ابن كثير : اتامرون الناس بالبر وتنسون انفسكم وانتم تتلون الكتاب افلا تعقلون يقول تعالى كيف يليق بكم يا معشر اهل الكتاب وانتم تامرون الناس بالبر وهو جماع الخير ان تنسوا انفسكم فلا تاتمروا بما تامرون الناس به وانتم مع ذلك تتلون الكتاب وتعلمون ما فيه على من قصر في اوامر الله افلا تعقلون ما انتم صانعون بانفسكم فتنتبهوا من رقدتكم وتتبصروا من عمايتكم وهذا كما قال عبد الرزاق عن معمر عن قتاده في قوله تعالى اتامرون الناس بالبر وتنسون انفسكم قال كان بنو اسرائيل يامرون الناس بطاعه الله وبتقواه وبالبر ويخالفون فعيرهم الله عز وجل وكذلك قال السدي وقال ابن جريج اتامرون الناس بالبر اهل الكتاب والمنافقون كانوا يامرون الناس بالصوم والصلاه ويدعون العمل بما يامرون به الناس فعيرهم الله بذلك فمن امر بخير فليكن اشد الناس فيه مسارعه وقال محمد بن اسحاق عن محمد عن عكرمه او سعيد بن جبير عن ابن عباس وتنسون انفسكم اي تتركون انفسكم وانتم تتلون الكتاب افلا تعقلون اي تنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوه والعهد من التوراه وتتركون انفسكم اي وانتم تكفرون بما فيها من عهدي اليكم في تصديق رسولي وتنقضون ميثاقي وتجحدون ما تعلمون من كتابي وقال الضحاك عن ابن عباس في هذه الايه يقول اتامرون الناس بالدخول في دين محمد صلى الله عليه وسلم وغير ذلك مما امرتم به من اقام الصلاه وتنسون انفسكم وقال ابو جعفر بن جرير حدثني علي بن الحسن حدثنا مسلم الجرمي حدثنا مخلد بن الحسين عن ايوب السختياني عن ابي قلابه في قول الله تعالى اتامرون الناس بالبر وتنسون انفسكم وانتم تتلون الكتاب قال قال ابو الدرداء لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله ثم يرجع الى نفسه فيكون لها اشد مقتا وقال عبد الرحمن بن زيد بن اسلم في هذه الايه هولاء اليهود اذا جاء الرجل يسالهم عن الشيء ليس فيه حق ولا رشوه ولا شيء امروه بالحق فقال الله تعالى اتامرون الناس بالبر وتنسون انفسكم وانتم تتلون الكتاب افلا تعقلون والغرض ان الله تعالى ذمهم على هذا الصنيع ونبههم على خطئهم في حق انفسهم حيث كانوا يامرون بالخير ولا يفعلونه وليس المراد ذمهم على امرهم بالبر مع تركهم له بل على تركهم له فان الامر بالمعروف معروف وهو واجب على العالم ولكن الواجب و الاولى بالعالم ان يفعله مع امرهم به ولا يتخلف عنهم كما قال شعيب عليه السلام وما اريد ان اخالفكم الى ما انهاكم عنه ان اريد الا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب هود 88 فكل من الامر بالمعروف وفعله واجب لا يسقط احدهما بترك الاخر على اصح قولي العلماء من السلف والخلف وذهب بعضهم الى ان مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها وهذا ضعيف واضعف منه تمسكهم بهذه الايه فانه لا حجه لهم فيها والصحيح ان العالم يامر بالمعروف وان لم يفعله وينهى عن المنكر وان ارتكبه قال مالك عن ربيعه سمعت سعيد بن جبير يقول له لو كان المرء لا يامر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما امر احد بمعروف ولا نهى عن منكر وقال مالك وصدق من ذا الذي ليس فيه شيء قلت ولكنه والحاله هذه مذموم على ترك الطاعه وفعله المعصيه لعلمه بها ومخالفته على بصيره فانه ليس من يعلم كمن لا يعلم ولهذا جاءت الاحاديث في الوعيد على ذلك كما قال الامام ابو القاسم الطبراني في معجمه الكبير حدثنا احمد بن المعلى الدمشقي والحسن بن علي المعمري قالا حدثنا هشام بن عمار حدثنا علي بن سليمان الكلبي حدثنا الاعمش عن ابي تميمه الهجيمي عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل العالم الذي يعلم الناس الخير ولا يعمل به كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه هذا حديث غريب من هذا الوجه حديث اخر قال الامام احمد بن حنبل في مسنده حدثنا وكيع حدثنا حماد بن سلمه عن علي بن زيد هو ابن جدعان عن انس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مررت ليله اسري بي على قوم شفاههم تقرض بمقاريض من نار قال قلت من هولاء قالوا خطباء من اهل الدنيا ممن كانوا يامرون الناس بالبر وينسون انفسهم وهم يتلون الكتاب افلا يعقلون ورواه عبد بن حميد في مسنده وتفسيره عن الحسن بن موسى عن حماد بن سلمه به ورواه ابن مردويه في تفسيره من حديث يونس بن محمد المودب والحجاج بن منهال كلاهما عن حماد بن سلمه به وكذا رواه يزيد بن هارون عن حماد بن سلمه به ثم قال ابن مردويه حدثنا محمد بن عبد الله بن ابراهيم حدثنا موسى بن هارون حدثنا اسحاق بن ابراهيم التستري ببلخ حدثنا مكي بن ابراهيم حدثنا عمر بن قيس عن علي بن زيد عن ثمامه عن انس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مررت ليله اسري بي على اناس تقرض شفاههم والسنتهم بمقاريض من نار قلت من هولاء يا جبريل قال هولاء خطباء امتك الذين يامرون الناس بالبر وينسون انفسهم واخرجه ابن حبان في صحيحه وابن ابي حاتم وابن مردويه ايضا من حديث هشام الدستوائي عن المغيره يعني ابن حبيب ختن مالك بن دينار عن مالك بن دينار عن ثمامه عن انس بن مالك قال لما عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقوم تقرض شفاههم فقال يا جبريل من هولاء قال هولاء الخطباء من امتك يامرون الناس بالبر وينسون انفسهم افلا يعقلون حديث اخر قال الامام احمد حدثنا يعلى بن عبيد حدثنا الاعمش عن ابي وائل قال قيل لاسامه وانا رديفه الا تكلم عثمان فقال انكم ترون اني لا اكلمه الا اسمعكم اني لا اكلمه فيما بيني وبينه ما دون ان افتتح امرا لا احب ان اكون اول من افتتحه والله لا اقول لرجل انك خير الناس وان كان علي اميرا بعد ان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قالوا وما سمعته يقول قال سمعته يقول يجاء بالرجل يوم القيامه فيلقى في النار فتندلق به اقتابه فيدور بها في النار كما يدور الحمار برحاه فيطيف به اهل النار فيقولون يا فلان ما اصابك الم تكن تامرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر فيقول كنت امركم بالمعروف ولا اتيه وانهاكم عن المنكر واتيه ورواه البخاري ومسلم من حديث سليمان بن مهران الاعمش به نحوه وقال احمد حدثنا سيار بن حاتم حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله يعافي الاميين يوم القيامه ما لا يعافي العلماء وقد ورد في بعض الاثار انه يغفر للجاهل سبعين مره حتى يغفر للعالم مره واحده ليس من يعلم كمن لا يعلم وقال تعالى قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون انما يتذكر اولو الالباب الزمر 9 وروى ابن عساكر في ترجمه الوليد بن عقبه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان اناسا من اهل الجنه يطلعون على اناس من اهل النار فيقولون بم دخلتم النار فوالله ما دخلنا الجنه الا بما تعلمنا منكم فيقولون انا كنا نقول ولا نفعل رواه من حديث الطبراني عن احمد بن يحيى بن حيان الرقي عن زهير بن عباد الرواسي عن ابي بكر الداهري عن عبد الله بن حكيم عن اسماعيل بن ابي خالد عن الشعبي عن الوليد بن عقبه فذكره وقال الضحاك عن ابن عباس انه جاءه رجل فقال يا ابن عباس اني اريد ان امر بالمعروف وانهى عن المنكر قال اوبلغت ذلك قال ارجو قال ان لم تخش ان تفتضح بثلاث ايات من كتاب الله فافعل قال وما هن قال قوله عز وجل اتامرون الناس بالبر وتنسون انفسكم احكمت هذه قال لا قال فالحرف الثاني قال قوله تعالى لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون الصف 2 3 احكمت هذه قال لا قال فالحرف الثالث قال قول العبد الصالح شعيب عليه السلام وما اريد ان اخالفكم الى ما انهاكم عنه هود 88 احكمت هذه الايه قال لا قال فابدا بنفسك رواه ابن مردويه في تفسيره وقال الطبراني حدثنا عبدان بن احمد حدثنا زيد بن الحريش حدثنا عبد الله بن خراش عن العوام بن حوشب عن سعيد بن المسيب بن رافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من دعا الناس الى قول او عمل ولم يعمل هو به لم يزل في ظل سخط الله حتى يكف او يعمل ما قال او دعا اليه اسناده فيه ضعف وقال ابراهيم النخعي اني لاكره القصص لثلاث ايات قوله تعالى اتامرون الناس بالبر وتنسون انفسكم وقوله يا ايها الذين امنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون الصف 2 3 وقوله اخبارا عن شعيب وما اريد ان اخالفكم الى ما انهاكم عنه ان اريد الا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب هود 88 وما احسن ما قال مسلم بن عمرو ما اقبح التزهيد من واعظ يزهد الناس ولا يزهد لو كان في تزهيده صادقا اضحى وامسى بيته المسجد ان رفض الناس فما باله يستفتح الناس ويسترقد الرزق مقسوم على من ترى يسقى له الابيض والاسود وقال بعضهم جلس ابو عثمان الحيري الزاهد يوما على مجلس التذكير فاطال السكوت ثم انشا يقول وغير تقي يامر الناس بالتقى طبيب يداوي والطبيب مريض قال فضج الناس بالبكاء وقال ابو العتاهيه الشاعر وصفت التقى حتى كانك ذو تقى وريح الخطايا من ثيابك تسطع وقال ابو الاسود الدولي لا تنه عن خلق وتاتي مثله عار عليك اذا فعلت عظيم فابدا بنفسك فانهها عن غيها فاذا انتهت عنه فانت حكيم فهناك يقبل ان وعظت ويقتدى بالقول منك وينفع التعليم وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمه عبد الواحد بن زيد البصري العابد الواعظ قال دعوت الله ان يريني رفيقي في الجنه فقيل لي في المنام هي امراه في الكوفه يقال لها ميمونه السوداء فقصدت الكوفه لاراها فقيل لي هي ترعى غنما بواد هناك فجئت اليها فاذا هي قائمه تصلي والغنم ترعى حولها وبينهن الذئاب لا ينفرن منه ولا يسطو الذئاب عليهن فلما سلمت قالت يا ابن زيد ليس الموعد هنا انما الموعد ثم فسالتها عن شان الذئاب والغنم فقالت اني اصلحت ما بيني وبين سيدي فاصلح ما بين الذئاب والغنم فقلت لها عظيني فقالت يا عجبا من واعظ يوعظ ثم قالت يا ابن زيد انك لو وضعت موازين القسط على جوارحك لخبرتك بمكتوم مكنون ما فيها يا ابن زيد انه بلغني ما من عبد اعطى من الدنيا شيئا فابتغى اليه تائبا الا سلبه الله حب الخلوه وبدله بعد القرب البعد وبعد الانس الوحشه ثم انشات تقول يا واعظا قام لاحتساب يزجر قوما عن الذنوب تنهى وانت السقيم حقا هذا من المنكر العجيب تنهى عن الغي والتمادي وانت في النهي كالمريب لو كنت اصلحت قبل هذا غيك او تبت من قريب كان لما قلت يا حبيبي موضع صدق من القلوب