القرطبى : لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويومن بالله فقد استمسك بالعروه الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم قوله تعالى لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويومن بالله فقد استمسك بالعروه الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم قوله تعالى لا اكراه في الدين فيه مسالتان الاولى قوله تعالى لا اكراه في الدين الدين في هذه الايه المعتقد والمله بقرينه قوله قد تبين الرشد من الغي والاكراه الذي في الاحكام من الايمان والبيوع والهبات وغيرها ليس هذا موضعه وانما يجيء في تفسير قوله الا من اكره وقرا ابو عبد الرحمن " قد تبين الرشد من الغي " وكذا روي عن الحسن والشعبي يقال رشد يرشد رشدا ورشد يرشد رشدا اذا بلغ ما يحب وغوى ضده عن النحاس وحكى ابن عطيه عن ابي عبد الرحمن السلمي انه قرا " الرشاد " بالالف وروي عن الحسن ايضا " الرشد " بضم الراء والشين " الغي " مصدر من غوى يغوي اذا ضل في معتقد او راي ولا يقال الغي في الضلال على الاطلاق الثانيه اختلف العلماء في معنى هذه الايه على سته اقوال الاول قيل انها منسوخه لان النبي صلى الله عليه وسلم قد اكره العرب على دين الاسلام وقاتلهم ولم يرض منهم الا بالاسلام قاله سليمان بن موسى قال نسختها يا ايها النبي جاهد الكفار والمنافقين وروي هذا عن ابن مسعود وكثير من المفسرين الثاني ليست بمنسوخه وانما نزلت في اهل الكتاب خاصه وانهم لا يكرهون على الاسلام اذا ادوا الجزيه والذين يكرهون اهل الاوثان فلا يقبل منهم الا الاسلام فهم الذين نزل فيهم يا ايها النبي جاهد الكفار والمنافقين هذا قول الشعبي وقتاده والحسن والضحاك والحجه لهذا القول ما رواه زيد بن اسلم عن ابيه قال سمعت عمر بن الخطاب يقول لعجوز نصرانيه اسلمي ايتها العجوز تسلمي ان الله بعث محمدا بالحق قالت انا عجوز كبيره والموت الي قريب فقال عمر اللهم اشهد وتلا لا اكراه في الدين الثالث ما رواه ابو داود عن ابن عباس قال نزلت هذه في الانصار كانت تكون المراه مقلاتا فتجعل على نفسها ان عاش لها ولد ان تهوده فلما اجليت بنو النضير كان فيهم كثير من ابناء الانصار فقالوا لا ندع ابناءنا فانزل الله تعالى لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي قال ابو داود والمقلات التي لا يعيش لها ولد في روايه انما فعلنا ما فعلنا ونحن نرى ان دينهم افضل مما نحن عليه واما اذا جاء الله بالاسلام فنكرههم عليه فنزلت لا اكراه في الدين من شاء التحق بهم ومن شاء دخل في الاسلام وهذا قول سعيد بن جبير والشعبي ومجاهد الا انه قال كان سبب كونهم في بني النضير الاسترضاع قال النحاس قول ابن عباس في هذه الايه اولى الاقوال لصحه اسناده وان مثله لا يوخذ بالراي الرابع قال السدي نزلت الايه في رجل من الانصار يقال له ابو حصين كان له ابنان فقدم تجار من الشام الى المدينه يحملون الزيت فلما ارادوا الخروج اتاهم ابنا الحصين فدعوهما الى النصرانيه فتنصرا ومضيا معهم الى الشام فاتى ابوهما رسول الله صلى الله عليه وسلم مشتكيا امرهما ورغب في ان يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من يردهما فنزلت لا اكراه في الدين ولم يومر يومئذ بقتال اهل الكتاب وقال ابعدهما الله هما اول من كفر فوجد ابو الحصين في نفسه على النبي صلى الله عليه وسلم حين لم يبعث في طلبهما فانزل الله جل ثناوه فلا وربك لا يومنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم الايه ثم انه نسخ لا اكراه في الدين فامر بقتال اهل الكتاب في سوره براءه والصحيح في سبب قوله تعالى فلا وربك لا يومنون حديث الزبير مع جاره الانصاري في السقي على ما ياتي في النساء بيانه ان شاء الله تعالى وقيل معناها لا تقولوا لمن اسلم تحت السيف مجبرا مكرها وهو القول الخامس وقول سادس وهو انها وردت في السبي متى كانوا من اهل الكتاب لم يجبروا اذا كانوا كبارا وان كانوا مجوسا صغارا او كبارا او وثنيين فانهم يجبرون على الاسلام لان من سباهم لا ينتفع بهم مع كونهم وثنيين الا ترى انه لا توكل ذبائحهم ولا توطا نساوهم ويدينون باكل الميته والنجاسات وغيرهما ويستقذرهم المالك لهم ويتعذر عليه الانتفاع بهم من جهه الملك فجاز له الاجبار ونحو هذا روى ابن القاسم عن مالك واما اشهب فانه قال هم على دين من سباهم فاذا امتنعوا اجبروا على الاسلام والصغار لا دين لهم فلذلك اجبروا على الدخول في دين الاسلام لئلا يذهبوا الى دين باطل فاما سائر انواع الكفر متى بذلوا الجزيه لم نكرههم على الاسلام سواء كانوا عربا ام عجما قريشا او غيرهم وسياتي بيان هذا وما للعلماء في الجزيه ومن تقبل منه في براءه ان شاء الله تعالى قوله تعالى فمن يكفر بالطاغوت ويومن بالله جزم بالشرط والطاغوت مونثه من طغى يطغى وحكى الطبري يطغو اذا جاوز الحد بزياده عليه ووزنه فعلوت ومذهب سيبويه انه اسم مذكر مفرد كانه اسم جنس يقع للقليل والكثير ومذهب ابي علي انه مصدر كرهبوت وجبروت وهو يوصف به الواحد والجمع وقلبت لامه الى موضع العين وعينه موضع اللام كجبذ وجذب فقلبت الواو الفا لتحركها وتحرك ما قبلها فقيل طاغوت واختار هذا القول النحاس وقيل اصل طاغوت في اللغه ماخوذه من الطغيان يودي معناه من غير اشتقاق كما قيل لال من اللولو وقال المبرد هو جمع وقال ابن عطيه وذلك مردود قال الجوهري والطاغوت الكاهن والشيطان وكله راس في الضلال وقد يكون واحدا قال الله تعالى يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت وقد امروا ان يكفروا به وقد يكون جمعا قال الله تعالى اولياوهم الطاغوت والجمع الطواغيت ويومن بالله عطف فقد استمسك بالعروه الوثقى جواب الشرط وجمع الوثقى الوثق مثل الفضلى والفضل فالوثقى فعلى من الوثاقه وهذه الايه تشبيه واختلفت عباره المفسرين في الشيء المشبه به فقال مجاهد العروه الايمان وقال السدي الاسلام وقال ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك لا اله الا الله وهذه عبارات ترجع الى معنى واحد ثم قال لا انفصام لها قال مجاهد اي لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم اي لا يزيل عنهم اسم الايمان حتى يكفروا والانفصام الانكسار من غير بينونه والقصم كسر ببينونه وفي صحيح الحديث فيفصم عنه الوحي وان جبينه ليتفصد عرقا اي يقلع قال الجوهري فصم الشيء كسره من غير ان يبين تقول فصمته فانفصم قال الله تعالى لا انفصام لها وتفصم مثله قاله ذو الرمه يذكر غزالا يشبهه بدملج فضه كانه دملج من فضه نبه في ملعب من جواري الحي مفصوم وانما جعله مفصوما لتثنيه وانحنائه اذا نام ولم يقل " مقصوم " بالقاف فيكون بائنا باثنين وافصم المطر اقلع وافصمت عنه الحمى ولما كان الكفر بالطاغوت والايمان بالله مما ينطق به اللسان ويعتقده القلب حسن في الصفات " سميع " من اجل النطق " عليم " من اجل المعتقد