ابن كثير : قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم الا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا ولا تقتلوا اولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون قال داود الاودي عن الشعبي عن علقمه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال من اراد ان يقرا صحيفه رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه فليقرا هولاء الايات قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم الا تشركوا به شيئا الى قوله لعلكم تتقون وقال الحاكم في مستدركه حدثنا بكر بن محمد الصيرفي بمرو حدثنا عبد الصمد بن الفضل حدثنا مالك بن اسماعيل النهدي حدثنا اسرائيل عن ابي اسحاق عن عبد الله بن خليفه قال سمعت ابن عباس يقول في الانعام ايات محكمات هن ام الكتاب ثم قرا قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم الا تشركوا به شيئا ثم قال صحيح الاسناد ولم يخرجاه قلت ورواه زهير وقيس بن الربيع كلاهما عن ابي اسحاق عن عبد الله بن قيس عن ابن عباس به والله اعلم وروى الحاكم ايضا في مستدركه من حديث يزيد بن هارون عن سفيان بن حسين عن الزهري عن ابي ادريس عن عباده بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ايكم يبايعني على ثلاث " ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم حتى فرغ من الايات فمن وفى فاجره على الله ومن انتقص منهن شيئا فادركه الله به في الدنيا كانت عقوبته ومن اخر الى الاخره فامره الى الله ان شاء عذبه وان شاء عفا عنه " ثم قال صحيح الاسناد ولم يخرجاه وانما اتفقا على حديث الزهري عن ابي ادريس عن عباده " بايعوني على الا تشركوا بالله شيئا " الحديث وقد روى سفيان بن حسين كلا الحديثين فلا ينبغي ان ينسب الى الوهم في احد الحديثين اذا جمع بينهما والله اعلم واما تفسيرها فيقول تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم قل يا محمد لهولاء المشركين الذين اشركوا وعبدوا غير الله وحرموا ما رزقهم الله وقتلوا اولادهم وكل ذلك فعلوه بارائهم وتسويل الشياطين لهم قل لهم تعالوا اي هلموا واقبلوا اتل ما حرم ربكم عليكم اي اقص عليكم واخبركم بما حرم ربكم عليكم حقا لا تخرصا ولا ظنا بل وحيا منه وامرا من عنده الا تشركوا به شيئا وكان في الكلام محذوفا دل عليه السياق وتقديره واوصاكم الا تشركوا به شيئا ; ولهذا قال في اخر الايه ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون وكما قال الشاعر حج واوصى بسليمى الاعبدا ان لا ترى ولا تكلم احدا ولا يزل شرابها مبردا وتقول العرب امرتك الا تقوم وفي الصحيحين من حديث ابي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اتاني جبريل فبشرني انه من مات لا يشرك بالله شيئا من امتك دخل الجنه قلت وان زنا وان سرق قال وان زنا وان سرق قلت وان زنا وان سرق قال وان زنا وان سرق قلت وان زنا وان سرق قال وان زنا وان سرق وان شرب الخمر " وفي بعض الروايات ان القائل ذلك انما هو ابو ذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وانه عليه السلام قال في الثالثه " وان رغم انف ابي ذر " فكان ابو ذر يقول بعد تمام الحديث وان رغم انف ابي ذر وفي بعض المسانيد والسنن عن ابي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول الله تعالى يا ابن ادم انك ما دعوتني ورجوتني فاني اغفر لك على ما كان منك ولا ابالي ولو اتيتني بقراب الارض خطيئه اتيتك بقرابها مغفره ما لم تشرك بي شيئا وان اخطات حتى تبلغ خطاياك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك " ولهذا شاهد في القران قال الله تعالى ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء النساء 48 116 وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود " من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنه " والايات والاحاديث في هذا كثيره جدا وروى ابن مردويه من حديث عباده وابي الدرداء " لا تشركوا بالله شيئا وان قطعتم او صلبتم او حرقتم " وقال ابن ابي حاتم حدثنا محمد بن عوف الحمصي حدثنا ابن ابي مريم حدثنا نافع بن يزيد حدثني سيار بن عبد الرحمن عن يزيد بن قوذر عن سلمه بن شريح عن عباده بن الصامت قال اوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع خصال " الا تشركوا بالله شيئا وان حرقتم وقطعتم وصلبتم " وقوله تعالى وبالوالدين احسانا اي واوصاكم وامركم بالوالدين احسانا اي ان تحسنوا اليهم كما قال تعالى وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا الاسراء 23 وقرا بعضهم " ووصى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا " والله تعالى كثيرا ما يقرن بين طاعته وبر الوالدين كما قال ان اشكر لي ولوالديك الي المصير وان جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من اناب الي ثم الي مرجعكم فانبئكم بما كنتم تعملون لقمان 14 15 فامر بالاحسان اليهما وان كانا مشركين بحسبهما وقال تعالى واذ اخذنا ميثاق بني اسرائيل لا تعبدون الا الله وبالوالدين احسانا الايه البقره 83 والايات في هذا كثيره وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم اي العمل احب الى الله قال " الصلاه على وقتها " قلت ثم اي قال " بر الوالدين " قلت ثم اي قال " الجهاد في سبيل الله " قال ابن مسعود حدثني بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني وروى الحافظ ابو بكر بن مردويه بسنده عن ابي الدرداء وعن عباده بن الصامت كل منهما يقول اوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم " اطع والديك وان امراك ان تخرج لهما من الدنيا فافعل " ولكن في اسناديهما ضعف والله اعلم وقوله تعالى ولا تقتلوا اولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم لما اوصى تعالى ببر الاباء والاجداد عطف على ذلك الاحسان الى الابناء والاحفاد فقال تعالى ولا تقتلوا اولادكم من املاق وذلك انهم كانوا يقتلون اولادهم كما سولت لهم الشياطين ذلك فكانوا يئدون البنات خشيه العار وربما قتلوا بعض الذكور خيفه الافتقار; ولهذا جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قلت يا رسول الله اي الذنب اعظم قال " ان تجعل لله ندا وهو خلقك " قلت ثم اي قال " ان تقتل ولدك خشيه ان يطعم معك " قلت ثم اي قال " ان تزاني حليله جارك " ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين لا يدعون مع الله الها اخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق اثاما الفرقان 68 وقوله من املاق قال ابن عباس وقتاده والسدي هو الفقر اي ولا تقتلوهم من فقركم الحاصل وقال في سوره " سبحان " ولا تقتلوا اولادكم خشيه املاق الاسراء 31 اي خشيه حصول فقر في الاجل; ولهذا قال هناك نحن نرزقهم واياكم فبدا برزقهم للاهتمام بهم اي لا تخافوا من فقركم بسببهم فرزقهم على الله واما في هذه الايه فلما كان الفقر حاصلا قال نحن نرزقكم واياهم ; لانه الاهم هاهنا والله اعلم وقوله تعالى ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن كقوله تعالى قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون الاعراف 33 وقد تقدم تفسيرها في قوله وذروا ظاهر الاثم وباطنه الانعام 12 وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا احد اغير من الله من اجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن " وقال عبد الملك بن عمير عن وراد عن مولاه المغيره قال قال سعد بن عباده لو رايت مع امراتي رجلا لضربته بالسيف غير مصفح فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " اتعجبون من غيره سعد فوالله لانا اغير من سعد والله اغير مني من اجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن " اخرجاه وقال كامل ابو العلاء عن ابي صالح عن ابي هريره قال قيل يا رسول الله انا نغار قال " والله اني لاغار والله اغير مني ومن غيرته نهى عن الفواحش " رواه ابن مردويه ولم يخرجه احد من اصحاب الكتب السته وهو على شرط الترمذي فقد روي بهذا السند " اعمار امتي ما بين الستين الى السبعين " وقوله تعالى ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق وهذا مما نص تبارك وتعالى على النهي عنه تاكيدا والا فهو داخل في النهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن فقد جاء في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد ان لا اله الا الله واني رسول الله الا باحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعه " وفي لفظ لمسلم والذي لا اله غيره لا يحل دم رجل مسلم " وذكره قال الاعمش فحدثت به ابراهيم فحدثني عن الاسود عن عائشه رضي الله عنها بمثله وروى ابو داود والنسائي عن عائشه رضي الله عنها; ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل دم امرئ مسلم الا باحدى ثلاث خصال زان محصن يرجم ورجل قتل رجلا متعمدا فيقتل ورجل يخرج من الاسلام حارب الله ورسوله فيقتل او يصلب او ينفى من الارض " وهذا لفظ النسائي وعن امير المومنين عثمان بن عفان رضي الله عنه انه قال وهو محصور سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا يحل دم امرئ مسلم الا باحدى ثلاث رجل كفر بعد اسلامه او زنا بعد احصانه او قتل نفسا بغير نفس " فوالله ما زنيت في جاهليه ولا اسلام ولا تمنيت ان لي بديني بدلا منه بعد اذ هداني الله ولا قتلت نفسا فبم تقتلونني رواه الامام احمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن وقد جاء النهي والزجر والوعيد في قتل المعاهد وهو المستامن من اهل الحرب كما رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من قتل معاهدا لم يرح رائحه الجنه وان ريحها توجد من مسيره اربعين عاما " وعن ابي هريره رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من قتل معاهدا له ذمه الله وذمه رسوله فقد اخفر بذمه الله فلا يرح رائحه الجنه وان ريحها ليوجد من مسيره سبعين خريفا " رواه ابن ماجه والترمذي وقال حسن صحيح وقوله ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون اي هذا ما وصاكم به لعلكم تعقلون عنه امره ونهيه