ابن عاشور : خلق السماوات والارض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمى الا هو العزيز الغفار خلق السماوات والارض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمى الا هو العزيز الغفار 5 خلق السماوات والارض بالحق يكور اليل على النهار ويكور النهار على اليل وسخر الشمس والقمر كل هذه الجمله بيان لجمله هو الله الواحد القهار الزمر 4 فان خلق هذه العوالم والتصرف فيها على شدتها وعظمتها يبين معنى الوحدانيه ومعنى القهاريه فتكون جمله هو الله الواحد القهار ذات اتصالين اتصالل بجمله لو اراد الله ان يتخذ ولدا الزمر 4 كاتصال التذييل واتصالل بجمله خلق السماوات والارض بالحق اتصال التمهيد وقد انتقل من الاستدلال باقتضاء حقيقه الالهيه نفي الشريك الى الاستدلال بخلق السماوات والارض على انه المنفرد بالخلق اذ لا يستطيع شركاوهم خلق العوالم والباء في بالحق للملابسه اي خلقها خلقا ملابسا للحق وهو هنا ضد العبث اي خلقهما خلقا ملابسا للحكمه والصواب والنفع لا يشوب خلقهما عبث ولا اختلال قال تعالى وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما الا بالحق الدخان 38 39 وجمله يكور اليل بيان ثان وهو كتعداد الجمل في مقام الاستدلال او الامتنان واوثر المضارع في هذه الجمله للدلاله على تجدد ذلك وتكرره او لاستحضار حاله التكوير تبعا لاستحضار اثارها فان حاله تكوير الله الليل على النهار غير مشاهده وانما المشاهد اثرها وتجدد الاثر يدل على تجدد التاثير والتكوير حقيقته اللف واللي يقال كور العمامه على راسه اذا لواها ولفها ومثلت به هنا هيئه غشيان الليل على النهار في جزء من سطح الارض وعكس ذلك على التعاقب بهيئه كور العمامه اذ تغشى الليه الليه التي قبلها وهو تمثيل بديع قابل للتجزئه بان تشبه الارض بالراس ويشبه تعاور الليل والنهار عليها بلف طيات العمامه ومما يزيده ابداعا ايثار ماده التكوير الذي هو معجزه علميه من معجزات القران المشار اليها في المقدمه الرابعه والموضحه في المقدمه العاشره فان ماده التكوير جائيه من اسم الكره وهي الجسم المستدير من جميع جهاته على التساوي والارض كرويه الشكل في الواقع وذلك كان يجهله العرب وجمهور البشر يومئذ فاوما القران اليه بوصف العرضين اللذين يعتريان الارض على التعاقب وهما النور والظلمه او الليل والنهار اذ جعل تعاورهما تكويرا لان عرض الكره يكون كرويا تبعا لذاتها فلما كان سياق هذه الايه للاستدلال على الالهيه الحق بانشاء السماوات والارض اختير للاستدلال على ما يتبع ذلك الانشاء من خلق العرضين العظيمين للارض ماده التكوير دون غيرها من نحو الغشيان الذي عبر به في قوله تعالى يغشي الليل النهار في سوره الاعراف 54 لان تلك الايه مسوقه للدلاله على سعه التصرف في المخلوقات لان اولها ان ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في سته ايام ثم استوى على العرش الاعراف 54 فكان تصوير ذلك باغشاء الليل والنهار خاصه لانه دل على قوه التمكن من تغييره اعراض مخلوقاته ولذلك اقتصر على تغيير اعظم عرض وهو النور بتسليط الظلمه عليه لتكون هاته الايه لمن ياتي من المسلمين الذين يطلعون على علم الهيئه فتكون معجزه عندهم وعطف جمله ويكور النهار على الليل هو من عطف الجزء المقصود من الخبر كقوله ثيبات وابكارا التحريم 5 وتسخير الشمس والقمر هو تذليلهما للعمل على ما جعل الله لهما من نظام السير سير المتبوع والتابع وقد تقدم في سوره الاعراف وغيرها وعطفت جمله وسخر الشمس والقمر على جمله يكور الليل على النهار لان ذلك التسخير مناسب لتكوير الليل على النهار وعكسه فان ذلك التكوير من اثار ذلك التسخير فتلك المناسبه اقتضت عطف الجمله التي تضمنته على الجمله التي قبلها وجمله كل يجري لاجلل مسمى في موقع بدل اشتمال من جمله سخر الشمس والقمر وذلك اوضح احوال التسخير وتنوين كل للعوض اي كل واحد والجري السير السريع واللام للعله والاجل هو اجل فنائهما فان جريهما لما كان فيه تقريب فنائهما جعل جريهما كانه لاجل الاجل اي لاجل ما يطلبه ويقتضيه اجل البقاء وذلك كقوله تعالى والشمس تجري لمستقر لها يس 38 فالتنكير في اجل للافراد ويجوز ان يكون المراد بالاجل اجل حياه الناس الذي ينتهي بانتهاء الاعمار المختلفه وليس العمر الا اوقاتا محدوده وانفاسا معدوده وجري الشمس والقمر تحسب به تلك الاوقات والانفاس فصار جريهما كانه لاجل قال اسقف نجران منع البقاء تقلب الشمس وطلوعها من حيث لا تمسي واقوالهم في هذا المعنى كثيره فالتنكير في اجل للنوعيه الذي هو في معنى لاجالل مسماه ولعل تعقيبه بوصف الغفار يرجح هذا المحمل كما سياتي والمسمى المجعول له وسم اي ما به يعين وهو ما عينه الله لان يبلغ اليه وقد جاء في ايات اخرى كل يجري الى اجل لقمان 29 بحرف انتهاء الغايه ولام العله وحرف الغايه متقاربان في المعنى الاصلي واحسب ان اختلاف التعبير بهما مجرد تفنن في الكلام مسمى الا هو العزيز استئناف ابتدائي هو في معنى الوعيد والوعد فان وصف العزيز كنايه عن انه يفعل ما يشاء لا غالب له فلا تجدي المشركين عباده اوليائهم ووصف الغفار موذن باستدعائهم الى التوبه باتباع الاسلام وفي وصف الغفار مناسبه لذكر الاجل لان المغفره يظهر اثرها بعد البعث الذي يكون بعد الموت وانتهاء الاجل تحريضا على البدار بالتوبه قبل الموت حين يفوت التدارك وفي افتتاح الجمله بحرف التنبيه ايذان باهميه مدلولها الصريح والكنائي