التى التزموا بحملها .
قال الآلوسى : ( إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) أى : بحسب غالب أفراده الذين لم يعملوا بموجب فطرتهم السليمة ، دون من عداهم من الذين لم يعملوا بموجب فطرتهم السليمة ، دون من عداهم من الذين لم يبدلوا فطرة الله ويكفى فى صدق الحكم على الجنس بشئ ، وجوده فى بعض أفراده ، فضلا عن وجوده فى غالبها . .
وقال بعض العلماء : ورجوع الضمير إلى مجرد اللفظ دون اعتبار المعنى التفصيلى معروف فى اللغة التى نزل بها القرآن .
وقد جاء فعلا فى آية من كتاب الله ، وهى قوله - تعالى - : ( وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ . . . )
لأن الضمير فى قوله : ( وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ ) راجع إلى لفظ المعمر دون معناه التفصيلى ، كما هو ظاهر .
وهذه المسألة هى المعروفة عند علماء العربية بمسألة : عندى درهم ونصفه . أى : ونصف درهم آخر .
وأصحاب هذا الاتجاه يقولون : لا مانع إطلاقا من أن يخلق الله - تعالى - إدراكا ونطقا للسموات والأرض والجبال ، ولكن هذا الإِدراك والنطق لا يعلمه إلا هو - سبحانه - .
ومما يشهد لذلك قوله - تعالى - : ( تُسَبِّحُ لَهُ السماوات السبع والأرض وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ) قال الجمل : وكان هذا العرض عليهن - أى على السماوات والأرض والجبال تخييرا لا إلزاما ، ولو ألزمهن لم يمتنعن عن حملها . والجمادات كلها خاضعة لله - تعالى - مطيعة لأمره ، ساجدة له .
قال بعض أهل العلم : ركب الله - تعالى - فيهن العقل والفهم حين عرض عليهن الأمانة ، حتى عقلن الخطاب ، وأجبن بما أجبن .
ويرى بعضهم أن العرض فى الآية الكريمة من قبيل ضرب المثل ، أو من قبيل المجاز .
قال الإِمام القرطبى ما ملخصه : لما بين - تعالى - فى هذه السورة من الأكحام ما بين ، أم بالتزام أوامره ، والأمانة تعم جميع وظائف الدين ، على الصحيح من الأقوال ، وهو قول الجمهور . .
ويصح أن يكون عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال على سبيل الحقيقة .
وقال القفال وغيره : العرض فى هذه الآية ضرب مثل ، أى : أن السماوات والأرض والجبال على كبر أجرامها ، لو كانت بحيث يجوز تكليفها ، لثقل عليها تقلد الشرائع ، لما فيها من الثواب والعقاب .
أى : أن التكليف أمر حقه أن تعجز عنه السماوات والأرض والجبال ، وقد حمله الإِنسان وهو ظلوم جهول لو عقل . وهذا كقوله : ( لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرآن على جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ الله . . . ) وقال قوم : إن الآية من المجاز : أى : أنا إذا قايسنا ثقل الأمانة بقوة السماوات والأرض والجبال ، رأينا أنها لا تطيقها ، وأنها لو تكلمت لأبت وأشفقت ، فَعُبِّر عن هذا بعرض الأمانة . كما تقول : عرضت الحمل على البعير فأباه ، وأنت تريد : قايست قوته بثقل الحمل فرأيت أنها تقصر عنه . .
وقيل : ( عَرَضْنَا ) يعنى عارضنا الأمانة بالسموات والأرض والجبال ، فضعفت هذه الأشياء عن الأمانة . ورجحت الأمانة بثقلها عليها . . .
ويبدو لنا أن حمل الكلام على الحقيقة أولى بالقبول ، لأنه ما دام لم يوجد مانع يمنع منه ، فلا داعى لصرفه عن ذلك .
ومما لا شك أن قدرة الله - تعالى - لا يعجزها أن تخلق فى السماوات والأرض ولاجبال إدراكا وتمييزا ونطقا لا يعلمه إلا هو - سبحانه - .
- البغوى : إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا
قوله - عز وجل - : ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال ) الآية . أراد بالأمانة الطاعة والفرائض التي فرضها الله على عباده ، عرضها على السماوات والأرض والجبال على أنهم إن أدوها أثابهم وإن ضيعوها عذبهم ، وهذا قول ابن عباس .
وقال ابن مسعود : الأمانة : أداء الصلوات ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت ، وصدق الحديث ، وقضاء الدين ، والعدل في المكيال والميزان ، وأشد من هذا كله الودائع .
وقال مجاهد : الأمانة : الفرائض ، وقضاء الدين .
وقال أبو العالية : ما أمروا به ونهوا عنه
وقال زيد بن أسلم : هو الصوم ، والغسل من الجنابة ، وما يخفى من الشرائع .
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : أول ما خلق الله من الإنسان فرجه وقال : هذه أمانة استودعتكها ، فالفرج أمانة ، والأذن أمانة ، والعين أمانة ، واليد أمانة ، والرجل أمانة ، ولا إيمان لمن لا أمانة له .
وقال بعضهم : هي أمانات الناس والوفاء بالعهود ، فحق على كل مؤمن أن لا يغش مؤمنا ولا معاهدا في شيء قليل ولا كثير ، وهي رواية الضحاك عن ابن عباس ، فعرض الله هذه الأمانة على أعيان السماوات والأرض والجبال ، هذا قول ابن عباس وجماعة من التابعين وأكثر السلف ، فقال لهن أتحملن هذه الأمانة بما فيها ؟ قلن : وما فيها ؟ قال : إن أحسنتن جوزيتن وإن عصيتن عوقبتن ، فقلن : لا يا ربنا ، نحن مسخرات لأمرك لا نريد ثوابا ولا عقابا ، وقلن ذلك خوفا وخشية وتعظيما لدين الله أن لا يقوموا بها لا معصية ولا مخالفة ، وكان العرض عليهن تخييرا لا إلزاما ولو ألزمهن لم يمتنعن من حملها ، والجمادات كلها خاضعة لله - عز وجل - مطيعة ساجدة له كما قال جل ذكره للسماوات والأرض : " ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " ( فصلت - 11 ) ، وقال للحجارة : " وإن منها لما يهبط من خشية الله " ( البقرة - 74 ) ، وقال تعالى : " ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب " ( الحج - 18 ) الآية .
وقال بعض أهل العلم : ركب الله - عز وجل - فيهن العقل والفهم حين عرض الأمانة عليهن حتى عقلن الخطاب وأجبن بما أجبن .
وقال بعضهم : المراد من العرض على السماوات والأرض هو العرض على أهل السماوات والأرض ، عرضها على من فيها من الملائكة .
وقيل : على أهلها كلها دون أعيانها ، كقوله تعالى : " واسأل القرية " ( يوسف - 82 ) ، أي : أهل القرية . والأول أصح وهو قول العلماء .
( فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ) أي : خفن من الأمانة أن لا يؤدينها فيلحقهن العقاب ( وحملها الإنسان ) يعني : آدم عليه السلام ، فقال الله لآدم : إني عرضت الأمانة على السماوات والأرض والجبال فلم تطقها فهل أنت آخذها بما فيها ؟ قال : يا رب وما فيها ؟ قال إن أحسنت جوزيت ، وإن أسأت عوقبت ، فتحملها آدم ، وقال : بين أذني وعاتقي ، قال الله تعالى : أما إذا تحملت فسأعينك ، اجعل لبصرك حجابا فإذا خشيت أن تنظر إلى ما لا يحل لك فأرخ عليه حجابه ، واجعل للسانك لحيين غلقا فإذا غشيت فأغلق ، واجعل لفرجك لباسا فلا تكشفه على ما حرمت عليك .
قال مجاهد : فما كان بين أن تحملها وبين أن خرج من الجنة إلا مقدار ما بين الظهر والعصر
وحكى النقاش بإسناده عن ابن مسعود أنه قال : مثلت الأمانة كصخرة ملقاة ، ودعيت السماوات والأرض والجبال إليها فلم يقربوا منها ، وقالوا : لا نطيق حملها ، وجاء آدم من غير أن يدعى ، وحرك الصخرة ، وقال : لو أمرت بحملها لحملتها ، فقلن له : احملها ، فحملها إلى ركبتيه ثم وضعها ، وقال والله لو أردت أن أزداد لزدت ، فقلن له : احملها فحملها إلى حقوه ، ثم وضعها ، وقال : والله لو أردت أن أزداد لزدت ، فقلن له احمل فحملها حتى وضعها على عاتقه ، فأراد أن يضعها فقال الله : مكانك فإنها في عنقك وعنق ذريتك إلى يوم القيامة . ( إنه كان ظلوما جهولا ) قال ابن عباس : ظلوما لنفسه جهولا بأمر الله وما احتمل من الأمانة .
وقال الكلبي : ظلوما حين عصى ربه ، جهولا لا يدري ما العقاب في ترك الأمانة . وقال مقاتل : ظلوما لنفسه جهولا بعاقبة ما تحمل .
وذكر الزجاج وغيره من أهل المعاني ، في قوله وحملها الإنسان قولان ، فقالوا : إن الله ائتمن آدم وأولاده على شيء وائتمن السماوات والأرض والجبال على شيء ، فالأمانة في حق بني آدم ما ذكرنا في الطاعة والقيام بالفرائض ، والأمانة في حق السماوات والأرض والجبال هي الخضوع والطاعة لما خلقهن له . وقيل : قوله : ( فأبين أن يحملنها ) أي : أدين الأمانة ، يقال : فلان لم يتحمل الأمانة أي : لم يخن فيها وحملها الإنسان أي : خان فيها ، يقال : فلان حمل الأمانة أي : أثم فيها بالخيانة .
قال الله تعالى : " وليحملن أثقالهم " ( العنكبوت - 13 ) ، إنه كان ظلوما جهولا . حكي عن الحسن على هذا التأويل : أنه قال وحملها الإنسان يعني الكافر والمنافق ، حملا الأمانة أي : خانا . وقول السلف ما ذكرنا .
- ابن كثير : إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا
قال العوفي ، عن ابن عباس : يعني بالأمانة : الطاعة ، وعرضها عليهم قبل أن يعرضها على آدم ، فلم يطقنها ، فقال لآدم : إني قد عرضت الأمانة على السماوات والأرض والجبال فلم يطقنها ، فهل أنت آخذ بما فيها ؟ قال : يا رب ، وما فيها ؟ قال : إن أحسنت جزيت ، وإن أسأت عوقبت . فأخذها آدم فتحملها ، فذلك قوله : ( وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ) .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، الأمانة : الفرائض ، عرضها الله على السماوات والأرض والجبال ، إن أدوها أثابهم . وإن ضيعوها عذبهم ، فكرهوا ذلك وأشفقوا من غير معصية ، ولكن تعظيما لدين الله ألا يقوموا بها ، ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها ، وهو قوله : ( وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ) يعني : غرا بأمر الله .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية : ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ) قال : عرضت على آدم فقال : خذها بما فيها ، فإن أطعت غفرت لك ، وإن عصيت عذبتك . قال : قبلت ، فما كان إلا قدر ما بين العصر إلى الليل من ذلك اليوم ، حتى أصاب الخطيئة .
وقد روى الضحاك ، عن ابن عباس ، قريبا من هذا . وفيه نظر وانقطاع بين الضحاك وبينه ، والله أعلم . وهكذا قال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، والحسن البصري ، وغير واحد : [ ألا ] إن الأمانة هي الفرائض .
وقال آخرون : هي الطاعة .
وقال الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق [ قال ] : قال أبي بن كعب : من الأمانة أن المرأة اؤتمنت على فرجها .
وقال قتادة : الأمانة : الدين والفرائض والحدود .
وقال بعضهم : الغسل من الجنابة .
وقال مالك ، عن زيد بن أسلم قال : الأمانة ثلاثة : الصلاة ، والصوم ، والاغتسال من الجنابة .
وكل هذه الأقوال لا تنافي بينها ، بل هي متفقة وراجعة إلى أنها التكليف ، وقبول الأوامر والنواهي بشرطها ، وهو أنه إن قام بذلك أثيب ، وإن تركها عوقب ، فقبلها الإنسان على ضعفه وجهله وظلمه ، إلا من وفق الله ، وبالله المستعان .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد العزيز بن المغيرة [ البصري ] ، حدثنا حماد بن واقد - يعني : أبا عمر الصفار - سمعت أبا معمر - يعني : عون بن معمر - يحدث عن الحسن - يعني : البصري - أنه تلا هذه الآية : ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال ) قال : عرضها على السبع الطباق الطرائق التي زينت بالنجوم ، وحملة العرش العظيم ، فقيل لها : هل تحملين الأمانة وما فيها ؟ قالت : وما فيها ؟ قال : قيل لها : إن أحسنت جزيت ، وإن أسأت عوقبت . قالت : لا . ثم عرضها على الأرضين السبع الشداد ، التي شدت بالأوتاد ، وذللت بالمهاد ، قال : فقيل لها : هل تحملين الأمانة وما فيها ؟ قالت : وما فيها ؟ قال : قيل لها : إن أحسنت جزيت ، وإن أسأت عوقبت . قالت : لا . ثم عرضها على الجبال الشم الشوامخ الصعاب الصلاب ، قال : قيل لها : هل تحملين الأمانة وما فيها ؟ قالت : وما فيها ؟ قال : قيل لها : إن أحسنت جزيت ، وإن أسأت عوقبت . قالت : لا .
وقال مقاتل بن حيان : إن الله حين خلق خلقه ، جمع بين الإنس والجن ، والسماوات والأرض والجبال ، فبدأ بالسماوات فعرض عليهن الأمانة وهي الطاعة ، فقال لهن : أتحملن هذه الأمانة ، ولكن على الفضل والكرامة والثواب في الجنة . . . ؟ فقلن : يا رب ، إنا لا نستطيع هذا الأمر ، وليست بنا قوة ، ولكنا لك مطيعين . ثم عرض الأمانة على الأرضين ، فقال لهن : أتحملن هذه الأمانة وتقبلنها مني ، وأعطيكن الفضل والكرامة ؟ فقلن : لا صبر لنا على هذا يا رب ولا نطيق ، ولكنا لك سامعين مطيعين ، لا نعصيك في شيء تأمرنا به . ثم قرب آدم فقال له : أتحمل هذه الأمانة وترعاها حق رعايتها ؟ فقال عند ذلك آدم : ما لي عندك ؟ قال : يا آدم ، إن أحسنت وأطعت ورعيت الأمانة ، فلك عندي الكرامة والفضل وحسن الثواب في الجنة . وإن عصيت ولم ترعها حق رعايتها وأسأت ، فإني معذبك ومعاقبك وأنزلك النار . قال : رضيت [ يا ] رب . وتحملها ، فقال الله عز وجل : قد حملتكها . فذلك قوله : ( وحملها الإنسان ( . رواه ابن أبي حاتم .
وعن مجاهد أنه قال : عرضها على السماوات فقالت : يا رب ، حملتني الكواكب وسكان السماء وما ذكر ، وما أريد ثوابا ولا أحمل فريضة . قال : وعرضها على الأرض فقالت : يا رب ، غرست في الأشجار ، وأجريت في الأنهار وسكان الأرض وما ذكر ، وما أريد ثوابا ولا أحمل فريضة . وقالت الجبال مثل ذلك ، قال الله تعالى : ( وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا )
في عاقبة أمره . وهكذا قال ابن جريج .وعن ابن أشوع أنه قال : لما عرض الله عليهن حمل الأمانة ، ضججن إلى الله ثلاثة أيام ولياليهن ، وقلن : ربنا . لا طاقة لنا بالعمل ، ولا نريد الثواب .
ثم قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء الموصلي ، حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم في هذه الآية : ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال ) [ الآية ] ، فقال الإنسان : بين أذني وعاتقي فقال الله تعالى : إني معينك عليها ، أي : معينك على عينيك بطبقتين ، فإذا نازعاك إلى ما أكره فأطبق . ومعينك على لسانك بطبقتين ، فإذا نازعك إلى ما أكره فأطبق . ومعينك على فرجك بلباس ، فلا تكشفه إلى ما أكره .
ثم روي عن أبي حازم نحو هذا .
وقال ابن جرير : حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قول الله ، عز وجل : ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ) قال : إن الله عرض عليهن الأمانة أن يفترض عليهن الدين ، ويجعل لهن ثوابا وعقابا ، ويستأمنهن على الدين . فقلن : لا نحن مسخرات لأمرك ، لا نريد ثوابا ولا عقابا . قال : وعرضها الله على آدم فقال : بين أذني وعاتقي . قال ابن زيد : فقال الله تعالى له : أما إذ تحملت هذا فسأعينك ، أجعل لبصرك حجابا ، فإذا خشيت أن تنظر إلى ما لا يحل لك فأرخ عليه حجابه ، وأجعل للسانك بابا وغلقا ، فإذا خشيت فأغلق ، وأجعل لفرجك لباسا فلا تكشفه إلا على ما أحللت لك .
وقال ابن جرير : حدثني سعيد بن عمرو السكوني ، حدثنا بقية ، حدثنا عيسى بن إبراهيم ، عن موسى بن أبي حبيب ، عن الحكم بن عمير - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الأمانة والوفاء نزلا على ابن آدم مع الأنبياء ، فأرسلوا به ، فمنهم رسول الله ، ومنهم نبي ، ومنهم نبي رسول ، ونزل القرآن وهو كلام الله ، ونزلت العربية والعجمية ، فعلموا أمر القرآن وعلموا أمر السنن بألسنتهم ، ولم يدع الله شيئا من أمره مما يأتون وما يجتنبون وهي الحجج عليهم ، إلا بينه لهم . فليس أهل لسان إلا وهم يعرفون الحسن والقبيح ، ثم الأمانة أول شيء يرفع ويبقى أثرها في جذور قلوب الناس ، ثم يرفع الوفاء والعهد والذمم وتبقى الكتب ، فعالم يعمل ، وجاهل يعرفها وينكرها ولا يحملها ، حتى وصل إلي وإلى أمتي ، ولا يهلك على الله إلا هالك ، ولا يغفله إلا تارك . فالحذر أيها الناس ، وإياكم والوسواس الخناس ، فإنما يبلوكم أيكم أحسن عملا .
هذا حديث غريب جدا ، وله شواهد من وجوه أخرى .
ثم قال ابن جرير : حدثنا محمد بن خلف العسقلاني ، حدثنا عبد الله بن عبد المجيد الحنفي ، أخبرنا أبو العوام القطان ، حدثنا قتادة ، وأبان بن أبي عياش ، عن خليد العصري ، عن أبي الدرداء ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خمس من جاء بهن يوم القيامة مع إيمان دخل الجنة : من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن ، وأعطى الزكاة من ماله طيب النفس بها - وكان يقول ، وايم الله لا يفعل ذلك إلا مؤمن - [ وصام رمضان ، وحج البيت إن استطاع إلى ذلك سبيلا ] ، وأدى الأمانة " . قالوا : يا أبا الدرداء ، وما أداء الأمانة ؟ قال : الغسل من الجنابة ، فإن الله لم يأمن ابن آدم على شيء من دينه غيره .
وهكذا رواه أبو داود عن محمد بن عبد الرحمن العنبري ، عن أبي علي عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي ، عن أبي العوام عمران بن داور القطان ، به .
وقال ابن جرير أيضا : حدثنا تميم بن المنتصر ، أخبرنا إسحاق ، عن شريك ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن السائب ، عن زاذان ، عن عبد الله بن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها - أو قال : يكفر كل شيء - إلا الأمانة ، يؤتى بصاحب الأمانة فيقال له : أد أمانتك . فيقول : أنى يا رب وقد ذهبت الدنيا ؟ فيقال له : أد أمانتك . فيقول : أنى يا رب ، وقد ذهبت الدنيا ؟ فيقال له : أد أمانتك . فيقول : أنى يا رب وقد ذهبت الدنيا ؟ فيقول : اذهبوا به إلى أمه الهاوية . فيذهب به إلى الهاوية ، فيهوي فيها حتى ينتهي إلى قعرها ، فيجدها هنالك كهيئتها ، فيحملها فيضعها على عاتقه ، فيصعد بها إلى شفير جهنم ، حتى إذا رأى أنه قد خرج زلت فهوى في أثرها أبد الآبدين " . وقال : والأمانة في الصوم ، والأمانة في الوضوء ، والأمانة في الحديث ، وأشد ذلك الودائع . فلقيت البراء فقلت : ألا تسمع إلى ما يقول أخوك عبد الله ؟ فقال : صدق .
قال شريك : وحدثنا عياش العامري ، عن زاذان ، عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه . ولم يذكر : " الأمانة في الصلاة وفي كل شيء " . إسناده جيد ، ولم يخرجوه .
ومما يتعلق بالأمانة الحديث الذي رواه الإمام أحمد :
حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن حذيفة قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر ، حدثنا " أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة " . ثم حدثنا عن رفع الأمانة ، فقال : " ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه ، فيظل أثرها مثل أثر [ الوكت ، فتقبض الأمانة من قلبه ، فيظل أثرها مثل أثر ] المجل كجمر دحرجته [ على رجلك ، تراه منتبرا وليس فيه شيء " . قال : ثم أخذ حصى فدحرجه ] على رجله ، قال : " فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة ، حتى يقال : إن في بني فلان رجلا أمينا ، حتى يقال للرجل : ما أجلده وأظرفه وأعقله . وما في قلبه حبة من خردل من إيمان . ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت ، إن كان مسلما ليردنه علي دينه ، وإن كان نصرانيا أو يهوديا ليردنه علي ساعيه ، فأما اليوم فما كنت أبايع منكم إلا فلانا وفلانا " .
وأخرجاه في الصحيحين من حديث الأعمش ، به .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد الحضرمي ، عن عبد الله بن عمرو ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا : حفظ أمانة ، وصدق حديث ، وحسن خليقة ، وعفة طعمة " .
هكذا رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص .
وقد قال الطبراني في مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب : حدثني يحيى بن أيوب العلاف المصري ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، عن ابن حجيرة ، عن عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا : حفظ أمانة ، وصدق حديث ، وحسن خليقة ، وعفة طعمة " . فزاد في الإسناد : " ابن حجيرة " ، وجعله من مسند ابن عمر . وقد ورد النهي عن الحلف بالأمانة ، قال عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق الشيباني ، عن خناس بن سحيم - أو قال : جبلة بن سحيم - قال : أقبلت مع زياد بن حدير من الجابية فقلت في كلامي : لا والأمانة . فجعل زياد يبكي ويبكي ، فظننت أني أتيت أمرا عظيما ، فقلت له : أكان يكره هذا ؟ قال : نعم . كان عمر بن الخطاب ينهى عن الحلف بالأمانة أشد النهي .
وقد ورد في ذلك حديث مرفوع ، قال أبو داود : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، حدثنا زهير ، حدثنا الوليد بن ثعلبة الطائي ، عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حلف بالأمانة فليس منا " ، تفرد به أبو داود ، رحمه الله .
- القرطبى : إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا
قوله تعالى : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا
لما بين تعالى في هذه السورة من الأحكام ما بين ، أمر بالتزام أوامره . والأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال ، وهو قول الجمهور . روى الترمذي الحكيم أبو عبد الله : حدثنا إسماعيل بن نصر عن صالح بن عبد الله عن محمد بن يزيد بن جوهر عن الضحاك عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قال الله تعالى لآدم يا آدم إني عرضت الأمانة على السماوات والأرض فلم تطقها فهل أنت حاملها بما فيها فقال وما فيها يا رب قال إن حملتها أجرت وإن ضيعتها عذبت فاحتملها بما فيها فلم يلبث في الجنة إلا قدر ما بين صلاة الأولى إلى العصر حتى أخرجه الشيطان منها ) . فالأمانة هي الفرائض التي ائتمن الله عليها العباد . وقد اختلف في تفاصيل بعضها على أقوال ; فقال ابن مسعود : هي في أمانات الأموال كالودائع وغيرها . وروي عنه أنها في كل الفرائض ، وأشدها أمانة المال . وقال أبي بن كعب : من الأمانة أن ائتمنت المرأة على فرجها . وقال أبو الدرداء : غسل الجنابة أمانة ، وأن الله تعالى لم يأمن ابن آدم على شيء من دينه غيرها . وفي حديث مرفوع الأمانة الصلاة إن شئت قلت قد صليت وإن شئت قلت لم أصل . وكذلك الصيام وغسل الجنابة . وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : أول ما خلق الله تعالى من الإنسان فرجه وقال هذه أمانة استودعتكها ، فلا تلبسها إلا بحق . فإن حفظتها حفظتك ، فالفرج أمانة ، والأذن أمانة ، والعين أمانة ، واللسان أمانة ، والبطن أمانة ، واليد أمانة ، والرجل أمانة ، ولا إيمان لمن لا أمانة له . وقال السدي : هي ائتمان آدم ابنه قابيل على ولده وأهله ، وخيانته إياه في قتل أخيه . وذلك أن الله تعالى قال له : ( يا آدم ، هل تعلم أن لي بيتا في الأرض ) قال : ( اللهم لا ) قال : ( فإن لي بيتا بمكة فأته ) فقال للسماء : احفظي ولدي بالأمانة ؟ فأبت ، وقال للأرض : احفظي ولدي بالأمانة فأبت ، وقال للجبال كذلك فأبت . فقال لقابيل : احفظ ولدي بالأمانة ، فقال نعم ، تذهب وترجع فتجد ولدك كما يسرك . فرجع فوجده قد قتل أخاه ، فذلك قوله تبارك وتعالى : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها . الآية . وروى معمر عن الحسن أن الأمانة عرضت على السماوات والأرض والجبال ، قالت : وما فيها ؟ قيل لها : إن أحسنت جوزيت وإن أسأت عوقبت . فقالت لا . قال مجاهد : فلما خلق الله تعالى آدم عرضها عليه ، قال : وما هي ؟ قال : إن أحسنت أجرتك وإن أسأت عذبتك . قال : فقد تحملتها يا رب . قال مجاهد : فما كان بين أن تحملها إلى أن أخرج من الجنة إلا قدر ما بين الظهر والعصر .
وروى علي بن طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال قال : الأمانة الفرائض ، عرضها الله عز وجل على السماوات والأرض والجبال ، إن أدوها أثابهم ، وإن ضيعوها عذبهم . فكرهوا ذلك وأشفقوا من غير معصية ، ولكن تعظيما لدين الله عز وجل ألا يقوموا به . ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها . قال النحاس : وهذا القول هو الذي عليه أهل التفسير . وقيل : لما حضرت آدم صلى الله عليه وسلم الوفاة أمر أن يعرض الأمانة على الخلق ، فعرضها فلم يقبلها إلا بنوه . وقيل : هذه الأمانة هي ما أودعه الله تعالى في السماوات والأرض والجبال والخلق ، من الدلائل على ربوبيته أن يظهروها فأظهروها ، إلا الإنسان فإنه كتمها وجحدها ; قاله بعض المتكلمين . ومعنى عرضنا أظهرنا ، كما تقول : عرضت الجارية على البيع . والمعنى إنا عرضنا الأمانة وتضييعها على أهل السماوات وأهل الأرض من الملائكة والإنس والجن فأبين أن يحملنها أي أن يحملن وزرها ، كما قال جل وعز : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم . وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا . وحملها الإنسان قال الحسن : المراد الكافر والمنافق . إنه كان ظلوما لنفسه جهولا بربه . فيكون على هذا الجواب مجازا ، مثل : واسأل القرية . وفيه جواب آخر على أن يكون حقيقة أنه عرض على السماوات والأرض والجبال الأمانة وتضييعها وهي الثواب والعقاب ، أي أظهر لهن ذلك فلم يحملن وزرها ، وأشفقت وقالت : لا أبتغي ثوابا ولا عقابا ، وكل يقول : هذا أمر لا نطيقه ، ونحن لك سامعون ومطيعون فيما أمرن به وسخرن له ، قال الحسن وغيره . قال العلماء : معلوم أن الجماد لا يفهم ولا يجيب ، فلا بد من تقدير الحياة على القول الأخير . وهذا العرض عرض تخيير لا إلزام . والعرض على الإنسان إلزام . وقال القفال وغيره : العرض في هذه الآية ضرب مثل ، أي أن السماوات والأرض على كبر أجرامها ، لو كانت بحيث يجوز تكليفها لثقل عليها تقلد الشرائع ، لما فيها من الثواب والعقاب ، أي أن التكليف أمر حقه أن تعجز عنه السماوات والأرض والجبال ، وقد كلفه الإنسان وهو ظلوم جهول لو عقل . وهذا كقوله : لو أنزلنا هذا القرآن على جبل - ثم قال : - وتلك الأمثال نضربها للناس .
قال القفال : فإذا تقرر في أنه تعالى يضرب الأمثال ، وورد علينا من الخبر ما لا يخرج إلا على ضرب المثل ، وجب حمله عليه . وقال قوم : إن الآية من المجاز ، أي إنا إذا قايسنا ثقل الأمانة بقوة السماوات والأرض والجبال ، رأينا أنها لا تطيقها ، وأنها لو تكلمت لأبت وأشفقت ، فعبر عن هذا المعنى بقوله . إنا عرضنا الأمانة الآية . وهذا كما تقول : عرضت الحمل على البعير فأباه ، وأنت تريد قايست قوته بثقل الحمل ، فرأيت أنها تقصر عنه . وقيل : عرضنا بمعنى عارضنا الأمانة بالسماوات والأرض والجبال فضعفت هذه الأشياء عن الأمانة ، ورجحت الأمانة بثقلها عليها . وقيل : إن عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال ، إنما كان من آدم عليه السلام . وذلك أن الله تعالى لما استخلفه على ذريته ، وسلطه على جميع ما في الأرض من الأنعام والطير والوحش ، وعهد إليه عهدا أمره فيه ونهاه وحرم وأحل ، فقبله ولم يزل عاملا به . فلما أن حضرته الوفاة سأل الله أن يعلمه من يستخلف بعده ، ويقلده من الأمانة ما تقلده ، فأمره أن يعرض ذلك على السماوات بالشرط الذي أخذ عليه من الثواب إن أطاع ومن العقاب إن عصى ، فأبين أن يقبلنه شفقا من عذاب الله . ثم أمره أن يعرض ذلك على الأرض والجبال كلها فأبياه . ثم أمره أن يعرض ذلك على ولده فعرضه عليه فقبله بالشرط ، ولم يهب منه ما تهيبت السماوات والأرض والجبال . إنه كان ظلوما لنفسه جهولا بعاقبة ما تقلد لربه . قال الترمذي الحكيم أبو عبد الله محمد بن علي : عجبت من هذا القائل من أين أتى بهذه القصة ! فإن نظرنا إلى الآثار وجدناها بخلاف ما قال ، وإن نظرنا إلى ظاهره وجدناه بخلاف ما قال ، وإن نظرنا إلى باطنه وجدناه بعيدا مما قال ! وذلك أنه ردد ذكر الأمانة ولم يذكر ما الأمانة ، إلا أنه يومئ في مقالته إلى أنه سلطه على جميع ما في الأرض ، وعهد الله إليه عهدا فيه أمره ونهيه وحله وحرامه ، وزعم أنه أمره أن يعرض ذلك على السماوات والأرض والجبال ; فما تصنع السماوات والأرض والجبال بالحلال والحرام ؟ وما التسليط على الأنعام والطير والوحش ! وكيف إذا عرضه على ولده فقبله في أعناق ذريته من بعده . وفي مبتدأ الخبر في التنزيل أنه عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال حتى ظهر الإباء منهم ، ثم ذكر أن الإنسان حملها ، أي من قبل نفسه لا أنه حمل ذلك ، فسماه ظلوما أي لنفسه ، جهولا بما فيها .
وأما الآثار التي هي بخلاف ما ذكر ، فحدثني أبي رحمه الله قال حدثنا الفيض بن الفضل الكوفي حدثنا السري بن إسماعيل عن عامر الشعبي عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال : لما خلق الله الأمانة مثلها صخرة ، ثم وضعها حيث شاء ، ثم دعا لها السماوات والأرض والجبال ليحملنها ، وقال لهن : إن هذه الأمانة ، ولها ثواب وعليها عقاب ; قالوا : يا رب ، لا طاقة لنا بها ; وأقبل الإنسان من قبل أن يدعى فقال للسماوات والأرض والجبال : ما وقوفكم ؟ قالوا : دعانا ربنا أن نحمل هذه فأشفقنا منها ولم نطقها ; قال : فحركها بيده وقال : والله لو شئت أن أحملها لحملتها ; فحملها حتى بلغ بها إلى ركبتيه ، ثم وضعها وقال : والله لو شئت أن أزداد لازددت ; قالوا : دونك ! فحملها حتى بلغ بها حقويه ، ثم وضعها وقال : والله لو شئت أن أزداد لازددت ; قالوا : دونك ، فحملها حتى وضعها على عاتقه ، فلما أهوى ليضعها ، قالوا : مكانك ! إن هذه الأمانة ، ولها ثواب وعليها عقاب ، وأمرنا ربنا أن نحملها فأشفقنا منها ، وحملتها أنت من غير أن تدعى لها ، فهي في عنقك وفي أعناق ذريتك إلى يوم القيامة ، إنك كنت ظلوما جهولا . وذكر أخبارا عن الصحابة والتابعين تقدم أكثرها . وحملها الإنسان أي التزم القيام بحقها ، وهو في ذلك ظلوم لنفسه . وقال قتادة : للأمانة ، جهول بقدر ما دخل فيه . وهذا تأويل ابن عباس وابن جبير . وقال الحسن : جهول بربه . قال : ومعنى ( حملها ) خان فيها . وقال الزجاج : والآية في الكافر والمنافق والعصاة على قدرهم على هذا التأويل . وقال ابن عباس وأصحابه والضحاك وغيره : الإنسان آدم ، تحمل الأمانة فما تم له يوم حتى عصى المعصية التي أخرجته من الجنة . وعن ابن عباس أن الله تعالى قال له : أتحمل هذه الأمانة بما فيها . قال وما فيها ؟ قال : إن أحسنت جزيت وإن أسأت عوقبت . قال : أنا أحملها بما فيها بين أذني وعاتقي . فقال الله تعالى له : إني سأعينك ، قد جعلت لبصرك حجابا فأغلقه عما لا يحل لك ، ولفرجك لباسا فلا تكشفه إلا على ما أحللت لك . وقال قوم : الإنسان النوع كله . وهذا حسن مع عموم الأمانة كما ذكرناه أولا . وقال السدي : الإنسان قابيل . فالله أعلم .
- الطبرى : إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا
القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا (72)
اختلف أهل التأويل في معنى ذلك فقال بعضهم: معناه: إن الله عرض طاعته وفرائضه على السموات والأرض والجبال على أنها إن أحسنت أثيبت وجوزيت، وإن ضيعت عوقبت، فأبت حملها شفقًا منها أن لا تقوم بالواجب عليها، وحملها آدم (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا) لنفسه (َجُهولا) بالذي فيه الحظ له.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم عن أَبي بشر عن سعيد بن جبير في قوله ( إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ) قال: الأمانة: الفرائض التي افترضها الله على العباد.
قال: ثنا هشيم عن العوام عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس في قوله ( إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا ) قال: الأمانة الفرائض التي افترضها الله على عباده.
قال: ثنا هشيم قال أخبرنا العوام بن حوشب وجويبر (1) كلاهما عن الضحاك عن ابن عباس في قوله (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ ...) إلى قوله: (جَهُولا) قال: الأمانة الفرائض. قال جويبر في حديثه: فلما عرضت على آدم قال: أي رب وما الأمانة؟ قال: قيل: إن أديتها جزيت، وإن ضيعتها عوقبت، قال: أي رب حملتها بما فيها، قال: فما مكث في الجنة إلا قدر ما بين العصر إلى غروب الشمس حتى عمل بالمعصية، فأخرج منها.
حدثنا ابن بشار قال ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة عن أَبي بشر عن سعيد عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ) قال: عرضت على آدم، فقال: خذها بما فيها فإن أطعت غفرت لك وإن عصيت عذبتك، قال: قد قبلت، فما كان إلا قدر ما بين العصر إلى الليل من ذلك اليوم حتى أصاب الخطيئة.
حدثني علي قال: ثنا أَبو صالح قال: ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله: ( إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ ) إن أدوها أثابهم وإن ضيعوها عذبهم، فكرهوا ذلك، وأشفقوا من غير معصية، ولكن تعظيما لدين الله أن لا يقوموا بها، ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها، وهو قوله: ( وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا ) غرًّا بأمر الله.
حدثني محمد بن سعد قال: ثني أَبى قال: ثني عمي قال: ثني أَبي عن أبيه عن ابن عباس قوله (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ) : الطاعة عرضها عليها قبل أن يعرضها على آدم، فلم تطقها، فقال لآدم: يا آدم إني قد عرضت الأمانة على السموات والأرض والجبال، فلم تطقها، فهل أنت آخذها بما فيها؟ فقال: يا رب: وما فيها؟ قال: إن أحسنت جزيت وإن أسأت عوقبت، فأخذها آدم فتحملها فذلك قوله ( وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا ) .
حدثنا ابن بشار قال: ثنا أَبو أحمد الزبيري قال: ثنا سفيان عن رجل عن الضحاك بن مزاحم في قوله ( إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا ) قال: آدم قيل له خذها بحقها قال وما حقها؟ قيل: إن أحسنت جزيت وإن أسأت عوقبت، فما لبث ما بين الظهر والعصر حتى أخرج منها.
حُدثت عن الحسين قال سمعت أبا معاذ يقول أخبرنا عبيد قال سمعت الضحاك يقول في قوله: ( إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ ) فلم يطقن حملها فهل أنت يا آدم آخذها بما فيها؟ قال آدم وما فيها يا رب؟ قال: إن أحسنت جزيت وإن أسأت عوقبت فقال: تحملتها، فقال الله تبارك وتعالى: قد حملتكها، فما مكث آدم إلا مقدار ما بين الأولى إلى العصر حتى أخرجه إبليس لعنه الله من الجنة، والأمانة الطاعة.
حدثني سعيد بن عمرو السكوني قال ثنا بقية قال ثني عيسى بن إبراهيم عن موسى بن أبي حبيب عن الحكم بن عمرو وكان من أصحاب النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: قال النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " إِنَّ الأمَانَةَ وَالْوَفَاءَ نـزلا عَلَى ابنِ آدَمَ مَعَ الأنْبِيَاءِ، فَأُرْسِلُوا بِهِ؛ فَمِنهُمْ رَسُولَ اللهِ وَمِنْهُمْ نَبِي وَمِنْهُمْ نَبِي رَسُولٌ، نـزل القرآن وهو كلام الله ونـزلت العربية والعجمية، فعلموا أمر القرآن وعلموا أمر السنن بألسنتهم، ولم يدع الله شيئًا من أمره مما يأتون ومما يجتنبون وهي الحجج عليهم إلا بينة لهم، فليس أهل لسان إلا وهم يعرفون الحسن من القبيح. ثم الأمانة أول شيء يرفع، ويبقى أثرها في جذور قلوب الناس، ثم يرفع الوفاء والعهد والذمم، وتبقى الكتب؛ فعالم يعمل وجاهل يعرفها وينكرها حتى وصل إليَّ وإلى أمتي فلا يهلك على الله إلا هالك، ولا يغفله إلا تارك، والحذر &; 20-339 &; أيها الناس، وإياكم والوسواس الخناس، وإنما يبلوكم أيكم أحسن عملا ".
حدثني محمد بن خلف العسقلاني قال ثنا عبد الله بن عبد المجيد الحنفي قال ثنا العوام العطار قال ثنا قتادة وأبان بن أبي عياش عن خليد العصري عن أَبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " خمس من جاء بهن يوم القيامة مع إيمان دخل الجنة: من حافظ على الصلوات الخمس؛ على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن، وأعطى الزكاة من ماله طيب النفس بها " وكان يقول: وايم الله لا يفعل ذلك إلا مؤمن، وصام رمضان، وحج البيت إن استطاع إلى ذلك سبيلا وأدى الأمانة، قالوا: يا أبا الدرداء وما الأمانة؟ قال: الغسل من الجنابة فإن الله لم يأمن ابن آدم على شيء من دينه غيره.
حدثنا ابن بشار قال: ثنا عبد الرحمن قال: ثنا سفيان عن الأعمش عن أَبي الضحى عن مسروق عن أُبي بن كعب، قال: من الأمانة أن المرأة اؤتمنت على فرجها.
حدثني يونس قال: ثنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قول الله ( إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ) قال: إن الله عرض عليهن الأمانة أن يفترض عليهن الدين، ويجعل لهن ثوابًا وعقابًا، ويستأمنهن على الدين، فقلن: لا نحن مسخرات لأمرك، لا نريد ثوابًا ولا عقابًا، قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " وعرضها الله على آدم، فقال: بين أذني وعاتقي" . قال ابن زيد فقال الله له: أما إذ تحملت هذا فسأعينك، أجعل لبصرك حجابًا إذا خشيت أن تنظر إلى ما لا يحل لك، فأرْخ عليه حجابه، وأجعل للسانك بابًا وغلقًا، فإذا خشيت فأغلق، وأجعل لفرجك لباسًا، فلا تكشفه إلا على ما أحللت لك.
حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله ( إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ ) يعني به: الدين والفرائض والحدود ( فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ) قيل لهن: احملنها تؤدين حقها؟ فقلن: لا نطيق ذلك ( وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا ) قيل له: أتحملها؟ قال: نعم، قيل: أتؤدي حقها؟ قال: نعم، قال الله: إنه كان ظلومًا جهولا عن حقها.
وقال آخرون: بل عنى بالأمانة في هذا الموضع: أمانات الناس.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا تميم بن المنتصر قال: ثنا إسحاق عن شريك عن الأعمش عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن عبد الله بن مسعود عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنه قال: " القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها، أو قال: يكفر كل شيء إلا الأمانة؛ يؤتى بصاحب الأمانة فيقال له: أد أمانتك، فيقول: أي رب وقد ذهبت الدنيا، ثلاثًا. فيقال: اذهبوا به إلى الهاوية، فيذهب به إليها، فيهوي فيها حتى ينتهي إلى قعرها، فيجدها هناك كهيئتها، فيحملها فيضعها على عاتقه فيصعد بها إلى شفير جهنم، حتى إذا رأى أنه قد خرج زلت، فهوى في أثرها أبد الآبدين ". قالوا: والأمانة في الصلاة والأمانة في الصوم والأمانة في الحديث، وأشد ذلك الودائع، فلقيت البراء فقلت: ألا تسمع إلى ما يقول أخوك عبد الله؟ فقال: صدق.
قال شريك وثني عياش العامري عن زاذان عن عبد الله بن مسعود عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بنحوه، لم يذكر الأمانة في الصلاة وفي كل شيء.
حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: أخبرني عمرو بن الحارث عن ابن أَبي هلال عن أَبي حازم قال: إن الله عرض الأمانة على سماء الدنيا فأبت ثم التي تليها حتى فرغ منها، ثم الأرضين ثم الجبال، ثم عرضها على آدم فقال: نعم بين أذني وعاتقي. فثلاث آمرك بهن فإنهن لك عون: إني جعلت لك لسانًا بين لحيين فكفه عن كل شيء نهيتك عنه، وجعلت لك فرجًا وواريته فلا تكشفه إلى ما حرمت عليك (2) .
وقال آخرون: بل ذلك إنما عنى به ائتمان آدم ابنه قابيل على أهله وولده، وخيانة قابيل أباه في قتله أخاه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني موسى بن هارون قال: ثنا عمرو بن حماد قال: ثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أَبي مالك وعن أَبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: كان لا يولد لآدم مولود إلا ولد معه جارية، فكان يزوج غلام هذا البطن جارية هذا البطن الآخر، ويزوج جارية هذا البطن غلام هذا البطن الآخر، حتى ولد له اثنان، يقال لهما: قابيل وهابيل، وكان قابيل صاحب زرع وكان هابيل صاحب ضرع، وكان قابيل أكبرهما وكان له أخت أحسن من أخت هابيل، وإن هابيل طلب أن ينكح أخت قابيل، فأبى عليه وقال: هي أختي ولدت معي وهي أحسن من أختك وأنا أحق أن أتزوجها فأمره أبوه أن يزوجها هابيل فأبى، وإنهما قربا قربانًا إلى الله أيهما أحق بالجارية، وكان آدم يومئذ قد غاب عنهما، أي بمكة ينظر إليها، قال الله لآدم: يا آدم هل تعلم أن لي بيتًا في الأرض؟ قال: اللهم لا قال: إن لي بيتا بمكة فأته، فقال آدم للسماء: احفظي ولدي بالأمانة فأبت، وقال للأرض فأبت، فقال للجبال فأبت، فقال لقابيل فقال: نعم، تذهب وترجع وتجد أهلك كما يسرك، فلما انطلق آدم وقربا قربانًا وكان قابيل يفخر عليه فيقول: أنا أحق بها منك؛ هي أختي، وأنا أكبر منك، وأنا وصي والدي، فلما قربا، قرب هابيل جَذَعَة سمينة وقرب هابيل حزمة سنبل، فوجد فيها سنبلة عظيمة ففركها فأكلها، فنـزلت النار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل، فغضب وقال: لأقتلنك حتى لا تنكح أختي فقال هابيل إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ... إلى قوله فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فطلبه ليقتله فراغ الغلام منه في رءوس الجبال، وأتاه يوما من الأيام وهو يرعى غنمه في جبل وهو نائم، فرفع صخرة فشدخ بها رأسه فمات، وتركه بالعراء ولا يعلم كيف يدفن؛ فبعث الله غرابين أخوين فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه فحفر له ثم حثا عليه فلما رآه قال: يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فهو قول الله تبارك وتعالى فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ فرجع آدم فوجد ابنه قد قتل أخاه فذلك حين يقول ( إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ ...) إلى آخر الآية.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما قاله الذين قالوا: إنه عُنِي بالأمانة في هذا الموضع: جميع معاني الأمانات في الدين وأمانات الناس وذلك أن الله لم يخص بقوله (عَرَضْنَا الأمَانَةَ) بعض معاني الأمانات لما وصفنا.
وبنحو قولنا قال أهل التأويل في معنى قول الله (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) .
* ذكر من قال ذلك:
حدثني موسى قال ثنا عمرو قال ثنا أسباط عن السدي (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) يعني قابيل حين حمل أمانة آدم لم يحفظ له أهله.
حدثنا ابن بشار قال ثنا أَبو أحمد الزبيري قال ثنا سفيان عن رجل عن الضحاك في قوله (وَحَملَهَا الإنْسَانُ) قال آدم (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) قال: ظلومًا لنفسه جهولا فيما احتمل فيما بينه وبين ربه.
حدثنا علي قال ثنا أَبو صالح قال ثني معاوية، عن علي عن ابن عباس (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) غر بأمر الله.
حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة (إِنَّه كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) قال: ظلومًا لها يعني الأمانة جهولا عن حقها.
------------------------
الهوامش:
(1) في الأصل: وجبير. وسيأتي في الحديث نفسه أنه جويبر.
(2) ترك الثالثة والذي في الدر: إني جعلت لك بصرا، وجعلت لك شفرتين، فعضمها عن كل شيء نهيتك عنه، وجعلت لك لسانك ... إلخ .
- ابن عاشور : إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)
استئناف ابتدائي أفاد الإنباء على سنة عظيمة من سنن الله تعالى في تكوين العالم وما
فيه وبخاصة الإِنسان ليرقب الناس في تصرفاتهم ومعاملاتهم مع ربهم ومعاملاتهم بعضهم
مع بعض بمقدار جريهم على هذه السنة ورعيهم تطبيقها فيكون عرضهم أعمالهم على
معيارها مشعراً لهم بمصيرهم ومبيناً سبب تفضيل بعضهم على بعض واصطفاء بعضهم من
بين بعض .
وموقع هذه الآية عقب ما قبلها ، وفي آخر هذه السورة يقتضي أن لمضمونها ارتباطاً
بمضمون ما قبلها ، ويصلح عوناً لاكتشاف دقيق معناها وإزالة ستور الرمز عن المراد منها ،
ولو بتقليل الاحتمال ، والمصير إلى المآل .
والافتتاح بحرف التوكيد للاهتمام بالخبر أو تنزيله لغرابة شأنه منزلة ما قد ينكره
السامع .
وافتتاح الآية بمادة العَرض ، وصَوغها في صيغة الماضي ، وجعل متعلقها السماوات
والأرض والجبال والإنسان يُومِئ إلى أن متعلق هذا العَرض كان في صعيد واحد فيقتضي
أنه عرْض أَزَلي في مبدأ التكوين عند تعلق القدرة الربانية بإيجاد الموجودات الأرضية
وإيداعها فُصُولها المقوّمة لمواهيها وخصائصها ومميزاتها الملائكة لوفائها بما خلقت لأجله
كما حمل قوله : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم } [ الأعراف : 172 ] الآية .
واختتام الآية بالعلّة من قوله : { ليعذب الله المنافقين والمنافقات } [ الأحزاب : 73 ] إلى
نهاية السورة يقتضي أن للأمانة المذكورة في هذه الآية مزيد اختصاص بالعبرة في أحوال
المنافقين والمشركين من بين نوع الإِنسان في رعي الأمانة وإضاعتها .
فحقيق بنا أن نقول : إن هذا العَرض كان في مبدإ تكوين العالم ونوعِ الإنسان لأنه
لما ذكرت فيه السماوات والأرض والجبال مع الإِنسان علم أن المراد بالإِنسان نوعه لأنه
لو أريد بعض أفراده ولو في أول النشأة لمَا كان في تحمل ذلك الفرد الأمانة ارتباطٌ
بتعذيب المنافقين والمشركين ، ولَمَا كان في تحمل بعض أفراده دون بعض الأمانةَ حكمة
مناسبة لتصرفات الله تعالى .
فتعريف { الإنسان } تعريف الجنس ، أي نوع الإِنسان .
والعرض : حقيقته إحضار شيء لآخر ليختاره أوة يقبله ومنه عَرْضُ الحوض على
الناقة ، أي عرضه عليها أن تشرب منه ، وعرضُ المجنَّدين على الأمير لقبول من تأهل
منهم . وفي حديث ابن عمر : « عُرِضَتُ على رسول الله وأنا ابن أربع فردني وعُرِضتُ
عليه وأنا ابن خمس عشرة فأجازني » . وتقدم عند قوله تعالى : { أولئك يعرضون على ربهم } في سورة هود [ 18 ] ، وقوله : { وعرضوا على ربك صفاً } في سورة الكهف [ 48 ] .
فقوله : { عرضنا } هنا استعارة تمثيلية لوضع شيء في شيء لأنه أهل له دون بقية
الشياء ، وعدم وضعه في بقية الشياء لعدم تأهلها لذلك الشيء ، فشبهت حالة صرف
تحميل الأمانة عن السموات والأرض والجبال ووضعها في الإِنسان بحالة من يعرض شيئاً
على أناس فيرفضه بعضهم ويقبله واحد منهم على طريقة التمثيلية ، أو تمثيل لتعلق علم الله
على أناس فيرفضه بعضهم ويقبله واحد منهم على طريقة التمثيلية ، أو تمثيل لتعلق علم الله
تعالى بعدم صلاحية السماوات والأرض والجبال الإِناطة ما عبر عنه بالأمانة بها وصلاحيةِ
الإِنسان لذلك ، فشبهت حالة تعلق علم الله بمخالفة قابلية السماوات والأرض والجبال
بحمل الأمانة لقابلية الإِنسان ذلك بعرض شيء على اشياء لاستظهار مقدار صلاحية أحد
تلك الأشياء للتلبس بالشيء المعروض عليها .
وفائدة هذا التمثيل تعظيم أمر هذه الأمانة إذ بلغت أن لا يطيق تحملها ما هو أعظم
ما يبصره الناس من أجناس الموجودات . فتخصيص { السماوات والأرض } بالذكر من بين
الموجودات لأنهما أعظم المعروف للناس من الموجودات ، وعطف الجبالر على
{ الأرض } وهي منها لأن الجبال أعظم الأجزاء المعروفة من ظاهر الأرض وهي التي
تشاهد الأبصارُ عظمتها إذ الأبصار لا ترى الكرة الأرضية كما قال تعالى : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله } [ الحشر : 21 ] .
وقرينة الاستعارة حالية وهي عدم صحة تعلق العرض والإِباء بالسماوات والأرض
والجبال لانتفاء إدراكها فأنّى لها أن نختار وترفض ، وكذلك الإنسان باعتبار كون المراد
منه جنسه وماهيته لأن الماهية لا تفاوض ولا تختار كما يقال : الطبيعة عمياء ، أي لا
اختيار لها ، أي للجبلة وإنما تصدر عنها آثارها قسراً .
ولذلك فأفعال { عَرضنا ، أبَيْن ، يحملنها ، وأشفقن منها ، وحملها } أجزاء للمركب
التمثيلي . وهذه الأجزاء صالحة لأن يكون كل منها استعارة مفردة بأن يشبه إبداع الأمانة
في الإنسان وصرفها عن غيره بالعرض ، ويشبه عدم مُصَحح مَواهي السماوات والأرض
والجبال لإِيداع الأمانة فيها بالإِباء ، ويشبه الإِيداع بالتحميل والحمل ، ويشبه عدم التلاؤم
بين مواهي السماوات والأرض والجبال بالعجز عن قبول تلك الكائنات إياها وهو المعبر
عنه بالإِشفاق ، ويشبه التلاؤم ومُصحِّح القبول لإِيداع وصف الأمانة في الإِنسان بالحمل
للثقْل .
ومثل هذه الاستعارات كثير في الكلام البليغ . وصلوحية المركب التمثيلي للانحلال
بأجزائه إلى استعارات معدود من كمال بلاغة ذلك التمثيل .
وقد عُدّت هذه الآية من مشكلات القرآن وتردد المفسرون في تأويلها تردداً دلّ على
الحيرة في تقويم معناها . ومرجع ذلك إلى تقويم معنى العَرض على السماوات والرض
والجبال ، وإلى معرفة معنى الأمانة ، ومعرفة معنى الإِباء والإِشفاق .
فأما العرض فقد استبانت معانيه بما علمت من طريقة التمثيل . وأما الأمانة فهي ما
يؤتمن عليه ويطالب بحفظه والوفاء دون إضاعة ولا إجحاف ، وقد اختلف فيها المفسرون
على عشرين قولاً وبعضها متداخل في بعض ، ولنبتدئ بالإٍِلمام بها ثم نعطف إلى
تمحيصها وبيانها .
فقيل : الأمانة الطاعة ، وقيل : الصلاة ، وقيل : مجموع الصلاة والصوم والاغتسال ،
وقيل : جميع الفرائض ، وقيل : الانقياد إلى الدين ، وقيل : حفظ الفرج ، وقيل : الأمانة
التوحيد ، أو دلائل الوحداينة ، أو تجليات الله بأسمائه ، وقيل : ما يؤتمن عليه ، ومنه الوفاء
بالعهد ، ومنه انتفاء الغش في العمل ، وقيل : الأمانة العقل ، وقيل : الخلافة ، أي خلافة
الله في الأرض التي أودعها الإِنسان كما قال تعالى :
{ وإذ قال ربك للملائكة إِني جاعل في الأرض خليفة } [ البقرة : 30 ] الاية .
وهذه الأقوال ترجع إلى أصناف : صنف الطاعات والشرائع ، وصنف العقائد ،
وصنف ضد الخيانة ، وصنف العقل ، وصنف خلافة الأرض .
ويجب أن يطرح منها صنف الشرائع لأنها ليست لازمة لفطرة الإِنسان فطالما خلت
أمم عن التكليف بالشرائع وهم أهل الفِتَر فتسقط ستة أقوال وهي ما في الصنف الأول .
ويبقى سائر الأصناف لأنها مرتكزة في طبع الإِنسان وفطرته .
فيجوز أن تكون الأمانة أمانة الإِيمان ، اي توحيد الله ، وهي العهد الذي أخذه الله
على جنس بني آدم وهو الذي في قوله تعالى : { وإذ أخذ ربك بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا } وتقدم في سورة الأعراف
[ 172 ] . فالمعنى : أن الله أودع في نفوس الناس دلائل الوحدانية فهي ملازمة للفكر
البشري فكأنها عهْد عَهِد الله لهم به وكأنه أمانة ائتمنهم عليها لأنه أودعها في الجبلة
مُلازِمة لها ، وهذه الأمانة لم تودع في السماوات والأرض والجبال لأن هذه الأمانة من
قبيل المعارف والمعارف من العلم الذي لا يتصف به إلا من قامت به صفة الحياة لأنها
مصححة الإِدراك لمن قامت به ، ويناسب هذا المحمل قولُه : { ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات } [ الأحزاب : 73 ] ، فإن هذين الفريقين خالون من الإِيمان
بوحدانية الله .
ويجوز أن تكون الأمانة هي العقل وتسميته أمانة تعظيم لشأنه ولأن الأشياء النفيسة
تودع عند من يحتفظ بها .
والمعنى : أن الحكمة اقتضت أن يكون الإنسان مستودَع العقل من بين الموجودات
العظيمة لأن خلقته مُلائمة لأن يكون عاقلاً فإن العقل يبعث على التغير والانتقال من حال
إلى حال ومن مكان إلى غيره ، فلو جعل ذلك في سماء من السماوات أو في الأرض أو
في جبل من الجبال أو جميعها لكان سبباً في اضطراب العوالم واندكاكها . وأقرب
الموجودات التي تحمل العقل أنواع الحيوان ما عدا الإِنسان فلو أودع فيها العقل لما
سمحت هيئات أجسامها بمطاوعة ما يأمرها العقل به . فلنفرض أن العقل يسول للفرس أن
لا ينتظر علفه أو سومه وأن يخرج إلى حناط يشتري منه علفاً ، فإِنه لا يستطيع إفصاحاً
ويضيع في الإِفهام ثم لا يتمكن من تسليم العوض بيده إلى فرس غيره . وكذلك غذا كانت
معاملته مع أحد من نوع الإنسان .
ومناسبة قوله : { ليعذب الله المنافقين } [ الأحزاب : 73 ] الاية لهذا المحمل نظير مناسبته
للمحمل الأول .
ويجوز أن تكون الأمانة ما يؤتمن عليه ، وذلك أن الإِنسان مدني بالطبع مخالط لبني
جنسه فهو لا يخلو عن ائتمان أو أمانة فكان الإنسان متحملاً لصفة الأمانة بفطرتِه والناس
متفاوتون في الوفاء لما ائتمنوا عليه كما في الحديث : « إذا ضُيّعت الأمانة فانتظر الساعة »
أي إذا انقرضت الأمانة كان انقرائها علامة على اختلال الفطرة ، فكان في جملة
الاختلالات المنذرة بدنو الساعة مثل تكوير الشمس وانكدار النجوم ودكّ الجبال .
والذي بَيَّن هذا المعنى قولُ حذيفة : « حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين رأيت أحدهما
وأنا أنتظر الآخر ، حدثنا أن الأمانة نزلت في جِذر قلوب الرجال ثم عَلِموا من القرآن ثم
علموا من السنة ، وحدثنا عن رفعها فقال : ينام الرجل النومةَ فتقبض الأمانة من قلبه فيظل
أثرها مثل اثر الوَكْت ، ثم ينام النومة فتقبض فيبقى أثرها مثل المَجْل كجمر دَحرَجْتَه
على رِجْلك فنفط فتراه منتبرً وليس فيه شيء فيصبح الناس يتبايعون ولا يكاد أحد يؤدي
الأمانة فيقال : إن في بني فلان رجلاً أميناً ، ويقال للرجل : ما أعقله وما أظرفه وما
أجلده ، وما في قلبه مثقال حبة من خردل من غيمان » أي من أمانة لأن الإِيمان من الأمانة
لأنه عهد الله .
ومعنى عرض هذه الأمانة على السماوات والأرض والجبال يندرج في معنى تفسير
الأمانة بالعقل ، لأن الأمانة بهذا المعنى من الأخلاق التي يجمعها العقل ويصرّفها ، وحينئذٍ
فتخصيصها بالذكر للتنبيه على أهميتها في أخلاق العقل .
والقول في حَمل معنى الأانة على خلافة الله تعالى في الأرض مثل القول في العقل
لأن تلك الخلافة ما هيّأ الإِنسان لها إلا العقلُ كما أشار إليه قوله تعالى : { وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة } [ البقرة : 30 ] ثم قوله : { وعلم آدم السماء كلها } [ البقرة : 31 ] فالخلافة في الأرض هي القيام بحفظ عمرانها ووضع الموجودات فيها في
مواضعها ، واستعمالها فيما استعدّت إليه غرائزها .
وبقية الأمور التي فسر بها بعض المفسرين الأمانة يعتبر تفسيرها من قبيل ذكر الأمثلة
الجزئية للمعاني الكلية .
والمتبادر من هذه المحامل أن يكون المراد بالأمانة حقيقتها المعلومة وهي الحفاظ
على ما عُهد به ورعْيهُ والحذارُ من الإِخلال به سهواً أو تقصيراً فيسمى تفريطاً وإضاعة ، أو
عمداص فيسمى خيانة وخيساً لأن هذا المحمل هو المناسب لورود هذه الآية في ختام السورة
التي ابتدئت بوصف خيانة المنافقين واليهود وإخلالهم بالعهود وتلونهم مع النبيء صلى الله عليه وسلم قال
تعالى : { ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار } [ الأحزاب : 15 ] وقال : { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } [ الأحزاب : 23 ] . وهذا المحمل يتضمن أيضاً
أقرب المحامل بعده وهو أن يكون هو العقل لأن قبول الأخلاق فرع عنه .
وجملة { إنه كان ظلوماً جهولاً } محلها اعتراض بين جملة { وحملها الإنسان }
والمتعلق بفعلها وهو { ليعذب الله المنافقين } [ الأحزاب : 73 ] الخ . ومعناها استئناف بياني
لأن السامع خبرَ أن الإِنسان تحمل الأمانة يترقب معرفة ما كان من حسن قيام الإِنسان بما
حُمِّله وتحمّله وليست الجملة تعليلية لأن تحمل الأمانة لم يكن باختيار الإِنسان فكيف
يعلل بأن حمله الأمانة من أجل ظلمه وجهله .
فمعنى { كان ظلوماً جهولاً } أنه قصّر في الوفاء بحق ما تحمله تقصيراً : بعضُه عن
عمْد وهو المعبر عنه بوصف ظلوم ، وبعضه عن تفريط في الأخذ باسباب الوفاء وهو
المعبر عنه بكونه جهولاً ، فظلوم مبالغة في الظلم وكذلك جهول مبالغة في الجهل .
والظلم : الاعتداء على حق الغير واريد به هنا الاعتداء على حق الله الملتزم له
بتحمل الأمانة ، وهو حق الوفاء بالأمانة .
والجهل : انتفاء العلم بما يتعين علمه ، والمراد به هنا انتفاء علم الإِنسان بمواقع
الصواب فيما تحمل به ، فقوله : { إنه كان ظلوماً جهولاً } مؤذن بكلام محذوف يدل هو
عليه إذ التقدير : وحملها الإِنسان فلم يف بها إنه كان ظلوماً جهولاً ، فكأنه قيل : فكان
ظلوماً جهولاً ، أي ظلوماً ، اي في عدم الوفاء بالأمانة لأنه اجحاف بصاحب الحق في
الأمانة أيّاً كان ، وجهولاً في عدم تقديره قدر إضاعة الأمانة من المؤاخذة المتفاوتة
المراتب في التبعية بها ، ولولا هذا التقدير لم يلتئم الكلام لأن الإِنسان لم يحمل الأمانة
باختياره بل فُطَر على تحملها .
ويجوز أن يراد { ظلوماً جهولاً } في فطرته ، اي في طبع الظلم ، والجهل فهو
معرض لهما ما لم يعصمه وازع الدين ، فكان من ظلمه وجهله أن أضاع كثير من الناس
الأمانة التي حملها .
ولك أن تجعل ضمير { إنه } عائداً على الإِنسان وتجعل عمومه مخصوصاً بالإِنسان
الكافر تخصيصاً بالعقل لظهور أن الظلوم الجهول هو الكافر .
أو تجعل في ضمير { إنه } استخداماً بأن يعود إلى الإنسان مراداً به الكافر وقد أطلق
لفظ الإِنسان في مواضع كثيرة من القرآن مراداً به الكافرُ كما في قوله تعالى : { ويقول الإِنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حياً } [ مريم : 66 ] الآية قوله : { يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم } [ الانفطار : 6 ] الآيات .
وفي ذكر فعل { كان } إشارة إلى أن ظلمه وجهله وصفان متأصلان فيه لأنهما
الغالبان على أفراده الملازمان لها كثرة أو قلة .
فصيغتا المبلاغة منظور فيهما إلى الكثرة والشدة في أكثر أفراد النوع الإِنسان والحكم
الذي يسلط على الأنواع والأجناس والقبائل يراعى فيه الغالب وخاصة في مقام التحذير
والترهيب . وهذا الإِجمال يبينه قوله عقبه : { ليعذب الله المنافقين } إلى قوله { ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات } [ الأحزاب : 73 ] فقد جاء تفصيله بذكر فريقين : أحدهما : مضيع
للأمانة والآخر مراعٍ لها .
ولذلك أثنى الله على الذين وَفّوا بالعهود والأمانات فقال في هذه السورة { وكان عهد الله مسئولاً } [ الأحزاب : 15 ] وقال فيها : { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } [ الأحزاب : 23 ] وقال : { واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صاق الوعد } [ مريم : 54 ]
وقال في ضد ذلك : { وما يضل به إلا الفاسقين ، الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه } إلى قوله : { أولئك هم الخاسرون } [ البقرة : 26 ، 27 ] .
- إعراب القرآن : إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا
«إِنَّا» إن ونا اسمها وحذفت نون إنّ للتخفيف والجملة مستأنفة «عَرَضْنَا» ماض وفاعله والجملة خبر إن «الْأَمانَةَ» مفعول به «عَلَى السَّماواتِ» متعلقان بعرضنا «وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ» معطوفة على ما سبق «فَأَبَيْنَ» الفاء عاطفة وماض مبني على السكون ونون النسوة فاعله والجملة معطوفة «أَنْ» ناصبة «يَحْمِلْنَها» مضارع ونون النسوة فاعله والهاء مفعوله «وَأَشْفَقْنَ» معطوفة على أبين «مِنْها» متعلقان بأشفقن «وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ» ماض والهاء مفعوله والإنسان فاعل والجملة معطوفة «إِنَّهُ» إن واسمها «كانَ ظَلُوماً» كان وخبرها واسمها محذوف «جَهُولًا» خبر ثان وجملة كان خبر إنه.
- English - Sahih International : Indeed we offered the Trust to the heavens and the earth and the mountains and they declined to bear it and feared it; but man [undertook to] bear it Indeed he was unjust and ignorant
- English - Tafheem -Maududi : إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا(33:72) We offered the trust to the heavens and the earth and the mountains, but they refused to carry it and were afraid of doing so; but man carried it. Surely he is wrong-doing, ignorant. *120
- Français - Hamidullah : Nous avions proposé aux cieux à la terre et aux montagnes la responsabilité de porter les charges de faire le bien et d'éviter le mal Ils ont refusé de la porter et en ont eu peur alors que l'homme s'en est chargé; car il est très injuste [envers lui-même] et très ignorant
- Deutsch - Bubenheim & Elyas : Wir haben das anvertraute Gut den Himmeln und der Erde und den Bergen angeboten aber sie weigerten sich es zu tragen sie scheuten sich davor Der Mensch trug es - gewiß er ist sehr oft ungerecht und sehr oft töricht
- Spanish - Cortes : Propusimos el depósito a los cielos a la tierra y a las montañas pero se negaron a hacerse cargo de él tuvieron miedo El hombre en cambio se hizo cargo Es ciertamente muy impío muy ignorante
- Português - El Hayek : Por certo que apresentamos a custódia aos céus à terra e às montanhas que se negaram e temeram recebêla; porém ohomem se encarregou disso mas provou ser injusto e insipiente
- Россию - Кулиев : Мы предложили небесам земле и горам взять на себя ответственность но они отказались нести ее и испугались этого а человек взялся нести ее Воистину он является несправедливым и невежественным
- Кулиев -ас-Саади : إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا
Мы предложили небесам, земле и горам взять на себя ответственность, но они отказались нести ее и испугались этого, а человек взялся нести ее. Воистину, он является несправедливым и невежественным.Всевышний подчеркнул важность чувства ответственности, которое люди должны испытывать перед своим Господом. Это - ответственность за выполнение повелений Аллаха, о которой человек не должен забывать ни при уединении, ни в обществе других людей. После сотворения Вселенной Всевышний предложил небесам, земле и горам взять на себя эту ответственность и обещал вознаградить эти великие создания, если они будут верны завету с Аллахом, и наказать их, если они нарушат этот завет. Однако эти создания отказались взвалить на свои плечи ответственность перед Аллахом. Это не было неповиновением Всевышнему или нежеланием получить щедрое вознаграждение. Дело было в том, что небеса, земля и горы испугались, что не сумеют выполнить всех своих обязанностей перед Ним. Тогда Аллах предложил взять на себя ответственность за выполнение Божьих повелений человеку и поставил перед ним те же условия. Несмотря на свое невежество и природную склонность к несправедливости человек согласился на эти условия и взвалил на свои плечи тяжелое бремя обязанностей перед Аллахом. Позднее люди разделились на три группы в зависимости от того, насколько они верны своему завету с Господом. Это - лицемеры, которые делают вид, что выполняют свои обязанности перед Аллахом, а в душе испытывают к ним неприязнь и ненависть; многобожники, которые открыто показывают свое пренебрежение обязанностями перед Аллахом; и правоверные, которые душой и телом придерживаются предписаний своего Господа. В Священном Коране Всевышний Аллах описал поступки всех трех групп людей и сообщил, какое воздаяние ожидает их за совершенные ими деяния.
- Turkish - Diyanet Isleri : Doğrusu Biz sorumluluğu emaneti göklere yere dağlara sunmuşuzdur da onlar bunu yüklenmekten çekinmişler ve ondan korkup titremişlerdir; onu insan yüklendi Doğrusu o çok zalim ve çok cahildir kabulüne rağmen emanete hıyanet etmektedir
- Italiano - Piccardo : In verità proponemmo ai cieli alla terra e alle montagne la responsabilità [della fede] ma rifiutarono e ne ebbero paura mentre l'uomo se ne fece carico In verità egli è ingiusto e ignorante
- كوردى - برهان محمد أمين : ئێمه ئهمانهتی عهقیده و بیروباوڕ ئهمانتی سهرپشکیمان نیشانی ئاسمانهکان و زهوی و کێوهکان دا یاخود پێشنیارمان کرد که ئێوه ههڵگری ئهم ئهمانهته بن بهڵام ههمووان دهستیان پێوهناو ترسان لێی ههر پێیان چاك بوو ئاوا مسیر بن سهرپشك نهبن کهچی ئادهمیزاد ههڵیگرت و گرتیه ئهستۆی بهڕاستی زۆر ستهمکار و نهفام بوو ئهگهر زۆرینه ڕهچاو بکهین
- اردو - جالندربرى : ہم نے بار امانت کو اسمانوں اور زمین پر پیش کیا تو انہوں نے اس کے اٹھانے سے انکار کیا اور اس سے ڈر گئے۔ اور انسان نے اس کو اٹھا لیا۔ بےشک وہ ظالم اور جاہل تھا
- Bosanski - Korkut : Mi smo nebesima Zemlji i planinama ponudili emanet pa su se ustegli i pobojali da ga ponesu ali ga je preuzeo čovjek – a on je zaista prema sebi nepravedan i lahkomislen –
- Swedish - Bernström : Vi erbjöd himlarna och jorden och bergen ansvaret [för förnuft och fri vilja] och de avböjde av ängslan [att inte kunna bära] det; men människan alltid beredd till synd och dårskap tog det på sig
- Indonesia - Bahasa Indonesia : Sesungguhnya Kami telah mengemukakan amanat kepada langit bumi dan gununggunung maka semuanya enggan untuk memikul amanat itu dan mereka khawatir akan mengkhianatinya dan dipikullah amanat itu oleh manusia Sesungguhnya manusia itu amat zalim dan amat bodoh
- Indonesia - Tafsir Jalalayn : إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا
(Sesungguhnya Kami telah mengemukakan amanat) yaitu ibadah salat dan ibadah-ibadah lainnya, apabila dikerjakan, pelakunya akan mendapat pahala, dan apabila ditinggalkan, pelakunya akan disiksa (pada langit, bumi dan gunung-gunung) seumpamanya Allah menciptakan pada masing-masing pemahaman dan dapat berbicara (maka semuanya enggan untuk memikul amanat itu dan mereka khawatir) yakni merasa takut (akan mengkhianatinya lalu dipikullah amanat itu oleh manusia) oleh Nabi Adam, sesudah terlebih dahulu ditawarkan kepadanya. (Sesungguhnya manusia itu amat zalim) terhadap dirinya sendiri, disebabkan apa yang telah dipikulnya itu (lagi amat bodoh) tidak mengerti tentang apa yang dipikulnya itu.
- বাংলা ভাষা - মুহিউদ্দীন খান : আমি আকাশ পৃথিবী ও পর্বতমালার সামনে এই আমানত পেশ করেছিলাম অতঃপর তারা একে বহন করতে অস্বীকার করল এবং এতে ভীত হল; কিন্তু মানুষ তা বহণ করল। নিশ্চয় সে জালেমঅজ্ঞ।
- தமிழ் - ஜான் டிரஸ்ட் : நிச்சயமாக வானங்களையும் பூமியையும் மலைகளையும் நம் கட்டளைகளான அமானிதத்தை சுமந்து கொள்ளுமாறு எடுத்துக்காட்டினோம் ஆனால் அதை சுமந்துக்கொள்ள அவை மறுத்தன அதைப்பற்றி அவை அஞ்சின ஆனால் மனிதன் அதை சுமந்தான் நிச்சயமாக மனிதன் தனக்குத்தானே அநியாயம் செய்பவனாகவும் அறிவிலியாகவும் இருக்கின்றான்
- ภาษาไทย - ภาษาไทย : แท้จริงเราได้เสนอการอะมานะฮฺ แก่ชั้นฟ้าทั้งหลายและแผ่นดิน และขุนเขาทั้งหลาย แต่พวกมันปฏิเสธจะแบกรับมันและกลัวต่อมัน คือภาระอันหนักอึ้ง และมนุษย์ได้แบกรับมัน แท้จริงเขา มนุษย์ เป็นผู้อธรรมงมงายยิ่ง
- Uzbek - Мухаммад Содик : Албатта Биз бу омонатни осмонларга ерга ва тоғларга таклиф қилдик Бас улар уни кўтаришдан бош тортдилар ва ундан қўрқдилар Уни инсон кўтарди Дарҳақиқат у ўта золим ва ўта жоҳилдир Бу омонат нима эди деган саволга уламоларимиз ушбу оятдан ва бошқа манбалардан келиб чиқиб Шариат таклифлари ва Аллоҳнинг фарзлари деб жавоб берадилар Дарҳақиқат инсон жинси ҳамма эмас албатта ўта золимдир Ўзига юклатилган ва ўзи қабул қилган омонатга мувофиқ иш юритмасдан ўзига ўзи зулм қилади Инсон жинси ўта жоҳилдир шунинг учун ўзи рози бўлиб қабул қилиб олган омонатнинг улканлигини билмасдан унга хиёнат қилади
- 中国语文 - Ma Jian : 我确已将重任信托天地和山岳,但它们不肯承担它,它们畏惧它,而人却承担了人确是不义的,确是无知的,
- Melayu - Basmeih : Sesungguhnya Kami telah kemukakan tanggungjawab amanah Kami kepada langit dan bumi serta gunungganang untuk memikulnya maka mereka enggan memikulnya dan bimbang tidak dapat menyempurnakannya kerana tidak ada pada mereka persediaan untuk memikulnya; dan pada ketika itu manusia dengan persediaan yang ada padanya sanggup memikulnya Ingatlah sesungguhnya tabiat kebanyakan manusia adalah suka melakukan kezaliman dan suka pula membuat perkaraperkara yang tidak patut dikerjakan
- Somali - Abduh : Annagaa u bandhignay Amaanadda Cibaadada Samooyinka Dhulka iyo Buuraha wayna diideen inay Xambaaraan wayna ka Cabsadeen xaggeeda waxaase xambaaray Dadka wuxuuna noqday Dulmi badane Jahli badan
- Hausa - Gumi : Lalle Mũ Mun gitta amãna ga sammai da ƙasã da duwãtsu sai suka ƙi ɗaukarta kuma sukaji tsõro daga gare ta kuma mutum ya ɗauke ta lalle shĩ mutum ya kasance mai yawan zãlunci mai yawan jãhilci
- Swahili - Al-Barwani : Kwa hakika Sisi tulikadimisha amana kwa mbingu na ardhi na milima; na vyote hivyo vikakataa kuichukua na vikaogopa Lakini mwanaadamu akaichukua Hakika yeye amekuwa dhaalimu mjinga
- Shqiptar - Efendi Nahi : Na u kemi ofruar amanetin qiejve Tokës dhe maleve ato ngurruan ta bartin atë dhe u frikësuan ta pranojnë atë por njeriu e pranoi Me të vërtetë njeriu është zullumqarë për vete dhe i padijshëm për fundin – epilogun e amanetit
- فارسى - آیتی : ما اين امانت را بر آسمانها و زمين و كوهها عرضه داشتيم، از تحمل آن سرباز زدند و از آن ترسيدند. انسان آن امانت بر دوش گرفت، كه او ستمكار و نادان بود.
- tajeki - Оятӣ : Мо ин амонатро бар осмонҳову замин ва кӯҳҳо арза доштем, аз таҳаммули он рӯй гардонданд ва аз он тарсиданд. Инсон он амонатро бар дӯш гирифт, кк ӯ ситамкору нодон буд,
- Uyghur - محمد صالح : شۈبھىسىزكى، بىز ئامانەتنى (يەنى پەرزلەرنى ۋە شەرىئەت تەكلىپلىرىنى) ئاسمانلارغا، زېمىنغا ۋە تاغلارغا تەڭلىدۇق، ئۇلار ئۇنى ئۈستىگە ئالمىدى، ئۇنىڭ (ئېغىرلىقى) دىن قورقتى، ئۇنى ئىنسان ئۈستىگە ئالدى، ئىنسان ھەقىقەتەن (ئۆزىگە) زۇلۇم قىلغۇچىدۇر، ھەقىقەتەن ناداندۇر
- Malayalam - ശൈഖ് മുഹമ്മദ് കാരകുന്ന് : തീര്ച്ചയായും ആകാശഭൂമികളുടെയും പര്വതങ്ങളുടെയും മുമ്പില് നാം ഈ അമാനത്ത് സമര്പ്പിച്ചു. അപ്പോള് അതേറ്റെടുക്കാന് അവ വിസമ്മതിച്ചു. അവ അതിനെ ഭയപ്പെട്ടു. എന്നാല് മനുഷ്യന് അതേറ്റെടുത്തു. അവന് കൊടിയ അക്രമിയും തികഞ്ഞ അവിവേകിയും തന്നെ.
- عربى - التفسير الميسر : انا عرضنا الامانه التي ائتمن الله عليها المكلفين من امتثال الاوامر واجتناب النواهي على السموات والارض والجبال فابين ان يحملنها وخفن ان لا يقمن بادائها وحملها الانسان والتزم بها على ضعفه انه كان شديد الظلم والجهل لنفسه
*120) In the end, Allah wants man to realize his real position in the world; if in that position he regarded the life of the world as mere fun and sport and adopted a wrong attitude carelessly, he would only be working for his own doom. Here, the word 'amanat" (trust) implies khilafat (caliphate) which, according to the Qur'an, tnan has been granted in the earth. The inevitable result of the freedom given to man to choose between obedience and disobedience, and the powers and authority granted him over countless creations for using that freedom, is that he himself be held responsible for his voluntary acts and should deserve rewards for his righteous conduct and suffer punishment for his evil conduct. Since man has not attained these powers by his own efforts but has been granted these by Allah, and he is answerable before Allah for their right or wrong use, these have been described by the word khilafat at other places in the Qur'an, and by amanat here. In order to give an idea of how important and heavy this "trust" (amanat) is, Allah says that the heavens and the earth, in spite of their glory and greatness, and the mountains, in spite of their size and firmness, could not have the power and courage to bear it. But man, the weak and frail man, has borne this heavy burden on his tiny self. The presentation of the trust before the eanh and the heavens and their refusal to bear it and their being afraid of it may be taste literally, or it may have been said so metaphorically. We can neither know nor can comprehend Allah's relationship with His creations. The eanh and the sun and the moon and the mountains are dumb, deaf and lifeless for us but they may not be so also for Allah. Allah can speak to each of His creations and it can respond to Him, though its nature is incomprehensible for us. Therefore, it is just possible that Allah, in fact, might have presented this heavy trust before them, and they might have shuddered to see it, and they might have made this submission before their Master and Creator. "Lord, we find our good and our convenience only in remaining as Your powerless servants: we do not find courage to ask for the freedom to disobey and do justice to it, and then suffer Your punishment in case we cannot do justice to it." Likewise, it is also quite possible that before this present life Allah might have given another kind of existence to mankind and summoned it before Himself, and it migln have willingly undertaken to accept the delegated powers and authority. We have no rational argument to regard this as impossible. Only such a person, who might have made a wrong estimate of his mental and intellectual powers and capabilities, can think of regarding it as impossible. However, this also is equally possible that Allah may have said so allegorically. In order to give an idea of the extraordinary importance of the matter, He may have depicted the scene as if the earth and the heavens and the mountains like the Himalayas were present before Him on one side and a 5 to Gfoot man, on the other. Then Allah might have asked: "I want to invest someone of My creation with the power that being a subject of My Kingdom, it may acknowledge My Supremacy and obey My Commands of its own free will; otherwise it will also have the power to deny Me, even rebel against Me. After giving him this freedom I shall so conceal Myself from him as if I did not exist at aII. And to exercise this freedom I shall invest him with vast powers, great capabilities, and shall give him dominion over countless of My creations so that he may raise any storm that he may in the universe. Then I shall call him to account at an appointed time. The one who will have misused the freedom granted by Me, will be made to suffer a most terrible punishment; and the one who will have adopted My obedience in spite of aII chances and opportunities for disobedience, will be raised to such high ranks as no creation of Mine has ever been able to attain. Now tell, which of you is ready to undergo this test?" Hearing this discourse a hush might have prevailed for a while all through the universe. Then one huge creation after the other might have bowed down and submitted that it should be excused from the severe test. Then, at last, this frail creation might have risen and submitted: "O my Lord, I am ready to undergo this test. I shall brave aII the dangers inherent in the freedom and independence only in the hope that I shall be blessed with the highest office in Your Kingdom if I pass the test. " By imagining this scene through his mind's eye only can man judge exactly what delicate position he holds in the universe. Allah in this verse has called the person 'unjust and ignorant", who lives a carefree life in the place of test, and has no feeling at all of how great a responsibility he is shouldering, and what consequences he will encounter of the right or wrong decisions that he makes in choosing and adopting an attitude for himself in the life of the world. He is ignorant because the fool holds himself as responsible to no one; he is unjust because he is himself preparing for his doom and is also preparing the doom of many others along with him.