- عربي - نصوص الآيات عثماني : ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَءَاتَيْنَٰهُ ٱلْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ٱبْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَٰهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ٱبْتِغَآءَ رِضْوَٰنِ ٱللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَـَٔاتَيْنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَٰسِقُونَ
- عربى - نصوص الآيات : ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها ۖ فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم ۖ وكثير منهم فاسقون
- عربى - التفسير الميسر : ثم أتبعنا على آثار نوح وإبراهيم برسلنا الذين أرسلناهم بالبينات، وقفَّينا بعيسى ابن مريم، وآتيناه الإنجيل، وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه على دينه لينًا وشفقة، فكانوا متوادِّين فيما بينهم، وابتدعوا رهبانية بالغلوِّ في العبادة ما فرضناها عليهم، بل هم الذين التزموا بها من تلقاء أنفسهم، قَصْدُهم بذلك رضا الله، فما قاموا بها حق القيام، فآتينا الذين آمنوا منهم بالله ورسله أجرهم حسب إيمانهم، وكثير منهم خارجون عن طاعة الله مكذبون بنيه محمد صلى الله عليه وسلم.
- السعدى : ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
{ ثُمَّ قَفَّيْنَا } أي: أتبعنا { عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ } خص الله عيسى عليه السلام؛ لأن السياق مع النصارى، الذين يزعمون اتباع عيسى عليه السلام، { وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ } الذي هو من كتب الله الفاضلة، { وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً } كما قال تعالى: { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ } الآيات.
ولهذا كان النصارى ألين من غيرهم قلوبا، حين كانوا على شريعة عيسى عليه السلام.
{ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا } والرهبانية: العبادة، فهم ابتدعوا من عند أنفسهم عبادة، ووظفوها على أنفسهم، والتزموا لوازم ما كتبها الله عليهم ولا فرضها، بل هم الذين التزموا بها من تلقاء أنفسهم، قصدهم بذلك رضا الله تعالى، ومع ذلك { فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا } أي: ما قاموا بها ولا أدوا حقوقها، فقصروا من وجهين: من جهة ابتداعهم، ومن جهة عدم قيامهم بما فرضوه على أنفسهم. فهذه الحال هي الغالب من أحوالهم.
ومنهم من هو مستقيم على أمر الله، ولهذا قال: { فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ } أي: الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، مع إيمانهم بعيسى، كل أعطاه الله على حسب إيمانه { وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ }
- الوسيط لطنطاوي : ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
( ثُمَّ قَفَّيْنَا على آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابن مَرْيَمَ ) والتقفيه إتباع الرسول برسول آخر يقال : قفا فلان آثر فلان . . . إذا اتبعه ، وقفى على أثره بفلان ، إذا اتبعه إباه . . . وأصله من القفا وهو مؤخر العنق . . . فكأن الذى يتبع أثر غيره قد أتاه من جهة قفاه .
وضمير الجمع فى قوله ( على آثَارِهِم ) يعود إلى نوح وإبراهيم وذريتهما الذين كانت فيهم النبوة والكتاب .
أى : ثم أرسلنا بعدهم رسولا بعد رسول . حتى انتهينا إلى عيسى - عليه السلام - ( وَآتَيْنَاهُ الإنجيل ) أى : أوحيناه إليه ليكون هداية لقومه .
قالوا : والإنجيل كلمة يونانية من النجل وهو الأصل ، يقال : رحم الله ناجليه ، أى : والديه ، وقيل : الإنجيل مأخوذ من نجلت الشىء إذا استخرجته وأظهرته . ويقال للماء الذى يخرج من البئر : نجل . وقيل هو من النجل الذى هو سعة العين ، ومنه قولهم : طعنة نجلاء ، أى : واسعة .
وسمى الإنجيل بهذا الاسم ، لأنه سعة ونور وضياء ، أنزله الله - تعالى - على نبيه عيسى ، ليكون بشارة وهداية لقومه .
وأعاد - سبحانه - مع عيسى - عليه السلام - كلمة ( قَفَّيْنَا ) للإشعار بأن المسافة التى كانت بين عيسى - عليه السلام - وبين آخر رسول من بنى إسرائيل كانت مسافة طويلة .
ثم بين - سبحانه - بعض السمات التى كانت واضحة فى أتباع عيسى فقال : ( وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الذين اتبعوه رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابتدعوها مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابتغآء رِضْوَانِ الله ) .
والرأفة : اللين وخفض الجناح ، والرحمة . العطف والشفقة .
قالوا : وعطف الرحمة على الرأفة من باب عطف العام على الخاص ، لأن الرأفة ، رحمة خاصة ، تتعلق بدفع الأذى والضر . أما الرحمة فهى أشمل وأعم ، لأنها عطف وشفقة على كل من كان فى حاجة إليه .
و " الرهبانية " معناها الفعلة المنسوبة إلى الرهبان . وهم النصارى المبالغون فى الرهبة والخوف من الله - تعالى - والزهد فى متاع الحياة الدنيا .
قال بعض العلماء : والرهبانية : اسم للحالة التى يكون عليها الراهب متصفا بها فى غالب شئون دينه ، والياء فيها ياء النسبة إلى الراهب على غير قياس ، لأن قياس النسب إلى الراهب : الراهبية ، والنون فيها مزيدة للمبالغة فى النسبة ، كما زيدت فى قولهم : شعرانى ، لكثير الشعر ، ولحيانى لعظيم اللحية .
وقوله - تعالى - : ( ورهبانية ابتدعوها . . . منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر .
أى : وابتدعوها رهبانية ابتدعوها ، فهو من باب الاشتغال .
ويصح أن يكون معطوفا على قوله : ( رَأْفَةً وَرَحْمَةً )
وقوله : ( ابتدعوها ) فى موضع الصفة ، والكلام على حذف مضاف ، أى : وجعلنا فى قلوبهم رأفة ورحمة ورهبانية مبتدعة لهم .وجملة : ما كتبناها عليهم ، مستأنفة مبينة لجملة ( ابتدعوها ) .
والاستثناء فى قوله : ( إِلاَّ ابتغآء رِضْوَانِ الله ) منقطع .
والضمير فى قوله : ( فَمَا رَعَوْهَا ) يعود لهؤلاء الذين ابتدعوا الرهبانية .
والمعنى : ثم أتبعنا كل رسول من ذرية نوح وإبراهيم برسول آخر ، حتى انتهينا إلى عيسى - عليه السلام - فأرسلناه إلى بنى إسرائيل وآتيناه الإنجيل وجعلنا فى قلوب الذين اتبعوه وآمنوا به ( رَأْفَةً ) أى لينا وخفض جناح ( وَرَحْمَةً ) أى : شفقة وعطفا ، وحب رهبانية مبتدعة منهم ، أى : هم الذين ابتدعوها واخترعوها واختاروها لأنفسهم ، زهداً فى متاع الحياة الدنيا .
ونحن ما كتبنا هذه الرهبانية ، وإنما هم الذين ابتدعوها من أجل أن يرضى الله عنهم ( فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ) أى : ولكنهم بمرور الأيام ، لم يحافظ كثير منهم على ما تقتضيه هذه الرهبانية من زهد وتقى وعفاف . . . بل صارت طقوسا خالية من العبادة الصحيحة ، ولم يصبر على تكاليفها إلا عدد قليل منهم .
ولذا ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله : ( فَآتَيْنَا الذين آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ) .
أى : أما الذين استمروا على اتباعهم لعيسى - عليه السلام - وعلى الإيمان بالحق إيمانا صحيحا خاليا مما يفسده . . . فقد أعطيناهم أجورهم الطيبة كاملة غير منقوصة .
وأما الذين بدلوا ما جاء به عيسى - عليه السلام - حيث كفروا به وقالوا : الله ثالث ثلاثة ، أو قالوا : المسيح ابن الله فسيلقون ما يستحقونه من عقاب .
وقوله : ( وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ) يدل على أن الذين خرجوا عن الدين الحق الذى جاء به عيسى - عليه السلام - وفسقوا عن أمر ربهم . . . أكثر من الذين آمنوا به إيمانا صحيحا .
قال الإمام ابن جرير : واختلف أهل التأويل فى الذين لم يرعوا الرهبانية حق رعايتها . فقال بعضهم : هم الذين ابتدعوها ، ولم يقوموا بها ، ولكنهم بدلوا وخالفوا دين الله الذى بعث به عيسى ، فتنصروا وتهودوا .
وقال آخرون : بل هم قوم جاءوا من بعد الذين ابتدعوها فلم يرعوها حق رعايتها ، لأنهم كانوا كفارا . . . فهم الذين وصفهم الله بأنهم لم يرعوها حق رعايتها .
وأولى الأقوال فى ذلك بالصحة أن يقال : إن الذين وصفهم الله بأنهم لم يرعوا الرهبانية حق رعايتها ، بعض الطوائف التى ابتدعتها ، وذلك لأن الله - تعالى - قد أخبر أنه أتى الذين آمنوا منهم أجرهم ، فدل ذلك على أن منهم من قد رعاها حق رعايتها .
وكثير منهم - أى : من الذين ابتدعوا الرهبانية - أهل معاص ، وخروج عن طاعة الله - تعالى - وعن الإيمان به .
وقال الإمام الآلوسى ما ملخصه : وقوله - تعالى - : ( مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ) جملة مستأنفة .
وقوله - سبحانه - : ( إِلاَّ ابتغآء رِضْوَانِ الله ) استثناء منقطع ، أى : ما فرضناها نحن عليهم رأسا ، ولكن ابتدعوها وألزموا بها أنفسهم ابتغاء رضوان الله .
وقوله - تعالى - : ( فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ) أى : ما حافظوا عليها حق المحافظة ، ذم لهم من حيث إن ذلك كالنذر ، وهو عهد مع الله - تعالى - يجب رعايته ، لا سيما إذا قصد به رضاه - عز وجل .
وجائز أن يكون الاستثناء متصلا من أعم العلل . أى : ما قضيناها عليهم لشىء من الأشياء ، إلا ليبتغوا بها رضوان الله ، ويستحقوا بها الثواب ، ومن ضرورة ذلك أن يحافظوا عليها . . . إلا أنهم لم يحافظوا عليها ، ولم يرعوها حق رعايتها .
والفرق بين الوجهين : أن الأول يقتضى أنهم لم يؤمروا بها أصلا ، وأن الثانى يقتضى أنهم أمروا بها ، لابتغاء رضوان الله ، فما رعوها حق رعايتها .
والظاهر أن الضمير فى قوله ( فَمَا رَعَوْهَا ) يعود لأولئك الذين ابتدعوا الرهبانية ، والمراد نفى وقوع الرعاية من جميعهم ، أى : فما رعاها كلهم بل بعضهم .
فالآية الكريمة تثنى على الذين أحسنوا اتباع عيسى - عليه السلام - فطهروا أرواحهم من كل دنس ، وزهدوا فى متع الحياة الدنيا . . . وتذم الذين بدلوا ما جاء به عيسى - عليه السلام - وقالوا الأقوال الباطلة فى شأنه ، وفعلوا الأفعال القبيحة التى تغضب الله - تعالى - :
- البغوى : ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
( ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه ) [ على دينه ] ( رأفة ) وهي أشد الرقة ( ورحمة ) كانوا متوادين بعضهم لبعض ، كما قال الله تعالى في وصف أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - " رحماء بينهم " . ( الفتح - 29 ( ورهبانية ابتدعوها ) من قبل أنفسهم ، وليس هذا بعطف على ما قبله ، وانتصابه بفعل مضمر كأنه قال : وابتدعوا رهبانية أي جاءوا بها من قبل أنفسهم ( ما كتبناها ) أي ما فرضناها ( عليهم إلا ابتغاء رضوان الله ) يعني : ولكنهم ابتغوا رضوان الله بتلك الرهبانية ، وتلك الرهبانية ما حملوا أنفسهم من المشاق في الامتناع من المطعم والمشرب والملبس والنكاح والتعبد في الجبال ( فما رعوها حق رعايتها ) أي لم يرعوا الرهبانية حق رعايتها بل ضيعوها وكفروا بدين عيسى فتهودوا وتنصروا ودخلوا في دين ملوكهم وتركوا الترهب ، وأقام منهم أناس على دين عيسى عليه الصلاة والسلام حتى أدركوا محمدا - صلى الله عليه وسلم - فآمنوا به ، وذلك قوله تعالى : ( فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم ) وهم الذين ثبتوا عليها وهم أهل الرأفة والرحمة ( وكثير منهم فاسقون ) وهم الذين تركوا الرهبانية وكفروا بدين عيسى عليه الصلاة والسلام .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي أنبأني عبد الله بن حامد ، أخبرنا أحمد بن عبد الله المزني حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا الصعق بن حزن ، عن عقيل الجعدي عن أبي إسحاق عن سويد بن غفلة ، عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " يا ابن مسعود اختلف من كان قبلكم على اثنتين وسبعين فرقة ، نجا منها ثلاث وهلك سائرهن ، فرقة آزت الملوك وقاتلوهم على دين عيسى عليه الصلاة والسلام ، فأخذوهم وقتلوهم ، وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازاة الملوك ولا بأن يقيموا بين ظهرانيهم يدعونهم إلى دين الله ودين عيسى عليه السلام فساحوا في البلاد وترهبوا وهم الذين قال الله - عز وجل - فيهم : " ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم " فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من آمن بي وصدقني واتبعني فقد رعاها حق رعايتها ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الهالكون " .
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كنت رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - على حمار فقال لي : "
يا ابن أم عبد هل تدري من أين اتخذت بنو إسرائيل الرهبانية ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى عليه السلام يعملون بالمعاصي فغضب أهل الإيمان فقاتلوهم ، فهزم أهل الإيمان ثلاث مرات ، فلم يبق منهم إلا القليل ، فقالوا : إن ظهرنا لهؤلاء أفنونا ولم يبق للدين أحد يدعو له فقالوا : تعالوا نتفرق في الأرض إلى أن يبعث الله النبي الذي وعدنا به عيسى عليه السلام ، يعنون محمدا - صلى الله عليه وسلم - فتفرقوا في غيران الجبال ، وأحدثوا رهبانية فمنهم من تمسك بدينه ومنهم من كفر ، ثم تلا هذه الآية : " ورهبانية ابتدعوها " الآية . " فآتينا الذين آمنوا منهم " يعني من ثبتوا عليها أجرهم ، ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يا ابن أم عبد أتدري ما رهبانية أمتي ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : الهجرة والجهاد ، والصلاة والصوم والحج والعمرة والتكبير على التلاع "وروي عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن لكل أمة رهبانية ، ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله "
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت ملوك بعد عيسى عليه السلام بدلوا التوارة والإنجيل ، وكان فيهم مؤمنون يقرءون التوراة والإنجيل ويدعونهم إلى دين الله فقيل لملوكهم : لو جمعتم هؤلاء الذين شقوا عليكم فقتلتموهم أو دخلوا فيما نحن فيه ، فجمعهم ملوكهم وعرض عليهم القتل أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل إلا ما بدلوا منها فقالوا : نحن نكفيكم أنفسنا فقالت طائفة : ابنوا لنا أسطوانة ، ثم ارفعونا إليها ثم أعطونا شيئا نرفع به طعامنا وشرابنا ولا نرد عليكم ، وقالت طائفة : دعونا نسيح في الأرض ونهيم ونشرب كما يشرب الوحش ، فإن قدرتم علينا بأرض فاقتلونا وقالت طائفة : ابنوا لنا دورا في الفيافي نحتفر الآبار ونحترث البقول فلا نرد عليكم ولا نمر بكم ، ففعلوا بهم ذلك فمضى أولئك على منهاج عيسى عليه الصلاة والسلام ، وخلف قوم من بعدهم ممن قد غير الكتاب ، فجعل الرجل يقول : نكون في مكان فلان فنتعبد كما تعبد فلان ونسيح كما ساح فلان ونتخذ دورا كما اتخذ فلان ، وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم ، فذلك قوله - عز وجل - : " ورهبانية ابتدعوها " أي ابتدعها هؤلاء الصالحون ( فما رعوها حق رعايتها ) يعني الآخرين الذين جاءوا من بعدهم ( فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم ) يعني الذين ابتدعوها ابتغاء رضوان الله " وكثير منهم فاسقون " هم الذين جاءوا من بعدهم ، قال : فلما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يبق منهم إلا قليل انحط رجل من صومعته وجاء سياح من سياحته وصاحب دير من ديره وآمنوا به
- ابن كثير : ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
( ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل ) وهو الكتاب الذي أوحاه الله إليه ( وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه ) وهم الحواريون ( رأفة ورحمة ) أي : رأفة وهي الخشية ) ورحمة ) بالخلق .
وقوله : ( ورهبانية ابتدعوها ) أي : ابتدعتها أمة النصارى ( ما كتبناها عليهم ) أي : ما شرعناها لهم ، وإنما هم التزموها من تلقاء أنفسهم .
وقوله : ( إلا ابتغاء رضوان الله ) فيه قولان ، أحدهما : أنهم قصدوا بذلك رضوان الله ، قال سعيد بن جبير ، وقتادة . والآخر : ما كتبنا عليهم ذلك إنما كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله .
وقوله : ( فما رعوها حق رعايتها ) أي : فما قاموا بما التزموه حق القيام . وهذا ذم لهم من وجهين ، أحدهما : في الابتداع في دين الله ما لم يأمر به الله . والثاني : في عدم قيامهم بما التزموه مما زعموا أنه قربة يقربهم إلى الله ، عز وجل .
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا إسحاق بن أبي حمزة أبو يعقوب الرازي ، حدثنا السندي بن عبدويه ، حدثنا بكير بن معروف ، عن مقاتل بن حيان ، عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه ، عن جده ابن مسعود قال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا ابن مسعود " . قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : " هل علمت أن بني إسرائيل افترقوا على ثنتين وسبعين فرقة ؟ لم ينج منها إلا ثلاث فرق ، قامت بين الملوك والجبابرة بعد عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، فدعت إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم ، فقاتلت الجبابرة فقتلت فصبرت ونجت ، ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال ، فقامت بين الملوك والجبابرة فدعوا إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم ، فقتلت وقطعت بالمناشير وحرقت بالنيران ، فصبرت ونجت . ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال ولم تطق القيام بالقسط ، فلحقت بالجبال فتعبدت وترهبت ، وهم الذين ذكرهم الله ، عز وجل : ( ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم )
وقد رواه ابن جرير بلفظ آخر من طريق أخرى فقال : حدثنا يحيى بن أبي طالب ، حدثنا داود بن المحبر ، حدثنا الصعق بن حزن ، حدثنا عقيل الجعدي ، عن أبي إسحاق الهمداني ، عن سويد بن غفلة ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
اختلف من كان قبلنا على ثلاث وسبعين فرقة ، نجا منهم ثلاث وهلك سائرهم . . . " وذكر نحو ما تقدم ، وفيه : " ( فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم ) هم الذين آمنوا بي وصدقوني ( وكثير منهم فاسقون ) وهم الذين كذبوني وخالفوني "ولا يقدح في هذه المتابعة لحال داود بن المحبر ، فإنه أحد الوضاعين للحديث ، ولكن قد أسنده أبو يعلى ، وسنده عن شيبان بن فروخ ، عن الصعق بن حزن به مثل ذلك فقوي الحديث من هذا الوجه .
وقال ابن جرير ، وأبو عبد الرحمن النسائي - واللفظ له - : أخبرنا الحسين بن حريث ، حدثنا الفضل بن موسى ، عن سفيان بن سعيد ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما قال : كان ملوك بعد عيسى ، عليه السلام ، بدلت التوراة والإنجيل ، فكان منهم مؤمنون يقرءون التوراة والإنجيل ، فقيل لملوكهم : ما نجد شيئا أشد من شتم يشتمونا هؤلاء ، إنهم يقرءون : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) [ المائدة : 44 ] ، هذه الآيات ، مع ما يعيبوننا به من أعمالنا في قراءتهم ، فادعهم فليقرءوا كما نقرأ ، وليؤمنوا كما آمنا . فدعاهم فجمعهم وعرض عليهم القتل أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل ، إلا ما بدلوا منها ، فقالوا : ما تريدون إلى ذلك ؟ دعونا : فقالت طائفة منهم : ابنوا لنا أسطوانة ، ثم ارفعونا إليها ، ثم أعطونا شيئا نرفع به طعامنا وشرابنا فلا نرد عليكم . وقالت طائفة : دعونا نسيح في الأرض ونهيم ونشرب كما يشرب الوحش ، فإن قدرتم علينا في أرضكم فاقتلونا . وقالت طائفة : ابنوا لنا دورا في الفيافي ، ونحتفر الآبار ، ونحترث البقول ، فلا نرد عليكم ولا نمر بكم . وليس أحد من القبائل إلا له حميم فيهم ، ففعلوا ذلك فأنزل الله ، عز وجل : ( ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها ) والآخرون قالوا : نتعبد كما تعبد فلان ، ونسيح كما ساح فلان ، ونتخذ دورا كما اتخذ فلان ، وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم فلما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يبق منهم إلا القليل ، انحط منهم رجل من صومعته ، وجاء سائح من سياحته ، وصاحب الدير من ديره ، فآمنوا به وصدقوه ، فقال الله ، عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ) أجرين بإيمانهم بعيسى ابن مريم والتوراة والإنجيل ، وبإيمانهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وتصديقهم قال ( ويجعل لكم نورا تمشون به ) [ الحديد : 28 ] : القرآن ، واتباعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لئلا يعلم أهل الكتاب ) الذين يتشبهون بكم ( ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم )
هذا السياق فيه غرابة ، وسيأتي تفسير هاتين الآيتين الأخريين على غير هذا ، والله أعلم .
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا أحمد بن عيسى ، حدثنا عبد الله بن وهب ، حدثني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء : أن سهل بن أبي أمامة حدثه أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة زمان عمر بن عبد العزيز وهو أمير ، وهو يصلي صلاة خفيفة كأنها صلاة مسافر أو قريبا منها ، فلما سلم قال : يرحمك الله ، أرأيت هذه الصلاة المكتوبة ، أم شيء تنفلته ؟ قال : إنها المكتوبة ، وإنها صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أخطأت إلا شيئا سهوت عنه ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : "
لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم ، فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد عليهم ، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات ، رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم " . ثم غدوا من الغد فقالوا : نركب فننظر ونعتبر قال : نعم فركبوا جميعا ، فإذا هم بديار قفر قد باد أهلها وانقرضوا وفنوا ، خاوية على عروشها فقالوا : تعرف هذه الديار ؟ قال : ما أعرفني بها وبأهلها . هؤلاء أهل الديار ، أهلكهم البغي والحسد ، إن الحسد يطفئ نور الحسنات ، والبغي يصدق ذلك أو يكذبه ، والعين تزني ، والكف ، والقدم ، والجسد ، واللسان ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبهوقال الإمام أحمد : حدثنا يعمر ، حدثنا عبد الله ، أخبرنا سفيان ، عن زيد العمي ، عن أبي إياس ، عن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
لكل نبي رهبانية ، ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله عز وجل "ورواه الحافظ أبو يعلى ، عن عبد الله بن محمد بن أسماء ، عن عبد الله بن المبارك به ولفظه : "
لكل أمة رهبانية ، ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله "وقال الإمام أحمد : حدثنا حسين - هو ابن محمد - حدثنا ابن عياش - يعني إسماعيل - عن الحجاج بن مروان الكلاعي ، وعقيل بن مدرك السلمي ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، أن رجلا جاءه فقال : أوصني ، فقال : سألت عما سألت عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبلك ، أوصيك بتقوى الله ، فإنه رأس كل شيء ، وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام ، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن ، فإنه روحك في السماء وذكرك في الأرض . تفرد به أحمد
- القرطبى : ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
قوله تعالى : ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون
فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : ثم قفينا أي : أتبعنا على آثارهم أي : على آثار الذرية . وقيل : على آثار نوح وإبراهيم برسلنا موسى وإلياس وداود وسليمان ويونس وغيرهم وقفينا بعيسى ابن مريم فهو من ذرية إبراهيم من جهة أمه وآتيناه الإنجيل وهو الكتاب المنزل عليه . وتقدم اشتقاقه في أول سورة ( آل عمران ) .
الثانية : قوله تعالى : وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه على دينه يعني الحواريين وأتباعهم رأفة ورحمة أي : مودة فكان يواد بعضهم بعضا . وقيل : هذا إشارة إلى أنهم أمروا في الإنجيل بالصلح وترك إيذاء الناس ، وألان الله قلوبهم لذلك ، بخلاف اليهود الذين قست قلوبهم وحرفوا الكلم عن مواضعه . والرأفة : اللين ، والرحمة : الشفقة . وقيل : الرأفة : تخفيف الكل ، والرحمة : تحمل الثقل . وقيل : الرأفة أشد الرحمة . وتم الكلام . ثم قال : ورهبانية ابتدعوها أي : من قبل أنفسهم . والأحسن أن تكون الرهبانية منصوبة بإضمار فعل ، قال أبو علي : وابتدعوها رهبانية ابتدعوها . وقال الزجاج : أي : ابتدعوها رهبانية ، كما تقول : رأيت زيدا وعمرا كلمت . وقيل : إنه معطوف على الرأفة والرحمة ، والمعنى على هذا أن الله تعالى أعطاهم إياها فغيروا وابتدعوا فيها . قال الماوردي : وفيها قراءتان ، إحداهما بفتح الراء وهي الخوف ، من الرهب . الثانية بضم الراء وهي منسوبة إلى الرهبان كالرضوانية من الرضوان ؛ وذلك لأنهم حملوا أنفسهم على المشقات في الامتناع من المطعم والمشرب والنكاح والتعلق بالكهوف والصوامع ، وذلك أن ملوكهم غيروا وبدلوا وبقي نفر قليل فترهبوا وتبتلوا . قال الضحاك : إن ملوكا بعد عيسى عليه السلام ارتكبوا المحارم ثلاثمائة سنة ، فأنكرها عليهم من كان بقي على منهاج عيسى فقتلوهم ، فقال قوم بقوا بعدهم : نحن إذا نهيناهم قتلونا فليس يسعنا المقام بينهم ، فاعتزلوا الناس واتخذوا الصوامع . وقال قتادة : الرهبانية التي ابتدعوها رفض النساء واتخاذ الصوامع . وفي خبر مرفوع : هي لحوقهم بالبراري والجبال . ما كتبناها عليهم أي : ما فرضناها عليهم ولا أمرناهم بها ؛ قاله ابن زيد . وقوله تعالى : إلا ابتغاء رضوان الله أي : ما أمرناهم إلا بما يرضي الله ؛ قاله ابن مسلم . وقال الزجاج : ما كتبناها عليهم معناه لم نكتب عليهم شيئا البتة . ويكون ابتغاء رضوان الله بدلا من الهاء والألف في كتبناها والمعنى : ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله . وقيل : إلا ابتغاء الاستئناء منقطع ، والتقدير : ما كتبناها عليهم لكن ابتدعوها ابتغاء رضوان الله . فما رعوها حق رعايتها أي : فما قاموا بها حق القيام . وهذا خصوص ، لأن الذين لم يرعوها بعض القوم ، وإنما تسببوا بالترهب إلى طلب الرياسة على الناس وأكل أموالهم ، كما قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل اللهوهذا في قوم أداهم الترهب إلى طلب الرياسة في آخر الأمر . وروى سفيان الثوري عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى : ورهبانية ابتدعوها قال : كانت ملوك بعد عيسى بدلوا التوراة والإنجيل ، وكان فيهم مؤمنون يقرءون التوراة والإنجيل ويدعون إلى دين الله تعالى ، فقال أناس لملكهم : لو قتلت هذه الطائفة . فقال المؤمنون : نحن نكفيكم أنفسنا . فطائفة قالت : ابنوا لنا أسطوانة ارفعونا فيها ، وأعطونا شيئا نرفع به طعامنا وشرابنا ولا نرد عليكم . وقالت طائفة : دعونا نهيم في الأرض ونسيح ، ونشرب كما تشرب الوحوش في البرية ، فإذا قدرتم علينا فاقتلونا . وطائفة قالت : ابنوا لنا دورا في الفيافي ونحفر الآبار ونحترث البقول فلا تروننا . وليس أحد من هؤلاء إلا وله حميم منهم ففعلوا ، فمضى أولئك على منهاج عيسى ، وخلف قوم من بعدهم ممن قد غير الكتاب فقالوا : نسيح ونتعبد كما تعبد أولئك ، وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان من تقدم من الذين اقتدوا بهم ، فذلك قوله تعالى : ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله الآية .
يقول : ابتدعها هؤلاء الصالحون فما رعوها المتأخرون حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم يعني الذين ابتدعوها أولا ورعوها وكثير منهم فاسقون يعني المتأخرين ، فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ولم يبق منهم إلا قليل ، جاءوا من الكهوف والصوامع والغيران فآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم .
الثالثة : وهذه الآية دالة على أن كل محدثة بدعة ، فينبغي لمن ابتدع خيرا أن يدوم عليه ، ولا يعدل عنه إلى ضده فيدخل في الآية . وعن أبي أمامة الباهلي - واسمه صدي بن عجلان - قال : أحدثتم قيام رمضان ولم يكتب عليكم ، إنما كتب عليكم الصيام ، فدوموا على القيام إذ فعلتموه ولا تتركوه ، فإن ناسا من بني إسرائيل ابتدعوا بدعا لم يكتبها الله عليهم ، ابتغوا بها رضوان الله فما رعوها حق رعايتها ، فعابهم الله بتركها فقال : ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها .
الرابعة : وفي الآية دليل على العزلة عن الناس في الصوامع والبيوت ، وذلك مندوب إليه عند فساد الزمان وتغير الأصدقاء والإخوان . وقد مضى بيان هذا في سورة ( الكهف ) مستوفى والحمد لله . وفي مسند أحمد بن حنبل من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية من سراياه فقال : مر رجل بغار فيه شيء من ماء ، فحدث نفسه بأن يقيم في ذلك الغار ، فيقوته ما كان فيه من ماء ويصيب ما حوله من البقل ويتخلى عن الدنيا . قال : لو أني أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فإن أذن لي فعلت وإلا لم أفعل ، فأتاه فقال : يا نبي الله ! إني مررت بغار فيه ما يقوتني من الماء والبقل ، فحدثتني نفسي بأن أقيم فيه وأتخلى من الدنيا . قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية ولكني بعثت بالحنيفية السمحة والذي نفس محمد بيده لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها ، ولمقام أحدكم في الصف الأول خير من صلاته ستين سنة . وروى الكوفيون عن ابن مسعود ، قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل تدري أي الناس أعلم قال : قلت : الله ورسوله أعلم . قال : أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس فيه وإن كان مقصرا في العمل وإن كان يزحف على استه ، هل تدري من أين اتخذ بنو إسرائيل الرهبانية ؟ ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى يعملون بمعاصي الله فغضب أهل الإيمان فقاتلوهم ، فهزم أهل الإيمان ثلاث مرات ، فلم يبق منهم إلا القليل فقالوا : إن أفنونا فلم يبق للدين أحد يدعون إليه ، فتعالوا نفترق في الأرض إلى أن يبعث الله النبي الأمي الذي وعدنا عيسى - يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم - فتفرقوا في غيران الجبال وأحدثوا رهبانية فمنهم من تمسك بدينه ومنهم من كفر - وتلا ورهبانية الآية - أتدري ما رهبانية أمتي ؟ الهجرة والجهاد والصوم والحج والعمرة والتكبير على التلاع يا ابن مسعود اختلف من كان قبلكم من اليهود على إحدى وسبعين فرقة فنجا منهم فرقة وهلك سائرها واختلف من كان من قبلكم من النصارى على اثنين وسبعين فرقة فنجا منهم ثلاثة ، وهلك سائرها ، فرقة وازت الملوك وقاتلتهم على دين الله ودينعيسى - عليه السلام - حتى قتلوا ، وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازاة الملوك ، أقاموا بين ظهراني قومهم فدعوهم إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم فأخذتهم الملوك وقتلتهم وقطعتهم بالمناشير ، وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازاة الملوك - ولا بأن يقيموا بين ظهراني قومهم فيدعوهم إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم فساحوا في الجبال وترهبوا فيها وهي التي قال الله تعالى فيهم : ورهبانية ابتدعوها - الآية - فمن آمن بي واتبعني وصدقني فقد رعاها حق رعايتها ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الفاسقون ، يعني الذي تهودوا وتنصروا . وقيل : هؤلاء الذين أدركوا محمدا صلى الله عليه وسلم فلم يؤمنوا به فأولئك هم الفاسقون . وفي الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ، أي : إن الأولين أصروا على الكفر أيضا ، فلا تعجب من أهل عصرك إن أصروا على الكفر . والله أعلم .
- الطبرى : ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
يقول تعالى ذكره: ثم أتبعنا على آثارهم برسلنا الذين أرسلناهم بالبينات على آثار نوح وإبراهيم برسلنا، وأتبعنا بعيسى ابن مريم، ( وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ) يعني: الذين اتبعوا عيسى على منهاجه وشريعته، ( رَأْفَةٌ ) وهو أشدّ الرحمة، ( وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا ) يقول: أحدثوها( مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ) يقول: ما افترضنا تلك الرهبانية عليهم، ( إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ ) يقول: لكنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله ( فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ) .
واختلف أهل التأويل في الذين لم يرعوا الرهبانية حقّ رعايتها، فقال بعضهم: هم الذين ابتدعوها، لم يقوموا بها، ولكنهم بدّلوا وخالفوا دين الله الذي بعث به عيسى، فتنصروا وتهوّدوا.
وقال آخرون: بل هم قوم جاءوا من بعد الذين ابتدعوها، فلم يرعوها حقّ رعايتها، لأنهم كانوا كفارا، ولكنهم قالوا: نفعل كالذي كانوا يفعلون من ذلك أوّليًّا، فهم الذين وصف الله بأنهم لم يرعوها حق رعايتها.
وبنحو الذي قلنا في تأويل هذه الأحرف، إلى الموضع الذي ذكرنا أن أهل التأويل فيه مختلفون في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ) فهاتان من الله، والرهبانية ابتدعها قوم من أنفسهم، ولم تُكتب عليهم، ولكن ابتغوا بذلك وأرادوا رضوان الله، فما رعوها حقّ رعايتها، ذُكر لنا أنهم رفضوا النساء، واتخذوا الصوامع.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا ) قال: لم تُكتب عليهم، ابتدعوها ابتغاء رضوان الله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ) قال: فلم؟ قال: ابتدعوها ابتغاء رضوان الله تطوّعا، فما رَعوها حقّ رعايتها.
ذكر من قال: الذين لم يرعوا الرهبانية حقّ رعايتها كانوا غير الذين ابتدعوها. ولكنهم كانوا المريدي الاقتداء بهم.
حدثنا الحسين بن الحريث [أبو عمار المَرْوزِيّ] قال: ثنا الفضل بن موسى، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كانت ملوك بعد عيسى بدّلوا التوراة والإنجيل، وكان فيهم مؤمنون يقرءون التوراة والإنجيل، فقيل لملكهم: ما نجد شيئا أشدّ علينا من شتم يشتُمناه هؤلاء، أنهم يقرءون وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ هؤلاء الآيات، مع ما يعيبوننا به في قراءتهم، فادعهم فليقرءوا كما نقرأ، وليؤمنوا كما آمنا به، قال: فدعاهم فجمعهم وعرض عليهم القتل، أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل، إلا ما بدّلوا منها، فقالوا: ما تريدون إلى ذلك فدعونا؛ قال: فقالت طائفة منهم: ابنوا لنا أسطوانة، ثم ارفعونا إليها، ثم أعطونا شيئا نرفع به طعامنا وشرابنا، فلا نردّ عليكم، وقالت طائفة منهم: دعونا نسيح في الأرض، ونهيم ونشرب كما تشرب الوحوش، فإن قدرتم علينا بأرضكم فاقتلونا، وقالت طائفة: ابنوا لنا دورا في الفيافي، ونحتفر الآبار، ونحترث البقول، فلا نردّ عليكم، ولا نمرّ بكم، وليس أحد من أولئك إلا وله حميم فيهم؛ قال: ففعلوا ذلك، فأنـزل الله جلّ ثناؤه ( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا )، الآخرون قالوا: نتعبد كما تعبد فلان، ونسيح كما ساح فلان، ونتخذ دورًا كما اتخذ فلان، وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم؛ قال: فلما بعث النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ولم يبق منهم إلا قليل، انحطّ رجل من صومعته، وجاء سائح من سياحته، وجاء صاحب الدار من داره، وآمنوا به وصدّقوه، فقال الله جلّ ثناؤه يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ قال: أجرين لإيمانهم بعيسى، وتصديقهم بالتوراة والإنجيل، وإيمانهم بمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وتصديقهم به. قال: وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ : القرآن، واتباعهم النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وقال لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ .
حدثنا يحيى بن أبي طالب، قال: ثنا داود بن المحبر، قال: ثنا الصعق بن حزن، قال: ثنا عقيل الجعدّي، عن أبي إسحاق الهمدانيّ، عن سويد ين غفلة، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " اخْتَلَفَ مَنْ كانَ قَبْلَنا على إحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، نَجا مِنْهُمْ ثَلاثُ وَهَلَكَ سائِرُهُمْ: فِرْقَةٌ مِنَ الثَّلاثِ وَازَتِ المُلُوكَ وََقاتَلَتْهُمْ على دِينِ اللهِ ودِين عيسَى ابنِ مَرْيَمَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ، فَقَتَلَتْهُمُ المُلُوكُ؛ وَفِرْقَةٌ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ طاقَةٌ بِمُوَازَاة المُلُوكِ، فأقامُوا بَينَ ظَهْرَانَيْ قَوْمَهِمْ يَدْعُونَهُمْ إلى دِينِ اللهِ ودِينِ عيسى ابن مَرْيم صَلَواتُ اللهُ عَليْه، فَقَتَلَتْهُمُ المُلُوكُ، وَنَشَرَتَهُمْ بالمَناشِير؛ وَفِرْقَةٌ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ طاقَةٌ بِمُوَازَاةِ المُلُوكِ، وَلا بالمُقام بَينَ ظَهْرَانَيْ قَوْمِهِمْ يَدْعُونَهُمْ إلى دينِ اللهِ ودِينِ عيسَى صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ، فَلَحِقُوا بالبَرَارِي والجبالِ، فَتَرَهَّبُوا فيها، فَهُوَ قَوْل اللهِ عَزَّ وَجَلَّ( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ) قال: ما فعلوها إلا ابتغاء رضوان الله، ( فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ) قال: ما رعاها الذين من بعدهم حقَّ رعايتها، ( فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ) قال: وهم الذين آمنوا بي، وصدّقوني. قال ( وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) قال: وفهم الذين جحدوني وكذّبوني.
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا )، قال الآخرون: ممن تعبد من أهل الشرك، وفني من فني منهم، يقولون: نتعبَّد كما تعبد فلان، ونسيح كما ساح فلان، وهم في شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم.
* ذكر من قال: الذين لم يرعوها حق رعايتها: الذين ابتدعوها.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبى، قال ثني عمى، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ) .... إلى قوله : ( حَقَّ رِعَايَتِهَا ) يقول: ما أطاعوني فيها، وتكلَّموا فيها بمعصية الله، وذلك أن الله عزّ وجلّ كتب عليهم القتال قبل أن يبعث محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فلما استخرج أهل الإيمان، ولم يبق منهم إلا قليل، وكثر أهل الشرك، وذهب الرسل وقهروا، اعتزلوا في الغيران، فلم يزل بهم ذلك حتى كفرت طائفة منهم، وتركوا أمر الله عزّ وجلّ ودينه، وأخذوا بالبدعة وبالنصرانية وباليهودية، فلم يرعوها حقّ رعايتها، وثبتت طائفة على دين عيسى ابن مريم صلوات الله عليه، حين جاءهم بالبينات، وبعث الله عزّ وجلّ محمدا رسولا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وهم كذلك، فذلك قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ... إلى وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ): كان الله عزّ وجلّ كتب عليهم القتال قيل أن يبعث محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فلما استخرج أهل الإيمان، ولم يبق منهم إلا القليل، وكثر أهل الشرك، وانقطعت الرسل، اعتزلوا الناس، فصاروا في الغيران، فلم يزالوا كذلك حتى غيرت طائفة منهم، فتركوا دين الله وأمره، وعهده الذي عهده إليهم، وأخذوا بالبدع، فابتدعدوا النصرانية واليهودية، فقال الله عزّ وجلّ لهم: ( فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا )، وثبتت طائفة منهم على دين عيسى صلوات الله عليه، حتى بعث الله محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فآمنوا به.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال ثنا هشيم، قال: أخبرنا زكريا بن أبي مريم، قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: إن الله كتب عليكم صيام رمضان، ولم يكتب عليكم قيامه، وإنما القيام شيء ابتدعتموه، وإن قوما ابتدعوا بدعة لم يكتبها الله عليهم، ابتغوا بها رضوان الله، فلم يرعوها حق رعايتها،فعابهم الله بتركها، فقال: ( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ) .
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال: إن الذين وصفهم الله بأنهم لم يرعوا الرهبانية حقّ رعايتها، بعض الطوائف التي ابتدعتها، وذلك أن الله جلّ ثناؤه أخبر أنه آتى الذين آمنوا منهم أجرهم؛ قال: فدلّ بذلك على أن منهم من قد رعاها حقّ رعايتها، فلو لم يكن منهم من كان كذلك، لم يكن مستحقّ الأجر الذي قال جلّ ثناؤه: ( فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ )، إلا أن الذين لم يرعوها حقّ رعايتها ممكن أن يكون كانوا على عهد الذين ابتدعوها، وممكن أن يكونوا كانوا بعدهم، لأن الذين هم من أبنائهم إذا لم يكونوا رعوها، فجائز في كلام العرب أن يقال: لم يرعها القوم على العموم. والمراد منهم البعض الحاضر، وقد مضى نظير ذلك في مواضع كثيرة من هذا الكتاب.
وقوله: ( فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ) يقول تعالى ذكره: فأعطينا الذين آمنوا بالله ورسله من هؤلاء، الذين ابتدعوا الرهبانية ثوابهم على ابتغائهم رضوان الله، وإيمانهم به وبرسوله في الآخرة، وكثير منهم أهل معاص، وخرج عن طاعته، والإيمان به.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد ( فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ) قال: الذين رعوا ذلك الحقّ.
- ابن عاشور : ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآَتَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)
{ ثم } للتراخي الترتبي لأن بعثه رسل الله الذين جاءوا بعد نوح وإبراهيم ومن سَبق من ذريتهما أعظمُ مما كان لدى ذرية إبراهيم قبل إرسال الرسل الذين قفّى الله بهم ، إذ أرسلوا إلى أمم كثيرة مثل عاد وثمود وبني إسرائيل وفيهم شريعة عظيمة وهي شريعة التوراة .
والتقفية : إتْباع الرسول برسول آخر ، مشتقة من القَفا لأنه يأتي بعده فكأنه يمشي عن جهة قفاه ، وقد تقدم في قوله تعالى : { ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل } في سورة [ البقرة : 87 ] .
والآثار : جمع الأثر ، وهو ما يتركه السائر من مواقع رجليه في الأرض ، قال تعالى : { فارتدا على آثارهما قصصاً } [ الكهف : 64 ] .
وضمير الجمع في قوله : { على آثارهم } عائد إلى نوح وإبراهيم وذريتهما الذين كانت فيهم النبوءة والكتاب ، فأما الذين كانت فيهم النبوءة فكثيرون ، وأما الذين كان فيهم الكتاب فمثل بني إسرائيل .
و ( على ) للاستعلاء . وأصل ( قفى على أثره ) يدل على قرب ما بين الماشِيين ، أي حضر الماشي الثاني قبل أن يزول أثر الماشي الأول ، وشاع ذلك حتى صار قولهم : على أثره ، بمعنى بعده بقليل أو متصلاً شأنه بشأن سابقه ، وهذا تعريف للأمة بأن الله أرسل رسلاً كثيرين على وجه الإجمال وهو تمهيد للمقصود من ذكر الرسول الأخير الذي جاء قبل الإسلام وهو عيسى عليه السلام .
وفي إعادة فعل { قفينا } وعدم إعادة { على آثارهم } إشارة إلى بُعد المدة بين آخر رسل إسرائيل وبين عيسى فإن آخر رسل إسرائيل كان يونس بن متَّى أرسل إلى أهل نَيْنَوى أول القرن الثامن قبل المسيح فلذلك لم يكن عيسى مرسلاً على آثار من قبله من الرسل .
والإنجيل : هو الوحي الذي أنزله الله على عيسى وكتَبه الحواريون في أثناء ذكر سيرته .
والإِنجيل : بكسر الهمزة وفتحها معرّب تقدم بيانه أول سورة آل عمران . ومعنى جَعْل الرأفة والرحمة في قلوب الذين اتّبعوه أن تعاليم الإنجيل الذي آتاه الله عيسى أمرتهم بالتخلق بالرأفة والرحمة فعملوا بها ، أو إن ارتياضهم بسيرة عيسى عليه السلام أرسخَ ذلك في قلوبهم وذلك بجعل الله تعالى لأنه أمرهم به ويسّره عليهم .
ذلك أن عيسى بُعث لتهذيب نفوس اليهود واقتلاع القسوة من قلوبهم التي تخلقوا بها في أجيال طويلة قال تعالى : { ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة } في سورة [ البقرة : 74 ] .
والرأفة : الرحمة المتعلقة بدفع الأذى والضرّ فهي رحمة خاصة ، وتقدمت في قوله تعالى : { إن الله بالناس لرؤوف رحيم } في سورة [ البقرة : 143 ] وفي قوله : { ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله } في سورة [ النور : 2 ] .
والرحمة : العطف والملاينة ، وتقدمت في أول سورة الفاتحة .
فعطف الرحمة على الرأفة من عطف العام على الخاص لاستيعاب أنواعه بعد أن اهتم ببعضها .
والرهبانية : اسم للحالة التي يكون الراهب متصفاً بها في غالب شؤون دينه ، والياء فيها ياء النسبة إلى الراهب على غير قياس لأن قياس النسب إلى الراهب الراهبية ، والنون فيها مزيدة للمبالغة في النسبة كما زيدت في قولهم : شَعْراني ، لكثير الشعر ، ولحياني لعظيم اللحية ، ورُوحاني ، ونَصراني .
وجعل في الكشاف } النون جائية من وصف رُهبان مثل نون خشيان من خشي والمبالغة هي هي ، إلا أنها مبالغة في الوصف لا في شدة النسبة .
والهاء هاء تأنيث بتأويل الاسم بالحالة وجعل في «الكشاف» الهاء للمرة .
وأما اسم الراهب الذي نسبت إليه الرهبانية فهو وصف عومل معاملة الاسم ، وهو العابد من النصارى المنقطع للعبادة ، وهو وصف مشتق من الرهَب : أي الخوف لأنه شديد الخوف من غضب الله تعالى أو من مخالفة دين النصرانية . ويلزم هذه الحالة في عرف النصارى العزلة عن الناس تجنباً لما يشغل عن العبادة وذلك بسكنى الصوامع والأديرة وترك التزوج تجنباً للشواغل ، وربما أوجبت بعض طوائف الرهبان على الراهب تَرك التزوج غلوا في الدين .
وجعل في «الكشاف» : الرهبانية مشتقة من الرهب ، أي الخوف من الجبابرة ، أي الذين لم يؤمنوا بعيسى عليه السلام من اليهود ، وأن الجبابرة ظهروا على المؤمنين بعيسى فقاتلوهم ثلاث مرات فَقُتِلوا حتى لم يبق منهم إلا القليل ، فخافوا أن يفتنوا في دينهم فاختاروا الرهبانية وهي ترهبهم في الجبال فارين من الفتنة في الدين اه .
وأول ما ظهر اضطهاد أتباع المسيح في بلاد اليهودية ، فلما تفرق أتباع المسيح وأتباعهم في البلدان ناواهم أهل الإِشراك والوثنية من الروم حيث حلّوا من البلاد التابعة لهم فحدثت فيهم أحوال من التقية هي التي دعاها صاحب «الكشاف» بمقاتلة الجبابرة .
فالراهب يمتنع من التزوج خيفة أن تشغله زوجه عن عبادته ، ويمتنع من مخالطة الأصحاب خشية أن يلهوه عن العبادة ، ويترك لذائذ المآكل والملابس خشية أن يقع في اكتساب المال الحرام ، ولأنهم أرادوا التشبه بعيسى عليه السلام في الزهد في الدنيا وترك التزوج ، فلذلك قال الله تعالى : { ابتدعوها } ، أي أحدثوها فإن الابتداع الإِتيان بالبدعة والبِدَععِ وهو ما لم يكن معروفاً ، أي أحدثوها بعد رسولهم فإن البدعة ما كان محدثاً بعد صاحب الشريعة .
ونصب { رهبانية } على طريقة الاشتغال . والتقدير : وابتدعوا رهبانية وليس معطوفاً على { رأفة ورحمة } لأن هذه الرهبانية لم تكن مما شرع الله لهم فلا يستقيم كونها مفعولاً ل { جعلنا } ، ولأن الرهبانية عمل لا يتعلق بالقلوب وفعل { جعلنا } مقيد ب { في قلوب الذين اتبعوه } فتكون مفعولاته مقيدة بذلك ، إلا أن يتأول جعلها في القلوب بجعل حبها كقوله تعالى : { وأشربوا في قلوبهم العجل } [ البقرة : 93 ] .
وعلى اختيار هذا الإعراب مَضى المحققون مثل أبي علي الفارسي والزجاج والزمخشري والقرطبي . وجوز الزمخشري أن يكون عطفاً على { رأفة ورحمة } .
واتهم ابن عطية هذا الإعراب بأنه إعراب المعتزلة فقال : «والمعتزلة تعرب { رهبانية } أنها نصب بإضمار فعل يفسره { ابتدعوها } ويذهبون في ذلك إلى أن الإِنسان يخلق أفعاله فيعربون الآية على هذا» اه . وليس في هذا الإِعراب حجة لهم ولا في إبطاله نفع لمخالفتهم كما علمت .
وإنما عطفت هذه الجملة على جملة { وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه } لاشتراك مضمون الجملتين في أنه من الفضائل المراد بها رضوان الله .
والمعنى : وابتدعوا لأنفسهم رهبانية ما شرعناها لهم ولكنهم ابتغوا بها رضوان الله فقبلها الله منهم لأن سياق حكاية ذلك عنهم يقتضي الثناء عليهم في أحوالهم .
وضمير الرفع من ابتدعوها عائد إلى الذين اتبعوا عيسى . والمعنى : أنهم ابتدعوا العمل بها فلا يلزم أن يكون جميعهم اخترع أسلوب الرهبانية ولكن قد يكون بعضهم سنها وتابَعَه بقيتهم .
والذين اتبعوه صادق على من أخذوا بالنصرانية كلهم ، وأعظم مراتبهم هم الذين اهتدوا بسيرته اهتداء كاملاً وانقطعوا لها وهم القائمون بالعبَادة .
والإِتيان بالموصول وصلته إشعار بأن جعل الرأفة والرحمة في قلوبهم متسبب عن اتباعهم سيرته وانقطاعهم إليه .
وجملة { ما كتبناها عليهم } مبينة لجملة { ابتدعوها } ، وقوله : { إلا ابتغاء رضوان الله } احتراس ، ومجموع الجمل الثلاث استطراد واعتراض .
والاستثناء بقوله : { إلا ابتغاء رضوان الله } معترض بين جملة { ما كتبناها عليهم } وجملة { فما رَعَوْها } .
وهو استثناء منقطع ، والاستثناء المنقطع يشمله حكم العامل في المستثنى منه وإن لم يشمله لفظ المستثنى منه فإن معنى كونه منقطعاً أنه منقطع عن مدلول الاسم الذي قبله ، وليس منقطعاً عن عامله ، فالاستثناء يقتضي أن يكون ابتغاء رضوان الله معمولاً في المعنى لفعل { كتبناها } فالمعنى : لكن كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله ، أي أن يبتغوا رضوان الله بكل عمل لا خصوص الرهبانية التي ابتدعوها ، أي أن الله لم يكلفهم بها بعينها .
وقوله : { إلا ابتغاء رضوان الله } يجوز أن يكون نفياً لتكليف الله بها ولو في عموم ما يشملها ، أي ليست مما يشمله الأمر برضوان الله تعالى وهم ظنوا أنهم يرضون الله بها . ويجوز أن يكون نفياً لبعض أحوال كتابة التكاليف عليهم وهي كتابة الأمر بها بعينها فتكون الرهبانية مما يبتغَى به رضوان الله ، أي كتبوها على أنفسهم تحقيقاً لما فيه رضوان الله ، فيكون كقوله تعالى : { إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة } [ آل عمران : 93 ] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " شَدّدوا فشدّد الله عليهم " في قصة ذبح البقرة . وهذا هو الظاهر من الآية .
وانتصب { إِلاَّ } على المفعول به لفعل { مَا } ، ولك أن تجعله مفعولاً لأجله بتقدير فعل محذوف بعد حرف الاستثناء ، أي لكنهم ابتدعوها لابتغاء رضوان الله .
وفي الآية على أظهر الاحتمالين إشارة إلى مشروعية تحقيق المناط وهو إثبات العلة في آحاد جزئياتها وإثباتُ القاعدة الشرعية في صورها .
وفيها حجة لانقسام البدعة إلى محمودة ومذمومة بحسب اندراجها تحت نوع من أنواع المشروعية فتعْتريها الأحكام الخمسة كما حققه الشهاب القرافي وحذاق العلماء . وأما الذين حاولوا حصرها في الذم فلم يجدوا مصرفاً . وقد قال عمر لما جمع الناس على قارىء واحد في قيام رمضان «نعمت البدعة هذه» .
وقد قيل : إنهم ابتدعوا الرهبانية للانقطاع عن جماعات الشرك من اليونان والروم وعن بطش اليهود ، وظاهر أن ذلك طلب لرضوان الله كما حكى الله عن أصحاب الكهف { وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف } [ الكهف : 16 ] .
وفي الحديث : " يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يتتبع بها شَعَف الجبال ومواقعَ القَطر يَفرّ بدينه من الفِتَن " ، وعليه فيكون تركهم التزوج عارضاً اقتضاه الانقطاع عن المدن والجماعات فظنه الذين جاءوا من بعدهم أصلاً من أصول الرهبانية .
وأما ترك المسيح التزوج فلعله لعارض آخر أمره الله به لأجله ، وليس ترك التزوج من شؤون النبوءة فقد كان لجميع الأنبياء أزواج قال تعالى : { وجعلنا لهم أزواجاً وذرية } [ الرعد : 38 . ]
وقيل : إن ابتداعهم الرهبانية بأنهم نذروها لله وكان الانقطاع عن اللذائذ وإعناتُ النفس من وجوه التقرب في بعض الشرائع الماضية بقيت إلى أن أبطلها الإسلام في حديث النذر في «الموطأ» «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قائماً في الشمس صامتاً فسأل عنه فقالوا : نذر أن لا يتكلم ولا يستظل وأن يصوم يومه فقال : مُروه فليتكلمْ وليستظل وليُتِمَّ صومه إن الله عن تعذيب هذا نفسَه لغني» . وقد مضى في سورة [ مريم : 26 ] قوله تعالى : { فقولي إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً ولا تنافي بين القولين لأن أسباب الرهبانية قد تتعدد باختلاف الأديان . } وقد فُرع على قوله : { ابتدعوها } و { ما كتبناها عليهم } وما بعده قوله : { فما رعوها حق رعايتها } أي فترتب على التزامهم الرهبانية أنهم ، أي الملتزِمين للرهبانية ما رعوها حق رعايتها . وظاهر الآية أن جميعهم قصروا تقصيراً متفاوتاً ، قصروا في أداء حقها ، وفيه إشعار بأن ما يكتبه الله على العباد من التكاليف لا يشق على الناس العمل به .
والرعي : الحفظ ، أي ما حفظوها حق حفظها ، واستعير الحفظ لاستيفاء ما تقتضيه ماهية الفعل ، فالرهبانية تحوم حول الإِعراض عن اللذائذ الزائلة وإلى التعود بالصبر على ترك المحبوبات لئلا يشغله اللهو بها عن العبادة والنظرِ في آيات الله ، فإذا وقع التقصير في التزامها في بعض الأزمان أو التفريط في بعض الأنواع فقد انتفى حق حفظها .
و { حق رعايتها } من إضافة الصفة إلى الموصوف ، أي رعايتها الحق .
وحق الشيء : هو وقوعه على أكمل أحوال نوعه ، وهو منصوب على المفعول المطلق المبين للنوع .
والمعنى : ما حفظوا شؤون الرهبانية حفظاً كاملاً فمصبّ النفي هو القيد بوصف { حق رعايتها } .
وهذا الانتفاء له مراتب كثيرة ، والكلام مسوق مساق اللوم على تقصيرهم فيما التزموه أو نذروه ، وذلك تقهقر عن مراتب الكمال وإنما ينبغي للمتقي أن يكون مزداداً من الكمال .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم « أحب الدين إلى الله أدْوَمه » . وقوله : { فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم } تفريع على جملة { وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه } إلى آخره وما بينهما استطراد .
والمراد ب { الذين آمنوا } المتصفون بالإِيمان المصطلح عليه في القرآن ، وهو توحيد الله تعالى والإِيمانُ برسله في كل زمان ، أي فآتينا الذين آمنوا من الذين اتبعوه أجرهم ، أي الذين لم يخلطوا متابعتهم إياه بما يفسدها مثل الذين اعتقدوا إلهية عيسى عليه السلام أو بنوتَه لله ، ونحوهم من النصارى الذين أدخلوا في الدين ما هو مناقض لقواعده وهم كثير من النصارى كما قال : { وكثير منهم فاسقون } .
والمراد بالفسق : الكفر وهذا ثناء على المؤمنين الصادقين ممن مضوا من النصارى قبل البعثة المحمدية وبلوغ دعوتها إلى النصارى ، وادعاؤهم أنهم أتباع المسيح باطل لأنهم ما اتبعوه إلا في الصورة والذين أفسدوا إيمانهم بنقض حصوله هم المراد بقوله تعالى : { وكثير منهم فاسقون } ، أي وكثير من الذين التزموا دينه خارجون عن الإِيمان ، فالمراد بالفسق ما يشمل الكفر وما دونه مثل الذين بدلوا الكتاب واستخفوا بشرائعه كما قال تعالى : { يأيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله } [ التوبة : 34 ] .
- إعراب القرآن : ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
«ثُمَّ قَفَّيْنا» حرف عطف وماض وفاعله والجملة معطوفة على ما قبلها «عَلى آثارِهِمْ» متعلقان بالفعل «بِرُسُلِنا» مجرور لفظا منصوب محلا مفعول به «وَقَفَّيْنا» معطوف على قفينا الأولى «بِعِيسَى» مجرور لفظا منصوب محلا مفعول به «ابْنِ» صفة عيسى مضاف «مَرْيَمَ» مضاف إليه ، «وَآتَيْناهُ» ماض ومفعوله والجملة معطوفة على ما قبلها «الْإِنْجِيلَ» مفعول به ثان «وَجَعَلْنا» ماض وفاعله «فِي قُلُوبِ» متعلقان بالفعل والجملة معطوفة على ما قبلها «الَّذِينَ» اسم الموصول مضاف إليه «اتَّبَعُوهُ» ماض وفاعله ومفعوله والجملة صلة الذين «رَأْفَةً» مفعول به «وَرَحْمَةً» معطوف على رأفة «وَرَهْبانِيَّةً» معطوفة على رأفة ورحمة «ابْتَدَعُوها» ماض وفاعل ومفعول به والجملة صفة رهبانية «ما» نافية «كَتَبْناها» ماض وفاعله ومفعوله والجملة صفة رهبانية. «عَلَيْهِمْ» متعلقان بالفعل «إِلَّا» حرف حصر «ابْتِغاءَ» مفعول لأجله
«رِضْوانِ» مضاف إليه «اللَّهِ» لفظ الجلالة مضاف إليه. «فَما» الفاء استئنافية وما نافية «رَعَوْها» ماض وفاعله ومفعوله والجملة استئنافية لا محل لها «حَقَّ» مفعول مطلق «رِعايَتِها» مضاف إليه ، «فَآتَيْنَا الَّذِينَ» ماض وفاعله ومفعوله الأول والجملة استئنافية لا محل لها «آمَنُوا» ماض وفاعله والجملة صلة «مِنْهُمْ» متعلقان بمحذوف حال «أَجْرَهُمْ» مفعول به ثان. «وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ» سبق إعرابها في الآية السابقة.
- English - Sahih International : Then We sent following their footsteps Our messengers and followed [them] with Jesus the son of Mary and gave him the Gospel And We placed in the hearts of those who followed him compassion and mercy and monasticism which they innovated; We did not prescribe it for them except [that they did so] seeking the approval of Allah But they did not observe it with due observance So We gave the ones who believed among them their reward but many of them are defiantly disobedient
- English - Tafheem -Maududi : ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ(57:27) In their wake, We sent a succession of Our Messengers, and raised Jesus, son of Mary, after all of them, and bestowed upon him the Evangel, and We set tenderness and mercy *51 in the hearts of those that followed him. As for monasticism, *52 it is they who invented it; *53 We did not prescribe it for them. They themselves invented it in pursuit of Allah's good pleasure, and then they did not observe it as it ought to have been observed. *54 So We gave their reward to those of them that believed. But many of them are wicked.
- Français - Hamidullah : Ensuite sur leurs traces Nous avons fait suivre Nos [autres] messagers et Nous les avons fait suivre de Jésus fils de Marie et lui avons apporté l'Evangile et mis dans les cœurs de ceux qui le suivirent douceur et mansuétude Le monachisme qu'ils inventèrent Nous ne le leur avons nullement prescrit [Ils devaient] seulement rechercher l'agrément d'Allah Mais ils ne l'observèrent pas ce monachisme comme il se devait Nous avons donné leur récompense à ceux d'entre eux qui crurent Mais beaucoup d'entre eux furent des pervers
- Deutsch - Bubenheim & Elyas : Hierauf ließen Wir auf ihren Spuren Unsere Gesandten folgen; und Wir ließen 'Isa den Sohn Maryams folgen und gaben ihm das Evangelium Und Wir setzten in die Herzen derjenigen die ihm folgten Mitleid und Barmherzigkeit und auch Mönchtum das sie erfanden - Wir haben es ihnen nicht vorgeschrieben - dies nur im Trachten nach Allahs Wohlgefallen Sie beachteten es jedoch nicht wie es ihm zusteht Und so gaben Wir denjenigen von ihnen die glaubten ihren Lohn Aber viele von ihnen waren Frevler
- Spanish - Cortes : Tras ellos mandamos a Nuestros otros enviados así como Jesús hijo de María a quien dimos el Evangelio Pusimos en los corazones de quienes le siguieron mansedumbre misericordia y monacato Este último fue instaurado por ellos -no se lo prescribimos Nosotros- sólo por deseo de satisfacer a Alá pero no lo observaron como debían Remuneramos a quienes de ellos creyeron pero muchos de ellos fueron unos perversos
- Português - El Hayek : Então após eles enviamos outros mensageiros Nossos e após estes enviamos Jesus filho de Maria a quemconcedemos o Evangelho; e infundimos nos corações daqueles que o seguem compaixão e clemência No entanto seguem avida monástica que inventaram mas que não lhes prescrevemos; Nós lhes prescrevemos apenas compraz a Deus; porém não o observaram devidamente E recompensamos os fiéis dentre eles; porém a maioria é depravada
- Россию - Кулиев : Потом Мы отправили по их следам Наших посланников и отправили Ису Иисуса сына Марьям Марии и даровали ему Инджил Евангелие В сердца тех которые последовали за ним Мы вселили сострадание и милосердие а монашество они выдумали сами Мы не предписывали им этого но они поступили так дабы снискать довольство Аллаха или Мы предписали им только стремиться к довольству Аллаха Но они не соблюли его должным образом Тем из них которые уверовали Мы даровали их награду но многие из них являются нечестивцами
- Кулиев -ас-Саади : ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
Потом Мы отправили по их следам Наших посланников, и отправили Ису (Иисуса), сына Марьям (Марии), и даровали ему Инджил (Евангелие). В сердца тех, которые последовали за ним, Мы вселили сострадание и милосердие, а монашество они выдумали сами. Мы не предписывали им этого, но они поступили так, дабы снискать довольство Аллаха (или Мы предписали им только стремиться к довольству Аллаха). Но они не соблюли его должным образом. Тем из них, которые уверовали, Мы даровали их награду, но многие из них являются нечестивцами.Всевышний особо отметил пророка Ису и ниспосланное ему Писание, потому что речь зашла о христианах. Всевышний сказал: «Ты непременно найдешь самыми лютыми врагами верующих иудеев и многобожников. Ты также непременно найдешь, что ближе всех в любви к верующим, являются те, которые говорят: «Мы - христиане». Это потому, что среди них есть священники и монахи, и потому, что они не проявляют высокомерия» (5:82). Все это свидетельствует о том, что в прошлом христиане, которые были истинными последователями пророка Исы, были добрыми и кроткими людьми. Монашество - это обряд поклонения, который христиане придумали и вменили себе в обязанность. Всевышний не велел им соблюдать тех законов, которые они придумали для себя, но христиане пошли на такой шаг в надежде обрести благоволение Аллаха. Однако они не сумели должным образом придерживаться тяжелых правил монашеской жизни, и тем самым сделали еще одно упущение. Они не только придумали то, чего от них не требовал Аллах, но и не соблюли того, что сами вменили себе в обязанность. К сожалению, подобные прегрешения они совершали очень часто. Среди них были и правоверные, которым Аллах воздал по заслугам. Они уверовали в Пророка Мухаммада, да благословит его Аллах и приветствует, и утвердились в своей вере в пророка Ису, и каждому из них Аллах даровал вознаграждение, соразмерное его вере и праведности. Но многие из них были нечестивцами, которые отвергли Мухаммада и отказались покориться Аллаху и последовать прямым путем.
- Turkish - Diyanet Isleri : Onların izleri üzerinden peygamberlerimizi ard arda gönderdik; Meryem oğlu İsa'yı da ardlarından gönderdik ve ona İncil'i verdik; ona uyanların gönüllerine şefkat ve merhamet duyguları koyduk; üzerlerine bizim gerekli kılmadığımız fakat kendilerinin güya Allah'ın rızasını kazanmak için ortaya attıkları ruhbaniyete bile gereği gibi riayet etmediler; içlerinde inanmış olan kimselere ecirlerini verdik; ama çoğu yoldan çıkmışlardır
- Italiano - Piccardo : Mandammo poi sulle loro orme i Nostri messaggeri e mandammo Gesù figlio di Maria al quale demmo il Vangelo Mettemmo nel cuore di coloro che lo seguirono dolcezza e compassione; il monachesimo invece lo istituirono da loro stessi soltanto per ricercare il compiacimento di Allah Non fummo Noi a prescriverlo Ma non lo rispettarono come avrebbero dovuto Demmo la loro ricompensa a quanti fra loro credettero ma molti altri furono empi
- كوردى - برهان محمد أمين : لهوهودوا بهشوێن پێغهمبهراندا پێغهمبهرانی ترمان ڕهوانهکرد کۆتایی زنجیرهی ئیسحاقی کوڕی ئیبراهیممان هێنا بهعیسای کوڕی مهریهم ئینجیلیشمان پێبهخشی سۆزو میهرهبانیمان لهدڵی ئهوانهدا کهشوێنی کهوتبووهدابین کرد بهڵام ئهوان ڕههبانیهت و دوورهپهرێزیان لهدنیادا کردهپیشهیان وهنهبێت ئێمه ئهو حاڵهتهمان لهسهر فهرز کردبن بهڵکو تهنها بهدهستهێنانی ڕهزامهندی خوامان لێ داوا کردبوون کهچی ئهوان ڕههبانییهتیان بهچاکی پهیڕهو نهکرد ئێمهش پاداشتی ئهوانمان دایهوه کهباوهڕی ڕاست و دروستیان ههبوو ههرچهندهزۆربهیان لارو وێرو خوانهناس و یاخی دهرچوون
- اردو - جالندربرى : پھر ان کے پیچھے انہی کے قدموں پر اور پیغمبر بھیجے اور ان کے پیچھے مریمؑ کے بیٹے عیسی کو بھیجا اور ان کو انجیل عنایت کی۔ اور جن لوگوں نے ان کی پیروی کی ان کے دلوں میں شفقت اور مہربانی ڈال دی۔ اور لذات سے کنارہ کشی کی تو انہوں نے خود ایک نئی بات نکال لی ہم نے ان کو اس کا حکم نہیں دیا تھا مگر انہوں نے اپنے خیال میں خدا کی خوشنودی حاصل کرنے کے لئے اپ ہی ایسا کرلیا تھا پھر جیسا اس کو نباہنا چاہیئے تھا نباہ بھی نہ سکے۔ پس جو لوگ ان میں سے ایمان لائے ان کو ہم نے ان کا اجر دیا اور ان میں بہت سے نافرمان ہیں
- Bosanski - Korkut : Zatim smo poslije njih jednog za drugim Naše poslanike slali dok nismo Isaa sina Merjemina poslali kojem smo Indžil dali a u srca sljedbenika njegovih smo blagost i samilost ulili dok su monaštvo oni sami kao novotariju uveli – Mi im ga nismo propisali – u želji da steknu Allahovo zadovoljstvo; ali oni o njemu ne vode brigu onako kako bi trebalo pa ćemo one među njima koji budu ispravno vjerovali nagraditi a mnogi od njih su nevjernici
- Swedish - Bernström : Och Vi lät [andra av] Våra sändebud följa i deras spår och Vi sände Jesus Marias son och gav honom Evangeliet; och Vi lät hjärtana hos dem som följde honom fyllas av ömhet och medkänsla Men själva införde de munkväsendet Vi föreskrev det inte för dem och med dess [späkningar och försakelser] strävade de efter att uppnå Guds välbehag Men de följde inte dess [regler] så som de borde ha följt dem Vi belönade dem bland efterföljarna [till Jesus] som var [sanna] troende men många av dem visade trots [mot Gud]
- Indonesia - Bahasa Indonesia : Kemudian Kami iringi di belakang mereka dengan rasulrasul Kami dan Kami iringi pula dengan Isa putra Maryam; dan Kami berikan kepadanya Injil dan Kami jadikan dalam hati orangorang yang mengikutinya rasa santun dan kasih sayang Dan mereka mengadaadakan rahbaniyyah padahal kami tidak mewajibkannya kepada mereka tetapi mereka sendirilah yang mengadaadakannya untuk mencari keridhaan Allah lalu mereka tidak memeliharanya dengan pemeliharaan yang semestinya Maka Kami berikan kepada orangorang yang beriman di antara mereka pahalanya dan banyak di antara mereka orangorang fasik
- Indonesia - Tafsir Jalalayn : ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
(Kemudian Kami iringi di belakang mereka dengan rasul-rasul Kami dan Kami iringi pula dengan Isa putra Maryam; dan Kami berikan kepadanya Injil dan Kami jadikan dalam hati orang-orang yang mengikutinya rasa santun dan kasih sayang. Dan kerahbaniyahan) yakni tidak mau kawin dan hidup membaktikan diri di dalam gereja-gereja (yang mereka ada-adakan) oleh diri mereka sendiri (padahal Kami tidak mewajibkannya kepada mereka) Kami tidak memerintahkan hal itu kepada mereka (tetapi) melainkan mereka mengerjakannya (untuk mencari keridaan) demi mencari kerelaan (Allah, lalu mereka tidak memeliharanya dengan pemeliharaan yang semestinya) karena kebanyakan di antara mereka meninggalkannya dan kafir kepada agama Nabi Isa, lalu mereka memasuki agama raja mereka. Akan tetapi masih banyak pula di antara mereka yang berpegang teguh kepada ajaran Nabi Isa, lalu mereka beriman kepada Nabi Muhammad. (Maka Kami berikan kepada orang-orang yang beriman) kepada Nabi Isa (di antara mereka pahalanya dan banyak di antara mereka orang-orang fasik).
- বাংলা ভাষা - মুহিউদ্দীন খান : অতঃপর আমি তাদের পশ্চাতে প্রেরণ করেছি আমার রসূলগণকে এবং তাদের অনুগামী করেছি মরিয়ম তনয় ঈসাকে ও তাকে দিয়েছি ইঞ্জিল। আমি তার অনুসারীদের অন্তরে স্থাপন করেছি নম্রতা ও দয়া। আর বৈরাগ্য সে তো তারা নিজেরাই উদ্ভাবন করেছে; আমি এটা তাদের উপর ফরজ করিনি; কিন্তু তারা আল্লাহর সন্তুষ্টি লাভের জন্যে এটা অবলম্বন করেছে। অতঃপর তারা যথাযথভাবে তা পালন করেনি। তাদের মধ্যে যারা বিশ্বাসী ছিল আমি তাদেরকে তাদের প্রাপ্য পুরস্কার দিয়েছি। আর তাদের অধিকাংশই পাপাচারী।
- தமிழ் - ஜான் டிரஸ்ட் : பின்னர் அவர்களுடைய அடிச் சுவடுகளின் மீது மற்றைய நம் தூதர்களைத் தொடரச் செய்தோம் மர்யமின் குமாரர் ஈஸாவை அவர்களைத் தொடரச் செய்து அவருக்கு இன்ஜீலையும் கொடுத்தோம் அன்றியும் அவரைப் பின்பற்றியவர்களின் இதயங்களில் இரக்கத்தையும் கிருபையையும் உண்டாக்கினோம் ஆனால் அவர்கள் தாங்களே புதிதாக உண்டாக்கிக் கொண்ட துறவித்தனத்தை நாம் அவர்கள் மீது விதிக்க வில்லை அல்லாஹ்வின் திருப்பொருத்தத்தை அடைய வேண்டியேயன்றி அவர்களே அதனை உண்டுபண்ணிக் கொண்டார்கள்; ஆனால் அதைப் பேணுகிற அளவுக்கு அவர்கள் அதைச் சரிவரப் பேணவில்லை அப்பால் அவர்களில் ஈமான் கொண்டவர்களுக்கு அவர்களுடைய நற்கூலியை நாம் வழங்கினோம்; எனினும் அவர்களில் பெரும் பாலோர் ஃபாஸிக்குகளாக பாவிகளாகவே இருக்கின்றனர்
- ภาษาไทย - ภาษาไทย : แล้วเราก็ได้ส่งบรรดาร่อซูลของเราติดตามร่องรอยของพวกเขา และเราได้ส่งอีซาอิบนฺ มัรยัม ตามมา และเราได้ประทานอินญีลให้แก่เขา และเราได้บันดาลความสงสารและความเมตตาให้เกิดขึ้นในจิตใจของบรรดาผู้ที่เชื่อฟังปฏิบัติตามเขา ส่วนการถือสันโดษนั้น เรามิได้บัญญัติมันขึ้นมาแก่พวกเขา เว้นแต่ พวกเขาประดิษฐ์มันขึ้นมา เพื่อแสวงหาความโปรดปรานของอัลลอฮฺ แต่พวกเขามิได้เอาใจใส่เท่าที่ควรจะกระทำมัน กระนั้นก็ดีเราก็ได้ประทานรางวัลของพวกเขาแก่บรรดาผู้ศรัทธาในหมู่พวกเขา แต่ส่วนมากของพวกเขาเป็นผู้ฝ่าฝืน
- Uzbek - Мухаммад Содик : Сўнгра уларнинг ортидан Пайғамбарларимизни кетмакет юбордик ва Исйо ибн Марямни ҳам ортларидан юбордик ҳамда унга Инжилни бердик Унга эргашганларнинг қалбларига меҳрибонлик ва раҳмдилликни солдик Роҳибликни ўзлари чиқариб олдилар Биз буни уларга фарз қилмаган эдик фақат ўзлари Аллоҳнинг розилигини тилаб қилдилар лекин ҳақиқий риоясини қила олмадилар Бас улардан иймон келтирганларига ажрларини бердик лекин уларнинг кўпи фосиқлардир Роҳиблик таркидунёчиликдан иборат бўлиб ўрисларда монахлик дейилади Монахликни ихтиёр қилган эркак эркаклар монастирида аёл эса аёллар монастирида оила қурмай дунёни тарк этиб ҳаёт кечирадилар Қуръони карим бундай роҳибликни Аллоҳ Ийсо алайҳиссаломга эргашувчиларга буюрмаганини балки улар ўзлари бидъат сифатида кейинчалик ўйлаб топиб одат қилишганини эслатмоқда
- 中国语文 - Ma Jian : 在他们之后,我曾继续派遣我的众使者,我又继续派遣麦尔彦之子尔撒,我赏赐他《引支勒》,我使他的信徒们心怀仁爱和慈悯。他们自创出家制我未曾以出家为他们的定制他们创设此制,以求真主的喜悦;但他们未曾切实的遵守它,故我把报酬赏赐他们中的信道者。他们中有许多人是悖逆的。
- Melayu - Basmeih : Kemudian Kami iringi sesudah mereka Rasulrasul Kami silih berganti dan Kami iringi lagi dengan Nabi Isa ibni Maryam serta Kami berikan kepadanya Kitab Injil; dan Kami jadikan dalam hati orangorang yang mengikutnya perasaan belas kasihan sesama sendiri Dan perbuatan mereka beribadat secara "Rahbaniyyah" merekalah sahaja yang mengadakan dan merekanya; Kami tidak mewajibkannya atas mereka; mereka berbuat demikian kerana mencari keredaan Allah; dalam pada itu mereka tidak menjaga dan memeliharanya menurut yang sewajibnya Oleh itu orangorang yang beriman kepada Nabi Muhammad di antara mereka kami berikan pahalanya dan sebaliknya banyak di antara mereka yang fasik derhaka
- Somali - Abduh : Markaasaan raacinnay Raadkoodii Rasuulladanadii waxaana raacinnay Ciise Binu maryama waxaana siinay Injiil waxaana yeellay Quluubta kuwii raacay isudanqasho iyo naxariis iyo Ruhbaaniyad Adduun ka jeedsi ay iyagu billawdeen oonaan ku faral yeelin doonidda raalli ahaanshaha Eebe dartiis yayna u faleen mase ayna ilaalinin ilaalin xaq ah waxaana siinnay kuwii rumeeyay oo ka mid ah ajrigoodii wax badan oo ka mid ahna waa faasiqiin
- Hausa - Gumi : Sa'an nan Muka biyar a bãyansu da ManzanninMu; kuma Muka biyar da ĩsã ɗan Maryama kuma Muka ba shi Linjila kuma Muka sanya tausayi da rahama a cikin zukãtan waɗanda suka bĩ shi da ruhbãnanci wanda suka ƙãga shi ba Mu rubũta shi ba a kansu fãce dai Mun rubũta musu nẽman yardar Allah sa'an nan ba su tsare shi haƙƙin tsarẽwarsa ba sabõda haka Muka bai wa waɗanda suka yi ĩmãni daga cikinsu sakamakonsu kuma mãsu yawa daga cikinsu fãsiƙai ne
- Swahili - Al-Barwani : Tena tukafuatisha nyuma yao Mitume wengine na tukamfuatisha Isa bin Mariamu na tukampa Injili Na tukajaalia katika nyoyo za walio mfuata upole na rehema Na umonaki utawa wa mapadri wameuzua wao Sisi hatukuwaandikia hayo ila kutafuta radhi za Mwenyezi Mungu Lakini hawakuufuata inavyo takiwa kuufuata Basi wale walio amini katika wao tuliwapa ujira wao Na wengi wao ni wapotovu
- Shqiptar - Efendi Nahi : Pastaj pas gjurmëve të tyre – ju kemi dërguar profetët Tonë dhe pastaj kemi dërguar Isanë të birin e Merjemës të cilit ia dhamë Inxhilin kurse në zemrat e ithtarëve të tij kemi mbjellë frymëzuar butësi dhe mëshirë ndërsa ata vetë e kanë trilluar jetën lutëse – të tërhequr prej shoqërisë dhe jetës normale për të arritur kënaqësinë e Perëndisë Ne nuk i kemi obliguar ata për këtë por ata nuk u kujdesën për atë si duhet Ata të cilët kanë besuar si duhet – i shpërblejmë e shumë prej tyre janë ngatërrestarë
- فارسى - آیتی : سپس پيامبرانمان را پس از ايشان فرستاديم. و عيسى بن مريم را از پى آنها روانه كرديم و به او انجيل را داديم، و در دل پيروانش رأفت و رحمت نهاديم. و رهبانيتى كه به بدعت آوردهاند ما بر آنها مقرر نكردهايم، اما در آن خشنودى خدا مىجستند، ولى حق آن را بسزا نگزاردند. ما از آن ميان به كسانى كه ايمان آورده بودند، پاداش داديم ولى بيشترينشان نافرمان بودند.
- tajeki - Оятӣ : Сипас паёмбаронамонро пас аз онҳо фиристодем. Ва Исо бинни Марямро аз паи онҳо равона кардем ва ба ӯ Инҷилро додем ва дар дили пайравонаш раъфату (шафқату) раҳмат ниҳодем. Ва руҳбонияте (узлат; гӯшанншинӣ), ки ба бидъат овардаанд, Мо бар онҳо муқаррар накардаем, аммодар он хушнудии Худо меҷӯстанд, вале ҳаққи, онро ба ҷо нагузориданд. Мо аз он миён ба касоне, ки имон оварда буданд, мукофот додем, вале бештаринашон нофармон буданд.
- Uyghur - محمد صالح : ئۇلاردىن كېيىن پەيغەمبەرلىرىمىزنى داۋاملىق ئەۋەتتۇق، ئارقىدىن مەريەم ئوغلى ئىسانى ئەۋەتتۇق، ئۇنىڭغا ئىنجىلنى ئاتا قىلدۇق، ئۇنىڭغا ئەگەشكەنلەرنىڭ دىللىرىغا شەپقەت ۋە مېھرىبانلىقنى سالدۇق، رەھبانىيەتنى ئۇلار ئۆزلىرى پەيدا قىلدى، ئۇلارغا ئۇنى بىز بېكىتمىدۇق، ئۇلار ئۇنى پەقەت اﷲ نىڭ رازىلىقىنى تىلەپ (پەيدا قىلدى)، لېكىن ئۇلار ئۇنىڭغا لايىق دەرىجىدە ئەمەل قىلمىدى، ئۇلاردىن ئىمان ئېيتقانلارنىڭ ئەجرىنى ھەسسىلەپ بەردۇق، ئۇلاردىن نۇرغۇنى اﷲ نىڭ ئىتائىتىدىن چىققۇچىلاردۇر
- Malayalam - ശൈഖ് മുഹമ്മദ് കാരകുന്ന് : പിന്നീട് അവര്ക്കു പിറകെ നാം നിരന്തരം നമ്മുടെ ദൂതന്മാരെ നിയോഗിച്ചു. മര്യമിന്റെ മകന് ഈസയെയും അയച്ചു. അദ്ദേഹത്തിനു നാം ഇഞ്ചീല് നല്കി. അദ്ദേഹത്തെ അനുഗമിച്ചവരുടെ ഹൃദയങ്ങളില് കൃപയും കാരുണ്യവും വിളയിച്ചു. എന്നാല് അവര് സ്വയം സന്യാസം കെട്ടിച്ചമച്ചു. നാം അവര്ക്കത് നിയമമാക്കിയിരുന്നില്ല. ദൈവപ്രീതി പ്രതീക്ഷിച്ച് അവര് പുതുതായി ഉണ്ടാക്കിയതാണത്. എന്നിട്ടോ, അവരത് യഥാവിധി പാലിച്ചതുമില്ല. അപ്പോള് അവരില് സത്യവിശ്വാസം സ്വീകരിച്ചവര്ക്ക് നാം അര്ഹമായ പ്രതിഫലം നല്കി. അവരിലേറെ പേരും അധാര്മികരാണ്.
- عربى - التفسير الميسر : ثم اتبعنا على اثار نوح وابراهيم برسلنا الذين ارسلناهم بالبينات وقفينا بعيسى ابن مريم واتيناه الانجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه على دينه لينا وشفقه فكانوا متوادين فيما بينهم وابتدعوا رهبانيه بالغلو في العباده ما فرضناها عليهم بل هم الذين التزموا بها من تلقاء انفسهم قصدهم بذلك رضا الله فما قاموا بها حق القيام فاتينا الذين امنوا منهم بالله ورسله اجرهم حسب ايمانهم وكثير منهم خارجون عن طاعه الله مكذبون بنيه محمد صلى الله عليه وسلم
*51) The words in the Text are rafat and rahmat, which are almost synonymous: But when they are used together, rafat implies the compassion that a person feels on seeing another person in pain and distress, and rahmat is the feeling under which be tries to- help him. As the Prophet Jesus was highly compassionate and merciful towards the people, his this trait of character deeply influenced his disciples: therefore, they treated the people with pity ant-sympat by and served them with aII their heart and soul.
*52) The root rahb (from which rabaniyyat or ruhbaniyyat is derived) means fear; thus rahbaniyyat means a mode of life which reflects fear and terror, and ruhbaniyyat means the mode of life of the terrified. As a term it implies a person's abandoning the world out of fear (whether it is the fear of somebody's tyranny, or far of the worldly temptations and distractions, or fear of one's personal weaknesses) and taking refuge in the jungles and mountains, or living alone as a hermit.
*53) The words in the original can havc two meanings: (I) "That We did not enjoin monasticism rahbanit) upon them: We enjoined upon them only the seeking of Allah's good pleasure:" and (2) that monasticism was not enjoined by Us: they of their own accord enjoined it on themselves, to seek Allah's good pleasure." In both cases this verse makes it explicit that monasticism is an unIslamic crced, and it has never been part of the true Faith. The same thing has been stated by the Holy Prophet thus: "There is no monasticism in Islam." (Musnad Ahmed). In another Hadith the Holy Prophet said: "The monasticism of this Ummah is to fight in the way of Allah." (Musnad Ahmed Musnad'Abi Ya'la That is, he way for this Ummah to attain to spiritual piety lies not in abandoning the world but in fighting in Allah's way: this Ummah does not flee to the jungles and mountains out of fear of temptations and distractions but counteracts them by resort to fighting in Allah's way. According to a tardition related both by Bukhari ant by Muslim, one of the Companions said that he would keep up Prayers throughout the night; another said that he would fast perpetually without ever observing a break; and a third one said the he would never marry and would have nothing to do with women. When the Holy Prophet (upon whom be Allah's peace) came to know of what they had resolved, he said: 'By God, I fear Allah the most and remain conscious of Him at all times; yet my way is that I observe the fast as well as break it; I keep up the Prayer during the night as well as have sleep; and I marry the women also. The one who dces not follow my way, does not belong to me " .Hadrat Anas says that the Holy Prophet (upon whom be Allah's peace) used to say: "Do not be- hard and severe to yourselves lest AIIah should be hard and severe to you. A community had adopted this way of severity towards itself; then Allah also seized it in severity. Look, the remainder of them are found in the monasteries and churches. " (Abu Da 'ud).
*54) That is, they were involved in a double error: first, they imposed on themselves the restrictions which Allah had not imposed; second, They did not observe in the right spirit the restrictions that they had imposed upon themselves with a view to attain to Allah's goodwill, and conducted themselves in a way as to earn Allah's wrath instead of His good pleasure.
To understand this theme fully we should havc a look at the history of Christian Monasticism.
Until 200 years after the Prophet Jesus (peace be upon him) the Christian Church knew no monasticism. Its germs, however, were found in Christianity from the very beginning. To look upon asceticism as a moral ideal and to regard celibacy as superior to matrimonial and mundane life is the basis of monasticism. Both these existed in Christianity from the beginning. Owing to the sanctification of celibacy in particular, it was considered undesirable for those the performed religious services in the church to marry, have children and be involved in domestic chores; so much so that by the 3rd century monasticism began to spread like an epidemic in Christiandom. Historically, it had three main causes!:
First, sensuality, immorality and worship of the world had so permeated the ancient polytheistic society that in their zeal to counteract it the Christian scholars adopted the extremist way instead of the way of moderation. They so stressed chastity that the relationship between man and woman by itself came to be looked upon as filthy, even if it was within marriage. They reacted so violently to mammonism that to possess property of any kind ultimately was considered a sin for a religious person and to live like a poor man and ascetic the criterion of moral excellence. Likewise, in their reaction to the sensualism of the polytheistic society they touched the other extreme. They made withdrawal from pleasure and all material comforts, self denial and curbing of the desires the object of morality and regarded torturing the body by different sorts of harsh discipline as the climax and proof of a person's spirituality.
Secondly, when Christianity started achieving successes and spreading rapidly among the common people, the Church in its zeal to attract more and more adherents went on imbibing every evil that was prevalent in society. Thus, saint-worship replaced the ancient deities. Images of Christ and Mary began to be worshipped instead of the idols of Horus and Isis. Chrismas took the place of Saturnalia. Christian monks began to practise every kind of occult art like curing the sick by amulets and magic incantations, taking omens and fortune-telling, driving out spirits, etc. as were prevalent in ancient days. Likewise, since the COmmOn people looked upon a ditty and naked person who lived in a cave or den As a holy and godly man, this very concept of saintlihood became prevalent in the Christian Church, and legends of their miraculous powers began to abound in the memoirs of the Christian saints,
Thirdly, the Christians possessed no detailed law and definite traditions and practices to determine the bounds of religion. They had given up Mosaic Law and the Gospel by itself afforded no perfect code of guidance. Therefore, the Christian doctors went on permitting every kind of innovation to enter the religion partly under the influence of alien philosophies, customs and practices and partly under their personal preference and whim. Monasticism was one such innovation. Christian scholars and doctors of law took its philosophy and rules and practices from the Buddhist monks, Hindu Yogis and ascetics, Egyptian Anchorites, Iranian Manicheans, and the followers of Plato and Plotinus, and made the same the means ant methods of attaining self-purification, spiritual loftiness and nearness to AIIah. Those who committed this error were not ordinary men. From the 3rd to the 7th century (i.e.. till about the time the Qur'an began to be revealed) the religious personalities who were recognized as the foremost scholars and religious guides and leaders of Christendom, both in the East and in the West,-St. Athanasius, St. Basil, St. Gregory of Bazianzus, St. Chrysostom, St. Ambrose, St. Jerome, St. Augustine St. Benedict, St. Gregory the Great-all were monks themselves and great upholders of monasticism. It was under their influence that monasticism became popular in the Church.
Historically, monasticism among the Christians started from Egypt. Its founder was St. Anthony (A.D. 250 -350) who is regarded as the father of Christian Monasticism. He set up the first monastery at Pispir (now Der al Memum) in the Fayum. Later he established another monastery on the coast of the Rod Sea, which is now called Der Mar Antonius The basic cults of Christian Monasticism are derived from his writings and instructions. After this beginning the monastic movements spread like a f flood in Egypt and monasteries for monks and nuns were set up everywhere in the land in some of which lived three thousand monks at a time. In 325 another ascetic, pachomius, appeared in Egypt, who founded ten major monasteries and nunneries for the monks and nuns. The monastic movement then began to spread in Palestine and Syria and different countries of Africa and Europe. The Christian Church in the beginning experienced some confusion in connection with monasticism, for although it recognized abandonment of the world, celibacy and voluntary poverty as an ideal of spiritual life, yet it could not declare marriage, producing children and possessing property or money to be sinful as the monks did. Subsequently, under the influence of holy men like St. Athanasius (d. 373), St. Basil (d. 379), St. Augustine (d. 430) and Gregory the Great (d. 609) many of the monastic rules became part and parcel of the Church.
This monastic innovation has some characteristics which are briefly as follows:
(1) Inflicting pain on the body by severe exercises and novel methods. In this thing every monk tried to surpass the other. The achievements of these holy men as related in the memoirs of the Christian saints are to this effect: St. Macarius of Alexandria constantly carried on himself a weight of 80 pounds. For six months he slept in a swamp while poisonous flies preyed on his naked body. His disciple, St. Eusebius, even surpassed his master in suffering severities and rigours. He moved about carrying a weight of 150 pounds, and lay in a dry well for three years. St. Saba ate the maize that would start stinking having. been soaked in water for a whole Month. St. Bassarion lay in thorny bushes for 40 days and did not rest his back on the ground for 40 years. St. Pachomius passed 15 years of his life, and according to another tradition 50 years, without rating his back on the round St. John remained standing in worship for three years during which he neither sat nor (ay down; he would only recline at times against a rock. His food consisted of the offering that was brought for him every Sunday. St. Simeon Styiltes (390-449) who is counted among the most illustrious Christian saints, used to observe an un-broken 40 days fast and smiling. Owing to such concepts the bond of marriage between man and woman came to be looked upon as filthy. A monk was forbidden even to look at a woman, not to speak of marriage, and was required to abandon his wife if he was married. As for men it was also impressed on the women that if they wished to enter the Kingdom of Heaven, they should shun marriage and remain spinsters and if they were married, they should separate from their husbands. St. Jerome, the distinguished Christian scholar, ruled that the woman who remained a spinster as a nun for the sake of Christ, was the bride of Christ, and her mother was the mother-in-law of Christ, i.e. God. Elsewhere St. Jerome says: "To cut asunder the bond of marriage with the axe of chastity is the primary duty of the true devotee of God. " The first impact these teachings had on a Christian man or Christian woman, under religious fervour, was that his or her married life was ruined. And since there was no provision for divorce or separation in Christianity, the husband and the wife would separate from each other while they remained bound in wed-lock. St. Nilus was father of two children. When he came under the spell of monasticism, he immediately separated from his wife. St. Ammon, on the first night of his marriage, gave his bride a sermon on the filthiness of the marriage bond and then the two between themselves decided to keep aloof from each other throughout life. St. Abraham abandoned his wife on the very first night of marriage. The same was done by St. Alexis. The memoirs of the Christian saints are full of such incidents.
The Church continued to resist in one way or the other these extremist concepts for three centuries. In those days it was not required of a priest to be single and unmarried. If he was married before being appointed a minister, he could keep his wife. However, he was forbidden to marry after his appointment. Moreover, a person could not be appointed a minister if he had married a widow, or a divorced woman, or had two wives, or possessed a concubine. Gradually, by the 4th century, the concept became firm that for a married person it was odious to perform religious services in the Church. The Council of Gengra (A.D. 362) was the last one in which such ideas wen held as anti-religious, but a little lour in 386, Roman Synod counselled the priests to avoid marriage relations and the following year Pope Siricius decreed that the priest who married, or continued to have sex relations with his wife if already married should be dismissed from office. Illustrious scholars like St. Ambrose, and St. Augustine upheld this decision most fervently, and after a little resistance it became fully enforced in the Western Church. In this period several councils were convened to consider the complaints to the effect that the people who were already marred were having "illicit" relations with their wives even after their appointment to perform religious duties. Consequently, with a view to reform them, rules were made to the effect that they should sleep in the open, should never meet their wives in private, and should meet them only in the presence of at (cast two other men. St. Gregory has made mention of a wonderful priest who did not have any relation with his wife for 40 years, and when the woman approached him at his death-bed, he rebuked her, saying: 'Woman. keep away !"
(4) The most painful and pathetic chapter of ascetic monasticism is that it cut asunder man's relations with his parents, with his brothers and sisters, and even his children For the Christian saints love of the parents for son, love of the brothers and sisters for brother and love of the children for father also was sinful. They believed it was necessary for man to break off aII those relations for the sake of spiritual progress. In the biographies of the Christian saints one comes across highly pathetic and heart-rending incidents. A monk, St. Evagrius, had been undergoing severe exercises in the desert for many years. Suddenly one day letters reached him from his father and mother, who were passing their days in great agony without him. The saint, fearing that the letters might arouse feelings of human love in his heart, cast the letters immediately into the fire, without even opening them. The mother and sister of St. Theodorus came to the monastery where he was staying, with recommendatory letters from many priests, and desired to have only a glimpse of him, but the saint refused to come out before them. St. Marcus' mother went to the monastery to sec him. She somehow obtained the abbot's permission for it and requested him to order her son to come out before her, but the son was adamant to her prayers. At last, be implemented the abbot's orders by appearing before his mother disguised and with closed eyes. Thus, neither was the mother able to recognize her son, nor the son saw his mother. Another saint, St. Poemen ant his six brothers lived in a desert tnonastery of Egypt. Years later their old mother came to know of their whereabouts and went to sec them in the monastery. As soon as the brothers saw their mother coming, they hurried into their cell and shut the door. The mother started crying and wailing outside saying: "I have travelled in this old age from a distant place only to have a glimpse of you. There will be no harm if only I see you. Am I not your mother ?" But the saints did not open the door and told the mother that they would meet her in the next world. Even more painful and piteous is the story of St. Simeon Stylites, who left his parents and remained away from them without any trace of his where abouts for 27 years. The father died of grief. When the fame of the son's piety and holiness spread the mother, who was still living in agony, came to know of his whereabouts. She came to the monastery to see him but women were not allowed to enter. She prayed that either the son should call her in, or he should himself conic out to let her have a glimpse of him, but "the saint" before Easter every year. Once he kept standing on one leg for a whole year. Often he would leave his monastery and retire to a well. Later he got a 60 foot high pillar erected near Antioch, which was three feet wide at the top and railed round. He spent the last 30 years of his life on this pillar and remained permanently exposed to the elements. His disciples carried food to him by ladder and removed his filth. He had even tied himself to the pillar by a string, which cut into his flesh; when the flesh became rotten, it bred worms; whenever a worm fell out, he would restore it to the sore, saying: "Eat what God has given you Crowds of pilgrims flocked to him from far and near. When he died the Christian world proclaimed that he was the best model of a Christian saint.
The memoirs of the Christian saints of this period are full of such instances. One particular saint had the characteristic that he observed silence for 30 years: he was never seen speaking. Another had tied himself to a rock; another roamed the jungles and lived on grass; another moved about carrying a heavy load; another kept his limbs and body tied in fetters and chains; some saints lived in the dens of beasts, or in dry wells, or in old graves; and some others remained naked and concealed their private parts under long hair and would crawl on the ground. After death the bones of the illustrious saints were preserved in monastery. I saw a full library decked with such bones in St. Catherine's monastery at the foot of Mount Sinai. There were skulls and foot-bones and handbones arranged separately. A glass-case contained the whole skeleton of a saint.
(2) Their second characteristic was that they were dirty and strictly cleanliness and bodily care. Washing or applying water to the body was regarded as opposed to God-worship, for according to them puriflcation of the body was tantamount to pollution of the soul. St. Athanasius has faithfully described this virtue of St. Anthony that he never washed his feet during life. St. Abraham from the day he entered Christianity neither washed his face nor feet for 50 years. A famous nun Virgin Sylvia, never allowed any part of her body except the fingers to become wet with water throughout life It is said of 130 nuns of 8 convent that they never washed their feet and would shudder with horror at a mere reference to bath.
(3) Monasticism practically forbade married life and ruthlessly discarded the institution of marriage. All religious writings of the 4th and 5th centuries are replete with the thought that celibacy is the highest moral virtue, and chastity meant that one should strictly abstain from sexual relation even if it was between husband and wife. The perfection of a pure spiritual life lay in complete self-denial, with no desire for physical pleasure. It was . necessary to suppress any carnal desire because it strengthened animality. For them pleasure and sin were synonymous so much so that being happy was regarded as being forgetful of God. St. Basil forbade even laughing refused to oblige her. The woman lay at the entrance for three days and three nights and at last breathed her last in the same state. Then the holy man emerged from his seclusion, mourned his mother's death and prayed for her forgiveness.
In the same harsh way these saints treated their sisters and children. There is the story of Mutius, a prosperous man by aII means. Drawn out suddenly by the religious impulse, he took his 8-year-old son and went to a monastery. But for the sake of his progress to holiness it was necessary that he should give up love of his son. Therefore, first the son was separated from him Then the innocent child was subjected to harsh treatment before his very eyes and he watched it patiently. Then, the. abbot of the monastery ordered him to go and Cast the child into the river. He became ready even for this; then right at the time when he was going to throw the child into the river, the monks saved the child's life. then it was admitted that he had actually attained td the rank of a holy man.
The viewpoint of Christian monasticism in these matters was that the one who sought love of God, should break off all relations of human love that bound him in the world to his parents, his brothers and sisters and his children. St. Jerome says, "Even if your nephew clings to you with his hands round your neck; even if your mother calls you back in the name of having suckled you; even if your father obstructs your way and lies down before you, you should hasan out to the banner of the cross, trampling the body of your father, without shedding a tear. Ruthlessness in this mater is piety itself." St. Gregory writes, "A young monk who could not give up love of his parents, left the monastery one night in order to pay them a visit. God punished him for this error, for as soon as he returned to the monastery, he died. His body was buried in the grave but the earth did not accept it. He was placed in the grave again and again, and the earth threw him out every time. At last, St. Benedict placed a sacred offering on his chest, and then the grave accepted him." Of a nun it is said that for three days after her death, she remained subject to a torment because she had not been able to cleanse her heart of her mother's lout. About a saint it is written that he never treated anyone harshly except his relatives.
(5) Their practice of meting out ruthless, cruel and harsh treatment to their nearest relatives, made their human feeling dead, with the result that they would treat with utmost enmity those with whom they had any religious differences. By the beginning of the 4th century, 80 to 90 religious sects had arisen in Christianity. St. Augustine has made mention of 88 sects of his own time, each of which regarded the other with extreme hatred. And the fire of this hatred also was fanned by the monks, who were always in the forefront to hahtt and destroy the opponent sects by their machinations. Alexandria was a great cenur of this sectarian conflict.
There, in the beginning the Bishop of the Arian sect attacked the Athanasius party. Virgin nuns were dragged out of their convents, stripped naked and beaten with thorny branches and branded in order to make them give up their creed. Then, when the Roman Catholics came to power in Egypt, they treated the Arian' sect likewise; so much so that according to the prevalent view Arius himself also was poisoned. Once on the same city of Alexandria the monks of St.' Cyril created a turmoil They seized a nun of the opponent sect and took her into their church; they killed her, backed her body to pieces, and cast it into the fire. Rome was not any different from this. In 366, at the death of Pope Liberius, two sects nominated their respective candidates for papacy; this resulted in great bloodshed; so much so that in one day 137 dead bodies were taken out from one church.
(6) Side by side with this retreat from the world and life of seclusion and poverty, wealth of the world also was amassed most avariciously. By the b-ginning of the 5th century the condition was that the bishop of Rome lived in his palace like kings, and when his conveyance emerged in the city, it would be as stately and splendid as of the emperor himself. St. Jerome complains of the conditions of his time (later part of the 4th century) saying that the feast hosted by many of the bishops out-classed the feasts of the governors. The flow of wealth to monasteries and churches had assumed the proportions of a deluge by the beginning of the 7th century (the age of the revelation of the Qur'an). It had been deeply impressed on the minds that a person who happened to commit a grave sin could be redeemed only by making an offering at a saint's shrine, or a sacrifice at the altar of a church or monastery. Then the same world and its luxuries and comforts abstention from which was the mark of distinction of the monks, lay at their feet. The factor which, in particular, caused this decline was that when the common people developed extreme reverence for the monks because of their undergoing severe exercises of self-discipline and self-denial, hosts of world seeking people also donned the monk's garments and entered their ranks. Then under the garb of feigned poverty they turned acquisition of worldly wealth and possessions into a flourishing business.
(7) In the matter of chastity also monasticism was repeatedly defeated in its fight against nature and defeated well and proper. In the monasteries some exercises of self-mortification were such as required the monks and nuns to live together in one and the same place, and they had often to pass the night in the same bed in their enthusiasm for more and more temptations. St. Evagarius, the well-known monk, has praised the self-control acquired by the Palestinian monks, saying: "They had mastered their passion so completely that although they bathed with the women together, looked at their bodice, touched them, even embraced them, yet they remained invincible to nature." Although bathing was an odious thing in monasticism, such baths were also taken for the sake of exercise in self-control. At last, about the same Palestine, St. Gregory of Nyssa (d. 396) writes that it bas become a centre of wickedness and immorality. Human nature avenges itself on those who fight it. Monasticism fought it and ultimately fell in the pit of immorality the story of which is a most shameful blot on the religious history of the 8th to 11th centuries. An Italian bishop of the 10th century writes: "If the penal law for misconduct is practically enforced against those who perform religious services in the church, none would escape punishment except the boys, and if the law to remove illegitimate children from religious services was also enforced, there might perhaps be left no boy among the attendants of the church. " Books of the medieval authors are replete with the complaints that the nunneries had become houses of prostitution. Within their four walls newborn babies were being massacred; the priests and religious attendants of the church had developed illicit connections even with forbidden relatives; the crime of the mtnatural act had spread like an epidemic in the monasteries; and the practice of confession had become a means of immorality in the churches.
From these details one can fully appreciate what corruption of Christianity is the Qur'iin alluding to when it says: "The Christians themselves invented monasticism, but they did not observe it as it should have been observed."