- عربي - نصوص الآيات عثماني : بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِى مَرْضَاتَ أَزْوَٰجِكَ ۚ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
- عربى - نصوص الآيات : بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ۖ تبتغي مرضات أزواجك ۚ والله غفور رحيم
- عربى - التفسير الميسر : يا أيها النبي لِمَ تمنع نفسك عن الحلال الذي أحله الله لك، تبتغي إرضاء زوجاتك؟ والله غفور لك، رحيم بك.
- السعدى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
هذا عتاب من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، حين حرم على نفسه سريته "مارية" أو شرب العسل، مراعاة لخاطر بعض زوجاته، في قصة معروفة، فأنزل الله [تعالى] هذه الآيات { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ } أي: يا أيها الذي أنعم الله عليه بالنبوة والوحي والرسالة { لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ } من الطيبات، التي أنعم الله بها عليك وعلى أمتك.
{ تَبْتَغِيَ } بذلك التحريم { مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } هذا تصريح بأن الله قد غفر لرسوله، ورفع عنه اللوم، ورحمه، وصار ذلك التحريم الصادر منه، سببًا لشرع حكم عام لجميع الأمة، فقال تعالى حاكما حكما عاما في جميع الأيمان:
- الوسيط لطنطاوي : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
مقدمة وتمهيد
1- سورة «التحريم» من السور المدنية الخالصة، وتسمى- أيضا- بسورة لِمَ تُحَرِّمُ وبسورة «النبي» صلى الله عليه وسلم وعدد آياتها اثنتا عشرة آية.
2- وكان نزولها بعد سورة «الحجرات» وقبل سورة «الجمعة» فهي السورة الخامسة بعد المائة بالنسبة لترتيب نزول السور القرآنية، أما ترتيبها في المصحف، فهي السورة السادسة والستون.
3- والسورة الكريمة في مطلعها تحكى جانبا مما دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين بعض زوجاته فتعرض صفحة من حياته صلى الله عليه وسلم في بيته، ومن عتاب الله- تعالى- له ومن فضله عليه، ودفاعه عنه.
4- ثم وجهت نداء إلى المؤمنين أمرتهم فيه بأن يداوموا على العمل الصالح الذي ينجيهم من عذاب الله- تعالى- وحرضتهم على التسلح بالتوبة النصوح لأنها على رأس الأسباب التي تؤدى إلى تكفير سيئاتهم.
5- ثم ختمت السورة الكريمة بضرب مثلين أحدهما للذين آمنوا، ويتمثل في امرأة فرعون وفي مريم ابنة عمران، والآخر للذين كفروا ويتمثل في امرأة نوح وامرأة لوط- عليهما السلام- والغرض من ذلك العظة والاعتبار.
قد افتتح سبحانه - السورة الكريمة بقوله - تعالى - : ( ياأيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ . . . . ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً ) .
وقد ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات روايات متعددة ، منها ما رواه الشيخان وغيرهما عن عائشة - رضى الله عنها - قالت : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشرب عسلا عند زينب بنت جحش ، ويمكث عندها فتواطأت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل له : أكلت مغافير؟ - والمغافير : صمغ حلو له رائحة كريهة - إنى أجد منك ريح مغافير .
فدخل على إحداهما فقالت له ذلك ، فقال : بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود إليه ، وقد حلفت ، فلا تخبرى بذلك أحدا ، فنزلت هذه الآيات "
.وفى رواية أن التى شرب عندها العسل : حفصة بنت عمر ، وأن القائلة له ذلك : سودة بنت زمعة ، وصفية بنت حيى .
قالوا : والاشتباه فى الاسم لا يضر ، بعد ثبوت أصل القصة .
وأخرج النسائى والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت له أمة يطؤها ، فلم تزل به عائشة وحفصة حتى جعلها على نفسه حراما ، فأنزل الله - تعالى - ( ياأيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ . . . الآيات . . . ) .
وروى ابن جرير عن زيد بن أسلم : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصاب أم إبراهيم مارية ، فى بيت بعض نسائه - وفى رواية فى بيت حفصة فقالت : يا رسول الله فى بيتى وعلى فراشى؟ فجعلها أى مارية - عليه حراما ، وحلف بهذا . . . فأنزل الله هذه الآيات .
قال القرطبى ما ملخصه : " وأصح هذه الأقوال أولها . . . والصحيح أن التحريم كان فى العسل ، وأنه شربه عند زينب ، وتظاهرت عليه عائشة وحفصة فيه ، فجرى ما جرى فحلف أن لا يشربه وأسر ذلك ، ونزلت الآية فى الجميع " .
وقال الإمام ابن كثير - بعد أن ساق عددا من الروايات فى هذا الشأن : والصحيح أن ذلك كان فى تحريمه - صلى الله عليه وسلم - للعسل .
وقال الآلوسى : قال النووى فى شرح مسلم : الصحيح أن الآية فى قصة العسل ، لا فى قصة مارية المروية فى غير الصحيحين ، ولم تأت قصة مارية من طريق صحيح .
والصواب أن شرب العسل كان عند زينب بنت جحش .
وقد افتتح - سبحانه - السورة الكريمة بتوجيه النداء إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( ياأيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ ) .
وفى توجيه النداء إليه - صلى الله عليه وسلم - تنبيه إلى أن ما سيذكر بعد النداء ، شىء مهم ، بالنسبة له ولسائر المسلمين .
والاستفهام فى قوله - تعالى - ( لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ . . ) للنفى المصحوب بالعتاب منه - سبحانه - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - .
وجملة ( تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ ) حال من فاعل ( تُحَرِّمُ ) ، والعتاب واقع على مضمون هذه الجملة والتى قبلها ، وهى قوله ( لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ ) .
والمعنى : يا أيها الرسول الكريم ، لماذا حرمت على نفسك ما أحله الله - تعالى - لك من شراب أو غيره؟ أفعلت ذلك من أجل إرضاء أزواجك؟
إنه لا ينبغى لك أن تفعل ذلك ، لأن ما أباحه الله - تعالى - لك ، لا يصح أن تحرمه على نفسك أو أن تمتنع عن تعاطيه ، فتشق على نفسك من أجل إرضاء غيرك .
قال بعض العلماء : " ناداه بلفظ " النبى " إشعارا بأنه الذى نُبئَ بأسرار التحليل والتحريم الإلهى ، والمراد بتحريمه ما أُحِل له ، امتناعه منه ، وحظره إياه على نفسه .
وهذا المقدار مباح ، ليس فى ارتكابه جناح ، وإنما قيل له ( لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ ) رفقا به ، وشفقة عليه ، وتنويها لقدره ولمنصبه - صلى الله عليه وسلم - أن يراعى مرضاة أزواجه بما يشق عليه ، جريا على ما ألف من لطف الله - تعالى - به ، ورفعه عن أن يحرج بسبب أحد من البشر الذين هم أتباعه . . . " .
وقوله - سبحانه - : ( والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) تسلية للرسول - صلى الله عليه وسلم - عما أصابه من وقع هذا اللوم ، ومن أثر هذا العتاب ، وإرشاد له - صلى الله عليه وسلم - بأن ما فعله داخل تحت مغفرة الله - تعالى - ورحمته .
أى : والله - تعالى - واسع المغفرة والرحمة وقد غفر لك - بفضله وكرمه ما فعلته بسبب بعض أزواجك ، وجعلك على رأس من تظلهم رحمته .
- البغوى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
مدنية
( ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم ) وسبب نزولها ما أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبيد الله بن إسماعيل ، حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب الحلواء [ ويحب ] العسل وكان إذا صلى العصر جاز على نسائه فيدنو منهن ، فدخل على حفصة فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس ، فسألت عن ذلك فقيل لي : أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل فسقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها شربة ، فقلت : أما والله لنحتالن له فذكرت ذلك لسودة ، وقلت : إذا دخل عليك فإنه سيدنو منك فقولي له : يا رسول الله أكلت مغافير ؟ فإنه سيقول : لا فقولي له : ما هذه الريح وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشتد عليه أن يوجد منه الريح ، فإنه سيقول : سقتني حفصة شربة عسل ، فقولي له : جرست نحله العرفط ، وسأقول ذلك وقوليه أنت يا صفية ، فلما دخل على سودة ، تقول سودة : والله الذي لا إله إلا هو لقد كدت أن أباديه بالذي قلت لي وإنه لعلى الباب ، فرقا منك فلما دنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت : يا رسول الله أكلت مغافير ؟ قال : لا ، قلت : فما بال هذه الريح ! قال : سقتني حفصة شربة عسل ، قالت : جرست نحله العرفط ، فلما دخل علي قلت له مثل ذلك ، ودخل على صفية فقالت له مثل ذلك ، فلما دخل على حفصة قالت له : يا رسول الله ألا أسقيك منه قال : لا حاجة لي به تقول سودة : سبحان الله لقد حرمناه ، قالت : قلت لها : اسكتي
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا الحسن بن محمد الصباح ، حدثنا الحجاج عن ابن جريج قال : زعم عطاء أنه سمع عبيد بن عمير يقول سمعت عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - فلتقل إني أجد منك ريح مغافير ، أكلت مغافير ؟ فدخل على إحداهما فقالت له ذلك ، فقال : لا بأس شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود له ، فنزلت : ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك إلى قوله : إن تتوبا إلى الله لعائشة وحفصة ( وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا ) لقوله : بل شربت عسلا
وبهذا الإسناد قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا إبراهيم بن موسى ، أخبرنا هشام بن يوسف ، عن ابن جريج ، عن عطاء بإسناده وقال : قال : لا ولكن كنت أشرب عسلا عند زينب بنت جحش فلن أعود له ، وقد حلفت ، لا تخبري بذلك أحدا ، يبتغي بذلك مرضاة أزواجه .
وقال المفسرون : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم بين نسائه فلما كان يوم حفصة استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في زيارة أبيها فأذن لها ، فلما خرجت أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جاريته مارية القبطية فأدخلها بيت حفصة ، فوقع عليها فلما رجعت حفصة وجدت الباب مغلقا فجلست عند الباب فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووجهه يقطر عرقا ، وحفصة تبكي فقال : ما يبكيك ؟ فقالت : إنما أذنت لي من أجل هذا أدخلت أمتك بيتي ، ثم وقعت عليها في يومي وعلى فراشي ، أما رأيت لي حرمة وحقا ؟ ما كنت تصنع هذا بامرأة منهن . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أليست هي جاريتي أحلها الله لي ؟ اسكتي فهي حرام علي ألتمس بذاك رضاك ، فلا تخبري بهذا امرأة منهن . فلما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة فقالت : ألا أبشرك إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حرم عليه أمته مارية ، وإن الله قد أراحنا منها وأخبرت عائشة بما رأت ، وكانتا متصافيتين متظاهرتين على سائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فغضبت عائشة فلم تزل بنبي الله - صلى الله عليه وسلم - حتى حلف أن لا يقربها فأنزل الله - عز وجل - " ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك " يعني العسل ومارية " تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم " وأمره أن يكفر يمينه ويراجع أمته ، فقال :
- ابن كثير : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
اختلف في سبب نزول صدر هذه السورة فقيل نزلت في شأن مارية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرمها فنزل قوله تعالى "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك" الآية قال أبو عبدالرحمن النسائي أخبرنا إبراهيم بن يونس بن محمد حدثنا أبي حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها فأنزل الله عز وجل "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك" إلى آخر الآية.
وقال ابن جرير حدثني ابن عبدالرحيم البرقي حدثنا ابن أبي مريم ثنا أبو غسان حدثني زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصاب أم إبراهيم في بيت بعض نسائه فقالت أي رسول الله في بيتي وعلى فراشي؟ فجعلها عليه حراما قالت أي رسول الله كيف يحرم عليك الحلال؟ فحلف لها بالله لا يصيبها فأنزل الله تعالى "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك" قال زيد بن أسلم فقوله أنت علي حرام لغو وهكذا روى عبدالرحمن بن زيد عن أبيه وقال ابن جرير أيضا حدثنا يونس ثنا ابن وهب عن مالك عن زيد بن أسلم قال: قال لها "أنت علي حرام والله لا أطؤك" وقال سفيان الثوري بن علية عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق قال آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرم فعوتب في التحريم وأمر بالكفارة فى اليمين رواه ابن جرير وكذا روي عن قتادة وغيره عن الشعبي نفسه وكذا قال غير واحد من السلف منهم الضحاك والحسن وقتادة ومقاتل بن حيان وروى العوفي عن ابن عباس قال: قلت لعمر بن الخطاب من المرأتان؟ قال عائشة وحفصة وكان بدء الحديث في شأن أم إبراهيم مارية أصابها النبي صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة في نوبتها فوجدت حفصة فقالت يا نبي الله لقد جئت إلي شيئا ما جئت إلى أحد من أزواجك في يومي وفي دوري وعلى فراشي قال "ألا ترضين أن أحرمها فلا أقربها" قالت بلى فحرمها وقال لها "لا تذكري ذلك لأحد" فذكرته لعائشة فأظهره الله عليه فأنزل الله تعالى "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك" الآيات كلها فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر عن يمينه وأصاب جاريته وقال الهيثم بن كليب في مسنده ثنا أبو قلابة عبدالملك بن محمد الرقاشي ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا جرير بن حازم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لحفصة "لا تخبري أحدا وإن أم إبراهيم علي حرام" فقالت أتحرم ما أحل الله لك؟ قال "فوالله لا أقربها" قال فلم يقربها حتى أخبرت عائشة.
- القرطبى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
سورة التحريم
مدنية في قول الجميع
وهي اثنتا عشرة آية . وتسمى سورة " النبي " .
بسم الله الرحمن الرحيم
ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم
قوله تعالى : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك فيه خمس مسائل :
الأولى : قوله تعالى : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلا ، قالت فتواطأت أنا وحفصة أن أيتنا ما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلتقل : إني أجد منك ريح مغافير ! أكلت مغافير ؟ فدخل على إحداهما فقالت له ذلك . فقال : " بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود له " . فنزل : لم تحرم ما أحل الله لك إلى قوله إن تتوبا : ( لعائشة وحفصة ) ، وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا لقوله : " بل شربت عسلا " . وعنها أيضا قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل ، فكان إذا صلى العصر دار على نسائه فيدنو منهن ، فدخل على حفصة فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس ، فسألت عن ذلك فقيل لي : أهدت لها امرأة من قومها عكة من عسل ، فسقت رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شربة . فقلت : أما والله لنحتالن له ، فذكرت ذلك لسودة وقلت : إذا دخل عليك فإنه سيدنو منك فقولي له : يا رسول الله ، أكلت مغافير ؟ فإنه سيقول لك : لا . فقولي له : ما هذه الريح ؟ - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه أن يوجد منه الريح - فإنه سيقول لك سقتني حفصة شربة عسل . فقولي له : جرست نحله العرفط . وسأقول ذلك له ، وقوليه أنت يا صفية . فلما دخل على سودة - قالت : تقول سودة : والله الذي لا إله إلا هو لقد كدت أن أبادئه بالذي قلت لي ، وإنه لعلى الباب ، فرقا منك . فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : يا رسول الله ، أكلت مغافير ؟ قال : " لا " . قالت : فما هذه الريح ؟ قال : " سقتنيحفصة شربة عسل " . قال : جرست نحله العرفط . فلما دخل علي قلت له مثل ذلك . ثم دخل على صفية فقالت بمثل ذلك . فلما دخل على حفصة قالت : يا رسول الله ، ألا أسقيك منه . قال : لا حاجة لي به . قالت : تقول سودة : سبحان الله ! والله لقد حرمناه . قالت : قلت لها اسكتي . ففي هذه الرواية أن التي شرب عندها العسل حفصة . وفي الأولى زينب . وروى ابن أبي مليكة عن ابن عباس أنه شربه عند سودة . وقد قيل : إنما هي أم سلمة ، رواه أسباط عن السدي . وقاله عطاء بن أبي مسلم . ابن العربي : وهذا كله جهل أو تصور بغير علم . فقال باقي نسائه حسدا وغيرة لمن شرب ذلك عندها : إنا لنجد منك ريح المغافير . والمغافير : بقلة أو صمغة متغيرة الرائحة ، فيها حلاوة . واحدها مغفور ، وجرست : أكلت . والعرفط : نبت له ريح كريح الخمر . وكان عليه السلام يعجبه أن يوجد منه الريح الطيبة أو يجدها ، ويكره الريح الخبيثة لمناجاة الملك . فهذا قول . وقول آخر : أنه أراد بذلك المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يقبلها لأجل أزواجه ، قاله ابن عباس وعكرمة . والمرأة أم شريك . وقول ثالث : إن التي حرم مارية القبطية ، وكان قد أهداها له المقوقس ملك الإسكندرية . قال ابن إسحاق : هي من كورة أنصنا من بلد يقال له حفن فواقعها في بيت حفصة . روى الدارقطني عن ابن عباس عن عمر قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم ولده مارية في بيت حفصة ، فوجدته حفصة معها - وكانت حفصة غابت إلى بيت أبيها - فقالت له : تدخلها بيتي ! ما صنعت بي هذا من بين نسائك إلا من هواني عليك . فقال لها : " لا تذكري هذا لعائشة فهي علي حرام إن قربتها " . قالت حفصة : وكيف تحرم عليك وهي جاريتك ؟ فحلف لها ألا يقربها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تذكريه لأحد " . فذكرته لعائشة ، فآلى لا يدخل على نسائه شهرا ، فاعتزلهن تسعا وعشرين ليلة ، فأنزل الله عز وجل لم تحرم ما أحل الله لك الآية .
الثانية : أصح هذه الأقوال أولها . وأضعفها أوسطها . قال ابن العربي : أما ضعفه في السند فلعدم عدالة رواته ، وأما ضعفه في معناه فلأن رد النبي صلى الله عليه وسلم للموهوبة ليس تحريما لها ، لأن من رد ما وهب له لم يحرم عليه ، إنما حقيقة التحريم بعد التحليل . وأما من روى أنه حرم مارية القبطية فهو أمثل في السند وأقرب إلى المعنى ، لكنه لم يدون في الصحيح . وروي مرسلا . وقد روى ابن وهب عن مالك عن زيد بن أسلم قال : حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم أم إبراهيم فقال : " أنت علي حرام ، والله لا آتينك " . فأنزل الله عز وجل في ذلك : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك وروى مثله ابن القاسم عنه . وروى أشهب عن مالك قال : راجعت عمر امرأة من الأنصار في شيء فاقشعر من ذلك وقال : ما كان النساء هكذا ! قالت : بلى ، وقد كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يراجعنه . فأخذ ثوبه فخرج إلى حفصة فقال لها : أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : نعم ، ولو أعلم أنك تكره ما فعلت . فلما بلغ عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هجر نساءه قال : رغم أنف حفصة . وإنما الصحيح أنه كان في العسل وأنه شربه عند زينب ، وتظاهرت عليه عائشة وحفصة فيه ، فجرى ما جرى فحلف ألا يشربه وأسر ذلك . ونزلت الآية في الجميع .
الثالثة : قوله تعالى : " لم تحرم " إن كان النبي صلى الله عليه وسلم حرم ولم يحلف فليس ذلك بيمين عندنا . ولا يحرم قول الرجل : " هذا علي حرام " شيئا حاشا الزوجة . وقال أبو حنيفة : إذا أطلق حمل على المأكول والمشروب دون الملبوس ، وكانت يمينا توجب الكفارة . وقال زفر : هو يمين في الكل حتى في الحركة والكون . وعول المخالف على أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم العسل فلزمته الكفارة . وقد قال الله تعالى : قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم فسماه يمينا . ودليلنا قول الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا ، وقوله تعالى : قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون فذم الله المحرم للحلال ولم يوجب عليه كفارة . قال الزجاج : ليس لأحد أن يحرم ما أحل الله . ولم يجعل لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يحرم إلا ما حرم الله عليه . فمن قال لزوجته أو أمته : أنت علي حرام ; ولم ينو طلاقا ولا ظهارا فهذا اللفظ يوجب كفارة اليمين . ولو خاطب بهذا اللفظ جمعا من الزوجات والإماء فعليه كفارة واحدة . ولو حرم على نفسه طعاما أو شيئا آخر لم يلزمه بذلك كفارة عند الشافعي ومالك . وتجب بذلك كفارة عند ابن مسعود والثوري وأبي حنيفة .
الرابعة : واختلف العلماء في الرجل يقول لزوجته : " أنت علي حرام " على ثمانية عشر قولا : أحدها : لا شيء عليه . وبه قال الشعبي ومسروق وربيعة وأبو سلمة وأصبغ . وهو عندهم كتحريم الماء والطعام ; قال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم والزوجة من الطيبات ومما أحل الله . وقال تعالى : ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام . وما لم يحرمه الله فليس لأحد أن يحرمه ، ولا أن يصير بتحريمه حراما . ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لما أحله الله هو علي حرام . وإنما امتنع من مارية ليمين تقدمت منه وهو قوله : والله لا أقربها بعد اليوم فقيل له : لم تحرم ما أحل الله لك ; أي لم تمتنع منه بسبب اليمين . يعني أقدم عليه وكفر .
وثانيها : أنها يمين يكفرها ; قاله أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وابن عباس وعائشة - رضي الله عنهم - والأوزاعي ; وهو مقتضى الآية . قال سعيد بن جبير عن ابن عباس : إذا حرم الرجل عليه امرأته فإنما هي يمين يكفرها . وقال ابن عباس : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ; يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حرم جاريته فقال الله تعالى : لم تحرم ما أحل الله لك إلى قوله تعالى قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم فكفر عن يمينه وصير الحرام يمينا . خرجه الدارقطني .
وثالثها : أنها تجب فيها كفارة وليست بيمين ; قاله ابن مسعود وابن عباس أيضا في إحدى روايتيه ، والشافعي في أحد قوليه ، وفي هذا القول نظر . والآية ترده على ما يأتي .
ورابعها : هي ظهار ; ففيها كفارة الظهار ، قاله عثمان وأحمد بن حنبل وإسحاق .
وخامسها : أنه إن نوى الظهار وهو ينوي أنها محرمة كتحريم ظهر أمه كان ظهارا . وإن نوى تحريم عينها عليه بغير طلاق تحريما مطلقا وجبت كفارة يمين . وإن لم ينو شيئا فعليه كفارة يمين ، قاله الشافعي .
وسادسها : أنها طلقة رجعية ، قاله عمر بن الخطاب والزهري وعبد العزيز بن أبي سلمة وابن الماجشون . وسابعها : أنها طلقة بائنة ، قاله حماد بن أبي سليمان وزيد بن ثابت . ورواه ابن خويز منداد عن مالك .
وثامنها : أنها ثلاث تطليقات ، قاله علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت أيضا وأبو هريرة .
وتاسعها : هي في المدخول بها ثلاث ، وينوي في غير المدخول بها ، قاله الحسن وعلي بن زيد والحكم . وهو مشهور مذهب مالك .
وعاشرها : هي ثلاث ; ولا ينوي بحال ولا في محل وإن لم يدخل ; قاله عبد الملك في المبسوط ، وبه قال ابن أبي ليلى .
وحادي عشرها : هي في التي لم يدخل بها واحدة ، وفي التي دخل بها ثلاث ; قاله أبو مصعب ومحمد بن عبد الحكم .
وثاني عشرها : أنه إن نوى الطلاق أو الظهار كان ما نوى . فإن نوى الطلاق فواحدة بائنة إلا أن ينوي ثلاثا . فإن نوى ثنتين فواحدة . فإن لم ينو شيئا كانت يمينا وكان الرجل موليا من امرأته ; قاله أبو حنيفة وأصحابه . وبمثله قال زفر ; إلا أنه قال : إذا نوى اثنتين ألزمناه .
وثالث عشرها : أنه لا تنفعه نية الظهار وإنما يكون طلاقا ; قاله ابن القاسم .
ورابع عشرها : قال يحيى بن عمر : يكون طلاقا ; فإن ارتجعها لم يجز له وطؤها حتى يكفر كفارة الظهار .
وخامس عشرها : إن نوى الطلاق فما أراد من أعداده . وإن نوى واحدة فهي رجعية . وهو قول الشافعي رضي الله عنه . وروي مثله عن أبي بكر وعمر وغيرهم من الصحابة والتابعين .
وسادس عشرها : إن نوى ثلاثا فثلاثا ، وإن واحدة فواحدة . وإن نوى يمينا فهي يمين . وإن لم ينو شيئا فلا شيء عليه . وهو قول سفيان . وبمثله قال الأوزاعي وأبو ثور ; إلا أنهما قالا : إن لم ينو شيئا فهي واحدة .
وسابع عشرها : له نيته ولا يكون أقل من واحدة ; قاله ابن شهاب . وإن لم ينو شيئا لم يكن شيء ; قاله ابن العربي . ورأيت لسعيد بن جبير وهو :
الثامن عشر : أن عليه عتق رقبة وإن لم يجعلها ظهارا . ولست أعلم لها وجها ، ولا يبعد في المقالات عندي .
قلت : قد ذكره الدارقطني في سننه عن ابن عباس فقال : حدثنا الحسين بن إسماعيل قال : حدثنا محمد بن منصور قال : حدثنا روح قال : حدثنا سفيان الثوري عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه أتاه رجل فقال : إني جعلت امرأتي علي حراما . فقال : كذبت ! ليست عليك بحرام ; ثم تلا : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك عليك أغلظ الكفارات : عتق رقبة . وقد قال جماعة من أهل التفسير : إنه لما نزلت هذه الآية كفر عن يمينه بعتق رقبة ، وعاد إلى مارية صلى الله عليه وسلم ; قاله زيد بن أسلم وغيره .
الخامسة : قال علماؤنا : سبب الاختلاف في هذا الباب أنه ليس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم نص ولا ظاهر صحيح يعتمد عليه في هذه المسألة ، فتجاذبها العلماء لذلك . فمن تمسك بالبراءة الأصلية فقال : لا حكم ، فلا يلزم بها شيء . وأما من قال إنها يمين ; فقال : سماها الله يمينا . وأما من قال : تجب فيها كفارة وليست بيمين ; فبناه على أحد أمرين : أحدهما أنه ظن أن الله تعالى أوجب الكفارة فيها وإن لم تكن يمينا . والثاني أن معنى اليمين عنده التحريم ، فوقعت الكفارة على المعنى . وأما من قال : إنها طلقة رجعية ; فإنه حمل اللفظ على أقل وجوهه ، والرجعية محرمة الوطء كذلك ; فيحمل اللفظ عليه . وهذا يلزم مالكا ، لقوله : إن الرجعية محرمة الوطء . وكذلك وجه من قال : إنها ثلاث ، فحمله على أكبر معناه وهو الطلاق الثلاث . وأما من قال : إنه ظهار ، فلأنه أقل درجات التحريم ، فإنه تحريم لا يرفع النكاح . وأما من قال : إنه طلقة بائنة ، فعول على أن الطلاق الرجعي لا يحرم المطلقة ، وأن الطلاق البائن يحرمها . وأما قول يحيى بن عمر فإنه احتاط بأن جعله طلاقا ، فلما ارتجعها احتاط بأن يلزمه الكفارة . ابن العربي : وهذا لا يصح ، لأنه جمع بين المتضادين ، فإنه لا يجتمع ظهار وطلاق في معنى لفظ واحد ، فلا وجه للاحتياط فيما لا يصح اجتماعه في الدليل .
وأما من قال : إنه ينوى في التي لم يدخل بها ، فلأن الواحدة تبينها وتحرمها شرعا إجماعا . وكذلك قال من لم يحكم باعتبار نيته : إن الواحدة تكفي قبل الدخول في التحريم بالإجماع ، فيكفي أخذا بالأقل المتفق عليه . وأما من قال : إنه ثلاث فيهما ، فلأنه أخذ بالحكم الأعظم ، فإنه لو صرح بالثلاث لنفذت في التي لم يدخل بها نفوذها في التي دخل بها . ومن الواجب أن يكون المعنى مثله وهو التحريم . والله أعلم .
وهذا كله في الزوجة . وأما في الأمة فلا يلزم فيها شيء من ذلك ، إلا أنه ينوي به العتق عند مالك . وذهب عامة العلماء إلى أن عليه كفارة يمين . ابن العربي : والصحيح أنها طلقة واحدة ، لأنه لو ذكر الطلاق لكان أقله وهو الواحدة إلا أن يعدده . كذلك إذا ذكر التحريم يكون أقله إلا أن يقيده بالأكثر ، مثل أن يقول : أنت علي حرام إلا بعد زوج ، فهذا نص على المراد .
قلت : أكثر المفسرين على أن الآية نزلت في حفصة لما خلا النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها بجاريته ; ذكره الثعلبي . وعلى هذا فكأنه قال : لا يحرم عليك ما حرمته على نفسك ولكن عليك كفارة يمين ، وإن كان في تحريم العسل والجارية أيضا . فكأنه قال : لم يحرم عليك ما حرمته ، ولكن ضممت إلى التحريم يمينا فكفر عن اليمين . وهذا صحيح ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حرم ثم حلف ، كما ذكره الدارقطني . وذكر البخاري معناه في قصة العسل عن عبيد بن عمير عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عند زينب بنت جحش عسلا ويمكث عندها ، فتواطأت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل : أكلت مغافير ؟ إني لأجد منك ريح مغافير ! قال : " لا ، ولكن شربت عسلا ولن أعود له ، وقد حلفت ، لا تخبري بذلك أحدا " . يبتغي مرضات أزواجه . فيعني بقوله : ولن أعود له على جهة التحريم . وبقوله : حلفت ؛ أي بالله ، بدليل أن الله تعالى أنزل عليه عند ذلك معاتبته على ذلك ، وحوالته على كفارة اليمين بقوله تعالى : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك يعني العسل المحرم بقوله : لن أعود له . تبتغي مرضات أزواجك أي تفعل ذلك طلبا لرضاهن . والله غفور رحيم غفور لما أوجب المعاتبة ، رحيم برفع المؤاخذة . وقد قيل : إن ذلك كان ذنبا من الصغائر . والصحيح أنه معاتبة على ترك الأولى ، وأنه لم تكن له صغيرة ولا كبيرة .
- الطبرى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: يا أيها النبيّ المحرّم على نفسه ما أحلّ الله له، يبتغي بذلك مرضاة أزواجه، لم تحرّم على نفسك الحلال الذي أحله الله لك، تلتمس بتحريمك ذلك مرضاة أزواجك.
واختلف أهل العلم في الحلال الذي كان الله جلّ ثناؤه أحله لرسوله، فحرّمه على نفسه ابتغاء مرضاة أزواجه، فقال بعضهم: كان ذلك مارية مملوكته القبطية، حرمها على نفسه بيمين أنه لا يقربها طلبًا بذلك رضا حفصة بنت عمر زوجته، لأنها كانت غارت بأن خلا بها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في يومها وفي حجرتها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي، قال: ثني ابن أَبي مريم، قال: ثنا أَبو غسان، قال: ثني زيد بن أسلم أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أصاب أمَّ إبراهيم في بيت بعض نسائه؛ قال: فقالت: أي رسول الله في بيتي وعلى فراشي، فجعلها عليه حراما؛ فقالت: يا رسول الله كيف تحرّم عليك الحلال؟ ، فحلف لها بالله ألا يصيبها، فأنـزل الله عزّ وجل ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ ) قال زيد: فقوله أنت عليّ حرام لغو.
حدثني يعقوب، قال: ثني ابن علية، قال: ثنا داود بن أبي هند، عن الشعبيّ، قال: قال مسروق إن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حرّم جاريته، وآلى منها، فجعل الحلال حرامًا، وقال في اليمين: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ .
حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا سفيان، عن داود، عن الشعبيّ، عن مسروق، قال: آلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وحرّم، فعوتب في التحريم، وأمر بالكفارة في اليمين.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، عن مالك، عن زيد بن أسلم، قال لها: أنت عليّ حرام، ووالله لا أطؤك.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ ) قال: كان الشعبي يقول: حرّمها عليه، وحلف لا يقربها، فعوتب في التحريم، وجاءت الكفارة في اليمين.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وعامر الشعبيّ، أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حرم جاريته. قال الشعبيّ: حلف بيمين مع التحريم، فعاتبه الله في التحريم، وجعل له كفارة اليمين.
حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ) قال: إنه وَجَدَتِ امرأة من نساء رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مع جاريته في بيتها، فقالت: يا رسول الله أنى كان هذا الأمر، وكنت أهونهنّ عليك؟ فقال لها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " اسكُتِي لا تَذْكُرِي هَذَا لأحدٍ، هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ قَرُبْتُهَا بَعْدَ هَذَا أَبَدًا "، فقالت: يا رسول الله وكيف تحرّم عليك ما أحلّ الله لك حين تقول: هي عليّ حرام أبدًا؟ فقال: والله لا آتيها أَبدًا فقال الله: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ) ... الآية، قد غفرت هذا لك، وقولك والله قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ .
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ) كانت لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فتاة، فغشيها، فبصُرت به حفصة، وكان اليومُ يوم عائشة، وكانتا متظاهرتين، فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " اكْتُمي عَلَيَّ وَلا تَذْكُرِي لِعَائِشَةَ مَا رَأَيْتِ"، فذكرت حفصة لعائشة، فغضبت عائشة، فلم تزل بنبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حتى حلف أن لا يقربها أبدًا، فأنـزل الله هذه الآية، وأمره أن يكفر يمينه، ويأتي جاريته.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عامر، في قول الله ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ) في جارية أتاها، فأطلعت عليه حفصة، فقال: هي عليّ حرام، فاكتمي ذلك، ولا تخبري به أحدًا فذكرت ذلك.
وقال آخرون: بل حرم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم جاريته، فجعل الله عزّ وجلّ تحريمه إياها بمنـزلة اليمين، فأوجب فيها من الكفارة مثل ما أوجب في اليمين إذا حنث فيها صاحبها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أَبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ أمر الله النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم والمؤمنين إذا حرموا شيئًا مما أحلّ الله لهم أن يكفروا أيمانهم بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، وليس يدخل ذلك في طلاق.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ) ... إلى قوله: وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قال: كانت حفصة وعائشة متحابتين وكانتا زوجتي النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فذهبت حفصة إلى أبيها، فتحدثت عنده، فأرسل النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى جاريته، فظلت معه في بيت حفصة، وكان اليوم الذي يأتي فيه عائشة، فرجعت حفصة، فوجدتهما في بيتها، فجعلت تنتظر خروجها، وغارت غيرة شديدة، فأخرج رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم جاريته، ودخلت حفصة فقالت: قد رأيت من كان عندك، والله لقد سُؤْتَنِي، فقال النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " واللهِ لأرْضِيَنَّكِ فَإنّي مُسِرّ إلَيْكِ سِرًا فَاحْفَظِيهِ"؛ قالت: ما هو؟ قال: " إنّي أُشْهِدُك أنَّ سُرِّيَّتَي هَذِهِ عَلَىَّ حَرَامٌ رِضًا لَكِ"، كانت حفصة وعائشة تظاهران على نساء النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فانطلقت حفصة إلى عائشة، فأسرّت إليها أن أبشري إن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قد حرّم عليه فتاته، فلما أخبرت بسرّ النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أظهر الله عزّ وجلّ النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فأنـزل الله على رسوله لما تظاهرتا عليه ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ ) ... إلى قوله: وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ .
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا هشام الدستوائي، قال: كتب إليّ يحيى يحدث عن يعلى بن حكيم، عن سعيد بن جُبير، أن ابن عباس كان يقول: في الحرام يمين تكفرها. وقال ابن عباس: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ يعني أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حرّم جاريته، فقال الله جلّ ثناؤه: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ) ... إلى قوله: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ فكفر يمينه، فصير الحرام يمينًا.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، قال: أنبأنا أَبو عثمان أن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم دخل بيت حفصة، فإذا هي ليست ثَمَّ، فجاءته فتاته، وألقى عليها سترًا، فجاءت حفصة فقعدت على الباب حتى قضى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حاجته، فقالت: والله لقد سوتني، جامعتها في بيتي، أو كما قالت؛ قال: وحرّمها النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، أو كما قال.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ) ... الآية، قال: كان حرم فتاته القبطية أمَّ ولده إبراهيم يقال لها مارية في يوم حفصة، وأسرّ ذلك إليها، فأطلعت عليه عائشة، وكانتا تظاهران على نساء النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فأحلّ الله له ما حرَّم على نفسه، فأُمر أن يكفر عن يمينه، وعوتب في ذلك، فقال: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قال قتادة: وكان الحسن يقول حرّمها عليه، فجعل الله فيها كفارة يمين.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور عن معمر، عن قتادة، أن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حرّمها يعني جاريته، فكانت يمينًا.
حدثنا سعيد بن يحيى، قال: ثنا أبي، قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن الزهري، عـن عبيد الله بـن عبد الله، عن ابن عباس، قال: " قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: من المرأتان؟ قال: عائشة، وحفصة. وكان بدء الحديث في شأن أمِّ إبراهيم القبطية، أصابها النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في بيت حفصة في يومها، فوجدته حفصة، فقالت: يا نبيّ الله لقد جئت إليّ شيئًا ما جئتَ إلى أحد من أزواجك بمثله في يومي وفي دوري، وعلى فراشى، قال: " ألا تَرْضينَ أَنْ أُحَرّمهَا فَلا أَقْرَبَهَا؟ " قالت: بلى، فحرّمها، وقال: " لا تَذْكُرِي ذَلِكَ لأحَدٍ"، فذكرته لعائشة، فأظهره الله عزّ وجلّ عليه، فأنـزل الله ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ ) ... الآيات كلها، فبلغنا أن نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كفر يمينه، وأصاب جاريته ".
وقال آخرون: كان ذلك شرابًا يشربه، كان يعجبه ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أَبو داود، قال: ثنا شعبة، عن قيس بن مسلم، عن عبد الله بن شدّاد بن الهاد، قال: نـزلت هذه الآية في شراب ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ ) .
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أَبو قَطن البغدادي عمرو بن الهيثم، قال: ثنا شعبة، عن قيس بن مسلم، عن عبد الله بن شدّاد مثله.
قال: ثنا أَبو قطن، قال: ثنا يزيد بن إبراهيم، عن ابن أَبي مليكة، قال: نـزلت في شراب.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: كان الذي حرّمه النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على نفسه شيئًا كان الله قد أحله له، وجائز أن يكون ذلك كان جاريته، وجائز أن يكون كان شرابًا من الأشربة، وجائز أن يكون كان غير ذلك، غير أنه أيّ ذلك كان، فإنه كان تحريم شيء كان له حلالا فعاتبه الله على تحريمه على نفسه ما كان له قد أحله، وبين له تحلة يمينه في يمين كان حلف بها مع تحريمه ما حرّم على نفسه.
فإن قائل قائل: وما برهانك على أنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان حلف مع تحريمه ما حرم، فقد علمت قول من قال: لم يكن من النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في ذلك غير التحريم، وأن التحريم هو اليمين؟ قيل: البرهان على ذلك واضح، وهو أنه لا يعقل في لغة عربية ولا عجمية أن قول القائل لجاريته، أو لطعام أو شراب، هذا عليّ حرام يمين، فإذا كان ذلك غير معقول، فمعلوم أن اليمين غير قول القائل للشيء الحلال له: هو عليّ حرام. وإذا كان ذلك كذلك صحّ ما قلنا، وفسد ما خالفه. وبعد، فجائز أن يكون تحريم النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ما حرم على نفسه من الحلال الذي كان الله تعالى ذكره، أحله له بيمين، فيكون قوله: ( لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ ) معنا: لم تحلف على الشيء الذي قد أحله الله أن لا تقربه، فتحرّمه على نفسك باليمين.
وإنما قلنا: إن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حرم ذلك، وحلف مع تحريمه، كما حدثني الحسن بن قزعة، قال: ثنا مسلمة بن علقمة، عن داود بن أبي هند، عن الشعبيّ، عن مسروق، عن عائشة قالت: آلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وحرم، فأُمِر في الإيلاء بكفارة، وقيل له في التحريم ( لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ) .
وقوله: ( وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) يقول تعالى ذكره: والله غفور يا محمد لذنوب التائبين من عباده من ذنوبهم، وقد غفر لك تحريمك على نفسك ما أحله الله لك، رحيم بعباده أن يعاقبهم على ما قد تابوا منه من الذنوب بعد التوبة.
- ابن عاشور : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1)
افتتاح السورة بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم بالنداء تنبيه على أن ما سيذكر بعده مما يهتم به النبي صلى الله عليه وسلم والأمة ولأن سبب النزول كان من علائقه .
والاستفهام في قوله : { لم تحرم } مستعمل في معنى النفي ، أي لا يوجد ما يدعو إلى أن تحرّم على نفسك ما أحلّ اللَّه لك ذلك أنه لما التزم عدم العود إلى ما صدر منه التزاماً بيمين أو بدون يمين أراد الامتناع منه في المستقبل قاصداً بذلك تطمين أزواجه اللاء تمالأْنَ عليه لِفرط غيرتهن ، أي ليست غيرتهن مما تجب مراعاته في المعاشرة إن كانت فيما لا هضم فيه لحقوقهن ، ولا هي من إكرام إحداهن لزوجها إن كانت الأخرى لم تتمكن من إكرامه بمثل ذلك الإِكرام في بعض الأيام .
وهذا يومىء إلى ضبط ما يراعى من الغيرة وما لا يراعَى .
وفعل { تحرم } مستعمل في معنى : تجعل ما أحلّ لك حراماً ، أي تحرّمه على نفسك كقوله تعالى : { إلا ما حرم إسرائيل على نفسه } [ آل عمران : 93 ] وقرينتهُ قوله هنا : { ما أحل الله لك } .
وليس معنى التحريم هنا نسبة الفعل إلى كونه حراماً كما في قوله تعالى : { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } [ الأعراف : 32 ] ، وقوله : { يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً } [ التوبة : 37 ] ، فإن التفعيل يأتي بمعنى التصبير كما يقال : وسِّعْ هذا الباب ويأتي بمعنى إيجاد الشيء على حالة مثل ما يقال للخياط : وسِّعْ طَوْق الجبّة .
ولا يخطر ببال أحد أن يتوهم منه أنك غيّرت إباحته حراماً على الناس أو عليك . ومن العجيب قول «الكشاف» : ليس لأحد أن يُحرّم ما أحلّ الله لأن الله إنما أحله لمصلحة عرفها في إحلاله إلخ .
وصيغة المضارع في قوله : { لم تحرم } لأنه أوقع تحريماً متجدداً .
فجملة { تبتغي } حال من ضمير { تحرم } . فالتعجيب واقع على مضمون الجملتين مثل قوله : { لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة } [ آل عمران : 130 ] .
وفي الإِتيان بالموصول في قوله : { ما أحل الله لك } لما في الصلة من الإِيماء إلى تعليل الحكم هو أن ما أحله الله لعبده ينبغي له أن يتمتع به ما لم يعرض له ما يوجب قطعه من ضر أو مرض لأن تناوله شكرٌ لله واعترافٌ بنعمته والحاجة إليه .
وفي قوله : { تبتغي مرضات أزواجك } عذر للنبي صلى الله عليه وسلم فيما فعله من أنه أراد به خيراً وهو جلب رضا الأزواج لأنه أعون على معاشرته مع الإشعار بأن مثل هذه المرضاة لا يعبأ بها لأن الغيرة نشأت عن مجرد معاكسة بعضهن بعضاً وذلك مما يختل به حسن المعاشرة بينهن ، فأنبأه الله أن هذا الاجتهاد معارَض بأن تحريم ما أحلّ الله له يفضي إلى قطع كثير من أسباب شكر الله عند تناول نعمه وأن ذلك ينبغي إبطاله في سيرة الأمة .
وذيل بجملة { والله غفور رحيم } استئناساً للنبيء صلى الله عليه وسلم من وحشة هذا الملام ، أي والله غفور رحيم لك مثل قوله : { عفا الله عنك لما أذنت لهم } [ التوبة : 43 ] .
- إعراب القرآن : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
«يا أَيُّهَا» يا حرف نداء ومنادى نكرة مقصودة وها للتنبيه «النَّبِيُّ» بدل من أيّها «لِمَ» اللام حرف جر وما : اسم استفهام في محل جر باللام وهما متعلقان بالفعل بعدهما «تُحَرِّمُ» مضارع فاعله مستتر «ما» مفعول به والجملة ابتدائية لا محل لها «أَحَلَّ اللَّهُ» ماض وفاعله «لَكَ» متعلقان بالفعل والجملة صلة.
«تَبْتَغِي مَرْضاتَ» مضارع ومفعوله والفاعل مستتر والجملة حالية. «أَزْواجِكَ» مضاف إليه. «وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» مبتدأ وخبراه والجملة استئنافية لا محل لها.
- English - Sahih International : O Prophet why do you prohibit [yourself from] what Allah has made lawful for you seeking the approval of your wives And Allah is Forgiving and Merciful
- English - Tafheem -Maududi : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(66:1) O Prophet, why do you forbid what Allah has made lawful for you? *1 Is it to please your wives? *2 Allah is Most Forgiving, Most Compassionate. *3
- Français - Hamidullah : O Prophète Pourquoi en recherchant l'agrément de tes femmes t'interdis-tu ce qu'Allah t'a rendu licite Et Allah est Pardonneur Très Miséricordieux
- Deutsch - Bubenheim & Elyas : O Prophet warum verbietest du was Allah dir erlaubt hat indem du da nach trachtest die Zufriedenheit deiner Gattinnen zu erlangen Und Allah ist Allvergebend und Barmherzig
- Spanish - Cortes : ¡Profeta ¿Por qué para agradar a tus esposas declaras prohibido lo que Alá ha declarado lícito para ti Pero Alá es indulgente misericordioso
- Português - El Hayek : Ó profeta por que te absténs daquilo que Deus te concedeu procurando com isso agradar as tuas esposas quando sabesque Deus é Indulgente Misericordiosíssimo
- Россию - Кулиев : О Пророк Почему ты запрещаешь себе то что позволил тебе Аллах стремясь угодить своим женам Аллах - Прощающий Милосердный
- Кулиев -ас-Саади : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
О Пророк! Почему ты запрещаешь себе то, что позволил тебе Аллах, стремясь угодить своим женам? Аллах - Прощающий, Милосердный.Аллах укорил Пророка Мухаммада, да благословит его Аллах и приветствует, за то, что он объявил свою невольницу Марию неприкосновенной для себя. Говорят также, что он дал обет никогда не пить меда. Тем самым он хотел угодить некоторым из своих жен, и история об этом хорошо известна. Тогда Всевышний обратился к нему со словами: «О раб Божий, которого Аллах избрал Своим пророком и посланником, почтил Своим откровением! Почему ты отказываешься от благ, которыми Аллах одарил тебя и твоих последователей? Ведь твой Господь - Прощающий, Милосердный». Из этих слов ясно, что Аллах уже простил Своего посланника и избавил его от порицания. Всевышний смилостивился над ним, а его поведение послужило поводом для ниспослания мусульманам нового мудрого положения.
- Turkish - Diyanet Isleri : Eşlerinin rızasını gözeterek Allah'ın sana helal kıldığı şeyi niçin kendine yasak ediyorsun Allah bağışlayandır acıyandır
- Italiano - Piccardo : O Profeta perché cercando di compiacere le tue spose ti interdici quello che Allah ti ha permesso Allah è perdonatore misericordioso
- كوردى - برهان محمد أمين : ئهی پێغهمبهر تۆ بۆچی شتێک له خۆت حهرام دهکهیت که خوا بۆی حهڵاڵ کردویت دهتهوێت بهو کاره هاوسهرهکانت ڕازی بکهیت لهکاتێکدا ههر خوا لێخۆشبوو میهرهبانه
- اردو - جالندربرى : اے پیغمبر جو چیز خدا نے تمہارے لئے جائز کی ہے تم اس سے کنارہ کشی کیوں کرتے ہو کیا اس سے اپنی بیویوں کی خوشنودی چاہتے ہو اور خدا بخشنے والا مہربان ہے
- Bosanski - Korkut : O Vjerovjesniče zašto sebi uskraćuješ ono što ti je Allah dozvolio – u nastojanju da žene svoje zadovoljiš A Allah prašta i samilostan je
- Swedish - Bernström : PROFET Varför pålägger du [dig själv] i en önskan att vara dina hustrur till lags förbud mot det som Gud har förklarat tillåtet för dig Gud är ständigt förlåtande barmhärtig
- Indonesia - Bahasa Indonesia : Hai Nabi mengapa kamu mengharamkan apa yang Allah halalkan bagimu; kamu mencari kesenangan hati isteriisterimu Dan Allah Maha Pengampun lagi Maha Penyayang
- Indonesia - Tafsir Jalalayn : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
(Hai nabi! Mengapa kamu mengharamkan apa yang Allah menghalalkannya bagimu) mengenai istri budak wanitamu, yakni Mariyah Qibtiah; yaitu sewaktu Nabi saw. menggaulinya di rumah Hafshah, sedangkan pada waktu itu Siti Hafshah sedang tidak ada di rumah. Lalu datanglah Siti Hafshah, dan ia merasa keberatan dengan adanya hal tersebut yang dilakukan oleh Nabi saw. di dalam rumahnya dan di tempat tidurnya. Lalu kamu mengatakan, dia (Siti Mariyah) haram atas diriku (kamu mencari) dengan mengharamkannya atas dirimu (keridaan istri-istrimu) kerelaan mereka terhadap dirimu. (Dan Allah Maha Pengampun lagi Maha Penyayang) Dia telah mengampunimu atas tindakan pengharamanmu itu.
- বাংলা ভাষা - মুহিউদ্দীন খান : হে নবী আল্লাহ আপনার জন্যে যা হালাল করছেন আপনি আপনার স্ত্রীদেরকে খুশী করার জন্যে তা নিজের জন্যে হারাম করেছেন কেন আল্লাহ ক্ষমাশীল দয়াময়।
- தமிழ் - ஜான் டிரஸ்ட் : நபியே உம் மனைவியரின் திருப்தியை நாடி அல்லாஹ் உமக்கு அனுமதித்துள்ளதை ஏன் விலக்கிக் கொண்டீர் மேலும் அல்லாஹ் மிகவும் மன்னிப்பவன் மிக்க கிருபையுடையவன்
- ภาษาไทย - ภาษาไทย : โอ้นะบีเอ๋ย ทำไมเจ้าจึงห้ามสิ่งที่อัลลอฮฺได้ทรงอนุมัติแก่เจ้า เพื่อแสวงหาความพึงพอใจบรรดาภริยาของเจ้าเล่า และอัลลอฮฺนั้นเป็นผู้ทรงอภัย ผู้ทรงเมตตา
- Uzbek - Мухаммад Содик : Эй Набий Нима учун хотинларинг розилигини тилаб Аллоҳ сенга ҳалол қилган нарсани ҳаром қиласан Аллоҳ кечирувчи ва раҳмдилдир Аллоҳ сенга ҳалол қилган чўрини ёки асални ўзингга ҳаром қилишинг дуруст эмас
- 中国语文 - Ma Jian : 先知啊!真主准许你享受的,你为什么加以禁戒,以便向你的妻子们讨好呢?真主是至赦的,是至慈的。
- Melayu - Basmeih : Wahai Nabi Mengapa engkau haramkan dengan bersumpah menyekat dirimu daripada menikmati apa yang dihalalkan oleh Allah bagimu kerana engkau hendak mencari keredaan isteriisterimu Dalam pada itu Allah ampunkan kesilapanmu itu dan Allah sememangnya Maha Pengampun lagi Maha Mengasihani
- Somali - Abduh : Nibiyow maxaad u xarrimi wax Eebe kuu xalaaleeyey si aad u raalli geliso Haweenkaaga Eebe waa dambi dhaafe naxariista ah
- Hausa - Gumi : Yã kai Annabi Don me kake haramta abin da Allah Ya halatta maka kanã nẽman yardar mãtanka alhãli kuwa Allah Mai gãfara ne Mai jin ƙai
- Swahili - Al-Barwani : Ewe Nabii Kwa nini unaharimisha alicho kuhalilishia Mwenyezi Mungu Unatafuta kuwaridhi wake zako Na Mwenyezi Mungu ni Mwenye kusamehe Mwenye kurehemu
- Shqiptar - Efendi Nahi : O Pejgamber Përse po ia ndalon vetes atë që ta ka lejuar Perëndia ty në kërkimin e kënaqësisë së grave tuaja E perëndia është falës dhe mëshirues
- فارسى - آیتی : اى پيامبر، چرا چيزى را كه خدا بر تو حلال كرده است، به خاطر خشنودساختن زنانت بر خود حرام مىكنى؟ و خدا آمرزنده و مهربان است.
- tajeki - Оятӣ : Эй паёмбар, чаро чизеро, ки Худо бар ту ҳалол кардааст, ба хотири хушнуд сохтани занонат бар худ ҳаром мекунӣ? Ва Худо бахшояндаву меҳрубон аст!
- Uyghur - محمد صالح : ئى پەيغەمبەر! نېمە ئۈچۈن اﷲ ساڭا ھالال قىلغان نەرسىنى ئاياللىرىڭنىڭ رازىلىقىنى تىلەش يۈزىسىدىن ھارام قىلىسەن، اﷲ ناھايىتى مەغپىرەت قىلغۇچىدۇر، ناھايىتى مېھرىباندۇر
- Malayalam - ശൈഖ് മുഹമ്മദ് കാരകുന്ന് : നബിയേ, നീയെന്തിനാണ് ഭാര്യമാരുടെ പ്രീതി കാംക്ഷിച്ച് അല്ലാഹു അനുവദനീയമാക്കിയത് നിഷിദ്ധമാക്കുന്നത്? അല്ലാഹു ഏറെ പൊറുക്കുന്നവനും ദയാപരനും തന്നെ.
- عربى - التفسير الميسر : يا ايها النبي لم تمنع نفسك عن الحلال الذي احله الله لك تبتغي ارضاء زوجاتك والله غفور لك رحيم بك
*1) This is not, in fact, a question but an expression of disapproval. The object is not to ask the Holy Prophet (upon whom be Allah's peace) why he had done so, but to warn him that his act to make unlawful for himself what AIIah had made lawful is not approved by Allah. This by itself gives the meaning that nobody has the power to make unlawful what Allah has made lawful; so much so that the Holy Prophet (upon whom be peace) himself also did not possess any such power. Although the Holy Prophet did not regard this as unlawful as a matter of faith nor legally but only forbade himself its use, yet since he was not an ordinary man but Allah's Messenger, and his forbidding himself something could have the effect that his followers too would have regarded it as forbidden, or at least reprehensible, or the people of his community might have thought that there was no harm in forbidding oneself something his AIIah had made lawful, Allah pointed it out to him and commanded him to refrain from such prohibition.
*2) This shows that in this case the Holy Prophet had not made a lawful thing unlawfirl because of a personal desire but because his wives had wanted him to do so, and he had made it unlawful for himself only in order to please them. Here, the question arises: why has Allah particularly made mention of the cause of making the thing unlawful besides pointing out the act of prohibition? Obviously, if the object had been to make him refrain from making a lawful thing unlawfirl, this could be fulfilled by the first sentences and there was no need that the motive of the act also should have been stated. Making mention of it in particular clearly shows that the object was not to check the Holy Prophet only for making a lawful thing unlawful, but along with that to warn the holy wives also to the effect that in their capacity as the Prophet's wives they had not understood their delicate responsibilities and had made the Holy Prophet do a thing which could lead to making a lawful thing unlawful.
Although it has not been mentioned ill the Qur'an as to what it was that the Holy Prophet had forbidden himself yet the traditionists and commentators have mentioned in this regard two differ. ent incidents, which occasioned the revelation of this verse. One of these relates to Hadrat Mariyah Qibiyyah (Mary, the Copt lady) and the other to his forbidding himself the use of honey.
The incident relating to Hadrat Mariyah is that after concluding the peace treaty of Hudaibiyah one of the letters that the Holy Prophet (upon whom be Allah's peace) sent to the rulers of the adjoining countries was addressed to the Roman Patriarch of Alexandria also, whom the Arabs called Muqawqis. When Hadrat Hatib bin Abi Balta a took this letter to him, he did not embrace Islam but received him well, and in reply wrote: "I know that a Prophet is yet to rise, but 1 think he will appear in Syria. However, 1 have treated your messenger with due honour, and am sending two slave-girls to you, who command respect among the Coptics. " (Ibn Sa'd). One of those slave-girls was Sirin and the other Mariyah (Mary). Un his way back from Egypt Hadrat Hatib presented Islam before both and they believed. When they came before the Holy Prophet (upon whom be peace) he gave Sirin in the ownership of Hadrat Hassan bin Thabit and admitted Hadrat Mariyah into his own household. In Dhil-Hijjah, A.H. 8 she gave birth to the Holy Prophet's son, Ibrahim. (Al-Isti'ab; Al-Isabah). This lady was very beautiful. Hafiz Ibn Hajar in Al-Isabah has rclated this saying of Hadrat 'A'ishah about her: "No woman's entry into the Holy Prophet's household vexed me so much as of Mariyah, because she was very beautiful and pleased him much. " Concerning her the story that has been narrated in several ways in the Hadith is briefly as follows:
One day the Holy Prophet (upon whom be peace) visited the house of Hadrat Hafsah when she was not at home. At that time Hadrat Mariyah carne to him there and stayed with him in seclusion. Hadrat Hafsah took it very iII and complained of it bitterly to him. Thereupon, in order to please her the Holy Prophet vowed that he would have no conjugal relation with Mariyah in future. According to some traditions, he forbade Mariyah for himself, and according to others, he also swore an oath on it. These traditions have been mostly reported by the immediate successors of the Companions without mentioning any intermediary link. But some of these have been reported from Hadrat 'Umar,. Hadrat `Abdullah bin 'Abbas and Hadrat Abu Hurairah also. In view of the plurality of the methods of narration, Hafiz Ibn Hajar in Fath al-Bari has expressed the view that there is some truth in the story. But in none of the six authentic collections of the Hadith has this story been narrated. In Nasa'i only this much has been rclated from Hadrat Anas: "The Holy Prophet had a slave-girl with whom he had conjugal relations. Then, Hadrat Hafsah and Hadrat `A'ishah began to point out this to him repeatedly until he forbade her for himself. There upon, Allah sent down this verse: 'O Prophet. why do you maKe unlawful that which AIlah has made lawful for you?"
The other incident has been related in Bukhari, Muslim, Abu Da'ud, Nasa'i and several other books of Hadith from Hadrat `A'ishah herself and its purport is as follows:
"The Holy Prophet (upon whom be peace) usually paid a daily visit to aII his wives after the `Asr Prayer Once it so happened that he began to stay in the house of Hadrat Zainab bint-Jahsh longer than usual, for she had received sane honey from somewhere as a gift and the Holy Prophet was very fond of sweet things; therefore, he would have a drink of honey at her house. Hadrat 'A'ishah states that she felt envious of this and spoke to Hadrat Hafsah, Hadrat Saudah and Hadrat Safiyyah about it and together they decided that whoever of them was visited by the Holy Prophet, she should say to him: 'Your mouth smells of maghafir ' Maghafir is a kind of flower, which gives out an offensive smell, and if the bee obtains honey from it, it is also tainted by the same odour. They all knew that the Holy Prophet was a man of very fine taste and he abhorred that he should emit any kind of unpleasant smell. There fore, this device was contrived to stop him from staying in the house of Hadrat Zainab and it worked. When several of his wives told him that his mouth smelt of Maghafir, he made a promise not to use the honey any longer. In one tradition his words are to the effect "Now, I will never have a drink from it: I have sworn an oath. " In another tradition he only said: "I will never have a drink from it," and there is no mention of the oath And in the tradition which Ibn al Mundhir, Ibn Abi Hatim, Tabarani and Ibn Marduyah have related from Ibn 'Abbas the words are to the effect: "By God, I will not drink it!"
Our eminent scholars regard this second version as correct and the first as unreliable. Imam Nasa'i says: "About honey the Hadith reported from Hadrat 'A'ishah is authentic, and the story of forbidding Hadrat Mariyah for himself by the Holy Prophet has not been narrated in a reliable way." Qadi 'Iyad says: "The truth is that this verse was sent down concerning honey and not Mariyah." Qadi Abu Bakr Ibn al-'Arabi; also regards the story about honey as correct and the same is the opinion of Imam Nawawi and Hafiz Badruddiu 'Aini. Ibn Humam writes in Fath al-Qadir "The story of the prohibition of honey has been narrated in Bukhari and Muslim from Hadrat `A'ishah who was herself a party to it; therefore, it is much more reliable." Hafiz Ibn Kathir says: "The truth is that this verse was sent down about forbidding honey for himself by the Holy Prophet. "
*3) That is, "Although the act of making a lawful thing unlawful only in order to please your wives was an act unbecoming of your high and responsible office, yet it was no sin, which might have entailed a punishment. Therefore, Allah has only pointed it out to you and corrected it, and has forgiven you for this error. "